الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٤

الميزان في تفسير القرآن  13%

الميزان في تفسير القرآن  مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 459

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 459 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 96792 / تحميل: 5845
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

بكل شيء ، لهذا فإن العبارة السابعة والأخيرة في هذا البحث تقول :( وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ ) .

إذن فلا حاجة حتى للشهود ، لأنّ الله هو أعلم من كلّ أولئك الشهود ، ولكن لطفه وعدله يقتضيان إحضار الشهود ، نعم فهذا هو مشهد يوم القيامة ، فليستعد الجميع لذلك اليوم.

* * *

١٦١

الآيتان

( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ (٧١) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٢) )

التّفسير

الذين يدخلون جهنم زمرا :

تواصل الآيات هنا بحث المعاد ، وتستعرض بالتفصيل ثواب وجزاء المؤمنين والكافرين الذي استعرض بصورة مختصرة في الآيات السابقة. وتبدأ بأهل جهنم ، إذ تقول :( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً ) .

فمن الذي يسوقهم إلى جهنم؟

كما هو معروف فإن ملائكة العذاب هي التي تسوقهم حتى أبواب جهنم ، ونظير هذه العبارة ورد في الآية (٢١) من سورة (ق) ، إذ تقول :( وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ ) .

١٦٢

عبارة «زمر» تعني الجماعة الصغيرة من الناس ، وتوضح أن الكافرين يساقون إلى جهنم على شكل مجموعات مجموعات صغيرة ومتفرقة.

و «سيق» من مادة (سوق) وتعني (الحث على أسير).

ثم تضيف( حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا ) (١) .

يتّضح بصورة جيدة من خلال هذه العبارة ، أن أبواب جهنم كانت مغلقة قبل سوق أولئك الكفرة ، وهي كأبواب السجون المغلقة التي تفتح أمام المتهمين الذين يراد سجنهم ، وهذا الحدث المفاجئ يوجد رعبا ووحشة كبيرة في قلوب الكافرين ، وقبل دخولهم يتلقاهم خزنة جهنم باللوم والتوبيخ ، الذين يقولون استهجانا وتوبيخا لهم : لم كفرتم وقد هيئت لكم كافة أسباب الهداية ، ألم يرسل إليكم أنبياء منكم يتلون آيات الله عليكم باستمرار ، ومعهم معجزات من خالقكم ، وإنذار وإعلام بالأخطار التي ستصيبكم إن كفرتم بالله(٢) ؟ فكيف وصل بكم الحال إلى هذه الدرجة رغم إرسال الأنبياء إليكم؟

حقّا إنّ كلام خزنة جهنم يعد من أشد أنواع العذاب على الكافرين الذين يواجهون بمثل هذا اللوم فور دخولهم جهنم.

على أية حال ، فإنّ الكافرين يجيبون خزنة جهنم بعبارة قصيرة ملؤها الحسرات ، قائلين :( قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ ) .

مجموعة من المفسّرين الكبار اعتبروا( كَلِمَةُ الْعَذابِ ) إشارة إلى قوله تعالى حين هبط آدم على الأرض ، أو حينما قرر الشيطان إغواء بني آدم ، كما ورد في الآية (٣٩) من سورة البقرة( وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) .

__________________

(١) «خزنة» جمع (خازن) من مادة (خزن) على وزن (جزم) وتعني حافظ الشيء ، و (خازن) تطلق على المحافظ والحارس.

(٢) «يتلون» و «ينذرون» : كليهما فعل مضارع ودليل على الاستمرارية.

١٦٣

وحينما قال الشيطان : لأغوينهم جميع إلّا عبادك المخلصين ، فأجابه البارئعزوجل ( لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) (١) .

وبهذا الشكل اعترفوا بأنّهم كذبوا الأنبياء وأنكروا آيات الله ، وبالطبع فإن مصيرهم لن يكون أفضل من هذا.

كما يوجد احتمال في أنّ المراد من( حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ ) هو ما تعنيه الآية السابعة في سورة (يس)( لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) .

وهو إشارة إلى أن الإنسان يصل أحيانا ـ بسبب كثرة ذنوبه وعدائه ولجاجته وتعصبه أمام الحق ـ إلى درجة يختم معها على قلبه ولا يبقى أمامه أيّ طريق للعودة ، وفي هذه الحالة يصبح مستحقا تماما للعذاب.

وعلى أيّة حال ، فإن مصدر كلّ هذه الأمور هو عمل الإنسان ذاته ، وليس من الصحيح الاستدلال على معنى الجبر وفقدان حرية الإرادة.

هذا النقاش القصير ينتهي مع اقترابهم من عتبة جهنم( قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ) .

فأبواب جهنم ـ كما أشرنا إليها من قبل ـ يمكن أن تكون قد نظمت حسب أعمال الإنسان ، وإن كلّ مجموعة كافرة تدخل جهنم من الباب الذي يتناسب مع أعمالها ، وذلك مثل أبواب الجنّة التي يطلق على أحد أبوابها اسم «باب المجاهدين» وقد جاء في كلام لأمير المؤمنين «إنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة»(٢) .

والذي يلفت النظر هو أن ملائكة العذاب تؤّكد على مسألة التكبر من بين بقية الصفات الرذيلة التي تؤدي بالإنسان إلى السقوط في نار جهنم ، وذلك إشارة إلى أن التكبر والغرور وعدم الانصياع والاستسلام أمام الحق هو المصدر الرئيسي

__________________

(١) الم السجدة ، ١٣.

(٢) نهج البلاغة ، الخطبة (٢٧).

١٦٤

للكفر والانحراف وارتكاب الذنب.

نعم ، فالتكبر ستار سميك يغطي عيني الإنسان ويحول دون رؤيته للحقائق الساطعة المضيئة ، ولهذا نقرأ في رواية عن الإمامين المعصومين الباقر والصادقعليهما‌السلام «لا يدخل الجنّة من في قلبه مثقال ذرة من كبر»(١) .

* * *

__________________

(١) الكافي ، المجلد الثّاني ، باب الكبر الحديث. ٦.

١٦٥

الآيات

( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ (٧٣) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (٧٤) وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٧٥) )

التّفسير

المتقون يدخلون الجنّة أفواجا!!

هذه الآيات ـ التي هي آخر آيات سورة (الزمر) ـ تواصل بحثها حول موضوع المعاد ، حيث تتحدث عن كيفية دخول المؤمنين المتقين الجنّة ، بعد أن كانت الآيات السابقة قد استعرضت كيفية دخول الكافرين جهنم ، لتتوضح الأمور أكثر من خلال هذه المقارنة.

في البداية تقول :( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً ) .

استعمال عبارة (سيق) (والتي هي من مادة (سوق) على وزن (شوق) وتعني الحث على السير). أثار التساؤل ، كما لفت أنظار الكثير من المفسّرين ، لأنّ هذا

١٦٦

التعبير يستخدم في موارد يكون تنفيذ العمل فيها من دون أي اشتياق ورغبة في تنفيذه ، ولذلك فإنّ هذه العبارة صحيحة بالنسبة لأهل جهنم ، ولكن لم استعملت بشأن أهل الجنّة الذين يتوجهون إلى الجنّة بتلهف واشتياق؟

قال البعض : إنّ هذه العبارة استعملت هنا لأنّ الكثير من أهل الجنّة ينتظرون أصدقاءهم.

والبعض الآخر قال : إنّ تلهف وشوق المتقين للقاء البارئعزوجل يجعلهم يتحينون الفرصة لذلك اللقاء بحيث لا يقبلون حتّى بالجنّة.

فيما قال البعض : إنّ هناك وسيلة تنقلهم بسرعة إلى الجنّة.

مع أنّ هذه التّفسيرات جيدة ولا يوجد أي تعارض فيما بينهما ، إلّا أنّ هناك نقطة اخرى يمكن أن تكون هي التّفسير الأصح لهذه العبارة ، وهي مهما كان حجم عشق المتقين للجنّة ، فإن الجنّة وملائكة الرحمة مشتاقة أكثر لوفود أولئك عليهم ، كما هو الحال بالنسبة إلى المستضيف المشتاق لضيف والمتلهف لوفوده عليه إذ أنّه لا يجلس لانتظاره وإنّما يذهب لجلبه بسرعة قبل أن يأتي هو بنفسه إلى بيت المستضيف ، فملائكة الرحمة هي كذلك مشتاقة لوفود أهل الجنّة.

والملاحظة أن (زمر) تعني هنا المجموعات الصغيرة ، وتبيّن أن أهل الجنّة يساقون إلى الجنّة على شكل مجموعات مجموعات كلّ حسب مقامه.

ثم تضيف الآية( حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ ) (١) .

