الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٤

الميزان في تفسير القرآن  8%

الميزان في تفسير القرآن  مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 459

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 459 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 96760 / تحميل: 5840
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

( احكام الحج )

الحج من أهم الفرائض في الشريعة الاسلامية ، قال الله تعالى( ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا ومن كفر فان الله غني عن العالمين ) وفي المروي عن الامام الصادقعليه‌السلام أنه قال : ( من مات ولم يحج حجة الاسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تُجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحج أو سلطان يمنعه فليمت يهودياً أو نصرانياً ).

( مسألة 523 ) : يجب الحج على البالغ العاقل المستطيع ، وتتحقق الاستطاعة بتوفر الاُمور التالية :

1 ـ سلامة البدن ، بمعنى ان يكون متمكناً من مباشرة الحج بنفسه ، فالمريض أو الهرم ـ اي كبير السن ـ الذي لا يتمكن من أداء الحج إلى آخر عمره ، أو كانت مباشرته لأداء الحج موجبةً لوقوعه في حرج شديد لا يتحمل عادة لا يجب عليه الحج بنفسه.

2 ـ تخلية السرب : ويقصد بها ان يكون الطريق مفتوحاً ومأموناً ، فلا يكون فيه مانع لا يمكن معه من الوصول إلى اماكن أداء المناسك ، وكذلك لا يكون خطراً على النفس أو المال أو العرض والا لم يجب الحج.

وإذا كان طريق الحج مغلقاً أو غير مأمون الا لمن يدفع مبلغاً من المال فان كان بذله مُجحِفاً بحال الشخص لم يجب عليه ذلك والا وجب وان كان المبلغ معتداً به.

٢٢١

3 ـ النفقة ، ويقصد بها كل ما يحتاج اليه في سفر الحج من تكاليف الذهاب والاياب ـ أو الذهاب فقط لمن لا يريد الرجوع إلى بلده ـ وأجور المسكن وما يصرف خلال ذلك من المواد الغذائية والأدوية وغير ذلك.

4 ـ الرجوع إلى الكفاية ، وهو ان يتمكن بالفعل أو بالقوة من اعاشة نفسه وعائلته بعد الرجوع إذا خرج إلى الحج وصرف ما عنده في نفقته بحيث لا يحتاج إلى التكفف ولا يقع في الشدة والحرج بسبب الخروج إلى الحج وصرف ما عنده من المال في سبيله.

5 ـ السعة في الوقت ، بان يكون له متسع من الوقت للسفر إلى الأماكن المقدسة واداء مناسك الحج فلو حصل له المال الكافي لأداء الحج في وقت متأخر لا يتسع لتهيئة متطلبات السفر إلى الحج ـ من تحصيل الجواز والتأشيرة ونحو ذلك ـ أو كان يمكن ذلك ولكن بحرج ومشقة شديدة لا تتحمل عادة ففي هذه الحالة لا يجب عليه الحج في هذا العام ، وعليه أن يحتفظ بماله لأداء الحج في عام لاحق إذا كان محرزاً تمكنه من ذلك من دون عوائق اخرى وكان التصرف فيه يخرجه عن الاستطاعة بحيث لا يتيسر له التدارك ، واما مع عدم احراز التمكن من الذهاب لاحقاً أو تيسر تدارك المال فلا بأس بصرفه وعدم التحفظ عليه.

( مسألة 524 ) : إذا كان عنده ما يفي بنفقات الحج ولكنه كان مديناً بدين مستوعب لما عنده من المال أو كالمستوعب بان لم يكن وافياً لنفقاته لو اقتطع منه مقدار الدين ـ لم يجب عليه الحج ، الا إذا كان مؤجلاً بأجل بعيد جداً كخمسين سنة مثلاً.

( مسألة 525 ) : إذا وجب عليه الحج وكان عليه خمس أو زكاة أو غيرها من الحقوق الواجبة لزمه اداؤها ولم يجز له تأخيرها لأجل السفر إلى

٢٢٢

الحج ، ولو كان ساتره في الطواف أو في صلاة الطوف من المال الذي تعلق به الخمس أو نحوه من الحقوق لم يصحا على الأحوط لزوماً ، ولو كان ثمن هدية من ذلك المال لم يجزئه إلاّ إذا كان الشراء بثمن في الذمة والوفاء من ذلك المال.

( مسألة 526 ) : تجب الاستنابة في الحج اي ارسال شخص للحج عن غيره في حالات ثلاث :

أ ـ إذا كان الشخص قادراً على تأمين نفقة الحج ولكنه كان في حال لا يمكنه معها فعل الحج لمرض ونحوه.

ب ـ إذا كان متمكناً من ادائه بنفسه فتسامح ولم يحج حتى ضعف عن الحج وعجز عنه بحيث لا يأمل التمكن منه لاحقاً.

ج ـ إذا كان متمكناً من أداء الحج ولم يحج حتى مات فيجب ان يستأجر من تركته من يحج عنه.

( مسألة 527 ) : الحج على ثلاثة أنواع : حج التمتع ، وحج الافراد ، وحج القران ، والأول هو وظيفة كل من كان محل سكناه يبعد عن مكة المكرمة اكثر من ثمانية وثمانين كيلومترا ، والآخران وظيفة من كان من اهل مكة أو من كانت المسافة بين محل سكناه ومكة اقل من المقدار المذكور كالمقيمين في جدة.

( مسألة 528 ) : يتألف حج التمتع من عبادتين الأولى ( العمرة ) والثانية ( الحج ) وتجب في عمرة التمتع خمسة أمور حسب الترتيب الآتي :

1 ـ الإحرام بالتلبية.

٢٢٣

2 ـ الطواف حول الكعبة المعظمة سبع مرات.

3 ـ صلاة الطواف خلف مقام إبراهيمعليه‌السلام .

4 ـ السعي بين الصفا والمروة سبع مرات.

5 ـ التقصير بقص شيء من شعر الرأس أو اللحية أو الشارب.

ويجب في حج التمتع ثلاثة عشر أمراً :

1 ـ الاحرام بالتلبية.

2 ـ الوقوف في عرفات يوم التاسع من ذي الحجة من زوال الشمس إلى غروبها.

3 ـ الوقوف في المزدلفة مقداراً من ليلة العيد إلى طلوع الشمس.

4 ـ رمي جمرة العقبة يوم العيد سبع حصيات.

5 ـ الذبح والنحر في يوم العيد أو فيما بعده إلى آخر أيام التشريق في منى.

6 ـ حلق شعر الرأس او التقصير في منى.

7 ـ الطواف بالبيت طواف الحج.

8 ـ صلاة الطواف خلف مقام إبراهيمعليه‌السلام .

9 ـ الطواف بالبيت طواف النساء.

11 ـ صلاة طواف النساء.

12 ـ المبيت في منى ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر من ذي الحجة.

13 ـ رمي الجمار الثلاث في اليوم الحادي عشر والثاني عشر.

٢٢٤

( مسألة 529 ) : يتألف حج الافراد من الامور الثلاثة عشر المذكور لحج التمتع باستثناء ( الذبح والنحر ) فانه ليس من اعماله ، كما يشترك حج القرآن مع حج الافراد في جميع الأعمال باستثناء أن المكلف يصحب معه الهدي وقت احرامه لحج القران ، وبذلك يجب الهدي عليه ، والاحرام له كما يصح ان يكون بالتلبية يصح ان يكون بالإشعار والتقليد.

ثم ان من تكون وظيفته حج الافراد أو حج القران يجب عليه أداء العمرة المفردة ايضاً إذا تمكن منها بل إذا تمكن منها ولم يتمكن من الحج وجب عليه اداؤها ، وإذا تمكن منهما معاً في وقت واحد فالأحوط لزوماً تقديم الحج على العمرة المفردة.

وتشترك عمرة المفردة مع عمرة التمتع في الامور الخمسة المذكورة ويضاف اليها : الطواف بالبيت طواف النساء وصلاة هذا الطواف خلف مقام إبراهيم ويتخير الرجل فيها بين التقصير والحلق ولا يتعين عليه التقصير كما في عمرة التمتع.

( مسألة 530 ) : كل واحد من افعال العمرة والحج ـ باقسامهما المذكورة ـ عمل عبادي لا بد من ادائه تخضعاً لله تعالى ، ولها الكثير من الخصوصيات والاحكام مما تكفلت لبيانها رسالة ( مناسك الحج ) فعلى من يروم ادائها ان يتعلم احكامها بصورة وافية لئلا يخالف وظيفته فينقص أو يبطل حجّه أو عمرته.

