الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٥

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 453

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 453
المشاهدات: 119265
تحميل: 5561


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 453 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 119265 / تحميل: 5561
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 15

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

( سورة المؤمنون مكّيّة و هي مائة و ثماني عشرة آية)

( سورة المؤمنون الآيات ١ - ١١)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ( ١ ) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ( ٢ ) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ( ٣ ) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ( ٤ ) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ( ٥ ) إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ( ٦ ) فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ( ٧ ) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ( ٨ ) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ( ٩ ) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ( ١٠ ) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( ١١ )

( بيان‏)

في السورة دعوة إلى الإيمان بالله و اليوم الآخر و تمييز المؤمنين من الكفّار بذكر ما لهؤلاء من جميل صفات العبوديّة و ما لاُولئك من رذائل الأخلاق و سفاسف الأعمال، و تعقيب ذلك بالتبشير و الإنذار، و قد تضمّن الإنذار ذكر عذاب الآخرة و ما غشي الاُمم المكذّبين للدعوة الحقّة من عذاب الاستئصال في مسير الدعوة آخذاً من زمن نوح إلى زمن المسيح عيسى بن مريمعليهم‌السلام .

و السورة مكّيّة، و سياق آياتها يشهد بذلك.

قوله تعالى: ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ) قال الراغب: الفلح - بالفتح فالسكون -

٢

الشقّ، و قيل: الحديد بالحديد يفلح أي يشقّ، و الفلاح الظفر و إدراك بغية و ذلك ضربان: دنيويّ و اُخرويّ، فالدنيويّ الظفر بالسعادات الّتي تطيب بها الحياة الدنيا و هو البقاء و الغنى و العزّ، و الاُخرويّ أربعة أشياء: بقاء بلا فناء، و غنى بلا فقر، و عزّ بلا ذلّ، و علم بلا جهل، و لذلك قيل: لا عيش إلّا عيش الآخرة. انتهى ملخّصا. فتسمية الظفر بالسعادة فلاحاً بعناية أنّ فيه شقّاً للمانع و كشفا عن وجه المطلوب.

و الإيمان هو الإذعان و التصديق بشي‏ء بالالتزام بلوازمه، فالإيمان بالله في عرف القرآن التصديق بوحدانيّته و رسله و اليوم الآخر و بما جاءت به رسله مع الاتّباع في الجملة، و لذا نجد القرآن كلّما ذكر المؤمنين بوصف جميل أو أجر جزيل شفّع الإيمان بالعمل الصالح كقوله:( مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى‏ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً ) النحل: ٩٧ و قوله:( الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى‏ لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ ) الرعد: ٢٩، إلى غير ذلك من الآيات و هي كثيرة جدّاً.

و ليس مجرّد الاعتقاد بشي‏ء إيماناً به حتّى مع عدم الالتزام بلوازمه و آثاره فإنّ الإيمان علم بالشي‏ء مع السكون و الاطمئنان إليه و لا ينفكّ السكون إلى الشي‏ء من الالتزام بلوازمه لكنّ العلم ربّما ينفك من السكون و الالتزام ككثير من المعتادين بالأعمال الشنيعة أو المضرّة فإنّهم يعترفون بشناعة عملهم أو ضرره لكنّهم لا يتركونها معتذرين بالاعتياد و قد قال تعالى:( وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ) النمل: ١٤.

و الإيمان و إن جاز أن يجتمع مع العصيان عن بعض لوازمه في الجملة لصارف من الصوارف النفسانيّة يصرف عنه لكنّه لا يتخلّف عن لوازمه بالجملة.

قوله تعالى: ( الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ ) الخشوع تأثّر خاصّ من المقهور قبال القاهر بحيث ينقطع عن غيره بالتوجّه إليه و الظاهر أنّه من صفات القلب ثمّ ينسب إلى الجوارح أو غيرها بنوع من العناية كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - على ما روي - فيمن يعبث بلحيته في الصلاة: أمّا إنّه لو خشع قلبه لخشعت جوارحه‏، و قوله تعالى:( وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ ) طه: ١٠٨.

٣

و الخشوع بهذا المعنى جامع لجميع المعاني الّتي فسّر بها الخشوع في الآية، كقول بعضهم: هو الخوف و سكون الجوارح، و قول آخرين: غضّ البصر و خفض الجناح، أو تنكيس الرأس، أو عدم الالتفات يميناً و شمالاً، أو إعظام المقام و جمع الاهتمام، أو التذلّل إلى غير ذلك.

