الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٩

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 403

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 403
المشاهدات: 123410
تحميل: 8308


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 403 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 123410 / تحميل: 8308
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 9

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فلمّا دخل عليه الخثعمي قال له: ألله ألله يا معاوية! إنَّك مقتولٌ من هذه الدار الزائلة إلى الدار الآخرة الدائمة، ومسؤولٌ عمَّ أردت بقتلنا وفيم سفكت دماءنا، فقال: ما تقول في عليّ؟ قال: أقول فيه قولك، أتتبرّأ من دين عليّ الذي كان يدين الله به؟ وقام شمر بن عبد الله الخثعمي فاستوهبه، فقال: هو لك غير أنِّي حابسه شهراً فحبسه ثمَّ أطلقه على أن لا يدخل الكوفة ما دام له سلطان، فنزل الموصل فكان ينتظر موت معاوية ليعود إلى الكوفة فمات قبل معاوية بشهر.

وأقبل على عبد الرَّحمن بن حسَّان فقال له: يا أخا ربيعة! ما تقول في عليّ؟ قال: أشهد أنَّه من الذاكرين الله كثيراً والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والعافين عن الناس. قال: فما تقول في عثمان؟ قال: وأوَّل من فتح أبواب الظلم، وارتج أبواب الحقِّ قال: قتلت نفسك. قال: بل إيّاك قتلت لا ربيعة بالوادي (يعني انَّه ليس ثمَّ أحدٌ من قومه فيتكلّم فيه) فبعث به معاوية إلى زياد وكتب إليه: إنَّ هذا شرُّ مَن بعثت به، فعاقبه بالعقوبة التي هو أهلها، واقتله شرَّ قتلة.

فلمّا قدم به على زياد بعث به إلى قيس الناطف فدفنه حيّاً.

الأغاني لأبي الفرج ١٦: ١٠، تاريخ الطبري ٦: ١٥٥، تاريخ ابن عساكر ٢: ٣٧٩، الكامل لابن الأثير ٣: ٢٠٩.

قال الأميني: انظر إلى تصلُّب الرجل الدينيِّ في معتقده في حقِّ الرجلين: علىّ أمير المؤمنين، وعثمان، وكيف بلغ من ذلك حدّاً إستباح فيه أن يُراق دمه دون أن يعدل عمّا عقد عليه ضميره، وأخبتت إليه نفسه، وكان يرى من واجبه الإشادة بما ذكر وان اُريق عليه دمه الطاهر، واُسبلت نفسه الزكيَّة.

_١٢_

حديث هاشم المرقال

خرج يوم صفِّين (من عسكر معاوية) فتىً شابّ وهو يقول:

أنا ابن أرباب الملوك غسّانْ

والدائن اليوم بدين عثمانْ

أنبأنا أقوامنا بما كانْ:

إنَّ علياً قَتَل ابن عفانْ

١٢١

ثمَّ شدَّ فلا ينثني يضرب بسيفه، ثمَّ جعل يلعن عليّاً ويشتمه ويُسهب في ذمِّه، فقال له هاشم بن عتبة: إنَّ هذا الكلام بعدَه الخصام، وإنَّ هذا القتال بعده الحساب فاتَّق الله فانَّك راجعٌ إلى ربِّك فسائلك عن هذا الموقف وما أردت به، قال: فإنِّي اُقاتلكم لأنَّ صاحبكم لا يصلّي كما ذُكر لي، وإنَّكم لا تُصلّون، واُقاتلكم إنَّ صاحبكم قتل خليفتنا وأنتم وازرتموه على قتله. فقال له هاشم: وما أنت وابن عفان؟ إنَّما قتله أصحاب محمَّد وقرّاء الناس حين أحدثَ أحداثاً وخالف حكم الكتاب، وأصحاب محمَّد هم أصحاب الدين، وأولى بالنظر في اُمور المسلمين، وما أظنُّ أنَّ أمر هذه الاُمَّة ولا أمر هذا الدين عناك طرفة عين قطُّ. قال الفتى: أجل أجل والله لا أكذب فانَّ الكذب يضرّ ولا ينفع ويشين ولا يزين. فقال له هاشم: إنَّ هذا الأمر لا علم لك به فخلّه وأهل العلم به. قال: أظنّك والله قد نصحتني. وقال له هاشم: وأمّا قولك: إنَّ صاحبنا لا يصلّي. فهو أوَّل مَن صلّى مع رسول الله، وأفقهه في دين الله، وأولاه برسول الله، وأمّا من ترى معه فكلّهم قارئ الكتاب، لا ينامون الليل تهجّداً، فلا يغررك عن دينك الأشقياء المغرورون. قال الفتى: يا عبد الله! إنِّي لأظنّك امرءاً صالحاً، وأظنّني مخطئاً آثماً، أخبرني هل تجد لي من توبة؟ قال: نعم، تب إلى الله يتب عليك فإنَّه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيِّئات ويحبُّ التوّابين ويحبُّ المتطهِّرين. الحديث(١) .

قال الأميني: هذا هاشم المرقال الصحابيُّ المقدَّس، وبطل الدين العظيم، وهذا رأيه في عثمان وهو يبوح به في موقف قتال حصل من جرّاء قتله، مبرِّراً فيه عمل المجهزين عليه، ويرى انَّه خالف حكم الكتاب وأحدث أحداثاً أباحت لأصحاب محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قتله وانَّ مَن قتله هم أهل الدين والقرآن.

_١٣_

حديث جهجاه بن سعيد

الغفاري ممَّن بايع تحت الشجرة(٢)

ورد من طريق أبي حبيبة انَّه قال: خطب عثمان الناس فقام اليه جهجاه الغفاري:

____________________

١ - كتاب صفين لابن مزاحم ط مصر ص ٤٠٢، تاريخ الطبرى ٦: ٢٣، شرح ابن ابى الحديد ٢: ٢٧٨، الكامل لابن الاثير ٣: ١٣٥.

٢ - الاستيعاب. اسد الغابة. الاصابة.

١٢٢

فصاح: يا عثمان! ألا إنَّ هذه شارفٌ قد جئنا بها عليها عباءة وجامعة فأنزل فلندرِّعك العباءة ولنطرحك في الجامعة ولنحملك على الشارف ثمَّ نطرحك في جبل الدخان. فقال عثمان: قبَّحك الله وقبَّح ما جئت به. قال أبو حبيبة: ولم يكن ذلك منه إلاّ عن ملأ عن الناس، وقام إلى عثمان خيرته وشيعته من بني اُميَّة فحملوه فأدخلوه الدار.

وجاء من طريق عبد الرّحمن بن حاطب قال: أنا أنظر إلى عثمان يخطب على عصا النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي كان عليها وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما فقال له جهجاه: قم يا نعثل! فانزل عن هذا المنبر. وأخذ العصا فكسرها على ركبته اليمنى، فدخلت شظية منها فيها فبقي الجرح حتى أصابته الاُكلة فرأيتها تدود، فنزل عثمان وحملوه وأمر بالعصا فشدّوها فكانت مضببة، فما خرج بعد ذلك اليوم إلّا خرجة أو خرجتين حتَّى حُصر فقتل.

وفي لفظ البلاذري: خطب عثمان في بعض أيّامه فقال له جهجاه بن سعيد الغفاري يا عثمان! انزل ندرِّعك عباءةً ونحملك على شارف من الإبل إلى جبل الدخان كما سيَّرت خيار الناس، فقال له عثمان: قبَّحك الله وقبَّح ما جئت به. وكان جهجاه متغيِّظاً على عثمان، فلمَّا كان يوم الدار ودخل عليه ومعه عصاً كان النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتخصَّر بها فكسرها على ركبته فوقعت فيها الاكلة.