٢٢٥

٢٢٦

( أحكام زكاة المال )

الزكاة من الواجبات التي اهتم الشارع المقدّس بها ، وقد قرنها الله تبارك وتعالى بالصلاة في غير واحد من الآيات الكريمة ، وهي احدى الخمس التي بني عليها الإسلام ، وقد ورد أن الصلاة لا تقبل من مانعها ، وإنَّ من منع قيراطاً من الزكاة فليمت ان شاء يهودياً أو نصرانياً ، وهي على قسمين : زكاة الأموال ، وزكاة الأبدان ( زكاة الفطرة ) وسيأتي بيان القسم الثاني بعد ذلك.

( مسألة 531 ) : تجب الزكاة في اربعة اشياء :

(1) في الأنعام : الغنم بقسميها المعز والضأن ، والإبل ، والبقر ومنه الجاموس.

(2) في النقدين : الذهب والفضة.

(3) في الغلاّت : الحنطة والشعير ، والتمر والزبيب.

(4) في مال التجارة على ـ الأحوط وجوباً ـ.

ويعتبر في وجوبها في الجميع أمران :

( الأوّل ) : الملكية الشخصية ، فلا تجب في الأوقاف العامة ، ولا في المال الذي أوصى بان يصرف في التعازي أو المساجد ، أو المدارس ونحوها.

( الثاني ) : ان لا يكون محبوساً عن مالكه شرعاً ، فلا تجب الزكاة في الوقف الخاص ، والمرهون وما تعلق به حق الغرماء ، وأما المنذور التصدق به فتجب فيه الزكاة ولكن يلزم اداؤها من مال آخر لكي لا ينافي الوفاء بالنذر.

٢٢٧

( زكاة الحيوان )

( مسألة 532 ) : يشترط في وجوب الزكاة في الأنعام أمور : فلا تجب بفقدان شيء منها :

(1) استقرار الملكية في مجموع الحول ، فلو خرجت عن ملك مالكها اثناء الحول لم تجب فيها الزكاة ، والمراد بالحول هنا مضي احد عشر شهراً والدخول في الشهر الثاني عشر ـ وان كان الحول الثاني يبدأ من بعد انتهائه ـ وابتداء السنة فيها من حين تملّكها وفي نتاجها من حين ولادتها.

(2) تمكّن المالك ، أو وليّه من التصرف فيها في تمام الحول ، فلو غصبت أو ضلت ، أو سرقت فترة يعتد بها عرفاً لم تجب الزكاة فيها.

(3) السوم ، فلو كانت معلوفة ـ ولو في بعض السنة ـ لم تجب فيها الزكاة ، نعم لا يقدح في صدق السوم علفها قليلاً ، والعبرة فيه بالصدق العرفي ، وتحسب مدة رضاع النتاج من الحول وان لم تكن امهاتها سائمة.

(4) بلوغها حد النصاب ، وسيأتي بيانه.

( مسألة 533 ) : صدق السائمة على ما رعت من الأرض المستأجرة ، او المشتراة للرعي محل اشكال ، فثبوت الزكاة فيها مبني على ـ الاحتياط اللزومي ـ.

( مسألة 534 ) : لا يشترط في وجوب الزكاة في البقر والإبل زائداً على كونها سائمة ان لا تكون عوامل على ـ الأحوط لزوماً ـ فلو استعملت في

٢٢٨

السقي ، أو الحرث ، أو الحمل ، أو نحو ذلك فلا يترك الاحتياط باخراج زكاتها ، وإذا كان استعمالها من القلة بحد يصدق عليها انها فارغة ـ وليست بعوامل ـ وجبت فيها الزكاة بلا اشكال.

( مسألة 535 ) : في الغنم خمسة نصب :

(1) اربعون ، وفيها شاة.

(2) مائة واحدى وعشرون ، وفيها شاتان.

(3) مائتان وواحدة ، وفيها ثلاث شياه.

(4) ثلاثمائة وواحدة ، وفيها اربع شياه.

(5) اربعمائة فصاعداً ففي كل مائة شاة ، وما بين النصابين في حكم النصاب السابق ـ والأحوط لزوماً ـ في الشاة المخرجة زكاة ان تكون داخلة في السنة الثالثة ان كانت معزاً ، وان تكون داخلة في السنة الثانية ان كانت ضأناً.

( مسألة 536 ) : في الإبل اثنا عشر نصاباً :

(1) خمس ، وفيها شاة.

(2) عشرة ، وفيها شاتان.

(3) خمس عشرة ، وفيها ثلاث شياه.

(4) عشرون ، وفيها اربع شياه.

(5) خمس وعشرون ، وفيها خمس شياه.

(6) ست وعشرون ، وفيها بنت مخاض ، وهي الداخلة في السنة الثانية.

(7) ست وثلاثون ، وفيها بنت لبون ، وهي الداخلة في السنة الثالثة.

٢٢٩

(8) ست واربعون ، وفيها حقة ، وهي الداخلة في السنة الرابعة.

(9) احدى وستون ، وفيها جذعة ، وهي التي دخلت في السنة الخامسة.

(10) ست وسبعون ، وفيها بنتا لبون.

(11) احدى وتسعون وفيها حقتان.

(12) مائة واحدى وعشرون فصاعداً ، وفيها حقة لكل خمسين ، وبنت لبون لكل اربعين ، بمعنى انه يتعين عدها بالأربعين اذا كان عادَّاً لها بحيث اذا حسبت به لم تكن زيادة ولا نقيصة ، كما اذا كانت مائة وستين رأساً ، ويتعين عدها بالخمسين اذا كان عاداً لها ـ بالمعنى المتقدم ـ كما اذا كانت مائة وخمسين رأساً ، وان كان كل من الأربعين والخمسين عاداً كما اذا كانت مأتي رأس تخير المالك في العدّ بأيّ منهما ، وان كانا معاً عادين لها وجب العد بهما كذلك كما اذا كانت مأتين وستين رأساً فيحسب خمسينين واربع اربعينات.

( مسألة 537 ) : في البقر نصابان :

(1) ثلاثون ، وزكاتها ما دخل منها في السنة الثانية ـ والأحوط لزوماً ـ ان يكون ذكراً.

(2) اربعون ، وزكاتها مسنّة ، وهي الداخلة في السنة الثالثة ، وفي ما زاد على اربعين يعد بثلاثين أو أربعين على التفصيل المتقدم ، وما بين النصابين في البقر والإبل في حكم النصاب السابق كما تقدم في الغنم.

( مسألة 538 ) : اذا تولى المالك اخراج زكاة ماله لم يجز له اخراج المريض زكاة اذا كان جميع النصاب في الانعام صحاحاً ، كما لا يجوز له

٢٣٠

اخراج المعيب اذا كان النصاب باجمعه سليماً ، وكذلك لا يجوز له اخراج الهرم اذا كان كان الجميع شباباً ، بل الأمر كذلك مع الاختلاف على ـ الأحوط لزوماً ـ نعم إذا كان جميع افراد النصاب مريضاً ، أو معيباً أو هرماً جاز له الإخراج منها.

( مسألة 539 ) : اذا ملك من الأنعام بمقدار النصاب ثم ملك مقداراً آخر بنتاج او شراء او غير ذلك ، ففيه صور :

( الأولى ) : ان يكون ملكه الجديد بعد تمام الحول لما ملّكه أولاً ، ففي هذه الصورة يبتدئ الحول للمجموع ، مثلاً إذا كان عنده من الابل خمس وعشرون ، وبعد انتهاء الحول ملك واحدة فحينئذٍ يبتدئ الحول لست وعشرين.

( الثانية ) : ان يكون ملكه الجديد اثناء الحول ، وكان هو بنفسه بمقدار النصاب ، ففي هذه الصورة لا ينضم الجديد إلى الملك الأوّل ، بل يعتبر لكل منهما حول بانفراده ـ وان كان الملك الجديد مكملاً للنصاب اللاحق على الأحوط لزوماً ـ ، فإذا كان عنده خمس من الابل فملك خمساً اخرى بعد مضي ستة اشهر ، لزم عليه اخراج شاة عند تمام السنة الأولى ، واخراج شاة اخرى عند تمام السنة من حين تملكه الخمس الاُخرى ، واذا كان عنده عشرون من الابل وملك ستة في اثناء حولها فالأحوط لزوماً ان يعتبر للعشرين حولاً وللستة حولاً آخر ويدفع على رأس كل حول فريضته.

( الثالثة ) : ان يكون ملكه الجديد مكملا للنصاب اللاحق ولا يعتبر نصاباً مستقلاً ، ففي هذه الصورة يجب اخراج الزكاة للنصاب الأوّل عند انتهاء سنته ، وبعده يضم الجديد الى السابق ، ويعتبر لهما حولا واحداً ، فاذا ملك ثلاثين من البقر ، وفي اثناء الحول ملك احد عشر رأساً من البقر

٢٣١

وجب عليه ـ بعد انتهاء الحول ـ اخراج الزكاة للثلاثين ويبتدئ الحول للاربعين.

