الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٤

الميزان في تفسير القرآن  13%

الميزان في تفسير القرآن  مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 459

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 459 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 96731 / تحميل: 5838
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وكذا السدر والكافور والماء وقيمة الأرض التي يدفن فيها ، وأجرة حمل الميت وأجرة حفر القبر إلى غير ذلك مما يصرف في أي عمل من واجبات الميت ، فان كل ذلك يخرج من أصل التركة وان كان الميت مديوناً أو كانت له وصية ، هذا فيما إذا لم يوجد من يتبرع بشيء من ذلك وإلاّ لم يخرج من التركة ، وأما ما يصرف فيما زاد على القدر الواجب وما يلحق به فلا يجوز اخراجه من الأصل ، وكذا الحال في قيمة المقدار الواجب وما يلحقه فانه لا يجوز ان يخرج من الأصل الا ما هو المتعارف بحسب القيمة ، فلو كان الدفن في بعض المواضع اللائقة بحال الميت لا يحتاج إلى بذل مال ، وفي البعض الآخر يحتاج اليه قدم الأوّل ، نعم يجوز اخراج الزائد على القدر المذكور من الثلث مع وصية الميت به ، أو وصيته بالثلث من دون تعيين مصرف له كلاً أو بعضاً ، كما يجوز اخراجه من حصص الورثة الكبار منهم برضاهم دون القاصرين ، الا مع اذن الولي على تقدير وجود مصلحة تسوغ له ذلك.

( مسألة 109 ) : كفن الزوجة على زوجها حتى مع يسارها أو كونها منقطعة او ناشزة ، هذا إذا لم يتبرع غير الزوج بالكفن والا سقط عنه ، وكذلك إذا اوصت به من مالها وعمل بالوصية ، أو تقارن موتها مع موته ، أو كان البذل حرجياً على الزوج ، فلو توقف على الاستقراض ، أو فك ماله من الرهن ولم يكن فيه حرج عليه تعين ذلك ، والا لم يجب.

( مسألة 110 ) : يجوز التكفين بما كتب عليه القرآن الكريم أو بعض الأدعية المباركة كالجوشن الكبير أو الصغير ، ولكن يلزم ان يكون ذلك بنحو لا يتنجس موضع الكتابة بالدم ، أو غيره من النجاسات كان يكتب في حاشية الازار من طرف رأس الميت ، ويجوز ان يكتب على قطعة من القماش وتوضع على رأسه أو صدره.

٦١

( شروط الكفن )

يعتبر في الكفن أمور :

(1) الاباحة.

(2) الطهارة بان لا يكون نجساً ولا متنجساً.

(3) ان لا يكون من الحرير الخالص ، ولا بأس بما يكون ممزوجاً به بشرط ان يكون حريره أقل من خليطه ـ والأحوط وجوباً ـ ان لا يكون الكفن مُذهَّباً ، ولا من أجزاء ما لا يؤكل لحمه ، ولا من جلد الميتة وان كان طاهراً ، ولا بأس ان يكون مصنوعاً من وبر أو شعر مأكول اللحم ، بل لا بأس ان يكون من جلده مع صدق الثوب عليه عرفاً ، وكل هذه الشروط ـ غير الاباحة ـ يختص بحال الإختيار ويسقط في حال الضرورة ، فلو انحصر الكفن في الحرام دفن عارياً ، ولو انحصر في غيره من الانواع التي لا يجوز التكفين بها اختياراً كفن به ، فاذا انحصر في واحد منها تعين ، واذا تعدد ودار الأمر بين تكفينه بالمتنجس وتكفينه بالنجس قدم الأوّل ، وإذا دار الأمر بين النجس أو المتنجس ، وبين الحرير قدم الثاني ، ولو دار الأمر بين أحد الثلاثة وبين غيرها قدم الغير ، ومع دوران الأمر بين التكفين بالمُذهَّب والتكفين بأجزاء مالا يؤكل لحمه تخيّر بينهما ، وان كان الاحتياط بالجمع حسناً.

( مسألة 111 ) : الشهيد لا يكفّن بل يدفن بثيابه الا إذا كان بدنه عارياً فيجب تكفينه.

( مسألة 112 ) : يستحب وضع جريدتين خضراوين مع الميت ، وينبغي ان تكونا من النخل ، فان لم يتيسر فمن السدر ، أو الرمان وان

٦٢

لم يتيسرا فمن الخلاف ( الصفصاف ) ، والأولى في كيفيته جعل احداهما من الجانب الأيمن من عند الترقوة ملصقة بالبدن ، والأخرى من الجانب الأيسر من عند الترقوة بين القميص والازار.

( الحنوط )

يجب تحنيط الميت المسلم وهو ( إمساس مواضع السجود السبعة بالكافور المسحوق غير الزائلة رائحته ) ويكفي فيه وضع المسمى ، ويشترط فيه اباحته فيسقط وجوب التحنيط عند عدم التمكن من الكافور المباح ، كما يعتبر طهارته وإن لم يوجب تنجس بدن الميت على ـ الأحوط وجوباً ـ والأفضل ان يكون الكافور المستخدم في التحنيط بمقدار سبعة مثاقيل ويستحب خلطه بقليل من التربة الحسينية ، ولكن لا يمسح به المواضع المنافية للاحترام.

( مسألة 113 ) : ـ الأحوط الأولى ـ ان يكون الامساس بالكف وان يبتدأ من الجبهة ، ولا ترتيب في سائر الأعضاء ، ويجوز ان يباشر التحنيط الصبي المميز بل وغيره أيضاً.

( مسألة 114 ) : يسقط التحنيط فيما إذا مات الميت في احرام العمرة أو الحج فَيُجنَّب من الكافور بل من مطلق الطيب ، نعم اذا مات الحاج بعد الفراغ من المناسك التي يحل له الطيب بعدها وجب تحنيطه كغيره من الأموات.

( مسألة 115 ) : وجوب التحنيط كوجوب التغسيل ، وقد مضى تفصيله في المسألة (91).

٦٣

( الصلاة على الميت )

تجب الصلاة على كل مسلم ميت وان كان فاسقاً ، ووجوبها كوجوب التغسيل ، وقد مر في المسألة (91).

( مسألة 116 ) : لا تجب الصلاة على اطفال المسلمين الا من عقل منهم الصلاة ، ومع الشك في ذلك فالعبرة ببلوغه ست سنين ، وفي استحباب الصلاة على من لم يعقل الصلاة اشكال ـ والأحوط وجوباً ـ عدم الاتيان بها الا رجاءً.

( مسألة 117 ) : تصح الصلاة على الميت من الصبي المميز ، ويجزي عن البالغين.

( مسألة 118 ) : يجب تقديم الصلاة على الدفن ، الا انه إذا دفن قبل ان يصلى عليه عصياناً أو لعذر فلا يجوز ان ينبش قبره للصلاة عليه ، ولم تثبت مشروعية الصلاة عليه وهو في القبر ـ فالأحوط وجوباً ـ الاتيان بها رجاءً.

( كيفية صلاة الميت )

يجب في الصلاة على الميت خمس تكبيرات والدعاء للميت عقيب احدى التكبيرات الأربع الأوّل ، وأما الثلاثة الباقية فيتخير فيها بين الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والشهادتين ، والدعاء للمؤمنين والتمجيد لله تعالى ، ولكن ـ الأحوط استحباباً ـ ان يكبّر أولاً ويقول ( أشْهَدُ اَنْ لا إلهَ إلاّ اللهُ وَأنَّ مُحمّداً رَسولُ الله ) ثم يكبر ثانياً ، ويصلي على النبي وآله ، ثم يكبر ثالثاً ، ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ، ثم يكبر رابعاً ، ويدعو للميت ، ثم يكبّر خامساً

٦٤

وينصرف.

والأفضل أن يقول بعد التكبيرة الأولى : ( أشهدُ أنْ لا إلهَ إلاّ الله وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة ).

وبعد التكبيرة الثانية : ( اللهم صلِّ على محمّد وآل محمد ، وارحم محمداً وآل محمّد ، كأفضل ما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم ، انك حميد مجيد وصل على جميع الأنبياء والمرسلين والشهداء والصديقين وجميع عباد الله الصالحين ).

وبعد التكبيرة الثالثة : ( اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات ، والمسلمين والمسلمات ، الأحياء منهم والأموات ، تابع اللّهم بيننا وبينهم بالخيرات انك مجيب الدعوات انك على كل شيء قدير ).

وبعد الرابعة : ( اللّهم ان هذا المسجّى قدامنا عبدك وابن عبدك وابن امتك نزل بك وانت خير منزول به ، اللّهم إنا لا نعلم منه إلاّ خيراً وانت اعلم به منا ، اللّهم ان كان محسناً فزد في احسانه ، وان كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته واغفر له ، اللّهم اجعله عندك في أعلى عليين واخلف على اهله في الغابرين وارحمه برحمتك يا ارحم الراحمين ) ثم يكبّر ، وبها تتم الصلاة.

ولابُدّ من رعاية تذكير الضمائر وتأنيثها حسب اختلاف جنس الميت ، وتختص هذه الكيفية بما إذا كان الميت مؤمناً بالغاً ، وفي الصلاة على اطفال المؤمنين يقول بعد التكبيرة الرابعة : اللّهم اجعله لأبويه ولنا سلفاً وفرطاً وأجراً.

( مسألة 119 ) : يعتبر في صلاة الميت أمور :

٦٥

(1) ان تكون بعد الغسل والتحنيط والتكفين ، والا بطلت ولابُدّ من اعادتها ، واذا تعذر غسل الميت أو التيمم بدلاً عنه ، وكذلك التكفين والتحنيط لم تسقط الصلاة عليه.

(2) النية بان يقصد بها القربة ، مع تعيين الميت على نحو يرفع الابهام.

(3) القيام مع القدرة عليه.

(4) أن يكون رأس الميت على يمين المصلي.

(5) أن يوضع على قفاه عند الصلاة عليه.

(6) استقبال المصلي للقبلة حال الاختيار.

(7) أن يكون الميت أمام المصلي.