راجع الأنساب للبلاذري ٥: ٤٧، تاريخ الطبري ٥: ١١٤، الاستيعاب في ترجمة جهجاه، الكامل لابن الأثير ٣: ٧٠، شرح ابن أبي الحديد ١: ١٦٥، الرياض النضرة ٢: ١٢٣، تاريخ ابن كثير ٧: ١٧٥، الاصابة ١: ٢٥٣، تاريخ الخميس ٢: ٢٦٠.

قال الأميني: الجهجاه من أهل بيعة الشجرة الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه بنصِّ الذكر الحكيم وهو يستبيح خلع عثمان ونفيه وتشهيره ملفوفاً بعباءة مكبّلاً بالحديد إلى جبل الدخان، ولا يتحرَّج من هتكه وكسر مخصرته، وإنَّما قال ما قاله وفعل ما فعل بمحضر من المهاجرين والأنصار، فلم يؤاخذه على ذلك أحدٌ منهم ولا ردَّ عليه رادٌّ، فكأنَّه كان يُخبر عن صميم أفئدتهم، وأظهر ما أضمروه، وجاء بما أحبّوه حتّى قضى ما كان مقتضياً.

إنَّ حدوث الجرح في ركبة جهجاه لولوج شيء من كسرات العصا فبها المتحوّل اُكلة إن صحَّ فمن ولائد الإتفاق وليس بكرامة للقتيل، كما أنّ وقوع عبد الله بن

١٢٣

أبي ربيعة المخزومي والي عثمان على اليمن من مركبه وموته وقد جاء لنصر عثمان لم يكن نقمةً ولا نكبةً له. قال أبو عمر وغيره: جاء عبد الله المخزومي لينصره لَمّا حُصر فسقط عن راحلته بقرب مكّة فمات(١) .

وقال البلاذري في الأنساب ٨٧٥: أقبل عبد الله المخزومي وكان عامله على مخاليف الجند لينصره فلمّا انتهى إلى بطن نخلة سقط عن راحلته فانكسرت رجله فانصرف إلى أهله.

١٤ - حديث سهل بن حنيف

أبي ثابت الأنصاري (يدريٌّ)

١٥ - رفاعة بن رافع بن مالك

أبي معاذ الأنصاري (بدريٌّ)

١٦ - الحجاج بن غزية الانصارى

قال البلاذري في الأنساب ٥: ٧٨: قال أبو مخنف في روايته: إنَّ زيد بن ثابت الأنصاري قال: يا معشر الأنصار! إنَّكم نصرتم الله ونبيّه فانصروا خليفته. فأجابه قومٌ منهم فقال سهل بن حنيف: يا زيد! أشبعك عثمان بن عضدان المدينة - والعضيدة نخلة قصيرةُ ينال حملها - فقال زيد: لا تقتلوا الشيخ ودعوه حتّى يموت فما أقرب أجله. فقال الحجّاج بن غزيَّة الأنصاري أحد بني النجّار: والله لو لم يبق من عمره إلّا بين الظهر والعصر لتقرَّبنا إلى الله بدمه.

وجاء رفاعة بن مالك الأنصاري ثمَّ الزرقي بنار في حطب فأشعلها في أحد البابين فاحترق وسقط، وفتح النّاس الباب الآخر واقتحموا الدار.

وفي لفظ للبلاذري ص ٩٠: قال زيد للأنصار: إنَّكم نصرتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكنتم أنصار الله فانصروا خليفته تكونوا أنصاراً لِلَّه مرَّتين. فقال: الحجّاج بن غزيّة: والله إن تدري هذه البقرة الصيحاء ما تقول، والله لو لم يبق من أجله إلّا ما بين العصر إلى الليل لتقرَّبنا إلى الله بدمه.

وقال ابن حجر في الإصابة ١: ٣١٣: روى الحجّاج بن غزيَّة أصحاب السنن

____________________

١ - الاستيعاب ١: ٣٥١، اسد الغابة ٣: ١٥٥، الاصابة ٢: ٣٠٥.

١٢٤

حديثاً صرَّح بسماعه فيه من النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحجِّ قال ابن المديني: هو الذي ضرب مروان يوم الدار حتّى سقط(١) .

قال الأميني: نظريَّة هؤلاء الثلاثة ليست بأقلّ صراحة من نظريّات إخوانهم المهاجرين والأنصار في استباحة دم الخليفة وإزالته عن منصَّة الملك الإسلام الديني.

_١٧_

حديث أبي أيوب الانصارى

من السابقين من جلّة الصحابة البدريِّين

قال في خطبة له: إنَّ أمير المؤمنين - أكرمه - الله قد استمع من كانت له اُذنٌ واعية وقلبٌ حفيظ، إنَّ الله قد أكرمكم به كرامة ما قبلتموها حقَّ قبولها، حيث نزل بين أظهركم ابن عمِّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وخير المسلمين وأفضلهم وسيِّدهم بعده، يفقّهكم في الدين ويدعوكم إلى جهاد المحلّين، فوالله لكأنّكم صمٌّ لا تسمعون، وقلوبكم غلفٌ مطبوعٌ عليها فلا تستجيبون، عباد الله! أليس إنَّما عهدكم بالجور والعدوان أمس؟ وقد شمل العباد، وشاع في الإسلام، فذو حقّ محرومٌ مشتومٌ عرضه، ومضروبٌ ظهره، وملطومٌ وجهه، وموطوءٌ بطنه، ومُلقىً بالعراء، فلمّا جاءكم أمير المؤمنين صدع بالحقِّ، ونشر العدل، وعمل بالكتاب، فاشكروا نعمة الله عليكم ولا تتولّوا مجرمين، ولا تكونوا كالذين قالوا: سمعنا وهم لا يسمعون، أشحذوا السيوف وجدّدوا آلة الحرب، واستعدّوا للجهاد، فإذا دُعيتم فأجيبوا، وإذا اُمرتم فأطيعوا تكونوا بذلك من الصّادقين.

الإمامة والسياسة ١: ١١٢ في طبع وفي آخر ص ١٢٨، جمهرة الخطب ١: ٢٣٦ قال الأميني: هذا أبو أيّوب الأنصاري عظيم الصحابة الذي اختار الله داره منزلاً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بين الأنصار، وحسبه ذلك شرفاً، وهو من البدريِّين، وشهد المغازي كلّها، وقد دعا له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمـّا أخذ شيئاً من كريمته الشريفة بقوله: لا يصيبك السوء يا أبا أيّوب! وهذا يعمُّ الأسواء الظاهرة من قتل بهوان وأسر وسجن في مذلّة وأمراض مخزية من جذام وبرص غيرهما، واختلال في العقل، والأسواء المعنويَّة من تزحزح عن الايمان وتضعضع في العقيدة، وانحياز عن الدين، فهو رضوان الله عليه ملكوءٌ

____________________

١ - سيوافيك حديث ضربه مروان.

١٢٥

عن هذه كلّها بتلك الدعوة المجابة، وهو مع فضله هذا يعدُّ عهد عثمان عهد جور و عدوان، ويعدّد ما حدث هنالك من البوائق النازلة على صلحاء الاُمَّة كأبي ذر وعمّار وابن مسعود وغيرهم ممَّا مرَّ تفصيله، ولو لم يكن إلّا شهادة أبي أيّوب لكفت حجَّة في كلِّ مهمَّة، فكيف وقد صافقه على ما يقول سروات المهاجرين والأنصار؟.