الملفت للنظر أن القرآن الكريم يقول بشأن أهل جهنم : إنّهم حينما يصلون إلى قرب جهنم تفتح لهم الأبواب ، ويقول بشأن أهل الجنّة ، إن أبواب الجنّة مفتحة لهم

__________________

(١) ما هو جواب الجملة الشرطية (إذا جاؤها)؟ ذكر المفسّرون آراء متعددة ، أنسبها الذي يقول : إن عبارة (قال لهم خزنتها) جوابها والواو زائدة. كما احتملوا أن جواب الجملة محذوف ، والتقدير (سلام من الله عليكم) ، أو أن حذف الجواب إشارة إلى أن سعة الموضوع وعلوه لا يمكن وصفها ، والبعض قال : (فتمت) هي الجواب و (الواو) زائدة.

١٦٧

من قبل ، وهذه إشارة إلى الاحترام والتبجيل الذي يستقبلون به من قبل ملائكة الرحمة ، كالمستضيف المحب الذي يفتح أبواب بيته للضيوف قبل وصولهم ، ويقف عند الباب بانتظارهم.

وقد قرأنا في الآيات السابقة أن ملائكة العذاب يستقبلون أهل جهنم باللوم والتوبيخ الشديدين ، عند ما يقولون لهم : قد هيئت لكم أسباب الهداية ، فلم تركتموها وانتهيتم إلى هذا المصير المشؤوم؟

أمّا ملائكة الرحمة فإنّها تبادر أهل الجنّة بالسلام المرافق للاحترام والتبجيل ، ومن ثمّ تدعوهم إلى دخول الجنّة.

عبارة «طبتم» من مادة (طيب) على وزن (صيد) وتعني الطهارة ، ولأنّها جاءت بعد السلام والتحية ، فمن الأرجح القول بأن لها مفهوما إنشائيا ، وتعني : لتكونوا طاهرين مطهرين ونتمنى لكم السعادة والسرور.

وبعبارة اخرى : طابت لكم هذه النعم الطاهرة ، يا أصحاب القلوب الطاهرة.

ولكن الكثير من المفسّرين ذكروا لهذه الجملة معنى خبريا عند تفسيرها ، وقالوا : إنّ الملائكة تخاطبهم بأنّكم تطهرتم من كلّ لوث وخبث ، وقد طهرتم بإيمانكم وبعملكم الصالح قلوبكم وأرواحكم ، وتطهرتم من الذنوب والمعاصي ، ونقل البعض رواية تقول : إنّ هناك شجرة عند باب الجنّة ، تفيض من تحتها عينا ماء صافيتان ، يشرب المؤمنون من إحداهما فيتطهر باطنهم ، ويغتسلون بماء العين الأخرى فيتطهر ظاهرهم ، و، هنا يقول خزنة الجنّة لهم :( سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ ) (١) .

الملاحظ أن «الخلود» استخدم بشأن كلّ من أهل الجنّة وأهل النّار ، وذلك لكي لا يخشى أهل الجنّة من زوال النعم الإلهية ، ولكي يعلم أهل النّار بأنّه لا سبيل لهم للنجاة من النّار.

__________________

(١) تفسير القرطبي المجلد (٨) الصفحة. ٥٧٣.

١٦٨

الآية التّالية تتكون من أربع عبارات قصار غزيرة المعاني تنقل عن لسان أهل الجنّة السعادة والفرح اللذين غمراهم ، حيث تقول :( وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ ) .

وتضيف في العبارة التالية( وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ ) .

المراد من الأرض هنا أرض الجنّة. واستخدام عبارة (الإرث) هنا ، إنّما جاء لكونهم حصلوا على كلّ هذه النعم في مقابل جهد قليل بذلوه ، إذ ـ كما هو معروف ـ فإنّ الميراث هو الشيء الذي يحصل عليه الإنسان من دون أي عناء مبذول.

أو أنّها تعني أن لكل إنسان مكان في الجنّة وآخر في جهنم ، فإن ارتكب عملا استحق به جهنم فإن مكانه في الجنّة سوف يمنح لغيره ، وإن عمل عملا صالحا استحق به الجنّة ، فيمنح مكانا في الجنّة ويترك مكانه في جهنم لغيره.

أو تعني أنّهم يتمتعون بكامل الحرية في الاستفادة من ذلك الإرث ، كالميراث الذي يحصل عليه الإنسان إذ يكون حرا في استخدامه.

هذه العبارة ـ في الواقع ـ تحقق عيني للوعد الإلهي الذي ورد في الآية (٦٣) من سورة مريم( تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا ) .

العبارة الثّالثة تكشف عن الحرية الكاملة التي تمنح لأهل الجنّة في الاستفادة من كافة ما هو موجود في الجنّة الواسعة ، إذ تقول :( نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ ) .

يستشف من الآيات القرآنية أن في الجنّة الكثير من البساتين والحدائق وقد أطلقت عليها في الآية (٧٢) من سورة التوبة عبارة( جَنَّاتِ عَدْنٍ ) وأهل الجنّة وفقا لدرجاتهم المعنوية يسكنون فيها ، وأن لهم كامل الحرية في التحرك في تلك الحدائق والبساتين في الجنّة.

أمّا العبارة الأخيرة فتقول :( فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ ) .

وهذه إشارة إلى أن هذه النعم الواسعة إنّما تعطى في مقابل العمل الصالح (المتولد من الايمان طبعا) ليكون صاحبه لائقا ومستحقا لنيل مثل هذه النعم.

١٦٩

وهنا يطرح هذه السؤال وهو : هل أنّ هذا القول صادر عن أهل الجنّة ، أم أنّه كلام الله جاء بعد كلام أهل الجنّة؟

المفسّرون وافقوا الرأيين ، ولكنّهم رجحوا المعنى الأوّل الذي يقول : إنّه كلام أهل الجنّة ويرتبط بالعبارات الأخرى في الآية.

وفي النهاية تخاطب الآية ـ مورد بحثنا وهي آخر آية من سورة الزمر ـ الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائلة :( وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ ) يسبحون الله ويقدّسونه ويحمدونه.

إذ تشير إلى وضع الملائكة الحافين حول عرش الله ، أو أنّها تعبر عن استعداد أولئك الملائكة لتنفيذ الأوامر الإلهية ، أو أنّها إشارة إلى خفايا قيمة تمنح في ذلك اليوم للخواص والمقرّبين من العرش الإلهي ، مع أنّه لا يوجد أي تعارض بين المعاني الثلاثة ، إلا أن المعنى الأوّل أنسب.

ولهذا تقول العبارة التالية( وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِ ) .

وباعتبار هذه الأمور هي دلائل على ربوبية البارئعزوجل واستحقاق ذاته المقدسة والمنزّهة لكل أشكال الحمد والثناء ، فإنّ الجملة الأخيرة تقول :( وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) .

وهنا يطرح هذا السؤال : هل أن هذا الخطاب صادر عن الملائكة ، أم عن أهل الجنّة المتقين ، أم أنّه صادر عن الاثنين؟

المعنى الأخير أنسب من غيره ، لأنّ الحمد والثناء على الله هو منهاج كلّ أولي الألباب ، ومنهاج كلّ الخواص والمقربين ، واستعمال كلمة (قيل) وهي فعل مبني للمجهول يؤيد ذلك.

نهاية سورة الزّمر

* * *

١٧٠
١٧١

سورة

المؤمن

مكيّة

وعدد آياتها خمس وثمانون آية

١٧٢

«سورة المؤمن»

نظرة مختصرة في محتوى السورة :

سورة المؤمن هي طليعة الحواميم ، والحواميم في القرآن الكريم سبع سور متتالية يلي بعضها بعضا ، نزلت جميعا في مكّة ، وهي تبدأ بـ «حم».

هذه السورة كسائر السور المكّية ، تثير في محتواها قضايا العقيدة و، تتحدث عن أصول الدين الإسلامي ومبانيه وفي ذلك تلبي حاجة المسلمين في تلك المرحلة إلى تشييد وإقامة قواعد الدين الجديد.

ومحتوى هذه السورة يضم بين دفتيه الشدة واللطف ، ويجمع في نسيجه بين الإنذار والبشارة السورة ـ إذا ـ مواجهة منطقية حادّة مع الطواغيت والمستكبرين ، كما هي نداء لطف ورحمة ومحبة بالمؤمنين وأهل الحق.

وتمتاز هذه السورة أيضا بخصوصية تنفرد بها دون سور القرآن الأخرى ، إذ تتحدّث عن «مؤمن آل فرعون» وهو مقطع من قصة موسىعليه‌السلام ، وقصد مؤمن آل فرعون لم ترد في كتاب الله سوى في سورة «المؤمن».

إنّ قصة «مؤمن آل فرعون» هي قصة ذلك الرجل المؤمن المخلص الذي كان يتحلى بالذكاء والمعرفة في الوقت الذي هو من بطانة فرعون ، ومحسوب ـ ظاهرا ـ من حاشيته ـ لقد كان هذا الرجل مؤمنا بما جاء به موسىعليه‌السلام ، وقد احتل وهو يعمل في حاشية فرعون ـ موقعا حساسا مميزا في الدفاع عن موسىعليه‌السلام وعن دينه ، حتى أنّه ـ في الوقت الذي تعرضت فيه حياة موسىعليه‌السلام

١٧٣

للخطر ـ تحرّك من موقعه بسلوك فطن وذكي وحكيم لكي يخلّص موسى من الموت المحقق الذي كان قد أحاط به.