و هذه الآية إلى تمام ثماني آيات تذكر من أوصاف المؤمنين ما يلازم كون وصف الإيمان حيّاً فعّالاً يترتّب عليه آثاره المطلوبة منه ليترتّب عليه الغرض المطلوب منه و هو الفلاح فإنّ الصلاة توجّه ممّن ليس له إلّا الفقر و الذلّة إلى ساحة العظمة و الكبرياء و منبع العزّة و البهاء و لازمه أن يتأثّر الإنسان الشاعر بالمقام فيستغرق في الذلّة و الهوان و ينتزع قلبه عن كلّ ما يلهوه و يشغله عمّا يهمّه و يواجهه، فلو كان إيمانه إيماناً صادقاً جعل همّه حين التوجّه إلى ربّه همّاً واحداً و شغله الاشتغال به عن الالتفات إلى غيره فما ذا يفعل الفقير المحض إذا لقي غني لا يقدّر بقدر؟ و الذليل إذا واجه عزّة مطلقة لا يشوبها ذلّة و هوان؟

و هذا معنى‏ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث حارثة بن النعمان المرويّ في الكافي، و غيره: إنّ لكلّ حقّ حقيقة و لكلّ صواب نوراً. الحديث.

( كلام في معنى تأثير الإيمان‏)

الدين - كما تقدّم مراراً - السنّة الاجتماعيّة الّتي يسير بها الإنسان في حياته الدنيويّة الاجتماعيّة، و السنن الاجتماعيّة متعلّقة بالعمل مبنيّاً على أساس الاعتقاد في حقيقة الكون و الإنسان الّذي هو جزء من أجزائه، و من هنا ما نرى أنّ السنن الاجتماعيّة تختلف باختلاف الاعتقادات فيما ذكر.

فمن يثبت للكون ربّاً يبتدئ منه و سيعود إليه و للإنسان حياة باقية لا تبطل بموت و لا فناء يسير في الحياة سيرة يراعي في الأعمال الجارية فيها سعادة الحياة الباقية و التنعّم في الدار الآخرة الخالدة.

و من يثبت له إلهاً أو آلهة تدبّر الأمر بالرضا و السخط من غير معاد إليه يعيش

٤

عيشة نظمها على أساس التقرّب من الآلهة و إرضائها للفوز بأمتعة الحياة و الظفر بما يشتهيه من نعم الدنيا.

و من لا يهتمّ بأمر الربوبيّة و لا يرى للإنسان حياة خالدة كالمادّيّين و من يحذو حذوهم يبني سنّة الحياة و القوانين الموضوعة الجارية في مجتمعة على أساس التمتّع من الحياة الدنيا المحدودة بالموت.

فالدين سنّة عمليّة مبنيّة على الاعتقاد في أمر الكون و الإنسان بما أنّه جزء من أجزائه، و ليس هذا الاعتقاد هو العلم النظريّ المتعلّق بالكون و الإنسان فإنّ العلم النظريّ لا يستتبع بنفسه عملاً و إن توقّف عليه العمل بل هو العلم بوجوب الجري على ما يقتضيه هذا النظر و إن شئت فقل: الحكم بوجوب اتّباع المعلوم النظريّ و الالتزام به و هو العلم العمليّ كقولنا: يجب أن يعبد الإنسان الإله تعالى و يراعي في أعماله ما يسعد به في الدنيا و الآخرة معاً.

و معلوم أنّ الدعوة الدينيّة متعلّقة بالدين الّذي هو السنّة العمليّة المبنيّة على الاعتقاد، فالإيمان الّذي يتعلّق به الدعوة هو الالتزام بما يقتضيه الاعتقاد الحقّ في الله سبحانه و رسله و اليوم الآخر و ما جاءت به رسله و هو علم عمليّ.

و العلوم العمليّة تشتدّ و تضعف حسب قوّة الدواعي و ضعفها فإنّا لسنا نعمل عملاً قطّ إلّا طمعاً في خير أو نفع أو خوفاً من شرّ أو ضرر، و ربّما رأينا وجوب فعل لداع يدعو إليه ثمّ صرفنا عنه داع آخر أقوى منه و آثر، كمن يرى وجوب أكل الغذاء لرفع ما به من جوع فيصرفه عن ذلك علمه بأنّه مضرّ له مناف لصحّته، فبالحقيقة يقيّد الداعي المانع بما معه من العلم إطلاق العلم الّذي مع الداعي الممنوع كأنّه يقول مثلاً: إنّ التغذّي لرفع الجوع ليس يجب مطلقاً بل إنّما يجب إذا لم يكن مضرّاً بالبدن مضادّاً لصحّته.

