الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٤

الميزان في تفسير القرآن  13%

الميزان في تفسير القرآن  مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 459

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 459 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 96757 / تحميل: 5840
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ماذا سميتموه ؟ فقلنا : سمّيناه حرباً ، فقال : لا ولكن اسمه محسن ، ثم قال : إنّي سميتهم ببني هارون : شبّر ، وشبيراً ، يقول : حسن وحسين.

الثاني من المصادر هو مسند أبي داود الطيالسي(1) ( ت 204 ه‍ ) ، فقد ورد فيه الحديث مرّة واحدة كما يلي :

حدّثنا أبو داود قال : حدّثنا قيس عن أبي إسحاق قال : سمعت هانئ بن هانئ يحدّث عن عليّ قال : لما ولد الحسن بن عليّ قلت : سمّوه حرباً ـ وقد كنت أحب أن أكتني بأبي حرب ـ فأتى رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فدعا به ، قلنا : سمّيناه حرباً ، قال رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) : بل هو الحسن ، فلمّا ولد الحسين سمّيناه حرباً ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) : هو حسين.

وراجع منحة المعبود في ترتيب مسند أبي داود للساعاتي(2) تجد الحديث أيضاً.

الثالث من المصادر : الطبقات الكبرى لابن سعد(3) ( ت 231 ه‍ ) الطبقة الخامسة ، جاء فيه الحديث بصورتين :

1 ـ قال : أخبرنا عبيد الله بن موسى ، قال : حدّثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّ قال : لمّا ولد الحسن سمّيته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ، ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : بل هو حسن ، فلمّا ولد الحسين سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : بل هو حسين ، فلمّا ولد الثالث سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ، ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : بل هو محسّن ، ثم قال : سميتهم بأسماء ولد هارون شبّر وشبير ومشبّرا.

__________________

(1) مسند أبي داود الطيالسي 1 : 19 ، ح 129.

(2) منحة المعبود في ترتيب مسند أبي داود للساعاتي 2 : 129 ـ 130.

(3) الطبقات الكبرى لابن سعد 1 : 240.

٢١

2 ـ قال : أخبرنا الحسن بن موسى ، قال : حدّثنا زهير بن معاوية ، عن أبي إسحاق قال : لما ولد الحسن سمّاه عليّ حرباً ، قال : وكان يُعجبه أن يكنّى أبا حرب ، فقال رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) : وما سميتم ابني ؟ قالوا : حرباً ، قال : ما شأن حرب وهو حسن.

فلمّا ولد حسين سماه عليّ حرباً ، فقال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميتم ابني ؟ قالوا : حرباً ، فقال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما شأن حرب ؟ بل هو حسين ، فلمّا ولد الثالث سمّاه حرباً ، فقال رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميتم ابني ؟ قالوا : حرباً ، فقال : ما شأن حرب هو محسِن أو محسّن.

الرابع من المصادر هو مسند أحمد بن حنبل(1) ( ت241 ه‍ ) ، فقد ورد فيه الحديث كما يلي :

حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، حدّثنا يحيى بن آدم ، حدّثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال : لما ولد الحسن سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميته ؟ قال : قلت : حرباً ، قال : بل هو حسن ، فلمّا ولد الحسين سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميته ؟ قلت : حرباً ، قال : بل هو حسين ، فلما ولد الثالث سميته حرباً ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميته ؟ قلت : حرباً ، قال : بل هو محسن ، ثم قال : سميتهم بأسماء ولد هارون شبّر وشبير ومشبّر.

وأورده مرّة ثانية وثالثة(2) بسند آخر ، وتفاوت في اللفظ وإليك نصّه :

حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، حدّثنا حجاج ، حدّثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال : لما ولد الحسن جاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : سميته حرباً ، قال : بل هو حسن ، فلمّا ولد الحسين قال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : سميته حرباً ، قال : بل هو حسين ، فلمّا ولد

__________________

(1) مسند أحمد بن حنبل 1 : 98.

(2) المصدر نفسه 1 : 118.

٢٢

الثالث جاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : حرباً ، قال : بل هو محسن ، ثم قال : سميتهم بأسماء ولد هارون شبّر وشبير ومشبّر.

وأخرجه عن أحمد الديار بكري في تاريخ الخميس ، والكنجي الشافعي في كفاية الطالب(1) ، وأخرجه أحمد أيضاً في كتاب الفضائل كما في ( الحسين والسنة )(2) .

والغريب أنّ من الشيعة من أخرج ذلك دون التنبيه إلى ما فيه من خفايا البلايا ، كما مرّ في ذكر المصادر الشيعية التي تسرّب إليها الحديث.

الخامس من المصادر هو الأدب المفرد للبخاري(3) ( ت 256 ه‍ ) ، جاء فيه الحديث بصورة واحدة :

حدّثنا أبو نعيم ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال : لما ولد الحسنرضي‌الله‌عنه سميته حرباً ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : بل هو حسن.

فلما ولد الحسينرضي‌الله‌عنه سميته حرباً ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : بل هو حسين ، فلما ولد الثالث سميته حرباًَ ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : بل هو محسن ، ثم قال : إنّي سميتهم بأسماء ولد هارون شبّر وشبير ومشبّر.

وعقّب المحقق على ذلك فقال : ليس في شيء من الكتب الستة ، وجاء في كتاب فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد(4) ، تأليف فضل الله الجيلاني استاذ في الجامعة العثمانية ما يلي : أخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب من طريقين

__________________

(1) تاريخ الخميس 1 : 418 , كفايه الطالب : 352.

(2) الحسين والسنة : 15.

(3) الأدب المفرد للبخاري : 213.

(4) فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد تأليف فضل الله الجيلاني 2 : 288.

٢٣

كلاهما عن إسرائيل إلى آخره ، والحاكم وقال : صحيح الاسناد ، وأحمد ، وقال الحافظ في الإصابة : إسناده صحيح.

السادس من المصادر هو أنساب الأشراف للبلاذري(1) ( ت 279 ه‍ ) ، فقد جاء فيه :

حدّثني أبو عمرو الزيادي ، حدّثنا عبد الله بن رجاء ، حدّثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق أنّ علياً قال : لمّا ولد الحسن سميته حرباً ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، فقال : هو الحسن ، فلمّا ولد الحسين سميناه حرباً ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، فقال : هو الحسين ، فلما ولد الثالث جاء فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً قال : هو محسن ، إنّما سميتهم بأسماء ولد هارون شبر شبير ومشبر.

حدّثنا عبد الله بن صالح ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق بنحوه ، ورواه أيضاً بسندٍ آخر عن ابن سعد ، ذكره في ترجمة الحسينعليه‌السلام (2) .

السابع من المصادر هو المعجم الكبير للطبراني(3) ( ت 360 ه‍ ) ، جاء فيه الحديث بخمسة أسانيد :

1 ـ حدّثنا عثمان بن عمر الضبّي ، حدّثنا عبد الله بن رجاء ، أخبرنا إسرائيل ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال : لما ولد الحسن سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ فقلت : حرباً ، فقال : بل هو حسن ، فلمّا ولد الحسين سميناه حرباً ، فأتى رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : ائتوني بابني ما سميتموه ؟ فقلت : حرباً ، فقال : بل هو حسين ، فلما ولد الثالث سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ فقلت : حرباً ، فقال : بل هو محسن ، ثم قال : سميتهم بولد هارون شبر وشبير ومشبّر.

__________________

(1) أنساب الأشراف للبلاذري 1 : 404.

(2) ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام 3 : 144.

(3) المعجم الكبير للطبراني 3 : 100 ـ 101.

٢٤

2 ـ حدّثنا محمّد بن يحيى بن سهل بن محمّد العسكري ، ثنا سهل بن عثمان ، ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، عن أبيه ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال : لما ولد الحسن ابن عليّرضي‌الله‌عنه جاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سمّيتموه ؟ قلت : سميته حرباً ، قال : بل هو حسن ، فلمّا ولد الحسين بن عليّرضي‌الله‌عنه جاء فقال مثل قوله ، فقلت : سميته حرباً ، فقال : بل هو حسين ، فلمّا ولد الثالث جاء فقال مثل قوله ، فقلت : سميته حرباً ، فقال : بل هو محسن ، ثم قال : سميتهم بولد هارون شبر وشبير ومشبر.

3 ـ حدّثنا محمّد بن أبان الأصبهاني ، حدّثنا إسماعيل بن عمرو البجلي ، ثنا قيس بن الربيع ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال : كنت أحبّ أن أكتني بأبي حرب ، فلمّا ولد الحسن سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : ما سميتم ؟ فقلت : سميته حرباً ، فقال : هو الحسن.

4 ـ حدّثنا محمّد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا أبو كريب ، ثنا إبراهيم بن يوسف ، عن أبيه ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال : لما ولد الحسن سميته حرباً ، فقال لي : لا ولكن سمّه حسناً ، ثم ولد الحسين فسميته حرباً ، فقال لي رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميته ؟ فقلت : حرباً ، قال : بل سمّه حسيناً ، ثم ولد آخر فسميته حرباً ، فقال( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميته ؟ قلت : حرباً ، قال : سمّه محسناً.

5 ـ حدّثنا محمّد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا عبد الله بن عمر بن أبان ، ثنا يحيى بن عيسى الرملي التميمي ، ثنا الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد قال : قال عليّرضي‌الله‌عنه : كنت رجلاً أحب الحرب ، فلمّا ولد الحسن هممت أن أسميه حرباً ، فسمّاه رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) الحسن ، فلما ولد الحسين هممت أن أسميه حرباً فسمّاه رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) الحسين ، وقال( صلّى الله عليه وسلّم ) : إنّي سميت إبنيّ هذين باسم إبني هارون شبراً وشبيراً.

الثامن من المصادر هو المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري(1) ( ت 405 ه‍ ) ، جاء فيه بصورتين :

__________________

(1) المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري 3 : 165.

٢٥

1 ـ أخبرنا أبو العباس محمّد بن أحمد المحبوبي بمرو ، ثنا سعيد بن مسعود ، ثنا عبيد الله بن يونس ، أنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال : لما ولدت فاطمة الحسن جاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قال : قلت : حرباً ، قال : بل هو حسن.