_١٨_

حديث قيس بن سعد

ابن عبادة الأنصاري، سيِّد الخزرج « بدريٌّ »

١ - من خطبة له خطبها بمصر في أخذ البيعة لأمير المؤمنين عليّ صلوات الله عليه قال: ألحمد لِلّه الذي جاء بالحقِّ وأمات الباطل، وكبت الظالمين، أيُّها النّاس إنّا قد بايعنا خير من نعلم بعد محمَّد نبيِّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقوموا أيُّها النّاس فبايعوا على كتاب الله وسنَّة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

تاريخ الطبري ٥: ٢٢٨، الكامل لابن الأثير ٣: ١١٥، شرح ابن أبي الحديد ٢: ٢٣.

٢ - من كتاب لمعاوية إلى قيس بن سعد قبل وقعة صفِّين: أمّا بعد: فإنَّكم إن كنتم نقمتم على عثمان بن عفّان رضي الله عنه في أثرة رأيتموها أو ضربة سوط ضربها، أو شتيمة رجل، أو في تسييره آخر، أو في إستعماله الفُتي، فإنَّكم قد علمتم إن كنتم تعلمون أنَّ دمه لم يكن يحلّ لكم، فقد ركبتم عظيماً من الأمر وجئتم شيئاً إدّا، فتب إلى الله عزَّ وجلَّ يا قيس بن سعد! فإنَّك كنت في المجلبين على عثمان بن عفّان رضي الله عنه إن كانت التوبة من قتل المؤمن تغني شيئاً.

فأمّا صاحبك: فإنّا استيقنّا أنَّه الذي أغرى به النّاس وحملهم على قتله حتّى قتلوه وإنَّه لم يسلم من دمه عظم قومك، فإن استطعت يا قيس! أن تكون ممَّن يطلب بدم عثمان فافعل، تابعنا على أمرنا ولك سلطان العراقين إذا ظهرتُ ما بقيتُ، ولمن أحببتَ مِن أهل بيتك سلطان الحجاز ما دام لي سلطان، وسلني غير هذا ممّا تحبّ فإنَّك لا تسألني شيئاً إلّا اُوتيته، واكتب إليَّ برأيك فيما كتبت به إليك والسَّلام.

١٢٦

فكتب إليه قيس:

أمّا بعد: فقد بلغني كتابك وفهمت ما ذكرت فيه من قتل عثمان رضي الله عنه وذلك أمرٌ لم اُقارفه ولم أطف به. وذكرت صاحبي هو أغرى الناس بعثمان ودسَّهم إليه حتّى قتلوه، وهذا لم أطَّلع عليه، وذكرت عظم عشيرتي لم تسلم من دم عثمان فأوَّل النّاس كان فيه قياماً عشيرتي.إلخ.

وفي لفظ: فلعمري إنَّ أولى الناس في أمره عشيرتي. فلعمري إنَّ أوَّل النّاس كان فيه قياماً عشيرتي ولهم اُسوة.

تاريخ الطبري ٥: ٢٢٧، كامل ابن الأثير ٣: ١١٦، شرح ابن أبي الحديد ٢: ٢٣، النجوم الزاهرة ١: ٩٩، جمهرة الرسائل ١: ٥٢٤.

٣ - تحاور قيس بن سعد والنعمان بن بشير بين الصفَّين بصفِّين فقال النعمان: يا قيس بن سعد! أما أنصفكم مَن دعاكم إلى ما رضي لنفسه؟ إنَّكم يا معشر الأنصار! أخطأتم في خذل عثمان يوم الدار، وقتلكم أنصاره يوم الجمل، وإقحامكم على أهل الشام بصفّين فلو كنتم إذ خذلتم عثمان خذلتم عليّاً، كان هذا بهذا، ولكنّكم خذلتم حقّاً، و نصرتم باطلاً، ثمَّ لم ترضوا أن تكونوا كالناس، شعلتم الحرب، ودعوتم إلى البراز، فقد والله وجدتم رجال الحرب من أهل الشام سراعاً إلى برازكم غير أنكاس عن حربكم. الكلام.

فضحك قيس وقال: والله ما كنت أراك يا نعمان! تجترئ على هذا المقام، أمّا المنصف المـُحقّ فلا ينصح أخاه مَن غشَّ نفسه، وأنت والله الغاشُّ لنفسه، المبطل فيما نصح غيره.

أمّا ذكر عثمان فإن كان الايجاز يكفيك؟ فخذه. قتل عثمان مَن لستَ خيراً منه، وخذله من هو خيرٌ منك، وأمّا أصحاب الجمل فقاتلناهم على النكث، وأمّا معاوية فلو اجتمعت العرب على بيعته لقاتلتهم الأنصار. وأمّا قولك: إنّا لسنا كالناس فنحن في هذه الحرب كما كنّا مع رسول الله، نلقي السيوف بوجوهنا والرماح بنحورنا، حتّى جاء الحقُّ وظهر أمر الله وهم كارهون. ولكن اُنظر يا نعمان! هل ترى مع معاوية إلّا طليقاً أعرابيّاً أو يمانيّاً مستدرجاً؟ وانظر أين المهاجرون والأنصار والتابعون باحسان، الذين رضي الله

١٢٧

عنهم ورضوا عنه؟ ثمَّ انظر هل ترى مع معاوية غيرك وصويحبك؟(١) ولستما والله بدريَّين ولا عقبيَّين(٢) ولا لكما سابقةٌ في الإسلام ولا آية في القرآن.

كتاب صفِّين لابن مزاحم ص ٥١١، الامامة والسياسة ١: ٩٤، وفي ط ٨٣، شرح ابن أبي الحديد ٢: ٢٩٨، جمهرة الخطب ١: ١٩٠.

٤ - قدم المدينة قيس بن سعد فجاءه حسان بن ثابت شامتاً به وكان حسان عثمانياً فقال له: نزعك عليُّ بن أبي طالب وقد قتلت عثمان، فبقي عليك الإثم ولم يحسن لك الشكر. فقال له قيس: يا أعمى القلب والبصر، والله لولا أن ألقي بين رهطي ورهطك حرباً لضربت عنقك، اُخرج عنِّي. تاريخ الطبري ٥: ٣٢١، شرح ابن أبي الحديد ٢: ٢٥.

قال الأميني: إنَّ فتى الأنصار وأمير الخزرج وابن أميرها قيس بن سعد الذي تقدَّمت فضائله وفواضله في الجزء الثاني ص ٦٩ - ١١٠ ط ٢ تراه يتبجَّح في كتابه إلى معاوية بأنَّ عشيرته الأنصار كانوا أوَّل الناس قياماً في دم عثمان، وفي خطبته ترى أنَّ الحقَّ المحيى مع مولانا أمير المؤمنين، وإنَّ الباطل الذي اُميت كان في العهد البائد بقتل عثمان، وأنَّ المقتولين في واقعة الدار هم الظالمون، واعطف على هذه كلّها محاورته مع النعمان بن بشير بصفّين، فالكلُّ لهجةٌ واحدةٌ من رئيٍّ في الدين والدنيا واحد.

_١٩_

حديث فروة بن عمرو

ابن ودقة البياضي الأنصاري (بدريٌّ)

أخرج مالك في الموطأ حديثه في باب (العمل في القراءة) وسكت عن اسمه ولم يسمِّه، بل ذكره بلقبه « البياضي » وقال ابن وضاح(٣) وابن مزين(٤) : إنَّما سكت مالك عن اسمه، لأنَّه كان ممَّن أعان على قتل عثمان.