(8) أن لا يكون حائل بينهما من ستر أو جدار على نحو لا يصدق الوقوف عليه ، ولا يضر الستر بمثل النعش أو ميت آخر.

(9) الموالاة بين التكبيرات والأذكار ، بان لا يفصل بينها بمقدار تنمحي به صورة الصلاة.

(10) أن لا يكون بين الميت والمصلي بعد مفرط الا مع اتصال الصفوف في الصلاة جماعة ، أو مع تعدد الجنائز في الصلاة عليها دفعة واحدة.

(11) أن لا يكون احدهما اعلى من الآخر علواً مفرطاً.

(12) أن يكون الميت مستور العورة ـ اذا تعذر الكفن ـ ولو بحجر أو لبنة.

٦٦

( دفن الميت )

يجب دفن الميت المسلم ومن بحكمه ووجوبه كوجوب التغسيل وقد مر في المسألة (91) ، وكيفية الدفن ان يوارى في حفيرة في الارض ، فلا يجزي البناء عليه ولا وضعه في بناء أو تابوت مع القدرة على المواراة في الأرض ، وتكفي مواراته في الحفيرة بحيث يؤمّن على جسده من السباع وايذاء رائحته للناس ولو لعدم وجود السباع أو من تؤذيه رائحته من الناس أو بسبب البناء على قبره بعد مواراته ، ولكن ـ الأحوط استحباباً ـ ان تكون الحفيرة بنفسها على كيفية تمنع من انتشار رائحة الميت ووصول السباع إلى جسده ، ويجب ان يوضع في قبره على طرفه الأيمن موجهاً وجهه الى القبلة.

( مسألة 120 ) : يجب دفن الجزء المبان من الميت ، وإن كان شعراً أو سناً أو ظفراً على ـ الأحوط وجوباً ـ نعم لو عثر عليها قبل دفنه يجب جعلها في كفنه.

( مسألة 121 ) : من مات في السفينة ، ولم يمكن دفنه في البر ، ولو بتأخيره لخوف فساده أو غير ذلك يغسّل ويكفن ويحنط ويُصلى عليه ثم يوضع في خابية ونحوها ويشد رأسها باستحكام ، أو يشد برجله ما يثقله من حجر ، أو حديد ثم يلقى في البحر ـ والأحوط استحباباً ـ اختيار الوجه الأوّل مع الإمكان ، وكذلك الحال في ميت خيف عليه من ان يخرجه العدو من قبره ويحرقه أو يمثّل به.

( مسألة 122 ) : لا يجوز دفن الميت في مكان يستلزم هتك حرمته كالبالوعة والمواضع القذرة ، كما لا يجوز دفنه في مقابر الكفار ، ولا يجوز

٦٧

دفن الكافر في مقبرة المسلمين.

( مسألة 123 ) : يعتبر في موضع الدفن الاباحة ، فلا يجوز الدفن في مكان مغصوب ، أو فيما وقف لجهة خاصة كالمدارس والحسينيات ونحوهما وان لم يكن مضراً بالوقف أو مزاحماً لجهته على ـ الأحوط وجوباً ـ.

( مسألة 124 ) : إذا دفن الميت في مكان لا يجوز دفنه فيه وجب نبش قبره واخراجه ودفنه في موضع يجوز دفنه فيه ، إلاّ في بعض الموارد المذكورة في ( العروة الوثقى ) وتعليقتنا عليها.

( مسألة 125 ) : إذا دفن الميت بلا غسل أو كفن ، أو حنوط مع التمكن منها وجب اخراجه مع القدرة لإجراء الواجب عليه ودفنه ثانياً بشرط ان لا يستلزم ذلك هتكاً لحرمته ، والا ففيه اشكال.

( مسألة 126 ) : لا يجوز نبش قبر المسلم إلاّ في موارد خاصة تقدم بعضها ، ومنها ما لو اوصى الميت بنقله الى المشاهد المشرفة فدفن عصياناً أو جهلاً أو نسياناً في غيرها ، فانه يجب النبش والنقل ما لم يفسد بدنه ولم يوجب النقل أيضاً فساد بدنه ولا محذوراً آخر ، وأما لو اوصى بنبش قبره ونقله بعد مدة الى الأماكن المشرفة ففي صحة وصيته اشكال.

( مسألة 127 ) : إذا كان الموجود من الميت يصدق عليه عرفاً انه ( بدن الميت ) كما لو كان مقطوع الأطراف ـ الرأس واليدين والرجلين ـ كلاً أو بعضاً ، أو كان الموجود جميع عظامه مجردة عن اللحم ، أو معظمها بشرط ان تكون من ضمنها عظام صدره ، ففي مثل ذلك تجب الصلاة عليه وكذا ما يتقدمها من التغسيل والتحنيط ـ ان وجد بعض مساجده ـ والتكفين بالازار والقميص بل وبالمئزر أيضاً ان وجد بعض ما يجب ستره به.

واذا كان الموجود من الميت لا يصدق عليه انه بدنه بل بعض بدنه ،

٦٨

فلو كان هو القسم الفوقاني من البدن أي الصدر وما يوازيه من الظهر سواء كان معه غيره أم لا وجبت الصلاة عليه ، وكذا التغسيل والتكفين بالازار والقميص وبالمئزر ان كان محله موجوداً ـ ولو بعضاً ـ على ـ الأحوط وجوباً ـ ولو كان معه بعض مساجده وجب تحنيطه على ـ الأحوط وجوباً ـ ويلحق بهذا في الحكم ما إذا وجد جميع عظام هذا القسم أو معظمها على ـ الأحوط وجوباً ـ وإذا لم يوجد القسم الفوقاني من بدن الميت كأن وجدت اطرافه كلاً أو بعضاً مجردة عن اللحم أو معه ، أو وجد بعض عظامه ولو كان فيها بعض عظام الصدر فلا يجب الصلاة عليه ، بل ولا تغسيله ولا تكفينه ولا تحنيطه ، وان وجد منه شيء لا يشتمل على العظم ولو كان فيه القلب فالظاهر انه لا يجب فيه أيضاً شيء مما تقدم عدا الدفن ـ والأحوط وجوباً ـ ان يكون ذلك بعد اللف بخرقة.

( صلاة ليلة الدفن )

روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال : لا يأتي على الميت أشدّ من أول ليلة فارحموا موتاكم بالصدقة ، فان لم تجدوا فليصّل احدكم ركعتين له ، يقرأ في الأولى بعد الحمد آية الكرسي ، وفي الثانية بعد الحمد سورة القدر عشر مرات ، فيقول بعد السلام : اللّهم صل على محمّد وآل محمّد وابعث ثوابها الى قبر فلان ، ويسمي الميت ورويت لهذه الصلاة كيفية اخرى أيضاً.

( غسل مسِّ الميت )

يجب الغسل على من مسّ الميت بعد برده وقبل اتمام غسله ، ولا فرق بين ان يكون المسّ مع الرطوبة أو بدونها ، كما لا فرق في الممسوس والماس بين ان يكون مما تحله الحياة وما لا تحله كالسن

٦٩

والظفر ، نعم لا يبعد عدم العبرة بالشعر ، سواء كان ماساً أم ممسوساً ، ولا يختص الوجوب بما إذا كان الميت مسلماً ، فيجب في مسّ الميت الكافر أيضاً ، بل ولا فرق في المسلم بين من يجب تغسيله ومن لا يجب كالمقتول في المعركة في جهاد ، أو دفاع عن الاسلام أو المقتول بقصاص أو رجم بعد الاغتسال على ـ الأحوط وجوباً ـ فيهما.

( مسألة 128 ) : يجوز لمن عليه غسل المس دخول المساجد والمشاهد والمكث فيها وقراءة العزائم ، نعم لا يجوز له مسّ كتابة القرآن ونحوها مما لا يجوز للمحدث ، ولا يصح له كل عمل مشروط بالطهارة كالصلاة الا بالغسل ـ والأحوط استحباباً ـ ضم الوضوء اليه إذا كان محدثاً بالأصغر.

( مسألة 129 ) : لا يجب الغسل بمسّ القطعة المبانة من الميت أو الحي وإن كانت مشتملة على العظم واللحم معاً وان كان الغسل ـ أحوط استحباباً ـ.

( مسألة 130 ) : إذا يمّم الميت بدلاً عن تغسيله لعذر فالظاهر وجوب الغسل بمسّه.

٧٠

( الأغسال المستحبة )

قد ذكر الفقهاء ( قدس الله اسرارهم ) كثيراً من الأغسال المستحبة ولكنه لم يثبت استحباب جملة منها ، والثابت منها ما يلي :

(1) غسل الجمعة : وهو من المستحبات المؤكدة ، ووقته من طلوع الفجر إلى الغروب ، والأفضل الاتيان به قبل الزوال ـ والأحوط الأولى ـ ان يؤتى به فيما بين الزوال إلى الغروب من دون قصد الأداء والقضاء ، ويجوز قضاؤه إلى غروب يوم السبت ، ويجوز تقديمه يوم الخميس رجاءً إذا خيف اعواز الماء يوم الجمعة ، وتستحب اعادته إذا وجد الماء فيه.

(2 ـ 7) غسل الليلة الأولى ، والليلة السابعة عشرة ، والتاسعة عشرة والحادية والعشرين ، والثالثة والعشرين ، والرابعة والعشرين ، من شهر رمضان المبارك.

(8 ـ 9) غسل يوم العيدين الفطر والأضحى ، ووقته من طلوع الفجر إلى غروب الشمس على الأظهر ، والأفضل ان يؤتى به قبل صلاة العيد.

(10 ـ 11) غسل اليوم الثامن والتاسع من ذي الحجة الحرام ، والأفضل في اليوم التاسع ان يؤتى به عند الزوال.

(12) غسل الاحرام.

(13) غسل دخول الحرم المكي.

(14) غسل دخول مكة.

(15) غسل زيارة الكعبة المشرفة.

(16) غسل دخول الكعبة المشرفة.

(17) غسل النحر والذبح.

٧١

(18) غسل الحلق.

(19) غسل دخول حرم المدينة المنورة.

(20) غسل دخول المدينة المنورة.