فلمّا ولدت الحسين جاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قال : أروني ابني ما سمّيتموه ؟ قلت : سميته حرباً ، قال : بل هو حسين ، ثم ولدت الثالث جاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قال : أروني ابني ما سمّيتموه ؟ قلت : سميته حرباً ، قال : بل هو محسن ، ثم قال : إنّما سميتهم باسم ولد هارون شبر وشبير ومشبر.

وعقّب الحاكم على الحديث بقوله : هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه ، وتبعه الذهبي في التلخيص ، فذكر الحديث مبتدءاً بالسند من هانئ بن هانئ ثم قال في آخره : صحيح ، رواه إسرائيل عن جدّه.

ثم إنّ الحاكم أخرج الحديث مرّة ثانية(1) كما يلي :

2 ـ حدّثنا أبو الحسن عليّ بن محمّد الشيباني بالكوفة ، حدّثنا إبراهيم بن إسحاق الزهري ، ثنا جعفر بن عون ، ثنا يونس بن أبي إسحاق ، عن أبيه ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّ قال : لما أن ولد الحسن سميته حرباً ، فقال لي النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميت ابني ؟ قلت : حرباً ، قال : بل هو الحسن ، فلمّا ولد الحسين سميته حرباً ، فقال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميت ابني ؟ قلت : حرباً ، قال : هو الحسين ، فلما ولد محسن قال : ما سميت ابني ؟ قلت : حرباً ، قال هو محسن ، ثم قال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : إنّي سمّيت بَنيّ هؤلاء بتسمية هارون بنيه شبّراً وشبيراً ومشبّراً.

وعقّب الحاكم على الحديث بقوله : هذا الحديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه ، وذكره الذهبي في التلخيص مختصراً وعقب بقوله : قلت مرّ من حديث إسرائيل.

__________________

(1) المصدر نفسه 3 : 168.

٢٦

التاسع من المصادر هو السنن الكبرى للبيهقي(1) ( ت 458 ه‍ ) ، جاء فيه :

أخبرنا أبو عليّ الروذباريّ ، أنبأ عبد الله بن عمر بن أحمد بن شوذب المقري بواسط ، أنبأ شعيب بن أيوب ، ثنا عبيد بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّ قال : لمّا ولد الحسن سمّيته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ فقلت : حرباً ، فقال : بل هو حسن.

ثم ولد الحسين فسميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ماسميتموه ؟ فقلت : حرباً ، فقال : بل هو حسين ، فلمّا ولد الثالث سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : حرباً ، قال : بل هو محسن ، ثم قال : سميتهم بأسماء ولد هارون شبّر وشبير ومشبّر.

ثم قال البيهقي : رواه يونس بن أبي إسحاق عن أبيه ، وقال في الحديث : إنّي سميت بَنيّ هؤلاء بتسمية هارون بنيه ، وروي في هذا المعنى أخبار كثيرة.

وجاء فيه أيضاً(2) : أخبرنا عليّ بن أحمد بن عبدان ، أنبأ أحمد بن عبيد ، ثنا عثمان بن عمر ، ثنا ابن رجا ، ثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، ح ( حيلولة ) وحدّثنا أبو عبد الله الحافظ ، ثنا أبو الحسن عليّ بن محمّد الشيباني بالكوفة ، ثم ساق الحديث سنداً ومتناً كما مرّ في الحديث الثاني عند الحاكم في المستدرك حرفاً بحرف ، ثم عقّب البيهقي بقوله : لفظ حديث يونس ، وفي رواية إسرائيل : أروني ابني ما سميتموه ؟ والباقي بمعناه.

العاشر من المصادر هوتاريخ دمشق لابن عساكر ( ت 571 ه‍ ) ، ( ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام بتحقيق المحمودي )(3) جاء الحديث فيه بثلاث صور :

__________________

(1) السنن الكبرى للبيهقي 6 : 163.

(2) المصدر نفسه 7 : 63.

(3) ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام من تاريخ دمشق : 17 ـ 18.

٢٧

1 ـ أخبرنا أبو العز بن كادش ، أخبرنا أبو محمّد الجوهري ، أخبرنا عليّ بن محمّد بن أحمد ابن نصير ، أخبرنا جعفر بن محمّد بن عتيب ، أخبرنا محمّد بن خالد بن خداش ، أخبرنا سالم بن قتيبة ، أخبرنا يونس بن أبي إسحاق ، عن أبيه ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّ قال : لما ولد الحسن سميته حرباً ، فقال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميت ابني ؟ قلت : حرباً ، قال : هو الحسن.

فلما ولد الحسين سميته حرباً ، فقال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميت ابني ؟ قلت : حرباً ، قال : هو الحسين ، فلما ولد محسن سميته حرباً ، فقال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميت ابني ؟ قلت : حرباً ، قال : فهو محسن ، ثم قال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : إنّي سميت بَنيّ هؤلاء تسمية هارون بنيه شبراً وشبيراً ومشبراً.

2 ـ أخبرنا أبو غالب ابن البناء ، أخبرنا أبو الحسين ابن الآبنوس ، أخبرنا أبو الحسن الدارقطني ، أخبرنا محمّد بن القاسم بن زكريا ، أخبرنا أبو كريب ، أخبرنا إبراهيم بن يوسف ، عن أبيه ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، أنّه حدّثه عن عليّ قال : لما ولد الحسن سميته حرباً ، فقال لي رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميته ؟ قلت : سميته حرباً ، قال : لا ولكن اسمه حسن ، ثم ولد لي الحسين سميته حرباً ، فقال لي رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميته ؟ قلت : سميته حرباً ، فقال : لا اسمه حسين ، ثم ولد لي فقال : ما سميته ؟ قلت : سميته حرباً ، فقال : لا اسمه محسن.

قال الدارقطني : تفرد به إبراهيم بن يوسف عن أبيه.

3 ـ أخبرنا أبو عليّ بن السبط ، أخبرنا أبو محمّد الجوهري ، وأخبرنا أبو القاسم بن الحصين ، أخبرنا أبو عليّ ابن المذهب ، قالا : أخبرنا أحمد بن جعفر ، أخبرنا عبد الله ، حدّثني أبي ، أخبرنا يحيى بن آدم ، أخبرنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّ قال : لما ولد الحسن سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قال : قلت : حرباً ، قال : بل هو حسن.

٢٨

فلما ولد الحسين سمّاه حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قال : قلت : حرباً ، قال : بل هو حسين ، فلمّا ولد الثالث سمّيته حرباً ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : حرباً ، قال : بل هو محسن ، ثم قال : سميتهم بأسماء ولد هارون شبّر شبير مشبر.

الحادي عشر من المصادر هو أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير(1) ( ت 630 ه‍ ) ، جاء فيه في ترجمة الحسن :

قال عليّ بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه : لما ولد الحسن جاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : سميته حرباً ، قال : بل هو حسن ، فلما ولد الحسين سمّيناه حرباً ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : سميته حرباً ، قال : بل هو حسين ، فلمّا ولد الثالث جاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : حرباً ، قال : بل هو محسن ، ثم قال : سميتهم بأسماء ولد هارون شبر وشبير ومشبر.

وجاء أيضاً ثانياً(2) ذكر الحديث الآنف الذكر في ترجمة الحسين مع ذكر اسناده المنتهي إلى أحمد بن حنبل ، وحيث تقدّم في المصدر الثالث فلا حاجة إلى إعادته.

وجاء فيه أيضاً(3) في ترجمة المحسن اعادة الحديث بنفس السند السابق.

الثاني عشر من المصادر هو ( مجمع الزوائد )(4) للهيثمي ( ت 807 ه‍ ) ، جاء فيه ذكر الحديث المروي عن هانئ بن هانئ ، ثم قال الهيثمي : رواه أحمد والبزار إلاّ أنّه قال : سميتهم بأسماء ولد هارون جبر وجبير ومجبّر. والطبراني ، ورجال أحمد والبزار رجال الصحيح غير هانئ بن هانئ ، وهو ثقة.

__________________

(1) اُسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير 2 : 10 ـ 18.

(2) المصدر نفسه 2 : 18.

(3) المصدر نفسه 4 : 308.

(4) مجمع الزوائد للهيثمي 8 : 52.

٢٩

ثم ورد في المصدر المذكور الحديث الآخر : وعنه ـ عن عليّ ـ قال : لما ولد الحسن سميته حرباً ، وكنت أحب أن أكتني بأبي حرب ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فحنكه ، فقال : ما سميتم ابني ؟ فقلنا : حرباً ، فقال : هو الحسن ، ثم ولد الحسين فسميته حرباً ، فأتى النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فحنكه فقال : ما سميتم ابني ؟ فقلنا : حرباً ، فقال : هو الحسين.

ثم قال الهيثمي : رواه البزار والطبراني بنحوه بأسانيد ، ورجال أحدهما رجال الصحيح.

الثالث عشر من المصادر هو عيون الأخبار وفنون الآثار(1) للداعي المطلق إدريس عماد الدين القرشي ( ت 872 ه‍ ) ، جاء فيه ما لفظه :

وروي عن أبي غسان بإسناده عن عليّ أمير المؤمنينعليه‌السلام قال : لما ولد الحسن بن عليّ سمته أمّه حرباً ، فجاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : لا بل هو حسن.

فلما ولد الحسين سمته أمّه أيضاً حرباً ، فجاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : لا بل هو حسين ، فلمّا ولد محسن سمّته أمه حرباً ، فجاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : لا ، بل هو محسن ، ثم قال : إنّي سميتهم بأسماء أولاد هارون شبر وشبير ومشبر.

وعقّب المؤلف على ذلك بقوله : ومن هذه الرواية دليل على أنّ محسن ولد على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأشهر الذي عليه الإجماع أيضاً أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سمّاه وهو في بطن فاطمة ، وأنّها أسقطته حين راعها عمر بن الخطاب ودفع على بطنها الباب ، والله أعلم بالصواب.

