الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٤

الميزان في تفسير القرآن  13%

الميزان في تفسير القرآن  مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 459

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 459 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 96788 / تحميل: 5845
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

باب فضل السخاء والجود

١٧٠٧ - قال الصادق عليه السلام: " خياركم سمحاؤكم وشراركم بخلاؤكم، ومن خالص الايمان البر بالاخوان، والسعي في حوائجهم، وإن البار بالاخوان ليحبه الرحمن، وفي ذلك مرغمة الشيطان، وتزحزح عن النيران(١) ، ودخول الجنان، ثم قال لجميل: يا جميل أخبر بهذا غرر أصحابك(٢) ، قلت: جعلت فداك من غرر أصحابي؟ قال: هم البارون بالاخوان في العسر واليسر، ثم قال: يا جميل أما إن صاحب الكثير يهون عليه ذلك، وقد مدح الله عزوجل في ذلك صاحب القليل، فقال في كتابه " ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ".

١٧٠٨ - وقال عليه السلام: " شاب سخي مرهق في الذنوب(٣) أحب إلى الله عزو جل من شيخ عابد بخيل ".

١٧٠٩ - وروي " أن الله عزوجل أوحى إلى موسى أن لا تقتل السامري فإنه سخي ".(٤)

___________________________________

(١) " مرغمة " بفتح الميم مصدر، وبكسرها اسم آلة من الرغام بفتح الراء بمعنى التراب.

والتزحزح: التباعد (الوافى) والخبر رواه الكلينى باسناده عن سهل بن زياد عمن حدثه عن جميل بن دراج قال: " سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول الخبر ".

(٢) " غرر " بالغين المعجمة والمهملتين النجباء جمع الاغر.

وفى بعض النسخ هنا وما يأتى بالعين المهملة والزاء‌ين المعجمتين جمع العزيز.

(٣) المرهق: المفرط في الشر ومرتكب المحارم.

وفى القاموس الرهق محركة: السفه وركوب الشر والظلم وغشيان المحارم.

(٤) رواه الكلينى ج ٤ ص ٤١ عن على بن ابراهيم رفعه قال: " أوحى الله عزوجل إلى موسى عليه السلام الخ ".

٦١

١٧١٠ - وقال النبي صلى الله عليه وآله: " من أدى ما افترض الله عليه فهو أسخى الناس ".(١)

١٧١١ - وقال الصادق عليه السلام: " من يضمن لي أربعة بأربعة أبيات في الجنة؟ أنفق ولا تخف فقرأ، وأنصف الناس من نفسك(٢) ، وافش السلام في العالم(٣) واترك المراء وإن كنت محقا "(٤) .

١٧١٢ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من أيقن بالخلف سخت نفسه بالنفقة ".

 (٥) وقال الله عزوجل: " وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين "(٦) .

١٧١٣ - وقال الصادق عليه السلام: " في قول الله عزوجل: " كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم "(٧) قال: هو الرجل يدع ماله لا ينفقه في طاعة الله عزوجل بخلا ثم يموت فيدعه لمن يعمل فيه بطاعة الله عزوجل أو بمعصية الله، فإن عمل فيه بطاعة الله(٨) رآه في ميزان غيره فرآه حسرة وقد كان المال له، وإن كان عمل فيه بمعصية الله عزوجل(٩) قواه بذلك المال حتى عمل به في معصية الله عزوجل ".

١٧١٤ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " ليس البخيل من أدى الزكاة المفروضة من

___________________________________

(١) أى بالنسبة إلى من لم يؤد وان أعطى المال الكثير في غير موقعه لما مر وسيجئ.

(٢) أى كن حكما على نفسك فيما كان بينك وبين الناس وارض لهم ما ترضى لنفسك، واكره لهم ما تكره لها.

(٣) أى سلم على من لقيت من اخوانك جهارا.

(٤) المراء: الجدال، أى اترك الجدال في الكلام وان كان الحق لك.

والخبر مروى في الكافى بسند فيه ضعف ج ٤ ص ٤٤ عن معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام.

(٥) الخلف بفتح المعجمة واللام: العوض.

وقوله " سخت " أى جادت وفى بعض نسخ الكافى " سمحت ".

(٦) من كلام المؤلف رحمه الله كما يظهر من الكافى.

(٧) الحسرات جمع الحسرة وهى أشد الندامة.

(٨) في الكافى " أو في معصية الله فان عمل به في طاعة الله الخ ".

(٩) في بعض النسخ والكافى " وان كان عمل به في معصية الله ".

٦٢

ماله وأعطى البائنة في قومه(١) إنما البخيل حق البخيل من لم يؤد الزكاة المفروضة من ماله ولم يعط البائنة في قومه، وهو يبذر فيما سوى ذلك ".

١٧١٥ - وروي عن الفضل بن أبي قرة السمندي أنه قال: " قال لي أبو عبدالله عليه السلام: أتدري من الشحيح؟ قلت: هو البخيل، فقال: الشح أشد من البخل إن البخيل يبخل بما في يده، والشحيح يشح بما في أيدي الناس وعلى ما في يده حتى لا يرى في أيدي الناس شيئا إلا تمنى أن يكون له بالحل والحرام، ولا يقنع بما رزقه الله عزوجل ".

١٧١٦ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " ما محق الاسلام محق الشح شئ، ثم قال: إن لهذا الشح دبيبا كدبيب النمل، وشعبا كشعب الشرك ".(٢)

١٧١٧ - وقال أمير المؤمنين عليه السلام: " إذا لم يكن لله عزوجل في العبد حاجة ابتلاه بالبخل ".(٣)

١٧١٨ - " وسمع أمير المؤمنين عليه السلام رجلا يقول: الشحيح أعذر من الظالم(٤) فقال له: كذبت إن الظالم قد يتوب ويستغفر ويرد الضلامة على أهلها، والشحيح إذا شح منع الزكاة، والصدقة، وصلة الرحم، وإقراء الضيف(٥) والنفقة في سبيل الله

___________________________________

(١) البائنة العطية، سميت بها لانها ابينت من المال (الوافى) وفى القاموس البائنة فاعلة من البين بمعنى البينونة جعلت اسما للعطية لانها ابينت من المال.

(٢) الدبيب: المشى اللين أى حركة خفيفة لا تحس، والشرك محركة: حبائل الصيد.

وقرأه الفاضل التفرشى بكسر الشين المعجمة وكسر الراء وتكلف في توجيهه بما لا يحتاج اليه.

(٣) أى إذا كان غير منظور اليه ولم يكن أهلا للهدايات والتوفيقات منع عنه اللطف فاستولى عليه الشيطان وزين له البخل.

(٤) أى عذره أشد وأكثر من عذر الظالم.

(٥) اقراء الضيف: ضيافته وخدمته والاحسان اليه.

هذه الاخبار كلها مروية في الكافي مسندة ج ٤ ص ٤٤ و ٤٥.

٦٣

عزوجل وأبواب البر، وحرام على الجنة أن يدخلها شحيح ".

١٧١٩ - وقال الصادق عليه السلام: " المنجيات إطعام الطعام، وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام ".

 [فضل القصد]

١٧٢٠ - وقال أبوالحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: " ما عال امرء في اقتصاد "(١)

١٧٢١ - وقال الصادق عليه السلام: " ضمنت لمن اقتصد أن لا يفتقر ".(٢)

وقال الله عزوجل: " يسألونك ماذا ينفقون قل العفو " والعفو الوسط(٣) .

وقال الله عزوجل: " والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما " والقوام الوسط.

باب فضل سقى الماء

١٧٢٢ - قال أمير المؤمنين عليه السلام: " أول ما يبدأ به في الآخرة صدقة الماء يعني في الاجر ".

١٧٢٣ - وقال أبوجعفر عليه السلام: " إن الله تبارك وتعالى يحب إبراد الكبد الحرى(٤) ، ومن سقى كبدا حرى من بهيمة أو غيرها أظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله ".

١٧٢٤ - وروى معاوية بن عمار عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " من سقى الماء في موضع يوجد فيه الماء كان كمن أعتق رقبة، ومن سقى الماء في موضع لا يوجد فيه الماء كان

___________________________________

(١) العيلة والعالة: الفاقة، أى ما افتقر أحد إذا اقتصد في أمر معاشه.

والخبر رواه الكلينى ج ٤ ص ٥٣ مسندا وكذا الذى قبله.

(٢) مروى في الكافى مسندا عن مدرك بن أبى الهزهاز عنه (ع).

(٣) كما في مرسلة ابن أبى عمير عن أبى عبدالله عليه السلام " في قول الله تعالى " و يسئلونك ماذا ينفقون قل العفو " قال: العفو الوسط " (الكافى ج ٤ ص ٥٢)

(٤) في القاموس: الحران العطشان، والانثى حرى مثل عطشى.

٦٤

كمن أحيا نفسا، ومن أحيا نفسا فكأنما أحيا الناس جميعا ".(١)

باب ثواب اصطناع المعروف إلى العلوية

١٧٢٥ - قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من صنع إلى أحد من أهل بيتي يدا كافيته يوم القيامة".

١٧٢٦ - وقال عليه السلام: " إني شافع يوم القيامة لاربعة أصناف ولو جاؤوا بذنوب أهل الدنيا: رجل نصر ذريتي، ورجل بذل ماله لذريتي عند الضيق ورجل أحب ذريتي باللسان والقلب، ورجل سعى في حوائج ذريتي إذا طردوا أو شردوا ".(٢)

١٧٢٧ - وقال الصادق عليه السلام: " إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أيها الخلائق أنصتوا فإن محمدا يكلمكم فتنصت الخلائق فيقوم النبي صلى الله عليه وآله فيقول: يا معشر الخلائق من كانت له عندي يد أو منة أو معروف فليقم حتى أكافيه، فيقولون: بابائنا وأمهاتنا وأي يد وأي منة وأي معروف لنا، بل اليد والمنة والمعروف لله ولرسوله على جميع الخلائق، فيقول لهم: بلى من آوى أحدا من أهل بيتي أو برهم أو كساهم من عرى أو أشبع جائعهم فليقم حتى أكافيه، فيقوم أناس قد فعلوا ذلك، فيأتي النداء من عند الله عزوجل: يا محمد يا حبيبي قد جعلت مكافأتهم إليك فأسكنهم من الجنة حيث شئت، قال: فيسكنهم في الوسيلة(٣) حيث لا يحجبون عن محمد وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين ".

___________________________________

(١) هذه الاخبار الثلاثة في الباب مروية في الكافى ج ٣ ص ٥٧ مسندة.

(٢) التشريد: الطرد والتفريق، والخبر مروى في الكافى وفيه " ورجل يسعى في حوائج ذريتى الخ ".

(٣) الوسيلة والواسلة: المنزلة عند الملك والدرجة والقربة (القاموس) وفى معانى الاخبار ص ١١٦ في حديث طويل عن النبى صلى الله عليه وآله قال: " الوسيلة هى درجتى في الجنة وهى ألف مرقاة الخ "

٦٥

باب فضل الصدقة

١٧٢٨ - قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " أرض القيامة نار ما خلا ظل المؤمن فإن صدقته تظله".

١٧٢٩ - وقال أبوجعفر عليه السلام: " البر والصدقة ينفيان الفقر، ويزيدان في العمر ويدفعان عن صاحبهما سبعين ميتة سوء ".

١٧٣٠ - وقال الصادق عليه السلام: " داووا مرضاكم بالصدقة، وادفعوا البلاء بالدعاء واستنزلوا الرزق بالصدقة، فإنها تفك من بين لحيي سبعمائة شيطان(١) .