و من هنا يظهر أنّ الإيمان بالله إنّما يؤثّر أثره من الأعمال الصالحة و الصفات الجميلة النفسانيّة كالخشية و الخشوع و الإخلاص و نحوها إذا لم تغلبه الدواعي الباطلة و التسويلات الشيطانيّة، و بعبارة اُخرى إذا لم يكن إيماناً مقيّداً بحال دون

٥

حال كما قال تعالى:( وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى‏ حَرْفٍ ) الحجّ: ٦١.

فالمؤمن إنّما يكون مؤمناً على الإطلاق إذا جرت أعماله على حاقّ ما يقتضيه إيمانه من الخشوع في عبادته و الإعراض عن اللغو و نحوه.

قوله تعالى: ( وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ) اللغو من الفعل هو ما لا فائدة فيه و يختلف باختلاف الاُمور الّتي تعود عليها الفائدة فربّ فعل هو لغو بالنسبة إلى أمر و هو بعينه مفيد مجد بالنسبة إلى أمر آخر.

فاللغو من الأفعال في نظر الدين الأعمال المباحة الّتي لا ينتفع بها في الآخرة أو في الدنيا بحيث ينتهي أيضاً إلى الآخرة كالأكل و الشرب بداعي شهوة التغذّي اللّذين يتفرّع عليهما التقوي على طاعة الله و عبادته، فإذا كان الفعل لا ينتفع به في آخرة و لا في دنيا تنتهي بنحو إلى آخرة فهو اللغو و بنظر أدقّ هو ما عدا الواجبات و المستحبّات من الأفعال.

و لم يصف سبحانه المؤمنين بترك اللغو مطلقاً فإنّ الإنسان في معرض العثرة و مزلّة الخطيئة و قد عفا عن السيّئات إذا اجتنبت الكبائر كما قال:( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً ) النساء: ٣١.

بل وصفهم بالإعراض عن اللغو دون مطلق تركه و الإعراض يقتضي أمراً بالفعل يدعو إلى الاشتغال به فيتركه الإنسان صارفاً وجهه عنه إلى غيره لعدم اعتداده به و اعتنائه بشأنه، و لازمه ترفّع النفس عن الأعمال الخسيسة و اعتلاؤها عن الاشتغال بما ينافي الشرف و الكرامة و تعلّقها بعظائم الاُمور و جلائل المقاصد.

و من حقّ الإيمان أن يدعو إلى ذلك فإنّ فيه تعلّقاً بساحة العظمة و الكبرياء و منبع العزّة و المجد و البهاء و المتّصف به لا يهتمّ إلّا بحياة سعيدة أبديّة خالدة فلا يشتغل إلّا بما يستعظمه الحقّ و لا يستعظم ما يهتمّ به سفلة الناس و جهلتهم،( وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ) ،( وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ) .

و من هنا يظهر أنّ وصفهم بالإعراض عن اللغو كناية عن علوّ همّتهم و كرامة نفوسهم.

٦

قوله تعالى: ( وَ الَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ ) ذكر الزكاة مع الصلاة قرينة على كون المراد بها الإنفاق الماليّ دون الزكاة بمعنى تطهير النفس بإزالة رذائل الأخلاق عنها و لعلّ المراد بالزكاة المعنى المصدريّ و هو تطهير المال بالإنفاق منه دون المقدار المخرج من الم فإنّ السورة مكّيّة و تشريع الزكاة المعهودة في الإسلام إنّما كان بالمدينة ثمّ صار لفظ الزكاة علما بالغلبة للمقدار المعيّن المخرج من المال.

و بهذا يستصحّ تعلّق( لِلزَّكاةِ ) بقوله:( فاعِلُونَ ) و المعنى: الّذين هم فاعلون للإنفاق الماليّ و أمّا لو كان المراد بالزكاة نفس المال المخرج لم يصحّ تعلّقه به إذ المال المخرج ليس فعلاً متعلّقاً بفاعل، و لذا قدّر بعض من حمل الزكاة على هذا المعنى لفظ التأدية فكان التقدير عنده و الّذين هم لتأدية الزكاة فاعلون، و لذا أيضاً فسّر بعضهم الزكاة بتطهير النفس عن الأخلاق الرذيلة فراراً من تعلّق( لِلزَّكاةِ ) بقوله:( فاعِلُونَ ) .

