الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٩

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 403

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 403
المشاهدات: 123478
تحميل: 8314


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 403 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 123478 / تحميل: 8314
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 9

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٤ - ولّى الوليد بن عقبة سنة ٢٦، ٢٥ وعزل سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشَّرة، وكان هذا في طليعة ما نقموا على عثمان(١) ثمّ وقع ما وقع من الوليد مِن شرب الخمر وتقاعد الخليفة عن حدِّه. راجع الجزء الثامن ص ١٢٠ - ١٢٥ ط ٢.

٥ - هبته الوليد ما استقرض عبد الله بن مسعود من مال المسلمين لمـّا قدم الوليد الكوفة وكان ابن مسعود على بيت المال، حتّى نقم الخليفة على ابن مسعود وعزله و حبس عطاءه أربع سنين إلى أن مات سنة ٣٢ وجرى بينه وبين الخليفة ما مرَّ حديثه في هذا الجزء، وهذا ممّا أخذت الاُمَّة خليفتهم به.

٦ - زاد الأذان الثالث في اوليات خلافته كما في تاريخ ابن كثير، وقد فصَّلنا القول في اُحدوثته هذه في الجزء الثامن ص ١٢٥ - ١٢٩ ط ٢.

٧ - وسَّع المسجد الحرام سنة ٢٦ وابتاع من قومٍ منازلهم، وأبوا آخرون فهدم عليهم ودفع الأثمان في بيت المال فصاحوا بعثمان فأمر بهم للحبس وقال: ما جرّأكم عليَّ إلّا حلمي. راجع الجزء الثامن ص ١٢٩ ط ٢.

٨ - أعطى خُمس الغنائم في غزوة أفريقيَّة الثانية مروان بن الحكم وهو مِن عمدة مآثم الخليفة، وكان ذلك سنة ٢٧ من الهجرة الشريفة. راجع ج ٨ ص ٢٧٥ - ٢٦٠ ط ٢.

٩ - حجَّ سنة ٢٩ وأتمَّ الصَّلاة في مكان القصر في عامه هذا كما في تاريخ ابن كثير ٧: ١٥٤، وهذه الاُحدوثة مرَّت على تفصيلها في ج ٨ ص ٩٨ - ١١٩.

١٠ - أعطى خُمس أفريقيّة عبد الله بن سعد أبي سرح في غزوتها الاولى. راجع الجزء الثامن ص ٢٧٩ ط ٢.

إلى بوادر وعثرات اُخرى صدرت من الخليفة خلال ستّ السنوات الاُولى كلّ منها يسوّغ توجيه النقد إليه، وكان من أوَّل يومه مهما قرع سمعه نقدُ ناقد أو نصحُ ناصح لا يصيخ إليه، بل كان يؤاخذ من أغمز فيه، ويسومه سوء العذاب، وكان يُلقي العرى إلى بني اُميَّة في البلاد، ويفوّض إليهم مقاليد الاُمور، ويحسبه العلاج الوحيد في حلِّ تلكم المشاكل، وتقصير خُطي اولئك الناقدين الآمرين بالمعروف والناهين

____________________

١ - دول الاسلام ١: ٩، البداية والنهاية ٧: ١٥١.

٢٦١

عن المنكر، حتّى تمخَّضت عليه البلاد ووعرت القلوب، واتَّسع الخرق على الراقع.

وفي ظنِّي الغالب أنَّ تقدُّم ثقافة مصر اليوم هو الذي بعث أساتذتها إلى الإكثار في التأليف حول عثمان وتدعيم فضائله وفواضله، وشططوا في إطرائه وبالغوا في الذبِّ عنه بتلفيق الكلام وتزويره، وتسطير الحدَد من القول، وسرد المبوَّق البهرج، وذلك روماً لتقديس ساحتهم عمّا اقترفته أيدي سلفهم الثائر المتجمهر على الخليفة، إذ حسبوه وصمةً شوَّهت سمة الخلف منهم والسلف، وسوَّدت صحيفة تاريخ مصر والمصريِّين، فهل يتأتَّى أمل الخلف بهذه الكُتيبات المزخرفة؟ لعلّه يتأتَّى مثلما رام السلف تحقّق توبتهم بالحوبة، لا يعلمون الكتاب إلّا أمانيَّ وإن هُم إلّا يظنُّون.

نظرة فى كتب اخرى

وقِسْ على هذه الكتب كتاب تاريخ الخلفاء تأليف الاستاذ عبد الوهّاب النجّار المشحونة صفحاته بمرمَّعات الرواية وسقطات التاريخ. وكتاب عثمان للاستاذ عمر أبي نصر، ليس فيه إلّا أنَّه أعاد له سبق إليه الشيخ محمَّد الخضري من نفسيّاته الأمويّة جدَّتها، فما ينقمه الباحث من مواضيع جارٍ فيما بهرجه اللّاحق في كتابه.

وكتاب تاريخ الخلفاء الراشدين للأستاذ السيِّد علي فكري وهو الجزء الثالث من كتابه « أحسن القصص » وهذا أهدأ ما اُلّف في الموضوع، ينمُّ عن سلامة نفس المؤلِّف ونزاهة قلمه، وهو وإن ألَّفه من تلكم السلاسل الوبيلة من الموضوعات، غير أنّه لا يتطرَّق إلى إلأبحاث الخطرة، ولا يقتحم المعارك المدلهمّة، ممّا نُقم به على الخليفة من الطامّات والأحداث، وما قيل في براءته عن لوثها، وكأنّه ترجم لخليفة خضعت الرقاب لعظمته، وتسالمت الاُمّة عليه من جميع نواحيه، ولم يطرق سمعه ما هنالك من حوارٍ وأخذٍ وردٍّ، ونقدٍ ودفاعٍ، وكأنَّ ما سطره في فضل الخليفة، وكرم طباعه، وسلامة نفسه، اصولٌ موضوعة لا يتوجّه إليها غمزٌ ولا انتقاد، وستعرف حالها ومحلّها من الإعتبار، فلا تعجل بالقران من قبل أن يُقضي إليك وحيه.

ذكر السيِّد الاستاذ ما جاء في مناقب عثمان من الحديث المختلق من دون أيِّ بحث وتنقيب، من دون أيِّ نقض وإبرام، إلى أن تخلّص من البحث عنه بقوله في ص ١٦٣:

٢٦٢

بعد أن فتح المسلمون تلك الأقاليم واطمأنُّوا وكثرت عندهم الخيرات والأموال، أخذوا ينقمون على الخليفة حيث رأى من الصالح للاُمّة عزل بعض الولاة فعزلهم، وولّى مَن فيه الكفاية من أقاربه وذوي رحمه، فظنَّ النّاس به ظنوناً هو بريءٌ منها، وفشت الفتنة واستفحل أمرها، حتى حضرت وفودٌ من الكوفة والبصرة ومصر في وقت واحد طالبين تولية غير عثمان، أو عزل من ولّاهم على الأمصار.

وأخيراً استقرَّ الحال على إجابتهم لما طلبوا من عزل بعض العمَّال، وعلى ذلك اختار أهل مصر أن يولَّى عليهم محمَّد بن أبي بكر الصدِّيق، فكتب عثمان لهم بذلك عهداً ورحلوا من المدينة مع واليهم الجديد، وبينما هم ذاهبون رأوا عبداً مِن عبيد الخليفة على راحلة من إبله يستحثّها فأوقفوه وفتّشوه، فوجدوا معه كتاباً مختوماً بختم الخليفة لعبد الله بن أبي سرح مضمونة: إذا قدم عليك ابن أبي بكر ومن معه فاحتلْ في قتلهم.