(21) غسل دخول مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(22) الغسل لوداع قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(23) غسل المباهلة مع الخصم.

(24) غسل الاستخارة.

(25) غسل الاستسقاء.

(26) غسل من مسّ الميت بعد تغسيله.

والأظهر ان هذه الاغسال تجزي عن الوضوء ، وأما غيرها فيؤتى بها رجاءً ، ولابُدّ معها من الوضوء فنذكر جملة منها :

(1) الغسل في ليالي الافراد من شهر رمضان المبارك وتمام ليالي العشرة الأخيرة.

(2) غسل آخر في الليلة الثالثة والعشرين من شهر رمضان المبارك قريباً من الفجر.

(3) غسل الرابع والعشرين من ذي الحجة الحرام.

(4) غسل يوم النيروز ( اول أيام الربيع ).

(5) غسل يوم النصف من شعبان.

(6) الغسل في أول رجب وآخره ونصفه ، ويوم المبعث وهو السابع والعشرون منه.

(7) الغسل لزيارة كل واحد من المعصومينعليهم‌السلام من قريب أو بعيد.

(8) غسل اليوم الخامس والعشرين من ذي القعدة.

٧٢

( الجبائر )

الجبيرة هي : ( ما يوضع على العضو من الألواح أو الخرق ونحوها إذا حدث فيه كسر ، أو جرح ، أو قرح ) وفي ذلك صورتان :

(1) ان يكون شيء من ذلك في مواضع الغَسل كالوجه واليدين.

(2) ان يكون في مواضع المسح كالرأس والرجلين ، وعلى التقديرين فان لم يكن في غَسل الموضع أو مسحه ضرر أو حرج وجب غسل ما يجب غسله ومسح ما يجب مسحه ، واما إذا استلزم شيئاً من ذلك ففيه صور :

( الأولى ) : ان يكون الكسر أو الجرح أو القرح في احد مواضع الغسل ، ولم تكن في الموضع جبيرة بان كان مكشوفاً ، ففي هذه الصورة يجب غسل ما حول الجرح والقرح ـ والأحوط الأولى ـ مع ذلك ان يضع خرقة على الموضع ويمسح عليها وان يمسح على نفس الموضع أيضاً إذا تمكن من ذلك ، وأما الكسر المكشوف من غير أن تكون فيه جراحة فالمتعين فيه التيمم.

( الثانية ) : ان يكون الكسر أو الجرح أو القرح في احد مواضع الغسل ، وكانت عليه جبيرة ، ففي هذه الصورة يغسل ما حوله ـ والأحوط وجوباً ـ ان يمسح على الجبيرة ولا يجزي غسل الجبيرة عن مسحها.

( الثالثة ) : ان يكون شيء من ذلك في احد مواضع المسح وكانت

٧٣

عليه جبيرة ، ففي هذه الصورة يتعين المسح على الجبيرة.

( الرابعة ) : ان يكون شيء من ذلك في احد مواضع المسح ولم تكن عليه جبيرة ، وفي هذه الصورة يتعين التيمم.

( مسألة 131 ) : يعتبر في الجبيرة أمران :

(1) طهارة ظاهرها ، فإذا كانت الجبيرة نجسة لم يصلح ان يمسح عليها فان امكن تطهيرها أو تبديلها ولو بوضع خرقة طاهرة عليها بنحو تعد جزءاً منها وجب ذلك فيمسح عليها ويغسل اطرافها ، وان لم يمكن اكتفى بغسل أطرافها ، هذا إذا لم تزد الجبيرة على الجرح بأزيد من المقدار المتعارف ، وأما لو زادت عليه فإن أمكن رفعها رفعها وغسل المقدار الصحيح ثم وضع عليها الجبيرة الطاهرة ، أو طهّرها ومسح عليها ، وإن لم يمكن ذلك لايجابه ضرراً على الجرح مسح على الجبيرة ، وإن كان لأمر آخر كالاضرار بالمقدار الصحيح وجب عليه التيمم إن لم تكن الجبيرة في مواضع التيمم ، وإلاّ ـ فالأحوط لزوماً ـ الجمع بين الوضوء والتيمم.

(2) إباحتها ، فلا يجوز المسح عليها إذا لم تكن مباحة ، ولو مسح لم يصح وضوؤه على ـ الأحوط وجوباً ـ.

( مسألة 132 ) : يعتبر في جواز المسح على الجبيرة أمور :

( الأوّل ) : ان يكون في العضو كسر أو جرح أو قرح ، فإذا لم يتمكن من غسله أو مسحه لأمر آخر ، كنجاسته مع تعذر ازالتها ، أو لزوم الضرر من استعمال الماء أو لصوق شيء ـ كالقير ـ بالعضو ولم يتمكن من ازالته بغير حرج ففي جميع ذلك لا يجري حكم الجبيرة بل يجب التيمم ، نعم إذا كان اللاصق بالعضو دواءً يجري عليه حكم الجبيرة ، ولو كان اللاصق غيره وكان

٧٤

في مواضع التيمم تعين الجمع بينه وبين الوضوء.

( الثاني ) : ان لا تزيد الجبيرة على المقدار المتعارف ، والا وجب رفع المقدار الزائد وغسل الموضع السليم تحته إذا كان مما يغسل ومسحه إذا كان مما يمسح ، وان لم يتمكن من رفعه ، أو كان فيه حرج ، أو ضرر على الموضع السليم نفسه سقط الوضوء ووجب التيمم إذا لم تكن الجبيرة في مواضعه ، وإلاّ ـ فالأحوط وجوباً ـ الجمع بينه وبين الوضوء ، ولو كان رفعه وغسل الموضع السليم ، أو مسحه يستلزم ضرراً على نفس الموضع المصاب لم يسقط الوضوء فيمسح على الجبيرة.

( الثالث ) : ان يكون الجرح أو نحوه في نفس مواضع الوضوء فلو كان في غيرها وكان مما يضر به الوضوء تعين عليه التيمم ، وكذلك الحال فيما إذا كان الجرح أو نحوه في جزء من اعضاء الوضوء وكان مما يضر به غسل جزء آخر اتفاقاً ، كما إذا كان الجرح في اصبعه واتفق انه يتضرر بغسل الذراع ، فانه يتعين التيمم في مثل ذلك أيضاً.

( مسألة 133 ) : إذا كانت الجبيرة مستوعبة للعضو ، كما إذا كان تمام الوجه أو احدى اليدين أو الرجلين مجبَّراً جرى عليها حكم الجبيرة غير المستوعبة على الأظهر ، وأما مع استيعاب الجبيرة لتمام الأعضاء ، أو معظمها ـ فالأحوط وجوباً ـ الجمع بين الوضوء مع المسح على الجبيرة وبين التيمم.

( مسألة 134 ) : إذا كانت الجبيرة في الكف مستوعبة لها ومسح المتوضئ عليها بدلاً عن غسل العضو ، فاللازم ان يمسح رأسه ورجليه بهذه الرطوبة لا برطوبة خارجية ـ والأحوط الأولى ـ فيما إذا لم تكن مستوعبة لها ان يمسح بغير موضع الجبيرة.

٧٥

( مسألة 135 ) : إذا برئ ذو الجبيرة في ضيق الوقت اجزأه وضوؤه سواء برئ في اثناء الوضوء ام بعده ، قبل الصلاة أو في اثنائها أو بعدها ، ولاتجب عليه اعادته لغير ذات الوقت كالصلوات الآتية في الموارد التي كان تكليفه فيها الوضوء جبيرة واما في الموارد التي جمع فيها بين الجبيرة والتيمم فلابُدّ من اعادة الوضوء للاعمال الآتية ، وهكذا الحكم فيما لو برئ في سعة الوقت بعد اتمام الوضوء ، وأما إذا برئ في اثنائه فلابُدّ من استيناف الوضوء ، أو العود إلى غسل البشرة التي مسح على جبيرتها ان لم تفت الموالاة.

( مسألة 136 ) : إذا اعتقد الضرر من غسل العضو الذي فيه جرح أو نحوه فمسح على الجبيرة ثم تبين عدم الضرر فالظاهر صحة وضوئه ، وإذا اعتقد عدم الضرر فغسل ثم تبين انه كان مضراً وكانت وظيفته الجبيرة ـ فالأحوط وجوباً ـ الإعادة ، وكذا إذا اعتقد الضرر ولكن ترك الجبيرة وتوضأ ثم تبين عدم الضرر وان وظيفته غسل البشرة ، وأما إذا اعتقد الضرر في غسل العضو لاعتقاده ان فيه قرحاً أو جرحاً أو كسراً فعمل بالجبيرة ثم تبين سلامة العضو فالظاهر بطلان وضوئه.

( مسألة 137 ) : يجري حكم الجبيرة في الأغسال ـ غير غسل الميت ـ كما كان يجري في الوضوء ولكنه يختلف عنه في الجملة ، فان المانع عن الغسل إذا كان قرحاً أو جرحاً ـ سواء كان المحل مجبوراً أم مكشوفاً ـ تخير المكلف بين الغسل والتيمم ، واذا اختار الغسل وكان المحل مكشوفاً فله الاجتزاء بغسل اطرافه وان كان ـ الأحوط استحباباً ـ ان يضع خرقة على موضع القرح ، أو الجرح ويمسح عليها ، وأما إذا كان المانع كسراً فان كان محل الكسر مجبوراً تعين عليه الاغتسال مع المسح على الجبيرة ، وأما إذا كان مكشوفاً ، أو لم يتمكن من المسح على الجبيرة تعين عليه التيمم.