( الرابعة ) : ان لا يكون ملكه الجديد نصاباً مستقلاً ولا مكملاً للنصاب اللاحق ، ففي هذه الصورة لا يجب عليه شيء لملكه الجديد ، وان كان هو بنفسه نصاباً لو فرض انه لم يكن مالكاً للنصاب السابق ، فاذا ملك اربعين رأساً من الغنم ثم ملك اثناء الحول اربعين غيرها لم يجب شيء في ملكه ثانياً ما لم يصل إلى النصاب الثاني.

( مسألة 540 ) : إذا كان مالكاً للنصاب لا أزيد ـ كاربعين شاة مثلاً ـ فحال عليه ، احوال فان اخرج زكاته كل سنة من غيره تكررت لعدم نقصانه حينئذٍ عن النصاب ، وان اخرجها منه أو لم يخرجها اصلاً لم تجب الا زكاة سنة واحدة ، ولو كان عنده ازيد من النصاب ـ كأن كان عنده خمسون شاة ـ وحال عليه احوال لم يؤد زكاتها وجبت عليه الزكاة بمقدار ما مضى من السنين الى ان ينقص عن النصاب.

( مسألة 541 ) : لا يجب اخراج الزكاة من شخص الأنعام التي تعلقت الزكاة بها ، فلو ملك من الغنم اربعين جاز له ان يعطي شاة من غيرها زكاة.

٢٣٢

( زكاة النقدين )

يعتبر في وجوب الزكاة في الذهب والفضة أمور :

( الأوّل ) : كمال المالك بالبلوغ والعقل ، فلا تجب الزكاة في النقدين من اموال الصبي والمجنون.

( الثاني ) : بلوغ النصاب ، ولكل منهما نصابان ، ولا زكاة فيما لم يبلغ النصاب الأوّل منهما ، وما بين النصابين بحكم النصاب السابق ، فنصابا الذهب : خمسة عشر مثقالاً صيرفياً ، ثم ثلاثة فثلاثة ، ونصابا الفضة : مائة وخمسة مثاقيل ، ثم واحد وعشرون ، فواحد وعشرون مثقالاً وهكذا ، والمقدار الواجب اخراجه في كل منهما ربع العشر ( 2.5%).

( الثالث ) : ان يكونا من المسكوكات النقدية التي يتداول التعامل بها سواء في ذلك السكة الاسلامية وغيرها ، فلا تجب الزكاة في سبائك الذهب والفضة ، والحلي المتخذة منهما ، وفي غير ذلك مما لا يكون مسكوكاً او يكون من المسكوكات القديمة الخارجة عن رواج المعاملة.

وبذلك يعلم انه لا موضوع لزكاة الذهب والفضة في العصر الحاضر الذي لا يتداول فيه التعامل بالعملات النقدية الذهبية والفضية.

( الرابع ) : مضي الحول ، بان يبقى في ملك مالكه واجداً للشروط تمام الحول ، فلو خرج عن ملكه اثناء الحول ، أو نقص عن النصاب ، او الغيت سكته ـ ولو بجعله سبيكة ـ لم تجب الزكاة فيه ، نعم لو ابدل الذهب

٢٣٣

المسكوك بمثله ، أو بالفضة المسكوكة ، أو ابدل الفضة المسكوكة بمثلها ، أو بالذهب المسكوك كلاً أو بعضاً بقصد الفرار من الزكاة وبقي واجداً لسائر الشرائط الى تمام الحول فلا يترك الاحتياط باخراج زكاته حينئذٍ ، ويتم الحول بمضي احد عشر شهراً ، ودخول الشهر الثاني عشر.

( الخامس ) : تمكن المالك من التصرف فيه في تمام الحول ، فلا تجب الزكاة في المغصوب والمسروق ، والمال الضائع فترة يعتد بها عرفاً.

٢٣٤

( زكاة الغلات الأربع )

يعتبر في وجوب الزكاة في الغلات الأربع أمران :

( الأوّل : بلوغ النصاب ) ولها نصاب واحد وهو ثلاثمائة صاع ، وهذا يقارب ـ فيما قيل ـ ثمانمائة وسبعة واربعين كيلو غراماً(1) ، ولا تجب الزكاة في ما لم يبلغ النصاب ، فاذا بلغه وجبت فيه وفي ما يزيد عليه ، وان كان الزائد قليلاً.

( الثاني : الملكية حال تعلق الزكاة بها ) فلا زكاة فيها اذا تملكها الانسان بعد تعلق الزكاة بها.

( مسألة 542 ) : تتعلق الزكاة بالغلات حينما يصدق عليها اسم الحنطة

__________________

(1) ان نصاب الغلات قد حدد في النصوص الشرعية بالمكاييل التي كانت متداولة في العصور السابقة ولا تعرف مقاديرها اليوم بحسب المكاييل السائدة في هذا العصر ، كما لا يمكن تطبيق الكيل على الوزن بضابط عام يطرد في جميع انواع الغلات لانها تختلف خفة وثقلاً بحسب طبيعتها ولعوامل اُخرى ، فالشعير اخف وزناً من الحنطة بكثير كما ان ما يستوعبه المكيال من التمر غير المكبوس أقل وزناً مما يستوعبه من الحنطة لاختلاف افرادهما في الحجم والشكل مما تجعل الخلل والفُرَج الواقعة بين أفراد التمر ازيد منها بين افراد الحنطة ، بل ان نفس افراد النوع الواحد تختلف في الوزن بحسب اختلافها في الصنف وفي نسبة ما تحملها من الرطوبة ، ولذلك لا سبيل إلى تحديد النصاب بوزن موحد لجميع الانواع والاصناف ، ولكن الذي يسهل الأمر ان المكلف اذا لم يحرز بلوغ ما ملكه من الغلة حد النصاب لا يجب عليه اخراج الزكاة منه ومع كونه بالمقدار المذكور في المتن يقطع ببلوغه النصاب على جميع التقادير والمحتملات.

٢٣٥

أو الشعير ، أو التمر أو العنب ، إلاّ أن المناط في اعتبار النصاب بلوغها حده بعد يبسها ، حين تصفية الحنطة والشعير من التبن ، واجتذاذ التمر واقتطاف الزبيب ، فاذا كانت الغلة حينما يصدق عليها احد هذه العناوين بحد النصاب ، ولكنها لا تبلغه حينذاك لجفافها لم تجب الزكاة فيها.

( مسألة 543 ) : لا تتعلق الزكاة بما يؤكل ويصرف من ثمر النخل حال كونه بُسراً ( خلالاً ) أو رطباً وإن كان يبلغ مقدار النصاب لو بقي وصار تمراً ، وأمّا ما يؤكل ويصرف من ثمر الكرم عنباً فيجب إخراج زكاته لو كان بحيث لو بقي وصار زبيباً لبلغ حد النصاب.

( مسألة 544 ) : لا تجب الزكاة في الغلات الأربع إلاّ مرة واحدة ، فاذا ادى زكاتها لم تجب في السنة الثانية ، ولا يشترط فيها الحول المعتبر في النقدين والأنعام.

( مسألة 545 ) : يختلف مقدار الزكاة في الغلات باختلاف الصور الآتية :

( الأولى ) : ان يكون سقيها بالمطر ، أو بماء النهر ، أو بمصّ عروقها الماء من الأرض ونحو ذلك مما لا يحتاج السقي فيه إلى العلاج ، ففي هذه الصورة يجب اخراج عشرها ( 10% ) زكاة.

( الثانية ) : ان يكون سقيها بالدلو والرشا ، والدوالي والمضخات ونحو ذلك ، ففي هذه الصورة يجب اخراج نصف العشر ( 5% ).

( الثالثة ) : ان يكون سقيها بالمطر أو نحوه تارة ، وبالدلو أو نحوه تارة اُخرى ، ولكن كان الغالب احدهما بحد يصدق عرفاً انه سقي به ، ولا يعتد بالآخر ، ففي هذه الصورة يجري عليه حكم الغالب.

٢٣٦

( الرابعة ) : ان يكون سقيها بالأمرين على نحو الاشتراك ، بان لا يزيد احدهما على الآخر ، أو كانت الزيادة على نحو لا يسقط بها الآخر عن الاعتبار ، ففي هذه الصورة يجب اخراج ثلاثة ارباع العشر ( 7.5% ).

( مسألة 546 ) : المدار في التفصيل المتقدم في الثمرة عليها لا على شجرتها ، فاذا كان الشجر حين غرسه يسقى بالدلاء مثلا فلما بلغ اوان اثمارها صار يمص ماء النزيز بعروقه وجب فيه العشر 10%.

( مسألة 547 ) : إذا زرع الأرض حنطة ـ مثلاً ـ وسقاها بالمضخات أو نحوها ، فتسرّب الماء إلى ارض مجاورة فزرعها شعيراً فمصّ الماء بعروقه ولم يحتج الى سقي آخر فمقدار الزكاة في الزرع الأوّل 5% وفي الزرع الثاني 10% على ـ الأحوط لزوماً ـ ومثل ذلك ما إذا زرع الأرض وسقاها بعلاج ثم حصده وزرع مكانه شعيراً مثلا فمصّ الماء المتخلف في الأرض ولم يحتج الى سقي جديد فان ـ الأحوط لزوماً ـ ثبوت الزكاة فيه بنسبة 10%.