وليس شئ أثقل على الشيطان من الصدقة على المؤمن، وهي تقع في يد الرب تبارك وتعالى قبل أن تقع في يد العبد"(٢) .

١٧٣١ - وقال عليه السلام: " الصدقة باليد تقي ميتة السوء وتدفع سبعين نوعا من أنواع البلاء وتفك عن لحيي سبعين شيطانا كلهم يأمره أن لا يفعل ".

١٧٣٢ - وقال عليه السلام: " يستحب للمريض أن يعطي السائل بيده، ويأمر السائل أن يدعو له ".

___________________________________

(١) قال بعض الشراح: كأن الصدقة دخلت في أفواهم باعتبار منعهم عنها بالوجوه الباطلة فبعضهم يقول لا تتصدق فانك تصير فقيرا، وبعضهم يقول: لا تتصدق فانك أحوج منه، أو أن السائل غير مستحق، أو تصدق على آخر أحوج منه انتهى.

أقول يمكن أن يقرأ " تفك " بصيغة المعلوم فالمعنى أن الصدقة تفك الرزق من بين لحيى سبعمائة شيطان كلهم يمنعون وصوله اليك، أو بصيغة المجهول أى الصدقة تخرج من بين لحيى سبعمائة شيطان فيكون كناية عن كونها شاقة على النفس وحينئذ يكون تعليلا للجملة السابقة.

وأصل الفك الفصل بين الشيئين وتخليص بعضهما من بعض كما في النهاية.

(٢) كناية عن قبوله تعالى، ولعله اشارة إلى قوله تعالى: " أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات ".

٦٦

١٧٣٣ - وقال عليه السلام: " باكروا بالصدقة(١) فإن البلايا لا تتخطاها(٢) ومن تصدق بصدقة أول النهار دفع الله عنه شر ما ينزل من السماء في ذلك اليوم، فإن تصدق أول الليل دفع الله عنه شر ما ينزل من السماء في تلك الليلة ".

١٧٣٤ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " إن الله لا إله إلا هو ليدفع بالصدقة الداء والدبيلة(٣) والحرق والغرق والهدم والجنون، وعد عليه السلام سبعين بابا من الشر "(٤) .

١٧٣٥ - وقال صلى الله عليه وأله: " صدقة السر تطفئ غضب الرب جل جلاله "(٥) .

١٧٣٦ - وروى عمار عن الصادق عليه السلام قال: " قال لي يا عمار الصدقة والله في السر أفضل من الصدقة في العلانية، وكذلك والله العبادة في السر أفضل من العبادة في العلانية ".(٦)

١٧٣٧ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " إذا طرقكم سائل ذكر بليل فلا تردوه ".(٧)

١٧٣٨ - وقال صلى الله عليه وآله: " الصدقة بعشرة والقرض بثمانية عشر(٨) وصلة الاخوان بعشرين وصلة الرحم بأربعة وعشرين ".

___________________________________

(١) أى ابتدؤوا النهار بالصدقة أو تصدقوا في أوله وفى الكافى " بكروا " بتشديد الكاف.

(٢) أى ان البلايا لا تتجاوز الصدقة بل هى تسدها وتمنعها وحالت بين صاحبها وبين البلايا.

(٣) الدبيلة كجهينة مصغرة: الطاعون والخراج ودمل يظهر في البطن فيقتل.

(٤) في الكافى ج ٤ ص ٥ " سبعين بابا من السوء " وهو أصوب.

(٥) غضبة تعالى كناية عن العذاب والا فهو سبحانه منزه عن أن يكون محلا للحوادث.

(٦) في المحكى عن دروس الشهيد رحمه الله الصدقة سرا أفضل الا أن يتهم بترك المواساة، أو يقصد اقتداء غيره به، اما الواجبة فاظهارها أفضل مطلقا.

(٧) " طرقكم " أى نزل عليكم، وطرق فلان طروقا إذا جاء بليل.

(٨) وجه تفضيل القرض هو أن الصدقة تقع أحيانا في يد غير المحتاج والقرض غالبا لا يقع الا في يد المحتاج.

وقيل: انما جعل الله جزاء الحسنة عشر أمثالها والقرض حسنة فاذا أخذ المقرض ما أعطاه قرضا فكأنه أخذ من العشر واحدة وبقيت له عند الله تسعة ووعد الله سبحانه أن يضاعفها له في قوله " فيضاعفه له " فتصير ثمانية عشر.

٦٧

١٧٣٩ - وسئل عليه السلام " أي الصدقة أفضل؟ قال: على ذي الرحم الكاشح "(١) .

١٧٤٠ - وقال عليه السلام: " لا صدقة وذو رحم محتاج "(٢) .

١٧٤١ - قال عليه السلام " ملعون ملعون من ألقى كله على الناس(٣) ملعون ملعون من ضيع من يعول "(٤) .

١٧٤٢ - وقال أبو الحسن الرضا عليه السلام: " ينبغي للرجل أن يوسع على عياله لئلا يتمنوا موته".(٥)

١٧٤٣ - وسئل الصادق عليه السلام " عن السائل يسأل ولا يدري ما هو؟ فقال: أعط من وقعت في قلبك الرحمة له، وقال: اعطه دون الدرهم، قلت: أكثر ما يعطى؟ قال أربعة دوانيق "(٦) .

١٧٤٤ - وروى الوصافي عن أبي جعفر عليه السلام قال: " كان فيما ناجى الله عزو جل به موسى عليه السلام أن قال: يا موسى أكرم السائل ببذل يسير، أو برد جميل إنه يأتيك من ليس بإنس ولا جان ملائكة من ملائكة الرحمن يبلونك فيما خولتك و يسألونك مما نولتك(٧) فانظر كيف أنت صانع يا ابن عمران ".

___________________________________

(١) في النهاية " الكاشح ": العدو الذى يضمر لك عداوته ويطوى عليها كشحه أى باطنه وذلك لان الاخلاص فيها أتم بخلاف ذى المحبة.

(٢) حمل على الصدقة الكاملة أى لا صدقة كاملة.

(٣) الكل بالفتح: الثقل والعيال والمراد قوته وقوت عياله.

(٤) أى تركهم مهملين بلا قوت ولا نفقة.

(٥) مروى في الكافى باسناده عن معمر بن خلاد عنه عليه السلام وفيه " كيلا يتمنوا موته وتلا هذه الاية " ويطعمون الطعام على حبه الآية " وقال: الاسير عيال الرجل ينبغى للرجل إذا زيد في النعمة أن يزيد اسراء‌ه في السعة عليهم ; ثم قال: ان فلانا أنعم الله عليه بنعمة فمنعها اسراء‌ه وجعلها عند فلان فذهب الله بها، وقال معمر: وكان فلان حاضرا".

(٦) الدوانيق جمع دانق كصاحب: سدس الدرهم.

(٧) خوله الله عزوجل أى أعطاه متفضلا.

والنوال: العطاء، ونولته أى أعطيته نوالا.

٦٨

١٧٤٥ - وقال عليه السلام: " اعط السائل ولو على ظهر فرس "(١) .

١٧٤٦ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " لا تقطعوا على السائل مسألته(٢) فلو لا أن المساكين يكذبون ما أفلح من [ي‍] ردهم ".

١٧٤٧ - وروي عن الوليد بن صبيح قال: " كنت عند أبي عبدالله عليه السلام فجاء‌ه سائل فأعطاء، ثم جاء‌ه آخر فأعطاء، ثم جاء‌ه آخر فأعطاه، ثم جاء‌ه آخر فقال: وسع الله، عليك ثم قال: إن رجلا لو كان له مال يبلغ ثلاثين أو أربعين ألف درهم ثم شاء أن لا يبقي منها شيئا إلا وضعه في حق لفعل فيبقى لا مال له، فيكون من الثلاثة الذين يرد دعاؤهم قال: قلت: من هم؟ قال: أحدهم رجل كان له مال فأنفقه في [غير](٣) وجهه، ثم قال: يا رب ارزقني، فيقول الرب عزوجل: ألم أرزقك؟ ورجل جلس في بيته ولا يسعى في طلب الرزق ويقول: يا رب ارزقني، فيقول الرب عزوجل ألم أجعل لك سبيلا إلى طلب الرزق، ورجل له أمرأة تؤذيه فيقول: يا رب خلصني منها فيقول الله عزوجل: ألم أجعل أمرها بيدك ".

١٧٤٨ - وقال الصادق عليه السلام في السؤال(٤) : " أطعموا ثلاثة وإن شئتم أن تزدادوا فازدادوا وإلا فقد أديتم حق يومكم ".

١٧٤٩ - وقال عليه السلام: " إذا اعطيتموهم فلقنوهم الدعاء فإنه يستجاب لهم فيكم ولا يستجاب لهم في أنفسهم ".

١٧٥٠ - وقال الصادق عليه السلام: " في الرجل يعطي غيره الدراهم يقسمها، قال: يجري له من الاجر مثل ما يجري للمعطي ولا ينقص من أجره شئ، ولو أن المعروف جرى على سبعين يدا لاوجروا كلهم من غير أن ينقص من أجر صاحبه شئ "(٥) .

___________________________________

(١) أى ولو كان السائل على ظهر فرس أى غنيا غير فقير، أو كنت على ظهر فرس غير متمكن حين السؤال من اعطاء شئ غير الفرس الذى أنت على ظهره. (م ح ق)

(٢) المراد بالقطع على السائل رده.

(٣) لفظة " غير " ليست في كثير من النسخ.

(٤) السؤال كتجار: جمع سائل وهو الفقير.

(٥) رواه الكلينى باختلاف في خبرين مسندين عن أبى نهشل وابن أبى عمير عن جميل.

٦٩

١٧٥١ - وسئل الصادق عليه السلام " أي الصدقة أفضل؟ قال: جهد المقل(١) أما سمعت قول الله عزوجل: " ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة " هل ترى ههنا فضلا "(٢) .

١٧٥٢ - وقال علي بن الحسين عليهما السلام: " ضمنت(٣) على ربي عزوجل أن لا يسأل أحد من غير حاجة إلا اضطرته المسألة يوما إلى أن يسأل من حاجة ".

١٧٥٣ - وقال أمير المؤمنين عليه السلام: " اتبعوا قول رسول الله صلى الله عليه وآله إنه قال: من فتح على نفسه باب مسألة فتح الله عليه باب فقر ".

١٧٥٤ - وقال الصادق عليه السلام: " ما من عبد يسأل من غير حاجة فيموت حتى يحوجه الله عزوجل إليها ويكتب له بها النار ".(٤)

١٧٥٥ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " إن الله تبارك وتعالى أحب شيئا لنفسه وأبغضه لخلقه، أبغض عزوجل لخلقه المسألة(٥) وأحب لنفسه أن يسأل، وليس شئ أحب إليه من أن يسأل، فلا يستحي أحدكم أن يسأل الله عزوجل من فضله ولو شسع نعل ".(٦)

١٧٥٦ - وقال الصادق عليه السلام: " إياكم وسؤال الناس فإنه ذل الدنيا وفقر تتعجلونه، وحساب طويل يوم القيامة ".

___________________________________

(١) في النهاية " أفضل الصدقة جهد المقل " أى قدر ما يحتمله حال قليل المال.

(٢) أى هل ترى في الاية تقييدا بالفضل عما يحتاجون اليه.

(٣) ذلك على سبيل التهكم وفيه مبالغة في أن السائل بلا حاجة يصير مآله إلى الفقر.

