الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٩

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 403

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 403
المشاهدات: 123432
تحميل: 8308


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 403 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 123432 / تحميل: 8308
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 9

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٢٤ - ذكر ابو مخنف من طريق مسافر بن عفيف من خطبة(١) لمولانا أمير المؤمنين قوله: اللهمَّ إنَّ طلحة نكث بيعتي وألَّب على عثمان حتى قتله ثمَّ عضهني به ورماني أللهمَّ فلا تمهله، اللهمَّ إنَّ الزبير قطع رحمي ونكث بيعتي وظاهر على عدوّي فاكفنيه اليوم بما شئت(٢) .

٢٥ - أخرج الطبري في تاريخه ٥: ١٨٣ من طريق علقمة بن وقاص الليثي قال: لَمّا خرج طلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم رأيت طلحة وأحبُّ المجالس إليه أخلاها وهو ضاربٌ بلحيته على زَوره(٣) فقلت: يا أبا محمَّد! أرى أحبَّ المجالس اليك أخلاها وأنت ضاربٌ بلحيتك على زورك، إن كرهت شيئاً فاجلس. قال: فقال لي: يا علقمة بن وقّاص! بينا نحن يدٌ واحدة على مَن سوانا إذا صرنا جبلين من حديد يطلب بعضنا بعضاً انّه كان منِّي في عثمان شيءٌ ليس توبتي إلّا أن يُسفك دمي في طلب دمه.

الوجه في هذه التوبة إن صحَّت وكان الموئود من النفوس المحترمة أن يسلّم نفسه لأولياء القتيل أو لإمام الوقت فيقيدوا منه، لا أن يلقح فتنة كبرى تُراق فيها دماءٌ بريئة من دم عثمان، وتزهق أنفسٌ لم تكن هنالك في حَلّ ولا مرتحل، فيكون قد زاد ضغثاً على ابّالة، وجاء بها حشفاً وسوء كيلة.

٥ - حديث الزبير بن العوام

أحد العشرة المبشَّرة، وأحد أصحاب الشورى الستّ.

١ - أخرج الطبري في حديث وقعة الجمل: خرج عليٌّ على فرسه فدعا الزبير فتواقفا فقال عليٌّ للزبير: ما جاء بك؟ قال: أنت، ولا أراك لهذا الأمر أهلاً ولا أولى به منّا. فقال عليٌّ: لستُ(٤) له أهلاً بعد عثمان رضي الله عنه؟ قد كنّا نعدُّك من بني عبد المطلب حتّى بلغ إبنك ابن السوء ففرَّق بيننا وبينك. وعظَّم عليه أشياء فذكر أنَّ النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرَّ عليهما فقال لعليّ: ما يقول ابن عمَّتك؟ ليقاتلنّك وهو لك ظالمٌ(٥) .

____________________

١ - ذكرها ابن ابى الحديد فى شرح النهج ١: ١٠١.

٢ - يا لها من دعوة مستجابة اصابت الرجلين من دون مهلة.

٣ - الزور: الصدر وقيل: وسط الصدر. وقيل: أعلى الصدر. وقيل: ملتقى أطراف عظام الصدر.

٤ - فى الكامل لابن الاثير: ألست.

٥ - هذا الحديث اخرجه جمع من الحفاظ كما اسلفناه فى الجزء الثالث ص ١٩١ ط ٢.

١٠١

فانصرف عنه الزبير وقال: فانِّي لا اُقاتلك، فرجع إلى ابنه عبد الله، فقال: ما لي في هذا الحرب بصيرة. فقال له ابنه: إنَّك قد خرجت على بصيرة، ولكنّك رأيت رايات ابن أبي طالب وعرفت أنّ تحتها الموت فجبنت، فأحفظه حتّى أرعد وغضب وقال: ويحك إنّي قد حلفت له ألّا اُقاتله. فقال له إبنه: كفِّر عن يمينك بعتق غلامك (سَرجيس) فأعتقه وقام في الصفِّ معهم، وكان عليٌّ قال الزبير: أتطلب منِّي دم عثمان؟ وأنت قتلته، سلّط الله على أشدِّنا عليه اليوم ما يكره(١) .

وقول عليٍّعليه‌السلام للزبير: أتطلب منِّي دم عثمان وأنت قتلته. الخ. أخرجه أيضاً الحافظ العاصمي في زين الفتى. وفي لفظ المسعودي: قال عليٌّ: ويحك يا زبير! ما الذي أخرجك؟ قال: دم عثمان. قال عليٌّ: قتل الله أولانا بدمِ عثمان.

قال الأميني: إنّما حلف الزبير على ترك القتال لأنَّه وجده بعد تذكير الإمامعليه‌السلام له الحديث النبويَّ، وبعد إتمام الحجَّة عليه بذلك محرَّماً عليه في الدين، وانَّه من الظلم الفاحش الذي استقلَّ العقل بتحريمه، فهل التكفير بعتق الغلام يُبيح ذلك المحرَّم بالعقل والشريعة؟ ويسوِّغ الخروج على الإمام المفترض طاعته؟ لا. لكن تسويل عبد الله هو الذي فرَّق بين الزبير وبين آل عبد المطلب، وأباح له كلَّ محظور، فقاتل إمام الوقت ظالماً كما ورد في النصِّ النبويِّ، وصدَّق الخُبر الخَبر.

٢ - ذكر المسعودي في حديث: انَّ مروان بن الحكم قال - يوم الجمل -: رجع الزبير، يرجع طلحة، ما اُبالي رميت ها هنا أم هاهنا، فرماه في أكحله فقتله.

(مروج الذهب ٢: ١١)

٣ - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ٢: ٤٠٤: كان طلحة من أشدِّ الناس تحريضاً عليه، وكان الزبير دونه في ذلك، رووا أنَّ الزبير كان يقول: اُقتلوه فقد بدَّل دينكم. فقالوا له: إنَّ ابنك يحامي عنه بالباب. فقال: ما أكره أن يُقتل عثمان ولو بدئ با بني، إنَّ عثمان لجيفةٌ على الصراط غداً.

٤ - أخرج البلاذري في الأنساب ٥: ٧٦ من طريق أبي مخنف قال: جاء الزبير إلى عثمان فقال له: إنَّ في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جماعةٌ يمنعون من ظلمك، ؤ يأخذونك

____________________

١ - تاريخ الطبرى ٥: ٢٠٤، مروج الذهب ٢: ١٠، الكامل لابن ألاثير ٣: ١٠٢.

١٠٢

بالحقِّ، فأخرج فخاصم القوم إلى أزواج النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فخرج معه فوثب الناس عليه بالسِّلاح فقال: يا زبير! ما أرى أحداً يأخذ بحقّ، ولا يمنع من ظلم، ودخل ومضى الزبير إلى منزله.

٥ - قال البلاذري في الأنساب ٥: ١٤: وجدت في كتاب لعبد الله عن الصالح العجلي ذكروا: انَّ عثمان نازع الزبير فقال الزبير: إن شئت تقاذفنا؟ فقال عثمان: بماذا أيا لبعير يا أبا عبد الله؟ قال: لا والله ولكن بطبع خباب، وريش المقعد، وكان خباب يطبع السيوف، وكان المقعد يريش النبل.

وقال ابن المغيرة بن الأخنس متغنّياً على قعود له:

حُكيم وعمّار الشجا ومحمّد

وأشتر والمكشوح جرّوا الدواهيا

وقد كان فيها للزبير عجاجة

وصاحبه الأدنى أشاب النواصيا(١)

٦ - حديث طلحة والزبير

١ - من كلام لمولانا أمير المؤمنين في شأن الرجلين: والله ما أنكروا عليَّ منكراً ولا جعلوا بيني وبينهم نصفاً، وإنَّهم ليطلبون حقّاً هم تركوه، ودماً هم سفكوه، فإن كنت شريكهم فيه فإنَّ لهم نصيبهم منه، وإن كانوا وُلوه دوني فما الطلبة إلّا قِبَلهم، وإنَّ أوَّل عدلهم للحكم على أنفسهم، وإنَّ معي لبصيرتي ما لبَّست ولا لُبِّس عليَّ، وإنَّها للفئة الباغية فيها الحما والحُمة(٢) .