تعقيب على صور الحديث :

هذه نماذج من صور الحديث في مختلف المصادر ، وهي من الأمهات التي يرجع إليها المتأخرون وعنها يأخذون ، وحسب القارئ هذه المصادر الإثنى عشر

__________________

(1) عيون الأخبار وفنون الآثار 4 : 6.

٣٠

فهي تُغني عن غيرها ، ولنعد الآن إلى صور الحديث فنُلقي عليها نظرة فاحصة ، لنعرف مدى التفاوت الذي حصل بين ما جاء في أقدم مصدر ، وبين ما جاء بعده ، مع العلم بأنّ الحديث واحد ، وراويه الأول واحد ، ثم الذي رواه عنه أيضاً هو واحد ، فلماذا نجدُ التفاوت ؟

ومهما كان ذلك لفظياً أو بسيطاً ، فهو بالتالي يكشف عن عدم الدقة في النقل ، ويورث ذلك عدم الثقة بالناقل ، وبالتالي إلى عدم اعتبار الحديث ، فخذ أمثلة على ذلك :

1 ـ جاء في ثاني المصادر وهو كتاب ( مسند الطيالسي ) فقد روى حديث أبي إسحاق بن يحيى ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّ ، وقد ورد فيه أنّ علياً كان يحب أن يكتنى بأبي حرب فسمّى ولده حرباً ، فغيّره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وسمّاه حسناً ، ثم ولد الحسين سماه عليّ حرباً وغيّره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وسمّاه حسيناً.

وإلى هنا انتهى الحديث ولم يأت عن ولادة الثالث شيئاً ، ولا عن تسمية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لهما باسم ابني هارون ، بينما نجد نفس الحديث بنفس السند في المصادر التالية فيه نقص وفيه زيادة ، ففي بعضها ليس فيه ذكر لمحبة عليّ أن يكتني بأبي حرب ، بينما فيه زيادة ذكر ولادة المحسن وأنّ علياً سمّاه حرباً ، فغيّره النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) وسمّاه المحسن ، مضافاً إلى زيادة قوله( صلّى الله عليه وسلّم ) : سميتهم بأسماء ولد هارون الخ. فمن أين جاءت تلك الزيادة ؟ ولماذا طرأ ذلك النقصان ، فاختفت محبة عليّ أن يكتنى بأبي حرب !!

2 ـ وخذ مثالاً ثانياً ما جاء في الحديث الثاني الذي رواه ابن سعد في الطبقات ، وهو الثالث في سُلّم المصادر ، تجد الحديث يرويه أبو إسحاق مرسلاً ليس فيه ذكر عمّن أخذه ، وفيه تجد حبّ عليّ أن يكتني بأبي حرب ، وفيه زيادة أخرى هي قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في كل ولادة : ( ما شأن حرب وهو حسن ) ( ما شأن حرب وهو حسين ) ( ما شأن حرب وهو محسن أو محسّن ) [ بالتشديد ] وهذه الزيادة

٣١

الأخيرة لم ترد إلاّ في حديث أبي إسحاق المرسل الذي أخرجه ابن سعد في الطبقات ، ولم ترد في بقية المصادر التي أوردت الحديث.

3 ـ وخذ مثالاً ثالثاً حديث هانئ بن هانئ عن عليّ ، وقارن بين ألفاظه في مختلف مصادره تقف على التفاوت فيها ، ولابدّ لنا من الإشارة إلى أنّ هانئ بن هانئ الذي حدّث عن عليّعليه‌السلام لم يروِ عنه غير أبي إسحاق ، كما سيأتي بيان ذلك.

فهذا التفاوت والاختلاف إما أن يكون منه أو من أبي إسحاق ، وفي كلتا الحالتين يتطرق الريب إلى صدقهما في النقل ، أما الحمل على رجال السند من بعد أبي إسحاق حتى أصحاب المصادر ربّما كان فيه تجنٍ عليهم ، لأنّهم رووا ما سمعوا ، وإن كانت المؤاخذة قد ترد عليهم حين رووا ذلك على ما فيه من تفاوتٍ وتهافت.

4 ـ وخذ مثالاً رابعاً ما جاء في المصدر الثاني عشر ، ففيه مضافاً إلى إرساله أنّ الذي سمّى الأبناء بحرب هي أمهم فاطمةعليها‌السلام ، وهذا بخلاف ما مرّ أنّ علياًعليه‌السلام هو الذي سمى أو أحبّ أن يسمّي ، فجميع هذه الملاحظات تسقط الحديث المذكور عن الاعتبار.

والآن لنقرأ شيئاً عن الرواة لنعرف وزنهم في ميزان الجرح والتعديل.

٣٢
٣٣

الفصل الثاني

البحث عن رجال الاسناد

ولنبدأ بهم حسب ذكرهم في المصادر ، فرجال الحديث فيالمصدر الأول ـ وهو سيرة ابن إسحاق ـ قال : أنا ( أخبرنا ) يونس ، عن يونس بن عمرو ، عن أبيه ، عن هانئ بن هانئ.

فيونس الأول هو : ابن بكير ، قال الآجري عن أبي داود : ليس هو عندي بحجة ، كان يأخذ ابن إسحاق فيوصله بالأحاديث ، ومع ذلك قالوا عنه : كان صدوقاً إلاّ أنّه كان يتبع السلطان ، وكان مرجّئاً ، ومع ذلك روى له مسلم متابعة !!

ويونس الثاني هو : ابن عمرو ـ أبي إسحاق ـ السبيعي روى عن أبيه ، وقد أثنوا عليه في كتب الرجال ، ومن الثناء عليه : كان يقدم عثمان على عليّ ، ولعل ذلك هو سبب قول أبي حاتم : صدوق لا يحتج به ( خلاصة تهذيب الكمال ).

وفي المصدر الثاني : وهو ( مسند أبي داود الطيالسي ) : حدّثنا قيس ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّعليه‌السلام .

فأما قيس ـ شيخ أبي داود ـ فقد قال هو نفسه عنه : ما أخرجت له إلاّ ثلاثة أحاديث ، حدّث بأحاديث عن منصور هي عن عبيدة ، وأحاديث عن مغيرة هي

٣٤

عن فراس ، وقال أحمد : روى أحاديث منكرة ، وكان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عن قيس ، وكان ابن معين يقول عنه : ليس بشيء ، وقال : ضعيف الحديث لا يساوي شيئاً(1) .

أما باقي رجال السند فستأتي حالهم عند ذكر المصادر التالية حسب تسلسلها.

وفي المصدر الثالث : وهو الطبقات الكبرى فقد روى ابن سعد عن عبيد الله بن موسى ، قالوا عنه : ثقة يتشيع ، عن إسرائيل بن يونس : ثقة تكلّم فيه بلا حجة ، عن أبي إسحاق السبيعي ثقة عابد اختلط بآخره ، عن هانئ بن هانئ الهمداني الكوفي ، قال ابن المديني : مجهول ، وقال الشافعي : لا يُعرف ، وأهل العلم لا ينسبون حديثه لجهالة حاله(2) .

وقال ابن سعد في الطبقات(3) : كان يتشيع وهو منكر الحديث.

وقال الذهبي(4) : ليس بالمعروف ، وقد ورد ذكره في كتب الرجال الشيعية ، ولم يذكر فيه مدح ، نعم روي أنّه كان من آخر رسل أهل الكوفة إلى الحسينعليه‌السلام ، هو وسعيد بن عبد الله الحنفي يطلبون منه القدوم عليهم ، وأنّهم ينتظرونه ولا رأي لهم في غيره ، فأجابهمعليه‌السلام وأرسل الجواب مع الرسولين المذكورين ، كما ذكر ذلك الشيخ المفيد في الإرشاد(5) ، والطبري(6) وغيره ذكروا مثل ذلك.

__________________

(1) تهذيب التهذيب 8 : 393.

(2) المصدر نفسه 11 : 12.

(3) طبقات ابن سعد 6 : 155.

(4) المغني في الضعفاء 2 : 707.

(5) الارشاد : 203.

(6) تاريخ الطبري 6 : 198.

٣٥

ولدى التحقيق في أسماء شهداء الطف لم أقف على ذكر لهانئ بن هانئ المذكور بينهم ، بينما ورد اسم سعيد بن عبد الله الحنفي في عداد الشهداء ، وكان من المفترض فيه أن يكون كزميله الحنفي ولم يذكر أنه كذلك ، ونكتفي بهذا عنه ، ويتضح أنّ الرجل مجهول الحال أو مجروح ، ومَن وثقه لا يقوم بحجة ترفع أقوال الجارحين من أئمة الفن.

وقد قال ابن عبد البر في الاستقصاء ( ترجمة رقم 2182 ) : كل مَن لم يرو عنه إلاّ رجل واحد لا يعرف إلاّ بذلك ، فهو مجهول عندهم لا تقوم به حجة.

فتبيّن أنّ الحديث بهذا السند الضعيف لا يصح أن يحتج به.

أما الحديث الثاني في الطبقات فهو عن الحسن بن موسى ، وهو الأشيب أبو عليّ البغدادي ثقة ، عن زهير بن معاوية أبو خيثمة ثقة ثبت وسماعه عن أبي إسحاق بآخرة ، وقد تقدم أن أبا إسحاق اختلط بآخرة فلاحظ ذلك ، فالحديث مضاف إلى إرساله إذ لم يدرك أبو إسحاق الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ليروي عنه ، فأبو إسحاق في هذا إما مرسِل أو مدلِّس ، لأنّه روى الحديث كما مرّ بالسند الأول عن هانئ بن هانئ وهو هنا لم يذكره.

أما أسانيد المصادر الباقية فحيث أنّها تنتهي إلى إسرائيل عن أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ ، وقد عرفنا حال هؤلاء ، فلا حاجة إلى بسط القول في الرجال الّذين رووا الحديث عن إسرائيل ، يبقى لنا و قفة عابرة مع أولئك الّذين اهتموا بتصحيح الاسناد كالبزار والحاكم والهيثمي وغيرهم ممّن سبقت الإشارة إلى أقوالهم ، فإنّ حجتهم ـ الواهية ـ أنّ رجال بعض أسانيده هم رجال الصحيح ، كما مرّ عن رجال أحمد والبزار وحكاه الهيثمي. وكأنّ الصحيح عندهم هو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

وأسفي على تلك الجهود المضاعة لإثبات أنّ صحيح البخاري هو أصح كتاب بعد كتاب الله ، مع كثرة ما فيه من هنات وهفوات ، وما أخذ عليه وفيه من مؤاخذات ، يعرفها أولئك المخرفون قبل غيرهم.