فأخذوا الكتاب ورجعوا إلى المدينة، وأطلعوا الخليفة عليه فأقسم لهم انَّه ما فعل ولا أمر ولا علم فقالوا: هذا أشدّ، يؤخذ خاتمك، وبعيرٌ من إبلك، وعبدٌ من عبيدك وأنت لا تعلم، ما أنت إلّا مغلوبٌ على أمرك فطلبوا منه الإعتزال، أو تسليم الكاتب فأبى، فأجمعوا على محاصرته، فحاصروه في داره ومنعوا عنه الزاد والماء أيّاماً عديدة: وهاجت الثوّار، وكثر القيل والقال، فطلب منه بعض الصحابة الإذن بالمدافعة عنه فلم يقبل، ولم يأذن لأحد حتّى انَّه قال لعبيده الذين هبوا للدفاع عنه: مَن أغمد منكم سيفه فهو حرٌّ. إستسلاماً للقضاء، فتسلّق بعض الأشرار الدار، ودخلوا عليه وقتلوه، والمصحف بين يديه يتلوه فيه سورة البقرة فنزلت قطرة من دمه على: فسيكفيكهم الله وكان يومئذ صائماً.اهـ.

ولعلَّ الاستاذ بعد الوقوف على هذا الجزء من كتابنا ينتبه لمواقع النظر في تأليفه فيميّز الحيَّ من الليّ، ويعرف الصحيح من المعلول، ويَتَّبع الحقَّ والحقُّ أحقّ أن يُتَّبع.

وفي مقدَّم هؤلاء الأساتذة استاذ تاريخ الاُمم الإسلاميَّة بالجامعة المصريَّة ووكيل مدرسة القضاء الشرعيِّ الشيخ محمَّد الخضري صاحب المحاضرات، وقد قدَّمنا في

٢٦٣

الجزء الثالث ص ٢٤٩ - ٢٦٥ ط ٢ شيئاً ممّا يرجع إليه وإلى كتابه، وعرَّفناك موقفه من الدجل والجناية على التاريخ الصحيح، وبُعده عن أدب الدين، عن أدب العلم، عن أدب الإنسانيَّة، وانَّ كتابه علبة السفاسف، وعيبة السقطات، وصحائفه مشحونةٌ بالأكاذيب والأفائك والنسب المفتعلة، والآراء الساقطة، فإن كان الإسلام هذا تاريخه فعلى الإسلام السَّلام.

عهد النبيّ الاقدسصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى عثمان

١ - أخرج إمام الحنابلة أحمد في المسند ٦: ٨٦، ١٤٩ قال: حدَّثنا أبو المغيرة « الحمصي » حدَّثنا الوليد بن سليمان « الدمشقي » حدَّثني ربيعة بن يزيد « الدمشقي » عن عبد الله بن عامر « الدمشقي » عن النعمان بن بشير « قاضي دمشق » عن عائشة رضي الله عنها قالت: أرسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى عثمان بن عفان فأقبل عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلمّا رأينا إقبال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على عثمان! أقبلت إحدانا على الاُخرى فكان من آخر كلمته أن ضرب منكبه وقال: يا عثمان! إنَّ الله عسى أن يلبسك قميصاً فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتّى تلقاني. ثلاثاً. فقلت لها: يا اُمَّ المؤمنين؟ فأين كان هذا عنكِ؟ قالت: نسيته والله، ما ذكرته.

قال: فأخبرته معاوية بن أبي سفيان فلم يرضَ بالذي أخبرته حتّى كتب إلى اُمِّ المؤمنين: أن اكتبي إليَّ به، فكتبت إليه به كتاباً،

رجال الإسناد كلّهم شاميّون عثمانيّون وفي مقدَّمهم النعمان بن بشير الخارج على إمام زمانه ومحاربه تحت راية الفئة الباغية، وجاء فيه عن قيس بن سعد الأنصاري الصحابيِّ العظيم: انَّه ضالُّ مضلُّ. ومتن الرواية كما يأتي بيانه يكذِّب نفسها.

٢ - أخرج أحمد في المسند ٦: ١١٤ من طريق محمّد بن كناسة الأسدي أبي يحيى عن إسحاق بن سعيد الأموي حفيد العاص عن أبيه سعيد ابن عمِّ عثمان الذي كان بدمشق قال: بلغني انَّ عائشة قالت: ما أسمعتُ رسول الله إلّا مرَّة فإنَّ عثمان جاءه في نحر الظهيرة فظننت انَّه جاءه في أمر النساء، فحملتني الغيرة على أن أصغيت إليه فسمعته يقول: إنَّ الله ملبسك قميصاً تريدك اُمَّتي على خلعه فلا تخلعه. فلمّا رأيت عثمان يبذل لهم ما سألوه إلّا خلعه علمت أنَّه عهد من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي عهد إليه.

٢٦٤

عمد رجال الإسناد أمويّون أبناء بيت عثمان بني أبيه ينتهي إلى عائشة وقد أوقفناك على حديثها في هذا الجزء، وهو مع ذلك مرسلٌ لا يُعلم مَن بلّغه سعيد بن العاص ولعلّه أحد الكذّابين الوضّاعين.

٣ - أخرج الطبراني عن مطلب بن شعيب الأزدي عن عبد الله بن صالح عن الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن ربيعة بن سيف قال: كنّا عند شفى الأصبحي فقال: حدَّثنا عبد الله بن عمر قال: التفت رسول الله فقال: يا عثمان! إنَّ الله كساك قميصاً فأرادك النَّاس على خلعه فلا تخلعه، فوالله لئن خلعته لا ترى الجنَّة حتّى يلج الجمل في سمِّ الخياط.

ذكره ابن كثير في تاريخه ٧: ٢٠٨ فقال: وقد رواه أبو يعلى من طريق عبد الله ابن عمر عن اُخته حفصة اُمّ المؤمنين. وفي سياق متنه غرابة والله أعلم.

رجال الإسناد:

١ - عبد الله بن صالح أبو صالح المصري كاتب الليث، قال أحمد: كان أوَّل أمره متماسكاً ثمَّ فسد بآخره وليس هو بشيء. وقال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي ذكره يوماً فذمَّه وكرهه. وقال صالح بن محمّد: كان ابن معين يوثقه وعندي انّه كان يكذب في الحديث. وقال ابن المديني: ضربت على حديثه وما أروي عنه شيئاً. وقال أحمد بن صالح: متَّهمٌ ليس بشيء. وقال النسائي: ليس بثقة، وقال أبو زرعة: كذّابٌ. وقال أبو حاتم: الأحاديث التي أخرجها أبو صالح في آخره عمره فأنكروها عليه أرى انَّ هذا ممّا افتعل خالد بن نجيح وكان أبو صالح يصحبه. إلخ. وقال أبو أحمد الحاكم: ذاهب الحديث. وقال ابن حبّان: منكر الحديث جدًّا يروي عن الاثبات ما ليس من حديث الثقات، وكان صدوقاً في نفسه وإنَّما وقعت المناكير في حديثه من قِبل جارٍ له كان يضع الحديث على شيخ عبد الله بن صالح ويكتب بخطّ يشبه خطَّ عبد الله ويرميه في داره بين كتبه فيتوهَّم عبد الله انَّه خطَّه فيحدِّث به. تهذيب التهذيب ٥: ٢٥٦ - ٢٦٠

٢ - سعيد بن أبي هلال المصري قال أحمد: ما أدري أيَّ شيء يخلط في الأحاديث وقال ابن حزم: ليس بالقوي. وقال ابن حجر: لعلّه اعتمد على قول الإمام أحمد فيه.