(نهج البلاغة ١: ٢٥٤).

وفي لفظ أبي عمر في « الإستيعاب » في ترجمة طلحة بن عبيد الله: إنِّي مُنيت بأربعة: أدهى النّاس وأسخاهم طلحة، وأشجع النّاس الزبير، وأطوع النّاس في النَّاس عائشة، وأسرع النّاس إلى الفتنة يعلى بن منية، والله ما أنكروا عليَّ شيئاً منكراً، ولا استأثرت بمال، ولا ملت بهوى، وانَّهم ليطلبون حقّاً تركوه، ودماً سفكوه، ولقد ولوه دوني، وإن كنت شريكهم في الإنكار لما أنكروه، وما تبعة عثمان إلّا عندهم، وانَّهم لهم الفئة الباغية. إلى قولهعليه‌السلام : والله إنَّ طلحة والزبير وعائشة ليعلمون أنِّي على الحقِّ وأنّهم مبطلون.

____________________

١ - كتاب صفين لابن مزاحم ط مصر ص ٦٠، ٦٦.

٢ - قال ابن ابى الحديد: كنى علىّ عليه‌ السلام عن الزوجة بالحمة. وهى: سم العقرب. والحما يضرب مثلا لغير الطيب ولغير الصافى.

١٠٣

٢ - من كتاب لهعليه‌السلام إلى أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلى البصرة: أمّا بعد: فإنِّي اُخبركم عن أمر عثمان حتّى يكون سمعه كعيانه، إنَّ النَّاس طعنوا عليه فكنت رجلاً من المهاجرين اُكثر استعتابه، واُقلُّ عتابه، وكان طلحة والزبير أهون سيرهما فيه الوجيف، وأرفق حدائهما العنيف، وكان من عائشة فيه فلتة غضب، فاُتيح له قومٌ فقتلوه، وبايعني الناس غير مستكرَهين ولا مجبَرين بل طائعين مخيَّرين.

(نهج البلاغة ٢: ٢، الإمامة والسياسة ١: ٥٨).

قال ابن أبي الحديد في الشرح ٣: ٢٩٠: أمَّا طلحة والزبير فكانا شديدين عليه (على عثمان) والوجيف: سير سريعٌ وهذا مثلٌ يقال للمستمرِّين في الطعن عليه حتى أنَّ السير السريع أبطأ ما يسيران في أمره، والحداء العنيف أرفق ما يحرِّضان به عليه.

٣ - قال البلاذري: حدَّثني المدائني عن ابن الجعدبة قال: مرَّ عليٌّ بدار بعض آل أبي سفيان فسمع بعض بناته تضرب بدُف وتقول:

ظُلامة عثمان عند الزبير

وأوتر منه لنا طلحهْ

هما سعراها بأجذالها

وكانا حقيقين بالفضحهْ

فقال عليٌّ: قاتلها الله، ما أعلمها بموضع ثأرها؟ الأنساب ٥: ١٠٥.

٤ - أخرج الطبري من طريق ابن عبَّاس قال: قدمت المدينة من مكّة بعد قتل عثمان رضي الله عنه بخمسة أيَّام فجئت عليّاً أدخل عليه فقيل لي: عنده المغيرة بن شعبة فجلست بالباب ساعة فخرج المغيرة فسلّم عليَّ فقال: متي قدمت؟ فقلت: ألساعة. فدخلت على عليّ فسلّمت عليه فقال لي: لقيت الزبير وطلحة؟ قال: قلت: لقيتهما بالنواصف. قال: مَن معهما؟ قلت: أبو سعيد بن الحارث بن هشام في فئة من قريش. فقال عليٌّ: أما انَّهم لن يدعوا أن يخرجوا يقولون: نطلب بدم عثمان والله نعلم أنّهم قتلة عثمان.

(تاريخ الطبري ٥: ١٦٠).

٥ - أخرج الطبري عن عمر بن شبه من طريق عتبة بن المغيرة بن الأخنس قال: لقى سعيد بن العاص مروان بن الحكم وأصحابه بذات عرق فقال: أين تذهبون؟ و ثأركم على أعجاز الإبل اقتلوهم(١) ثمَّ ارجعوا إلى منازلكم لا تقتلوا أنفسكم. قالوا:

____________________

١ - يعنى طلحة والزبير وأصحابهما.

١٠٤

بل نسير فلعلّنا نقتل قتلة عثمان جميعاً. فخلا سعيد بطلحة والزبير فقال: إن ظفرتما لمن تجعلان الأمر؟ أصدقاني. قالا: لأحدنا أيّنا اختاره الناس. قال: بل اجعلوه لولد عثمان فانّكم خرجتم تطلبون بدمه. قالا: ندعُ شيوخ المهاجرين ونجعلها لأبنائهم؟ قال: أفلا أراني أسعى لأخرجها من بني عبد مناف؟ فرجع ورجع عبد الله بن خالد بن اسيد فقال المغيرة بن شعبة: الرأي ما رأى سعيد بن كان هاهنا من ثقيف فليرجع فرجع. الحديث

(تاريخ الطبري ٥: ١٦٨).

٦ - وفي كتاب كتبه ابن عبّاس إلى معاوية جواباً: وأمّا طلحة والزبير فانَّهما أجلبا عليه وضيَّقا خناقه، ثمَّ خرجا ينقضان البيعة ويطلبان الملك، فقاتلناهما على النكث كما قاتلناك على البغي. كتاب نصر بن مزاحم ص ٤٧٢، شرح ابن أبي الحديد ٢: ٢٨٩.

٧ - قدم على حابس بن سعد سيِّد طيّ بالشام ابن عمّه فأخبره انَّه شهد قتل عثمان بالمدينة المنوَّرة وسار مع عليّ إلى الكوفة وكان له لسانٌ وهيبة فغدا به حابس إلى معاوية فقال: هذا ابن عمِّي قدم من الكوفة، وكان مع عليّ وشهد قتل عثمان بالمدينة وهو ثقةٌ فقال معاوية: حدِّثنا عن أمر عثمان. قال: نعم وليه محمَّد بن أبي بكر، وعمّار ابن ياسر، وتجرَّد في أمره ثلاث نفر: عدي بن حاتم، والأشتر النخعي، وعمرو بن الحمق، ودبَّ(١) في أمره رجلان: طلحة والزبير، وأبرأ الناس منه عليُّ بن أبي طالب ثمَّ تهافت الناس على عليّ بالبيعة تهافت الفراش حتى ضلّت(٢) النعل، وسقط الرداء، ووطئ الشيخ ولم يُذكر عثمان ولم يَذكروه. الخ.

(الإمامة والسياسة ١ ص ٧٤، كتاب صفِّين لابن مزاحم ص ٧٢، شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٥٩).

٨ - أخرج الحاكم في المستدرك ٣: ١١٨ باسناده عن إسرائيل بن موسى انَّه قال: سمعت الحسن يقول: جاء طلحة والزبير إلى البصرة فقال لهم الناس: ما جاء بكم؟ قالوا: نطلب دم عثمان. قال الحسن: أيا سبحان الله! أفما كان للقوم عقولٌ فيقولون: والله ما قتل عثمان غيركم؟

____________________

١ - لفظ ابن مزاحم: وجدّ فى أمره رجلان.