٣٦

ومهما يكن حالهم فلسنا بصددهم ، وإنّما الذي يهمنا أن نقوله : إنّ جميع الأسانيد في الحديث في جميع المصادر تنتهي إلى أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ ، ومرّت بنا كلمة الشافعي وغيره ، فلا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن يحتج بالحديث المذكور ، وكذلك بالنسبة إلى الحديث الثاني الذي رواه أبو إسحاق مرسلاً.

بقى هنا شيء يجب أن ننبه عليه ، هو ما جاء مرسلاً عن سالم بن أبي الجعد ، قال عليّ : كنت رجلاً أحبّ الحرب ، فلما ولد الحسن هممت أن أسميه حرباً ، فسمّاه رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) الحسن ، قال : فلما ولد الحسين فهممت أن أسميه حرباً لأنّي كنت أحبّ الحرب ، وسماه رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) الحسين ، وقال : إنّي سميت ابنيّ هذين باسمي ابني هارون شبراً وشبيراً.

وهذا الحديث أخرجه ابن سعد في الطبقات(1) ، والهيثمي في مجمع الزوائد(2) ، والطبراني في المعجم الكبير(3) ، ولمّا كان مرسلاً فلا حاجة إلى عطف النظر إلى رجال السند فيه.

كما لا حاجة إلى البحث عن أبي غسان الراوي للحديث مرسلاً عن عليّعليه‌السلام كما في المصدر الثاني عشر ، فلا تغني معرفة حاله ، مع جهالة الراوي عنهم من رجاله ، وهذا هو المصدر الوحيد الذي ذكرته وصاحبه من غير أهل السنة ، كما أنّه ليس من الشيعة الإمامية ، بل هو من الإسماعيلية ، وإنّما ذكرته للتنبيه على تسرّب حديث الاكتناء بأبي حرب في التراث الإسلامي ، دون الالتفات إلى ما فيه من هناة.

__________________

(1) طبقات ابن سعد : 239.

(2) مجمع الزوائد 8 : 52.

(3) المعجم الكبير 3 : 97.

٣٧

الفصل الثالث

البحث عن متن الحديث

والبحث في هذا المجال يكون من خلال ست نقاط على النحو التالي :

النقطة الأولى : وفيها تحقيق المراد من اسم حرب ، فهل هو اسم المعنى الوصفي ؟ أم اسم العلم الشخصي ؟ وما المراد منهما في الحديث.

النقطة الثانية : هل كان اسم حرب من الأسماء المبغوضة أم المحبوبة ؟

النقطة الثالثة : ماذا كان يعني إصرار الإمام ـ إن صدقت الأحلام ـ في تسمية أبنائه بحرب اسم المعنى الوصفي ، أم اسم العلم الشخصي ؟

النقطة الرابعة : ما هي الدوافع المغرية في شخصية حرب اسم العلم الشخصي ؟ بدءاً من آبائه ، ومروراً به ، وانتهاءاً بأبنائه ؟

النقطة الخامسة : في كنى الإمام وما هي أحبّ كناه إليه ؟

النقطة السادسة : وأخيراً ماذا وراء الأكمة من تعتيم وظلمة لتضليل الأمة ؟

٣٨
٣٩

النقطة الأولى

في تحقيق المراد من اسم حرب

النقطة الأولى : في تحقيق المراد من اسم حرب وهل هو اسم المعنى ؟ أم اسم العلم ؟ ومن المراد منهما في الحديث ؟

إذا رجعنا إلى المصدر الأول والحديث الثالث من المصدر الخامس ، وجدنا قول الإمام ـ فيما نسب إليه ـ : « وقد كنت أحبّ أن أكتني بأبي حرب » وفي مرسل أبي إسحاق كما في المصدر الثاني نقرأ قول أبي إسحاق : « وكان يعجبه أن يكنّى أبا حرب » ، أما في مرسل سالم بن أبي جعد نقرأ قول الإمام : « كنت رجلاً أحبّ الحرب ».

ومهما أغضينا النظر عن الاختلاف في معاني الكلمات الثلاث ، فإنّ هذا إن دل على شيء فيدلّ على أنّ المراد بحرب هو اسم المعنى الوصفي ، ولعله إستناداً إلى ذلك ذهب العقّاد ـ وربما غيره أيضاً ـ إلى أنّ المراد من حب الإمام أن يكتني بأبي حرب ؛ لأنّه رجل شجاع يحب الحرب ، فلنقرأ ما يقوله العقّاد ، وهو يتحدث عن سيرة الإمام مع بنيه ، بعد أن حكى قول الإمام في حق الوالد على الولد ، وحق الولد على الوالد وهو : ( أن يحسّن اسمه ، ويحسّن أدبه ، ويعلّمه القرآن ).

قال العقّاد : ومن إحسان التسمية أنّه همّ بتسمية ابنه حرباً ، لأنّه يرشحه للجهاد وهو أشرف صناعاته ، لولا أنّ رسول الله سمّاه الحسن وهو أحسن ، فجرى على

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

و قيل الضمير للرسول المعلوم من مضمون الآية السابقة بشهادة قولهم:( لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا ) و هو قريب من جهة اللفظ و المعنى الأوّل من جهة المعنى و يؤيّده قوله:( فَنَتَّبِعَ آياتِكَ ) و لم يقل: فنتّبع رسولك.

قوله تعالى: ( قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَ مَنِ اهْتَدى‏ ) التربّص الانتظار، و الصراط السويّ الطريق المستقيم، و قوله:( كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ ) أي كلّ منّا و منكم متربّص منتظر فنحن ننتظر ما وعده الله لنا فيكم و في تقدّم دينه و تمام نوره و أنتم تنتظرون بنا الدوائر لتبطلوا الدعوة الحقّة و كلّ منّا و منكم يسلك سبيلاً إلى مطلوبه فتربّصوا و انتظروا و فيه تهديد فستعلمون أيّ طائفة منّا و منكم أصحاب الطريق المستقيم الّذي يوصله إلى مطلوبه و من الّذين اهتدوا إلى المطلوب و فيه ملحمة و إخبار بالفتح.

( بحث روائي)

في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( لَكانَ لِزاماً وَ أَجَلٌ مُسَمًّى ) قال: كان ينزل بهم العذاب و لكن قد أخّرهم إلى أجل مسمّى.

و في الدرّ المنثور، أخرج الطبرانيّ و ابن مردويه و ابن عساكر عن جرير عن النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم): في قوله:( وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ غُرُوبِها ) قال: قبل طلوع الشمس صلاة الصبح و قبل غروبها صلاة العصر.

و في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( وَ مِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَ أَطْرافَ النَّهارِ ) قال: بالغداة و العشيّ.

أقول: و هو يؤيّد ما قدّمناه.

و في الكافي، بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له:( وَ أَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى) ؟ قال: يعني تطوّع بالنهار.

أقول: و هو مبنيّ على تفسير التسبيح بمطلق الصلاة أو بمطلق التسبيح.

و في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ ) الآية: قال أبوعبدالله

٢٦١

(عليه السّلام): لمّا نزلت هذه الآية استوى رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم) جالساً ثمّ قال: من لم يتعزّ بعزاء الله تقطّعت نفسه على الدنيا حسرات، و من اتبع بصره ما في أيدي الناس طال همّه و لم يشف غيظه، و من لم يعرف أنّ لله عليه نعمة لا في مطعم و لا في مشرب قصر أجله و دنا عذابه.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي شيبة و ابن راهويه و البزّار و أبويعلى و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و ابن مردويه و الخرائطيّ في مكارم الأخلاق و أبونعيم في المعرفة عن أبي رافع قال: أضاف النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) ضيفا و لم يكن عند النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) ما يصلحه فأرسلني إلى رجل من اليهود أن بعنا أو أسلفنا دقيقاً إلى هلال رجب فقال: لا إلّا برهن.

فأتيت النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) فقال: أما و الله إنّي لأمين في السماء أمين في الأرض و لو أسلفني أو باعني لأدّيت إليه أذهب بدرعي الحديد فلم أخرج من عنده حتّى نزلت هذه الآية:( وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى‏ ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ ) كأنّه يعزّيه عن الدنيا.

أقول: و مضمون الآية و خاصّة ذيلها لا يلائم القصّة.

و فيه، أخرج ابن مردويه و ابن عساكر و ابن النجّار عن أبي سعيد الخدريّ قال: لمّا نزلت( وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ ) كان النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) يجي‏ء إلى باب عليّ ثمانية أشهر يقول: الصلاة رحمكم الله إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيراً.

أقول: و رواه في مجمع البيان، عن الخدري و فيه تسعة أشهر مكان ثمانية أشهر، و روى هذا المعنى في العيون، في مجلس الرضا مع المأمون عنه، (عليه السلام) و رواه القمّيّ أيضاً في تفسيره، مرفوعاً، و التقييد بتسعة أشهر مبنيّ على ما شاهده الراوي لا على تحديد أصل إتيانه (صلّي الله عليه وآله وسلّم) و الشاهد عليه‏ ما رواه الشيخ في الأمالي، بإسناده عن أبي الحميراء قال: شهدت النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) أربعين صباحاً يجي‏ء إلى باب عليّ و فاطمة فيأخذ بعضادتي الباب ثمّ يقول: السلام عليكم أهل البيت و رحمة الله و بركاته الصلاة

٢٦٢

يرحمكم الله إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيراً.

و ظاهر الرواية كون الآية مدنيّة و لم يذكر ذلك أحد فيما أذكر و لعلّ المراد بيان إتيانه (صلّي الله عليه وآله وسلّم) الباب في المدينة عملاً بالآية و لو كانت نازلة بمكّة و إن كان بعيداً من اللفظ و في رواية القمّيّ الّتي أومأنا إليها ما يؤيّد هذا المعنى ففيها: فلم يزل يفعل ذلك كلّ يوم إذا شهد المدينة حتّى فارق الدنيا، و حديث أمره أهل بيته بالصلاة مرويّ بطرق اُخرى أيضاً غير ما مرّت الإشارة إليه.