(٤) قوله " ما من عبد " النفى راجع إلى القيد الاخير وهو الموت، أى لا يموت عبد يسائل من غير حاجة حتى يحوجه الله تعالى (مراد) أقول: رواه الكلينى في الكافى ج ٤ ص ١٩ وفيه " يثبت الله له بها النار ".

(٥) يعنى أبغض لهم أن يسألوا وذلك لان مسؤوليتهم تمنع مسؤوليته سبحانه، وهو أحب لنفسه فأبغضها لهم.(الوافى)

(٦) الشسع بكسر المعجمة وسكون المهملة وبكسرهما: قبال النعل وهو زمان بين الاصبع الوسطى والتى تليها.

٧٠

١٧٥٧ - وقال أبوجعفر عليه السلام: " لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد أحدا ولو يعلم المعطي ما في العطية ما رد أحد أحدا ".

١٧٥٨ - و " جاء‌ت فخذ من الانصار(١) إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فسلموا عليه فرد عليهم السلام فقالوا: يا رسول الله لنا إليك حاجة، قال: هاتوا حاجتكم، قالوا: إنها حاجة عظيمة قال: هاتوا ما هي؟ قالوا: تضمن لنا على ربك الجنة، فنكس صلى الله عليه وآله رأسه ونكت في الارض(٢) ثم رفع رأسه فقال: أفعل ذلك بكم على أن لا تسألوا أحدا شيئا قال: فكان الرجل منهم يكون في السفر فيسقط سوطه فيكره أن يقول لانسان ناولنيه فرارا من المسألة فينزل فيأخذه، ويكون على المائدة ويكون بعض الجلساء أقرب منه إلى الماء فلا يقول: ناولني حتى يقوم فيشرب ".

١٧٥٩ - وقال عليه السلام: " استغنوا عن الناس ولو بشوص السواك "(٣) .

١٧٦٠ - وقال الصادق عليه السلام: " المن يهدم الصنيعة ".

١٧٦١ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " إن الله تبارك وتعالى كره لي ست خصال و كرهتهن للاوصياء من ولدي وأتباعهم من بعدي العبث في الصلاة والرفث في الصوم، والمن بعد الصدقة، وإتيان المساجد جنبا، والتطلع في الدور، والضحك بين القبور ".

١٧٦٢ - وروي عن مسعدة بن صدقة عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام " أن أميرالمؤمنين عليه السلام بعث إلى رجل بخمسة أوساق من تمر البغيبغة(٤) وكان الرجل

___________________________________

(١) رواه الكلينى باسناده عن هشام بن سالم عن أبى بصير ن الصادق عليه السلام (ج ٤ ص ٢١ والفخذ: القبيلة.

(٢) نكت في الارض بقضيبه أى ضرب بها فأثر فيها.

(٣) الشوص بالفتح ثم السكون: الغسل والتنظيف أى استغنوا عن الناس ولو بشوص السواك إى بغسله وتنظيفه. ولا يقل أحد لاحد: اغسل سواكى أو نظفه.

(٤) البغيبغة بباء‌ين موحدتين وغينين معجمتين وفى الوسط ياء مثناة وفى الاخر هاء: ضيعة أو عين بالمدينة كثيرة النخل لال الرسول صلى الله عليه وآله، قال المسهودى في وفاء الوفاء: البغيبغة تصغير البغبغ وهى البئر القريبة الرشا، والبغبغات عيون عملها على بن أبى طالب عليه السلام بينبغ أول ما صارت اليه وتصدق بها وبلغ جذاذها في زمنه ألف وسق ومنها خيف الاراك وخيف ليلى وخيف الطاس.

٧١

ممن يرجو نوافله ويرضى نائله ورفده(١) وكان لا يسأل عليا عليه السلام ولا غيره شيئا، فقال رجل لامير المؤمنين عليه السلام: والله ما سألك فلان شيئا ولقد كان يجزيه من الخمسة الاوساق وسق واحد، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: لاكثر الله في المؤمنين ضربك، أعطي أنا وتبخل أنت به(٢) إذا أنا أعط الذي يرجوني إلا من بعد مسألتي ثم أعطيته بعد المسألة فلم أعطه إلا ثمن ما أخذت منه، وذلك لاني عرضته لان يبذل لي وجهه الذي يعفره في التراب لربي وربه عزوجل عند تعبده له وطلب حوائجه إليه، فمن فعل هذا بأخيه المسلم وقد عرف أنه موضع لصلته ومعروفه فلم يصدق الله عزوجل في دعائه له(٣) حيث يتمنى له الجنة بلسانه ويبخل عليه بالحطام من ماله وذلك أن العبد قد يقول في دعائه: " الله اغفر للمؤمنين والمؤمنات " فإذا دعا له بالمغفرة فقد طلب له الجنة، فما أنصف من فعل هذا بالقول ولم يحققه بالفعل "(٤) .

باب ثواب صلة الامام عليه السلام

١٧٦٣ - سئل الصادق عليه السلام " عن قول الله عزوجل: " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا " قال: نزلت في صلة الامام عليه السلام "(٥) .

___________________________________

(١) النوافل: العطايا، والنائل: العطاء، والرفد بالكسر: الصلة والعطاء.

(٢) " ضربك " أى مثلك، وفى الكافى " أعطى أنا وتبخل أنت، لله أنت ".

(٣) " فلم يصدق الله " من الصدق المتعدى إلى مفعولين.

قال الله تعالى: " لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق " أى أخبره بالحق. (سلطان)

(٤) أى لم يأت بالانصاف والعدل من قال بلسانه انى أطلب له الجنة واحب ذلك ولم يفعل باليد ما يدل على أن ما قال بلسانه كان موافقا لما في قلبه.(مراد)

(٥) رواه الكلينى ج ١ ص ٥٣٨ باسناد عن اسحاق بن عمار عن أبى ابراهيم عليه السلام.

٧٢

١٧٦٤ - وقال عليه السلام: " درهم يوصل به الامام أفضل من ألف ألف درهم ينفق في غيره في سبيل الله عزوجل".(١)

١٧٦٥ - وقال الصادق عليه السلام: " من لم يقدر على صلتنا فليصل صالحي شعيتنا(٢) يكتب له ثواب صلتنا، ومن لم يقدر على زيارتنا فليزر صالحي موالينا يكتب له ثواب زيارتنا ".

كتاب الصوم

باب علة فرض الصيام

٦ ١٧٦ سأل هشام بن الحكم أبا عبدالله عليه السلام " عن علة الصيام فقال: " إنما فرض الله عزوجل الصيام ليستوي به الغني والفقير، وذلك أن الغني لم يكن ليجد مس الجوع فيرحم الفقير لان الغني كلما أراد شيئا قدر عليه فأراد الله عزوجل أن يسوي بين خلقه وأن يذيق الغني مس الجوع والالم ليرق على الضعيف فيرحم الجائع ".

١٧٦٧ - وكتب أبوالحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام إلى محمد بن سنان فيما كتب من جواب مسائله: " علة الصوم لعرفان مس الجوع والعطش ليكون ذليلا مستكينا مأجورا محتسبا صابرا، ويكون ذلك دليلا له على شدائد الآخرة، مع ما فيه من الانكسار له عن الشهوات، واعظا له في العاجل، دليلا على الآجل ليعلم شدة مبلغ ذلك من أهل الفقر والمسكنة في الدنيا والآخرة ".

١٧٦٨ - وكتب حمزة بن محمد إلى أبي محمد عليه السلام " لم فرض الله الصوم؟ فورد في الجواب ليجد الغني مس الجوع فيمن على الفقير ".(٣)

١٧٦٩ - وروي عن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام أنه قال: " جاء نفر من

___________________________________

(١) في الكافى ج ١ ص ٥٣٨ وفيه " أفضل من ألفى ألف درهم فيما سواه من وجوه البر ".

(٢) في بعض النسخ وثواب الاعمال ص ١٢٤ " صالحى موالينا ".

(٣) أى يعطى، من عليه أى أنعم واصطنع عنده صنيعة.

٧٣

اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فسأله أعلمهم عن مسائل فكان فيما سأله أنه قال له: " لاي شئ فرض الله عزوجل الصوم على امتك بالنهار ثلاثين يوما، وفرض الله على الامم أكثر من ذلك؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله: إن آدم عليه السلام لما أكل من الشجرة بقي في بطنه ثلاثين يوما ففرض الله على ذريته ثلاثين يوما الجوع والعطش، والذي يأكلونه بالليل تفضل من الله عزوجل عليهم وكذلك كان على آدم عليه السلام، ففرض الله ذلك على امتي، ثم تلا هذه الآية: " كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات " قال اليهودي: صدقت يا محمد، فما جزاء من صامها؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله: ما من مؤمن يصوم شهر رمضان احتسابا إلا أوجب الله تبارك وتعالى له سبع خصال، أولها يذوب الحرام في جسده، والثانية يقرب من رحمة الله عزوجل والثالثة يكون قد كفر خطيئة آدم أبيه عليه السلام، والرابعة يهون الله عليه سكرات الموت، والخامسة أمان من الجوع والعطش يوم القيامة، والسادسة يعطيه الله براء‌ة من النار، والسابعة يطعمه الله عزوجل من طيبات الجنة، قال: صدقت يا محمد ".

باب فضل الصيام

١٧٧٠ - قال أبوجعفر عليه السلام: " بني الاسلام على خمسة أشياء: على الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، والولاية"(١)

١٧٧١ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " الصوم جنة من النار "(٢) .

١٧٧٢ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " الصائم في عبادة وإن كان نائما على فراشه ما

___________________________________

(١) المراد بالولاية معرفة الامام الحق المنصوب من عند الله المنصوص عليه، والتصديق بكونه ولى أمر الامة، مفترض الطاعة كطاعة الرسول صلى الله عليه وآله.

والولاية بالكسر بمعنى تولى الامر ومالكية التصرف فيه.

(٢) رواه الكلينى عن على عن ابيه عن حماد عن حريز عن زرارة.

٧٤

لم يغتب مسلما ".(١)

١٧٧٣ - وقال صلى الله عليه وآله: " قال الله تبارك وتعالى: الصوم لي وأنا أجزي به(٢) ، وللصائم فرحتان حين يفطر وحين يلقى ربه عزوجل(٣) ، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم(٤) عند الله أطيب من ريح المسك ".

١٧٧٤ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله لاصحابه: " ألا اخبركم بشئ إن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان عنكم كما تباعد المشرق من المغرب؟ قالوا: بلي يا رسول الله، قال: الصوم يسود وجهه، والصدقة تكسر ظهره، والحب في الله عزوجل والمؤازرة على العمل الصالح يقطع دابره، والاستغفار يقطع وتينه(٥) ولكل شئ زكاة وزكاة الابدان الصيام".

١٧٧٥ - وقال الصادق عليه السلام لعلي بن عبدالعزيز: " ألا أخبرك بأصل الاسلام وفرعه وذروته وسنامه؟ قال: بلى، قال: أصله الصلاة، وفرعه الزكاة، وذروته وسنامه الجهاد في سبيل الله عزوجل، ألا أخبرك بابواب الخير؟ الصوم جنة من النار "(٦) .

___________________________________

(١) رواه الكلينى ج ٤ ص ٦٤ باسناده عن عبدالله بن طلحة عن الصادق عليه السلام عن النبى صلى الله عليه وآله، ويدل على جواز النوم للصائم.