٧٦

( التيمم )

يصح التيمم بدلاً عن الغسل ، أو الوضوء في سبعة مواضع :

( الأوّل ) : ما إذا لم يجد من الماء مقدار ما يفي بوظيفته الأولية من غسل أو وضوء ولو لكون الموجود منه فاقداً لبعض الشرائط المعتبرة فيه ، ويجب الفحص عنه على الحاضر إلى حين حصول اليأس منه ، وكذلك السعي اليه ما لم يكن بعيداً عنه بحيث يصدق عرفاً انه غير واجد للماء ، ولا يسوغ للمسافر ان يتيمم بمجرد عدم علمه بوجود الماء لديه ، بل لابُدّ له من احراز عدمه بالفحص عنه في مظانه إلى ان يحصل له الاطمينان بالعدم ، فلو احتمل وجود الماء في رحله ، أو في القافلة ، أو عند بعض المارة وجب عليه الفحص عنه ، ولو كان في فلاة وجب عليه الفحص فيما يقرب من مكانه وفي الطريق ، ـ والأحوط وجوباً ـ الفحص في المساحة التي حوله على نحو الدائرة غلوة سهم في الأرض الحزنة ( الوعرة ) وغلوة سهمين في الأرض السهلة ، ولا يجب الفحص أكثر من ذلك الا اذا اطمأن بوجوده خارج الحد المذكور بحيث لا يبعد عنه بمقدار يصدق عرفاً انه غير واجد للماء ، ويسقط وجوب الفحص عند تضيق الوقت بمقدار ما يتضيق منه وكذا إذا خاف على نفسه ، أو ماله المعتد به من لصّ ونحوه ، أو كان في الفحص حرج لا يتحمل عادة.

( مسألة 138 ) : إذا تيمم من غير فحص ـ فيما يلزم فيه الفحص ـ ثم

٧٧

صلى في سعة الوقت برجاء المشروعية لم يصح تيممه وصلاته وان تبين عدم الماء على ـ الأحوط لزوماً ـ.

( مسألة 139 ) : إذا انحصر الماء الموجود عنده بما يحرم التصرف فيه كما إذا كان مغصوباً لم يجب الوضوء ووجب التيمم ، والماء الموجود حينئذٍ بحكم المعدوم.

( الثاني ) : عدم تيسر الوصول إلى الماء الموجود إما للعجز عنه تكويناً لكبر ونحوه ، أو لتوقفه على ارتكاب عمل محرم كالتصرف في الإناء المغصوب ، أو لخوفه على نفسه ، أو عرضه ، أو ماله المعتد به من سبع ، أو عدو أو لص ، أو ضياع أو غير ذلك ، ولو انحصر الماء المباح بما كان في أواني الذهب والفضة ـ حيث يحرم استعمالها في الطهارة عن الحدث والخبث على الأحوط كما تقدم في المسألة (30) ـ فان امكن تخليصه منها بما لا يعد استعمالاً في العرف وجب الوضوء ، وإلاّ ففي سقوط الوضوء ووجوب التيمم اشكال.

( الثالث ) : كون استعمال الماء مضراً به ، كما إذا خاف حدوث مرض أو امتداده أو شدته ، وانما يشرع التيمم في هذه الصورة إذا لم تكن وظيفته الطهارة المائية مع المسح على الجبيرة والا وجبت ، وقد مر تفصيل ذلك.

( الرابع ) : خوف العطش على نفسه ، أو على غيره ممن يرتبط به ويكون من شأنه التحفظ عليه والاهتمام بشأنه ولو من غير النفوس المحترمة انساناً كان أو حيواناً ، ولو خاف العطش على غيره ممن لا يهمه أمره ولكن يجب عليه حفظه شرعاً ، أو يقع في الحرج بهلاكه عطشاً اندرج ذلك في غيره من المسوّغات.

( الخامس ) : استلزام الحرج والمشقة إلى حد يصعب تحمله عليه ، سواء كان في تحصيل الماء ، كما إذا توقف على الاستيهاب الموجب لذلّه

٧٨

وهوانه ، أو على شرائه بثمن يضر بحاله ـ والا وجب الشراء وان كان باضعاف قيمته ـ أم في نفس استعماله لشدة برودته ، أو لتغيره بما يتنفر طبعه منه أم فيما يلازم استعماله كما لو كان قليلاً لا يكفي للجمع بين استعماله في الوضوء وبين تبليل الرأس به مع فرض حاجته اليه لشدة حرارة الجو مثلاً بحيث يقع لولاه في الحرج والمشقة.

( السادس ) : ما إذا استلزم تحصيل الماء أو استعماله وقوع الصلاة أو بعضها خارج الوقت.

( السابع ) : ان يكون مكلفاً بواجب أهم أو مساوٍ يستدعي صرف الماء الموجود فيه كازالة الخبث عن المسجد فانه يجب عليه التيمم وصرف الماء في تطهيره ، وكذا إذا كان بدنه أو لباسه متنجساً ولم يكف الماء الموجود عنده للطهارة الحدثية والخبثية معاً فانه يتعين صرفه في ازالة الخبث وان كان الأولى فيه ان يصرف الماء في ازالة الخبث أولاً ، ثم يتيمم بعد ذلك.

( ما يصح به التيمم )

يجوز عند تعذر الطهارة المائية التيمم بمطلق وجه الارض من تراب أو رمل ، أو حجر أو مدر ، ومن ذلك ارض الجص والنورة وهكذا الجص المطبوخ ، والآجر والخزف ، ـ والأحوط الأولى ـ تقديم التراب على غيره مع الإمكان ، ويجوز التيمم بالغبار المجتمع على الثوب ونحوه إذا عدّ تراباً دقيقاً بان كان له جرم بنظر العرف وان كان ـ الأحوط استحباباً ـ تقديم غيره عليه ، واذا تعذر التيمم بالأرض وما يلحق بها تيمم بالوحل وهو الطين الذي يلصق باليد ـ والأحوط وجوباً ـ عدم ازالة شيء منه الا ما يتوقف على ازالته صدق المسح باليد ، واذا تعذر التيمم بالوحل أيضاً تعين التيمم بالشيء المغبر ـ أي ما يكون الغبار كامناً فيه ـ أو لا يكون له جرم بحيث يصدق

٧٩

عليه التراب الدقيق ـ كما تقدم ـ واذا عجز عنه أيضاً كان فاقداً للطهور وحينئذٍ تسقط عنه الصلاة في الوقت ويلزمه القضاء خارجه.

( مسألة 140 ) : إذا كان طين وتمكن من تجفيفه وجب ذلك ولا تصل معه النوبة ، إلى التيمم بالطين أو الشيء المغبر ، ولا بأس بالتيمم بالأرض الندية وان كان الأولى ان يتيمم باليابسة مع التمكن.

( مسألة 141 ) : ـ الأحوط وجوباً ـ اعتبار علوق شيء مما يُتيمم به باليد فلا يجزي التيمم على مثل الحجر الاملس الذي لا غبار عليه.

( مسألة 142 ) : لا يجوز التيمم بما لا يصدق عليه اسم الأرض وان كان اصله منها كالنباتات ، وبعض المعادن كالذهب والفضة ، ورماد غير الأرض ونحوها ، واذا اشتبه ما يصح به التيمم بشيء من ذلك لزم تكرار التيمم ليتيقن معه الامتثال.

( كيفية التيمم وشرائطه )

( مسألة 143 ) : يجب في التيمم أمور :

(1) ضرب باطن اليدين على الأرض ، ويكفي وضعهما عليها أيضاً ، ـ والأحوط وجوباً ـ ان يفعل ذلك دفعة واحدة.

(2) مسح الجبهة ، وكذا الجبينين ـ على الأحوط وجوباً ـ باليدين من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى والى الحاجبين ـ والأحوط الأولى ـ مسحهما أيضاً.

(3) المسح بباطن اليد اليسرى تمام ظاهر اليد اليمنى من الزند إلى اطراف الاصابع ، والمسح بباطن اليمنى تمام ظاهر اليسرى ـ والأحوط وجوباً ـ رعاية الترتيب بين مسح اليمنى واليسرى.

ويجتزئ في التيمم سواء كان بدلاً عن الوضوء ، أم الغسل بضرب

 

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

فظاهر سياق الآيات أنّ المراد نبعث الخلق كما بدأناه فالكاف في قوله:( كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ) للتشبيه و( كَما ) مصدريّة و( أَوَّلَ خَلْقٍ ) مفعول( بَدَأْنا ) و المراد أنّا نعيد الخلق كابتدائه في السهولة من غير أن يعزّ علينا.

و قوله:( وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ ) أي وعدناه وعدا ألزمنا ذلك و وجب علينا الوفاء به و إنّا كنّا فاعلين لما وعدنا و سنّتنا ذلك.

قوله تعالى: ( وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ ) الظاهر أنّ المراد بالزبور كتاب داود (عليه السلام) و قد سمّي بهذا الاسم في قوله:( وَ آتَيْنا داوُدَ زَبُوراً ) النساء: ١٦٣، أسري: ٥٥، و قيل: المراد به القرآن، و قيل: مطلق الكتب المنزّلة على الأنبياء أو على الأنبياء بعد موسى و لا دليل على شي‏ء من ذلك.

و المراد بالذكر قيل: هو التوراة و قد سمّاها الله به في موضعين من هذه السورة و هما قوله:( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) الآية ٧ و قوله:( وَ ذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ ) الآية ٤٨ منها، و قيل: هو القرآن و قد سمّاه الله ذكراً في مواضع من كلامه و كون الزبور بعد الذكر على هذا القول بعديّة رتبيّة لا زمانيّة و قيل: هو اللوح المحفوظ و هو كما ترى.

و قوله:( أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ ) الوراثة و الإرث على ما ذكره الراغب انتقال قنية إليك من غير معاملة.

و المراد من وراثة الأرض انتقال التسلّط على منافعها إليهم و استقرار بركات الحياة بها فيهم، و هذه البركات إمّا دنيويّة راجعة إلى الحياة الدنيا كالتمتّع الصالح بأمتعتها و زيناتها فيكون مؤدّى الآية أنّ الأرض ستتطهّر من الشرك و المعصية و يسكنها مجتمع بشريّ صالح يعبدون الله و لا يشركون به شيئاً كما يشير إليه قوله تعالى:( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ - إلى قوله -يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ) النور: ٥٥.

و إمّا اُخرويّة و هي مقامات القرب الّتي اكتسبوها في حياتهم الدنيا فإنّها

٣٦١

من بركات الحياة الأرضيّة و هي نعيم الآخرة كما يشير إليه قوله تعالى حكاية عن أهل الجنّة:( وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي (صَدَقَنا وَعْدَهُ وَ) أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ ) الزمر: ٧٤ و قوله:( أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ ) المؤمنون: ١١.