إنّ اختصاص السورة باسم «المؤمن» يعود إلى قصة هذا الرجل الذي تحدّثت عشرون آية منها عن جهاده ، أي ما يقارب ربع السورة.

يكشف الأفق العام أنّ حديث السورة عن «مؤمن آل فرعون» ينطوي على أبعاد تربوية لمجتمع المسلمين في مكّة ، فقد كان بعض المسلمين ممّن آمن بالإسلام يحافظ على علاقات طيبة مع بعض المشركين والمعاندين ، وفي نفس الوقت فإن إسلامه وانقياده لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس عليهما غبار.

لقد كان الهدف من هذه العلاقة مع المشركين هو توظيفها في أيّام الخطر لحماية الرسالة الجديدة ودفع الضر عن أتباعها ، وفي هذا الإطار يذكر التاريخ أنّ أبا طالبعليه‌السلام عمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان من جملة هؤلاء ، كما يستفاد ذلك من بعض الرّوايات الإسلامية المروية عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام (١) .

وبشكل عام يمكن النظر إلى محتوى السورة في إطار ما تثيره النقاط والأقسام الآتية :

القسم الأوّل : وهو يضم طليعة آيات السورة التي تتحدث عن بعض من أسماء الله الحسنى ، خصوصا تلك التي ترتبط ببعث معاني الخوف والرجاء في القلوب ، مثل قوله تعالى:( غافِرِ الذَّنْبِ ) و( شَدِيدِ الْعِقابِ ) .

القسم الثّاني : تهديد الكفّار والطواغيت بعذاب هذه الدنيا الذي سبق وأن نال أقواما اخرى في ماضي التأريخ ، بالإضافة إلى التعرّض لعذاب الآخرة ، وتتناول بعض الصور والمشاهد التفصيلية فيه.

القسم الثّالث : بعد أن وقفت السورة على قصة موسى وفرعون ، بدأت بالحديث ـ بشكل واسع ـ عن قصة ذلك الرجل المؤمن الواعي الشجاع الذي

__________________

(١) الغدير ، المجلد الثامن ، ص ٣٨٨.

١٧٤

اصطلح عليه بـ «مؤمن آل فرعون» وكيف واجه البطانة الفرعونية وخلّص موسىعليه‌السلام من كيدها.

القسم الرّابع : تعود السورة مرّة اخرى للحديث عن مشاهد القيامة ، لتبعث في القلوب الغافلة الروح واليقظة.

القسم الخامس : تتعرض السورة المباركة فيه إلى قضيتي التوحيد والشرك ، بوصفهما دعامتين لوجود الإنسان وحياته ، وفي ذلك تتناول جانبا من دلائل التوحيد ، بالإضافة إلى ما تقف عليه من مناقشة لبعض شبهات المشركين.

القسم السّادس : تنتهي السورة ـ في محتويات القسم الأخير هذا ـ بدعوة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للتحمل والصبر ، ثمّ تختم بالتعرض إلى خلاصات سريعة ممّا تناولته مفصلا من قضايا ترتبط بالمبدأ والمعاد ، وكسب العبرة من هلاك الأقوام الماضية ، وما تعرضت له من أنواع العذاب الإلهي في هذه الدنيا ، ليكون ذلك تهديدا للمشركين. ثمّ تخلص السورة في خاتمتها إلى ذكر بعض النعم الإلهية.

لقد أشرنا فيما مضى إلى أنّ تسمية السورة بـ «المؤمن» يعود إلى اختصاص قسم منها بالحديث عن «مؤمن آل فرعون». أما تسميتها بـ «غافر» فيعود إلى كون هذه الكلمة هي بداية الآية الثّالثة من آيات السورة المباركة.

فضيلة تلاوة السورة :

في سلسلة الرّوايات الإسلامية المروية عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، نرى كلاما واسعا من فضل تلاوة سور «الحواميم» وبالأخص سورة «غافر» منها.

ففي بعض هذه الأحاديث نقرأ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله : «الحواميم تاج

١٧٥

القرآن»(١) .

وعن ابن عباس ممّا يحتمل نقله عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام قال : «لكل شيء لباب ولباب القرآن الحواميم»(٢) .

وفي حديث عن الإمام الصادق نقرأ قولهعليه‌السلام : «الحواميم ريحان القرآن ، فحمدوا الله واشكروه بحفظها وتلاوتها ، وإنّ العبد ليقوم يقرأ الحواميم فيخرج من فيه أطيب من المسك الأذفر والعنبر ، وإنّ الله ليرحم تاليها وقارئها ، ويرحم جيرانه وأصدقاءه ومعارفه وكلّ حميم أو قريب له ، وإنّه في القيامة يستغفر له العرش والكرسي وملائكة الله المقربون»(٣) .

وفي حديث آخر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحواميم سبع ، وأبواب جهنّم سبع ، تجيء كلّ «حاميم» منها فتقف على باب من هذه الأبواب تقول : الّلهم لا تدخل من هذا الباب من كان يؤمن بي ويقرأني»(٤) .

وفي قسم من حديث مروي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من قرأ «حاميم المؤمن» لم يبق روح نبيّ ولا صديق ولا مؤمن إلّا صلّوا عليه واستغفروا له»(٥) .

ومن الواضح أنّ هذه الفضائل الجزيلة ترتبط بالمحتوى الثمين للحواميم ، هذا المحتوى الذي إذا واظب الإنسان على تطبيقه في حياته والعمل به ، والالتزام بما يستلزمه من مواقف وسلوك ، فإنّه سيكون مستحقا للثواب العظيم والفضائل الكريمة التي قرأناها.

وإذا كانت الرّوايات تتحدث عن فضل التلاوة ، فإنّ التلاوة المعنية هي التي

__________________

(١) هذه الأحاديث في مجمع البيان في بداية تفسير سورة المؤمن.

(٢) المصدر السابق

(٣) مجمع البيان أثناء تفسير السورة

(٤) البيهقي طبقا لما نقله عنه الآلوسي في روح المعاني ، المجلد ٢٤ ، صفحة ٣٦.

(٥) مجمع البيان في مقدمة تفسير السورة.

١٧٦

تكون مقدمة للاعتقاد الصحيح ، فيما يكون الإعتقاد الصحيح مقدمة للعمل الصحيح. إذا التلاوة المعنية هي تلاوة الإيمان والعمل ، وقد رأينا في واحد من الأحاديث ـ الآنفة الذكر – المنقولة عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تعبير «من كان يؤمن بي ويقرأني».

* * *

١٧٧

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣) )

التّفسير

صفات تبعث الأمل في النفوس :

تواجهنا في مطلع السورة الحروف المقطعة وهي هنا من نوع جديد لم نعهده في السور السابقة ، حيث افتتحت السورة بـ «جاء» و «ميم».

وبالنسبة للحروف المقطعة في مطلع السور كانت لنا بحوث كثيرة في معانيها ودلالاتها ، تعرضنا إليها أثناء الحديث عن بداية سورة «البقرة» ، وسورة «آل عمران» و «الأعراف» وسور اخرى.

الشيء الذي تضيفه هنا ، هو أنّ الحروف التي تبدأ به سورة المؤمن التي نحن الآن بصددها ، تشير ـ كما يستفاد ذلك من بعض الرّوايات ومن آراء المفسّرين ـ إلى أسماء الله التي تبدأ بحروف هذه السورة ، أي «حميد» و «مجيد» كما ورد ذلك

١٧٨

عن الامام الصادقعليه‌السلام (١) .

البعض الآخر ذهب إلى أنّ «ح» إشارة إلى أسمائه تعالى مثل «حميد» و «حليم» و «حنان» ، بينما «م» إشارة إلى «ملك» و «مالك» و «مجيد».

وهناك احتمال في أن حرف «الحاء» يشير إلى الحاكمية ، فيما يشير حرف «الميم» إلى المالكية الإلهية.

عن ابن عباس ، نقل القرطبي «في تفسيره» أن «حم» من أسماء الله العظمى(٢) .

ويتّضح في نهاية الفقرة أنّ ليس ثمّة من تناقض بين الآراء والتفاسير الآنفة الذكر ، بل هي تعمد جميعا إلى تفسير الحروف المقطعة بمعنى واحد.

في الآية الثّانية ـ كما جرى على ذلك الأسلوب القرآني ـ حديث عن عظمة القرآن ، وإشارة إلى أنّ هذا القرآن بكل ما ينطوي عليه من عظمة وإعجاز وتحدّ ، إنّما يتشكّل في مادته الخام من حروف الألف باء وهنا يمكن معنى الإعجاز.

يقول تعالى :( تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) .

إنّ قدرته تعالى تعجز الأشياء الأخرى عن الوقوف إزاءه ، فقدرته ماضية في كل شيء ، وعزته مبسوطة ، أمّا علمه تعالى فهو في أعلى درجات الكمال ، بحيث يستوعب كلّ احتياجات الإنسان ويدفعه نحو التكامل.