( مسألة 548 ) : لا يعتبر في بلوغ الغلات حدّ النصاب استثناء ما صرفه المالك في المؤن قبل تعلق الزكاة وبعده ، فلو كان الحاصل يبلغ حد النصاب ولكنه إذا وضعت المؤن لم يبلغه وجبت الزكاة فيه ، بل الأحوط لزوماً إخراج الزكاة من مجموع الحاصل من دون وضع المؤن ، نعم ما تأخذه الحكومة من اعيان الغلات لا تجب زكاته على المالك.

( مسألة 549 ) : اذا تعلقت الزكاة بالغلات لا يتعين على المالك تحمل مؤونتها إلى أوان الحصاد أو الاجتناء ، فان له المخرج عن ذلك بان يسلمها الى مستحقها ، أو الحاكم الشرعي وهي على الساق ، أو على الشجر ثم يشترك معه في المؤن.

( مسألة 550 ) : لا يعتبر في وجوب الزكاة أن تكون الغلة في مكان

٢٣٧

واحد ، فلو كان له نخيل أو زرع في بلد لم يبلغ حاصله حد النصاب ، وكان له مثل ذلك في بلد آخر ، وبلغ مجموع الحاصلين في سنة حد النصاب وجبت الزكاة فيه.

( مسألة 551 ) : إذا ملك شيئاً من الغلات وتعلقت به الزكاة ثم مات وجب على الورثة إخراجها ، وإذا مات قبل تعلقها به انتقل المال باجمعه الى الورثة ، فمن بلغ نصيبه حد النصاب ـ حين تعلق الزكاة به ـ وجبت عليه ، ومن لم يبلغ نصيبه حده لم تجب عليه.

( مسألة 552 ) : من ملك نوعين من غلة واحدة كالحنطة الجيدة والرديئة ، جاز له اخراج الزكاة منهما مراعياً للنسبة ، ولا يجوز اخراج تمامها من القسم الرديء على ـ الأحوط لزوماً ـ.

( مسألة 553 ) : إذا اشترك اثنان أو أكثر في غلة ـ كما في المزارعة وغيرها ـ لم يكف في وجوب الزكاة بلوغ مجموع الحاصل حد النصاب ، بل يختص الوجوب بمن بلغ نصيبه حده.

٢٣٨

( زكاة مال التجارة )

وهو المال الذي يتملكه الشخص بعقد المعاوضة قاصداً به الاكتساب والاسترباح ، فيجب ـ على الأحوط ـ أداء زكاته ، وهي ربع العشر ( 2.5% ) مع استجماع الشرائط التالية :

( الأوّل ) : كمال المالك بالبلوغ والعقل.

( الثاني ) : بلوغ المال حد النصاب وهو نصاب احد النقدين المتقدم في ص (233).

( الثالث ) : مُضيِّ الحول عليه بعينه من حين قصد الاسترباح.

( الرابع ) : بقاء قصد الاسترباح طول الحول ، فلو عدل عنه ونوى به القنية ، أو الصرف في المؤونة مثلاً في الأثناء لم تجب فيه الزكاة.

( الخامس ) : تمكن المالك من التصرف فيه في تمام الحول.

( السادس ) : ان يطلب برأس المال أو بزيادة عليه طول الحول ، فلو طلب بنقيصة اثناء السنة لم تجب فيه الزكاة.

٢٣٩

( من أحكام الزكاة )

يجب قصد القربة في أداء الزكاة حين تسليمها الى المستحق ، أو الحاكم الشرعي ، أو العامل المنصوب من قبله ، أو الوكيل في ايصالها الى المستحق ـ والأحوط استحباباً ـ استمرار النية حتى يوصلها الوكيل ، وان ادى قاصداً به الزكاة من دون قصد القربة فالأظهر تعيّنه واجزاؤه وإن أثم ، والأولى تسليم الزكاة إلى الحاكم الشرعي ليصرفها في مصارفها.

( مسألة 554 ) : لا يجب اخراج الزكاة من عين ما تعلقت به فيجوز اعطاء قيمتها من النقود ، دون غيرها على ـ الأحوط لزوماً ـ.

( مسألة 555 ) : من كان له على الفقير دين جاز له ان يحتسبه زكاة ، سواء في ذلك موت المديون وحياته ، نعم يعتبر في المديون الميت ان لا تفي تركته باداء دينه ، أو يمتنع الورثة عن ادائه ، او يتعذر استيفاؤه لسبب آخر.

( مسألة 556 ) : يجوز اعطاء الفقير الزكاة من دون إعلامه بالحال.

( مسألة 557 ) : إذا أدى الزكاة الى من يعتقد كونه مصرفاً لها ثم انكشف خلافه استردها إذا كانت عينها باقية ، وكان له استرداد بدلها إذا تلفت العين وقد علم الآخذ ان ما اخذه زكاة ، وأما إذا لم يكن الآخذ عالماً بذلك فلا ضمان عليه ، ويجب على المالك حينئذٍ وعند عدم امكان الاسترداد في الصورة الأولى اخراج بدلها ، نعم اذا كان أداؤه بعد الفحص

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

كورود ضوء الصباح على ظلمة اللّيل كشي‏ء يلج في شي‏ء ثمّ اتّساعه و إشغال النهار من الفضاء ما أشغله الليل، و ورود ظلمة المساء على نور النهار كشي‏ء يلج في شي‏ء ثمّ اتّساعها و شمول الليل.

و المشار إليه بذلك - بناء على ما تقدّم من معنى النصر - ظهور المظلوم بعقابه على الظالم الباغي عليه، و المعنى أنّ ذلك النصر بسبب أنّ من سنّة الله أن يظهر أحد المضادّين و المتزاحمين على الآخر كما يولج الليل في النهار و يولج النهار في الليل و إنّ الله سميع لأقوالهم بصير بأعمالهم فينصر المظلوم و هو مهضوم الحقّ بعينه و ما يسأله بلسان حاله في سمعه.

و ذكر في معنى الآية وجوه اُخر غير منطبقة على السياق رأينا الصفح عن ذكرها أولى.

قوله تعالى: ( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ وَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) الإشارة بذلك إلى النصر أو إليه و إلى ما ذكر من سببه.

و الحصران في قوله:( بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ ) و قوله:( وَ أَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ ) إمّا بمعنى أنّه تعالى حقّ لا يشوبه باطل و أنّ ما يدعون من دونه و هي الأصنام باطل لا يشوبه حقّ فهو قادر على أن يتصرّف في تكوين الأشياء و أن يحكم لها و عليها بما شاء.

و إمّا بمعنى أنّه تعالى حقّ بحقيقة معنى الكلمة مستقلّاً بذلك لا حقّ غيره إلّا ما حقّقه هو، و أنّ ما يدعون من دونه و هي الأصنام بل كلّ ما يركن إليه و يدعى للحاجة من دون الله هو الباطل لا غيره إذ مصداق غيره هو الله سبحانه فافهم ذلك، و إنّما كان باطلاً إذ كان لا حقّيّة له باستقلاله.

و المعنى - على أيّ تقدير - أنّ ذلك التصرّف في التكوين و التشريع من الله سبحانه بسبب أنّه تعالى حقّ يتحقّق بمشيّته كلّ حقّ غيره، و أنّ آلهتهم من دون الله و كلّ ما يركن إليه ظالم باغ من دونه باطل لا يقدر على شي‏ء.

٤٤١

و قوله:( وَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) علوّه تعالى بحيث يعلو و لا يعلى عليه و كبره بحيث لا يصغر لشي‏ء بالهوان و المذلّة من فروع كونه حقّاً أي ثابتاً لا يعرضه زوال و موجوداً لا يمسّه عدم.

قوله تعالى: ( أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ) استشهاد على عموم القدرة المشار إليها آنفاً بإنزال الماء من السماء - و المراد بها جهة العلو - و صيرورة الأرض بذلك مخضرّة.

و قوله:( إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ) تعليل لجعل الأرض مخضرّة بإنزال الماء من السماء فتكون نتيجة هذا التعليل و ذاك الاستشهاد كأنّه قيل: إنّ الله ينزل كذا فيكون كذا لأنّه لطيف خبير و هو يشهد بعموم قدرته.

قوله تعالى: ( لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ إِنَّ اللهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) ظاهره أنّه خبر بعد خبر لأنّ فهو تتمّة التعليل في الآية السابقة كأنّه قيل: إنّ الله لطيف خبير مالك لما في السماوات و ما في الأرض يتصرّف في ملكه كما يشاء بلطف و خبرة، و يمكن أن يكون استئنافاً يفيد تعليلاً باستقلاله.