و من هنا يظهر أنّ الآية مطلقة و لا موجب لتخصيصها بإحدى الوراثتين كما فعلوه فهم بين من يخصّها بالوراثة الاُخرويّة تمسّكاً بما يناسبها من الآيات، و ربّما استدلّوا لتعيّنه بأنّ الآية السابقة تذكر الإعادة و لا أرض بعد الإعادة حتّى يرثها الصالحون، و يردّه أنّ كون الآية معطوفة على سابقتها غير متعيّن فمن الممكن أن تكون معطوفة على قوله السابق:( فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ ) كما سنشير إليه.

و بين من يخصّها بالوراثة الدنيويّة و يحملها على زمان ظهور الإسلام أو ظهور المهديّ (عليه السلام) الّذي أخبر به النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) في الأخبار المتواترة المرويّة من طرق الفريقين، و يتمسّك لذلك بالآيات المناسبة له الّتي أومأنا إلى بعضها.

و بالجملة الآية مطلقة تعمّ الوراثتين جميعاً غير أنّ الّذي تقتضيه الاعتبار بالسياق أن تكون معطوفة على قوله السابق:( فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ ) إلخ. المشير إلى تفصيل حال المختلفين في أمر الدين من حيث الجزاء الاُخرويّ و تكون هذه الآية مشيرة إلى تفصيلها من حيث الجزاء الدنيويّ، و يكون المحصّل أنّا أمرناهم بدين واحد لكنّهم تقطّعوا و اختلفوا فاختلف مجازاتنا لهم أمّا في الآخرة فللمؤمنين سعي مشكور و عمل مكتوب و للكافرين خلاف ذلك، و أمّا في الدنيا فللصالحين وراثة الأرض بخلاف غيرهم.

قوله تعالى: ( إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ ) البلاغ هو الكفاية، و أيضاً ما به بلوغ البغية، و أيضاً نفس البلوغ، و معنى الآية مستقيم على كلّ من المعاني الثلاثة، و الإشارة بهذا إلى ما بيّن في السورة من المعارف.

و المعنى: أنّ فيما بيّنّاه في السورة - أنّ الربّ واحد لا ربّ غيره يجب أن يعبد من طريق النبوّة و يستعدّ بذلك ليوم الحساب، و أنّ جزاء المؤمنين كذا و كذا و جزاء الكافرين كيت و كيت - كفاية لقوم عابدين إن أخذوه و عملوا به كفاهم و بلغوا

٣٦٢

بذلك بغيتهم.

قوله تعالى: ( وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ ) أي إنّك رحمة مرسلة إلى الجماعات البشريّة كلّهم - و الدليل عليه الجمع المحلّى باللام - و ذلك مقتضى عموم الرسالة.

و هو (صلّي الله عليه وآله وسلّم) رحمة لأهل الدنيا من جهة إتيانه بدين في الأخذ به سعادة أهل الدنيا في دنياهم و اُخراهم.

و هو (صلّي الله عليه وآله وسلّم) رحمة لأهل الدنيا من حيث الآثار الحسنة الّتي سرت من قيامه بالدعوة الحقّة في مجتمعاتهم ممّا يظهر ظهوراً بالغاً بقياس الحياة العامّة البشريّة اليوم إلى ما قبل بعثته (صلّي الله عليه وآله وسلّم) و تطبيق إحدى الحياتين على الاُخرى.

قوله تعالى: ( قُلْ إِنَّما يُوحى‏ إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) أي إنّ الّذي يوحى إليّ من الدين ليس إلّا التوحيد و ما يتفرّع عليه و ينحلّ إليه سواء كان عقيدة أو حكماً و الدليل على هذا الّذي ذكرنا ورود الحصر على الحصر و ظهوره في الحصر الحقيقيّ.

قوله تعالى: ( فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى‏ سَواءٍ ) الإيذان - كما قيل - إفعال من الإذن و هو العلم بالإجازة في شي‏ء و ترخيصه ثمّ تجوّز به عن مطلق العلم و اشتقّ منه الأفعال و كثيراً ما يتضمّن معنى التحذير و الإنذار.

و قوله:( عَلى‏ سَواءٍ ) الظاهر أنّه حال من مفعول( آذَنْتُكُمْ ) و المعنى فإن أعرضوا عن دعوتك و تولّوا عن الإسلام لله بالتوحيد فقل: أعلمتكم أنّكم على خطرها لكونكم مساوين في الاعلام أو في الخطر، و قيل: أعلمتكم بالحرب و هو بعيد في سورة مكّيّة.

قوله تعالى: ( وَ إِنْ أَدْرِي أَ قَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَ يَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ ) تتمّة قول النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) المأمور به.

و المراد بقوله:( ما تُوعَدُونَ ) ما يشير إليه قوله:( آذَنْتُكُمْ عَلى‏ سَواءٍ ) من العذاب المهدّد به اُمر (صلّي الله عليه وآله وسلّم) أوّلاً أن يعلمهم الخطر إن تولّوا عن الإسلام، و ثانياً

٣٦٣

أن ينفي عن نفسه العلم بقرب وقوعه و بعده و يعلّله بقصر العلم بالجهر من قولهم - و هو طعنهم في الإسلام و استهزاؤهم علناً - و ما يكتمون من ذلك في الله سبحانه فهو العالم بحقيقة الأمر.

و منه يعلم أنّ منشأ توجّه العذاب إليهم هو ما كانوا يطعنون به في الإسلام في الظاهر و ما يبطنون من المكر كأنّه قيل: إنّهم يستحقّون العذاب بإظهارهم القول في هذه الدعوة الإلهيّة و إضمارهم المكر عليه فهدّدهم به لكن لمّا كنت لا تحيط بظاهر قولهم و باطن مكرهم و لا تقف على مقدار اقتضاء جرمهم العذاب من جهة قرب الأجل و بعده فأنف العلم بخصوصيّة قربه و بعده عن نفسك و أرجع العلم بذلك إلى الله سبحانه وحده.

و قد علم بذلك أنّ المراد بالجهر من القول ما أظهره المشركون من القول في الإسلام طعنا و استهزاء، و بما كانوا يكتمون ما أبطنوه عليه من المكر و الخدعة.

قوله تعالى: ( وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلى‏ حِينٍ ) من تتمّة قول النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) المأمور به و ضمير( لَعَلَّهُ ) على ما قيل كناية عن غير مذكور و لعلّه راجع إلى الإيذان المأمور به، و المعنى و ما أدري لعلّ هذا الإيذان الّذي اُمرت به أي مراده تعالى من أمره لي بإعلام الخطر امتحان لكم ليظهر به ما في باطنكم في أمر الدعوة فهو يريد به أن يمتحنكم و يمتّعكم إلى حين و أجل استدراجاً و إمهالاً.

قوله تعالى: ( قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَ رَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى‏ ما تَصِفُونَ ) الضمير في( قالَ ) للنبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) و الآية حكاية قول النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) عن دعوتهم إلى الحقّ و ردّهم له و تولّيهم عنه فكأنّه (صلّي الله عليه وآله وسلّم) لمّا دعاهم و بلّغ إليهم ما أمر بتبليغه فأنكروا و شدّدوا فيه أعرض عنهم إلى ربّه منيبا إليه و قال:( رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ ) و تقييد الحكم بالحقّ توضيحيّ لا احترازيّ فإنّ حكمه تعالى لا يكون إلّا حقّاً فكأنّه قيل: ربّ احكم بحكمك الحقّ و المراد ظهور الحقّ لمن كان و على من كان.

ثمّ التفت (صلّي الله عليه وآله وسلّم) إليهم و قال:( وَ رَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى‏ ما تَصِفُونَ ) و كأنّه يشير به إلى سبب إعراضه عنهم و رجوعه إلى الله سبحانه و سؤاله أن يحكم بالحقّ فهو

٣٦٤

سبحانه ربّه و ربّهم جميعاً فله أن يحكم بين مربوبيه، و هو كثير الرحمة لا يخيّب سائله المنيب إليه، و هو الّذي يحكم لا معقّب لحكمه و هو الّذي يحقّ الحقّ و يبطل الباطل بكلماته فهو (صلّي الله عليه وآله وسلّم) في كلمته:( رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ ) راجع الّذي هو ربّه و ربّهم و سأله برحمته أن يحكم بالحقّ و استعان به على ما يصفونه من الباطل و هو نعتهم دينهم بما ليس فيه و طعنهم في الدين الحقّ بما هو بري‏ء من ذلك.

و قد ظهر بما تقدّم بعض ما في مفردات الآية الكريمة من النكات كالالتفات من الخطاب إلى الغيبة في( قالَ ) و التعبير عنه تعالى أوّلاً بربّي و ثانياً بربّنا و توصيفه بالرحمن و المستعان إلى غير ذلك.

( بحث روائي)

و في المجمع في قوله تعالى:( وَ حَرامٌ عَلى‏ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها ) الآية: روى محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: كلّ قرية أهلكها الله بعذاب فإنّهم لا يرجعون.

و في تفسير القمّيّ، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لما نزلت هذه الآية يعني قوله:( إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ) وجد منها أهل مكّة وجداً شديداً فدخل عليهم عبد الله بن الزبعري و كفّار قريش يخوضون في هذه الآية، فقال ابن الزبعري: أ محمّد تكلّم بهذه الآية؟ فقالوا: نعم قال ابن الزبعري: لئن اعترف بها لأخصمنّه فجمع بينهما.

فقال: يا محمّد أ رأيت الآية الّتي قرأت آنفاً فينا و في آلهتنا خاصّة أم الاُمم و آلهتهم؟ فقال: بل فيكم و في آلهتكم و في الاُمم و في آلهتهم إلّا من استثنى الله فقال ابن الزبعري: خصمتك و الله أ لست تثني على عيسى خيراً؟ و قد عرفت أنّ النصارى يعبدون عيسى و اُمّه و أنّ طائفة من الناس يعبدون الملائكة أ فليس هؤلاء مع الآلهة في النار: فقال رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم): لا فضجّت قريش و ضحكوا قالت قريش: خصمك ابن الزبعري. فقال رسول الله: قلتم الباطل أ ما قلت: إلّا من استثنى الله؟ و هو قوله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى‏ أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَ هُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ ) .