(٢) انما خص الصوم بالله من بين سائر العبادات وبأنه جازيه مع اشتراك الكل في ذلك لكونه خالصا له وجزاؤه من عنده خاصة من غير مشاركة أحد فيه لكونه مستورا عن أعين الناس مصونا عن ثنائهم عليه. (الوافى).

(٣) فرحه عند الافطار لاشعاره بان المولى وفقه لغلبة هواه ولعدم تزلزله في اتيان ما كلف به ومجيئه مظفرا من تلك الجهاد، وله فرح آخر وهو عند لقاء جزاء عمله بما فرض الله له.

(٤) الخلوف بضم الخاء المعجمة قبل اللام، والفاء بعد الواو: رائحة الفم، أو الرائحة الكريهة.

(٥) المؤازرة: المعاونة، وقطع الدابر كناية عن الاستيصال، والوتين: عرق في القلب إذا انقطع مات صاحبه. (الوافى)

(٦) أى وقاية وحسن من الوقوع في كل معصية توجب دخول النار. وقال في الوافى: لانه يدفع حر الشهوة والغضب اللتين بهما يصلى نار جهنم في باطن الانسان في الدنيا وتبرز له في الاخرة، كما أن الجنة تدفع عن صاحبها حر الحديد.

٧٥

١٧٧٦ - وقال عليه السلام " في قول الله عزوجل: " واستعينوا بالصبر والصلاة " قال: يعني بالصبر الصوم ".

١٧٧٧ - وقال عليه السلام: " إذا نزلت بالرجل النازلة أو الشدة(١) فليصم فإن الله عزوجل يقول: " واستعينوا بالصبر والصلاة "(٢) .

١٧٧٨ - وقال النبي صلى الله عليه وآله: " إن الله تبارك وتعالى وكل ملائكة بالدعاء للصائمين وقال: أخبرني جبرئيل عليه السلام عن ربه تعالى ذكره أنه قال: ما أمرت ملائكتي بالدعاء لاحد من خلقي إلا استجبت لهم فيه ".

١٧٧٩ - وقال الصادق عليه السلام: " أوحى الله تبارك وتعالى إلى موسى عليه السلام ما يمنعك من مناجاتي؟ فقال: يا رب اجلك عن المناجاة لخلوف فم الصائم، فأوحى الله عزوجل إليه يا موسى لخلوف فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك ".

١٧٨٠ - وقال الصادق عليه السلام: " للصائم فرحتان: فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربه عزوجل ".

١٧٨١ - وقال عليه السلام: " من صام لله عزوجل يوما في شدة الحر فأصابه ظمأ وكل الله به ألف ملك يمسحون وجهه ويبشرونه حتى إذا أفطر، قال الله عزوجل: ما أطيب ريحك وروحك يا ملائكتي اشهدوا أني قد غفرت له ".

١٧٨٢ - وقال أبوالحسن الاول عليه السلام: " قيلوا(٣) فإن الله عزوجل يطعم الصائم ويسقيه في منامه ".

١٧٨٣ - وقال الصادق عليه السلام: " نوم الصائم عبادة، وصمته تسبيح، وعمله متقبل ودعاؤه مستجاب ".

___________________________________

(١) في الكافى ج ٤ ص ٦٤ " بالرجل النازلة والشديدة الخ ".

(٢) في الكافى " يقول " استعينوا بالصبر " يعنى الصيام ".

(٣) من القيلولة وهى نوم الضحى، أمر من قال يقيل قيلولة بمعنى النوم قبل الظهر.

٧٦

باب وجوه الصوم

١٧٨٤ - روي عن الزهري أنه قال: قال لي علي بن الحسين عليهما السلام يوما: " يا زهري من أين جئت؟ فقلت: من المسجد، قال: ففيم كنتم؟ قلت: تذاكرنا أمر الصوم فأجمع رأيي ورأي أصحابي على أنه ليس من الصوم شئ واجب إلا صوم شهر رمضان، فقال: يا زهري ليس كما قلتم، الصوم على أربعين وجها، فعشرة أوجه منها واجبة كوجوب شهر رمضان، وعشرة أوجه منها صيامهن حرام، وأربعة عشر وجها منها صاحبها فيها بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر، وصوم الاذن على ثلاثة أوجه، وصوم التأديب، وصوم الاباحة، وصوم السفر والمرض، قلت: جعلت فداك فسرهن لي.

قال: فأما الواجب فصيام شهر رمضان، وصيام شهرين متتابعين لمن أفطر يوما من شهر رمضان عمدا متعمدا، وصيام شهرين متتابعين في كفارة الظهار قال الله عزوجل: " والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا(١) ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير * فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا "، وصيام شهرين متتابعين في قتل الخطأ لمن لم يجد العتق واجب لقول الله عزوجل: " ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله(٢) إلى قوله تعالى فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين "، وصيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين واجب لمن لم يجد الاطعام(٣) قال الله عزوجل: " فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم " فكل ذلك متتابع وليس بمتفرق، وصيام أذى حلق

___________________________________

(١) " ثم يعودون " أى يريدون الوطى ونقض قولهم، فعليهم الكفارة " من قبل أن يتماسا " أى يجامعا.

(٢) أى مدفوعة إلى أهل القتيل.

(٣) أى لم يجده مع اختيه من العتق والكسوة، وترك للظهور. (م ت)

٧٧

الرأس واجب قال عزوجل: " فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك "(١) فصاحبها فيها بالخيار فإن صام صام ثلاثا، وصوم دم المتعة(٢) واجب لمن لم يجد الهدي قال الله تعالى: " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة، وصوم جزاء الصيد واجب قال الله عزوجل: " ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما " ثم قال: أو تدرى كيف يكون عدل ذلك صياما يا زهري؟ قال: قلت: لا أدرى قال: يقوم الصيد قيمة ثم تفض تلك القيمة على البر ثم يكال ذلك البر أصواعا فيصوم لكل نصف صاع يوما، وصوم النذر واجب(٣) ، وصوم الاعتكاف واجب(٤) .

وأما الصوم الحرام: فصوم يوم الفطر، ويوم الاضحى، وثلاثة أيام التشريق(٥) ، وصوم يوم الشك امرنا به ونهينا عنه، امرنا أن نصومه مع شعبان ونهينا عنه أن ينفرد الرجل بصيامه في اليوم الذي يشك فيه الناس(٦) ، فقلت له جعلت فداك فإن لم يكن صام من شعبان شيئا كيف يصنع؟ قال: ينوي ليلة الشك أنه صائم من

___________________________________

(١) جمع نسيكة وهى الذبيحة.

(٢) أى الهدى الواجب في حج التمتع بعد العجز عنه.

(٣) الظاهر أن المراد أعم منه ومن العهد واليمين وسيجئ اطلاقه في الاخبار عليهما ولو تجوزا. (م ت)

(٤) المراد به الوجوب الشرطى بمعنى عدم تحقق الاعتكاف بدون الصوم ولا يجب أن يكون الصوم للاعتكاف فلو كان عليه قضاء رمضان وصامه في اعتكافه صح والمراد وجوب اليوم الثالث والسادس والتاسع وهكذا كل ثالث بعد اعتكافه يومين. (م ت)

(٥) أى لمن كان بمنى، ولا خلاف في حرمة صوم أيام التشريق لمن كان بمنى ناسكا والمشهور التحريم لمن كان فيها وان لم يكن ناسكا.

(٦) الظاهر أن المراد بصيامه أن ينويه من رمضان من بين سائر الناس من غير أن يصح عند الناس أنه منه. (المرآة)

٧٨

شعبان فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه، وإن كان من شعبان لم يضره، فقلت له: وكيف يجزي صوم تطوع عن صوم فريضة؟ فقال: لو أن رجلا صام يوما من شهر رمضان تطوعا وهو لا يدري ولا يعلم أنه من شهر رمضان ثم علم بعد ذلك أجزأ عنه، لان الفرض إنما وقع على اليوم بعينه(١) ، وصوم الوصال حرام، وصوم الصمت حرام(٢) ، وصوم نذر المعصية حرام(٣) ، وصوم الدهر حرام(٤) .

___________________________________

(١) أى أن الفرض أنما وقع على اليوم بعينه سواء نواه بقصد الواجب أو المندوب أو لم يقصدهما كما أنه لو صام يوما من شهر رمضان ندبا لاجزأ عنه إذا كان جاهلا ولو كان نية التعيين شرطا لما أجزأ عنه، أو لان الفرض على اليوم بعينه ونية التعيين واجب مع العلم واما مع الجهل فلا لانه لا ريب أنه لو غفل عن نية التعيين في يوم بعينه ونواه ندبا أجزأ عن رمضان فكذا يوم الشك لانه لا يعلم أنه من رمضان فاذا نواه من شعبان فانكشف أنه كان من رمضان أجزأ عنه والمعتمد قوله عليه السلام لا استدلاله وهذه الاستدلالات كانت لاشكالات العامة. (م ت)

(٢) ذهب الشيخ رحمه الله في النهاية وأكثر الاصحاب إلى أن صوم الوصال هو أن ينوى صوم يوم وليلة إلى السحر، وذهب هو في الاقتصاد وابن ادريس إلى أن معناه أن يصوم يومين مع ليلة بينهما، وانما يحرم تأخير العشاء إلى السحر إذا نوى كونه جزء‌ا من الصوم أما لو أخره الصائم بغير نية فانه لا يحرم فيها، قطع به الاصحاب والاحتياط يقتضى اجتناب ذلك، واما صوم الصمت فهو أن ينوى الصوم ساكتا وقد أجمع الاصحاب على تحريمه. (المرآة)

(٣) هو أن يصوم بنذره على ترك الطاعة أو فعل المعصية شكرا أو عكسهما جزاء. (م ت)

(٤) حرمة صوم الدهر اما لاشتماله على الايام المحرمة ان كان المراد كل السنة، وان كان المراد ما سوى الايام المحرمة فلعله انما يحرم إذا صام على الاعتقاد أنه سنة مؤكدة فانه يقتضى الافتراء على الله تعالى: ويمكن حمله على الكراهة أو التقية لاشتهار الخبر بهذا المضنون بين العامة قال المطرزى في المغرب: وفى الحديث انه عليه السلام " سئل عن صوم الدهر فقال: لا صام ولا أفطر " قيل انما دعا عليه لئلا يعتقد فريضته ولئلا يعجز فيترك الاخلاص أو لئلا يرد صيام السنة كلها فلا يفطر في الايام المنهى عنها انتهى، وقال الجزرى في النهاية في الحديث انه " سئل عمن يصوم الدهر فقال لا صام ولا أفطر " أى لم يصم ولم يفطر كقوله تعالى: " فلا صدق ولا صلى " وهو احباط لاجره على صومه حيث خالف السنة، وقيل: دعاء عليه كراهة لصنيعه. (المرآة)

٧٩

وأما الصوم الذي يكون صاحبه فيه بالخيار(١) فصوم يوم الجمعة، والخميس، والاثنين وصوم البيض(٢) ، وصوم ستة أيام من شوال بعد شهر رمضان(٣) ، وصوم يوم عرفة، ويوم عاشورا كل ذلك صاحبه فيه بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر.

وأما صوم الاذن فإن المرأة لا تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها(٤) ، والعبد لا يصوم تطوعا إلا بإذن سيده، والضيف لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من نزل على قوم فلا يصومن تطوعا إلا باذنهم ".