و قوله:( وَ إِنَّ اللهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) يفيد عدم حاجته إلى شي‏ء من تصرّفاته بما هو غنيّ على الإطلاق و هي مع ذلك جميلة نافعة يحمد عليها بما هو حميد على الإطلاق فمفاد الاسمين معا أنّه تعالى لا يفعل إلّا ما هو نافع لكن لا يعود نفعه إليه بل إلى الخلق أنفسهم.

قوله تعالى: ( أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ ) إلخ، استشهاد آخر على عموم القدرة، و المقابلة بين تسخير ما في الأرض و تسخير الفلك في البحر يؤيّد أنّ المراد بالأرض البرّ مقابل البحر، و على هذا فتعقيب الجملتين بقوله:( وَ يُمْسِكُ السَّماءَ ) إلخ، يعطي أنّ محصّل المراد أنّ الله سخّر لكم ما في السماء و الأرض برّها و بحرها.

و المراد بالسماء جهة العلو و ما فيها فالله يمسكها أن تقع على الأرض إلّا بإذنه ممّا يسقط من الأحجار السماويّة و الصواعق و نحوها.

٤٤٢

و قد ختم الآية بصفتي الرأفة و الرحمة تتميما للنعمة و امتناناً على الناس.

قوله تعالى: ( وَ هُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ ) سياق الماضي في( أَحْياكُمْ ) يدلّ على أنّ المراد به الحياة الدنيا و أهميّة المعاد بالذكر تستدعي أن يكون المراد من قوله:( ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ) الحياة الآخرة يوم البعث دون الحياة البرزخيّة.

و هذه الحياة ثمّ الموت ثمّ الحياة من النعم الإلهيّة العظمى ختم بها الامتنان و لذا عقّبها بقوله:( إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ ) .

( بحث روائي)

في جامع الجوامع في قوله:( وَ الَّذِينَ هاجَرُوا - إلى قوله -لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ ) روي أنّهم قالوا: يا رسول الله هؤلاء الّذين قتلوا قد علمنا ما أعطاهم الله من الخير و نحن نجاهد معك كما جاهدوا فما لنا إن متنا معك؟ فأنزل الله هاتين الآيتين.

و في المجمع في قوله تعالى:( وَ مَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ) الآية روي أنّ الآية نزلت في قوم من مشركي مكّة لقوا قوماً من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرّم فقالوا: إنّ أصحاب محمّد لا يقاتلون في هذا الشهر فحملوا عليهم فناشدهم المسلمون أن لا يقاتلوهم في الشهر الحرام فأبوا فأظفر الله المسلمين بهم.

أقول: و رواه في الدرّ المنثور، عن ابن أبي حاتم عن مقاتل‏ و أثر الضعف ظاهر عليه فإنّ المشركين كانوا يحرّمون الأشهر الحرم، و قد تقدّم في قوله تعالى:( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ) الآية البقرة: ٢١٧، في الجزء الثاني من الكتاب من الروايات في قصّة عبدالله بن جحش و أصحابه ما يزيد في ضعف هذه الرواية.

٤٤٣

( سورة الحجّ الآيات ٦٧ - ٧٨)

لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدًى مُّسْتَقِيمٍ ( ٦٧ ) وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ ( ٦٨ ) اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ( ٦٩ ) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَٰلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ ( ٧٠ ) وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُم بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ ( ٧١ ) وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ( ٧٢ ) يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ( ٧٣ ) مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ( ٧٤ ) اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ( ٧٥ ) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ( ٧٦ ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ( ٧٧ ) وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ

٤٤٤

الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ ( ٧٨ )

( بيان)

الآيات تأمره (صلّي الله عليه وآله وسلّم) بالدعوة و تبيّن اُموراً من حقائق الدعوة و أباطيل الشرك ثمّ تأمر المؤمنين بإجمال الشريعة و هو عبادة الله و فعل الخير و تختم بالأمر بحقّ الجهاد في الله و بذلك تختتم السورة.

قوله تعالى: ( لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ ) إلى آخر الآية. المنسك مصدر ميميّ بمعنى النسك و هو العبادة و يؤيّده قوله:( هُمْ ناسِكُوهُ ) أي يعبدون تلك العبادة، و ليس اسم مكان كما احتمله بعضهم.

و المراد بكلّ اُمّة هي الاُمّة بعد الاُمّة من الاُمم الماضين حتّى تنتهي إلى هذه الاُمّة دون الاُمم المختلفة الموجودة في زمانه (صلّي الله عليه وآله وسلّم) كالعرب و العجم و الروم لوحدة الشريعة و عموم النبوّة.

و قوله:( فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ ) نهي للكافرين بدعوة النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) عن منازعته في المناسك الّتي أتى بها و هم و إن كانوا لا يؤمنون بدعوته و لا يرون لما أتى به من الأوامر و النواهي وقعا يسلّمون له و لا أثر لنهي من لا يسلّم للناهي طاعة و لا مولويّة لكنّ هذا النهي لمّا كان معتمداً على الحجّة لم يصر لغواً لا أثر له و هي صدر الآية.

فكأنّ الكفّار من أهل الكتاب أو المشركين لمّا رأوا من عبادات الإسلام ما لا عهد لهم به في الشرائع السابقة كشريعة اليهود مثلاً نازعوه في ذلك من أين جئت به و لا عهد به في الشرائع السابقة و لو كان من شرائع النبوّة لعرفه المؤمنين من اُمم

٤٤٥

الأنبياء الماضين؟ فأجاب الله سبحانه عن منازعتهم بما في الآية.

و معناها أنّ كلّا من الاُمم كان لهم منسك هم ناسكوه و عبادة يعبدونها و لا يتعدّاهم إلى غيرهم لما أنّ الله سبحانه بدّل منسك السابقين ممّا هو أحسن منه في حقّ اللاحقين لتقدّمهم في الرقيّ الفكريّ و استعدادهم في اللاحق لما هو أكمل و أفضل من السابق فالمناسك السابقة منسوخة في حقّ اللاحقين فلا معنى لمنازعة النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) فيما جاء به من المنسك المغاير لمناسك الأمم الماضين.

و لمّا كان نهيهم عن منازعته (صلّي الله عليه وآله وسلّم) في معنى أمره بطيب النفس من قبل نزاعهم و نهيه عن الاعتناء به عطف عليه قوله:( وَ ادْعُ إِلى‏ رَبِّكَ ) كأنّه قيل: طب نفساً و لا تعبأ بمنازعتهم و اشتغل بما اُمرت به و هو الدعوة إلى ربّك.

و علّل ذلك بقوله:( إِنَّكَ لَعَلى‏ هُدىً مُسْتَقِيمٍ ) و توصيف الهدى بالاستقامة و هي وصف الصراط الّذي إليه الهداية من المجاز العقليّ.

قوله تعالى: ( وَ إِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ ) سياق الآية السابقة يؤيّد أنّ المراد بهذا الجدال المجادلة و المراء في أمر اختلاف منسكه (صلّي الله عليه وآله وسلّم) مع الشرائع السابقة بعد الاحتجاج عليه بنسخ الشرائع، و قد اُمر (صلّي الله عليه وآله وسلّم) بإرجاعهم إلى حكم الله من غير أن يشتغل بالمجادلة معهم بمثل ما يجادلون.

و قيل: المراد بقوله:( إِنْ جادَلُوكَ ) مطلق الجدال في أمر الدين، و قيل: الجدال في أمر الذبيحة و السياق السابق لا يساعد عليه.

و قوله:( فَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ ) توطئة و تمهيد إلى إرجاعهم إلى حكم الله أي الله أعلم بعملكم و يحكم حكم من يعلم بحقيقة الحال، و إنّما يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون و تخالفون الحقّ و أهله - و الاختلاف و التخالف بمعنى كالاستباق و التسابق -.

قوله تعالى: ( أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ ) تعليل لعلمه تعالى بما يعملون أي إنّ ما يعملون بعض ما في السماء و الأرض و هو يعلم جميع ما فيهما فهو يعلم بعملهم.

٤٤٦

و قوله:( إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ ) تأكيد لما تقدّمه أي إنّ ما علمه من شي‏ء مثبت في كتاب فلا يزول و لا ينسى و لا يسهو فهو محفوظ على ما هو عليه حين يحكم بينهم، و قوله:( إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ ) أي ثبت ما يعلمه في كتاب محفوظ هيّن عليه.

قوله تعالى: ( وَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَ ما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ ) إلخ الباء في( بِهِ ) بمعنى مع، و السلطان البرهان و الحجّة و المعنى و يعبد المشركون من دون الله شيئاً - و هو ما اتّخذوه شريكاً له تعالى - لم ينزّل الله معه حجّة حتّى يأخذوها و يحتجّوا بها و لا أنّ لهم به علماً.