والآية التي بعدها تعدّد خمسا من صفاته تعالى ، يبعث بعضها الأمل والرجاء ، بينما يبعث البعض الآخر منها على الخوف والحذر.

ويقول تعالى :( غافِرِ الذَّنْبِ ) .

( قابِلِ التَّوْبِ ) (٣) .

__________________

(١) يلاحظ «معاني الأخبار» للشيخ الصدوق ، صفحة ٢٢ ، باب معنى الحروف المقطعة في أوائل السور.

(٢) تفسير القرطبي أثناء تفسير الآية.

(٣) «توب» يمكن أن تكون جمع «توبة» وأن تكون مصدرا (يلاحظ مجمع البيان).

١٧٩

( شَدِيدِ الْعِقابِ ) .

( ذِي الطَّوْلِ ) (١) .

( لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) .

أجل إنّ من له هذه الصفات هو المستحق للعبادة وهو الذي يملك الجزاء في العقاب والثواب.

* * *

ملاحظات

تنطوي الآيات الثلاث الآنفة الذكر على مجموعة من الملاحظات ، نقف عليها من خلال النقاط الآتية :

أولا : في الآيات أعلاه (آية ٢ و ٣) بعد ذكر الله وقبل ذكر المعاد( إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) اشتملت الآيتان على ذكر سبع صفات للذات الإلهية ، بعضها من «صفات الذات» والبعض الآخر منها من «صفات الفعل» التي انطوت على إشارات للتوحيد والقدرة والرحمة والغضب ، ثمّ ذكرت «عزيز» و «عليم» وجعلتهما بمثابة القاعدة التي نزل الكتاب الإلهي (القرآن) على أساسهما.

أمّا صفات «غافر الذنب» و «قابل التوب» و «شديد العقاب» و «ذي الطول» فهي بمثابة المقدمات اللازمة لتربية النفوس وتطويعها لعبادة الواحدة الأحد.

ثانيا : ابتدأت الصفات الآنفة الذكر بصفة «غافر الذنب» أوّلا و «ذي الطول» أخيرا ، أي صاحب النعمة والفضل كصفة أخيرة. وفي موقع وسط جاءت صفة «شديد العقاب» وهكذا ذكرت الآية الغضب الإلهي بين رحمتين. ثمّ إنّنا نلاحظ أنّ

__________________

(١) «طول» على وزن «قول» بمعنى النعمة والفضل ، وبمعنى القدرة والقوة والمكنة وما يشبه ذلك. بعض المفسّرين يقول : إنّ «ذي الطول» هو الذي يبذل النعم الطويلة والجزيلة للآخرين ، ولذلك فإن معناها أخص من معنى «المنعم» كما يقول صاحب مجمع البيان.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

مرساها مبالغة في إخفائها و تأييداً لكونها مباغتة مفاجئة، و قد كثر ذكرها في كلامه و لم يذكر في شي‏ء منه لها فاعل بل كان التعبير مثل آتية( تأتيهم) ( قائمة) ( تقوم) و نحو ذلك.

و أمّا المظروف و هو إحياء الموتى من الإنسان فهو المذكور في قوله:( وَ أَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) .

فإن قلت: الحجّة المذكورة تنتج البعث لجميع الأشياء لا للإنسان فحسب لأنّ الفعل بلا غاية لغو باطل سواء كان هو الإنسان أو غيره لكنّ الآية تكتفي بالإنسان فقط.

قلت: قصر الآية النتيجة في الإنسان فقط لا ينافي ثبوت نظير الحكم في غيره لكنّ الّذي تمسّه الحاجة في المقام بعث الإنسان على أنّه يمكن أن يقال: أنّ نفي المعاد عن الأشياء غير الإنسان لا يستلزم كون فعلها باطلاً منه تعالى لأنّها مخلوقة لأجل الإنسان فهو الغاية لخلقها و البعث غاية لخلق الإنسان.

هذا ما يعطيه التدبّر في سياق الآيات الثلاث و عرضها على سائر الآيات المتعرّضة لإثبات المعاد على تفنّنها، و به يظهر وجه الاكتفاء من النتائج المترتّبة عليها بهذه النتائج المعدودة بحسب المترائي من اللفظ خمساً و هي في الحقيقة ثلاث موضوعة في الآية الثانية مستخرجة من الاُولى، و واحدة موضوعة في الآية الثالثة مستخرجة من الثلاث الموضوعة في الثانية.

و به يندفع أيضاً شبهة التكرار المتوهّم من قوله: وَ( أَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى‏ ) ( وَ أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ ) ( وَ أَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) إلى غير ذلك.

و للقوم في تفسير الآيات الثلاث و تقرير حجّتها وجوه كثيرة مختلفة لا ترجع إلى جدوى و قد أضافوا في جميعها إلى حجّة الآية مقدّمات أجنبيّة تختلّ بها سلاسة النظم و استقامة الحجّة، و قد طوينا ذكرها فمن أراد الوقوف عليها فليراجع مطوّلات التفاسير.

قوله تعالى: ( وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ لا هُدىً وَ لا كِتابٍ

٣٨١

مُنِيرٍ ) صنف آخر من الناس المعرضين عن الحقّ، قال في كشف الكشّاف، على ما نقل: إنّ الأظهر في النظم و الأوفق للمقام أنّ هذه الآية في المقلّدين بفتح اللّام و الآية السابقة:( وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ - إلى قوله -مَرِيدٍ ) في المقلّدين بكسر اللّام انتهى محصّلاً.

و هو كذلك بدليل قوله هنا ذيلاً:( لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) و قوله هناك:( وَ يَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ ) و الإضلال من شأن المقلّد بفتح اللّام و الاتّباع من شأن المقلّد بكسر اللّام.

و الترديد في الآية بين العلم و الهدى و الكتاب مع كون كلّ من العلم و الهدى يعمّ الآخرين دليل على أنّ المراد بالعلم علم خاصّ و بالهدى هدى خاصّ فقيل: إنّ المراد بالعلم العلم الضروريّ و بالهدى الاستدلال و النظر الصحيح الهادي إلى المعرفة و بالكتاب المنير الوحي السماويّ المظهر للحقّ.

و فيه أنّ تقييد العلم بالضروريّ و هو البديهيّ لا دليل عليه. على أنّ الجدال سواء كان المراد به مطلق الإصرار في البحث أو الجدل المصطلح و هو القياس المؤلّف من المشهورات و المسلّمات من طرق الاستدلال و لا استدلال على ضروريّ البتّة.

و يمكن أن يكون المراد بالعلم ما تفيده الحجّة العقليّة، و بالهدى ما تفيضه الهداية الإلهيّة لمن أخلص لله في عبادته و عبوديّته فاستنار قلبه بنور معرفته أو بالعكس بوجه و بالكتاب المنير الوحي الإلهيّ من طريق النبوّة، و تلك طرق ثلاث إلى مطلق العلم: العقل و البصر و السمع و قد أشار تعالى إليها في قوله:( وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا ) إسراء: ٣٦ و الله أعلم.

قوله تعالى: ( ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) إلى آخر الآية، الثني الكسر و العطف بكسر العين الجانب، و ثني العطف كناية عن الإعراض كأنّ المعرض يكسر أحد جانبيه على الآخر.

٣٨٢

و قوله:( لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) متعلّق بقوله:( يُجادِلُ ) و اللّام للتعليل أي يجادل في الله بجهل منه مظهر للإعراض و الاستكبار ليتوصّل بذلك إلى إضلال الناس و هؤلاء هم الرؤساء المتبوعون من المشركين.

و قوله:( لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَ نُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ ) تهديد بالخزي - و هو الهوان و الذلّة و الفضيحة - في الدنيا، و إلى ذلك آل أمر صناديد قريش و أكابر مشركي مكّة، و إيعاد بالعذاب في الآخرة.

قوله تعالى: ( ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَ أَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) إشارة إلى ما تقدّم في الآية السابقة من الإيعاد بالخزي و العذاب، و الباء في( بِما قَدَّمَتْ ) للمقابلة كقولنا: بعت هذا بهذا أو للسببيّة أي إنّ الّذي تشاهده من الخزي و العذاب جزاء ما قدّمت يداك أو بسبب ما قدّمت يداك من المجادلة في الله بغير علم و لا هدى و لا كتاب معرضاً مستكبراً لإضلال الناس و في الكلام التفات من الغيبة إلى الخطاب لتسجيل اللوم و العتاب.

و قوله:( وَ أَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) معطوف على( بِما قَدَّمَتْ ) أي ذلك لأنّ الله لا يظلم عباده بل يعامل كلّا منهم بما يستحقّه بعمله و يعطيه ما يسأله بلسان حاله.

قوله تعالى: ( وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى‏ حَرْفٍ ) إلى آخر الآية الحرف و الطرف و الجانب بمعنى، و الاطمئنان: الاستقرار و السكون، و الفتنة - كما قيل - المحنة و الانقلاب الرجوع.