و في التعبير بقوله:( لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ ) دون أن يقول: للزكاة مؤدّون أو ما يؤدّي معناه دلالة على عنايتهم بها كقول القائل: إنّي شارب لمن أمره بشرب الماء فإذا أراد أن يفيد عنايته به قال: إنّي فاعل.

و من حقّ الإيمان بالله أن يدعو إلى هذا الإنفاق الماليّ فإنّ الإنسان لا ينال كمال سعادته إلّا في مجتمع سعيد ينال فيه كلّ ذي حقّ حقّه و لا سعادة لمجتمع إلّا مع تقارب الطبقات في التمتّع من مزايا الحياة و أمتعة العيش، و الإنفاق الماليّ على الفقراء و المساكين من أقوى ما يدرك به هذه البغية.

قوله تعالى: ( وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ ) إلى آخر الآيات الثلاث، الفروج جمع فرج و هو - على ما قيل - ما يسوء ذكره من الرجال و النساء، و حفظ الفروج كناية عن الاجتناب عن المواقعة سواء كانت زنا أو لواطاً أو بإتيان البهائم و غير ذلك.

و قوله:( إِلَّا عَلى‏ أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) استثناء من حفظ الفروج، و الأزواج الحلائل من النساء، و ما ملكت أيمانهم الجواري المملوكة فإنّهم غير ملومين في مسّ الأزواج الحلائل و الجواري المملوكة.

٧

و قوله:( فَمَنِ ابْتَغى‏ وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ ) تفريع على ما تقدّم من الاستثناء و المستثنى منه أي إذا كان مقتضى الإيمان حفظ الفروج مطلقاً إلّا عن طائفتين من النساء هما الأزواج و ما ملكت أيمانهم، فمن طلب وراء ذلك أي مسّ غير الطائفتين فاُولئك هم المتجاوزون عن الحدّ الّذي حدّه الله تعالى لهم.

و قد تقدّم كلام ما فيما يستعقبه الزنا من فساد النوع في ذيل قوله:( وَ لا تَقْرَبُوا الزِّنى‏ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَ ساءَ سَبِيلًا ) إسراء: ٣٢ في الجزء الثالث عشر من الكتاب.

قوله تعالى: ( وَ الَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ راعُونَ ) الأمانة مصدر في الأصل و ربّما اُريد به ما ائتمن عليه من مال و نحوه، و هو المراد في الآية، و لعلّ جمعه للدلالة على أقسام الأمانات الدائرة بين الناس، و ربّما قيل بعموم الأمانات لكلّ تكليف إلهيّ اؤتمن عليه الإنسان و ما اؤتمن عليه من أعضائه و جوارحه و قواه أن يستعملها فيما فيه رضي الله و ما ائتمنه عليه الناس من الأموال و غيرها، و لا يخلو من بعد بالنظر إلى ظاهر اللفظ و إن كان صحيحاً من جهة تحليل المعنى و تعميمه.

و العهد بحسب عرف الشرع ما التزم به بصيغة العهد شقيق النذر و اليمين، و يمكن أن يراد به مطلق التكليف المتوجّه إلى المؤمن فإنّ الله سبحانه سمّى إيمان المؤمن به عهداً و ميثاقاً منه على ما توجّه إليه من تكاليفه تعالى بقوله:( أَ وَ كُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ ) البقرة: ١٠٠، و قوله:( وَ لَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ ) الأحزاب: ١٥، و لعلّ إرادة هذا المعنى هو السبب في إفراد العهد لأنّ جميع التكاليف يجمعها عهد واحد بإيمان واحد.

و الرعاية الحفظ، و قد قيل: إنّ أصل الرعي حفظ الحيوان إمّا بغذائه الحافظ لحياته أو بذبّ العدوّ عنه ثمّ استعمل في الحفظ مطلقاً. انتهى. و لعلّ العكس أقرب إلى الاعتبار.

و بالجملة الآية تصف المؤمنين بحفظ الأمانات من أن تخان و العهد من أن ينقض، و من حقّ الإيمان أن يدعو إلى ذلك فإنّ في إيمانه معنى السكون و الاستقرار و الاطمئنان فإذا آمن أحد في أمانة أودعها عنده أو عهد عاهده و قطع على ذلك

٨

استقرّ عليه و لم يتزلزل بخيانة أو نقض.