٢ - وفى لفظ: ضاعت النعل.

١٠٥

٩ - لَمّا انتهت عائشة وطلحة والزبير إلي حُفر أبي موسى(١) قريباً من البصرة أرسل عثمان بن حنيف وهو يومئذ عامل عليّ على البصرة إلى القوم أبا الأسود الدؤلي فجاء حتى دخل على عائشة فسألها عن مسيرها فقالت: أطلب بدم عثمان. قال: إنَّه ليس بالبصرة من قتلة عثمان أحدٌ، قالت. صدقت ولكنهم مع عليِّ بن أبي طالب بالمدينة وجئت استنهض اهل البصرة لقتاله، أنغضب لكم من سوط عثمان ولا نغضب لعثمان من سيوفكم؟ فقال لها: ما أنتِ من السوط والسيف؟ إنَّما أنتِ حبيس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمركِ أن تقرِّي في بيتك، وتتلي كتاب ربِّك، وليس على النساء قتال، ولا لهنَّ الطلب بالدماء، وانَّ عليّاً لأولى بعثمان منك وأمسّ رحماً فانَّهما إبنا عبد مناف. فقالت: لست بمنصرفة حتى أمضي لما قدمت إليه، أفتظنُّ يا ابا الأسود! انّ أحداً يقدم على قتالي؟ قال: أما والله لتقاتلن قتالا أهونه الشديد. ثمَّ قام فأتى الزبير فقال: يا أبا عبد الله! عهد الناس بك و أنت يوم بويع أبو بكر آخذٌ بقائم سيفك تقول: لا أحد أولى بهذا الأمر من إبن أبي طالب وأين هذا المقام من ذاك؟ فذكر له دم عثمان، قال: أنت وصاحبك وليتماه فيما بلغنا. قال: فانطلق إلى طلحة فاسمع ما يقول. فذهب إلى طلحة فوجده سادراً في غيِّه مصرّاً على الحرب والفتنة. الحديث.

الإمامة والسياسة ١ ص ٥٧، العقد الفريد ٢: ٢٧٨، شرح ابن أبي الحديد ٢: ٨١

١٠ - خرج عثمان بن الحنيف إلى طلحة والزبير في أصحابه فناشدهم الله والإسلام واذكرهما بيعتهما عليّاً فقالا: نطلب بدم عثمان. فقال لهما: وما أنتما وذاك؟ أين بنوه؟ أين بنو عمِّه الذين هم أحقّ به منكم؟ كلّا والله، ولكنّكما حسدتماه حيث إجتمع النّاس عليه، وكنتما ترجوان هذا الأمر وتعملان له، وهل كان أحدٌ أشدَّ على عثمان قولاً منكما؟ فشتماه شتماً قبيحاً وذكرا اُمَّه. ألحديث. شرح ابن أبي الحديد ٢: ٥٠٠.

١١ - لَمّا نزل طلحة والزبير وعائشة بأوطاس من أرض خيبر أقبل عليهم سعيد ابن العاصي على نجيب له فأشرف على النّاس ومعه المغيرة بن شعبة فنزل وتوكّأ على قوس له سوداء فأتى عائشة فقال لها: أين تريدين يا اُمَّ المؤمنين؟ قالت: اُريد البصرة.

____________________

١ - حفر ابن موسى هى ركايا احفرها ابو موسى الاشعرى على جادة البصرة الى مكة بينها و بين البصرة خمس ليال.

١٠٦

قال: وما تصنعين بالبصرة؟ قالت: أطلب بدم عثمان. قال: فهؤلاء قتلة عثمان معكِ، ثمَّ أقبل على مروان فقال له: أين تريد أيضاً؟ قال: البصرة. قال: وما تصنع بها؟ قال: أطلب قتلة عثمان. قال: فهؤلاء قتلة عثمان معك؟ إنَّ هذين الرجلين قتلا عثمان: طلحة والزبير، وهما يريدان الأمر لأنفسهما فلمّا غلبا عليه قالا: نغسل الدم بالدم والحوبة بالتوبة.

ثمَّ قال المغيرة بن شعبة: أيّها النّاس إن كنتم إنَّما خرجتم مع اُمِّكم؟ فارجعوا بها خيراً لكم، وإن كنتم غضبتم لعثمان؟ فرؤساؤكم قتلوا عثمان، وإن كنتم نقمتم على عليّ شيئاً؟ فبيِّنوا ما نقمتم عليه، أنشدكم الله، فِتنتين في عام واحد؟ فأبوا إلّا أن يمضوا بالنّاس.

« الإمامة والسياسة ١: ٥٥ »

١٢ – لمـّا نزل طلحة والزبير البصرة قال عثمان بن حنيف: نعذر إليهما برجلين فدعا عمران بن حصين صاحب رسول الله وأبا الأسود الدؤلي فأرسلهما إلى الرجلين فذهبا إليهما فناديا: يا طلحة! فأجابهما فتكلّم أبو الأسود الدؤلي فقال: يا محمَّد؟ انَّكم قتلتم عثمان غير مؤامرين لنا في قتله، وبايعتم عليّاً غير مؤامرين لنا في ييعته، فلم نغضب لعثمان إذ قُتل، ولم نغضب لعليّ إذ بويع، ثمَّ بدا لكم فأردتم خلع عليّ ونحن على الأمر الأوّل، فعليكم المخرج ممَّا دخلتم فيه. ثمَّ تكلّم عمران فقال: يا طلحة! إنَّكم قتلتم عثمان ولم نغضب له إذ لم تغضبوا، ثمَّ بايعتم عليّاً وبايعنا مَن بايعتم، فإن كان قتل عثمان صواباً فمسيركم لماذا؟ وإن كان خطأ؟ فحظُّكم منه الأوفر، ونصيبكم منه الأوفى، فقال طلحة: يا هذان إنَّ صاحبكما لا يرى أنَّ معه في هذا الأمر غيره وليس على هذا بايعناه، وأيم الله ليسفكنَّ دمه. فقال أبو الأسود: يا عمران! أمّا هذا فقد صرَّح انَّه إنَّما غضب للملك. ثمَّ أتيا الزبير فقالا: يا أبا عبد الله! إنّا أتينا طلحة. قال الزبير: إنَّ طلحة وإيّاي كروح في جسدين، وإنَّه والله يا هذان! قد كانت منَّا في عثمان فلتات إحتجنا فيها إلى المعاذير، ولو استقبلنا من أمرنا ما استدبرناه نصرناه الحديث. « الإمامة والسياسة ١ ص ٥٦ »

١٣ - من خطبة لعمَّار بن ياسر خطبها بالكوفة فقال: يا أهل الكوفة! إن كان غاب عنكم أنباؤنا فقد انتهت اليكم اُمورنا، إنَّ قتلة عثمان لا يعتذرون من قتله إلى الناس ولا ينكرون ذلك، وقد جعلوا كتاب الله بينهم وبين محاجِّيهم فيه، أحيا الله من أحيا،

١٠٧

وأمات مَن أمات، وإنَّ طلحة والزبير كانا أوَّل من طعن وآخر من أمر، وكانا أوَّل من بايع عليّاً، فلمّا أخطأهما ما أمَّلاه نكثا بيعتهما من غير حدَث. الحديث.

« الإمامة والسياسة ١: ٥٩ »

١٤ - روى البلاذري عن المدائني قال: ولَّى عبد الملك علقمة بن صفوان بن المحرِّث مكّة فشتم طلحة والزبير على المنبر فلمّا نزل قال لأبان بن عثمان: أرضيتك في المدهنين في أمير المؤمنين عثمان؟ قال: لا والله، ولكن سؤتني، بحسبي بليَّة أن تكون شركاً في دمه.