قيل: إنّما أضاف قوله:( وَ ما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ ) على قوله:( ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً ) لأنّ الإنسان قد يعلم أشياء من غير حجّة و دليل كالضروريات.

و ربّما فسّر نزول السلطان بالدليل السمعيّ و وجود العلم بالدليل العقليّ أي يعبدون من دون الله ما لم يقم عليه دليل من ناحية الشرع و لا العقل، و فيه أنّه لا دليل عليه و تنزيل السلطان كما يصدق على تنزيل الوحي على النبيّ كذلك يصدق على تنزيل البرهان على القلوب.

و قوله:( وَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ) قيل: هو تهديد للمشركين و المراد أنّه ليس لهم ناصر ينصرهم فيمنعهم من العذاب.

و الظاهر - على ما يعطيه السياق - أنّه في محلّ الاحتجاج على أن ليس لهم برهان على شركائهم و لا علم، بأنّه لو كان لهم حجّة أو علم لكان لهم نصير ينصرهم إذ البرهان نصير لمن يحتجّ به و العلم نصير للعالم لكنّهم ظالمون و ما للظالمين من نصير فليس لهم برهان و لا علم، و هذا من ألطف الاحتجاجات القرآنيّة.

قوله تعالى: ( وَ إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكادُونَ يَسْطُونَ ) إلخ المنكر مصدر ميميّ بمعنى الإنكار، و المراد بمعرفة الإنكار في وجوههم معرفة أثر الإنكار و الكراهة، و( يَسْطُونَ ) من السطوة و هي على ما في مجمع البيان: إظهار الحال الهائلة للإخافة يقال سطا عليه يسطو سطوة و سطاعة

٤٤٧

و الإنسان مسطوّ عليه، و السطوة و البطشة بمعنى. انتهى.

و المعنى: و إذا تتلى عليهم آياتنا و الحال أنّها واضحات الدلالة تعرف و تشهد في وجوه الّذين كفروا أثر الإنكار يقربون من أن يبطشوا على الّذين يتلون و يقرؤن عليهم آياتنا لما يأخذهم من الغيظ.

و قوله:( قُلْ أَ فَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ ) تفريع على إنكارهم و تحرّزهم من استماع القرآن أي قل: أ فاُخبركم بما هو شرّ من هذا الّذي تعدّونه شرّاً تحترزون منه و تتّقون أن تسمعوه أ فاُخبركم به لتتّقوه إن كنتم تتّقون.

و قوله:( النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ ) بيان للشرّ أي ذلكم الّذي هو شرّ من هذا هي النار، و قوله:( وَعَدَهَا اللهُ ) إلخ بيان لكونه شرّاً.

قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ) إلى آخر الآية خطاب للناس جميعاً و العناية بالمشركين منهم.

و قوله:( ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ) المثل هو الوصف الّذي يمثّل الشي‏ء في حالة سواء كان وصفاً محقّقاً واقعاً أو مقدّراً متخيّلاً كالأمثال الّتي تشتمل على محاورات الحيوانات و الجمادات و مشافهاتها، و ضرب المثل نصبه ليتفكّر فيه كضرب الخيمة ليسكن فيها.

و هذا المثل هو قوله:( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَ لَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَ إِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ) و المعنى أنّه لو فرض أنّ آلهتهم شاؤا أن يخلقوا ذباباً و هو أضعف الحيوانات عندهم لم يقدروا عليه أبداً و إن يسلبهم الذباب شيئاً ممّا عليهم لا يستنقذوه بالانتزاع منه.

فهذا الوصف يمثّل حال آلهتهم من دون الله في قدرتهم على الإيجاد و على تدبير الأمر حيث لا يقدرون على خلق ذباب و على تدبير أهون الاُمور و هو استرداد ما أخذه الذباب منهم و أضرّهم بذلك و كيف يستحقّ الدعوة و العبادة من كان هذا شأنه؟.

و قوله:( ضَعُفَ الطَّالِبُ وَ الْمَطْلُوبُ ) مقتضى المقام أن يكون المراد بالطالب الآلهة

٤٤٨

و هي الأصنام المدعوّة فإنّ المفروض أنّهم يطلبون خلق الذباب فلا يقدرون و استنقاذ ما سلبه إيّاهم فلا يقدرون، و المطلوب الذباب حيث يطلب ليخلق و يطلب ليستنقذ منه.

و في هذه الجملة بيان غاية ضعفهم فإنّهم أضعف من أضعف ما يستضعفه الناس من الحيوانات الّتي فيها شي‏ء من الشعور و القدرة.

قوله تعالى: ( ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ) قدر الشي‏ء هندسته و تعيين كمّيّته و يكنى به عن منزلة الشي‏ء الّتي تقتضيها أوصافه و نعوته يقال: قدر الشي‏ء حقّ قدره أي نزّله المنزلة الّتي يستحقّها و عامله بما يليق به.

و قدره تعالى حقّ القدر أن يلتزم بما يقتضيه صفاته العليا و يعامل كما يستحقّه بأن يتّخذ ربّاً لا ربّ غيره و يعبد وحده لا معبود سواه لكنّ المشركين ما قدروه حقّ قدره إذ لم يتّخذوه ربّاً و لم يعبدوه بل اتّخذوا الأصنام أرباباً من دونه و عبدوها دونه و هم يرون أنّها لا تقدر على خلق ذباب و يمكن أن يستذلّها ذباب فهي من الضعف و الذلّة في نهايتهما، و الله سبحانه هو القويّ العزيز الّذي إليه ينتهي الخلق و الأمر و هو القائم بالإيجاد و التدبير.

فقوله:( ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ ) إشارة إلى عدم التزامهم بربوبيّته تعالى و إعراضهم عن عبادته ثمّ اتّخاذهم الأصنام أرباباً من دونه يعبدونها خوفاً و طمعاً دونه تعالى.

و قوله:( إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ) تعليل للنفي السابق و قد أطلق القوّة و العزّة فأفاد أنّه قويّ لا يعرضه ضعف و عزيز لا تعتريه ذلّة كما قال:( أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً ) البقرة: ١٦٥، و قال:( فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً ) النساء: ١٣٩، و إنّما خصّ الاسمين بالذكر لمقابلتهما ما في المثل المضروب من صفة آلهتهم و هو الضعف و الذلّة فهؤلاء استهانوا أمر ربّهم إذ عدلوا بينه تعالى و هو القويّ الّذي يخلق ما يشاء و العزيز الّذي لا يغلبه شي‏ء و لا يستذلّه من سواه و بين الأصنام و الآلهة الّذين يضعفون من خلق ذباب و يستذلّهم ذباب ثمّ لم يرضوا بذلك حتّى قدّموهم عليه تعالى فاتّخذوهم

٤٤٩

أرباباً يعبدونهم دونه تعالى.

قوله تعالى: ( اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) الاصطفاء أخذ صفوة الشي‏ء و خالصته، قال الراغب: الاصطفاء تناول صفو الشي‏ء كما أنّ الاختيار تناول خيره و الاجتباء تناول جبايته. انتهى.

فاصطفاء الله تعالى من الملائكة رسلاً و من الناس اختياره من بينهم من يصفو لذلك و يصلح.

و هذه الآية و الّتي بعدها تبيّنان وجوب جعل الرسالة و صفتها و صفة الرسل و هي العصمة، و للكلام فيها بعض الاتّصال بقوله السابق:( لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ ) لإنبائه عن الرسالة.

تبيّن الآية أوّلاً أنّ لله رسلاً من الملائكة و من الناس، و ثانياً أنّ هذه الرسالة ليست كيفما اتّفقت و ممّن اتّفق بل هي بالاصطفاء و تعيين من هو صالح لذلك.

و قوله:( إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) تعليل لأصل الإرسال فإنّ الناس أعني النوع الإنسانيّ يحتاج حاجة فطريّة إلى أن يهديهم الله سبحانه نحو سعادتهم و كمالهم المطلوب من خلقهم كسائر الأنواع الكونيّة فالحاجة نحو الهداية عامّة، و ظهور الحاجة فيهم و إن شئت فقل: إظهارهم الحاجة من أنفسهم سؤال منهم و استدعاء لما ترتفع به حاجتهم و الله سبحانه سميع بصير يرى ببصره ما هم عليه من الحاجة الفطريّة إلى الهداية و يسمع بسمعه سؤالهم ذلك.

فمقتضى سمعه و بصره تعالى أن يرسل إليهم رسولاً و يهديهم به إلى سعادتهم الّتي خلقوا لنيلها و التلبّس بها فما كلّ الناس بصالحين للاتّصال بعالم القدس و فيهم الخبيث و الطيّب و الطالح و الصالح، و الرسول رسولان رسول ملكيّ يأخذ الوحي منه تعالى و يؤدّيه إلى الرسول الإنسانيّ و رسول إنسانيّ يأخذ الوحي من الرسول الملكيّ و يلقيه إلى الناس و بالجملة قوله:( إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) يتضمّن الحجّة على لزوم أصل الإرسال، و أمّا معنى الاصطفاء و الحجّة على لزومه فهو ما يشير إليه قوله:( يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ ) .