و في الدرّ المنثور، أخرج أبوعبيد و سعيد بن منصور و ابن المنذر و الطبرانيّ في الأوسط، و أبو نعيم في الحلية، و البيهقيّ في شعب الإيمان، بسند صحيح عن عبدالله بن سلام قال: كان النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) إذا نزلت بأهله شدّة أو ضيق أمرهم بالصلاة و تلا( وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ ) الآية.

أقول: و روى هذا المعنى أيضاً عن أحمد في الزهد، و ابن أبي حاتم و البيهقيّ في شعب الإيمان، عن ثابت عنه (صلّي الله عليه وآله وسلّم)، و فيه دلالة على التوسّع في معنى التسبيح في الآية.

٢٦٣

( سورة الأنبياء مكّيّة و هي مائة و اثنتا عشرة آية)

( سورة الأنبياء الآيات ١ - ١٥)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ ( ١ ) مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ( ٢ ) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ( ٣ ) قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ( ٤ ) بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ ( ٥ ) مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ ( ٦ ) وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ( ٧ ) وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ ( ٨ ) ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ ( ٩ ) لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ( ١٠ ) وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ ( ١١ ) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ ( ١٢ ) لَا تَرْكُضُوا

٢٦٤

وَارْجِعُوا إِلَىٰ مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ ( ١٣ ) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ( ١٤ ) فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّىٰ جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ ( ١٥ )

( بيان)

غرض السورة الكلام حول النبوّة بانياً ذلك على التوحيد و المعاد فتفتتح بذكر اقتراب الحساب و غفلة الناس عن ذلك و إعراضهم عن الدعوة الحقّة الّتي تتضمّن الوحي السماويّ فهي ملاك حساب يوم الحساب و تنتقل من هناك إلى موضوع النبوّة و استهزاء الناس بنبوّة النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) و رميهم إيّاه بأنّه بشر ساحر بل ما أتى به أضغاث أحلام بل مفتر بل شاعر! فتردّ ذلك بذكر أوصاف الأنبياء الماضين الكلّيّة إجمالاً و أنّ النبيّ لا يفقد شيئاً ممّا وجدوه و لا ما جاء به يغاير شيئاً ممّا جاؤا به.

ثمّ تذكر قصص جماعة من الأنبياء تأييداً لما تقدّم من الإجمال و هم موسى و هارون و إبراهيم و إسحاق و يعقوب و لوط و نوح و داود و سليمان و أيّوب و إسماعيل و إدريس و ذو الكفل و ذو النون و زكريّا و يحيى و عيسى.

ثمّ تتخلّص إلى ذكر يوم الحساب و ما يلقاه المجرمون و المتّقون فيه، و أنّ العاقبة للمتّقين و أنّ الأرض يرثها عباده الصالحون ثمّ تذكّر أنّ إعراضهم عن النبوّة إنّما هو لإعراضهم عن التوحيد فتقيم الحجّة على ذلك كما تقيمها على النبوّة و الغلبة في السورة للوعيد على الوعد و للإنذار على التبشير. و السورة مكّيّة بلا خلاف فيها و سياق آياتها يشهد بذلك.

قوله تعالى: ( اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَ هُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ) الاقتراب افتعال من القرب و اقترب و قرب بمعنى واحد غير أنّ اقترب أبلغ لزيادة بنائه و يدلّ على مزيد عناية بالقرب، و يتعدىّ القرب و الاقتراب بمن و إلى يقال: قرب أو اقترب زيد من عمرو أو إلى عمرو و الأوّل يدلّ على أخذ نسبة القرب من عمرو و الثاني على أخذها من زيد لأنّ الأصل في معنى من ابتداء الغاية كما أنّ الأصل في معنى إلى انتهاؤها.

٢٦٥

و من هنا يظهر أنّ اللام في( لِلنَّاسِ ) بمعنى إلى لا بمعنى( من ) لأنّ المناسب للمقام أخذ نسبة الاقتراب من جانب الحساب لأنّه الّذي يطلب الناس بالاقتراب منهم و الناس في غفلة معرضون.

و المراد بالحساب - و هو محاسبة الله سبحانه أعمالهم يوم القيامة - نفس الحساب لا زمانه بنحو التجوّز أو بتقدير الزمان و إن أصرّ بعضهم عليه و وجهه بعض آخر بأنّ الزمان هو الأصل في القرب و البعد و إنّما ينسب القرب و البعد إلى الحوادث الواقعة فيه بتوسّطه.

و ذلك لأنّ الغرض في المقام متعلّق بتذكره نفس الحساب لتعلّقه بأعمال الناس إذ كانوا مسؤلين عن أعمالهم فكان من الواجب في الحكمة أن ينزل عليهم ذكر من ربّهم ينبّههم على ما فيه مسؤليّتهم، و من الواجب عليهم أن يستمعوا له مجدّين غير لاعبين و لا لاهية قلوبهم نعم لو كان الكلام مسوقاً لبيان أهوال الساعة و ما اُعدّ من العذاب للمجرمين كان الأنسب التعبير بيوم الحساب أو تقدير الزمان و نحو ذلك.

و المراد بالناس الجنس و هو المجتمع البشريّ الّذي كان أكثرهم مشركين يومئذ لا المشركون خاصّة و إن كان ما ذكر من أوصافهم كالغفلة و الإعراض و الاستهزاء و غيرها أوصاف المشركين فليس ذلك من نسبة حكم البعض إلى الكلّ مجازاً بل من نسبة حكم المجتمع إلى نفسه حقيقة ثمّ استثناء البعض الّذي لا يتّصف بالحكم كما يلوّح إليه أمثال قوله:( وَ أَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) و قوله:( فَأَنْجَيْناهُمْ وَ مَنْ نَشاءُ ) على ما هو دأب القرآن في خطاباته الاجتماعيّة من نسبة الحكم إلى المجتمع ثمّ استثناء الأفراد غير المتّصفة به.

و بالجملة فرق بين أخذ المجتمع موضوعاً للحكم و استثناء أفراد منه غير متّصفة به و بين أخذ أكثر الأفراد موضوع الحكم ثمّ نسبة حكمه إلى الكلّ مجازاً و ما نحن فيه من القبيل الأوّل دون الثاني.

و قد وجّه بعضهم اقتراب الحساب للناس بأنّ كلّ يوم يمرّ على الدنيا تصير

٢٦٦

أقرب إلى الحساب منها بالأمس، و قيل: الاقتراب إنّما هو بعناية كون بعثته (صلّي الله عليه وآله وسلّم) في آخر الزمان كما قال (صلّي الله عليه وآله وسلّم): بعثت أنا و الساعة كهاتين‏، و أمّا الوجه السابق فإنّما يناسب اللفظ الدالّ على الاستمرار دون الماضي الدالّ على الفراغ من تحقّقه و نظيره أيضاً توجيهه بأنّ الاقتراب لتحقّق الوقوع فكلّ ما هو آت قريب.

و قوله:( وَ هُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ) ذلك أنّهم تعلّقوا بالدنيا و اشتغلوا بالتمتّع فامتلأت قلوبهم من حبّها فلم يبق فيها فراغ يقع فيها ذكر الحساب وقوعاً تتأثّر به حتّى أنّهم لو ذكّروا لم يذكروا و هو الغفلة فإنّ الشي‏ء كما يكون مغفولاً عنه لعدم تصوّره من أصله قد يكون مغفولاً عنه لعدم تصوّره كما هو حقّه بحيث تتأثّر النفس به.

و بهذا يظهر الجواب عن الإشكال بأنّ الجمع بين الغفلة و هي تلازم عدم التنبّه للشي‏ء و الإعراض و هو يستلزم التنبّه له جمع بين المتنافيين، و محصّل الجواب أنّهم في غفلة عن الحساب لعدم تصوّرهم إيّاه كما هو حقّه و هم معرضون عنه لاشتغالهم عن لوازم العلم بخلافها.

و أجاب عنه الزمخشريّ بما لفظه: وصفهم بالغفلة مع الإعراض على معنى أنّهم غافلون عن حسابهم ساهون لا يتفكّرون في عاقبتهم و لا يتفطّنون لما يرجع إليه خاتمة أمرهم مع اقتضاء عقولهم أنّه لا بدّ من جزاء للمحسن و المسي‏ء، و إذا قرعت لهم العصا و نبّهوا عن سنة الغفلة و فطنوا لذلك بما يتلى عليهم من الآيات و النذر أعرضوا و سدّوا أسماعهم و نفروا. انتهى.

و الفرق بينه و بين ما وجّهنا به أنّه أخذ الإعراض في طول الغفلة لا في عرضه، و الإنصاف أنّ ظاهر الآية اجتماعهما لهم في زمان واحد، لا ترتّب الوصفين زماناً.

و دفع بعضهم الإشكال بأخذ الإعراض بمعنى الاتّساع فالمعنى و هم متّسعون في غفلة، و آخرون بأخذ الغفلة بمعنى الإهمال و لا تنافي بين الإهمال و الإعراض، و الوجهان من قبيل الالتزام بما لا يلزم.

٢٦٧

و المعنى: اقترب للناس حساب أعمالهم و الحال أنّهم في غفلة مستمرّة أو عظيمة معرضون عنه باشتغالهم بشواغل الدنيا و عدم التهيّؤ له بالتوبة و الإيمان و التقوى.

قوله تعالى: ( ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَ هُمْ يَلْعَبُونَ لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ) الآية بمنزلة التعليل لقوله:( وَ هُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ) إذ لو لم يكونوا في غفلة معرضين لم يلعبوا و لم يتلهّوا عند استماع الذكر الّذي لا ينبّههم إلّا على ما يهمّهم التنبّه له و يجب عليهم التهيّؤ له، و لذلك جي‏ء بالفصل من غير عطف.