« الأنساب للبلاذري ٥: ١٢٠ »

١٥ - أخرج أبو الحسن عليُّ بن محمَّد المدائني من طريق عبد الله بن جنادة خطبة لمولانا أمير المؤمنين منها قوله: بايعني هذان الرجلان في أوَّل مَن بايع، تعلمون ذلك وقد نكثا وغدرا ونهضا إلى البصرة بعائشة ليفرِّقا جماعتكم، ويلقيا بأسكم بينكم، أللهمَّ فخذهما بما عملا أخذةً واحدةً رابية، ولا تنعش لهما صرعة، ولا تقل لهما عثرة، ولا تمهلهما فواقا، فانَّهما يطلبان حقّاً تركاه، ودماً سفكاه، أللهمَّ إنِّي أقتضيك وعدك فانّك قلت: وقولك الحقّ لمن بغي عليه لينصرنَّه الله، أللهمّ فانجز لي موعدك، ولا تكلني إلى نفسي إنَّك على كلِّ شيء قدير.

(شرح ابن أبي الحديد ١: ١٠٢).

١٦ - من خطبة لمولانا أمير المؤمنين ذكرها الكلبي كما في شرح ابن أبي الحديد ١: ١٠٢: فما بال طلحة والزبير؟ وليسا من هذا الأمر بسبيل، لم يصبرا عليَّ حولاً ولا أشهراً حتّى وثبا ومَرقا، ونازعاني أمراً لم يجعل الله لهما إليه سبيلا بعد أن بايعا طائعين غير مكرهين، يرتضعان اُمّا قد فطمت، ويحييان بدعةً قد اُميتت، أدم عثمان زعما؟ والله ما التبعة إلّا عندهم وفيهم، وإنَّ أعظم حجَّتهم لعلى أنفسهم، وأنا راض بحجَّة الله عليهم وعلمه فيهم. الحديث.

١٧ - من كلمة لمالك الأشتر: لعمري يا أمير المؤمنين! ما أمر طلحة والزبير و عائشة علينا بمخيَّل، ولقد دخل الرجلان فيما دخلا فيه وفارقا على غير حدث أحدثتَ ولا جور صنعتَ، زعما انَّهما يطلبان بدم عثمان فليقيدا من أنفسهما، فإنَّهما أوَّل من ألَّب عليه وأغرى الناس بدمه، واُشهد الله لئن لم يدخلا فيما خرجا منه لنلحقنَّهما بعثمان

١٠٨

فإنَّ سيوفنا في عواتقنا، وقلوبنا في صدورنا، ونحن اليوم كما كنّا أمس.

« شرح ابن أبي الحديد ١: ١٠٣ »

قال الأميني: إنَّ الأخذ بمجامع هذه الأخبار البالغة خمسين حديثاً يعطينا درساً ضافياً بأنَّ الرجلين هما أساس النهضة في قصَّة عثمان، وهما اللذان أسعرا عليه الفتنة، وانَّهما لم يريان حرجاً في إراقة دمه، وقد استباحا عندئذ ما يحرم إرتكابه في المسلمين إلّا أن يكون مهدور الدم بسبب من الأسباب الموجبة لذلك، فلم يتركاه حتّى أوديا به، وكان لطلحة هنالك مواقف مشهودة، فمنع عنه الماء الذي هو شرعٌ سواءٌ بين المسلمين، وانَّه لم يردَّ على عثمان لَمّا سلّم عليه ومن الواجب ردُّ السَّلام على كلِّ مسلم، وقد منع عن دفنه ثلاثاً في مقابر المسلمين، وقد أوجبت الشريعة الإسلاميَّة المبادرة إلى دفن المسلم، وقد أمر برمي الجنازة ورمي من يتولّى تجهيزها بالحجارة والمسلم حرمته ميتاً كحرمته حيّاً، فلم يرض طلحة بالأخير إلّا دفنه في مقبرة اليهود « حشّ كوكب » وهل لهذه الأعمال وجهٌ بعد حفظ كرامة صحبتهما؟ والقول بعدالة الصحابة كلّهم؟ و قبول ما ورد في الرجلين إنَّهما من العشرة المبشَّرة؟ إلا أن يُقال: إنَّهما كانا يريان القتيل خارجا عن حوزة المسلمين، وإلّا لردعتهما الصحبة والعدالة والبشارة عن ارتكاب تلكم الأعمال في أيّ من ساقة المسلمين فضلاً عن خليفتهم.

ونحن في هذا المقام نقف موقف المتحايد، ولسنا هاهنا إلّا في صدد بيان آراء الصحابة الأوَّلين في عثمان، وما أفضناه من رأيهما كان معروفاً عنهما في وقتهما، ولم يزل كذلك في الأجيال المتأخِّرة عنهما حتّى العصر الحاضر، إن كانت الآراء تُؤخذ من المصادر الوثيقة، وكانت حرَّة غير مشوبة بحكم العاطفة، نزهة عن الميول والشهوات وأمّا ما أظهراه من التوبة بعد أن نكثا البيعة الصحيحة المشروعة فقد قدَّمنا وجهها في ص ١٠١ في طلحة ويشاركه في ذلك الزبير ايضاً، فقد قفّيا الحوبة بالحوبة لا بالتوبة حسبا (إن كانا يصدقان) أنها تمحو السيّئة، بل الحوبة الأخيرة أعظم عند الله، فقد أراقا بها من الصفِّين في واقعة الجمل دماءً تعدُّ بالآلاف بريئة من دم عثمان.

وهتكا حرمة رسول الله بإخراج حشيَّة من حشاياه من خدرها، وقد نهىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نساءه عن ذلك، وأوقفاها في محتشد العساكر وجبهة القتال الدامي، وقصدا قتل إمام الوقت

١٠٩

المفترض طاعته الواجب حفظه، يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، والله من ورائهم محيط.

٧ - حديث عبد الله بن مسعود

الصحابيّ البدريّ العظيم

مرَّ في هذا الجزء ص ٦٣ شطراً من أحاديثه المعربة عن رأيه السديد في عثمان وعمّا كان حاملاً بين جنبيه من الموجدة عليه، وإنَّه كان من الناقمين عليه يعيبه ويقدح فيه، أفسد عليه العراق بذكر محدثاته، وأخذه عثمان بذلك أخذاً شديداً وحبسه وهجره ومنعه عطاءه سنين وأمر به واُخرج من مسجد رسول الله إخراجاً عنيقاً، وضُرب به الأرض فدقَّ ضلعه وضربه أربعين سوطاً.

وكان ابن مسعود على اعتقاده السيِّء في الرجل مغاضباً له حتّى لفظ نفسه الأخير وأوصى أن لا يصلّي عليه، وفي الفتنة الكبرى ص ١٧١: روي انَّ ابن مسعود كان يستحلُّ دم عثمان أيّام كان في الكوفة، وهو كان يخطب الناس فيقول: إنَّ شرَّ الاُمور محدثاتها، وكلّ محدث بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النار(١) يعرض في ذلك بعثمان و عامله الوليد.ا ه.

هذا رأي ذلك الصحابيِّ العظيم في الرَّجل، فبأيّ تمحُّل يتأتّى للباحث تقديس عثمان بعد ما يستحلُّ دمه أو يشدِّد النكير عليه ويراه صاحب محدثات وبدع مثل ابن مسعود أشبه النّاس هدياً ودلّاً وسمتاً بمحمَّد نبيِّ العظمةصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟.

٨ - حديث عمار بن ياسر

البدريِّ العظيم الممدوح بالكتاب والسنّة

١ - من خطبة لعمّار خطبها يوم صفِّين قال:

انهضوا معي عباد الله إلى قوم يزعمون انَّهم يطلبون بدم ظالم إنَّما قتله الصالحون المنكرون للعدوان، الآمرون بالإحسان، فقال هؤلاء الذين لا يبالون إذا سلمت لهم دنياهم ولو دَرَس هذا الدين: لِمَ قتلتموه؟ فقلنا لأحداثه، فقالوا: إنَّه لم يُحدث

____________________

١ - راجع ص ٣ من هذا الجزء.