تهذيب التهذيب ٤: ٩٥.

٢٦٥

٣ - ربيعة بن سيف الإسكندراني. قال ابن حبّان: يُخطئ كثيراً. وقال ابن يونس: في حديثه مناكير. وقال البخاري: روى أحاديث لا يُتابع عليها. وقال النسائي: ضعيفٌ. تهذيب التهذيب ٣: ٢٥٦.

٤ - أخرج أحمد من طريق سنان بن هارون عن كليب بن وائل عن ابن عمر قال. ذكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتنة فقال: يُقتل فيها هذا المقنَّع يومئذ مظلوماً فنظرت فإذا هو عثمان بن عفّان. تاريخ ابن كثير ٧: ٢٠٨.

سنان بن هارون كوفيٌّ، قال النسائي: ضعيفٌ. وقال الساجي: ضعيفٌ منكر الأحاديث. وقال ابن حبّان: منكر الحديث جدًّا يروي المناكير عن المشاهير(١) و كليب بن وائل ضعّفه أبو زرعة كما في تهذيب التهذيب ٨: ٤٤٧.

٥ - أخرج أحمد في المسند ٢: ٣٤٥ من طريق موسى بن عقبة قال: حدَّثني جدِّي أبو امِّي أبو حبيبة انّه دخل الدار وعثمان محصورُ فيها، وانَّه سمع أبا هريرة يستأذن عثمان في الكلام فأذن له، فقام فحمد الله وأثنى عليه ثمَّ قال: إنِّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يقول إنَّكم تلقون بعدي فتنةً وإختلافاً - أو قال: إختلافاً وفتنة - فقال له قائلٌ من الناس: فمن لنا يا رسول الله؟ قال: عليكم بالأمين وأصحابه. وهو يشير إلى عثمان بذلك. وذكره ابن كثير في تاريخه ٧: ٢٠٩ فقال: تفرَّد به أحمد وإسناده جيِّدٌ حسنٌ ولم يخرجوه من هذا الوجه.

نحن لا نعرف جودة هذا الإسناد وحسنه وفيه جدّ اُم موسى وهو نكرةٌ لا يُعرف ولا يوجد له قطّ ذكرٌ في المعاجم. وهل من المعقول عزو هذه الرواية إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو جدّ عليم بأنَّ أصحاب عثمان هم: مروان ومَن يشاكله في العيث والفساد حِشوة بني اُميَّة، حثالة اُمَّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ أفمن الجائز أن يوصي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اُمَّته با تِّباع اُولئك الخابلين خلاف وجوه صحابته وعدولهم المتجمهرين على عثمان؟ حاشا نبيّ العظمة عن هذه الأفائك.

٦ - أخرج الترمذي عن طريق سعيد الجريري(٢) عن عبد الله بن شقيق عن عبد الله

____________________

١ - تهذيب التهذيب ٤: ٢٤٣.

٢ - زاد ابن كثير هاهنا فى الاسناد: عبد الله بن سفيان.

٢٦٦

بن حوالة قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كيف أنت وفتنة تكون في أقطار الأرض؟ قلت: ما خار الله لي ورسوله. قال: إتَّبع هذا الرجل فانَّه يومئذ ومن اتَّبعه على الحقِّ قال: فاتّبعته فأخذت بمنكبه ففتلته فقلت: هذا يا رسول الله؟ فقال: نعم. فإذا هو عثمان بن عفّان.

وأخرجه أحمد في المسند ٤: ١٠٩ من طريق سعيد الجريري بالإسناد المذكور ولفظه: كيف تفعل في فتنة تخرج في أطراف الأرض كأنَّها صياصي بقر؟ قلت: لا أدري ما خار الله لي ورسوله، قال: وكيف تفعل في اُخرى تخرج بعدها كان الاُولى فيها انتفاحة أرنب؟ قلت: لا أدري ما خار الله لي ورسوله، قال: إتَّبعوا هذا. قال: ورجلٌ مقفّى حينئذ قال: فانطلقت فسعيت وأخذت بمنكبيه فأقبلت بوجهه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت: هذا؟ قال: نعم. قال: وإذا هو عثمان بن عفّان رضي الله عنه.

قال الأميني، ستوافيك ترجمة سعيد الجريري في حديث ٢٥ من مناقب عثمان وانَّ روايته لا تصحّ لاختلاله ثلاث سنين. وأمّا عبد الله بن شقيق المنتهى إليه أسانيد الرواية فهو من تابعي أهل البصرة قال ابن سعد في الطبقات: كان عثمانيّاً وكان ثقة.

وقال يحيي بن سعيد: كان سليمان التميمي سيِّء الرأي في عبد الله. وقال أحمد بن حنبل ثقة وكان يحمل على عليّ. وقال ابن معين: ثقة من خيار المسلمين، وقال ابن خراش: كان ثقة وكان عثمانيّاً يبغض عليّاً(١) .

ألا تعجب من توثيق الحفّاظ هذا الرجل المتحامل على عليّ أمير المؤمنين ومبغضه وعدّه من خيار المسلمين وبين أيدينا قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصحيح الثابت: لا يحبُّ عليّاً منافقٌ ولا يبغضه مؤمنٌ، ولا يحبّه إلّا مؤمن ولا يبغضه إلّا منافق، وقول عليّ أمير المؤمنين الوارد في الصحيح: والذي فلق الحبَّة وبرء النسمة انَّه لعهد النبيُّ الاُميّ إليَّ انَّه لا يحبّني إلّا مؤمنٌ ولا يبغضني إلّا منافق. وقوله: لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني، ولو صببت الدنيا بجماتها على المنافق على أن يحبّني ما أحبَّني. الحديث. وثبت عن غير واحد من الصحابة قولهم: ما كنّا نعرف المنافقين إلّا ببغض عليِّ بن أبي طالب(٢) .

____________________

١ - تهذيب التهذيب ٥: ٢٥٤.

٢ - راجع ما أسلفناه فى الجزء الثالث ص ١٨٢ - ١٨٧ ط ٢.

٢٦٧

وجاء في الصحيح مرفوعاً: لو أنَّ رجلاً صفن بين الركن والمقام فصلّى وصام ثمَّ لقي الله وهو مبغضٌ لأهل بيت محمَّد دخل النار(١) .

وفي حديث: لو أنَّ عبداً عَبدَ الله سبعة آلاف سنة ثمَّ أتى الله عزَّ وجلَّ ببغض عليّ جاحداً لحقِّه ناكثاً لولايته لأتعس الله خيره وجدع أنفه.

وفي حديث: لو أنَّ عبداً عَبدَ الله عزَّ وجلَّ مثل ما قام نوح في قومه وكان له مثل اُحد ذهباً فأنفقه في سبيل الله ومدَّ في عمره حتّى حجَّ ألف عام على قدميه ثمَّ قُتل بين الصفا والمروة مظلوماً ثمَّ لم يُوالك يا عليّ! لم يشمّ رائحة الجنَّة ولم يدخلها.