و المراد بالذكر ما يذكر به الله سبحانه من وحي إلهيّ كالكتب السماويّة و منها القرآن الكريم، و المراد بإتيانه لهم نزوله على النبيّ و إسماعه و تبليغه، و محدث بمعنى جديد و هو معنى إضافيّ و هو وصف ذكر فالقرآن مثلاً ذكر جديد أتاهم بعد الإنجيل و الإنجيل كان ذكرا جديدا أتاهم بعد التوراة و كذلك بعض سور القرآن و آياته ذكر جديد أتاهم بعد بعض.

و قوله:( إِلَّا اسْتَمَعُوهُ ) استثناء مفرّغ عن جميع أحوالهم و( اسْتَمَعُوهُ ) حال و( هُمْ يَلْعَبُونَ ) ( لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ) حالان من ضمير الجمع في( اسْتَمَعُوهُ ) فهما حالان متداخلتان.

و اللعب فعل منتظم الأجزاء لا غاية له إلّا الخيال كلعب الأطفال و اللهو اشتغالك عمّا يهمّك يقال: ألهاه كذا أي شغله عمّا يهمّه و لذلك تسمّى آلات الطرب آلات اللهو و ملاهي، و اللهو من صفة القلب و لذلك قال:( لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ) فنسبه إلى قلوبهم.

و معنى الآية: و ما يأتيهم - بالنزول و البلوغ - ذكر جديد من ربّهم في حال من الأحوال إلّا و الحال أنّهم لاعبون لاهية قلوبهم فاستمعوه فيها أي إنّ إحداث الذكر و تجديده لا يؤثّر فيهم و لا أثراً قليلاً و لا يمنعهم عن الاشتغال بلعب الدنيا عمّا وراءها و هذا كناية عن أنّ الذكر لا يؤثّر فيهم في حال لا أنّ جديدة لا يؤثّر و قديمه يؤثّر و هو ظاهر.

٢٦٨

و استدلّ بظاهر الآية على كون القرآن محدثا غير قديم، و أوّلها الأشاعرة بأنّ توصيف الذكر بالمحدث من جهة نزوله و هو لا ينافي قدمه في نفسه و ظاهر الآية عليهم و للكلام تتمّة نوردها في بحث مستقلّ.

( كلام في معنى حدوث الكلام و قدمه في فصول)

١- ما معنى حدوث الكلام و بقائه؟ إذا سمعنا كلاماً من متكلّم كشعر من شاعر لم نلبث دون أن ننسبه إليه ثمّ إذا كرّره و تكلّم بمثله ثانياً لم نرتب في أنّه هو كلامه الأوّل بعينه أعاده ثانياً ثمّ إذا نقل ناقل عنه ذلك حكمنا بأنّه كلام ذلك القائل الأوّل بعينه ثمّ كلّما تكرّر النقل كان المنقول من الكلام هو بعينه الكلام الأوّل الصادر من المتكلّم الأوّل و إن تكرّر إلى ما لا نهاية له.

هذا بالبناء على ما يقضي به الفهم العرفيّ لكنّا إذا أمعنّا في ذلك قليل إمعان وجدنا حقيقة الأمر على خلاف ذلك فقول القائل: جاءني زيد مثلاً ليس كلاماً واحداً لأنّ فيه الجيم أو الألف أو الهمزة فإنّ كلّ واحدة منها فرد من أفراد الصوت المتكوّن من اعتماد نفس المتكلّم على مخرج من مخارج فمه، و المجموع أصوات كثيرة ليست بواحدة البتّة إلّا بحسب الوضع و الاعتبار.

ثمّ إنّ الّذي تكلّم به قائل القول الأوّل ثانياً و الّذي تكلّم به الناقل الّذي ينقله عن صاحبه الأوّل ثالثاً و رابعاً و غير ذلك أفراد اُخر من الصوت مماثلة لما في الكلام الأوّل المفروض من الأصوات المتكوّنة و ليست عينها إلّا بحسب الاعتبار و ضرب من التوسّع.

و ليست هذه الأصوات كلاماً إلّا من حيث إنّها علائم و أمارات بحسب الوضع و الاعتبار تدلّ على معان ذهنيّة، و لا واحداً إلّا باعتبار تعلّق غرض واحد بها.

و يتحصّل بذلك أنّ الكلام بما أنّه كلام أمر وضعيّ اعتباريّ لا تحقّق له في الخارج من ظرف الدعوى و الاعتبار، و إنّما المتحقّق في الخارج حقيقة الأفراد من الصوت الّتي جعلت علائم بالوضع و الاعتبار بما أنّها أصوات لا بما أنّها علائم

٢٦٩

مجعولة، و إنّما ينسب التحقّق إلى الكلام بنوع من العناية.

و من هنا يظهر أنّ الكلام لا يتّصف بشي‏ء من الحدوث و البقاء فإنّ الحدوث و هو مسبوقيّة الوجود بالعدم الزمانيّ و البقاء و هو كون الشي‏ء موجوداً في الآن بعد الآن على نعت الاتّصال من شؤون الحقائق الخارجيّة، و لا تحقّق للاُمور الاعتباريّة في الخارج.

و كذا لا يتّصف الكلام بالقدم و هو عدم كون وجود الشي‏ء مسبوقاً بعدم زمانيّ لأنّ القدم أيضاً كالحدوث في كونه من شؤون الحقائق الخارجيّة دون الاُمور الاعتباريّة.

على أنّ في اتّصاف الكلام بالقدم إشكالاً آخر بحياله، و هو أنّ الكلام هو المؤلّف من حروف مترتّبة متدرّجة بعضها قبل و بعضها بعد، و لا يتصوّر في القدم تقدّم و تأخّر و إلّا كان المتأخّر حادثاً و هو قديم هذا خلف، فالكلام - بمعنى الحروف المؤلّفة الدالّة على معنى تامّ بالوضع - لا يتصوّر فيه قدم مع كونه محالاً في نفس الأمر فافهم ذلك.

٢- هل الكلام بما هو كلام فعل أو صفة ذاتيّة؟ بمعنى أنّ ذات المتكلّم هل هي تامّة في نفسها مستغنية عن الكلام ثمّ يتفرّع عليها الكلام أو أنّ قوام الذات متوقّف عليه كتوقّف الحيوان في ذاته على الحياة أو كعدم انفكاك الأربعة عن الزوجيّة في وجه، لا ريب أنّ الكلام بحسب الحقيقة ليس فعلاً و لا صفة للمتكلّم لأنّه أمر اعتباريّ لا تحقّق له إلّا في ظرف الدعوى و الوضع فلا يكون فعلاً حقيقيّاً صادراً عن ذات خارجيّة و لا صفة لموصوف خارجيّ.

نعم الكلام بما أنّه عنوان لأمر خارجيّ و هو الأصوات المؤلّفة و هي أفعال خارجيّة للمتصوّت بها تعدّ فعلاً للمتكلّم بنوع من التوسّع ثمّ يؤخذ عن نسبته إلى الفاعل وصف له و هو التكلّم و التكليم كما في نظائره من الاعتباريّات كالخضوع و الإعظام و الإهانة و البيع و الشري و نحو ذلك.

٣- تحليل معنى الكلام: من الممكن أن يحلّل الكلام من جهة غرضه و هو الكشف عن المعاني المكنونة

٢٧٠

في الضمير فيعود بذلك أمراً حقيقيّاً بعد ما كان اعتباريّاً، و هذا أمر جار في جلّ الاعتباريّات أو كلّها، و قد استعمله القرآن في معان كثيرة كالسجود و القنوت و الطوع و الكره و الملك و العرش و الكرسيّ و الكتاب و غير ذلك.

فحقيقة الكلام هو ما يكشف به عن مكنونات الضمير فكلّ معلول كلام لعلّته لكشفه بوجوده عن كمالها المكنون في ذاتها، و أدقّ من ذلك أنّ صفات الشي‏ء الذاتية كلام له يكشف به عن مكنون ذاته، و هذا هو الّذي يذكر الفلاسفة أنّ صفاته تعالى الذاتيّة كالعلم و القدرة و الحياة كلام له تعالى، و أيضاً العالم كلامه تعالى.

و بيّن أنّ الكلام بناء على هذا التحليل في قدمه و حدوثه تابع لسنخ وجوده، فالعلم الإلهيّ كلام قديم بقدم الذات و زيد الحادث بما هو آية تكشف عن ربّه كلام له حادث، و الوحي النازل على النبيّ بما أنّه تفهيم إلهيّ حادث بحدوث التفهيم و بما أنّه في علم الله - و اعتبر علمه كلاماً له - قديم بقدم الذات كعلمه تعالى بجميع الأشياء من حادث و قديم.

٤- محصّل البحث‏: تحصّل من الفصول السابقة أنّ القرآن الكريم إن اُريد به هذه الآيات الّتي نتلوها بما أنّها كلام دالّ على معان ذهنيّة نظير سائر الكلام ليس بحسب الحقيقة لا حادثاً و لا قديماً. نعم هو متّصف بالحدوث بحدوث الأصوات الّتي هي معنونة بعنوان الكلام و القرآن.

و إن اُريد به ما في علم الله من معانيها الحقّة كان كعلمه تعالى بكلّ شي‏ء حقّ قديماً بقدمه فالقرآن قديم أي علمه تعالى به قديم كما أنّ زيداً الحادث قديم أي علمه تعالى به.

و من هنا يظهر أنّ البحث عن قدم القرآن و حدوثه بما أنّه كلام الله ممّا لا جدوى فيه فإنّ القائل بالقدم إن أراد به أنّ المقروّ من الآيات بما أنّها أصوات مؤلّفة دالّة على معانيها قديم غير مسبوق بعدم فهو مكابر، و إن أراد به أنّه في علمه تعالى و بعبارة اُخرى علمه تعالى بكتابه قديم فلا موجب لإضافة علمه إليه ثمّ الحكم بقدمه بل علمه بكلّ شي‏ء قديم بقدم ذاته لكون المراد بهذا العلم هو

٢٧١

العلم الذاتيّ.

على أنّه لا موجب حينئذ لعدّ الكلام صفة ثبوتيّة ذاتيّة اُخرى له تعالى وراء العلم لرجوعه إليه و لو صحّ لنا عدّ كلّ ما ينطبق بحسب التحليل على بعض صفاته الحقيقيّة الثبوتيّة صفة ثبوتيّة له لم ينحصر عدد الصفات الثبوتيّة بحاصر لجواز مثل هذا التحليل في مثل الظهور و البطون و العظمة و البهاء و النور و الجمال و الكمال و التمام و البساطة، إلى غير ذلك ممّا لا يحصى.