٣٦٥

أقول: و قد روي الحديث أيضاً من طرق أهل السنّة لكنّ المتن في هذا الطريق أمتن ممّا ورد من طريقهم و أسلم و هو ما عن ابن عبّاس قال: لمّا نزلت:( إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ ) شقّ ذلك على أهل مكّة و قالوا شتم الآلهة فقال ابن الزبعري: أنا أخصم لكم محمّداً ادعوه لي فدعي فقال: يا محمّد هذا شي‏ء لآلهتنا خاصّة أم لكلّ من عبد من دون الله؟ قال: بل لكلّ من عبد من دون الله فقال ابن الزبعري: خصمت و ربّ هذه البنية يعني الكعبة. أ لست تزعم يا محمّد أنّ عيسى عبد صالح و أنّ عزير عبد صالح و أنّ الملائكة صالحون؟ قال: بلى قال: فهذه النصارى تعبد عيسى و هذه اليهود تعبد عزيراً و هذه بنو مُليح تعبد الملائكة فضجّ أهل مكّة و فرحوا.

فنزلت:( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى‏ - عزير و عيسى و الملائكة -أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ ) و نزلت( وَ لَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ ) .

و في هذا المتن أوّلاً: ذكر اسم عزير و الواقعة في أوائل البعثة بمكّة و لم يذكر اسمه في شي‏ء من السور المكّيّة و إنّما ذكر في سورة التوبة و هي من أواخر ما نزلت بالمدينة.

و ثانياً قوله:( و هذه اليهود تعبد عزيراًئ ) و اليهود لا تعبد عزيراً و إنّما قالوا عزير ابن الله تشريفاً كما قالوا: نحن أبناء الله و أحبّاؤه.

و ثالثاً ما اشتمل عليه من نزول قوله:( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى‏ أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ ) بعد اعتراف النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) بعموم قوله:( إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ ) لكلّ معبود من دون الله، و نقض ابن الزبعري ذلك بعيسى و عزير و الملائكة و هذا من ورود البيان بعد وقت الحاجة و أشدّ تأييداً لوقوع التهمة.

و رابعا: اشتماله على نزول قوله:( وَ لَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا ) الآية في الواقعة و لا ارتباط لمضمونها بها أصلاً.

و نظيره ما شاع بينهم أنّ ابن الزبعري اعترض بذلك على النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) فقال له: يا غلام ما أجهلك بلغة قومك لأنّي قلت: و ما تعبدون، و ما لم يعقل، و لم

٣٦٦

أقل: و من تعبدون.

و فيه من الخلل ما نسب إلى النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) من قوله: إنّي قلت كذا و لم أقل كذا و من الواجب أن يجلّ النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) من أن يتلفّظ في آية قرآنيّة بمثل( قلت كذا و لم أقل كذا) و نقل عن الحافظ ابن حجر أنّ الحديث لا أصل له و لم يوجد في شي‏ء من كتب الحديث لا مسنداً و لا غير مسند.

و نظيره في الضعف ما ورد في حديث آخر يقصّ هذه القصّة أنّ ابن الزبعري قال: أ أنت قلت ذلك؟ قال: نعم قال: قد خصمتك و ربّ الكعبة أ ليس اليهود عبدوا عزيرا و النصارى عبدوا المسيح و بنو مليح عبدوا الملائكة؟ فقال (صلّي الله عليه وآله وسلّم): بل هم عبدوا الشياطين الّتي أمرتهم بذلك فأنزل الله:( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى‏ ) الحديث.

و ذلك أنّ الحجّة المنسوبة إليه (صلّي الله عليه وآله وسلّم) في الحديث تنفع ابن الزبعري أكثر ممّا تضرّه فإنّ الحجّة كما تخرج عزيرا و عيسى و الملائكة عن شمول الآية كذلك تخرج الآلهة الّتي هي أصنام فإنّها تشارك المذكورين في أنّها لا خبر لها عن عبادة عابديها و لا رضى منها بذلك إذ لا شعور لها فتختصّ الآية بالشياطين و لا تشمل الأصنام و هو خلاف ما نسب إليه (صلّي الله عليه وآله وسلّم) من دعوى شمول الآية لآلهتهم و تصديقه.

و نظيره في الضعف ما في الدرّ المنثور، عن البزّار عن ابن عبّاس قال: نزلت هذه الآية( إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ ) ثمّ نسخها قوله:( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى‏ أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ ) .

و وجه الضعف ظاهر و لو كان هناك شي‏ء فهو التخصيص.

و في أمالي الصدوق، عن النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) في حديث: يا عليّ أنت و شيعتك على الحوض تسقون من أحببتم و تمنعون من كرهتم و أنتم الآمنون يوم الفزع الأكبر في ظلّ العرش، يفزع الناس و لا تفزعون، و يحزن الناس و لا تحزنون فيكم نزلت هذه الآية:( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى‏ أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ ) و فيكم نزلت:( لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَ تَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ) .

٣٦٧

أقول: معنى نزولها فيهم جريها فيهم أو دخولهم فيمن نزلت فيه و قد وردت روايات كثيرة في جماعة من المؤمنين عدّواً ممّن تجري فيه الآيتان و خاصّة الثانية كمن قرأ القرآن محتسباً، و أم به قوماً محتسباً، و رجل أذن محتسباً و مملوك أدّى حقّ الله و حقّ مواليه‏ رواه في المجمع، عن أبي سعيد الخدريّ عن النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم)، و المتحابّين في الله و المدلجين في الظلم و المهاجرين‏ روى في الدرّ المنثور، الأوّل عن أبي الدرداء، و الثاني عن أبي أمامة، و الثالث عن الخدريّ جميعاً عن النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) و قد عدّ في أحاديث أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) ممّن تجري فيه الآية خلق كثير.

و في الدرّ المنثور، أخرج عبد بن حميد عن عليّ: في قوله:( كَطَيِّ السِّجِلِّ ) قال: ملك.

أقول: و رواه أيضاً عن ابن أبي حاتم و ابن عساكر عن الباقر (عليه السلام) في حديث.

و في تفسير القمّيّ: و أمّا قوله:( يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ) قال: السجلّ اسم الملك الّذي يطوي الكتب، و معنى يطويها يفنيها فتتحوّل دخاناً و الأرض نيراناً.

و في نهج البلاغة، في وصف الأموات: استبدلوا بظهر الأرض بطنا و بالسعة ضيقاً، و بالأهل غربة، و بالنور ظلمة، فجاؤها كما فارقوها حفاة عراة قد ظعنوا عنها بأعمالهم إلى الحياة الدائمة و الدار الباقية كما قال سبحانه:( كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ ) .

أقول: استشهاده (عليه السلام) بالآية يقبل الانطباق على كلّ من معنيي الإعادة أعني إعادة الخلق إلى ما بُدئوا منه و إعادة الخلق بمعنى إحيائهم بعد موتهم كما كانوا قبل موتهم، و قد تقدّم المعنيان في بيان الآية.

و في المجمع، و يروى عن النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) أنّه قال: تحشرون يوم القيامة حفاة عراة عزلاً( كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ ) .

أقول: و روى مثله في نور الثقلين عن كتاب الدوريستيّ بإسناده عن ابن عبّاس عنه (صلّي الله عليه وآله وسلّم).

٣٦٨

و في تفسير القمّيّ: و قوله:( وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ ) قال الكتب كلّها ذكر( أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ ) قال: القائم و أصحابه قال: و الزبور فيه ملاحم و التحميد و التمجيد و الدعاء.

أقول: و الروايات في المهديّ (عليه السلام) و ظهوره و ملئه الأرض قسطاً و عدلاً بعد ما ملئت ظلماً و جوراً من طرق العامّة و الخاصّة عن النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) و أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) بالغة حدّ التواتر، من أراد الوقوف عليها فليراجع مظانّها من كتب العامّة و الخاصّة.

و في الدرّ المنثور، أخرج البيهقيّ في الدلائل عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم): إنّما أنا رحمة مهداة.

٣٦٩

( سورة الحجّ مدنيّة و هي ثمان و سبعون آية)

( سورة الحجّ الآيات ١ - ٢)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ( ١ ) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ ( ٢ )

( بيان)

السورة تخاطب المشركين باُصول الدين إنذاراً و تخويفاً كما كانوا يخاطبون في السور النازلة قبل الهجرة في سياق يشهد بأنّ لهم بعد شوكة و قوّة، و تخاطب المؤمنين بمثل الصلاة و مسائل الحجّ و عمل الخير و الإذن في القتال و الجهاد في سياق يشهد بأنّ لهم مجتمعاً حديث العهد بالانعقاد قائماً على ساق لا يخلو من عدّة و عدّة و شوكة.

و يتعيّن بذلك أنّ السورة مدنيّة نزلت بالمدينة ما بين هجرة النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) و غزوة بدر و غرضها بيان اُصول الدين بياناً تفصيليّاً ينتفع بها المشرك و الموحّد و فروعها بياناً إجماليّاً ينتفع بها الموحّدون من المؤمنين إذ لم يكن تفاصيل الأحكام الفرعيّة مشرّعة يومئذ إلّا مثل الصلاة و الحجّ كما في السورة.

و لكون دعوة المشركين إلى الاُصول من طريق الإنذار و كذا ندب المؤمنين إلى إجمال الفروع بلسان الأمر بالتقوى بسط الكلام في وصف يوم القيامة و افتتح السورة بالزلزلة الّتي هي من أشراطها و بها خراب الأرض و اندكاك الجبال.

قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْ‏ءٌ عَظِيمٌ ) الزلزلة و الزلزال شدّة الحركة على الحال الهائلة و كأنّه مأخوذ بالاشتقاق الكبير من زلّ بمعنى زلق فكرّر للمبالغة و الإشارة إلى تكرّر الزلّة، و هو شائع في

٣٧٠

نظائره مثل ذبّ و ذبذب و دمّ و دمدم و كبّ و كبكب و دكّ و دكدك و رفّ و رفرف و غيرها.