وفي حديث: لو أنَّ عبداً من عباد الله عزَّ وجلَّ عَبدَ الله ألف عام بين الركن والمقام ثمَّ لقي الله عزَّ وجلَّ مبغضاً لعليّ وعترتي أكبّه الله على منخره يوم القيامة في نار جهنّم.

وفي حديث: يا عليٌّ! لو انَّ اُمَّتي صاموا حتّى يكونوا كالحنايا وصلّوا حتّى يكونوا كالأوتار ثمَّ أبغضوك لأكبَّهم الله في النار(٢) .

وفي الصحيح على شرط الشيخين مرفوعاً: من أحبَّ عليّاً فقد أحبّني ومَن أبغض عليّاً فقد أبغضني(٣) .

وفي المستدرك على الصحيحين للحاكم ٣: ١٣٥ مرفوعاً: يا عليُّ طوبى لمـَن أحبَّك وصدق فيك، وويل لمـَن أبغضك وكذب فيك.

وفي حديث مرفوعاً أرسل رسول الله الأنصار فأتوه فقال لهم: يا معشر الأنصار ألا أدلّكم على ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعده أبداً؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: هذا عليّ فأحبّوه بحبِّي، وأكرموه بكرامتي، فانَّ جبريل أمرني بالذي قلت لكم من الله عزَّ وجلَّ(٤) .

وفي حديث مرفوعاً: إنَّ علياً راية الهدى، وإمام أوليائي، ونور مَن أطاعني،

____________________

١ - راجع ما مرّ فى الجزء الثانى ٣٠١ ط ٢.

٢ - مرّت هذه الاحاديث بمصادرها فى الجزء الثانى ص ٣٠١، ٣٠٢ ط ٢.

٣ - المستدرك للحاكم ٣: ١٣٠.

٤ - حلية الاولياء لأبي نعيم ١: ٦٣.

٢٦٨

وهو الكلمة التي ألزمتها المتّقين، من أحبّه أحبّني، ومن أبغضه أبغضني(١) .

وفي مرفوع: ألا مَن أبغض هذا (يعني عليّاً) فقد أبغض الله ورسوله، ومَن أحبَّ هذا فقد أحبَّ الله ورسوله.

وفي حديث مرفوعاً: هذا جبريل يخبرني: انَّ السعيد حقَّ السعيد مَن أحبَّ عليّاً في حياته وبعد موته، وانَّ الشقيَّ كلَّ الشقيِّ من أبغض عليّاً في حياته وبعد موته. إلى أحاديث مرَّت في الجزء الثالث ص ٢٦ ط ٢.

وقبل هذه كلّها قوله تعالى: قُل لا أسئلكم عليه أجراً إلّا المودَّة في القربى‏ و قوله: إنَّ الذين آمنوا وعملوا الصّالحات سيجعل لهم الرّحمن ودّا. قوله: إنَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البريّة. راجع الجزء الثاني فيما ورد في هذه الآيات الكريمة.

ولا تنسَ دعاء النبيِّ الأعظم يوم الغدير في ذلك المحتشد الرحيب بقوله: أللهمَّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، أللهمَّ من أحبَّه من الناس فكن له حبيباً، ومن أبغضه فكن له مبغضاً.

وفي لفظ: أللهمَّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وانصر من نصره، وأعن مَن أعانه، وأحبّ مَن أحبَّه.

وفي لفظ: أللهمَّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وأحبّ مَن أحبّه، وأبغض مَن أبغضه، وانصر مَن نصره، واخذل من خذله.

وفي لفظ: أللهمَّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وأحبّ مَن أحبّه، وأبغض من أبغضه، وانصر مَن نصره، وأعزَّ مَن أعزَّه، وأعن مَن أعانه.

وهناك ألفاظ اُخرى مرَّت في الجزء الأوَّل من كتابنا هذا.

فعبد الله بن شقيق أخذاً بمجامع تلكم النصوص شهادة الله ورسوله، منافقٌ شقيٌّ عدوٌّ لله ولرسوله يبغضه المولى سبحانه، لا خير فيه ولا في حديثه، لا يُقبل ولا يُصدَّق في روايته، أتعس الله خيره وجدع أنفه، وأكبَّه على منخره يوم القيامة في نار جهنّم. دع الحفّاظ يقولون: ثقةٌ من خيار المسلمين.

____________________

١ - حلية الاولياء ١: ٦٧.

٢٦٩

٧ - أخرج أحمد في المسند ٥: ٣٣، ٣٥ من طريق عبد الله بن شقيق البصري قال: حدَّثني هرم بن الحارث واسامة بن خزيم عن مرَّة البهزي قال: بينما نحن مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في طريق المدينة فقال: كيف تصنعون في فتنة تثور في أقطار الأرض كأنَّها صياصي بقر؟ قالوا: نصنع ماذا يا رسول الله؟ قال: عليكم هذا وأصحابه - أو: اتبعوا هذا وأصحابه - قال: فأسرعت حتّى عييت فأدركت الرجل فقلت: هذا يا رسول الله؟ قال: هذا. فإذا هو عثمان بن عفَّان. فقال: هذا وأصحابه.

عرفت عبد الله بن شقيق وانَّه منافقٌ لا يُؤخذ بحديثه ولا يُعوَّل عليه إن صدَّقنا النبيَّ الأقدس فيما جاء به.

٨ - أخرج أحمد في المسند ٦: ٧٥ من طريق فرج بن فضالة بإسناده عن عائشة قالت: كنت عند النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا عائشة! لو كان عندنا مَن يُحدِّثنا. قالت قلت: يا رسول الله؟ ألا أبعث إلى أبي بكر؟ فسكت. ثمَّ قال: لو كان عندنا من يُحدِّثنا. فقلت: ألا أبعث إلى عمر. فسكت. قالت: ثمَّ دعا وصيفاً بين يديه فسارَّه فذهب قالت: فإذا عثمان يستأذن فأذن له فدخل فناجاه النبيٌّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طويلاً ثمَّ قال: يا عثمان! إنَّ الله عزَّ وجلَّ مقمِّصك قميصاً فإن أرادك المنافقون على أن تخلعه فلا تخلعه لهم ولا كرامة يقولها له مرَّتين أو ثلاثاً. وأخرجه الحاكم في المستدرك ٣ ص ١٠٠ من طريق فرج بن فضالة وقال: هذا حديثٌ صحيحٌ عالي الاسناد ولم يخرجاه. وعقَّبه الذهبي في تلخيصه فقال: أنَّى له الصحَّة ومداره على فرج بن فضالة؟.

أقول: فرج بن فضالة متَّفقٌ على ضعفه وعدم الإحتجاج به وستوافيك ترجمته في الحديث الـ ١٧ من مناقب عثمان في هذا الجزء انشاء الله.

وأخرج أحمد في مسنده ٦: ٥٢ من طريق قيس بن أبي حازم عن أبي سهلة مولى عثمان عن عائشة قالت: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ادعوا لي بعض أصحابي. قلت: أبو بكر؟ قال: لا. قلت: عمر. قال: لا. قلت: ابن عمِّك علي؟ قال: لا. قلت: عثمان! قال: نعم فلمّا جاء قال: تنحِّي. جعل يسارُّه ولون عثمان يتغيَّر فلمّا كان يوم الدار وحُصر فيها قلنا: يا أمير المؤمنين! ألا تقاتل؟ قال: لا انَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عهد إليَّ عهداً وإنِّي صابر نفسي عليه.