و هذا صنف آخر من الناس غير المؤمنين الصالحين و هو الّذي يعبد الله سبحانه بانياً عبادته على جانب واحد دون كلّ جانب و على تقدير الله على كلّ تقدير و هو جانب الخير و لازمه استخدام الدين للدنيا فإن أصابه خير استقرّ بسبب ذلك الخير على عبادة الله و اطمأنّ إليها، و إن أصابته فتنة و محنة انقلب و رجع على وجهه من غير أن يلتفت يميناً و شمالاً و ارتدّ عن دينه تشؤماً من الدين أو رجاء أن ينجو بذلك من المحنة و المهلكة و كان ذلك دأبهم في عبادتهم الأصنام فكانوا يعبدونها لينالوا بذلك الخير أو

٣٨٣

ينجو من الشرّ بشفاعتهم في الدنيا و أمّا الآخرة فما كانوا يقولون بها فهذا المذبذب المنقلب على وجهه خسر الدنيا بوقوعه في المحنة و المهلكة، و خسر الآخرة بانقلابه عن الدين على وجهه و ارتداده و كفره ذلك هو الخسران المبين.

هذا ما يعطيه التدبّر في معنى الآية، و عليه فقوله:( يَعْبُدُ اللهَ عَلى‏ حَرْفٍ ) من قبيل الاستعارة بالكناية، و قوله:( فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ ) إلخ. تفسير لقوله:( يَعْبُدُ اللهَ عَلى‏ حَرْفٍ ) و تفصيل له، و قوله:( خَسِرَ الدُّنْيا ) أي بإصابة الفتنة، و قوله:( وَ الْآخِرَةَ ) أي بانقلابه على وجهه.

قوله تعالى: ( يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَ ما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ ) المدعوّ هو الصنم فإنّه لفقده الشعور و الإرادة لا يتوجّه منه إلى عابده نفع أو ضرر و الّذي يصيب عابده من ضرر و خسران فإنّما يصيبه من ناحية العبادة الّتي هي فعل له منسوب إليه.

قوله تعالى: ( يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى‏ وَ لَبِئْسَ الْعَشِيرُ ) المولى الولي الناصر، و العشير الصاحب المعاشر.

ذكروا في تركيب جمل الآية أنّ( يَدْعُوا ) بمعنى يقول، و قوله:( لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ ) إلخ. مقول القول، و( لَمَنْ ) مبتدأ دخلت عليه لام الابتداء و هو موصول صلته( ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ ) . و قوله:( لَبِئْسَ الْمَوْلى‏ وَ لَبِئْسَ الْعَشِيرُ ) جواب قسم محذوف و هو قائم مقام الخبر دالّ عليه.

و المعنى: يقول هذا الّذي يعبد الأصنام يوم القيامة واصفاً لصنمه الّذي اتّخذه مولى و عشيرا، الصنم الّذي ضرّه أقرب من نفعه مولى سوء و عشير سوء اُقسم لبئس المولى و لبئس العشير.

و إنّما يعدّ ضرّه أقرب من نفعه لما يشاهد يوم القيامة ما تستتبعه عبادته له من العذاب الخالد و الهلاك المؤبّد.

قوله تعالى: ( إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ) إلخ. لمّا ذكر الأصناف الثلاثة من الكفّار و هم الأئمّة المتبوعون

٣٨٤

المجادلون في الله بغير علم و المقلّدة التابعون لكلّ شيطان مريد المجادلون كأئمّتهم و المذبذبون العابدون لله على حرف، و وصفهم بالضلال و الخسران قابلهم بهذا الصنف من الناس و هم الّذين آمنوا و عملوا الصالحات و وصفهم بكريم المثوى و حسن المنقلب و أنّ الله يريد بهم ذلك.

و ذكر هؤلاء الأصناف كالتوطئة لما سيذكر من القضاء بينهم و بيان حالهم تفصيلاً.

قوله تعالى: ( مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ ) قال في المجمع: السبب كلّ ما يتوصّل به إلى الشي‏ء و منه قيل للحبل سبب و للطريق سبب و للباب سبب انتهى و المراد بالسبب في الآية الحبل، و القطع معروف و من معانيه الاختناق يقال: قطع أي اختنق و كأنّه مأخوذ من قطع النفس.

قالوا: إنّ الضمير في( لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ ) للنبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) و ذلك أنّ مشركي مكّة كانوا يظنّون أنّ الّذي جاء به النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) من الدين اُحدوثة كاذبة لا تبتني على أصل عريق فلا يرتفع ذكره، و لا ينتشر دينه، و ليس له عند الله منزلة حتّى إذا هاجر (صلّي الله عليه وآله وسلّم) إلى المدينة فنصره الله سبحانه فبسط دينه و رفع ذكره غاظهم ذلك غيظاً شديداً فقرّعهم الله سبحانه بهذه الآية و أشار بها إلى أنّ الله ناصره و لن يذهب غيظهم و لو خنقوا أنفسهم فلن يؤثّر كيدهم أثراً.

و المعنى: من كان يظنّ من المشركين أن لن ينصر الله تعالى نبيّه (صلّي الله عليه وآله وسلّم) في الدنيا برفع الذكر و بسط الدين و في الآخرة بالمغفرة و الرحمة له و للمؤمنين به ثمّ غاظه ما يشاهده اليوم من نصر الله له فليمدد بحبل إلى السماء - كأن يربط طرف الحبل على جذع عال و نحوه - ثمّ ليختنق به فلينظر هل يذهبنّ كيده و حيلته هذا ما يغيظ أي غيظة.

و هذا معنى حسن يؤيّده سياق الآيات السابقة و ما استفدناه سابقاً من نزول السورة بعد الهجرة بقليل و مشركوا مكّة بعد على قدرتهم و شوكتهم.

٣٨٥

و ذكر بعضهم: أنّ ضمير( لَنْ يَنْصُرَهُ ) عائد إلى( مَنْ ) و معنى القطع قطع المسافة و المراد بمدّ سبب إلى السماء الصعود عليها لإبطال حكم الله، و المعنى من كان يظنّ أن لن ينصره الله في الدنيا و الآخرة فليصعد السماء بسبب يمدّه ثمّ ليقطع المسافة و لينظر هل يذهب كيده ما يغيظه من حكم.

و لعلّ هؤلاء يعنون أنّ المراد بالآية أنّ من الواجب على الإنسان أن يرجو ربّه في دنياه و آخرته و إن لم يرجه و ظنّ أن لن ينصره الله فيهما و غاظه ذلك فليكد ما يكيد فإنّه لا ينفعه.

و ذكر آخرون أنّ الضمير للموصول كما في القول السابق، و المراد بالنصر الرزق كما يقال: أرض منصورة أي ممطورة و المعنى كما في القول الأوّل.

و هذا أقرب إلى الاعتبار من سابقه و أحسن لكن يرد على الوجهين جميعاً لزوم انقطاع الآية عمّا قبلها من الآيات. على أنّ الأنسب على هذين الوجهين في التعبير أن يقال: من ظنّ أن لن ينصره الله إلخ. لا أن يقال:( من كان يظنّ) الظاهر في استمرار الظنّ منه في الماضي فإنّه يؤيّد القول الأوّل.

قوله تعالى: ( وَ كَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَ أَنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ ) قد تقدّم مراراً أنّ هذا من تشبيه الكلّيّ بفرده بدعوى البينونة للدلالة على أنّ ما في الفرد من الحكم جار في باقي أفراده كمن يشير إلى زيد و عمرو و هما يتكلّمان و يمشيان على قدميهما و يقول كذلك يكون الإنسان أي حكم التكلّم و المشي على القدمين جار في جميع الأفراد فمعنى قوله:( وَ كَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ ) أنزلنا القرآن و هو آيات واضحة الدلالات كما في الآيات السابقة من هذه السورة.

و قوله:( وَ أَنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ ) خبر لمبتدء محذوف أي و الأمر أنّ الله يهدي من يريد و أمّا من لم يرد أن يهديه فلا هادي له فمجرّد كون الآيات بيّنات لا يكفي في هداية من سمعها أو تأمّل فيها ما لم يرد الله هدايته.

و قيل: الجملة معطوفة على ضمير( أَنْزَلْناهُ ) و التقدير و كذلك أنزلنا أنّ الله يهدي من يريد، و الوجه الأوّل أوضح اتّصالاً بأوّل الآية و هو ظاهر.

٣٨٦

( بحث روائي)

في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( وَ يَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ ) قال: المريد الخبيث.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي حاتم عن أبي زيد: في قوله:( وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) قال نزلت في النضر بن الحارث.

أقول: و رواه أيضاً عن ابن جرير و ابن المنذر عن ابن جريح و الظاهر أنّه من التطبيق كما هو دأبهم في غالب الروايات المتعرّضة لأسباب النزول، و على ذلك فالقول بنزول الآية الآتية:( وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ لا هُدىً ) الآية فيه كما نقل عن مجاهد أولى من القول بنزول هذه الآية فيه لأنّ الرجل من معاريف القوم و هذه الآية كما تقدّم في الاتباع و الآية الاُخرى في المتبوعين.