٤٥٠

قوله تعالى: ( يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ إِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ) ظاهر السياق أنّ ضمير الجمع في الموضعين للرسل من الملائكة و الناس، و يشهد وقوع هذا التعبير فيهم في غير هذا الموضع كقوله تعالى حكاية عن ملائكة الوحي:( وَ ما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَ ما خَلْفَنا ) الآية: مريم: ٦٤، و قوله:( فَلا يُظْهِرُ عَلى‏ غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى‏ مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَداً لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَ أَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ ) الجنّ: ٢٨.

و الآية - كما ترى - تنادي بأنّ ذكر علمه بما بين أيديهم و ما خلفهم لدلالة على أنّه تعالى مراقب للطريق الّذي يسلكه الوحي فيما بينه و بين الناس حافظ له أن يختلّ في نفسه بنسيان أو تغيير أو يفسد بشي‏ء من مكائد الشياطين و تسويلاتهم كلّ ذلك لأنّ حملة الوحي من الرسل بعينه و بمشهد منه يعلم ما بين أيديهم و ما خلفهم و هو بالمرصاد.

و من هنا يظهر أنّ المراد بما بين أيديهم هو ما بينهم و بين من يؤدّون إليه فما بين أيدي الرسول الملكيّ هو ما بينه و بين الرسول الإنسانيّ و ما بين يدي الرسول الإنسانيّ هو ما بينه و بين الناس، و المراد بما خلفهم هو ما بينهم و بين الله سبحانه و الجميع سائرون من جانب الله إلى الناس.

فالوحي في مأمن إلهيّ منذ يصدر من ساحة العظمة و الكبرياء إلى أن يبلغ الناس و لازمه أنّ الرسل معصومون في تلقّي الوحي و معصومون في حفظه و معصومون في إبلاغه للناس.

و قوله:( وَ إِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ) في مقام التعليل لعلمه بما بين أيديهم و ما خلفهم أي كيف يخفى عليه شي‏ء من ذلك؟ و إليه يرجع جميع الاُمور و إذ ليس هذا الرجوع رجوعاً زمانياً حتّى يجوز معه خفاء حاله قبل الرجوع و إنّما هو مملوكيّة ذاته له تعالى فلا استقلال له منه و لا خفاء فيه له فافهم ذلك.

قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) الأمر بالركوع و السجود أمر بالصلاة و مقتضى

٤٥١

المقابلة أن يكون المراد بقوله:( وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ ) الأمر بسائر العبادات المشرّعة في الدين كالحجّ و الصوم و يبقى لقوله:( وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ ) سائر الأحكام و القوانين المشرّعة فإنّ في إقامتها و العمل بها خير المجتمع و سعادة الأفراد و حياتهم كما قال:( اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ ) الأنفال: ٢٤.

و في الآية أمر بإجماع الشرائع الإسلاميّة من عبادات و غيرها.

قوله تعالى: ( وَ جاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ ) إلى آخر الآية. الجهاد بذل الجهد و استفراغ الوسع في مدافعة العدوّ، و يطلق في الأكثر على المدافعة بالقتال لكن ربّما يتوسّع في معنى العدوّ حتّى يشمل كلّ ما يتوقّع منه الشرّ كالشيطان الّذي يضلّ الإنسان و النفس الأمّارة بالسوء و غير ذلك فيطلق اللفظ على مخالفة النفس في هواها و الاجتناب عن طاعة الشيطان في وسوسته، و قد سمّى النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) مخالفة النفس جهاداً أكبر.

و الظاهر أنّ المراد بالجهاد في الآية هو المعنى الأعمّ و خاصّة بالنظر إلى تقييده بقوله:( فِي اللهِ ) و هو كلّ ما يرجع إليه تعالى، و يؤيّده أيضاً قوله:( وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا ) العنكبوت: ٦٩.

و على ذلك فمعنى كون الجهاد فيه حقّ جهاده أن يكون متمحّضاً في معنى الجهاد و يكون خالصاً لوجهه الكريم لا يشاركه فيه غيره نظير تقوى الله حقّ تقواه في قوله:( اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ ) آل عمران: ١٢٤.

و قوله:( هُوَ اجْتَباكُمْ وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) امتنان منه تعالى على المؤمنين بأنّهم ما كانوا لينالوا سعادة الدّين من عند أنفسهم و بحولهم غير أنّ الله منّ عليهم إذ وفّقهم فاجتباهم و جمعهم للدين، و رفع عنهم كلّ حرج في الدين امتناناً سواء كان حرجاً في أصل الحكم أو حرجاً طارئاً عليه اتّفاقاً فهي شريعة سهلة سمحة ملّة أبيهم إبراهيم الحنيف الّذي أسلم لربّه.

و إنّما سمّي إبراهيم أبا المسلمين لأنّه (عليه السلام) أوّل من أسلم لله كما قال تعالى:( إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ ) البقرة: ١٣١، و قال حاكياً عنه (عليه السلام):

٤٥٢

( فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ) إبراهيم: ٣٦ فنسب أتباعه إلى نفسه، و قال أيضاً:( وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ ) إبراهيم: ٣٥، و مراده ببنيه المسلمون دون المشركين قطعاً و قال:( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا ) آل عمران: ٦٨.

و قوله:( هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَ فِي هذا ) امتنان ثان منه تعالى على المؤمنين بعد الامتنان بقوله:( هُوَ اجْتَباكُمْ) فالضمير له تعالى و قوله:( مِنْ قَبْلُ ) أي من قبل نزول القرآن و قوله:( وَ فِي هذا ) أي و في هذا الكتاب و في امتنانه عليهم بذكر أنّه سمّاهم المسلمين دلالة على قبوله تعالى إسلامهم.

و قوله:( لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَ تَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ ) المراد به شهادة الأعمال و قد تقدّم الكلام في معنى الآية في سورة البقرة الآية ١٤٣ و غيرها و في الآية تعليل ما تقدّم من حديث الاجتباء و نفي الحرج و تسميتهم مسلمين.

و قوله:( فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ وَ اعْتَصِمُوا بِاللهِ ) تفريع على جميع ما تقدّم ممّا امتنّ به عليهم أي فعلى هذا يجب عليكم أن تقيموا الصلاة و تؤتوا الزكاة - و هو إشارة إلى العمل بالأحكام العباديّة و الماليّة - و تعتصموا بالله في جميع الأحوال فأتمروا بكلّ ما أمر به و تنتهوا عن جميع ما نهى عنه و لا تنقطعوا عنه في حال لأنّه مولاكم و ليس للعبد أن ينقطع عن مولاه في حال و لا للإنسان الضعيف أن ينقطع عن ناصره بوجه - على الاحتمالين في معنى المولى -.

فقوله:( هُوَ مَوْلاكُمْ ) في مقام التعليل لما قبله من الحكم، و قوله:( فَنِعْمَ الْمَوْلى‏ وَ نِعْمَ النَّصِيرُ ) كلمة مدح له تعالى و تطييب لنفوس المؤمنين و تقوية لقلوبهم بأنّ مولاهم و نصيرهم هو الله الّذي لا مولى غيره و لا نصير سواه.

و اعلم أنّ الّذي أوردناه من معنى الاجتباء و كذا الإسلام و غيره في الآية هو الّذي ذكره جلّ المفسّرين بالبناء على ظاهر الخطاب بيا أيّها الّذين آمنوا في صدر الكلام و شموله عامّة المؤمنين و جميع الاُمّة.

و قد بيّنّا غير مرّة أنّ الاجتباء بحقيقة معناه يساوق جعل العبد مخلصاً - بفتح

٤٥٣

اللام - مخصوصاً بالله لا نصيب لغيره تعالى فيه، و هذه صفة لا توجد إلّا في آحاد معدودين من الاُمّة دون الجميع قطعاً، و كذا الكلام في معنى الإسلام و الاعتصام، و المعنى بحقيقته مراد في الكلام قطعاً.

و على هذا فنسبة الاجتباء و الإسلام و الشهادة إلى جميع الاُمّة توسّع من جهة اشتمالهم على من يتّصف بهذه الصفات بحقيقتها نظير قوله في بني إسرائيل:( وَ جَعَلَكُمْ مُلُوكاً ) المائدة: ٢٠، و قوله فيهم:( وَ فَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ ) الجاثية: ١٦ و نظائره كثيرة في القرآن.

( بحث روائي)

عن جوامع الجامع في قوله تعالى:( فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ ) روي أنّ بديل بن ورقاء و غيره من كفّار خزاعة قالوا للمسلمين: ما لكم تأكلون ما قتلتم و لا تأكلون ما قتل الله يعنون الميتة.