٢٧٠

وأخرجه أبو نعيم في الحلية ١: ٥٨، والحاكم في المستدرك ٣: ٩٩، وأبو عمر في الإستيعاب ٢، ٤٧٧، وذكره ابن كثير في تاريخه ٦: ٢٠٥ نقلاً عن أحمد والأسانيد كلّها تنتهي إلى قيس بن أبي حازم قالوا: كان يحمل على عليّعليه‌السلام ، وقال ابن حجر: والمشهور عنه انَّه كان يقدّم عثمان ولذلك تجنَّب كثيرٌ من قدماء الكوفيِّين الرواية عنه، وكبر قيس حتّى جاوز المائة بسنين كثيرة حتّى خرف وذهب عقله.

تهذيب التهذيب ٨: ٣٨٨

لنا أن نصافق الكوفيِّين على تجنّب الرواية عن قيس المتحامل على مولانا أمير المؤمنين إن اتَّبعنا الرسول الأمين في النصوص المذكورة قُبيل هذا ص ٢٦٧ - ٢٦٩ ولا يسوغ لأيِّ باحث أن يعوِّل على رواية منافق شقيّ خرف وذهب عقله، وقد مرَّ عن ابن أبي الحديد في صفحة ٧٣ من هذا الجزء قوله: وقد طعن مشايخنا المتكلّمون في قيس وقالوا: إنَّه فاسقٌ ولا تُقبل روايته. الخ.

٩ - أخرج ابن عدي عن أبي يعلى عن المقدمي محمَّد بن أبي بكر عن أبي معشر يوسف بن يزيد البراء البصري عن إبراهيم بن عمر بن أبان بن عثمان عن أبيه عثمان: إنَّ النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسرَّ إليه انّه يُقتل ظلماً(١) .

زيَّفه ابن عدي كما في الميزان وعدَّه من أحاديث عمر بن أبان التي كلّها غير محفوظة وأبان بن عثمان لم يسمع من أبيه كما قاله أحمد بن حنبل فكيف بعمر بن أبان، وسنوقفك على ترجمة أبي معشر وإبراهيم بن عمر في المنقبة الثالثة من مناقب عثمان وانَّهما لا يعوَّل عليهما ولا يصحّ حديثهما.

١٠ - ذكر الذهبي في الميزان ١: ٣٠٠ من طريق أنس مرفوعاً: يا عثمان! إنَّك ستلي الخلافة من بعدي وسيريدك المنافقون على خلعها فلا تخلعها، وصُم ذلك اليوم تفطر عندي.

قال الذهبي: في سنده خالد بن أبي الرحال الأنصاري عنده عجائب، قال ابن حبّان: لا يجوز الإحتجاج به. وفي لسان الميزان ٦: ٧٩٤ قال: أبو حاتم: ليس بالقويِّ.

____________________

١ - لسان الميزان ٤: ٢٨٢.

٢٧١

نظرة فى أحاديث العهد

هذه سلسلة روايات أصفق على وضعها دجّالون تتراوح أسانيدها بين أمويّ و شاميّ وبصريّ، وبين عثمانيّ متحامل على سيِّد العترة، وبين اُناس آخرين من ضعيف إلى كذّاب إلى متروك إلى ساقط. على أنَّ متونها أكثر عللاً من أسانيدها فإنَّ الخضوع لصحَّتها يستدعي الوقيعة في الصحابة كلّهم لأنَّ المنصوص عليه في غير واحد منها: انَّ الذين أجلبوا على عثمان وأرادوا خلعه اُناسٌ منافقون، وفي بعضها: فانَّ عثمان يومئذ وأصحابه على الحقِّ، وعليكم بالأمين وأصحابه.

وقد علمت أنَّ المتجمهرين عليه هُم الصحابة كلّهم المهاجرون منهم والأنصار ما خلا ثلاثة: زيد بن ثابت، حسّان بن ثابت، اسيد الساعدي. أو: هم وكعب بن مالك. واُناسٌ من زعانفة الأمويِّين، وأين هذا من الإعتقاد بعدالتهم جمعاء كما عند القوم؟ ومن الخضوع لجلالة كثيرين منهم الذين علمت منهم نواياهم الصالحة، وأعمالهم البارَّة، والنصوص النبويّة الصادرة فيهم، وثناء الله تعالى عليهم في كتابه الكريم كما عند الاُمّة أجمع؟.

ثمّ انّ عثمان وإن كان يتظاهر بامتثال الأمر الموجود في الروايات وغيرها بالصبر وعدم القتال غير أنّ عمله كان مبايناً لذلك لمكاتبته إلى الأوساط الاسلاميَّة يستجلب منها الجيوش لمقاتلة أهل المدينة، ويرى قتالهم قتال الأحزاب يوم بدر، و ينصُّ على أنّ القوم قد كفروا، فلو اتّصلت به كتائب الأمداد يومئذ لألقحها حرباً زبوناً وفتنةً عمياء، وإنَّما كان ينكص عن النضال لإعواز الناصر لإصفاق الصحابة عليه عدا اُولئك الثلاثة وما كانوا يغنون عنه شيئاً، ولا سيّما حسان بن ثابت الذي لم يكن يجسر أن يأخذ سلب القتيل الذي قتلته امرأةٌ(١) .

على أنَّه لم يتقاعد عن المقاتلة أيضاً بمن كان معه من حثالة بني اُميّة فقد بذلوا كلَّ ما حووه من بسالة وشجاعة، غير أنَّ القضاء الحاتم أخزاهم وحال بينهم وبين النجاح إلى أن لجأوا إلى اُمِّ حبيبة فجعلتهم في كندوج ثمّ خرجوا من المدينة هاربين.

ثمَّ هَبْ انَّ عائشة كانت نسيت ما روته حين ألَّبت الجماهير على عثمان وأمرت

____________________

١ - راجع الجزء الثانى من كتابنا هذا ص ٦٤ ط ٢.

_١٧_

٢٧٢

بقتله وسمَّته نعثلاً كافراً فهل بقيّة الرواة وهم: عبد الله بن عمر وأبو هريرة ومرَّة البهزي وعبد الله بن حوالة وأبو سهلة وأنس أصفقوا معها على النسيان؟ أو أنّهم ما كانوا يروونها يومئذ ثمَّ اقتضت الظروف أن يرووها؟ أو انّها اختلقت بعدهم على ألسنتهم؟

ولو كان لهذه الكلمات المعزوَّة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - من قوله: عليكم بالأمين وأصحابه، وقوله: اتَّبعوا هذا وأصحابه، وقوله: إتَّبع هذا الرجل فانّه يومئذ ومن اتّبعه على الحقّ - مقيلاً من الصحّة لا ستدعى أن يفيضها على الصحابة كلّهم لأنّ قضيّتها انّ تلك الفتنة الموعود بها من الفتن المضلة، وإنّ عثمان عندئذ في جانب الحقِّ، وما كان رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالذي يشحّ على اُمّته بالإرشاد إلى ما فيه هدايتهم و صلاحهم الديني، وهو مقيّضٌ لذلك ومبعوثٌ لأجله، فلماذا لم يروها غير هؤلاء؟ و لا عرفها غيرهم ولو بوساطتهم؟ وكان القائها عليهم مسارةً لا يطّلع عليها أحدٌ؟ ولماذا ترك هؤلاء الإحتجاج بها يوم الدار؟ وفي القوم وهم الأكثرون مَن إن يسمع بها لا يتباطأ عن الخضوع للأمر النبويِّ المطاع، أفلم يدبّروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأوَّلين؟ إن هذا إلّا اختلاق.