وأما صوم التأديب فإنه يؤمر الصبي إذا راهق(٥) بالصوم تأديبا وليس بفرض، وكذلك من أفطر لعلة من أول النهار ثم قوي بعد ذلك امر بالامساك بقية يومه تأديبا وليس بفرض، وكذلك المسافر إذا أكل من أول النهار ثم قدم أهله

___________________________________

(١) معنى كون صاحب الصوم بالخيار أن ليس شئ من الصوم تركه ممنوعا لكنه لابد من كون الفعل راجحا على الترك (مراد) وقال المولى المجلسى رحمه الله: أى يجوز له الافطار بعد الشروع فيه أو لا يجب صومه.

(٢) هو اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر لبياض الليالى فيها مع الايام، أو لابيضاض جسد آدم عليه السلام لصيامها.(م ت)

(٣) استحباب صيامها مشهور بين العامة وروى من طرقهم أن من صامها بعد شهر رمضان فكانما صام الدهر لقوله تعالى " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " ولو صامها بعد يومين أو ثلاثة بعد العيد فهو أفضل لما سيجئ.(م ت)

(٤) المشهور بين الاصحاب بل المتفق عليه بينهم أنه لا يجوز صوم المرأة ندبا مع نهى زوجها عنه والمشهور أيضا عدم الجواز مع عدم الاذن.(المرآة)

(٥) راهق الغلام مراهقة: قارب الاحتلام ولم يحتلم بعد (المصباح المنير) وفى المحكى عن الفاضل الاسترابادى أنه قال: اشتهر بين المتأخرين خلاف من غير فيصل وهو أن عبادات الصبى المميز تمرينية يعنى صورتها صورة الصلاة والصوم مثلا وليست بعبادة، أو عبادة فلو نوى النيابة عن الميت لبرئت ذمة الميت، وجعله عليه السلام صوم الصبى قسيما للصوم الذى صاحبه بالخيار فيه صريح في أن صوم الصبى ليس بعبادة ويؤيد ذلك أن نظائره مطلوبة وليست بصوم بل صورتها صورة الصوم.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

لا يفعلون إلّا عن أمر.

و يمكن أن يستفاد من قوله تعالى:( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ ) يس: ٨٣، و قوله:( وَ ما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ) القمر: ٥٠، حقيقة معنى أمره تعالى و قد تقدّم في بعض المباحث السابقة كلام في ذلك و سيجي‏ء استيفاء البحث في كلام خاصّ بالملائكة فيما يعطيه القرآن في حقيقة الملك.

قوله تعالى: ( يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى‏ وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ) فسّروا( ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ ) بما قدّموا من أعمالهم و ما أخّروا، و المعنى: يعلم ما عملوا و ما هم عاملون.

فقوله:( يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ ) استئناف في مقام التعليل لما تقدّمه من قوله:( لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) كأنّه قيل: إنّما لم يقدموا على قول أو عمل بغير أمره تعالى لأنّه يعلم ما قدّموا من قول و عمل و ما أخّروا فلا يزالون يراقبون أحوالهم حيث إنّهم يعلمون ذلك.

و هو معنى جيّد في نفسه لكنّه إنّما يصلح لتعليل عدم إقدامهم على المعصية لا لتعليل قصر عملهم على مورد الأمر و هو المطلوب، على أنّ لفظ الآية لا دلالة فيه على أنّهم يعلمون ذلك و لو لا ذلك لم يتمّ البيان.

و قد تقدّم في تفسير قوله تعالى:( وَ ما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَ ما خَلْفَنا وَ ما بَيْنَ ذلِكَ وَ ما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ) مريم: ٦٤، أنّ الأوجه حمل قوله:( ما بَيْنَ أَيْدِينا ) على الأعمال و الآثار المتفرّعة على وجودهم، و قوله:( وَ ما خَلْفَنا ) على ما هو من أسباب وجودهم ممّا تقدّمهم و تحقّق قبلهم فلو حمل اللفظتان في هذه الآية على ما حملتا عليه هناك كانت الجملة تعليلاً واضحاً لمجموع قوله:( بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ - إلى قوله -بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) الّذي يذكرهم بشرافة الذات و شرافة آثار الذات من القول و الفعل و يكون المعنى: إنّما أكرم الله ذواتهم و حمد آثارهم لأنّه يعلم أعمالهم و أقوالهم و هي ما بين أيديهم و يعلم السبب الّذي به وجدوا و الأصل الّذي عليه نشأوا

٣٠١

و هو ما خلفهم كما يقال: فلان كريم النفس حميد السيرة لأنّه مرضي الأعمال من اُسرة كريمة.

و قوله:( وَ لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) تعرّض لشفاعتهم لغيرهم و هو الّذي تعلّق به الوثنيّون في عبادتهم الملائكة كما ينبئ عنه قولهم:( هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ ) ( ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) فردّ تعالى عليهم بأنّ الملائكة إنّما يشفعون لمن ارتضاه الله و المراد به ارتضاء دينه لقوله تعالى:( إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ) النساء: ٤٨، فالإيمان بالله من غير شرك هو الارتضاء، و الوثنيّون مشركون، و من عجيب أمرهم أنّهم يشركون بنفس الملائكة الّذين لا يشفعون إلّا لغير المشركين من الموحّدين.

و قوله:( وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ) هي الخشية من سخطه و عذابه مع الأمن منه بسبب عدم المعصية و ذلك لأنّ جعله تعالى إيّاهم في أمن من العذاب بما أفاض عليهم من العصمة لا يحدّد قدرته تعالى و لا ينتزع الملك من يده، فهو يملك بعد الأمن عين ما كان يملكه قبله، و هو على كلّ شي‏ء قدير، و بذلك يستقيم معنى الآية التالية.

قوله تعالى: ( وَ مَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ) أي من قال كذا كان ظالماً و نجزيه جهنّم لأنّها جزاء الظالم، و الآية قضيّة شرطيّة و الشرطيّة لا تقتضي تحقّق الشرط.

قوله تعالى: ( أَ وَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ‏ءٍ حَيٍّ أَ فَلا يُؤْمِنُونَ ) المراد بالرؤية العلم الفكريّ و إنّما عبّر بالرؤية لظهوره من حيث إنّه نتيجة التفكير في أمر محسوس.

و الرتق و الفتق معنيان متقابلان، قال الراغب في المفردات،: الرتق الضمّ و الالتحام خلقة كان أم صنعة، قال تعالى:( كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما ) و قال: الفتق الفصل بين المتّصلين و هو ضدّ الرتق. انتهى. و ضمير التثنية في( كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما ) للسماوات و الأرض بعدّ السماوات طائفة و الأرض طائفة فهما طائفتان اثنتان، و مجي‏ء الخبر أعني

٣٠٢

رتقاً مفرداً لكونه مصدراً و إن كان بمعنى المفعول و المعنى كانت هاتان الطائفتان منضمّتين متّصلتين ففصلناهما.

و هذه الآية و الآيات الثلاث التالية لها برهان على توحيده تعالى في ربوبيّته للعالم كلّه أوردها بمناسبة ما انجرّ الكلام إلى توحيده و نفي ما اتّخذوها آلهة من دون الله و عدّوا الملائكة و هم من الآلهة عندهم أولاداً له، بانين في ذلك على أنّ الخلقة و الإيجاد لله و الربوبيّة و التدبير للآلهة. فأورد سبحانه في هذه الآيات أشياء من الخليقة خلقتها ممزوجة بتدبير أمرها فتبيّن بذلك أنّ التدبير لا ينفكّ عن الخلقة فمن الضروريّ أن يكون الّذي خلقها هو الّذي يدبّر أمرها و ذلك كالسماوات و الأرض و كلّ ذي حياة و الجبال و الفجاج و الليل و النهار و الشمس و القمر في خلقها و أحوالها الّتي ذكرها سبحانه.

فقوله:( أَ وَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما ) المراد بالّذين كفروا - بمقتضى السياق - هم الوثنيّون حيث يفرّقون بين الخلق و التدبير بنسبة الخلق إلى الله سبحانه و التدبير إلى الآلهة من دونه و قد بيّن خطأهم في هذه التفرقة بعطف نظرهم إلى ما لا يرتاب فيه من فتق السماوات و الأرض بعد رتقهما فإنّ في ذلك خلقاً غير منفكّ عن التدبير، فكيف يمكن قيام خلقهما بواحد و قيام تدبيرهما بآخرين.

لا نزال نشاهد انفصال المركّبات الأرضيّة و الجوّيّة بعضها من بعض و انفصال أنواع النباتات من الأرض و الحيوان من الحيوان و الإنسان من الإنسان و ظهور المنفصل بالانفصال في صورة جديدة لها آثار و خواصّ جديدة بعد ما كان متّصلاً بأصله الّذي انفصله منه غير متميّز الوجود و لا ظاهر الأثر و لا بارز الحكم فقد كانت هذه الفعليّات محفوظة الوجود في القوّة مودعة الذوات في المادّة رتقاً من غير فتق حتّى فتقت بعد الرتق و ظهرت بفعليّة ذواتها و آثارها.

و السماوات و الأرض بأجرامها حالها حال أفراد الأنواع الّتي ذكرناها و هذه الأجرام العلويّة و الأرض الّتي نحن عليها و إن لم يسمح لنا أعمارنا على قصرها

٣٠٣

أن نشاهد منها ما نشاهده في الكينونات الجزئية الّتي ذكرناها، فنرى بدء كينونتها أو انهدام وجودها لكنّ المادّة هي المادّة و أحكامها هي أحكامها و القوانين الجارية فيها لا تختلف و لا تتخلّف.

فتكرار انفصال جزئيّات المركّبات و المواليد من الأرض و نظير ذلك في الجوّ يدلّنا على يوم كانت الجميع فيه رتقاً منضمّة غير منفصلة من الأرض و كذا يهدينا إلى مرحلة لم يكن فيها ميز بين السماء و الأرض و كانت الجميع رتقاً ففتقها الله تحت تدبير منظّم متقن ظهر به كلّ منها على ما له من فعليّة الذات و آثارها.

فهذا ما يعطيه النظر الساذج في كينونة هذا العالم المشهود بأجزائها العلويّة و السفليّة كينونة ممزوجة بالتدبير مقارنة للنظام الجاري في الجميع و قد قرّبت الأبحاث العلميّة الحديثة هذه النظرة حيث أوضحت أنّ الأجرام الّتي تحت الحسّ مؤلّفة من عناصر معدودة مشتركة و لكلّ منها بقاء محدود و عمر مؤجّل و إن اختلفت بالطول و القصر.

هذا لو اُريد برتق السماوات و الأرض عدم تميّز بعضها من بعض و بالفتق تمييز السماوات من الأرض و لو اُريد برتقها عدم الانفصال بين أجزاء كلّ منهما في نفسه حتّى ينزل من السماء شي‏ء أو يخرج من الأرض شي‏ء و بفتقها خلاف ذلك كان المعنى أنّ السماوات كانت رتقاً لا تمطر ففتقناها بالإمطار و الأرض كانت رتقاً لا تنبت ففتقناها بالإنبات و تمّ البرهان و ربّما أيّده قوله بعد:( وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ‏ءٍ حَيٍّ ) لكنّه يختصّ من بين جميع الحوادث بالإمطار و الإنبات، بخلاف البرهان على التقريب الأوّل.

و ذكر بعض المفسّرين و ارتضاه آخرون أنّ المراد برتق السماوات و الأرض عدم تميّز بعضها من بعض حال عدمها السابق، و بفتقها تميّز بعضها من بعض في الوجود بعد العدم فيكون احتجاجاً بحدوث السماوات و الأرض على وجود محدثها و هو الله سبحانه.