١١٠

شيئاً، وذلك لأنّه مكّنهم من الدُنيا فهم يأكلونها و يرعونها، ولا يبالون لو انهدمت الجبال، والله ما أظنّهم يطلبون بدم، ولكن القوم ذاقوا الدُنيا فاستحلّوها واستمرؤها وعلموا: أنَّ صاحب الحقِّ لو وليهم لحال بينهم وبين ما يأكلون ويرعون منها، إنَّ القوم لم يكن لهم سابقةٌ في الإسلام يستحقّون بها الطاعة والولاية، فخدعوا أتباعهم بأن قالوا: قُتل إمامنا مظلوماً ليكونوا جبابرة وملوكاً، تلك مكيدة قد بلغوا بها ما ترون ولولاها ما تابعهم من الناس رجلٌ. إلخ.

وفي لفظ نصر بن مزاحم في كتاب صفِّين: امضوا (معي) عباد الله إلى قوم يطلبون فيما يزعمون بدم الظالم لنفسه، الحاكم على عباد الله بغير ما في كتاب الله، إنَّما قتله الصالحون المنكرون للعدوان. إلخ. وله لفظٌ آخر يأتي بُعيد هذا.

وفي لفظ الطبري في تاريخه: أيّها الناس اقصدوا بنا نحو هؤلاء الذين يبغون دم ابن عفّان ويزعمون انَّه قتل مظلوماً. إلخ.

راجع كتاب صفِّين لإبن مزاحم ط مصر ص ٣٦١، ٣٦٩، تاريخ الطبري ٦: ٢١، الكامل لابن الأثير ٣: ١٢٣، شرح ابن أبي الحديد ١: ٥٠٤، تاريخ ابن كثير ٧: ٢٦٦، جمهرة الخطب ١: ١٨١.

٢ - خطب معاوية يوم وفد إليه وفدٌ(١) بعثه إليه أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال:

أمّا بعد فإنَّكم دعوتم إلى الطاعة والجماعة، فأمّا الجماعة التي دعوتم إليها فمعنا وهي، وأمّا الطاعة لصاحبكم فإنّا لا نراها، إنَّ صاحبكم قتل خليفتنا، وفرَّق جماعتنا، وآوى ثأرنا وقتلنا، وصاحبكم يزعم انَّه لم يقتله، فنحن لا نردُّ ذلك عليه، أرأيتم قتلة صاحبنا؟ ألستم تعلمون أنَّهم أصحاب صاحبكم؟ فليدفعهم إلينا فلنقتلهم به، ثمَّ نحن نجيبكم إلى الطاعة والجماعة.

فقال له شبث بن ربعي: أيسرُّك يا معاوية! انَّك اُمكنت من عمَّار تقتله؟ وفي لفظ ابن كثير: لو تمكّنت من عمّار أكُنت قاتله بعثمان؟ فقال معاوية: وما يمنعني من ذلك؟ والله لو اُمكنت(٢) من ابن سميَّة ما قتلته بعثمان رضي الله عنه، ولكن

____________________

١ - كان فيه: عديّ بن حاتم، يزيد بن قيس، شبث بن ربعي، زياد بن حفصة.

٢ - فى لفظ ابن مزاحم: لو امكننى صاحبكم من ابن سمية.

١١١

كنت قاتله بناتل مولى عثمان.

فقال شبث: وإله الأرض وإله السّماء ما عدلت معتدلاً، لا والذي لا إله إلّا هو، لا تصل إلى عمَّار حتّى تندر الهام عن كواهل الأقوام، وتضيق الأرض الفضاءُ عليك برحبها.. إلخ.

كتاب صفِّين لإبن مزاحم ص ٢٢٣، تاريخ الطبري ٦: ٣، الكامل لإبن الأثير ٣: ١٢٤، شرح ابن أبي الحديد ١: ٣٤٤، تاريخ ابن كثير ٧: ٢٥٧، جمهرة الخطب ١: ١٥٨.

٣ - أرسل أمير المؤمنين إبنه الحسن وعمّار بن ياسر إلى الكوفة فلمّا قدماها كان أوَّل مَن أتاهما مسروق بن الأجدع فسلّم عليهما وأقبل على عمَّار فقال: يا أبا اليقظان! علام قتلتم عثمان رضي الله عنه؟ قال: على شتم أعراضنا، وضرب أبشارنا(١) . فقال: والله ما عوقبتم بمثل ما عوقبتم به، ولئن صبرتم لكان خيراً للصابرين.

فخرج أبو موسى فلقي الحسن فضمَّه إليه وأقبل على عمّار فقال: يا أبا اليقظان! أعدوت(٢) فيمن عدا على أمير المؤمنين فأحللت نفسك مع الفجّار؟ قال: لم أفعل ولم يسؤني، فقطع عليهما الحسن فأقبل على أبي موسى فقال: يا أبا موسى! لِمَ تُثبِّط الناس عنّا؟ فوالله ما أردنا إلّا الإصلاح وما مثل أمير المؤمنين يخاف على شيء، فقال: صدقت بأبي أنت واُمِّي، ولكن المستشار مؤتمن سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: إنّها ستكون فتنة القاعد فيها خيرٌ من القائم، والقائم خيرٌ ما الماشي، والماشي خيرٌ من الراكب، وقد جعلنا الله عزَّ وجلَّ إخواناً وحرَّم علينا أموالنا ودماءنا وقال: يا أيُّها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل و لا تقتلوا أنفسكم إنَّ الله بكم رحيما. الآية. فغضب عمّار وساءه وقام وقال: يا أيُّها النّاس إنَّما قال رسول الله له خاصَّة: أنت فيها قاعداً خيرٌ منك قائماً. وقام رجلٌ مِن بني تميم فقال لعمّار: اُسكت أيُّها العبد أنت أمس مع الغوغاء واليوم تسافه أميرنا و

____________________

١ - ابشار جمع البشرة: أعلى جلدة الوجه والجسد من الانسان.

٢ - شرح ابن ابي الحديد: غدوت فيما غدا.

_٧_

١١٢

ثار زيد بن صوحان. ألحديث(١) .

تاريخ الطبري ٥: ١٨٧، شرح ابن أبي الحديد ٣: ٢٨٥، الكامل لابن الأثير ٣: ٩٧.

٤ - قال الباقلاني في التمهيد ص ٢٢٠: روي انَّ عمّاراً كان يقول: عثمان كافرٌ. وكان يقول بعد قتله: قتلنا عثمان يوم قتلناه كافراً. وهذا سرفٌ عظيمٌ من خرج إلى ما هو دونه استحقَّ الأدب من الإمام. فلعلَّ عثمان انتهره وأدَّ به لكثرة قوله: قد خلعت عثمان وأنا بريءٌ منه، فأوّى الأدب إلى فتق أمعائه، ولو أدّى الأدب إلى تلف النفس لم يكن بذلك مأثوماً ولا مستحقّاً للخلع، فإمّا أن يكون ضربه باطلاً وإمّا أن يكون صحيحاً فيكون ردعاً وتأديباً ونهياً عن الإغراق والسرف، وذلك صوابٌ من فعل عثمان، وهفوةٌ من عمّار.

قال الأميني: هذه التمحّلات تضادُّ ما صحَّ وثبت عن النبيِّ الأقدس في عمّار، ونحن لا يسعنا تكذيب النبيِّ الصادق الأمين تحفّظاً على كرامة أيِّ ابن اُنثى فضلاً عن أن يكون من أبناء الشجرة المنعوتة في القرآن.