نظرة فى مناقب عثمان

الواردة في الصحاح والمسانيد

إلى هنا سبرنا صحيفة من حياة عثمان ولا أدري أهي بيضاء أم غيرها؟! لكن الباحث الممعن فيها يوقفه التنقيب على نفسيّاته ومقداره، والغاية من هذا الإسهاب أن نجعل نتيجة هذا الخوض والبحث مقياساً في أمره نردُّ إليه كلّ ما يؤثر في حقِّه فإن ساوى المقياس أثبتناه، وإن طاله أو قصر عنه عرفنا انّه من الغلوّ في الفضائل.

وما سردنا إلى هنا من دعارةٍ في الخلق، وعُرامة في الطباع، وعرارة في الشكيمة وشرَّة في الغرائز، وفظاظة في الأعمال، وتعسُّف في الحكم، واتّباع للشهوات، وميل عن الحقِّ، ودناءة في النفس، وسقطة في الرأي، وسَرف في القول، إلى الكثير المتوفر من أمثال هذه ممّا لا تحمد فعليّته ولا عقباه، لا يدع الباحث أن يخضع لشيء ممّا قيل أو تقوّل فيه من الفضل قويت أسانيده أو وهنت.

٢٧٣

كما أنّ آراء الصحابة الأوّلين التي زففناها إلى مناظرك في هذا الجزء من صفحة ٦٩ - ١٦٨ لا تدع مجالاً للبحث عن صحّة تلكم المفتعلات فضلاً عن إثباتها، وانّك تجد في مرسليها أو مسنديها لفائف من زبانية الميول والأهواء من بصريّ أو شاميّ أنهوا أسانيدهم في الغالب إلى موالي عثمان أو إلى رجال بيته الساقط، وذلك ممّا يُعطي انَّها من صنايع معاوية للخليفة المقتول الذي اتَّخذ أمره سُلّماً إلى ما كان يبتغيه من المرتقى، وكان معاوية يهب القناطير المقنطرة لوضع الاحاديث في فضائل أبناء بيته الشجرة المنعوتة في القرآن، من بني اُميَّة عامّة، ومن آل أبي العاص خاصّة، أضف إلى ذلك ما يكتنف أغلب تلك المتون من الموهنات التي لا يقاومها أيّ تمحُّل في تصحيحها، وإليك نبذةٌ من تلكم الموضوعات:

١ - أخرج مسلم وأحمد من طريق عُقيل الأمويّ عن الليث العثماني عن يحيى ابن سعيد الأمويّ عن سعيد بن العاص ابن عمِّ عثمان عن عائشة وعثمان قالا: إنَّ أبا بكر استأذن على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو مضطجعٌ على فراشه لابس مرط عائشة فأذن لأبي بكر وهو كذلك فقضى إليه حاجته ثمَّ انصرف، ثمَّ استأذنت عمر فأذن له وهو على تلك الحال فقضى إليه حاجته ثمَّ انصرف، قال عثمان: ثمَّ استأذنت عليه فجلس وقال لعائشة: اجمعي عليك ثيابكِ. فقضيت إليه حاجتي. ثمَّ انصرف، فقالت عائشة: يا رسول الله؟ ما لي لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما كما فزعت لعثمان؟ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنَّ عثمان رجلٌ حيي(١) وإنِّي خشيت إن أذنت له على تلك الحال أن لا يبلغ إليَّ في حاجته(٢) .

٢ - أخرج مسلم غيره من طريق عائشة قالت: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مضطجعاً في بيتي كاشفاً عن فخذيه وساقيه فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال فتحدَّث ثمَّ استأذن عمر فأذن له وهو كذلك فتحدَّث، ثمَّ استأذن عثمان فجلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسوَّى ثيابه، فلمّا خرج قالت عائشة رضي الله عنها: دخل أبو بكر فلم تهتش له ولم تباله، ثمَّ دخل عمر فلم تهتش له ولم تُباله، ثمَّ دخل عثمان فجلس وسوَّيت ثيابك؟

____________________

١ - حيى كغنى: ذو حياء. وفى شرح مسلم: أى كثير الحياء.

٢ - صحيح مسلم ٧: ١١٧، مسند أحمد ١: ٧١ و ج ٦: ١٥٥، ١٦٧.

٢٧٤

فقال: ألا أستحيي من رجل تستحي منه الملائكة(١) .

وأخرج البخاري في مناقب عثمان حديثاً وقال في ذيله: زاد عاصم إنَّ النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قاعداً في مكان فيه ماء قد كشف عن ركبتيه أو ركبته فلمّا دخل عثمان غطّاها. قال ابن حجر في فتح الباري ٧: ٤٣: قال ابن التين: أنكر الداودي هذه الرواية وقال: هذه الرواية ليست من هذا الحديث بل دخل لرواتها حديثٌ في حديث، وإنَّما ذلك الحديث: إنَّ أبا بكر أتى النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو في بيته قد انكشف فخذه فجلس أبو بكر ثمَّ دخل عمر ثمَّ دخل عثمان فغطّاها. الحديث.

قال الأميني: الحياء هو انقباض النفس عمّا لا يلائم خطَّة الشرف من الناحية الدينيَّة أو الإنسانيَّة، وأصله فطريٌّ للإنسان، وكماله اكتسابيٌّ يتأتّى بالايمان، فهو يتدرَّج في الرقيّ بتدرُّج الايمان والمعرفة، فتنتهي إلى ملكة راسخة تأبى لصاحبهما التورّط في المخازي كلّها، فيكون بها الإنسان محدوداً في أفعاله وتروكه وشهواته وميوله وتنبسط تلكم الحدود على الأعضاء والجوارح وعلى النفس والعقل، فلا يسع أيّاً منها الخروج عن حدِّه، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الإستحياء من الله حقّ الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وتذكر الموت والبلى(٢) فكلّ عمل خارج عن حدود الدين والإنسانيّة منافٌ للحياء، وهو الرادع الوحيد عن الفحشاء والمنكر، وعن كلِّ ما يلوّث ذيل الانسانيّة والعفّة والايمان من صغيرة أو كبيرة، ومن لم يستح فله أن يفعل ما يشاء، وجاء في النبويِّ على المحدّث به وآله السّلام: إذا لم تستح فاصنع - فافعل - ما شئت(٣) .

وعلى هذا فكلٌّ من الفحش والبذاء والكذب والخيانة والغدر والمكر ونقض العهد التخلّع والمجون وما يجري مجراها أضدادٌ للحياء، وقد وقع التقابل بينها وبينه في لسان المشرّع الأعظم منها قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحياء من الايمان والايمان في الجنَّة،

____________________

١ - مسند احمد ٦: ٦٢، صحيح مسلم ٧: ١١٦، مصابيح السنة ٢: ٢٧٣، الرياض النضرة ٢: ٨٨، تاريخ ابن كثير ٧: ٢٠٢.

٢ - اخرجه الترمذى فى الجامع الصحيح، والمنذرى فى الترغيب والترهيب ٣: ١٦٦.

٣ - اخرجه البخارى فى كتاب الأدب من صحيحه.