وعقَّبه أبو عمر في « الاستيعاب » فقال: هذا لا يُعرف ولا وجه لما قالاه في ذلك و لم يكن لقائل هذا علمٌ بما كان من الأنصار يوم الدار.

____________________

١ - يعنى به عمرو بن العاص.

٢ - يعنى ممن بايعوه صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله‌ فى العقبة.

٣ - أبو عبد الله محمد بن الحسين بن على بن الوضاح الانبارى المتوفى ٣٤٥.

٤ - كذا في الاستيعاب واسد الغابة وشرح الموطأ للزرقاني، وفي الاصابة: ابن سيرين.

١٢٨

الإستيعاب ترجمة فروة، اسد الغابة ٤: ١٧٩، الاصابة ٣: ٢٠٤، شرح الموطأ للزرقاني ١: ١٥٢.

قال الأميني: الذي يشهد ببطلان ما قالاه انَّ ما حسبوه جريمة من فروة إن كان مسقطاً لعدالته؟ فالإخراج عنه باطلٌ سمّاه أولم يسمِّه، وإن كان غير مسقط لها؟ فهو مشمولٌ لما عمَّ الصحابة عند القوم من الفضل والعدالة، وإنَّ روايته حجَّة يُؤخذ بها ولا يضرُّه إذن إلغاء الإسم، ثمَّ إن كانت هذه الجريمة ممّا يُؤاخذ به صاحبه؟ فهي عامَّة للأنصار كلّهم كما أو عز إليه أبو عمر بقوله: لم يكن لقائل هذا علمٌ بما كان من الأنصار يوم الدار. فيجب إسقاط رواياتهم أو السكوت عن اسمائهم جمعاء. وبالجملة: إنَّ هذا الأنصاريُّ البدريُّ عُدَّ ممَّن أعان على قتل عثمان، ولم يشذَّ في رأيه عن الأنصار أو عن بقيَّة الصحابة أجمع.

_٢٠_

حديث محمد بن عمرو

ابن حزم أبي سليمان الأنصاري

أحد المحامدة الذين سمّاهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم محمَّداً. قال أبو عمر في « الاستيعاب » في ترجمته: يقال: إنَّه كان أشدَّ الناس على عثمان المحمَّدون: محمَّد بن أبي بكر. محمَّد بن أبي حذيفة. محمَّد بن عمرو بن حزم.

_٢١_

حديث جابر بن عبد الله

أبي عبد الله الأنصاريّ الصحابيّ العظيم وقوم آخرين من الصحابة

لَمّا فرغ الحجّاج من أمر ابن الزبير كنس المسجد الحرام من الحجارة والدم وأتته ولاية مكّة والمدينة، وكان عبد الملك حين بعثه لقتال عبد الله بن الزبير عقد له على مكّة ولكنَّه أحبَّ تجديد ولايته إيّاها، فشخص الحجّاج إلى المدينة، واستخلف على مكّة عبد الرحمن بن نافع بن عبد الحارث الخزاعي، فلمّا قدم المدينة أقام بها شهراً أو شهرين فأساء إلى أهلها واستخفَّ بهم وقال: إنَّهم قتلة أمير المؤمنين عثمان، وختم يد جابر بن عبد الله برصاص وأيدي قوم آخرين كما يُفعل بالذمَّة، منهم: أنس بن مالك

١٢٩

ختم عنقه، وأرسل إلى سهل بن سعد فدعاه فقال: ما منعك أن تنصر أمير المؤمنين عثمان ابن عفان؟ قال: قد فعلت. قال: كذبت. ثمَّ أمر به فختم في عنقه برصاص.

أنساب البلاذري ٥: ٣٧٣، تاريخ الطبري ٧: ٢٠٦، الكامل لابن الأثير ٤: ١٤٩

قال الأميني: تُعطي هذه الرِّواية أنَّ مؤاخذة الحجّاج لبقيَّة الصحابة وفيهم جابر - صاحب الحلقة في مسجد النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُؤخذ منه العلم كما في الاصابة ١: ٢١٣ - كانت لتدخُّلهم في واقعة عثمان بمباشرة أو تخذيل عنه أو بتقاعد عن نصرته، نحن لا نقول بوثاقة الرجل فيها يرويه كما لا نقول بسداده فيما يرتأيه، غير أنَّ الحالة تشهد أنَّ تلكم النسبة كانت مشهورةً بين الملأ فاحتجَّ بها الحجّاج على ما ارتكبه من إهانتهم ولم يظهر من القوم أيُّ إنكار لما رُموا به ردئاً لعادية الطاغية، لكنَّهم صبروا على البلاء وشدَّة المنازلة ثباتاً منهم على ما ارتكبوه في واقعة الدار.

_٢٢_

حديث جبلة بن عمرو(١)

ابن ساعدة الساعدي الأنصاري (بدريٌّ)

أخرج الطبري من طريق عثمان بن الشريد قال: مرَّ عثمان علي جبلة بن عمرو الساعدي وهو بفناء داره ومعه جامعةٌ فقال: يا نعثل؟ والله لأقتلنَّك ولأحملنَّك على قلوص جرباء ولأخرجنَّك إلى حرَّة النار، ثمَّ جاءه مرَّة اُخرى وعثمان على المنبر فأنزله عنه وأخرج من طريق عامر بن سعد قال: كان أوَّل من اجرأ على عثمان بالمنطق السيِّء جبلة بن عمرو الساعدي، مرَّ به عثمان وهو جالسٌ في نديِّ قومه وفي يد جبلة بن عمرو جامعةٌ، فلمّا مرَّ عثمان سلّم فردّ القوم فقال جبلة: لِمَ تردُّون على رجل فعل كذا وكذا؟ قال: ثمَّ أقبل على عثمان فقال: والله لأطرحنَّ هذه الجامعة في عنقك أو لتتركنَّ بطانتك هذه. قال عثمان: أيّ بطانة؟ فوالله إنِّي لا أتخيَّر الناس. فقال: مروان تخيَّرته، ومعاوية تخيَّرته، وعبد الله بن عامر بن كريز تخيَّرته، وعبد الله بن سعد تخيَّرته، منهم من نزل القرآن بذمِّه وأباح رسول الله دمه(٢) قال: فانصرف عثمان فما

____________________

١ - قال البلاذرى فى الانساب ٥: ٤٧: قال الكلبى: هو رخيلة بن ثعلبة البياضى، بدرى.

٢ - هو عبد الله بن سعد راجع ما اسلفناه فى ج ٨: ٢٨٠ ط ٢.

١٣٠

زال الناسمجترئين عليه إلى هذا اليوم.

تاريخ الطبري ٥: ١١٤، الكامل لابن الأثير ٣: ٧٠، تاريخ ابن كثير ٧: ١٧٦، شرح ابن أبي الحديد ١: ١٦٥.

وأخرج البلاذري في الأنساب ٥: ٤٧ الحديث الأوَّل باللفظ المذكور فقال: ثمَّ أتاه وهو على المنبر فأنزله، وكان أوّل من اجترأ على عثمان وتجهَّمه بالمنطق الغليظ وأتاه يوماً بجامعة فقال: والله لأطرحنّها في عنقك، أو لتتركنَّ بطانتك هذه، أطعمت الحارث بن الحكم السوق وفعلتَ وفعلتَ، وكان عثمان ولَّى الحارث السوق فكان يشتري الجَلَب بحكمه ويبيعه بسومه، ويجبي مقاعد المتسوِّقين، ويصنع صنيعاً منكراً، فكلّم في إخراج السوق من يده فلم يفعل، وقيل لجبلة في أمر عثمان وسُئل الكفَّ عنه فقال: والله لا ألقى الله غداً فأقول: إنّا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلّونا السبيل.