أقول: سياق الآية لا يساعد عليه.

و في الكافي، بإسناده عن عبد الرحمن بيّاع الأنماط عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: كانت قريش تلطخ الأصنام الّتي كانت حول الكعبة بالمسك و العنبر، و كان يغوث قبال الباب و يعوق عن يمين الكعبة، و كان نسر عن يسارها، و كانوا إذا دخلوا خرّوا سجدّا ليغوث و لا ينحنون ثمّ يستديرون بحيالهم إلى يعوق ثمّ يستديرون عن يسارها بحيالهم إلى نسر ثمّ يلبّون فيقولون: لبّيك اللّهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك إلّا شريك هو لك تملكه و ما ملك.

قال: فبعث الله ذبابا أخضر له أربعة أجنحة فلم يبق من ذلك المسك و العنبر شيئاً إلّا أكله، و أنزل الله عزّوجلّ:( يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ) الآية.

و فيه، بإسناده عن بريد العجليّ قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام):( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَ جاهِدُوا فِي

٤٥٤

اللهِ حَقَّ جِهادِهِ ) قال: إيّانا عنى و نحن المجتبون و لم يجعل الله تبارك و تعالى لنا في الدين من حرج فالحرج أشدّ من الضيق.

( مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ ) إيّانا عنى خاصّة( هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ ) الله عزّوجلّ سمّانا المسلمين( مِنْ قَبْلُ ) في الكتب الّتي مضت( وَ فِي هذا ) القرآن( لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَ تَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ ) فرسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم) الشهيد علينا بما بلّغنا عن الله تبارك و تعالى و نحن الشهداء على الناس يوم القيامة فمن صدّق يوم القيامة صدّقناه و من كذب كذّبناه.

أقول: و الروايات من طرق الشيعة عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) في هذا المعنى كثيرة، و قد تقدّم في ذيل الآية ما يتّضح به معنى هذه الروايات.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن جرير و ابن مردويه و الحاكم و صحّحه عن عائشة: أنّها سألت النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) عن هذه الآية:( وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) قال: الضيق.

و في التهذيب، بإسناده عن عبدالأعلى مولى آل سام قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة كيف أصنع بالوضوء؟ قال: يعرف هذا و أشباهه من كتاب الله عزّوجلّ قال الله:( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) امسح عليه.

أقول: و في معناها روايات اُخر تستشهد بالآية في رفع الحكم الحرجيّ و في التمسّك بالآية في الحكم دلالة على صحّة ما قدّمناه في معنى الآية.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي شيبة في المصنف و إسحاق بن راهويه في مسنده عن مكحول أنّ النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) قال: تسمّي الله باسمين سمّى بهما اُمّتي هو السلام و سمّى اُمّتي المسلمين، و هو المؤمن و سمّى اُمّتي المؤمنين‏

تم و الحمد لله.

٤٥٥

الفهرس

( سورة مريم مكّيّة و هي ثمان و تسعون آية )   ٢

( سورة مريم الآيات ١ - ١٥ ). ٢

( بيان ). ٣

( قصّة زكريّا في القرآن ). ٢٥

( قصّة يحيى (عليه السلام) في القرآن ). ٢٦

( سورة مريم الآيات ١٦ - ٤٠ ). ٣٢

( بيان ). ٣٣

( كلام في معنى التمثّل ). ٣٥

( بحث روائي ). ٥٢

( سورة مريم الآيات ٤١ - ٥٠ ). ٥٧

( بيان ). ٥٧

( سورة مريم الآيات ٥١ - ٥٧ ). ٦٥

( بيان ). ٦٥

( قصّة إسماعيل صادق الوعد ). ٦٧

( قصّة إدريس النبيّ (عليه السلام) ). ٦٨

( سورة مريم الآيات ٥٨ - ٦٣ ). ٧٧

( بيان ). ٧٧

( بحث روائي ). ٨٤

( سورة مريم الآيات ٦٤ - ٦٥ ). ٨٦

( بيان ). ٨٦

( سورة مريم الآيات ٦٦ - ٧٢ ). ٩٢

( بيان ). ٩٢

( بحث روائي ). ٩٨

( كلام في معنى وجوب الفعل و جوازه ). ١٠٠

( و عدم جوازه على الله سبحانه ). ١٠٠

٤٥٦

( سورة مريم الآيات ٧٣ - ٨٠ ). ١٠٦

( بيان ). ١٠٦

( بحث روائي ). ١١٣

( سورة مريم الآيات ٨١ - ٩٦ ). ١١٥

( بيان ). ١١٥

( بحث روائي ). ١٢١

( سورة مريم الآيات ٩٧ - ٩٨ ). ١٢٦

( بيان ). ١٢٦

( سورة طه مكّيّة و هي مائة و خمس و ثلاثون آية )   ١٢٨

( سورة طه الآيات ١ - ٨ ). ١٢٨

( بيان ). ١٢٨

( بحث روائي ). ١٣٦

( سورة طه الآيات ٩ - ٤٨ ). ١٤٦

( بيان ). ١٤٧

( بحث روائي ). ١٧١

( سورة طه الآيات ٤٩ - ٧٩ ). ١٧٥

( بيان ). ١٧٧

( بحث روائي ). ١٩٩

( سورة طه الآيات ٨٠ - ٩٨ ). ٢٠٠

( بيان ). ٢٠١

( بحث روائي ). ٢١٤

( سورة طه الآيات ٩٩ - ١١٤ ). ٢٢٤

( بيان ). ٢٢٥

( بحث روائي ). ٢٣٢

( سورة طه الآيات ١١٥ - ١٢٦ ). ٢٣٥

( بيان ). ٢٣٥

( بحث روائي ). ٢٤٦

٤٥٧

( سورة طه الآيات ١٢٧ - ١٣٥ ). ٢٥١

( بيان ). ٢٥٢

( بحث روائي ). ٢٦١

( سورة الأنبياء مكّيّة و هي مائة و اثنتا عشرة آية )   ٢٦٤

( سورة الأنبياء الآيات ١ - ١٥ ). ٢٦٤

( بيان ). ٢٦٥

( كلام في معنى حدوث الكلام و قدمه في فصول ). ٢٦٩

١- ما معنى حدوث الكلام و بقائه؟ ٢٦٩

٢- هل الكلام بما هو كلام فعل أو صفة ذاتيّة؟ ٢٧٠

٣- تحليل معنى الكلام: ٢٧٠

٤- محصّل البحث‏: ٢٧١

( بحث روائي ). ٢٧٨

( سورة الأنبياء الآيات ١٦ - ٣٣ ). ٢٨٠

( بيان ). ٢٨١

( بحث في حكمته تعالى ). ٢٩٥

( و معنى كون فعله مقارناً للمصلحة ). ٢٩٥

( و هو بحث فلسفي و قرآني‏ ). ٢٩٥

( بحث روائي ). ٣٠٦

( سورة الأنبياء الآيات ٣٤ - ٤٧ ). ٣١٠

( بيان ). ٣١١

( بحث روائي ). ٣٢٠

( سورة الأنبياء الآيات ٤٨ - ٧٧ ). ٣٢٢

( بيان ). ٣٢٣

( بحث روائي‏ ). ٣٣٦

( سورة الأنبياء الآيات ٧٨ - ٩١ ). ٣٣٩

( بيان ). ٣٤٠

( بحث روائي ). ٣٤٧

٤٥٨

( سورة الأنبياء الآيات ٩٢ - ١١٢ ). ٣٥١

( بيان ). ٣٥٢

( بحث روائي ). ٣٦٥

( سورة الحجّ مدنيّة و هي ثمان و سبعون آية )   ٣٧٠

( سورة الحجّ الآيات ١ - ٢ ). ٣٧٠

( بيان ). ٣٧٠

( بحث روائي ). ٣٧٢

( سورة الحجّ الآيات ٣ - ١٦ ). ٣٧٤

( بيان ). ٣٧٥

( بحث روائي ). ٣٨٧

( سورة الحجّ الآيات ١٧ - ٢٤ ). ٣٩١

( بيان ). ٣٩١

( بحث روائي ). ٣٩٦

( سورة الحجّ الآيات ٢٥ - ٣٧ ). ٤٠٠

( بيان ). ٤٠١

( بحث روائي ). ٤١٣

( سورة الحجّ الآيات ٣٨ - ٥٧ ). ٤١٨

( بيان ). ٤١٩

( بحث روائي ). ٤٣٤

( سورة الحجّ الآيات ٥٨ - ٦٦ ). ٤٣٧

( بيان ). ٤٣٧

( بحث روائي ). ٤٤٣

( سورة الحجّ الآيات ٦٧ - ٧٨ ). ٤٤٤

( بيان ). ٤٤٥

( بحث روائي ). ٤٥٤

٤٥٩