و فيه أنّ الاحتجاج بالحدوث على المحدث تامّ في نفسه، لكنّه لا ينفع قبال

٣٠٤

الوثنيّين المعترفين بوجوده تعالى و استناد الإيجاد إليه و وجه الكلام إليهم، و إنّما ينفع قبالهم من الحجّة ما يثبت بها استناد التدبير إليه تعالى تجاه ما يسندون التدبير إلى آلهتهم و يعلّقون العبادة على ذلك.

و قوله:( وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ‏ءٍ حَيٍّ ) ظاهر السياق أنّ الجعل بمعنى الخلق و( كُلَّ شَيْ‏ءٍ حَيٍّ ) مفعوله و المراد أنّ للماء دخلاً تامّاً في وجود ذوي الحياة كما قال:( وَ اللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ ) النور: ٤٥، و لعلّ ورود القول في سياق تعداد الآيات المحسوسة يوجب انصراف الحكم بغير الملائكة و من يحذو حذوهم، و قد اتّضح ارتباط الحياة بالماء بالأبحاث العلميّة الحديثة.

قوله تعالى: ( وَ جَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَ جَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ) قال في المجمع: الرواسي الجبال رست ترسو رسواً إذا ثبتت بثقلها فهي راسية كما ترسو السفينة إذا وقفت متمكّنة في وقوفها، و الميد الاضطراب بالذهاب في الجهات، و الفجّ الطريق الواسع بين الجبلين. انتهى.

و المعنى: و جعلنا في الأرض جبالاً ثوابت لئلّا تميل و تضطرب الأرض بهم و جعلنا في تلك الجبال طرقاً واسعة هي سبل لعلّهم يهتدون منها إلى مقاصدهم و مواطنهم.

و فيه دلالة على أنّ للجبال ارتباطاً خاصّاً بالزلازل و لولاها لاضطربت الأرض بقشرها.

قوله تعالى: ( وَ جَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَ هُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ ) كأنّ المراد بكون السماء محفوظة حفظها من الشياطين كما قال:( وَ حَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ ) الحجر: ١٧، و المراد بآيات السماء الحوادث المختلفة السماويّة الّتي تدلّ على وحدة التدبير و استناده إلى موجدها الواحد.

قوله تعالى: ( وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) الآية ظاهرة في إثبات الفلك لكلّ من الليل و هو الظلّ المخروطيّ

٣٠٥

الملازم لوجه الأرض المخالف لمسامتة الشمس، و النهار و هو خلاف الليل، و للشمس و القمر فالمراد بالفلك مدار كلّ منها.

و المراد مع ذلك بيان الأوضاع و الأحوال الحادثة بالنسبة إلى الأرض و في جوّها و إن كانت حال الأجرام الاُخر على خلاف ذلك فلا ليل و لا نهار يقابله للشمس و سائر الثوابت، الّتي هي نيّرة بالذات و للقمر و سائر السيّارات الكاسبة للنور من الليل و النهار غير ما لنا.

و قوله:( يَسْبَحُونَ ) من السبح بمعنى الجري في الماء بخرقه قيل و إنّما قال: يسبحون لأنّه أضاف إليها فعل العقلاء كما قال:( وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ ) يوسف: ٤.

( بحث روائي)

في المحاسن، بإسناده عن يونس رفعه قال: قال أبوعبدالله (عليه السلام): ليس من باطل يقوم بإزاء حقّ إلّا غلب الحقّ الباطل و ذلك قول الله:( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ ) .

و فيه، بإسناده عن أيّوب بن الحرّ قال قال أبوعبدالله (عليه السلام): يا أيّوب ما من أحد إلّا و قد يرد عليه الحقّ حتّى يصدع قلبه قبله أم تركه و ذلك أنّ الله يقول في كتابه:( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَ لَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ) .

أقول: و الروايتان مبنيّتان على تعميم الآية.

و في العيون، في باب ما جاء عن الرضا (عليه السلام) في هاروت و ماروت في حديث: إنّ الملائكة معصومون محفوظون عن الكفر و القبائح بألطاف الله تعالى قال الله تعالى فيهم:( لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ) و قال عزّوجلّ:( وَ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ مَنْ عِنْدَهُ يعني الملائكة لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَ لا يَسْتَحْسِرُونَ

٣٠٦

يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ لا يَفْتُرُونَ ) .

و في نهج البلاغة، قال (عليه السلام) في وصف الملائكة: و مسبّحون لا يسأمون، و لا يغشاهم نوم العيون، و لا سهو العقول، و لا فترة الأبدان، و لا غفلة النسيان.

أقول: و به يضعف ما في بعض الروايات أنّ الملائكة ينامون كما في كتاب كمال الدين بإسناده عن داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله: أنّه سئل عن الملائكة أ ينامون؟ فقال: ما من حيّ إلّا و هو ينام خلا الله وحده: فقلت: يقول الله عزّوجلّ:( يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ لا يَفْتُرُونَ ) ؟ قال: أنفاسهم تسبيح. على أنّ الرواية ضعيفة.

و في التوحيد، بإسناده عن هشام بن الحكم قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) ما الدليل على أنّ الله واحد؟ قال: اتّصال التدبير و تمام الصنع كما قال عزّوجلّ:( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا ) .

أقول: و هو يؤيّد ما قدّمناه في تقرير الدليل.

و فيه، بإسناده عن عمرو بن جابر قال: قلت لأبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام): يا بن رسول الله إنّا نرى الأطفال منهم من يولد ميّتاً، و منهم من يسقط غير تامّ، و منهم من يولد أعمى و أخرس و أصمّ، و منهم من يموت من ساعته إذا سقط إلى الأرض، و منهم من يبقى إلى الاحتلام، و منهم من يعمّر حتّى يصير شيخاً فكيف ذلك و ما وجهه؟

فقال (عليه السلام): إنّ الله تبارك و تعالى أولى بما يدبّره من أمر خلقه منهم و هو الخالق و المالك لهم فمن منعه التعمير فإنّما منعه ما ليس له، و من عمّره فإنّما أعطاه ما ليس له فهو المتفضّل بما أعطى و عادل فيما منع و لا يسأل عمّا يفعل و هم يسألون.

قال جابر: فقلت له: يا بن رسول الله و كيف لا يسأل عمّا يفعل؟ قال: لأنّه لا يفعل إلّا ما كان حكمة و صواباً، و هو المتكبّر الجبّار و الواحد القهّار، فمن وجد في نفسه حرجاً في شي‏ء ممّا قضى كفر و من أنكر شيئاً من أفعاله جحد.

٣٠٧

أقول: و هي رواية شريفة تعطي أصلاً كلّيّاً في الحسنات و السيّئات و هو أنّ الحسنات اُمور وجوديّة تستند إلى إعطائه و فضله تعالى، و السيّئات اُمور عدميّة تنتهي إلى عدم الإعطاء لما لا يملكه العبد. و ما ذكره (عليه السلام) أنّه تعالى أولى بما لعبده منه وجهه أنّه تعالى هو المالك لذاته و العبد إنّما يملك ما يملك بتمليك منه تعالى و هو المالك لما ملّكه و ملك العبد في طول ملكه.

و قوله:( لأنّه لا يفعل إلّا ما كان حكمة و صواباً) إشارة إلى التقريب الأوّل الّذي قدّمناه، و قوله:( و هو المتكبّر الجبّار و الواحد القهّار) إشارة إلى التقريب الثاني الّذي أوردناه في تفسير الآية.

و في نور الثقلين، عن الرضا (عليه السلام) قال: قال الله تبارك و تعالى: يا بن آدم بمشيّتي كنت أنت الّذي تشاء لنفسك ما تشاء، و بقوّتي أدّيت إليّ فرائضي، و بنعمتي قويت على معصيتي جعلتك سميعاً بصيراً قويّاً ما أصابك من حسنة فمن الله و ما أصابك من سيّئة فمن نفسك و ذلك أنّي أولى بحسناتك منك و أنت أولى بسيّئاتك منّي و ذلك أنّي لا اُسأل عمّا أفعل و هم يسألون.

و في المجمع في قوله تعالى:( هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَ ذِكْرُ مَنْ قَبْلِي ) قال أبوعبدالله (عليه السلام): يعني بذكر من معي ما هو كائن و بذكر من قبلي ما قد كان.

و في العيون، بإسناده إلى الحسين بن خالد عن عليّ بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه عن أميرالمؤمنين (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم): من لم يؤمن بحوضي فلا أورده الله حوضي، و من لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله الله شفاعتي، ثمّ قال (عليه السلام): إنّما شفاعتي لأهل الكبائر من اُمّتي فأمّا المحسنون فما عليهم من سبيل.

قال الحسين بن خالد: فقلت للرضا (عليه السلام): يا بن رسول الله فما معنى قول الله عزّوجلّ:( وَ لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) قال: لا يشفعون إلّا لمن ارتضى الله دينه.

و في الدرّ المنثور، أخرج الحاكم و صحّحه و البيهقيّ في البعث عن جابر: أنّ رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم) تلا قول الله:( وَ لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) فقال: إنّ شفاعتي لأهل الكبائر من اُمّتي.

٣٠٨

و في الاحتجاج، و روي: أنّ عمرو بن عبيد وفد على محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام) لامتحانه بالسؤال عنه فقال له: جعلت فداك ما معنى قوله تعالى:( أَ وَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما ) ما هذا الرتق و الفتق؟ فقال أبوجعفر (عليه السلام): كانت السماء رتقاً لا تنزل القطر و كانت الأرض رتقاً لا تخرج النبات ففتق الله السماء بالقطر و فتق الأرض بالنبات فانقطع عمرو بن عبيد و لم يجد اعتراضاً و مضى.

أقول: و روي هذا المعنى في روضة الكافي عنه (عليه السلام) بطريقين.

و في نهج البلاغة، قال (عليه السلام): و فتق بعد الارتتاق صوامت أبوابها.

٣٠٩

( سورة الأنبياء الآيات ٣٤ - ٤٧)

وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ( ٣٤ ) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ( ٣٥ ) وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَٰذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ هُمْ كَافِرُونَ ( ٣٦ ) خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ ( ٣٧ ) وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ( ٣٨ ) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَن ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ ( ٣٩ ) بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ ( ٤٠ ) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ( ٤١ ) قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَٰنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ ( ٤٢ ) أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُم مِّن دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ وَلَا هُم مِّنَّا يُصْحَبُونَ ( ٤٣ ) بَلْ مَتَّعْنَا هَٰؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ ( ٤٤ ) قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ ( ٤٥ ) وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ( ٤٦ ) وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ ( ٤٧ )

٣١٠

( بيان)

من تتمّة الكلام حول النبوّة يذكر فيها بعض ما قاله المشركون في النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) كقولهم: سيموت فنتخلّص منه و نستريح و قولهم استهزاء به:( أَ هذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ ) ، و قولهم استهزاء بالبعث و القيامة الّتي اُنذروا بها:( مَتى‏ هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) و فيها جواب أقاويلهم و إنذار و تهديد لهم و تسلية للنبيّ (صلّي الله عليه وآله وٍسلّم).