٥ - روى أبو مخنف عن موسى بن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال: أقبلنا مع الحسن وعمّار بن ياسر من ذي قال حتّى نزلنا القادسيَّة فنزل الحسن وعمَّار ونزلنا معهما، فاحتبى عمَّار بحمائل سيفه، ثمَّ جعل يسأل الناس عن أهل الكوفة وعن حالهم، ثمَّ سمعته يقول: ما تركت في نفسي حزَّة أهمّ إليَّ من أن لا نكون نبشنا عثمان من قبره ثمَّ أحرقناه بالنار. « شرح ابن أبي الحديد ٣: ٢٩٢ »

٦ - جاء في محاورة وقعت بين عمَّار بن ياسر وعمرو بن العاص فيما أخرجه نصر في كتابه: قال له عمرو: فما ترى في قتل عثمان؟ قال: فتح لكم باب كلّ سوء. قال عمرو: فعليٌّ قتله، قال عمّار: بل الله ربّ عليّ قتله وعليٌّ معه. قال عمرو: أكنت فيمن قتله؟ قال: كنت معَ من قتله وأنا اليوم اُقاتل معهم. قال عمرو: فلِمَ قتلتموه؟ قال عمّار: أراد أن يغيِّر ديننا فقتلناه؟ فقال عمرو: ألا تسمعون؟ قد اعترف بقتل عثمان. قال عمّار: وقد

____________________

١ - فى هذا الحديث اشياء موضوعة حذف بعضها ابن الاثير فى الكامل وزاد فيه أيضاً، وهو من مكاتبات السرى وكلها باطل فيها دجل.

١١٣

قالها فرعون قبلك لقومه: ألا تسمعون؟. الحديث.

كتاب صفِّين لا بن مزاحم ص ٣٨٤، شرح ابن أبي الحديد ٢: ٢٧٣:

٧ - إنَّ عمّار بن ياسر نادى يوم صفين(١) : أين من يبغي رضوان ربِّه ولا يؤوب إلى مال ولا ولد؟ قال: فأتته عصابةٌ من الناس فقال: أيُّها الناس اقصدوا بنا نحو هؤلاء القوم الذين يبغون دم عثمان ويزعمون أنَّه قُتل مظلوماً، والله إن كان إلّا ظالماً لنفسه الحاكم بغير ما أنزل الله. « كتاب صفِّين ص ٣٦٩ »

وفي الفتنة الكبرى ص ١٧١: فقد روي أنَّ عمّار بن ياسر كان يكفِّر عثمان و يستحلُّ دمه ويسمِّيه نعثل.

قال الأميني: هذا الصحابيُّ البطل الذي عرفته في صفحة ٢٠ - ٢٨ من هذا الجزء عمّار بن ياسر المعنيّ في عدَّة آيات كريمة من الذكر الحكيم، ومصبِّ الثناء البالغ المتكرّر المستفيض من صاحب الرسالة، من ذلك: أنَّه مُلئ ايماناً من قرنه إلى قدمه، وانَّه مع الحقِّ والحقُّ معه يدور معه أينما دار، وأنَّه ما عُرض عليه أمران إلاّ أخذ بالأرشد منهما، وانّه من نفر تشتاق اليهم الجنَّة، وإنَّه جِلدة بين عينيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنَّه تقتله الفئة الباغية، فمعتقد هذا الرجل العظيم وهو متلفِّعٌ بهاتيك الفضائل كلّها في الخليفة ما تراه يكرّره من أنَّه كان ظالماً لنفسه، حاكماً بغير ما أنزل الله، مُريداً تغيير دين الله تغييراً أباح لهم قتله، وانَّه قتله الصالحون، المنكرون للعدوان، الآمرون بالإحسان، إلى ما لهذه من عقائد تركته جازماً بما نطق به، مصرّاً على ما ارتكبه، معترفاً بأنَّه كان مع المجهزين عليه، متأسِّفاً على ما فاته من نبش قبره وإحراقه بالنار، فلم يبرح كذلك حتى أخذ يقاتل الطالبين بثاره مع قاتليه وخاذليه، مذعناً بأنَّ الثائرين له مبطلون يجب قتالهم فلم يفتأ على هذه المعتقد حتى قتلته الفئة الباغية. أصحاب معاوية، وقاتله وسالبه وباغضه في النار نصّاً من النبيِّ المختارصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٩ - حديث المقداد

ابن الأسود الكندي فارس يوم بدر

قال اليعقوبي في تاريخه ٢: ١٤٠ في بيعته عثمان واستخلافه: مال قومٌ مع عليٍّ

____________________

١ - فى شرح ابن ابى الحديد ٢: ٢٦٩: ناداه فى صفين قبل مقتله بيوم او يومين.

١١٤

ابن أبي طالب، وتحاملوا في القول على عثمان، فروى بعضهم قال: دخلت مسجد رسول الله فرأيت رجلاً جاثياً على ركبتيه يتلهف تلهّف من كأنَّ الدنيا كانت له فسلبها وهو يقول: واعجباً لقريش ودفعهم هذا الأمر على أهل بيت نبيِّهم، وفيهم أوَّل المؤمنين، وابن عمّ رسول الله، أعلم الناس وأفقههم في دين الله، وأعظمهم عناءاً في الإسلام، وأبصرهم بالطريق، وأهداهم للصراط المستقيم، والله لقد زووها عن الهادي المهتدي الظاهر النقيّ، وما أرادوا إصلاحاً للاُمَّة، ولا صواباً في المذهب، ولكنَّهم آثروا الدنيا على الآخرة، فبعداً وسحقاً للقوم الظالمين.

فدنوت منه فقلت: مَن أنت يرحمك الله ومن هذا الرجل؟ فقال: أنا المقداد بن عمرو وهذا الرجل عليُّ بن أبي طالب، قال فقلت: ألا تقوم بهذا الأمر بهذا فاعينك عليه؟ فقال: يا ابن أخي! إنَّ هذا الأمر لا يُجزي فيه الرجل ولا الرجلان، ثمَّ خرجت فلقيت أبا ذر فذكرت له ذلك، فقال: صدق أخي المقداد، ثمَّ أتيت عبد الله بن مسعود فذكرت ذلك له، فقال لقد أخبرنا فلم نأل.

وذكر ابن عبد ربِّه في العقد ٢: ٢٦٠ في حديث بيعة عثمان: فقال عمّار بن ياسر (لعبد الرَّحمن): إن أردت أن لا يختلف المسلمون؟ فبايع عليّاً، فقال المقداد بن الأسود: صدق عمّار إن بايعت عليّاً قلنا: سمعنا وأطعنا. قال ابن ابي سرح: إن أردت أن لا تختلف قريش؟ فبايع عثمان، إن بايعت عثمان سمعنا وأطعنا. فشتم عمّار إبن أبي سرح وقال: متى كنت تنصح المسلمين؟ فتكلَّم بنو هاشم وبنو اُميَّة فقال عمّار: ايُّها الناس إنَّ الله أكرمنا بنبيِّنا وأعزَّنا بدينه، فأنَّى تُصرفون هذا الأمر عن بيت نبيِّكم؟ فقال له رجلٌ من بني مخزوم: لقد عدوت طورك يا بن سميّة، وما أنت وتأمير قريش لأنفسها؟ فقال سعد بن أبي وقاص: أفزع قبل أن يفتتن الناس، فلا تجعلنَّ أيُّها الرهط على أنفسكم سبيلا. ودعا عليّاً فقال: عليك عهد الله وميثاقه لتعملنَّ بكتاب الله وسنَّة نبيِّه وسيرة الخليفتين من بعده، قال: أعمل بمبلغ علمي وطاقتي، ثمَّ دعا عثمان فقال: عليك عهد الله وميثاقه لتعملنَّ بكتاب الله وسنَّة نبيِّه وسيرة الخليفتين من بعده، فقال: نعم. فبايعه فقال عليٌّ حبوته محاباة ليس ذا بأوَّل يوم تظاهرتم فيه علينا، أما والله ما ولّيت عثمان إلّا ليردّ الأمر اليك، والله كلّ يوم هو في شأن. فقال عبد الرَّحمن: يا عليُّ لا تجعل على نفسك