٢٧٥

والبذاء من الجفاء والجفاء في النار(١) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحياء والعيّ من الايمان وهما يقربان من الجنّة ويباعدان مِن النّار، والفحش والبذاء من الشيطان وهما يقربان من النَّار ويباعدان من الجنّة. أخرجه الطبراني كما في الترغيب والترهيب ٣: ١٦٥.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عائشة! لو كان الحياء رجلاً كان رجلاً صالحاً، ولو كان الفحش رجلاً كان رجل سوء. رواه الطبراني وأبو الشيخ كما في الترغيب والترهيب ٣: ١٦٦.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما كان الفحش في شيء إلّا شانه، وما كان الحياء في شيء إلّا زانه أخرجه ابن ماجة في سننه ٢: ٥٤٦، والترمذي في الصحيح.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنَّ الله عزَّ وجلَّ إذا أراد أن يهلك عبداً نزع منه الحياء، فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلّا مقيتاً ممقتاً، فإذا لم تلقه إلّا مقيتاً ممقتاً نزعت منه الأمانة، فإذا نزعت منه الأمانة لم تلقه إلّا خائناً مخوناً، فإذا لم تلقه إلّا خائناً مخوناً نزعت منه الرحمة، فإذا نزعت منه الرّحمة لم تلقه إلّا رجيماً مُلعّناً، فإذا لم تلقه إلّا رجيماً مُلعّناً نزعت منه ربقة الإسلام.

أخرجه ابن ماجة كما في الترغيب والترهيب ٢: ١٦٧.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحياء لا يأتي إلّا بخير(٢) وقال المناوي في شرحه في فيض القدير ٣: ٤٢٧: لأنَّ مَن استحيا من الناس أن يروه يأتي بقبيح دعاه ذلك إلى أن يكون حياؤه من ربِّه أشدّ فلا يضيع فريضة، ولا يرتكب خطيئة، قال ابن عربي: الحياء أن لا يفعل الإنسان ما يخجله إذا عرف منه انّه عرف منه انّه فعله، والمؤمن يعلم بأنَّ الله يرى كلَّ ما يفعله، فيلزمه الحياء منه لعلمه بذلك، وبأنّه لا بدَّ أن يقرّره يوم القيامة على ما عمله فيخجل فيؤدّيه إلى ترك ما يخجل منه، وذلك هو الحياء فمن ثمّ لا يأتي إلّا بخير.

وقال: حقيقة الحياء خلق يبعث على ترك القبيح، ويمنع من التقصير في حقّ الغير، وقال بعض الحكماء: من كسا(٣) الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه.

____________________

١ - قال المنذرى فى الترغيب والترهيب ٣: ١٦٥: اخرجه احمد ورجاله رجال الصحيح، والترمذى، وابن حبان فى صحيحه، وقال الترمذى: حديث حسن صحيح.

٢ - أخرجه البخارى ومسلم وابن ماجة والمنذرى.

٣ - لعل الصحيح: من كساه الحياء ثوبه.

٢٧٦

إذن هلمَّ معي لنسبر حياة الخليفة - عثمان - علّنا نجد فيها ما يصحّ للبرهنة على ثبوت هذه الملكة له إن لم يُكفأنا الأياس منها بخفّي حنين، فارجع البصر كرَّتين فيما سردناه من أفعال الخليفة وتروكه ومحاوراته وأقواله، ثمّ انظر هل تجد في شيء منها ما يُدعم هذه الدعوى له فضلاً عن أن يكون أحيأ الناس، أو أشدّ الاُمّة حياءً، أو تستحيي منه الملائكة؟

أيصلح شاهداً لذلك قوله لمولانا أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام : والله ما أنت عندي أفضل من مروان؟ هلّا كان يعلم أنَّ الله عدَّ عليّاً في كتابه نفس النبيِّ الأقدس وقد طهّره بنصِّ الذكر الحكيم، ومروان طريد ابن طريد، وزغ ابن وزغ، لعين ابن لعين؟ راجع الجزء الثامن ص ٢٦٠ ط ٢.

أو اتّهامه ذلك الإمام الطاهر سيِّد العترة بكتاب كتبه هو في قتل محمَّد بن أبي بكر وأصحابه وتعذيبهم وتنكيلهم، فينكر ما كتب ويقول لهعليه‌السلام : اتّهمك واتّهم كاتبي مروان؟

أو قوله للإمامعليه‌السلام : لئن بقيت لا أعدم طاغياً يتّخذك سُلّماً وعضداً ويعدّك كهفاً وملجأ؟ أو قوله لهعليه‌السلام لمـّا كلّمه في أمر عمّار ونفيه إيّاه: أنت أحقُّ بالنفي منه؟

أو قوله لأصحابه مروان ومن كان على شاكلته يستشيرهم في أمر أبي ذر: أشيروا عليَّ في هذا الشيخ الكذّاب إمّا أن أضربه أو أحبسه أو أقتله؟ وملأ مسامع الصحابة قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما أظلّت الخضراء، وما أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر. إلى كلمات اُخرى لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الثناء عليه، راجع الجزء الثامن ص ٣١٢ ط ٢.

أو قوله لعمّار لمـّا سمع منه - رحم الله أبا ذر من كلِّ أنفسنا -: يا عاضّ أير أبيه أتراني ندمت على تسييره؟ وأمر فدفع في قفاه، وعمّار كما عرفته في هذا الجزء ص ٢٠ إلى ٢٨ جلدة ما بين عيني رسول الله وأنفه، وهو الطيِّب المطيّب، ملئ ايماناً من قرنه إلى قدمه، اختلط الايمان بلحمه ودمه، يدور مع الحقِّ حيث دار، وقد جاء الثناء عليه في الذكر الحكيم.

إذا كان حقّاً ما يدَّعيه عثمان لنفسه(١) من أنَّه لم يمسّ فرجه بيمينه منذ بايع

____________________

١ - يأتى حديثه بتمامه.

٢٧٧

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تشريفاً ليد النبيّ الكريمة؟ فليت شعري لماذا طفق يلوك بلسانه اسم أير ياسر أبي عمّار؟ وطالما لهج بأحاديث النبوَّة به، ورتّل كتاب الله ترتيلاً، أما كان عليه أن يكفَّ لسانه عن البذاءة كرامةً للكتاب والسنَّة، كما ادّعى كلاءة نفسه عن مسِّ فرجه كرامةً ليد النبوَّة؟ إن لم يُداحمنا هنالك من يُنكر دعواه في اليد قياساً على ما شوهد منه في اللسان مرَّة بعد اُخرى.

أيصلح شاهداً لذلك قوله على صهوة المنبر بين ملأ المسلمين في ابن مسعود لمـّا قدم المدينة: ألا إنَّه قد قدمت عليكم دويبة سوء من يمشي على طعامه يقيء ويسلح؟ وابن مسعود أحد الذين أطراهم الكتاب العزيز، وكان أشبه الناس برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هدياً ودلّاً وسمتاً. راجع ما مرَّ في هذا الجزء ص ٦ - ١١.

أو قوله لعبد الرّحمن بن عوف: إنَّك منافق(١) ؟ وهو أحد العشرة المبشّرة فيما يحسبون.

أو قوله لصعصعة بن صوحان: البجباج النفّاج؟ وهو ذلك السيِّد الخطيب الفصيح الديّن كما مرَّ في ص ٤٢ من هذا الجزء.