و في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( مُخَلَّقَةٍ وَ غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ) قال: المخلّقة إذا صارت تامّاً و( غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ) قال: السقط.

و في الدرّ المنثور، أخرج أحمد و البخاريّ و مسلم و أبوداود و الترمذيّ و النسائيّ و ابن ماجة و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و البيهقيّ في شعب الإيمان، عن عبدالله بن مسعود قال: حدّثنا رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم) و هو الصادق المصدق إنّ أحدكم يجمع خلقه في بطن اُمّه أربعين يوماً نطفة ثمّ يكون علقة مثل ذلك ثمّ يكون مضغة مثل ذلك ثمّ يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح و يؤمر بأربع كلمات يكتب رزقه و أجله و عمله و شقيّ أو سعيد.

فو الّذي لا إله غيره إنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنّة حتّى ما يكون بينه و بينها إلّا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها و إنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتّى ما يكون بينه و بينها إلّا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنّة فيدخلها.

أقول: و الرواية مرويّة بطرق اُخرى عنه و عن ابن عبّاس و أنس و حذيفة

٣٨٧

بن أسيد.

و في متونها بعض الاختلاف، و في بعضها - و هو ما رواه ابن جرير عن ابن مسعود - يقال للملك: انطلق إلى اُمّ الكتاب فاستنسخ منه صفة هذه النطفة فينطلق فينسخها فلا يزال معه حتّى يأتي على آخر صفتها، الحديث.

و قد ورد من طرق الشيعة عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) ما يقرب من ذلك كما في قرب الأسناد للحميريّ عن أحمد بن محمّد عن أحمد بن أبي نصر عن الرضا (عليه السلام) و فيه: فإذا تمّت الأربعة الأشهر بعث الله تبارك و تعالى إليها ملكين خلّاقين يصوّرانه و يكتبان رزقه و أجله و شقيّاً أو سعيداً. الحديث.

و قد قدّمنا في تفسير أوّل سورة آل عمران‏ حديث الكافي عن الباقر (عليه السلام) في تصوير الجنين و كتابة ما قدّر له و فيه: أنّ الملكين يكتبان جميع ما قدّر له عن لوح يقرع جبهة اُمّه فيكتبان جميع ما في اللوح و يشترطان البداء فيما يكتبان‏، الحديث و في معناه غيره.

و مقتضى هذا الحديث و ما في معناه جواز التغيّر فيما كتب للولد من كتابة كما أنّ مقتضى ما تقدّم خلافه لكن لا تنافي بين المدلولين فإنّ لكلّ شي‏ء و منها الإنسان نصيباً في اللوح المحفوظ الّذي لا سبيل للتغيّر و التبدّل إلى ما كتب فيه و نصيباً من لوح المحو و الإثبات الّذي يقبل التغيّر و التبدّل فالقضاء قضاءان محتوم و غير محتوم، قال تعالى:( يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ) الرعد: ٣٩.

و قد تقدّم الكلام في معنى القضاء و اتّضح به أنّ لوح القضاء كائناً ما كان ينطبق على نظام العلّيّة و المعلوليّة و ينحلّ إلى سلسلتين: سلسلة العلل التامّة و معلولاتها و لا تقبل تغييراً و سلسلة العلل الناقصة مع معاليلها و هي القابلة و كأنّ الصنف الأوّل من الروايات يشير إلى ما يقضى للجنين من قضاء محتوم و الثاني إلى غيره و قد بيّنّا أيضاً فيما تقدّم أنّ حتميّة القضاء لفعل العبد لا تنافي اختياريّة الفعل فتذكّر.

و في الكافي بإسناده عن سلام بن المستنير قال: سألت أباجعفر (عليه السلام) عن قول الله عزّوجلّ:( مُخَلَّقَةٍ وَ غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ) قال: المخلّقة هم الذرّ الّذين خلقهم الله في صلب

٣٨٨

آدم صلّي الله عليه ، أخذ عليهم الميثاق ثمّ أجراهم في أصلاب الرجال و أرحام النساء و هم الّذين يخرجون إلى الدنيا حتّى يسألوا عن الميثاق. و أمّا قوله:( وَ غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ) فهم كلّ نسمة لم يخلقهم الله عزّوجلّ في صلب آدم حين خلق الذرّ و أخذ عليهم الميثاق، و هم النطف من العزل و السقط قبل أن ينفخ فيه الروح و الحياة و البقاء.

أقول: و قد تقدّم توضيح معنى الحديث في البحث الروائيّ المتعلّق بآية الذرّ في سورة الأعراف.

و في تفسير القمّيّ، بإسناده عن عليّ بن المغيرة عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما السلام) قال: إذا بلغ العبد مائة سنة فذلك أرذل العمر.

أقول: و قد تقدّم بعض الروايات في هذا المعنى في تفسير سورة النحل في ذيل الآية ٧٠.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي حاتم و ابن مردويه بسند صحيح عن ابن عبّاس قال: كان ناس من الأعراب يأتون النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) فيسلمون فإذا رجعوا إلى بلادهم فإن وجدوا عام غيث و عام خصب و عام ولاد حسن قالوا: إنّ ديننا هذا صالح فتمسّكوا به، و إن وجدوا عام جدب و عام ولاد سوء و عام قحط قالوا: ما في ديننا هذا خير فأنزل الله:( وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى‏ حَرْفٍ ) .

أقول: و هذا المعنى مرويّ عنه أيضاً بغير هذا الطريق.

و في الكافي، بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله عزّوجلّ:( وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى‏ حَرْفٍ ) قال: نعم قوم وحّدوا الله و خلعوا عبادة من يعبد من دون الله فخرجوا من الشرك و لم يعرفوا أنّ محمّداً (صلّي الله عليه وآله وسلّم) رسول الله فهم يعبدون الله على شكّ في محمّد و ما جاء به فأتوا رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم) و قالوا: ننظر فإن كثرت أموالنا و عوفينا في أنفسنا و أولادنا علمنا أنّه صادق و أنّه رسول الله: و إن كان غير ذلك نظرنا.

قال الله عزّوجلّ:( فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ) يعني عافية في الدنيا( وَ إِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ ) يعني بلاء في نفسه( انْقَلَبَ عَلى‏ وَجْهِهِ ) انقلب على شكّه إلى الشرك

٣٨٩

( خَسِرَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَ ما لا يَنْفَعُهُ ) قال: ينقلب مشركاً يدعو غير الله و يعبد غيره. الحديث.

أقول: و رواه الصدوق في التوحيد، باختلاف يسير.

و في الدرّ المنثور، أخرج الفاريابيّ و عبد بن حميد و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و الحاكم و صحّحه و ابن مردويه عن ابن عبّاس: في قوله:( مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ ) قال: من كان يظنّ أن لن ينصر الله محمّداً في الدنيا و الآخرة( فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ ) قال: فليربط حبلا( إِلَى السَّماءِ ) قال: إلى سماء بيته السقف( ثُمَّ لْيَقْطَعْ ) قال ثمّ يختنق به حتّى يموت.

أقول: هو و إن كان تفسيراً منه لكنّه في معنى سبب النزول و لذلك أوردناه.

٣٩٠

( سورة الحجّ الآيات ١٧ - ٢٤)

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ( ١٧ ) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ( ١٨ ) هَٰذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ ( ١٩ ) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ ( ٢٠ ) وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ ( ٢١ ) كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ( ٢٢ ) إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ( ٢٣ ) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَاطِ الْحَمِيدِ ( ٢٤ )

( بيان)

بعد ما ذكر في الآيات السابقة اختلاف الناس و اختصامهم في الله سبحانه بين تابع ضالّ يجادل في الله بغير علم، و متبوع مضلّ يجادل في الله بغير علم و مذبذب يعبد الله على حرف، و الّذين آمنوا بالله و عملوا الصالحات، ذكر في هذه الآيات أنّ

٣٩١

الله شهيد عليهم و سيفصل بينهم يوم القيامة و هم خاضعون مقهورون له ساجدون قبال عظمته و كبريائه حقيقة و إن كان بعضهم يأبى عن السجود له ظاهراً و هم الّذين حقّ عليهم العذاب. ثمّ ذكر أجر المؤمنين و جزاء غيرهم بعد فصل القضاء يوم القيامة.

قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هادُوا وَ الصَّابِئِينَ وَ النَّصارى‏ وَ الْمَجُوسَ وَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ) إلخ. المراد بالّذين آمنوا بقرينة المقابلة هم الّذين آمنوا بمحمّد (صلّي الله عليه وآله وسلّم) و كتابهم القرآن.

و الّذين هادوا هم المؤمنين بموسى من قبله من الرسل الواقفون فيه و كتابهم التوراة و قد أحرقها بخت نصّر ملك بابل حينما استولى عليهم في أواسط القرن السابع قبل المسيح فافتقدوها برهة ثمّ جدّد كتابتها لهم عزراء الكاهن في أوائل القرن السادس قبل المسيح حينما فتح كورش ملك إيران بابل و تخلّص بنو إسرائيل من الإسارة و رجعوا إلى الأرض المقدّسة.