وأخرج ابن شبه في أخبار المدينة من طريق عبد الرَّحمن بن الأزهر: انَّهم لَمّا أرادوا دفن عثمان فانتهوا إلى البقيع من دفنه جبلة بن عمرو فانطلقوا إلى حشِّ كوكب فدفنوه فيه(١) .

قال الأميني: إنّك جِدُّ عليم بما في هذا الرجل المبجَّل البدريّ الذي أثنى عليه أبو عمر في « الاستيعاب » بقوله: كان فاضلاً من فقهاء الصحابة. وهو أحد الصحابة العدول الذين يُحتجُّ بما رووه أو رأوه من شدَّة على عثمان وثباة عليها، حتّى انَّه يعدّ المحايدة يومئذ من الضلال الذي يأمر به السّادة والكبراء الضالّون، ويهدّد عثمان و يرعد ويبرق وينهى عن ردّ السّلام عليه الذي هو تحيَّة المسلمين، ومن الواجب شرعاً ردُّها، وينزِّله عن منبر الخطابة إنزالاً عنيفاً بين الملأ، ثمَّ لم يزل يستخفُّ به ويهينه ولا تأخذه فيه هوادة حتّى منعه عن الدفن في البقيع، فدفن في حشِّ كوكب مقابر اليهود وكلُّ هذه لا تلتئم مع حسن ظنّه به فضلاً عن حسن عقيدته.

نعم: إنَّ جبلة فعل هذه الأفاعيل بين ظهراني الملأ الديني الصحابة العدول وهم بين مُتجمهرٍ معه، ومُخذِّلٍ عن الخليفة المقتول، ومتثبِّطٍ عنه، وراضٍ بما دارت على الخليفة من دائرة سوء، ما خلا شذّاذ من الأمويِّين الذين وصفهم جبلة فى بيانه،

____________________

١ - الاصابة ١: ٢٢٣.

١٣١

وقدَّمنا نحن تفصيل ما نزل في القرآن فيهم في الجزء الثامن(١) ولم تقم الجامعة الدينيَّة لهم ولآرائهم وزناً.

_٢٣_

حديث محمد بن مسلمة

أبي عبد الرحمن الأنصاري (بدريٌّ)

أخرج الطبري من طريق محمّد بن مسلمة قال: خرجت في نفر من قومي إلى المصريِّين وكان رؤساءهم أربعة: عبد الرَّحمن بن عديس البلوي، وسودان بن حمران المرادي، وعمرو بن الحمق الخزاعي، وابن النباع(٢) قال: فدخلت عليهم وهم في خباء لهم أربعتهم ورأيت الناس لهم تبعاً، قال: فعظَّمتُ حقّ عثمان، وما في رقابهم من البيعة، وخوّفتهم بالفتنة، وأعلمتهم أنَّ في قتله اختلافاً وأمراً عظيماً، فلا تكونوا أوَّل من فتحه وانَّه ينزع عن هذه الخصال التي نقمتم منها عليه وأنا ضامنٌ لذلك. قال القوم: فإن لم ينزع قال: قلت فأمركم إليكم. قال: فانصرف القوم وهم راضون فرجعت إلى عثمان فقلت: اخلني. فأخلاني فقلت: الله الله يا عثمان! في نفسك، إنَّ هؤلاء القوم إنّما قدموا يريدون دمك وأنت ترىِ خذلان أصحابك لك، لا، بل هم يقوّون عدوّك عليك، قال: فأعطاني الرضا وجزّاني خيراً قال: ثمَّ خرجت من عنده فأقمت ما شاء الله أن اُقيم، قال: وقد تكلّم عثمان برجوع المصريِّين وذكر أنَّهم جاءوا لأمر فبلغهم غيره فانصرفوا. فأردت أن آتيه فاُعنّفه ثمَّ سكتُّ فإذا قائلٌ يقول: قد قدم المصريّون وهم بالسويداء(٣) قال: قلت: أحقَّ ما تقول؟ قال: نعم، قال: فأرسل إلىَّ عثمان، قال: وإذا الخبر قد جاءه و قد نزل القوم من ساعتهم ذا خُشب(٤) فقال: يا أبا عبد الرَّحمن! هؤلاء القوم قد رجعوا فما الرأي فيهم؟ قال قلت: والله ما أدري إلّا إنِّي أظنّ أنَّهم لم يرجعوا لخير قال: فارجع إليهم فارددهم قال: قلت: لا والله ما أنا بفاعل، قال: ولِمَ؟ قال: لأنِّي ضمنت لهم اموراً تنزع عنها، فلم تنزع عن حرف منها قال: فقال: الله المستعان قال: وخرجت

____________________

١ - راجع صفحة ٢٤٧ - ٢٤٩، ٢٧٥، ٢١٨ ط ٢.

٢ - كذا فى تاريخ الطبرى وفيما حكى عنه والصحيح: ابن البياع وهو عروة بن شييم الليثى.

٣ - السويداء: موضع على ليلتين من المدينة على طريق الشام.

٤ - واد على مسيرة ليلة من المدينة.

١٣٢

وقدم القوم وحلّوا بالأسواف وحصروا عثمان وجاءني عبد الرَّحمن ابن عديس ومعه سودان بن حمران وصاحباه فقالوا: يا أبا عبد الرَّحمن ألم تعلم أنَّك كلّمتنا ورددتنا وزعمتَ انَّ صاحبنا نازعٌ عما نكره؟ فقلت: بلى، فإذا هم يُخرجون إلىَّ صحيفة صغيرة وإذا قصبة من رصاص فإذا هم يقولون: وجدنا جملاً من إبل الصدقة عليه غلام عثمان فأخذنا متاعه ففتَّشناه فوجدنا فيه هذا الكتاب. الحديث يأتي بتمامه.

تاريخ الطبري ٥: ١١٨، الكامل لابن الأثير ٣: ٧٠.

قال الأميني: إنّك تجد محمّد بن مسلمة هاهنا لا يشك في أنَّ ما نقمه القوم على الخليفة موبقات يستحلُّ بها هتك الحرمات ممّن ارتكبها، لكنّه كره المناجزة وحاول الإصلاحِ حذار الفتنة المستتبعة لطامات وهنا بث، وسعى سعيه في ردِّ القوم بضمانه عسى أن ينزع الخليفة عمّا فرَّط في جنب الله، وأن يكون ذلك توبة نصوحاً، فلعلَّ الفورة تهدأ، ولهيب الثورة يخبأ، لكنّه لمـّا شاهد الفشل في مسعاه، وأخفق ظنّه بعثمان، و رأى منه حنث الإلِّ، وعدم النزوع عن أحداثه، تركه والقوم، فارتكبوا منه ما ارتكبوا ولم يجبه حينما استنصره، ولم يُقم لطلبته وزناً، ولم يرَ له حرمة يدافع بها عنه، و لذلك خاشنه في القول، فكان ما كان مقضيّاً.

_٢٤_

حديث ابن عباس

حبر الاُمّة ابن عمِّ النبيِّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

١ - أخرج أبو عمر في « الاستيعاب » في ترجمة مولانا أمير المؤمنين عليّ صلوات الله عليه من طريق طارق قال: جاء ناسٌ إلى ابن عبّاس فقالوا: جئناك نسألك فقال: سلوا عمّا شئتم فقالوا: أيّ رجل كان أبو بكر؟ فقال: كان خيراً كلّه. أو قال: كالخير كلّه على حِدَّة كانت فيه. قالوا: فأيّ رجل كان عمر؟ قال: كان كالطائر الحذر الذي يظنُّ أنَّ له في كلِّ طريق شركاً. قالوا: فأيّ رجل كان عثمان؟ قال: رجل ألهته نومته عن يقظته. قال: فأيّ رجل كان عليّ؟ قال: كان قد مُلئ جوفه حكماً وعلماً وبأساً و نجدةً مع قرابته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان يظنّ أن لا يمدَّ يده إلى شيء إلّا ناله، فما مدَّ يده إلى شيء فناله.