أو شتمه المغيرة بن الوليد المخزومي لمـّا دافع عن عمّار حينما ضربه عثمان حتَّى غُشي عليه؟

أو قوله في كتابه إلى معاوية: إنَّ أهل المدينة قد كفروا؟ أو قوله في كتاب آخر له: فهم كالأحزاب أيام الأحزاب أو من غزانا باُحد؟ وهو يريد الأنصار الذين آووا ونصروا، والمهاجرين الذين صدَّقوا واتّبعوا، وهم الذين يحسب أتباع الخليفة أنَّ كلّهم عدول، ولم يكن بينهم متخلّف عن النقمة عليه إلّا ثلاثة أو أربعة حفظ التاريخ ترجمة حياتهم الموصومة.

أو قوله في كتابه إلى الأشتر وأصحابه: إنِّي قد سيَّرتكم إلى حمص، فإنَّكم لستم تألون الإسلام وأهله شرًّا.

أو قوله المائن على منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنَّ هؤلاء القوم من أهل مصر كان بلغهم عن إمامهم أمرٌ فلمّا تيقّنوا انّه باطلٌ ما بلغهم عنه رجعوا إلى بلادهم؟ يقول ذلك

____________________

١ - السيرة الحلبية ٢: ٨٧، الصواعق ص ٦٨.

٢٧٨

بعد ما عهد على نفسه أن يعمل بالكتاب والسنَّة، وكتب بهذا كتاباً وشهد عليه اُمّة من الصحابة بعد ما اعترف بهناته بين الملأ وأظهر الندامة منها وتاب عنها ولذلك كلّه رجع المصريُّون وغيرهم من الثائرين عليه إلى بلادهم، وكان يحنث عهده وينقض توبته بتلبيس أبالسته مروان ونظرائه، فهل يفعل مثل هذا من تردَّى بأبراد الحياء؟

أو مقارفته ليلة وفاة اُمّ كلثوم النبيِّ الأقدس؟ وكان ذلك ممقوتاً جدّاً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى انَّه ألمح إليه بقوله: هل فيكم من أحد لم يقارف الليلة؟ فمنعه بذلك عن دفن حبيبته، وألصق به هوان الأبد.

أو تربّعه على صهوة منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمـّا استخلف؟ وكان أبو بكر يجلس دون مقامهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمرقاة ثمّ عمر دونه بمرقاة، وكان من حقِّ عثمان الذي كان أشدّ حياءً من صاحبيه أن لا يطأ ذلك المرتقى، وأن يتّبع ولا أقل سيرة الشيخين في الحياء والأدب، لكنَّه.....

أو مخالفته الكتاب والسنَّة؟ كما كتب المهاجرون الأوَّلون وبقيَّة الشورى إلى من بمصر من الصحابة والتابعين: أن تعالوا إلينا وتداركوا خلافة رسول الله قبل أن يسلبها أهلها فإنَّ كتاب الله قد بُدّل، وسنَّة رسوله قد غُيّرت(١) . وكتبوا إلى الصحابة في الثغور: إنَّ دين محمّد قد أفسده من خلفكم وترك، فهلمُّوا فأقيموا دين محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورفعت عائشة نعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي تقول: تركت سنَّة رسول الله صاحب هذا النعل. وتقول: ما أسرع ما تركتم سنَّة نبيِّكم وهذا شعره وثوبه ونعله لم يبل بعدُ. وتقول: عثمان قد ابلى سنّة رسول الله. وتقول: اقتلوا نعثلاً قتل الله نعثلاً انَّه قد كفر. إلى كلمات اُخرى لها ولغيرها في مخالفة الرجل الكتاب والسنَّة.

أو إعرابه عن تلكم الآراء الشاذّة عن الكتاب والسنَّة في الصَّلاة والصِّلاة و الصدقات والأخماس والزكوات والحجّ والنكاح والحدود والديات بلهجة شديدة بمثل قوله: هذا رأيٌ رأيته. وقوله: لنأخذنَّ حاجتنا من هذا الفئ وإن رغمت اُنوف أقوام هذا مال الله اُعطيه من شئت وأمنعه من شئت فأرغم الله أنف من رغم. فقال له عليٌّ إذن تُمنع من ذلك ويحال بينك وبينه.

وقال عمّار: اُشهد الله إنَّ أنفي أوَّل راغم من

____________________

١ - راجع ما مرّ ص ١٦٢ من هذا الجزء.

٢٧٩

ذلك. أو قال: أنا والله أوَّل من رغم أنفه من ذلك. راجع صفحة ١٥ من هذا الجزء.

أو حثُّه الناس على الأخذ بتلكم الآراء المنتئية عن ناموس الإسلام المقدَّس حتى قال له أمير المؤمنين لمـّا قال له عثمان: لا تراني أنهى الناس عن شيء وتفعله أنت؟ لم أكن لأدع سنَّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقول أحد من الناس؟ أو قال له: لم أكن لأدع قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقولك. وكاد أمير المؤمنين يُقتل من جرَّاء تلك الاُحدوثة، مرَّ حديثه في ج ٦: ٢١٩ و ج ٨: ١٣٠ ط ٢.

وقد فتح بذلك باب الجرأة على الله والتقوُّل عليه بمصراعيه فجاء بعده معاوية ومروان وأبناء أبيه الآخرون يلعبون بدين الله لعبة الصبيان بالدُوّامة(١) .

أو ايواءه عبيد الله بن عمر لمـّا قتل نفوساً أبرياء ولم يقتصّ منه ونقم عليه بذلك جلُّ الصحابة - لو لم نقل كلّهم - ممّن يُأبه به وبرأيه؟!

أو تعطيله الحدَّ على الوليد بن عقبة لرحمه وقرابته منه وقد شرب الخمر وقاء في محراب المسجد الأعظم بالكوفة، حتّى وقع التحاور والتحارش بين المسلمين، واحتدم الحوار والمكالمة وتضاربوا بالنعال؟ مرَّ في الجزء الثامن ص ١٢٠ - ١٢٥.

أو تسليطه بني اُميَّة رجال العيث والفساد أبناء الشجرة الملعونة في القرآن على رقاب الناس ونواميس الإسلام المقدَّسة وتوطيده لهم الملك العضوض؟ وتأسيسه بهم حكومة أمويَّة غاشمة في الحواضر الإسلاميَّة؟ كما فصَّلنا القول فيه في الجزء الثامن ص ٢٨٨ - ٢٩٢ ط ٢.

أو ردُّه إلى المدينة وايواءه عمَّه وأبناؤه وكان قد طردهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تنزيهاً لتلك الأرض المقدَّسة من اولئك الأدناس الأرجاس؟.

أو تفويضه الصالح العام إلى مروان المهتوك؟ وتطوّره في سياسة العباد بتقلّباته؟ كأنَّ بيده مقاليد اُمور الاُمَّة حتّى قال له مولانا أمير المؤمنين: أما رضيت من مروان ولا رضي منك إلّا بتحويلك عن دينك وعقلك مثل جمل الظعينة يُقاد حيث يُسار به؟ وقال: ما رضيت من مروان ولا رضي منك إلّا بافساد دينك وخديعتك عن عقلك، وإنِّي

____________________

١ - لعبة من خشب يلف الصبى عليها خيطا ثمّ ينقضه بسرعة فتدوم أى تدور على الارض. و فى اللغة الدارجة: مرصع. وشاخة.

٢٨٠