١١٥

سبيلاً فإنِّي قد نظرت وشاورت الناس فإذا هم لا يعدلون بعثمان أحداً، فخرج عليٌّ و هو يقول: سيبلغ الكتاب أجله، قال المقداد: أما والله لقد تركته من الذين يقضون بالحقِّ وبه يعدلون، فقال: يا مقداد! والله لقد اجتهدت للمسلمين. قال: لئن كنت أردت بذلك الله فأثابك الله ثواب المحسنين.ثم َّ قال المقداد: ما رأيت مثل ما اوتي أهل هذا البيت بعد نبيِّهم، ولا أقضى منهم بالعدل، ولا أعرف بالحقِّ، أما والله لو أجد أعواناً.قال له عبد الرّحمن: يا مقداد! اتَّق الله فانِّي أخشى عليك الفتنة.وأخرج الطبري نحوه في تاريخه ٥: ٣٧، وذكره ابن الأثير في الكامل ٣: ٢٩، ٣٠، وابن أبي الحديد في شرح النهج ١: ٦٥.

وفي لفظ المسعودي في المروج ١: ٤٤٠: فقام عمّار في المسجد فقال: يا معشر قريش! أما إذا صرفتم هذا الأمر عن أهل بيت نبيِّكم ههنا مرَّة وههنا مرَّة فما أنا بآمن أن ينزعه الله فيضعه في غيركم كما نزعتموه من أهله ووضعتموه في غير أهله، وقام المقداد فقال: ما رأيت مثل ما أوذي به أهل هذا البيت بعد نبيِّهم. فقال له عبد الرّحمن بن عوف: وما أنت وذاك يا مقداد بن عمرو؟ فقال: إنِّي والله لأحبهم بحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن الحق معهم وفيهم يا عبد الرحمن! أعجب من قريش - وأنت تطولهم على الناس أهل هذا البيت - قد اجتمعوا على نزع سلطان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعده من أيديهم، أما وأيم الله يا عبد الرّحمن! لو أجد على قريش أنصار لقاتلتهم كقتالي إيّاهم مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بدر. وجرى بينهم من الكلام خطبٌ طويل قد أتينا ذكره في كتابنا أخبار الزمان في اخبار الشورى والدار.

ومرَّ في هذا الجزء ص ١٧: أنَّ المقداد أحد الجمع الذين كتبوا كتاباً عدَّدوا فيه أحداث عثمان وخوَّفوه ربَّه وأعلموه انَّهم مواثبوه إن لم يُقلع. راجع حديث البلاذري المذكور.

قال الأميني: لعلّك تعرف المقداد ومبلغه من العظمة، ومبوَّأه من الدين، ومثواه من الفضيلة، قال أبو عمر: كان من الفضلاء النجباء الكبار الخيار. هاجر الهجرتين وشهد بدراً والمشاهد كلّها، أوَّل من حارب فارساً في الإسلام. كان فارساً يوم بدر، ولم يثبت انَّه كان فيها على فرس غيره، وهو عند القوم أحد السبعة الذين أظهروا الإسلام، وأحد

١١٦

النجباء الأربعة عشر وزراء رسول الله ورفقائه(١) سمّاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوّاباً كما في حديث أخرجه أبو عمر في « الاستيعاب »

وأنِّى يسع للباحث أن يستكنه ما لهذا الصحابيِّ العظيم من الفضائل أو يدرك شأوه وبين يديه قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الثناء عليه: إنَّ الله أمرني بحبِّ أربعة، وأخبرني أنَّه يحبّهم: عليٌّ. والمقداد. وأبوذر. وسلمان؟(٢) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنَّ الجنَّة تشتاق إلى أربعة: عليٌّ. وعمّار و سلمان. والمقداد أخرجه ابو نعيم في حلية الأولياء ١: ١٤٢.

فهذا الرجل الدينيُّ الذي يحبّه الله ويأمر نبيَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحبِّه كان ناقماً على الخليفة واجداً على خلافته من أوَّل يومه، متلهِّفاً على استخلافه تلهُّف من كأنَّ الدنيا كانت له فسلبها، وكان يُثبِّط الناس ويُخذِّلهم عنه، ويرى إمرته إمراً من الأمر وإدّا، يعتقدها ظلماً على أهل بيت العصمة، ويستنجد أعواناً يقاتل بهم مستخلفيه كقتاله إيّاهم يوم بدر، هذا رأيه في عثمان من يوم الشورى قبل بوائقه، فكيف بعد ما شاهد منه من هنات وهنات.

_١٠_

حديث حجر بن عدي

الكوفي سلام الله عليه وعلى أصحابه

إنَّ معاوية بن أبي سفيان لمـّا ولّى المغيرة بن شعبة الكوفة في جمادى سنة ٤١ دعاه فحمد الله وأثنى عليه ثمَّ قال: أمّا بعد: فإنَّ لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا، وقد قال المتلمس(٣) :

لذي الحِلم قبل اليوم ما تُقرع العصا

وما عُلّم الإنسان إلّا ليعلمها

وقد يجزي عنك الحكيم بغير التعليم، وقد أردت إيصاءك بأشياء كثيرة فأنا

____________________

١ - مستدرك الحاكم ٣: ٣٤٨، ٣٤٩، الاستيعاب ١: ٢٨٩، اسد الغابة ٤: ٤١٠، الاصابة ٣: ٤٥٥.

٢ - أخرجه الترمذى فى جامعه، وابو عمر فى الاستيعاب ١: ٢٩٠، وذكره ابن الاثير فى اسد الغابة ٤، ٤١٠، وابن حجر فى الاصابة ٣: ٤٥٥.

٣ - هو جرير بن عبد المسيح من بنى ضبيعة، توجد ترجمته فى (الشعر والشعراء) لابن قتيبة ص ٥٢، وفى (المؤتلف والمختلف) ص ٧١، ٢٠٢، ٢٠٧.

١١٧

تاركها إعتماداً على بصرك بما يرضيني، ويسعد سلطاني، ويصلح به رعيّتي، ولست تاركاً ايصاءك بخصلة: لا تتحمَّ عن شتم عليّ وذمِّه، والترحم على عثمان والاستغفار له والعيب على أصحاب عليّ والإقصاء لهم وترك الإسماع منهم، وباطراء شيعة عثمان رضوان الله عليه والإدناء لهم والإستماع منهم. فقال المغيرة: قد جرَّبت وجُرِّبت و عملت قبلك لغيرك فلم يُذمم بي دفعٌ ولا رفعٌ ولا وضعٌ، فستبلو فتحمد أو تذمّ ثمَّ قال: بل نحمد إن شاء الله.