و الّذي اعتبره الشرع و ورد من هذا اللفظ في القرآن الكريم ظاهر في المعنى الأوّل المذكور ممّا لا تحليل فيه كقوله تعالى:( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ ) البقرة: ٢٥٣، و قوله:( وَ كَلَّمَ اللهُ مُوسى‏ تَكْلِيماً ) النساء: ١٦٤، و قوله:( وَ قَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ ) البقرة: ٧٥، و قوله:( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ ) المائدة: ١٣، إلى غير ذلك من الآيات.

و أمّا ما ذكره بعضهم أنّ هناك كلاماً نفسيّاً قائماً بنفس المتكلّم غير الكلام اللفظيّ و أنشد في ذلك قول الشاعر:

إنّ الكلام لفي الفؤاد و إنّما

جعل اللسان على الفؤاد دليلاً

و الكلام النفسيّ فيه تعالى هو الموصوف بالقدم دون الكلام اللفظيّ.

ففيه أنّه إن اُريد بالكلام النفسيّ معنى الكلام اللفظيّ أو صورته العلميّة الّتي تنطبق على لفظه عاد معناه إلى العلم و لم يكن أمراً يزيد عليه و صفة مغايرة له و إن اُريد به معنى وراء ذلك فلسنا نعرفه في نفوسنا إذا راجعناها.

و أمّا ما اُنشد من الشعر في بحث عقليّ فلا ينفعه و لا يضرّنا، و الأبحاث العقليّة أرفع مكانة من أن يصارع فيها الشعراء.

قوله تعالى: ( وَ أَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَ فَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَ أَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ) الإسرار يقابل الإعلان فإسرار النجوى هو المبالغة في كتمان القول و إخفائه فإنّ إسرار القول يفيد وحدة معنى النجوى فإضافته إلى النجوى تفيد المبالغة.

٢٧٢

و ضمير الفاعل في( أَسَرُّوا النَّجْوَى ) راجع إلى الناس غير أنّه لما لم يكن الفعل فعلاً لجميعهم و لا لأكثرهم فإنّ فيهم المستضعف و من لا شغل له به و إن كان منسوباً إلى الكلّ من جهة ما في مجتمعهم من الغفلة و الإعراض أوضح النسبة بقوله:( الَّذِينَ ظَلَمُوا ) فهو عطف بيان دلّ به على أنّ النجوى إنّما كان في الّذين ظلموا منهم خاصّة.

و قوله:( هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَ فَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَ أَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ) هو الّذي تناجوا به، و قد كانوا يصرّحون بتكذيب النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) و يعلنون بأنّه بشر و أنّ القرآن سحر من غير أن يخفوا شيئاً من ذلك لكنّهم إنّما أسرّوه في نجواهم إذ كان ذلك منهم شورى يستشير بعضهم فيه بعضا ما ذا يقابلون به النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) و يجيبون عمّا يسألهم من الإيمان بالله و برسالته؟ فما كان يسعهم إلّا كتمان ما يذكر فيما بينهم و إن كانوا أعلنوا به بعد الاتّفاق على ردّ الدعوة.

و قد اشتمل نجواهم على قولين قطعوا عليهما أو ردوهما بطريق الاستفهام الإنكاريّ و هما قوله:( هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ) و قد اتّخذوه حجّة لإبطال نبوّته و هو أنّه كما تشاهدونه - و قد أتوا باسم الإشارة دون الضمير فقالوا: هل هذا؟ و لم يقولوا: هل هو؟ للدلالة على العلم به بالمشاهدة - بشر مثلكم لا يفارقكم في شي‏ء يختصّ به فلو كان ما يدّعيه من الاتّصال بالغيب و الارتباط باللاهوت حقّاً لكان عندكم مثله لأنّكم بشر مثله، فإذ ليس عندكم من ذلك نبأ فهو مثلكم لا خبر عنده فليس بنبيّ كما يدّعي.

و قولهم:( أَ فَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَ أَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ) و هو متفرّع بفاء التفريع على نفي النبوّة بإثبات البشريّة فيرجع المعنى إلى أنّه لمّا لم يكن نبيّاً متّصلاً بالغيب فالّذي أتاكم به مدّعياً أنّه آية النبوّة ليس بآية معجزة من الله بل سحر تعجزون عن مثله، و لا ينبغي لذي بصر سليم أن يذعن بالسحر و يؤمن بالساحر.

قوله تعالى: ( قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) أي إنّه تعالى محيط علماً بكلّ قول سرّاً أو جهراً و في أيّ مكان و هو السميع

٢٧٣

لأقوالكم العليم بأفعالكم فالأمر إليه و ليس لي من الأمر شي‏ء.

و الآية حكاية قول النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) لهم لمّا أسرّوا النجوى و قطعوا على تكذيب نبوّته و رمي آيته و هو كتابه بالسحر و فيها إرجاع الأمر و إحالته إلى الله سبحانه كما في غالب الموارد الّتي اقترحوا عليه فيها الآية و كذلك سائر الأنبياء كقوله:( قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَ إِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ) الملك: ٢٦، و قوله:( قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَ أُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ ) الأحقاف: ٢٣، و قوله:( قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَ إِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ) العنكبوت: ٥٠.

قوله تعالى: ( بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ ) تدرّج منهم في الرمي و التكذيب، فقولهم: أضغاث أحلام أي تخاليط من رؤي غير منظّمة رآها فحسبها نبوّة و كتاباً فأمره أهون من السحر، و قولهم:( بَلِ افْتَراهُ ) ترقّ من سابقه فإنّ كونه أضغاث أحلام كان لازمه التباس الأمر و اشتباهه عليه لكنّ الافتراء يستلزم التعمّد، و قولهم:( بَلْ هُوَ شاعِرٌ ) ترقّ من سابقه من جهة اُخرى فإنّ المفتري إنّما يقول عن تروّ و تدبّر فيه لكنّ الشاعر إنّما يلفظ ما يتخيّله و يروم ما يزيّنه له إحساسه من غير تروّ و تدبّر فربّما مدح القبيح على قبحه و ربّما ذمّ الجميل على جماله و ربّما أنكر الضروريّ و ربّما أصرّ على الباطل المحض، و ربّما صدّق الكذب أو كذّب الصدق.

و قولهم:( فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ ) الكلام متفرّع على ما تقدّمه و المراد بالأوّلين الأنبياء الماضون أي إذا كان هذا الّذي أتى به و هو يعدّه آية و هو القرآن أضغاث أحلام أو افتراء أو شعر فليس يتمّ بذلك دعواه النبوّة و لا يقنعنا ذلك فليأتنا بآية كما أتى الأوّلون من الآيات مثل الناقة و العصا و اليد البيضاء.

و في قوله:( كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ ) و كان الظاهر من السياق أن يقال: كما أتى بها الأوّلون إشارة إلى أنّ الآية من لوازم الإرسال فلو كان رسولاً فليقتد بالأوّلين فيما احتجّوا به على رسالتهم.

و المشركون من الوثنيّين منكرون للنبوّة من رأس فقول هؤلاء: فليأتنا

٢٧٤

بآية كما اُرسل الأوّلون دليل ظاهر على أنّهم متحيّرون في أمرهم لا يدرون ما يصنعون؟ فتارة يواجهونه بالتهكّم و اُخرى يتحكّمون و ثالثة بما يناقض معتقد أنفسهم فيقترحون آية من آيات الأوّلين و هم لا يؤمنون برسالتهم و لا يعترفون بآياتهم. و في قولهم:( فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ ) ، مع ذلك وعد ضمنيّ بالإيمان لو أتى بآية من الآيات المقترحة.

قوله تعالى: ( ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَ فَهُمْ يُؤْمِنُونَ ) ردّ و تكذيب لما يشتمل عليه قولهم:( فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ ) من الوعد الضمنيّ بالإيمان لو أتى بشي‏ء ممّا اقترحوه من آيات الأوّلين.

و محصّل المعنى على ما يعطيه السياق أنّهم كاذبون في وعدهم و لو أنزلنا شيئاً ممّا اقترحوه من آيات الأوّلين لم يؤمنوا بها و كان فيها هلاكهم فإنّ الأوّلين من أهل القرى اقترحوها فأنزلناها فلم يؤمنوا بها فأهلكناهم، و طباع هؤلاء طباع أوّليهم في الإسراف و الاستكبار فليسوا بمؤمنين فالآية بوجه مثل قوله:( فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ ) يونس: ٧٤.

و على هذا ففي الآية حذف و إيجاز و التقدير نحو من قولنا: ما آمنت قبلهم أهل قرية اقترحوا الآيات فأنزلناها عليهم و أهلكناهم لمّا لم يؤمنوا بها بعد النزول أ فهم يعني مشركي العرب يؤمنون و هم مثلهم في الإسراف فتوصيف القرية بقوله:( أَهْلَكْناها ) توصيف بآخر ما اتّصفت بها للدلالة على أنّ عاقبة إجابة ما اقترحوه هي الهلاك لا غير.

قوله تعالى: ( وَ ما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) جواب عمّا احتجّوا به على نفي نبوّته (صلّي الله عليه وآله وسلّم) بقولهم:( هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ) ، بأنّ الماضين من الأنبياء لم يكونوا إلّا رجالاً من البشر فالبشريّة لا تنافي النبوّة.

و توصيف( رِجالًا ) بقوله:( نُوحِي إِلَيْهِمْ ) للإشارة إلى الفرق بين الأنبياء و غيرهم و محصّله أنّ الفرق الوحيد بين النبيّ و غيره هو أنّا نوحي إلى الأنبياء

٢٧٥

دون غيرهم و الوحي موهبة و منّ خاصّ لا يجب أن يعمّ كلّ بشر فيكون إذا تحقّق تحقّق في الجميع و إذا لم يوجد في واحد لم يوجد في الجميع حتّى تحكموا بعدم وجدانه عندكم على عدم وجوده عند النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) و ذلك كسائر الصفات الخاصّة الّتي لا توجد إلّا في الواحد بعد الواحد من البشر ممّا لا سبيل إلى إنكارها.