و الصابئون ليس المراد بهم عبدة الكواكب من الوثنيّة بدليل ما في الآية من المقابلة بينهم و بين الّذين أشركوا بل هم - على ما قيل - قوم متوسّطون بين اليهوديّة و المجوسيّة و لهم كتاب ينسبونه إلى يحيى بن زكريّا النبيّ و يسمّى الواحد منهم اليوم عند العامّة( صبّيّ) و قد تقدّم لهم ذكر في ذيل قوله:( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هادُوا وَ النَّصارى‏ وَ الصَّابِئِينَ ) البقرة: ٦٢.

و النصارى هم المؤمنون بالمسيح عيسى بن مريم (عليه السلام) و من قبله من الأنبياء و كتبهم المقدّسة الأناجيل الأربعة للوقا و مرقس و متّى و يوحنّا و كتب العهد القديم على ما اعتبرته و قدّسته الكنيسة لكنّ القرآن يذكر أنّ كتابهم الإنجيل النازل على عيسى (عليه السلام).

و المجوس المعروف أنّهم المؤمنون بزرتشت و كتابهم المقدّس( أوستا) غير أنّ تاريخ حياته و زمان ظهوره مبهم جدّاً كالمنقطع خبره و قد افتقدوا الكتاب باستيلاء إسكندر على إيران ثمّ جدّدت كتابته في زمن ملوك ساسان فأشكل بذلك

٣٩٢

الحصول على حاقّ مذهبهم و المسلّم أنّهم يثبتون لتدبير العالم مبدأين مبدء الخير و مبدء الشرّ - يزدان و أهريمن أو النور و الظلمة و يقدّسون الملائكة و يتقرّبون إليهم من غير أن يتّخذوا لهم أصناماً كالوثنيّة، و يقدّسون البسائط العنصريّة و خاصّة النار و كانت لهم بيوت نيران بإيران و الصين و الهند و غيرها و ينهون الجميع إلى( أهورا مزدا) موجد الكلّ.

و الّذين أشركوا هم الوثنيّة عبدة الأصنام و اُصول مذاهبهم ثلاثة: الوثنيّة الصابئة، و البرهمانية، و البوذيّة، و قد كان هناك أقوام آخرون يعبدون من الأصنام ما شاؤا كما شاؤا من غير أن يبنوه على أصل منظّم كعرب الحجاز و طوائف في أطراف المعمورة و قد تقدّم تفصيل القول فيهم في الجزء العاشر من الكتاب.

و قوله:( إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ) المراد به فصل القضاء فيما اختلف فيه أصحاب هذه المذاهب و اختصموا فينفصل المحقّ منهم و يتميّز من المبطل انفصالاً و تميّزاً لا يستره ساتر و لا يحجبه حاجب.

و تكرار إنّ في الآية للتأكيد دعا إلى ذلك طول الفصل بين( إِنَّ ) في صدر الآية و بين خبرها و نظيره ما في قوله:( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَ صَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) النحل: ١١٠، و قوله:( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَ أَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) النحل: ١١٩.

و قوله:( إِنَّ اللهَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ شَهِيدٌ ) تعليل للفصل أنّه فصل بالحقّ.

قوله تعالى: ( أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ وَ الْجِبالُ وَ الشَّجَرُ وَ الدَّوَابُّ ) إلى آخر الآية، الظاهر أنّ الخطاب لكلّ من يرى و يصلح لأنّ يخاطب، و المراد بالرؤية العلم، و يمكن أن يختصّ بالنبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) و يكون المراد بالرؤية الرؤية القلبيّة كما قال فيه:( ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى‏ أَ فَتُمارُونَهُ عَلى‏ ما يَرى‏ ) النجم: ١٢.

و تعميم السجدة لمثل الشمس و القمر و النجوم و الجبال من غير اُولي العقل

٣٩٣

دليل على أنّ المراد بها السجدة التكوينيّة و هي التذلّل و الصغار قبال عزّته و كبريائه تعالى و تحت قهره و سلطنته، و لازمه أن يكون( مَنْ فِي الْأَرْضِ ) شاملاً لنوع الإنسان من مؤمن و كافر إذ لا استثناء في السجدة التكوينيّة و التذلّل الوجوديّ.

و عدم ذكر نفس السماوات و الأرض في جملة الساجدين مع شمول الحكم لهما في الواقع يعطي أنّ معنى الكلام: أنّ المخلوقات العلويّة و السفليّة من ذي عقل و غير ذي عقل ساجدة لله متذلّلة في وجودها تجاه عزّته و كبريائه، و لا تزال تسجد له تعالى سجوداً تكوينيّاً اضطراريّاً.

و قوله:( وَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ) عطف على( مَنْ فِي السَّماواتِ ) إلخ. أي و يسجد له كثير من الناس، و إسناد السجود إلى كثير من الناس بعد شموله في الجملة السابقة لجميعهم دليل على أنّ المراد بهذا السجود نوع آخر من السجود غير السابق و إن كانا مشتركين في أصل معنى التذلّل، و هذا النوع هو السجود التشريعيّ الاختياريّ بالخرور على الأرض تمثيلاً للسجود و التذلّل التكوينيّ الاضطراريّ و إظهاراً لمعنى العبوديّة.

و قوله:( وَ كَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ ) المقابلة بينه و بين سابقه يعطي أنّ معناه و كثير منهم يأبى عن السجود، و قد وضع موضعه ما هو أثره اللّازم المترتّب عليه و هو ثبوت العذاب على من استكبر على الله و أبى أن يخضع له تعالى، و إنّما وضع ثبوت العذاب موضع الإباء عن السجدة للدلالة على أنّه هو عملهم يردّ إليهم، و ليكون تمهيداً لقوله تلواً:( وَ مَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ ) الدالّ على أنّ ثبوت العذاب لهم إثر إبائهم عن السجود هوان و خزي يتّصل بهم ليس بعده كرامة و خير.

فإباؤهم عن السجود يستتبع بمشيّة الله تعالى ثبوت العذاب لهم و هو إهانة ليس بعده إكرام أبداً إذ الخير كلّه بيد الله كما قال،( بِيَدِكَ الْخَيْرُ ) آل عمران: ٢٦ فإذا منعه أحداً لم يكن هناك من يعطيه غيره.

و قوله:( إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ ) كناية عن عموم القدرة و تعليل لما تقدّمه من حديث إثباته العذاب للمستكبرين عن السجود له و إهانتهم إهانة لا

٣٩٤

إكرام بعده.

فالمعنى - و الله أعلم - أنّ الله يميّز يوم القيامة بين المختلفين فإنّك تعلم أنّ الموجودات العلويّة و السفليّة يخضعون و يتذلّلون له تكويناً لكنّ الناس بين من يظهر في مقام العبوديّة الخضوع و التذلّل له و بين من يستكبر عن ذلك و هؤلاء هم الّذين حقّ عليهم العذاب و أهانهم الله إهانة لا إكرام بعده و هو قادر على ما يشاء فعّال لما يريد، و من هنا يظهر أنّ للآية اتّصالاً بما قبلها.

قوله تعالى: ( هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ ) الإشارة بقوله:( هذانِ ) إلى القبيلين اللّذين دلّ عليهما قوله سابقاً:( إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ) و قوله بعده:( وَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَ كَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ ) .

و يعلم من حصر المختلفين على كثرة أديانهم و مذاهبهم في خصمين اثنين أنّهم جميعاً منقسمون إلى محقّ و مبطل إذ لو لا الحقّ و الباطل لم ينحصر الملل و النحل على تشتّتها في اثنين البتّة، و المحقّ و المبطل هما المؤمن بالحقّ و الكافر به فهذه الطوائف على تشتّت أقوالهم ينحصرون في خصمين اثنين و على انحصارهم في خصمين اثنين لهم أقوال مختلفة فوق اثنين فما أحسن تعبيره بقوله:( خَصْمانِ اخْتَصَمُوا ) حيث لم يقل: خصوم اختصموا و لم يقل: خصمان اختصماً.

و قد جعل اختصامهم في ربّهم أي أنّهم اختلفوا في وصف ربوبيّته تعالى فإلى وصف الربوبيّة يرجع اختلافات المذاهب بالغة ما بلغت فهم بين من يصف ربّه بما يستحقّه من الأسماء و الصفات و ما يليق به من الأفعال فيؤمن بما وصف و هو الحقّ و يعمل على ما يقتضيه وصفه و هو العمل الصالح فهو المؤمن العامل بالصالحات، و من لا يصفه بما يستحقّه من الأسماء و الصفات كمن يثبت له شريكاً أو ولداً فينفي وحدانيّته أو يسند الصنع و الإيجاد إلى الطبيعة أو الدهر أو ينكر النبوّة أو رسالة بعض الرسل أو ضروريّاً من ضروريّات الدين الحقّ فيكفر بالحقّ و يستره و هو الكافر فالمؤمن بربّه و الكافر بالمعنى الّذي ذكرهما الخصمان.