١٣٣

٢ - من كتاب لمعاوية إلى ابن عبّاس: لعمري لو قتلتك بعثمان رجوت أن يكون ذلك لِلَّه رضا وأن يكون رأياً صواباً، فإنَّك من الساعين عليه، والخاذلين له، و السافكين دمه، وما جرى بيني وبينك صلحٌ فيمنعك منِّي ولا بيدك أمان(١) .

فكتب إليه ابن عبّاس جواباً طويلاً يقول فيه: وأمّا قولك « إنِّي من الساعين على عثمان والخاذلين له، والسافكين له، وما جرى بيني وبينك صلح فيمنعك منِّي » فاقسم بالله لأنت المتربِّص بقتله، والمحبُّ لهلاكه، والحابس الناس قِبلك عنه على بصيرة من أمره، ولقد أتاك كتابه وصريخه يستغيث بك ويستصرخ فما حفلت به حتَّى بعثت إليه معذراً باجرة أنت تعلم انّهم لن يتركوه حتّى يُقتل، فقتل كما كنت أردت ثمَّ علمت عند ذلك أن النّاس لن يعدلوا بيننا و بينك فطفقت تنعي عثمان وتلزمنا دمه، وتقول قُتل مظلوماً، فإن يك قُتل مظلوماً فأنت أظلم الظالمين، ثمَّ لم تزل مصوِّباً و مصعّداً وجاثماً ورابضاً تستغوي الجهّال وتنازعنا حقّنا بالسفهاء حتى أدركت ما طلبت وإن أدري لعلّه فتنةٌ لكم ومتاعٌ إلى حين.

قال الأميني: إنَّ حبر الاُمّة وإن لم يكن له أيّ تدخّل في واقعة الدار، وكان أمير الحاجِّ في سنته تلك، لكنّك تراه لا يشذّ عن الصحابة في الرأي حول الخليفة، ولا يقيم له وزناً، ولا يرى له مكانة، ومن أجل ذلك أعطى المقام حقَّه في جواب السائل عن الخلفاء، غير انّه لم يصف عثمان إلّا بما يُنبأ عن عدم كفائته برقدته الطويلة الغاشية على يقظته، وسُباته العميق الساتر لإنتباهته، ومن جرَّاء ذلك الإعتقاد تجده لم يهتم بشيء من أمره لمـّا جاءه نافع بن طريف بكتاب(٢) من الخليفة يستنجد الحجيج و يستغيث بهم، على حين انَّه محصورٌ، فقرأه نافع على الناس بينما كان ابن عبّاس يخطب فلمّا نجزت قراءته أتمَّ خطبته من حيث أفضت اليه، ولم يلو إلى أمر عثمان وحصاره، ولم ينبس في أمره ببنت شفة، وكان في وسعه أن يستثيرهم لنصرته، وهل ذلك كلّه لسوء رأي منه في الخليفة؟ أو لعدم الإهتمام في أمره؟ أو لحسن ظنّه بالثائرين عليه؟ إختر ما شئت، ولعلّك تختار تحقّق الجميع لدى ابن عباس، وكأنَّ عائشة شعرت منه

____________________

١ - شرح ابن الحديد ٤: ٥٨. قال: كتبه اليه عند صلح الحسن عليه ‌السلام يدعوه الى بيعته

٢ - يأتى تفصيله فى هذا الجزء عند ذكر كتب عثمان ان شاء الله.

١٣٤

ذلك فقالت يوم مرَّ بها ابن عبّاس في منزل من منازل الحجِّ: يا ابن عبّاس! إنَّ الله قد اتاك عقلاً وفهماً وبياناً فإيّاك أن تردَّ النّاس عن هذا الطاغية.(١)

ومن جرّاء رأيه الذايع الشايع كان يحذر معاوية ويخاف بطشه، ولمـّا قال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : إذهب أنت إلى الشام فقد وليّتكها. قال: إنِّي أخشى من معاوية أن يقتلني بعثمان، أو يحبسني لقرابتي منك، ولكن اكتب معي إلى معاوية فمنّه وعده. الحديث(٢)

وفي أثر ذلك الرأي كان يسكت عن لعن قتلة عثمان ولَمّا كتب اليه معاوية: أن اخرج إلى المسجد والعن قتلة عثمان. أجاب بقوله: لعثمان ولدٌ وخاصَّة وقرابة هم أحقّ بلعنهم منِّي، فإن شاءوا أن يلعنوا، وإن شاءوا أن يمسكوا فليمسكوا(٣) .

_٢٥_

حديث عمرو بن العاصي

الذي عرَّفناكه في ج ٢ ص ١٢٠ - ١٧٦

أخرج الطبري من طريق أبي عون مولى المسور قال: كان عمرو بن العاصي على مصر عاملاً لعثمان فعزله عن الخراج واستعمله على الصَّلاة، استعمل عبد الله بن سعد على الخراج، ثمَّ جمعهما لعبد الله بن سعد، فلمّا قدم عمرو بن العاصي المدينة جعل يطعن على عثمان، فأرسل اليه يوماً عثمان خالياً به فقال: يا ابن النابغة ما أسرع ما قمل به جربّان جبَّتك؟ إنَّما عهدك بالعمل عاماً أوَّل، أتطعن عليَّ، ويأتيني بوجه، وتذهب عنِّي بآخر؟ والله لولا اُكلة ما فعلت ذلك. فقال عمرو: إنَّ كثيراً ممّا يقول الناس وينقلون إلى ولاتهم باطلٌ، فاتَّق الله يا أمير المؤمنين! في رعيِّتك، فقال عثمان: والله لو استعملتك على ظلعك وكثرة القالة فيك، فقال عمرو: قد كنت عاملاً لعمر بن الخطاب ففارقني وهو عنِّي راض فقال عثمان: وأنا والله لو آخذتك بما آخذك به عمر لاستقمت ولكنِّي لنتُ عليك فاجترأت عليَّ، أمّا والله لأنا أعزُّ منك نفراً في الجاهليَّة وقبل أن ألي هذا

____________________

١ - راجع ما مر فى هذا الجزء من حديث عائشة.

٢ - تاريخ ابن كثير ٧: ٢٢٨، الكامل لابن الاثير ٣: ٨٣.

٣ - الامامة والسياسة قتيبة ١: ١٤٨.