فالآية تنحلّ إلى حجّتين تقومان على إبطال استدلالهم ببشريّته على نفي نبوّته: إحداهما نقض حجّتهم بالإشارة إلى رجال من البشر كانوا أنبياء فلا منافاة بين البشريّة و النبوّة.

و الثانية: من طريق الحلّ و هو أنّ الفارق بين النبيّ و غيره ليس وصفاً لا يوجد في البشر أو إذا وجد وجد في الجميع بل هو الوحي الإلهيّ و هو كرامة و من خاصّ من الله يختصّ به من يشاء فالآية بهذا النظر نظيرة قوله:( قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا إلى أن قال:قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَ لكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى‏ مَنْ يَشاءُ ) إبراهيم: ١١.

و قوله:( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) تأييد و تحكيم لقوله:( وَ ما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا ) أي إن كنتم تعلمون به فهو و إن لم تعلموا فارجعوا إلى أهل الذكر و اسألوهم هل كانت الأنبياء الأوّلون إلّا رجالاً من البشر؟.

و المراد بالذكر الكتاب السماويّ و بأهل الذكر أهل الكتاب فإنّهم كانوا يشايعون المشركين في عداوة النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) و كان المشركون يعظّمونهم و ربّما شاوروهم في أمره و سألوهم عن مسائل يمتحنونه بها و هم القائلون للمشركين على المسلمين:( هؤُلاءِ أَهْدى‏ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا ) النساء: ٥١، و الخطاب في قوله:( فَسْئَلُوا ) إلخ للنبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) و كلّ من يقرع سمعه هذا الخطاب عالماً كان أو جاهلاً و ذلك لتأييد القول و هو شائع في الكلام.

قوله تعالى: ( وَ ما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَ ما كانُوا خالِدِينَ - إلى قوله -الْمُسْرِفِينَ ) أي هم رجال من البشر و ما سلبنا عنهم خواصّ البشريّة بأن نجعلهم جسداً خالياً من روح الحياة لا يأكل و لا يشرب و لا عصمناهم من الموت

٢٧٦

فيكونوا خالدين بل هم بشر ممّن خلق يأكلون الطعام و هو خاصّة ضروريّة و يموتون و هو مثل الأكل.

قوله تعالى: ( ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَ مَنْ نَشاءُ وَ أَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ ) عطف على قوله المتقدّم:( وَ ما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا ) و فيه بيان عاقبة إرسالهم و ما انتهى إليه أمر المسرفين من اُممهم المقترحين عليهم الآيات، و فيه أيضاً توضيح ما اُشير إليه من هلاكهم في قوله:( مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها ) و تهديد للمشركين.

و المراد بالوعد في قوله:( ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ ) ما وعدهم من النصرة لدينهم و إعلاء كلمتهم كلمة الحقّ كما في قوله:( وَ لَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَ إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ ) الصافّات: ١٧٣، إلى غير ذلك من الآيات.

و قوله:( فَأَنْجَيْناهُمْ وَ مَنْ نَشاءُ ) أي الرسل و المؤمنين و قد وعدهم النجاة كما يدلّ عليه قوله:( حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ ) يونس: ١٠٣، و المسرفون هم المشركون المتعدّون طور العبوديّة، و الباقي ظاهر.

قوله تعالى: ( لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَ فَلا تَعْقِلُونَ ) امتنان منه تعالى بإنزال القرآن على هذه الاُمّة، فالمراد بذكرهم الذكر المختصّ بهم اللائق بحالهم و هو آخر ما تسعه حوصلة الإنسان من المعارف الحقيقيّة العالية و أقوم ما يمكن أن يجري في المجتمع البشريّ من الشريعة الحنيفيّة و الخطاب لجميع الاُمّة.

و قيل: المراد بالذكر الشرف، و المعنى: فيه شرفكم أن تمسّكتم به تذكرون به كما فسّر به قوله تعالى:( وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ ) الزخرف: ٤٤، و الخطاب لجميع المؤمنين أو للعرب خاصّة لأنّ القرآن إنّما نزل بلغتهم و فيه بعد.

قوله تعالى: ( وَ كَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً ) إلى آخر الآيات الخمس، القصم في الأصل الكسر، يقال: قصم ظهره أي كسره، و يكنّى به عن الهلاك، و الإنشاء الإيجاد، و الإحساس الإدراك من طريق الحسّ، و البأس العذاب، و الركض

٢٧٧

العدو بشدّة الوطئ، و الإتراف التوسعة في النعمة، و الحصيد المقطوع و منه حصاد الزرع، و الخمود السكون و السكوت.

و المعنى:( وَ كَمْ قَصَمْنا ) و أهلكنا( مِنْ قَرْيَةٍ ) أي أهلها( كانَتْ ظالِمَةً ) لنفسها بالإسراف و الكفر( وَ أَنْشَأْنا ) و أوجدنا( قَوْماً آخَرِينَ فَلَمَّا أَحَسُّوا ) و وجدوا بالحسّ أي أهل القرية الظالمة( بَأْسَنا ) و عذابنا( إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ ) و يعدون هاربين كالمنهزمين فيقال لهم توبيخاً و تقريعاً( لا تَرْكُضُوا وَ ارْجِعُوا إِلى‏ ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ) من النعم( وَ مَساكِنِكُمْ ) و إلى مساكنكم( لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ ) أي لعلّ المساكين و أرباب الحوائج يهجمون عليكم بالسؤال فتستكبروا عليهم و تختالوا أو تحتجبوا عنهم و هذا كناية عن اعتزازهم و استعلائهم و عدّ المتبوعين أنفسهم أرباباً للتابعين من دون الله.

( قالُوا ) تندّماً( يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فَما زالَتْ تِلْكَ ) و هي كلمتهم يا ويلنا المشتملة على الاعتراف بربوبيّته تعالى و ظلم أنفسهم( دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً ) محصوداً مقطوعاً( خامِدِينَ ) ساكنين ساكتين كما تخمد النار لا يسمع لهم صوت و لا يذكر لهم صيت.

و قد وجّه قوله:( لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ ) بوجوه اُخرى بعيدة من الفهم تركنا التعرّض لها.

( بحث روائي)

في الاحتجاج، روي عن صفوان بن يحيى قال: قال أبوالحسن الرضا (عليه السلام) لأبي قرّة صاحب شبرمة: التوراة و الإنجيل و الزبور و الفرقان و كلّ كتاب اُنزل كان كلام الله أنزله للعالمين نوراً و هدى، و هي كلّها محدثة و هي غير الله حيث يقول:( أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً ) و قال:( ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَ هُمْ يَلْعَبُونَ ) و الله أحدث الكتب كلّها الّتي أنزلها.

فقال أبو قرّة: فهل تفنى؟ فقال أبوالحسن (عليه السلام): أجمع المسلمون على أنّ ما سوى الله فعل الله و التوراة و الإنجيل و الزبور و الفرقان فعل الله، أ لم تسمع الناس يقولون: ربّ القرآن؟ و إنّ القرآن يقول يوم القيامة: يا ربّ هذا فلان - و هو أعرف به منه - قد أظماُت نهاره و أصهرت ليله فشفّعني فيه؟ و كذلك التوراة و

٢٧٨

الإنجيل و الزبور كلّها محدثة مربوبة أحدثها من ليس كمثله شي‏ء لقوم يعقلون، فمن زعم أنّهنّ لم يزلن فقد أظهر أنّ الله ليس بأوّل قديم و لا واحد، و أنّ الكلام لم يزل معه و ليس له بدء. الحديث.

و في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ) قال: من التلهّي.

و فيه في قوله:( ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَ فَهُمْ يُؤْمِنُونَ ) قال: كيف يؤمنون و لم يؤمن من كان قبلهم بالآيات حتّى هلكوا.

و فيه، بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): في قوله:( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) من المعنون بذلك؟ قال: نحن. قلت: فأنتم المسؤلون؟ قال: نعم. قلت: و نحن السائلون؟ قال: نعم. قلت: فعلينا أن نسألكم؟ قال: نعم، قلت: فعليكم أن تجيبونا؟ قال: لا ذاك إلينا إن شئنا فعلنا و إن شئنا تركنا ثمّ قال: هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب.

أقول: و روى هذا المعنى الطبرسي في مجمع البيان، عن عليّ و أبي جعفر (عليهما السلام) قال: و يؤيّده أنّ الله تعالى سمّى النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) ذكراً رسولاً.

و هو من الجري ضرورة أنّ الآية ليست بخاصّة و الذكر إمّا القرآن أو مطلق الكتب السماويّة أو المعارف الإلهيّة و هم على أيّ حال أهله و ليس بتفسير للآية بحسب مورد النزول إذ لا معنى لإرجاع المشركين إلى أهل الرسول أو أهل القرآن و هم خصماؤهم و لو قبلوا منهم لقبلوا من النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) نفسه.

و في روضة الكافي، كلام لعليّ بن الحسين (عليه السلام) في الوعظ و الزهد في الدنيا يقول فيه: و لقد أسمعكم الله في كتابه ما قد فعل بالقوم الظالمين من أهل القرى قبلكم حيث قال:( وَ كَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً ) و إنّما عنى بالقرية أهلها حيث يقول:( وَ أَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ ) فقال عزّوجلّ:( فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ ) يعني يهربون قال:( لا تَرْكُضُوا وَ ارْجِعُوا إِلى‏ ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَ مَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ فلما أتاهم العذاب قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ ) و أيم الله إنّ هذه عظة لكم و تخويف إن اتّعظتم و خفتم.

٢٧٩

( سورة الأنبياء الآيات ١٦ - ٣٣)

وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ( ١٦ ) لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ ( ١٧ ) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ( ١٨ ) وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ ( ١٩ ) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ ( ٢٠ ) أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ ( ٢١ ) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ( ٢٢ ) لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ( ٢٣ ) أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ ( ٢٤ ) وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ( ٢٥ ) وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ ( ٢٦ ) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ( ٢٧ ) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ( ٢٨ ) وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَٰهٌ مِّن دُونِهِ فَذَٰلِكَ نَجْزِيهِ

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459