الخطاب يشمل الناس جميعاً من مؤمن و كافر و ذكر و اُنثى و حاضر و غائب و موجود بالفعل و من سيوجد منهم، و ذلك بجعل بعضهم من الحاضرين وصلة إلى خطاب الكلّ لاتّحاد الجميع بالنوع.

و هو أمر الناس أن يتّقوا ربّهم فيتّقيه الكافر بالإيمان و المؤمن بالتجنّب عن مخالفة أوامره و نواهيه في الفروع، و قد علّل الأمر بعظم زلزلة الساعة فهو دعوة من طريق الإنذار.

و إضافة الزلزلة إلى الساعة لكونها من أشراطها و أماراتها، و قيل: المراد بزلزلة الساعة شدّتها و هولها، و لا يخلو من بعد من جهة اللفظ.

قوله تعالى: ( يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ ) الذهول الذهاب عن الشي‏ء مع دهشة، و الحمل بالفتح الثقل المحمول في الباطن كالولد في البطن و بالكسر الثقل المحمول في الظاهر كحمل بعير قاله الراغب. و قال في مجمع البيان: الحمل بفتح الحاء ما كان في بطن أو على رأس شجرة، و الحمل بكسر الحاء ما كان على ظهر أو على رأس.

قال في الكشّاف: إن قيل: لم قيل:( مُرْضِعَةٍ ) دون مرضع؟ قلت: المرضعة الّتي هي في حال الإرضاع ملقمة ثديها الصبيّ، و المرضع الّتي شأنها أن ترضع و إن لم تباشر الإرضاع في حال وصفها به فقيل: مرضعة ليدلّ على أنّ ذلك الهول إذا فوجئت به هذه و قد ألقمت الرضيع ثديها نزعته عن فيه لما يلحقها من الدهشة.

و قال: فإن قلت: لم قيل أوّلاً: ترون ثمّ قيل: ترى على الإفراد؟ قلت: لأنّ الرؤية أوّلاً علّقت بالزلزلة فجعل الناس جميعاً رائين لها، و هي معلّقة أخيراً بكون الناس على حال السكر فلا بدّ أن يجعل كلّ واحد منهم رائيا لسائرهم انتهى.

و قوله:( وَ تَرَى النَّاسَ سُكارى‏ وَ ما هُمْ بِسُكارى‏ ) نفى السكر بعد إثباته للدلالة

٣٧١

على أنّ سكرهم و هو ذهاب العقول و سقوطها في مهبط الدهشة و البهت ليس معلولاً للخمر بل شدّة عذاب الله هي الّتي أوقعتها فيما وقعت و قد قال تعالى:( إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ) هود: ١٠٢.

و ظاهر الآية أنّ هذه الزلزلة قبل النفخة الاُولى الّتي يخبر تعالى عنها بقوله:( وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى‏ فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ ) الزمر: ٦٨ و ذلك لأنّ الآية تفرض الناس في حال عاديّة تفاجؤهم فيها زلزلة الساعة فتنقلب حالهم من مشاهدتها إلى ما وصف، و هذا قبل النفخة الّتي تموت بها الأحياء قطعاً.

و قيل: إنّها تمثيل شدّة العذاب أي لو كان هناك راء يراها لكانت الحال هي الحال، و وقوع الآية في مقام الإنذار و التخويف لا يناسبه تلك المناسبة إذ الإنذار بعذاب لا يعلم به لا وجه له.

( بحث روائي)

في الدرّ المنثور، أخرج سعيد بن منصور و أحمد و عبد بن حميد و الترمذيّ و صحّحه و النسائيّ و ابن جرير و ابن المنذر و ابن حاتم و الحاكم و صحّحه و ابن مردويه من طرق عن الحسن و غيره عن عمران بن حصين قال: لمّا نزلت( يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْ‏ءٌ عَظِيمٌ - إلى قوله -وَ لكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ ) اُنزلت عليه هذه و هو في سفر فقال: أ تدرون أيّ يوم ذلك؟ قالوا: الله و رسوله أعلم قال: ذلك يوم يقول الله لآدم: ابعث بعث النار. قال: يا ربّ و ما بعث النار؟ قال: من كلّ ألف تسعمائة و تسعة و تسعين إلى النار و واحداً إلى الجنّة.

فأنشأ المسلمون يبكون فقال رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم): قاربوا و سدّدوا فإنّها لم تكن نبوّة قطّ إلّا كان بين يديها جاهليّة فتؤخذ العدّة من الجاهليّة فإن تمّت و إلّا اُكملت من المنافقين، و ما مثلكم إلّا كمثل الرقمة في ذراع الدابّة أو كالشامة في جنب البعير.

٣٧٢

ثمّ قال: إنّي لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنّة فكبّروا ثمّ قال: إنّي لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنّة فكبّروا، ثمّ قال: إنّي لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنّة فكبّروا. قال: فلا أدري قال: الثلثين، أم لا؟.

أقول: و هي مرويّة بطرق اُخرى كثيراً عن عمران و ابن عبّاس و أبي سعيد الخدريّ و أبي موسى و أنس مع اختلاف في المتون و أعدلها ما أوردناه.

و في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( وَ تَرَى النَّاسَ سُكارى) قال: يعني ذاهبة عقولهم من الحزن و الفزع متحيّرين‏.

٣٧٣

( سورة الحجّ الآيات ٣ - ١٦)

وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ ( ٣ ) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ السَّعِيرِ ( ٤ ) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ( ٥ ) ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَأَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( ٦ ) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ ( ٧ ) وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ ( ٨ ) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ ( ٩ ) ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ( ١٠ ) وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ( ١١ ) يَدْعُو مِن دُونِ اللهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنفَعُهُ ذَٰلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ ( ١٢ ) يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ( ١٣ )

٣٧٤

إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ( ١٤ ) مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ( ١٥ ) وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ ( ١٦ )

( بيان)

تذكر الآيات أصنافاً من الناس من مصرّ على الباطل مجادل في الحقّ أو متزلزل فيه و تصف حالهم و تبيّن ضلالهم و سوء مآلهم و تذكر المؤمنين و أنّهم مهتدون في الدنيا منعّمون في الآخرة.

قوله تعالى: ( وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ ) المريد الخبيث و قيل: المتجرّد للفساد و المعرّي من الخير و المجادلة في الله بغير علم التكلّم فيما يرجع إليه تعالى من صفاته و أفعاله بكلام مبنيّ على الجهل بالإصرار عليه.

و قوله:( وَ يَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ ) بيان لمسلكه في الاعتقاد و العمل بعد بيان مسلكه في القول كأنّه قيل: إنّه يقول في الله بغير علم و يصرّ على جهله و يعتقد بكلّ باطل و يعمل به و إذ كان الشيطان هو الّذي يهدي الإنسان إلى الباطل و الإنسان إنّما يميل إليه بإغوائه فهو يتّبع في كلّ ما يعتقده و يعمل به الشيطان فقد وضع اتّباع الشيطان في الآية موضع الاعتقاد و العمل للدلالة على الكيفيّة و ليبيّن في الآية التالية أنّه ضالّ عن طريق الجنّة سألك إلى عذاب السعير.

و قد قال تعالى:( وَ يَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ ) و لم يقل: و يتّبع الشيطان المريد و هو إبليس للدلالة على تلبّسه بفنون الضلال و أنواعه فإنّ أبواب الباطل مختلفة و على كلّ باب شيطاناً من قبيل إبليس و ذرّيّته و هناك شياطين من الإنس يدعون

٣٧٥

إلى الضلال فيقلّدهم أولياؤهم الغاوون و يتّبعونهم و إن كان كلّ تسويل و وسوسة منتهياً إلى إبليس لعنه الله.

و الكلمة أعني قوله:( وَ يَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ ) مع ذلك كناية عن عدم انتهائه في اتّباع الباطل إلى حدّ يقف عليه لبطلان استعداده للحقّ و كون قلبه مطبوعاً عليه فهو في معنى قوله:( وَ إِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَ إِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ) الأعراف: ١٤٦.

قوله تعالى: ( كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَ يَهْدِيهِ إِلى‏ عَذابِ السَّعِيرِ ) التولّي أخذه وليّاً متّبعاً، و قوله:( فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ ) إلخ. مبتدء محذوف الخبر، و المعنى و يتّبع كلّ شيطان مريد من صفته أنّه كتب عليه أنّ من اتّخذه ولياً و اتّبعه فإضلاله له و هدايته إيّاه إلى عذاب السعير ثابت لازم.

و المراد بكتابته عليه القضاء الإلهيّ في حقّه بإضلاله متّبعيه أوّلاً و إدخاله إيّاهم النار ثانياً، و هذان القضاءان هما اللّذان إشارة إليهما في قوله:( إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ ) الحجر: ٤٣ و قد تقدّم الكلام في توضيح ذلك في الجزء الثاني عشر من الكتاب.

و بما تقدّم يظهر ضعف ما قيل: إنّ المعنى من تولّى الشيطان فإنّ الله يضلّه إذ لا شاهد من كلامه تعالى على هذه الكتابة المدّعاة و إنّما المذكور في كلامه تعالى القضاء بتسليط إبليس على من تولّاه و اتّبعه كما تقدّم.

على أنّ لازمه اختلاف الضمائر و رجوع ضمير( فَأَنَّهُ ) إلى ما لم يتقدّم ذكره من غير موجب.

و أضعف منه قول من قال: إنّ المعنى كتب على هذا الّذي يجادل في الله بغير علم أنّه من تولّاه فإنّه يضلّه - بإرجاع الضمائر إلى الموصول في( مَنْ يُجادِلُ ) - و هو كما ترى.

و يظهر من الآية أنّ القضاء على إبليس قضاء على قبيله و ذرّيّته و أعوانه، و أنّ إضلالهم و هدايتهم إلى عذاب السعير و بالجملة فعلهم فعله، و لا يخفى ما في الجمع

٣٧٦

بين يضلّه و يهديه في الآية من اللطف.

قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ - إلى قوله -شَيْئاً ) المراد بالبعث إحياء الموتى و الرجوع إلى الله سبحانه و هو ظاهر، و العلقة القطعة من الدم الجامد، و المضغة القطعة من اللحم الممضوغة و المخلّقة على ما قيل - تامّة الخلقة و غير المخلّقة غير تامّتها و ينطبق على تصوير الجنين الملازم لنفخ الروح فيه، و عليه ينطبق القول بأنّ المراد بالتخليق التصوير.

و قوله:( لِنُبَيِّنَ لَكُمْ ) ظاهر السياق أنّ المراد لنبيّن لكم أنّ البعث ممكن و نزيل الريب عنكم فإنّ مشاهدة الانتقال من التراب الميّت إلى النطفة ثمّ إلى العلقة ثمّ إلى المضغة ثمّ إلى الإنسان الحيّ لا تدع ريباً في إمكان تلبّس الميّت بالحياة و لذلك وضع قوله:( لِنُبَيِّنَ لَكُمْ ) في هذا الموضع و لم يؤخّر إلى آخر الآية.

و قوله:( وَ نُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى‏ أَجَلٍ مُسَمًّى ) و أي و نقرّ فيها ما نشاء من الأجنّة و لا نسقطه إلى تمام مدّة الحمل( ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ) ، قال في المجمع: أي نخرجكم من بطون اُمّهاتكم و أنتم أطفال، و الطفل الصغير من النّاس، و إنّما وحّد و المراد به الجمع لأنّه مصدر كقولهم: رجل عدل و رجال عدل، و قيل: أراد ثمّ نخرج كلّ واحد منكم طفلاً. انتهى، و المراد ببلوغ الأشدّ حال اشتداد الأعضاء و القوى.

و قوله:( وَ مِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى‏ أَرْذَلِ الْعُمُرِ ) المقابلة بين الجملتين تدلّ على تقيّد الاُولى بما يميّزها من الثانية و التقدير و منكم من يتوفّى من قبل أن يردّ إلى أرذل العمر، و المراد بأرذل العمر أحقره و أهونه و ينطبق على حال الهرم فإنّه أرذل الحياة إذا قيس إلى ما قبله.

و قوله:( لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً ) أي شيئاً يعتدّ به أرباب الحياة و يبنون عليه حياتهم، و اللّام للغاية أي ينتهي أمره إلى ضعف القوى و المشاعر بحيث لا يبقى له من العلم الّذي هو أنفس محصول للحياة شي‏ء يعتدّ به لها.

قوله تعالى: ( وَ تَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ

٣٧٧

وَ أَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ) قال الراغب: يقال: همدت النار طفئت، و منه أرض هامدة لا نبات فيها، و نبات هامد يابس، قال تعالى:( وَ تَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً ) انتهى و يقرب منه تفسيرها بالأرض الهالكة.

و قال أيضاً: الهزّ التحريك الشديد يقال: هززت الرمح فاهتزّ و اهتزّ النبات إذا تحرّك لنضارته، و قال أيضاً: ربّاً إذا زاد و علا قال تعالى:( فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ ) أي زادت زيادة المتربّى. انتهى بتلخيص مّا.

و قوله:( وَ أَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ) أي و أنبتت الأرض من كلّ صنف من النبات متّصف بالبهجة و هي حسن اللون و ظهور السرور فيه، أو المراد بالزوج ما يقابل الفرد فإنّ كلامه يثبت للنبات ازدواجاً كما يثبت له حياة، و قد وافقته العلوم التجربيّة اليوم.

و المحصّل أنّ للأرض في إنباتها النبات و إنمائها له شأناً يماثل شأن الرحم في إنباته الحيويّ للتراب الصائر نطفة ثمّ علقة ثمّ مضغة إلى أن يصير إنساناً حيّاً.

قوله تعالى: ( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى‏ وَ أَنَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ ) ذلك إشارة إلى ما ذكر في الآية السابقة من خلق الإنسان و النبات و تدبير أمرهما حدوثاً و بقاء خلقاً و تدبيراً واقعيّين لا ريب فيهما.

و الّذي يعطيه السياق أنّ المراد بالحقّ نفس الحقّ - أعني أنّه ليس وصفاً قائماً مقام موصوف محذوف هو الخبر - فهو تعالى نفس الحقّ الّذي يحقّق كلّ شي‏ء حقّ و يجري في الأشياء النظام الحقّ فكونه تعالى حقّاً يتحقّق به كلّ شي‏ء حقّ هو السبب لهذه الموجودات الحقّة و النظامات الحقّة الجارية فيها، و هي جميعاً تكشف عن كونه تعالى هو الحقّ.

و قوله:( وَ أَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى) معطوف على ما قبله أي المذكور في الآية السابقة من صيرورة التراب الميّت بالانتقال من حال إلى حال إنساناً حيّاً و كذا صيرورة الأرض الميتة بنزول الماء نباتاً حيّاً و استمرار هذا الأمر بسبب أنّ الله يحيي

٣٧٨

الموتى و يستمرّ منه ذلك.

و قوله:( وَ أَنَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ ) معطوف على سابقه كسابقه و المراد أنّ ما ذكرناه بسبب أنّ الله على كلّ شي‏ء قدير و ذلك أنّ إيجاد الإنسان و النبات و تدبير أمرهما في الحدوث و البقاء مرتبط بما في الكون من وجود أو نظام جار في الوجود و كما أنّ إيجادهما و تدبير أمرهما لا يتمّ إلّا مع القدرة عليهما كذلك القدرة عليهما لا تتمّ إلّا مع القدرة على كلّ شي‏ء فخلقهما و تدبير أمرهما بسبب عموم القدرة و إن شئت فقل: ذلك يكشف عن عموم القدرة.

قوله تعالى: ( وَ أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَ أَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) الجملتان معطوفتان على( أن ) في قوله:( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ ) .

و أمّا الوجه في اختصاص هذه النتائج الخمس المذكورة في الآيتين بالذكر مع أنّ بيان السابقة ينتج نتائج اُخرى مهمّة في أبواب التوحيد كربوبيّته تعالى و نفي شركاء العبادة و كونه تعالى عليماً و منعماً و جواداً و غير ذلك.

فالّذي يعطيه السياق - و المقام مقام إثبات البعث - و عرض هذه الآيات على سائر الآيات المثبتة للبعث أنّ الآية تؤمّ إثبات البعث من طريق إثبات كونه تعالى حقّاً على الإطلاق فإنّ الحقّ المحض لا يصدر عنه إلّا الفعل الحقّ دون الباطل، و لو لم يكن هناك نشاة اُخرى يعيش فيها الإنسان بما له من سعادة أو شقاء و اقتصر في الخلقة على الإيجاد ثمّ الإعدام ثمّ الإيجاد ثمّ الإعدام و هكذا كان لعباً باطلاً فكونه تعالى حقّاً لا يفعل إلّا الحقّ يستلزم نشأة البعث استلزاماً بيّنا فإنّ هذه الحياة الدنيا تنقطع بالموت فبعدها حياة اُخرى باقية لا محالة.

فالآية أعني قوله:( فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ - إلى قوله -ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ ) في مجرى قوله:( وَ ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ ) الدخان: ٣٩ و قوله:( وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ) ص: ٢٧ و غيرهما من الآيات المتعرّضة لإثبات المعاد، و إنّما الفرق أنّها تثبته من طريق حقّيّة فعله تعالى و الآية المبحوث عنها تثبته من طريق

٣٧٩

حقّيّته تعالى في نفسه المستلزمة لحقّيّة فعله.

ثمّ لمّا كان من الممكن أن يتوهّم استحالة إحياء الموتى فلا ينفع البرهان حينئذ دفعه بقوله:( وَ أَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى‏ ) فإحياؤه تعالى الموتى بجعل التراب الميت إنساناً حيّاً و جعل الأرض الميّتة نباتاً حيّاً واقع مستمرّ مشهود فلا ريب في إمكانه و هذه الجملة أيضاً في مجرى قوله تعالى:( قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ ) يس: ٧٩ و سائر الآيات المثبتة لإمكان البعث و الإحياء ثانياً من طريق ثبوت مثله أوّلاً.

ثمّ لمّا أمكن أن يتوهّم أن جواز الإحياء الثاني لا يستلزم الوقوع بتعلّق القدرة به استبعاداً له و استصعاباً دفعه بقوله:( وَ أَنَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ ) فإنّ القدرة لمّا كانت غير متناهية كانت نسبتها إلى الإحياء الأوّل و الثاني و ما كان سهلاً في نفسه أو صعباً على حدّ سواء فلا يخالطها عجز و لا يطرأ عليها عيّ و تعب.

و هذه الجملة أيضاً في مجرى قوله تعالى:( أَ فَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ ) ق: ١٥ و قوله:( إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى‏ إِنَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ ) حم السجدة: ٣٩ و سائر الآيات المثبتة للبعث بعموم القدرة و عدم تناهيها.

فهذه أعني ما في قوله تعالى:( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ ) إلى آخر الآية نتائج ثلاث مستخرجة من الآية السابقة عليها مسوقة جميعاً لغرض واحد و هو ذكر ما يثبت به البعث و هو الّذي تتضمّنه الآية الأخيرة( وَ أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَ أَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) .

و لم تتضمّن الآية إلّا بعث الأموات و الظرف الّذي يبعثون فيه فأمّا الظرف و هو الساعة فذكره في قوله:( وَ أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها ) و لم ينسب إتيانها إلى نفسه بأن يقال مثلاً: و أنّ الله يأتي بالساعة أو ما في معناه و لعلّ الوجه في ذلك اعتبار كونها لا تأتي إلّا بغتة لا يتعلّق به علم قطّ كما قال:( لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ) .

و قال:( قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ ) الأعراف: ١٨٧ و قال:( إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها ) طه: ١٥ فكان عدم نسبتها إلى فاعل كعدم ذكر وقتها و كتمان

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459