١٣٥

السلطان، فقال عمرو: دع عنك هذا فالحمد لله الذي أكرمنا بمحمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهدانا به، قد رأيت العاصي بن وائل ورأيت أباك عفان فوالله للعاصي كان أشرف من أبيك(١) فانكسر عثمان وقال: ما لنا ولذكر الجاهليَّة، وخرج عمرو ودخل مروان فقال: يا أمير المؤمنين! وقد بلغت مبلغاً يذكر عمرو بن العاصي أباك، فقال عثمان: دع هذا عنك، مَن ذكر آباء الرجال ذكروا أباه. قال فخرج عمرو من عند عثمان وهو محتقدٌ عليه يأتي عليّاً مرَّة فيؤلّبه على عثمان، ويأتي الزبير مرَّة فيؤلّبه على عثمان، ويأتي طلحة مرَّة فيؤلّبه على عثمان ويعترض الحاج فيخبرهم بما أحدث عثمان، فلمّا كان حصر عثمان الأوَّل خرج من المدينة حتّى انتهى إلى أرض له بفلسطين يقال لها: السبع، فنزل في قصر له يقال له: العجلان وهو يقول: العجب ما يأتينا عن ابن عفان قال: فبينا هو جالسٌ في قصره ذلك ومعه إبناه محمَّد، وعبد الله، وسلامة بن رَوح الجذامي إذا مرَّ بهم راكبٌ فناداه عمرو: من أين قدم الرجل؟ فقال: من المدينة، قال: ما فعل الرجل؟ يعني عثمان. قال: تركته محصوراً شديد الحصار قال عمرو: أنا أبو عبد الله قد يضرط العير والمِكواة في النّار فلم يبرح مجلسه ذلك حتّى مرَّ به راكبٌ آخر فناداه عمرو: ما فعل الرَّجل؟ يعني عثمان. قال: قُتل. قال: أنا أبو عبد الله إذا حككت قرحة نكأتها، إن كنت لأحرِّض عليه حتّى إنِّي لاُحرِّض عليه الراعي في غنمه في رأس الجبل. فقال له سلامة بن روح: يا معشر قريش! إنَّه كان بينكم وبين العرب بابٌ وثيقٌ فكسرتموه، فما حملكم على ذلك؟ فقال: أردنا أن نخرج الحقَّ من حافرة الباطل، وأن يكون الناس في الحقِّ شرعاً سواء، وكانت عند عمرو اُخت عثمان لاُمِّه اُمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ففارقها حين عزله(٢) .

٢ – لمـّا ركب علي وركب معه ثلاثون رجلاً من المهاجرين والأنصار إلى أهل مصر في أوَّل مجيئهم المدينة ناقمين على عثمان، وردَّهم عنه فانصرفوا راجعين ورجع

____________________

١ - ليت شعرى ما مكانة عفان من الشرف ان كان يفضل عليه العاصى الساقط المشرف بقوله تعالى: « ان شانئك هو الأبتر » كما مرّ تفصيله فى الجزء الثانى ص ١٢٠ ط ٢.

٢ - تاريخ الطبرى ٥: ١٠٨، ٢٠٣، الانساب للبلاذرى ٥: ٧٤، الامامة والسياسة ١: ٤٢، الاستيعاب ترجمة عبد الله بن سعد بن أبى سرح، شرح ابن أبى الحديد ١: ٦٣، وأوعز اليه ابن كثير فى تاريخه ٧: ١٧٠ بصورة مصغرة جريا على عادته فيما لا يروقه.

١٣٦

عليٌّعليه‌السلام إلى عثمان وأخبره انَّهم قد رجعوا، حتّى إذا كان الغد جاء مروان عثمان فقال له: تكلّم وأعلم النّاس أنَّ أهل مصر قد رجعوا، وإنَّ ما بلغهم عن إمامهم كان باطلاً، فإنَّ خطبتك تسير في البلاد قبل أن يتحلّب الناس عليك من أمصارهم فيأتيك من لا تستطيع دفعه. فأبى عثمان أن يخرج، فلم يزل به مروان حتّى خرج فجلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثمَّ قال: أما بعد: إنَّ هؤلاء القوم من أهل مصر كان بلغهم عن إمامهم أمرٌ فلمّا تيقَّنوا أنَّه باطلٌ ما بلغهم عنه رجعوا إلى بلادهم(١) فناداه عمرو بن العاصي من ناحية المسجد: إتَّق الله يا عثمان! فإنَّك قد ركبت نهابير(٢) وركبناها معك فتب إلى الله نتب، فناداه عثمان: وإنَّك هناك يا ابن النابغة؟ قملت والله جبَّتك منذ تركتك من العمل، فنودي من ناحية اُخرى: تب إلى الله وأظهر التوبة يكفّ النّاس عنك. فرفع عثمان يديه مدّاً واستقبل القبلة فقال: أللهمَّ إنِّي أوّل تائب تاب إليك.

ورجع إلى منزله، وخرج عمرو بن العاصي حتّى نزل منزله بفلسطين فكان يقول: والله إن كنت لألقى الراعي فاُحرِّضه عليه. وفي لفظ البلاذري: يا ابن النابغة! وإنَّك ممَّن تؤلِّب عليَّ الطغام؟ وفي لفظ: قال عمرو: يا عثمان! إنَّك قد ركبت بهذه الاُمَّة نهاية من الأمر وزغت فزاغوا فاعتدل أو اعتزل. وفي لفظ: ركبت بهذه الاُمَّة نهابير من الاُمور فركبوها منك، ومِلت بهم فمالوا بك، اعدل أو اعتزل.

تاريخ الطبري ٥: ١١٠، ١١٤، أنساب البلاذري ٥: ٧٤، الإستيعاب ترجمة عثمان، شرح ابن أبي الحديد ٢: ١١٣، الكامل لابن الأثير ٣: ٦٨، الفائق للزمخشري ٢: ٢٩٦، نهاية ابن الأثير ٤: ١٩٦، تاريخ ابن كثير ٧: ١٧٥، تاريخ ابن خلدون ٢: ٣٩٦، لسان العرب ٧: ٩٨، تاج العروس ٣: ٥٩٢.

٣ - قال ابن قتيبة: ذكروا انَّ رجلاً من همدان يقال له « برد » قدم على معاوية فسمع عمراً يقع في عليّ فقال له: يا عمرو إنَّ أشياخنا سمعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه. فحقٌّ ذلك أم باطلٌ؟ فقال عمرو: حقٌّ وأنا أزيدك انّه ليس

____________________

١ - ما عذر الخليفة فى هذا الكذب الفاحش على منبر النبى الأعظم وهو بين يدى قبره الشريف لعله يعتذر بأن مروان حثه عليه ولم يكن له منتدح من قبول أمره، والملك عقيم.

٢ - النهابير والنهابر: المهالك: الواحدة: نهبرة ونهبور.

١٣٧

أحدٌ من صحابة رسول الله له مناقبٌ مثل مناقب عليّ. ففزع الفتى فقال عمرو: إنَّه أفسدها بأمره في عثمان فقال برد: هل أمر أو قتل؟ قال: لا، ولكنه آوى ومنع، قال: فهل بايعه الناس عليها؟ قال: نعم. قال: فما أخرجك من بيعته؟ قال: إتِّهامي إيّاه في عثمان. قال له: وأنت أيضاً قد اُتّهمت. قال: صدقت فيها، خرجت إلى فلسطين. فرجع الفتى إلى قومه فقال: إنّا أتينا قوماً أخذنا الحجَّة عليهم من أفواههم، عليٌّ على الحقِّ فاتَّبعوه. « الإمامة والسياسة ١ ص ٩٣ »

٤ - أخرج الطبري في تاريخه ٥: ٢٣٤ من طريق الواقدي قال: لَمّا بلغ عمراً قتل عثمان رضي الله عنه قال: أنا أبو عبد الله قتلته وأنا بوادي السباع، من يلي هذا الأمر من بعده؟ إنَ يلِه طلحة فهو فتى العرب سيباً، وإن يله ابن أبي طالب فلا أراه إلاّ سيستنظف الحقَّ، وهو أكره من يليه إليَّ.