قوله تعالى: ( وَ ما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ ) يلوح من الآية أنّهم كانوا يسلّون أنفسهم بأنّ النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) سيموت فيتخلّصون من دعوته و تنجو آلهتهم من طعنة كما حكى ذلك عنهم في مثل قولهم:( نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ) الطور: ٣٠، فأجاب عنه بأنّا لم نجعل لبشر من قبلك الخلد حتّى يتوقّع ذلك لك بل إنّك ميّت و إنّهم ميّتون، و لا ينفعهم موتك شيئاً فلا أنّهم يقبضون على الخلود بموتك، فالجميع ميّتون، و لا أنّ حياتهم القصيرة المؤجّلة تخلو من الفتنة و الامتحان الإلهيّ فلا يخلو منه إنسان في حياته الدنيا، و لا أنّهم خارجون بالآخرة من سلطاننا بل إلينا يرجعون فنحاسبهم و نجزيهم بما عملوا.

و قوله:( أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ ) و لم يقل: فهم خالدون و الاستفهام للإنكار يفيد نفي قصر القلب كأنّه قيل: إنّ قولهم: نتربّص به ريب المنون كلام من يرى لنفسه خلوداً أنت مزاحمه فيه فلو متّ لذهب بالخلود و قبض عليه و عاش عيشة خالدة طيّبة ناعمة و ليس كذلك بل كلّ نفس ذائقة الموت، و الحياة الدنيا مبنيّة على الفتنة و الامتحان، و لا معنى للفتنة الدائمة و الامتحان الخالد بل يجب أن يرجعوا إلى ربّهم فيجازيهم على ما امتحنهم و ميّزهم.

قوله تعالى: ( كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً وَ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ ) لفظ النفس - على ما يعطيه التأمّل في موارد استعماله - أصل معناه هو معنى ما اُضيف إليه فنفس الشي‏ء معناه الشي‏ء و نفس الإنسان معناه هو الإنسان و

٣١١

نفس الحجر معناه هو الحجر فلو قطع عن الإضافة لم يكن له معنى محصّل، و على هذا المعنى يستعمل للتأكيد اللفظي كقولنا: جاءني زيد نفسه أو لإفادة معناه كقولنا: جاءني نفس زيد.

و بهذا المعنى يطلق على كلّ شي‏ء حتّى عليه تعالى كما قال:( كَتَبَ عَلى‏ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) الأنعام: ١٢، و قال:( وَ يُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ ) آل عمران: ٢٨، و قال:( تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَ لا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ ) المائدة: ١١٦.

ثمّ شاع استعمال لفظها في شخص الإنسان خاصّة و هو الموجود المركّب من روح و بدن فصار ذا معنى في نفسه و إن قطع عن الإضافة قال تعالى:( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها ) أي من شخص إنسانيّ واحد، و قال:( مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ) المائدة: ٣٢، أي من قتل إنساناً و من أحيا إنساناً، و قد اجتمع المعنيان في قوله:( كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها ) فالنفس الاُولى بالمعنى الثاني و الثانية بالمعنى الأوّل.

ثمّ استعملوها في الروح الإنسانيّ لما أنّ الحياة و العلم و القدرة الّتي بها قوام الإنسان قائمة بها و منه قوله تعالى:( أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ ) الأنعام: ٩٣.

و لم يطّرد هذان الإطلاقان أعني الثاني و الثالث في غير الإنسان كالنبات و سائر الحيوان إلّا بحسب الاصطلاح العلميّ فلا يقال للواحد من النبات و الحيوان عرفاً نفس و لا للمبدء المدبّر لجسمه نفس نعم ربّما سمّيت الدم نفساً لأنّ للحياة توقّفاً عليها و منه النفس السائلة.

و كذا لا يطلق النفس في اللغة بأحد الإطلاقين الثاني و الثالث على الملك و الجنّ و إن كان معتقدهم أنّ لهما حياة، و لم يرد استعمال النفس فيهما في القرآن أيضاً و إن نطقت الآيات بأنّ للجنّ تكليفاً كالإنسان و موتاً و حشراً قال:( وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) الذاريات: ٥٦، و قال:( فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ

٣١٢

قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ ) الأحقاف: ١٨، و قال:( وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ ) الأنعام: ١٢٨، هذا ما يتحصّل من معنى النفس بحسب عرف اللغة.

و أمّا الموت فهو فقد الحياة و آثارها من الشعور و الإرادة عمّا من شأنه أن يتّصف بها قال تعالى:( وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ) البقرة: ٢٨، و قال في الأصنام:( أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ ) النحل: ٢١، و أمّا أنّه مفارقة النفس للبدن بانقطاع تعلّقها التدبيريّ كما يعرّفه الأبحاث العقليّة أو أنّه الانتقال من دار إلى دار كما في الحديث النبويّ فهو معنى كشف عنه العقل أو النقل غير ما استقرّ عليه الاستعمال و من المعلوم أنّ الموت بالمعنى الّذي ذكر إنّما يتّصف به الإنسان المركّب من الروح و البدن باعتبار بدنه فهو الّذي يتّصف بفقدان الحياة بعد وجدانه و أمّا الروح فلم يرد في كلامه تعالى ما ينطق باتّصافه بالموت كما لم يرد ذلك في الملك، و أمّا قوله:( كُلُّ شَيْ‏ءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ) القصص: ٨٨، و قوله:( وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ ) الزمر: ٦٨ فسيجي‏ء إن شاء الله أنّ الهلاك و الصعق غير الموت و إن انطبقاً عليه أحيانا.

فقد تبيّن ممّا قدّمناه أوّلاً: أنّ المراد بالنفس في قوله:( كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ) الإنسان - و هو الاستعمال الثاني من استعمالاتها الثلاث - دون الروح الإنسانيّ إذ لم يعهد نسبة الموت إلى الروح في كلامه تعالى حتّى تحمل عليه.

و ثانياً: أنّ الآية إنّما تعمّ الإنسان لا غير كالملك و الجنّ و سائر الحيوان و إن كان بعضها ممّا يتّصف بالموت كالجنّ و الحيوان، و من القرينة على اختصاص الآية بالإنسان قوله قبله:( وَ ما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ ) و قوله بعده:( وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً ) على ما سنوضحه.

و قد ذكر جمع منهم أنّ المراد بالنفس في الآية الروح، و قد عرفت خلافه و أصرّ كثير منهم على عموم الآية لكلّ ذي حياة من الإنسان و الملك و الجنّ و سائر الحيوانات حتّى النبات إن كان لها حياة حقيقة و قد عرفت ما فيه.

٣١٣

و من أعجب ما قيل في تقرير عموم الآية ما ذكره الإمام الرازيّ في التفسير الكبير، بعد ما قرّر أنّ الآية عامّة لكلّ ذي نفس: أنّ الآية مخصّصة فإنّ له تعالى نفساً كما قال حكاية عن عيسى (عليه السلام):( تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَ لا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ ) مع أنّ الموت مستحيل عليه سبحانه، و كذا الجمادات لها نفوس و هي لا تموت. ثمّ قال: و العامّ المخصوص حجّة فيبقى معمولاً به على ظاهره فيما عدا ما اُخرج منه، و ذلك يبطل قول الفلاسفة في الأرواح البشريّة و العقول المفارقة و النفوس الفلكيّة أنّها لا تموت. انتهى كلامه.

و فيه أوّلاً: أنّ النفس بالمعنى الّذي تطلق عليه تعالى و على كلّ شي‏ء هي النفس بالاستعمال الأوّل من الاستعمالات الثلاث الّتي قدّمناها لا تستعمل إلّا مضافة كما في الآية الّتي استشهد بها و الّتي في الآية مقطوعة عن الإضافة فهي غير مرادة بهذا المعنى في الآية قطعاً فتبقى النفس بأحد المعنيين الآخرين و قد عرفت أنّ المعنى الثالث أيضاً غير مراد فيبقى الثاني.

و ثانياً: أنّ نفيه الموت عن الجمادات ينافي قوله تعالى:( كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ) و قوله:( أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ ) و غير ذلك.

و ثالثاً: أنّ قوله: إنّ عموم الآية يبطل قول الفلاسفة في الأرواح البشريّة و العقول المفارقة و النفوس الفلكيّة خطأ فإنّ هذه مسائل عقليّة يرام السلوك إليها من طريق البرهان، و البرهان حجّة مفيدة لليقين فإن كانت الحجج الّتي أقاموها عليها كلّها أو بعضها براهين كما أدّعوها لم ينعقد من الآية في مقابلها ظهور و الظهور حجّة ظنّيّة و كيف يتصوّر اجتماع العلم مع الظنّ بالخلاف، و إن لم تكن براهين لم تثبت المسائل و لا حاجة معه إلى ظنّ بالخلاف.

ثمّ إنّ قوله:( كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ) كما هو تقرير و تثبيت لمضمون قوله قبلاً:( وَ ما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ ) إلخ، كذلك توطئة و تمهيد لقوله بعد:( وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً ) - أي و نمتحنكم بما تكرهونه من مرض و فقر و نحوه و ما تريدونه من صحّة و غنى و نحوهما امتحاناً - كأنّه قيل: نحيي كلّا منكم

٣١٤

حياة محدودة مؤجّلة و نمتحنكم فيها بالشرّ و الخير امتحاناً ثمّ إلى ربّكم ترجعون فيقضي عليكم و لكم.

و فيه إشارة إلى علّة تحتّم الموت لكلّ نفس حيّة، و هي أنّ حياة كلّ نفس حياة امتحانيّة ابتلائيّة، و من المعلوم أنّ الامتحان أمر مقدّميّ و من الضروريّ أنّ المقدّمة لا تكون خالدة لا تنتهي إلى أمد و من الضروريّ أنّ وراء كلّ مقدّمة ذا مقدّمة و بعد كلّ امتحان موقف تتعيّن فيه نتيجته فلكلّ نفس حيّة موت محتوم ثمّ لها رجوع إلى الله سبحانه لفصل القضاء.

قوله تعالى: ( وَ إِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَ هذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَ هُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ ) إن نافية و المراد بقوله:( إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً ) قصر معاملتهم معه على اتّخاذهم إيّاه هزؤا أي لم يتّخذوك إلّا هزؤا يستهزء به.

و قوله:( أَ هذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ ) - و التقدير يقولون أو قائلين: أ هذا الّذي إلخ - حكاية كلمة استهزائهم، و الاستهزاء في الإشارة إليه بالوصف، و مرادهم ذكره آلهتهم بسوء و لم يصرّحوا به أدباً مع آلهتهم و هو نظير قوله:( قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ ) الآية: ٦٠ من السورة.

و قوله:( وَ هُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ ) في موضع الحال من ضمير( إِنْ يَتَّخِذُونَكَ ) أو من فاعل يقولون المقدّر و هو أقرب و محصّله أنّهم يأنفون لآلهتهم عليك إذ تقول فيها إنّها لا تنفع و لا تضرّ - و هو كلمة حقّ - فلا يواجهونك إلّا بالهزء و الإهانة و لا يأنفون لله إذ يكفر بذكره و الكافرون هم أنفسهم.

و المراد بذكر الرحمن ذكره تعالى بأنّه مفيض كلّ رحمة و منعم كلّ نعمة و لازمه كونه تعالى هو الربّ الّذي تجب عبادته، و قيل: المراد بالذكر القرآن.

و المعنى: و إذا رآك الّذين كفروا و هم المشركون ما يتّخذونك و لا يعاملون معك إلّا بالهزء و السخريّة قائلين بعضهم لبعض أ هذا الّذي يذكر آلهتكم أي بسوء فيأنفون لآلهتهم حيث تذكرها و الحال أنّهم بذكر الرحمن كافرون و لا يعدّونه

٣١٥

جرماً و لا يأنفون له.