٣٩٥

ثمّ شرع في جزاء الخصمين و بيّن عاقبة أمر كلّ منهما بعد فصل القضاء و قدّم الّذين كفروا فقال:( فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ ) أي الماء الحارّ المغلّي.

قوله تعالى: ( يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَ الْجُلُودُ ) الصهر الإذابة أي يذوب و ينضج بذاك الحميم ما في بطونهم من الأمعاء و الجلود.

قوله تعالى: ( وَ لَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ ) المقامع جمع مقمعة و هي المدقّة و العمود.

قوله تعالى: ( كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ ) ضمير( مِنْها ) للنار و( مِنْ غَمٍّ ) بيان له أو من بمعنى السببيّة و الحريق بمعنى المحرق كالأليم بمعنى المولم.

قوله تعالى: ( إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا ) إلى آخر الآية، الأساور - على ما قيل - جمع أسورة و هي جمع سوار و هو على ما ذكره الراغب معرّب( دستواره) و الباقي ظاهر.

قوله تعالى: ( وَ هُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَ هُدُوا إِلى‏ صِراطِ الْحَمِيدِ ) الطيّب من القول ما لا خباثة فيه و خبيث القول باطله على أقسامه، و قد جمع القول الطيّب كلّه قوله تعالى إخباراً عنهم:( دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَّ وَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) يونس: ١٠ فهدايتهم إلى الطيّب من القول تيسيره لهم، و هدايتهم إلى صراط الحميد و الحميد من أسمائه تعالى أن لا يصدر عنهم إلّا محمود الفعل كما لا يصدر عنهم إلّا طيّب القول.

و بين هذه الآية و قوله:( كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ ) مقابلة ظاهرة.

( بحث روائي)

في التوحيد، بإسناده عن الأصبغ بن نباتة عن عليّ (عليه السلام) في حديث: قال (عليه السلام): سلوني قبل أن تفقدوني فقام إليه الأشعث بن قيس فقال: يا أميرالمؤمنين كيف تؤخذ

٣٩٦

من المجوس الجزية و لم ينزل إليهم كتاب و لم يبعث إليهم نبيّ؟ قال: بلى يا أشعث قد أنزل الله إليهم كتاباً و بعث إليهم رسولاً حتّى كان لهم ملك سكر ذات ليلة فدعا بابنته إلى فراشه فارتكبها.

فلمّا أصبح تسامع به قومه فاجتمعوا إلى بابه فقالوا: أيّها الملك دنّست علينا ديننا و أهلكته فاخرج نطهّرك و نقيم عليك الحدّ فقال لهم: اجتمعوا و اسمعوا قولي فإن يكن لي مخرج ممّا ارتكبت و إلّا فشأنكم فاجتمعوا فقال لهم: هل علمتم أنّ الله لم يخلق خلقاً أكرم عليه من أبينا آدم و اُمّنا حواء؟ قالوا: صدقت أيّها الملك قال: أ و ليس قد زوّج بنيه بناته و بناته من بنيه؟ قالوا: صدقت هذا هو الدين فتعاقدوا على ذلك فمحا الله ما في صدورهم من العلم و رفع عنهم الكتاب فهم الكفرة يدخلون النار بلا حساب و المنافقون أشدّ حالاً منهم. قال الأشعث. و الله ما سمعت بمثل هذا الجواب، و الله لا عدت إلى مثلها أبداً.

أقول: قوله:( و المنافقون أشد حالا منهم) فيه تعريض للأشعث و في كون المجوس من أهل الكتاب روايات اُخر فيها أنّهم كان لهم نبيّ فقتلوه و كتاب فأحرقوه.

و في الدرّ المنثور في قوله تعالى:( إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ ) : أخرج ابن أبي حاتم و اللّالكائيّ في السنّة، و الخلعيّ في فوائده، عن عليّ أنّه قيل له: إنّ ههنا رجلاً يتكّلم في المشيئة فقال له عليّ: يا عبد الله خلقك الله لما يشاء أو لما شئت؟ قال بل لما يشاء قال: فيمرضك إذا شاء أو إذا شئت؟ قال: بل إذا شاء. قال: فيشفيك إذا شاء أو إذا شئت؟ قال: بل إذا شاء. قال فيدخلك الجنّة حيث شاء أو حيث شئت؟ قال: بل حيث شاء. قال: و الله لو قلت غير ذلك لضربت الّذي فيه عيناك بالسيف.

أقول: و رواه في التوحيد، بإسناده عن عبدالله بن الميمون القدّاح عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) و فيه:( فيدخلك حيث يشاء أو حيث شئت) و لم يذكر الجنّة. و قد تقدّمت رواية في هذا المعنى شرحناها في ذيل قوله:( وَ ما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ ) البقرة: ٢٦ في الجزء الأوّل من الكتاب.

٣٩٧

و في التوحيد، بإسناده إلى سليمان بن جعفر الجعفريّ قال: قال الرضا (عليه السلام): المشيّة من صفات الأفعال فمن زعم أنّ الله لم يزل مريداً شائياً فليس بموحد.

أقول: في قوله (عليه السلام) ثانياً:( لم يزل مريداً شائياً) تلويح إلى اتّحاد الإرادة و المشيّة و هو كذلك فإنّ المشيّة معنى يوصف به الإنسان إذا اعتبر كونه فاعلاً شاعراً بفعله المضاف إليه، و إذا تمّت فاعليّته بحيث لا ينفكّ عنه الفعل سمّي هذا المعنى بعينه إرادة، و على أيّ حال هو وصف خارج عن الذات طار عليه، و لذلك لا يتّصف تعالى بها كاتّصافه بصفاته الذاتيّة كالعلم و القدرة لتنزّهه عن تغيّر الذات بعروض العوارض بل هي من صفات فعله منتزعة من نفس الفعل أو من حضور الأسباب عليه.

فقولنا: أراد الله كذا معناه أنّه فعله عالماً بأنّه أصلح أو أنّه هيّأ أسبابه عالماً بأنّه أصلح، و إذا كانت بمعناها الّذي فينا غير الذات فلو قيل: لم يزل الله مريداً كان لازمه إثبات شي‏ء أزليّ غير مخلوق له معه و هو خلاف توحيده، و أمّا قول القائل: إنّ معنى الإرادة هو العلم بالأصلح، و العلم من صفات الذات فلم يزل مريداً أي عالماً بما فعله أصلح فهو إرجاع للإرادة إلى العلم و لا محذور فيه غير أنّ عدّ الإرادة على هذا صفة اُخرى وراء الحياة و العلم و القدرة لا وجه له.

و في الدرّ المنثور، أخرج سعيد بن منصور و ابن أبي شيبة و عبد بن حميد و البخاريّ و مسلم و الترمذيّ و ابن ماجة و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و ابن مردويه و البيهقيّ في الدلائل عن أبي ذرّ: أنّه كان يقسم قسماً أنّ هذه الآية( هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ - إلى قوله -إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ ) نزلت في الثلاثة و الثلاثة الّذين تبارزوا يوم بدر و هم حمزة بن عبدالمطلب و عبيدة بن الحارث و عليّ بن أبي طالب و عتبة و شيبة ابنا ربيعة و الوليد بن عتبة.

قال عليّ أنا أوّل من يجثو للخصومة على ركبتيه بين يدي الله يوم القيامة.

أقول: و رواه فيه، أيضاً عن عدّة من أصحاب الجوامع عن قيس بن سعد بن عبادة

٣٩٨

و ابن عبّاس و غيرهما، و رواه في مجمع البيان، عن أبي ذرّ و عطاء.

و في الخصال، عن النضر بن مالك قال: قلت للحسين بن عليّ (عليهما السلام): يا با عبدالله حدّثني عن قوله تعالى:( هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ) فقال: نحن و بنو اُميّة اختصمنا في الله تعالى: قلنا صدق الله، و قالوا: كذب، فنحن الخصمان يوم القيامة.

أقول: و هو من الجري، و نظيره ما في الكافي، بإسناده عن ابن أبي حمزة عن الباقر (عليه السلام): فالّذين كفروا بولاية عليّ (عليه السلام) قطّعت لهم ثياب من نار.

و في تفسير القمّيّ:( وَ هُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ ) قال: التوحيد و الإخلاص‏( وَ هُدُوا إِلى‏ صِراطِ الْحَمِيدِ ) قال: الولاية.

أقول: و في المحاسن، بإسناده عن ضريس عن الباقر (عليه السلام) ما في معناه.

و في المجمع، و روي عن النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) أنّه قال: ما أحد أحبّ إليه الحمد من الله عزّ ذكره.

٣٩٩

( سورة الحجّ الآيات ٢٥ - ٣٧)

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ( ٢٥ ) وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ( ٢٦ ) وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ( ٢٧ ) لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ( ٢٨ ) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ( ٢٩ ) ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ( ٣٠ ) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ( ٣١ ) ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ( ٣٢ ) لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ( ٣٣ ) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ( ٣٤ ) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَىٰ مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ( ٣٥ ) وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459