٥ - أسلفنا في حديث طويل في الجزء الثاني ص ١٣٣ - ١٣٦ ط ٢ من قول الإمام الحسن السبط الزكي لعمرو بن العاصي: وأمّا ما ذكرت من أمر عثمان فأنت سعَّرت عَليه الدنيا ناراً، ثمَّ لحقت بفلسطين فلمّا أتاك قتله قلتَ: أنا أبو عبد الله إذا نكأت « أي قشرت » قرحةً أدميتها، ثمَّ حبست نفسك إلى معاوية وبعت دينك بدنياه، فلسنا نلومك على بغض، ولا نعاتبك على ودّ، وبالله ما نصرت عثمان حيّاً، ولا غضبت له مقتولاً.

قال أبو عمر في « الاستيعاب » في ترجمة عبد الله بن سعيد بن أبي سرح: كان عمرو ابن العاصي يطعن على عثمان ويؤلِّب عليه ويسعى في إفساد أمره، فلمّا بلغه قتل عثمان وكان معتزلاً بفلسطين قال: إنِّي إذا نكأت قرحة أدميتها أو نحو هذا.

وقال في ترجمة محمَّد بن أبي حذيفة: كان عمرو بن العاص مذ عزله عثمان عن مصر يعمل حيلة في التأليب والطعن على عثمان.

وفي الإصابة ٣: ٣٨١: إنَّ عثمان لمـّا عزل عمرو بن العاص عن مصر قدم المدينة فجعل يطعن على عثمان، فبلغ عثمان فزجره، فخرج إلى أرض له بفلسطين فأقام بها.

قال الأميني: لعلَّ ممّا يستغني عن الإفاضة فيه مناوءة ابن العاصي لعثمان ورأيه في سقوطه، وتبجُّحه بالتأليب عليه، ومسرَّته على قتله، وقوله بملأ فمه: أنا أبو عبد الله قتلته

١٣٨

وأنا بوادي السباع. وقوله: إنِّي إذا نكأت قرحةً أدميتها. وهل الأحن بينهما استفحلت فتأثَّرت بها نفسيَّة ابن العاصي حتَّى انَّه اجتهد فأخطأ. أو انَّه أصاب الحقّ، فكان اجتهاده عن مقدَّمات صحيحة مقطوعة عن الضغائن الثائرة، معتضدة بآراء الصحابة، و أيّاماً كان فهو عند القوم من أعاظم الصحابة العدول يرى في الخليفة هذا الرأي.

_٢٦_

حديث عامر بن واثلة

أبي الطفيل الشيخ الكبير الصحابيّ.

قدم أبو الطفيل الشام يزور ابن أخ له من رجال معاوية فأخبر معاوية بقدومه فأرسل إليه فأتاه وهو شيخٌ كبيرُ فلمَّا دخل عليه قال له معاوية: أنت أبو الطفيل عامر ابن واثلة؟ قال: نعم. قال معاوية: أكنت ممَّن قتل عثمان أمير المؤمنين؟ قال: لا، ولكن ممَّن شهده فلم ينصره.

قال: ولِمَ؟ قال: لم ينصره المهاجرون والأنصار، فقال معاوية أما والله إن نصرته كانت عليهم وعليك حقّاً واجباً وفرضاً لازماً، فإذ ضيَّعتموه فقد فعل والله بكم ما أنتم أهله وأصاركم إلى ما رأيتم. فقال أبو الطفيل: فما منعك يا أمير المؤمنين! إذ تربَّصت به ريب المنون أن لا تنصره ومعك أهل الشام؟ قال معاوية: أوَ ما ترى طلبي لدمه نصرة له؟ فضحك أبو الطفيل وقال بلى: ولكنِّي وإيّاك(١) كما قال عبيد بن الأبرص:

لأعرفنَّك بعد الموت تندبني

وفي حياتي مَا زوَّدتني زادي

فدخل مروان بن الحكم وسعيد بن العاص وعبد الرَّحمن بن الحكم فلمّا جلسوا نظر إليهم معاوية ثمَّ قال: أتعرفرن هذا الشيخ؟ قالوا: لا. فقال معاوية: هذا خليل عليِّ بن أبي طالب، وفارس صفّين وشاعر أهل العراق، هذا أبو الطفيل. قال سعيد بن العاص: قد عرفناه يا أمير المؤمنين! فما يمنعك منه؟ وشتمه القوم فزجرهم معاوية قال: فربَّ يوم ارتفع عن الأسباب قد ضقتم به ذرعاً ثمَّ قال: أتعرف هؤلاء يا أبا الطفيل؟ قال: ما اُنكرهم من سوء ولا أعرفهم بخير وأنشد شعراً:

فإن تكن العداوة قدأكنَّت

فشرُّ عدواة المرء السبابُ

فقال معاوية: يا أبا الطفيل! ما أبقى لك الدهر من حبِّ عليّ؟ قال: حبّ اُم

____________________

١ - كذا والصحيح كما فى مروج الذهب. ولكنك واياه.

١٣٩

موسى وأشكو إلى الله التقصير. فضحك معاوية وقال: ولكن والله هؤلاء الذين حولك لو سألوا عنِّي ما قالوا هذا. فقال مروان: أجل والله لا نقول الباطل.

الإمامة والسياسة ١: ١٥٨، مروج الذهب ٢: ٦٢، تاريخ ابن عساكر ٧: ٢٠١، الإستيعاب في الكنى، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ١٣٣.

قال الأميني: أترى هذا الشيخ الكبير الصالح كيف يعترف بخذلانه عثمان؟ و يحكي مصافقته على ذلك عن المهاجرين والأنصار الصحابة العدول، غير متندِّم على ما فرَّط هنالك، ولو كان يتحرّج هو ومَن نقل عنهم موافقتهم له لردعتهم الصحبة والعدالة عمّا ارتكبوه من القتل والخذلان، ولو كان لحقه وإيّاهم شيءٌ من الندم لباح به وباحوا، لكنّهم اعتقدوا وأمراً فمضوا على ضوئه، وإنَّهم كانوا على بصيرة من أمرهم، وما اعتراهم الندم إلى آخر نفس لفظوه.

_١٧_

حديث سعد بن ابى وقاص

أحد العشرة المبشَّرة، وأحد الستَّة أصحاب الشورى

١ - روى ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ١ ص ٤٣ قال: كتب عمرو بن العاص إلى سعد بن أبي وقّاص يسأله عن قتل عثمان ومن قتله ومن تولّى كِبره فكتب إليه سعد: إنَّك سألتني من قتل عثمان وأنِّي اخبرك انَّه قُتل بسيف سلّته عائشة، وصقَّله طلحة، وسمَّه ابن أبي طالب، وسكت الزبير وأشار بيده، وأمسكنا نحن ولو شئنا دفعناه عنه، ولكن عثمان غيَّر وتغيَّر وأحسن وأساء، فإن كنّا أحسنّا فقد أحسنّا، وإن كنّا أسأنا فنستغفر الله. الحديث مرَّ بتمامه ص ٨٣.

٢ - عن أبي حبيبة قال: نظرت إلى سعد بن أبي وقاص يوم قتل عثمان دخل عليه ثمَّ خرج من عنده وهو يسترجع ممّا يرى على الباب فقال له مروان: الآن تندم؟ أنت أشعرته. فأسمع سعداً يقول: استغفر الله لم أكن أظنّ النّاس يجترؤن هذه الجرأة ولا يطلبون دمه، وقد دخلت عليه الآن فتكلّم بكلام لم تحضره أنت ولا أصحابك فنزع عن كلِّ ما كُره منه وأعطى التوبة. وقال: لا أتمادى في الهلكة انَّ ما تمادى في الجور كان أبعد من الطريق فأنا أتوب وأنزع. فقال مروان: إن كنت تريد أن تذبَّ عنه فعليك

١٤٠