قوله تعالى: ( خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ ) كان المشركون على كفرهم بالدعوة النبويّة يستهزؤن بالنبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) كلّما رأوه، و هو زيادة في الكفر و العتوّ، و الاستهزاء بشي‏ء إنّما يكون بالبناء على كونه هزلاً غير جدّ فيقابل الهزل بالهزل لكنّه تعالى أخذ استهزاءهم هذا أخذ جدّ غير هزل فكان الاستهزاء بعد الكفر تعرّضاً للعذاب الإلهيّ بعد تعرّض و هو الاستعجال بالعذاب فإنّهم لا يقنعون بما جاءتهم من الآيات و هم في عافية و يطلبون آيات تجازيهم بما صنعوا، و لذلك عدّ سبحانه استهزاءهم بعد الكفر استعجالاً برؤية الآيات و هي الآيات الملازمة للعذاب و أخبرهم أنّه سيريهم إيّاها.

فقوله:( خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ ) كناية عن بلوغ الإنسان في العجل كأنّه خلق من عجل و لا يعرف سواه نظير ما يقال: فلان خير كلّه أو شرّ كلّه و خلق من خير أو من شرّ و هو أبلغ من قولنا، ما أعجله و ما أشدّ استعجاله، و الكلام وارد مورد التعجيب و فيه استهانة بأمرهم و أنّه لا يعجل بعذابهم لأنّهم لا يفوتونه.

و قوله:( سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ ) الآية الآتية تشهد بأنّ المراد بإراءة الآيات تعذيبهم بنار جهنّم و هي قوله:( لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ ) إلخ.

قوله تعالى: ( وَ يَقُولُونَ مَتى‏ هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) القائلون هم الّذين كفروا و المخاطبون هم النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) و المؤمنون و كان مقتضى الظاهر أن يقولوا؟ إن كنت من الصادقين لكنّهم عدلوا إلى ما ترى ليضيفوا إلى تعجيز النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) بمطالبته ما لا يقدر عليه إضلال المؤمنين به و إغراءهم عليه و الوعد هو ما اشتملت عليه الآية السابقة و تفسّره الآية اللاحقة.

قوله تعالى: ( لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَ لا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ ) ( لَوْ ) للتمنّي و( حِينَ ) مفعول يعلم على ما قيل و قوله:( لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَ لا عَنْ ظُهُورِهِمْ ) أي لا يدفعونها حيث تأخذهم من قدامهم و من خلفهم و فيه إشارة إلى إحاطتها بهم.

٣١٦

و قوله:( وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ ) معطوف على ما تقدّمه لرجوع معناه إلى الترديد بالمقابلة و المعنى لا يدفعون النار باستقلال من أنفسهم و لا بنصر من ينصرهم على دفعه.

و الآية في موضع الجواب لسؤالهم عن الموعد، و المعنى ليت الّذين كفروا يعلمون الوقت الّذي لا يدفعون النار عن وجوههم و لا عن ظهورهم لا باستقلال من أنفسهم و لا هم ينصرون في دفعها.

قوله تعالى: ( بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ ) الّذي يقتضيه السياق أنّ فاعل تأتيهم ضمير راجع إلى النار دون الساعة كما ذهب إليه بعضهم، و الجملة إضراب عن قوله في الآية السابقة:( لا يَكُفُّونَ ) إلخ. لا عن مقدّر قبله تقديره لا تأتيهم الآيات بحسب اقتراحهم بل تأتيهم بغتة، و لا عن قوله:( لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) بدعوى أنّه في معنى النفي و التقدير لا يعلمون ذلك بل تأتيهم بغتة فإنّ هذه كلّها وجوه يأبى عنها السياق.

و معنى إتيان النار بغتة أنّها تفاجؤهم حيث لا يدرون من أين تأتيهم و تحيط بهم فإنّ ذلك لازم ما وصفه الله من أمرها بقوله:( نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ) الهمزة: ٧، و قوله:( النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ ) البقرة: ٢٤، و قوله:( إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ) الآية: ٩٨ من السورة، و النار الّتي هذا شأنها تأخذ باطن الإنسان كظاهره على حدّ سواء لا كنار الدنيا حتّى تتوجّه من جهة إلى جهة و تأخذ الظاهر قبل الباطن و الخارج قبل الداخل حتّى تمهلهم بقطع مسافة أو بتدرّج في عمل أو مفارقة في جهة فيحتال لدفعها بتجاف أو تجنّب أو إبداء حائل أو الالتجاء إلى ركن بل هي معهم كما أنّ أنفسهم معهم لا تستطاع ردّاً إذ لا اختلاف جهة و لا تقبل مهلة إذ لا مسافة بينها و بينهم فلا تسمح لهم في نزولها عليهم إلّا البهت و الحيرة.

فمعنى الآية - و الله أعلم - لا يدفعون النار عن وجوههم و ظهورهم بل تأتيهم من

٣١٧

حيث لا يشعرون بها و لا يدرون فتكون مباغتة لهم فلا يستطيعون ردّها و لا يمهلون في إتيانها.

قوله تعالى: ( وَ لَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ ) قال في المجمع: الفرق بين السخريّة و الهزء أنّ في السخريّة معنى طلب الذلّة لأنّ التسخير التذليل فأمّا الهزء فيقتضي طلب صغر القدر بما يظهر في القول. انتهى و الحيق الحلول، و المراد بما كانوا به يستهزؤن، العذاب و في الآية تسلية للنبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) و تخويف و تهديد للّذين كفروا.

قوله تعالى: ( قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ ) الكلاءة الحفظ و المعنى أسألهم من الّذي يحفظهم من الرحمن إن أراد أن يعذّبهم ثمّ أضرب عن تأثير الموعظة و الإنذار فيهم فقال:( بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ ) أي القرآن( مُعْرِضُونَ ) فلا يعتنون به و لا يريدون أن يصغوا إليه إذا تلوته عليهم و قيل المراد بالذكر مطلق المواعظ و الحجج.

قوله تعالى: ( أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَ لا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ ) أم منقطعة و الاستفهام للإنكار، و كلّ من( تَمْنَعُهُمْ ) و( مِنْ دُونِنا ) صفة آلهة، و المعنى بل أسألهم أ لهم آلهة من دوننا تمنعهم منّا.

و قوله:( لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ ) إلخ تعليل للنفي المستفاد من الاستفهام الإنكاريّ و لذا جي‏ء بالفصل و التقدير ليس لهم آلهة كذلك لأنّهم لا يستطيعون نصر أنفسهم بأن ينصر بعضهم بعضاً و لا هم منّا يجارون و يحفظون فكيف ينصرون عبّادهم من المشركين أو يجيرونهم، و ذكر بعضهم أنّ ضمائر الجمع راجعة إلى المشركين و السياق يأباه.

قوله تعالى: ( بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَ آباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ ) إلى آخر الآية هو إضراب عن مضمون الآية السابقة كما كان قوله:( بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ ) إضراباً عمّا تقدّمه و المضامين - كما ترى - متقاربة.

٣١٨

و قوله:( حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ ) غاية لدوام التمتّع المدلول عليه بالجملة السابقة و التقدير بل متّعنا هؤلاء المشركين و آباءهم و دام لهم التمتّع حتّى طال عليهم العمر فاغتروّا بذلك و نسوا ذكر الله و أعرضوا عن عبادته، و كذلك كان مجتمع قريش فإنّهم كانوا بعد أبيهم إسماعيل قاطنين في حرم آمن متمتّعين بأنواع النعم الّتي تحمل إليهم حتّى تسلّطوا على مكّة و أخرجوا جرهماً منها فنسوا ما هم عليه من دين أبيهم إبراهيم و عبدوا الأصنام.

و قوله:( أَ فَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها ) الأنسب للسياق أن يكون المراد من نقص الأرض من أطرافها هو انقراض بعض الاُمم الّتي تسكنها فإنّ لكلّ اُمّة أجلاً ما تسبق من اُمّة أجلها و ما يستأخرون - و قد تقدّمت الإشارة إلى أنّ المراد بطول العمر عليهم طول عمر مجتمعهم.

و المعنى: أ فلا يرون أنّ الأرض تنقص منها اُمّة بعد اُمّة بالانقراض بأمر الله فما ذا يمنعه أن يهلكهم أ فهم الغالبون إن أرادهم الله سبحانه بضرّ أو هلاك و انقراض.

و قد مرّ بعض الكلام في الآية في نظيرتها من سورة الرعد فراجع. و اعلم أنّ في هذه الآيات وجوها من الالتفات لم نتعرّض لها لظهورها.

قوله تعالى: ( قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَ لا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ ) أي إنّ الّذي اُنذركم به وحي إلهيّ لا ريب فيه و إنّما لا يؤثّر فيكم أثره و هو الهداية لأنّ فيكم صمماً لا تسمعون الإنذار فالنقص في ناحيتكم لا فيه.

قوله تعالى: ( وَ لَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ ) النفحة الوقعة من العذاب، و المراد أنّ الإنذار بآيات الذكر لا ينفعهم بل هؤلاء يحتاجون إلى نفحة من العذاب حتّى يضطرّوا فيؤمنوا و يعترفوا بظلمهم.

قوله تعالى: ( وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً ) القسط العدل و هو عطف بيان للموازين أو صفة للموازين بتقدير مضاف و التقدير الموازين ذوات القسط، و قد تقدّم الكلام في معنى الميزان المنصوب يوم القيامة في تفسير سورة الأعراف.

٣١٩

و قوله:( وَ إِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها ) الضمير في( وَ إِنْ كانَ ) للعمل الموزون المدلول عليه بذكر الموازين أي و إن كان العمل الموزون مقدار حبّة من خردل في ثقله أتينا بها و كفى بنا حاسبين و حبّة الخردل يضرب بها المثل في دقّتها و صغرها و حقارتها، و فيه إشارة إلى أنّ الوزن من الحساب.

( بحث روائي)

في الدرّ المنثور، أخرج ابن المنذر عن ابن جريح قال: لمّا نعى جبريل للنبيّ نفسه قال: يا ربّ فمن لاُمّتي؟ فنزلت:( وَ ما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ ) الآية.

أقول: سياق الآيات و هو سياق العتاب لا يلائم ما ذكر. على أنّ هذا السؤال لا يلائم موقع النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم)، على أنّ النعي كان في آخر حياة النبيّ و السورة من أقدم السور المكّيّة.

و فيه، أخرج ابن أبي حاتم عن السدّيّ قال: مرّ النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) على أبي سفيان و أبي جهل و هما يتحدّثان فلمّا رآه أبوجهل ضحك و قال لأبي سفيان: هذا نبيّ بني عبد مناف فغضب أبو سفيان فقال: ما تنكرون ليكون لبني عبد مناف نبيّ؟ فسمعها النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) فرجع إلى أبي جهل فوقع به و خوّفه و قال: ما أراك منتهياً حتّى يصيبك ما أصاب عمّك، و قال لأبي سفيان: أمّا إنّك لم تقل ما قلت إلّا حميّة فنزلت هذه الآية( وَ إِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً ) الآية.

أقول: هو كسابقه في عدم انطباق القصّة على الآية ذاك الانطباق.

و في المجمع، روي عن أبي عبدالله (عليه السلام): أنّ أميرالمؤمنين (عليه السلام) مرض فعاده إخوانه فقالوا: كيف نجدك يا أميرالمؤمنين؟ قال: بشر. قالوا: ما هذا كلام مثلك قال: إنّ الله تعالى يقول:( وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً ) فالخير الصحّة و الغنى و الشرّ المرض و الفقر.

و فيه في قوله:( أَ فَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها ) و قيل:

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459