فأقام المغيرة بالكوفة عاملاً لمعاوية سبع سنين وأشهراً لا يدع ذمّ عليّ والوقوع فيه، والعيب لقتلة عثمان واللعن لهم، والدعاء لعثمان بالرحمة والإستغفار له والتذكية لأصحابه، فكان حُجر بن عدي إذا سمع ذلك قال: بل إيّاكم فذمّم الله ولعن. ثمَّ قام فقال: إنَّ الله عزَّ وجلَّ يقول: كونوا قوّامين بالقسط شهداء لِلَّه، وأنا أشهد أنَّ من تذمّون وتعيرون لأحقُّ بالفضل، وانَّ من تزكّون وتُطرون أولى بالذمِّ. فيقول له المغيرة: يا حجر! لقد رُمي بسهمك إذ كنت أنا الوالي عليك، يا حجر! ويحك إتَّق السلطان، إتَّق غضبه وسطوته، فإنَّ غضبة السلطان أحياناً ممّا يهلك أمثالك كثيراً، ثمَّ يكفّ عنه ويصفح، فلم يزل حتى كان في آخر إمارته قام المغيرة فقال في عليّ وعثمان كما كان يقول وكانت مقالته: اللهمَّ أرحم عثمان بن عفان وتجاوز عنه واجزه بأحسن عمله فإنَّه عمل بكتابك واتَّبع سنَّة نبيِّكصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجمع كلمتنا وحقن دمائنا وقُتل مظلوماً، اللهمَّ فارحم أنصاره وأولياءه ومحبِّيه والطالبين بدمه. ويدعو على قتلته فقام حجر بن عدي فنعر نعرةً بالمغيرة سمعها كلّ مَن كان في المسجد وخارجاً منه وقال: إنّك لا تدري بمن تولّع من هرمك أيُّها الإنسان! مر لنا بأرزاقنا وأعطياتنا فإنّك قد حبستها عنّا وليس ذلك لك، ولم يكن يطمع في ذلك من كان قبلك، وقد أصبحت بذمِّ أمير المؤمنين وتقريظ المجرمين. قال: فقام معه أكثر من ثلثي الناس يقولون: صدق والله حجر وبرَّ، مُر لنا بأرزاقنا واعطياتنا، فانّا لا ننتفع بقولك هذا، ولا يجدي علينا شيئاً وأكثروا في مثل هذا القول ونحوه.

إلى أن هلك المغيرة سنة ٥١ فجمعت الكوفة والبصرة لزياد بن أبي سفيان فأقبل حتى دخل القصر بالكوفة ثمَّ صعد المنبر فخطب ثمَّ ذكر عثمان وأصحابه فقرَّ ظهم وذكر

١١٨

قتلته ولعنهم، فقام حجر ففعل مثل الذي كان يفعل بالمغيرة.

قال محمَّد بن سيرين: خطب زياد يوماً في الجمعة فأطال الخطبة وأخَّر الصَّلاة فقال له حجر بن عدي: الصَّلاة. فمضى في خطبته ثمَّ قال: الصّلاة فمضى في خطبته، فلمّا خشى حجر فوت الصَّلاة ضرب بيده إلى كفّ من الحصا وثار إلى الصَّلاة وثار الناس معه، فلمّا رأى ذلك زياد نزل فصّلى بالناس، فلمّا فرغ من صلاته كتب إلى معاوية في أمره وكثَّر عليه فكتب إليه معاوية: أن شدَّه في الحديد ثمَّ احمله إليَّ. فلمَّا أن جاء كتاب معاوية أراد قوم حجر أن يمنعوه فقال: لا، ولكن سمعٌ وطاعةٌ، فشُدَّ في الحديد ثمَّ حُمل إلى معاوية. ساروا به وبأصحابه وهم:

١ - الأرقم بن عبد الله الكندي من بني الأرقم.

٢ - شريك بن شدّاد الحضرمي.

٣ - صيفي بن فسيل الشيباني.

٤ - قبيصة بن ضُبيعة بن حرملة العبسي.

٥ - كريم بن عفيف الخثعمي من بني عامر ثمَّ من قحافة.

٦ - عاصم بن عوف البجلي.

٧ - ورقاء بن سميِّ البجلي.

٨ - كدام بن حيّان العنزي.

٩ - عبد الرَّحمن بن حسَّان العنزي.

١٠ - مُحرز بن شهاب التميمي من بني منقر.

١١ - عبد الله بن حوية السعدي من بني تميم.

وأتبعهم زياد برجلين وهما: عتبة بن الأخنس السعدي، وسعيد بن نمران الهمداني، فمضوا بهم حتى انتهوا إلى مرج عذراء (بينها وبين دمشق اثنا عشر ميلاً) فحبسوا بها فجاء رسول معاوية إليهم بتخلية ستّة وبقتل ثمانية، فقال لهم رسول معاوية: إنّا قد اُمرنا أن نعرض عليكم البراءة من عليّ واللعن له فإن فعلتم تركناكم، وإن أبيتم قتلناكم، وإنَّ أمير المؤمنين يزعم انَّ دماءكم قد حلّت بشهادة أهل مصركم عليكم غير انّه قد عفى عن ذلك، فابرؤا من هذا الرجل نخلّ سبيلكم قالوا: أللهمَّ إنّا

١١٩

لسنا فاعلي ذلك. فأمر بقبورهم فحفرت واُدنيت أكفانهم، وقاموا الليل كلّه يصلّون فلمّا أصبحوا قال أصحاب معاوية: يا هؤلاء! لقد رأيناكم البارحة قد أطلتم الصَّلاة وأحسنتم الدعاء فأخبرونا ما قولكم في عثمان؟ قالوا: هو أوَّل من جار في الحكم وعمل بغير الحقِّ. فقال أصحاب معاوية: أمير المؤمنين كان أعلم بكم. ثمَّ قاموا إليهم فقالوا: تبرؤن من هذا الرجل؟ قالوا: بل نتولّاه ونتبرَّأ ممَّن تبرَّأ منه. فأخذ كلُّ رجل منهم رجلاً ليقتله وأقبلوا يقتلونهم واحداً واحداً حتّى قتلوا ستَّة وهم.

١ - حُجر ٢ - شريك ٣ - صيفي ٤ - قبيصة ٥ - محرز ٦ - كدام.

أخذنا من القصَّة ما يهمّنا ذكره راجع الأغاني لأبي الفرج ١٦: ٢ - ١١، تاريخ الطبري ٦: ١٤١ - ١٦٠، تاريخ ابن عساكر ٢: ٣٧٠ - ٣٨١، الكامل لإبن الأثير ٣: ٢٠٢ - ٢١٠، تاريخ ابن كثير ٨: ٤٩ - ٥٥.

قال الأميني: هذه نظريَّة الصحابيّ العظيم حجر وأصحابه العظماء الصلحاء الأخيار في عثمان فكانوا يرونه أوَّل من جار في الحكم وعمل بغير الحقِّ، وكان حجر يراه من المجرمين فيما جابه به المغيرة بالكوفة، وقد بلغ هو وزملائه الأبرار من ذلك حدّا إستساغوا القتل دون ما يرونه، وأبوا أن يتحوَّلوا عن عقائدهم، وبرز الذين كُتب عليهم القتل إلى مضاجعهم، فاستمرؤا جُرَع الموت في سبيلها زُعافاً مُمقراً.

_١١_

حديث عبد الرحمن

ابن حسّان العنزي الكوفي

لمـَّا قُتل حجر بن عدي سلام الله عليه وخمسة من أصحابه رضوان الله عليهم قال عبد الرَّحمن بن حسّان وكريم بن عفيف الخثعمي (وكانا من أصحاب حُجر): ابعثوا بنا إلى أمير المؤمنين فنحن نقول في هذا الرجل مثل مقالته. فبعثوا إلى معاوية فاخبروه فبعث: إئتوني بهما فالتفتا إلى حجر فقال له العنزي: لا تبعد يا حجر! ولا يبعد مثواك فنعم أخو الإسلام كنتَ. وقال الخثعمي نحوذ لك. ثمَّ مضى بهما فالتفت العنزي فقال متمثّلاً:

كفى بشفاة القبر بُعداً لهالك

وبالموت قطَّاعاً لحبل القرائنِ

١٢٠