قوله تعالى: ( وَ الَّذِينَ هُمْ عَلى‏ صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ ) جمع الصلاة و تعليق المحافظة عليه دليل على أنّ المراد المحافظة على العدد فهم يحافظون على أن لا يفوتهم شي‏ء من الصلوات المفروضة و يراقبونها دائماً و من حقّ إيمانهم أن يدعوهم إلى ذلك.

و لذلك جمعت الصلاة ههنا و اُفردت في قوله:( فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ ) لأنّ الخشوع في جنس الصلاة على حدّ سواء فلا موجب لجمعها.

قوله تعالى: ( أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) الفردوس أعلى الجنان، و قد تقدّم معناها و شي‏ء من وصفها في ذيل قوله تعالى:( كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا ) الكهف: ١٠٧.

و قوله:( الَّذِينَ يَرِثُونَ ) إلخ، بيان لقوله:( الْوارِثُونَ ) و وراثتهم الفردوس هو بقاؤها لهم بعد ما كانت في معرض أن يشاركهم فيها غيرهم أو يملكها دونهم لكنّهم زالوا عنها فانتقلت إليهم، و قد ورد في الروايات أنّ لكلّ إنسان منزلاً في الجنّة و منزلاً في النار فإذا مات و دخل النار ورث أهل الجنّة منزله، و ستوافيك إن شاء الله في بحث روائيّ.

( بحث روائي)

في تفسير القمّيّ و قوله:( الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ ) قال: غضّك بصرك في صلاتك و إقبالك عليها.

أقول: و قد تقدّم أنّه من لوازم الخشوع فهو تعريف بلازم المعنى، و نظيره ما رواه في الدرّ المنثور، عن عدّة من أصحاب الجوامع عن عليّعليه‌السلام : أن لا تلتفت في صلاتك.

و في الكافي، بإسناده عن مسمع بن عبدالملك عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما زاد خشوع الجسد على ما في القلب فهو عندنا نفاق.

أقول: و روي في الدرّ المنثور، عن عدّة من أصحاب الجوامع عن أبي الدرداء

٩

عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما في معناه و لفظه: استعيذوا بالله من خشوع النفاق. قيل له: و ما خشوع النفاق؟ قال: أن ترى الجسد خاشعاً و القلب ليس بخاشع‏.

و في المجمع في الآية روي أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى رجلاً يعبث بلحيته في صلاته فقال: أمّا إنّه لو خشع قلبه لخشعت جوارحه.

و فيه، روي: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يرفع بصره إلى السماء في صلاته فلمّا نزلت الآية طأطأ رأسه و رمى ببصره إلى الأرض.

أقول: و رواهما في الدرّ المنثور، عن جمع من أصحاب الكتب عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . و في معنى الخشوع روايات اُخر كثيرة.

و في إرشاد المفيد، في كلام لأمير المؤمنينعليه‌السلام : كلّ قول ليس فيه لله ذكر فهو لغو.

و في المجمع في قوله:( وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ) و روي عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: أن يتقوّل الرجل عليك بالباطل أو يأتيك بما ليس فيك فتعرض عنه لله و في رواية اُخرى أنّه الغناء و الملاهي.

أقول: ما في روايتي المجمع، من قبيل ذكر بعض المصاديق و ما في رواية الإرشاد، من التعميم بالتحليل‏

و في الخصال، عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائهعليهم‌السلام قال: قال أميرالمؤمنينعليه‌السلام : تحلّ الفروج بثلاثة وجوه: نكاح بميراث و نكاح بلا ميراث و نكاح بملك يمين‏.

و في الكافي، بإسناده عن إسحاق بن أبي سارة قال: سألت أباعبداللهعليه‌السلام عنها يعني المتعة فقال لي: حلال فلا تتزوّج إلّا عفيفة إنّ الله عزّوجلّ يقول:( وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ ) فلا تضع فرجك حيث لا تأمن على درهمك.

أقول: و فيه تعميم لمعنى حفظ الفروج بحيث يشمل ترك نكاح غير العفيفة.

و الروايتان كما ترى تعدّان المتعة نكاحاً و ازدواجاً و الأمر على ذلك فيما لا يحصى من روايات أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام و على ذلك مبني فقههم.

و الأمر على ذلك في عرف القرآن و في عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و ذلك أنّه ليس وراء

١٠

ملك اليمين إلّا نوعان: نكاح على الزوجيّة و زنا و قد حرّم الله الزنا و أكّد في تحريمه في آيات كثيرة في السور المكّيّة و المدنيّة كسورتي الفرقان و الإسراء و هما مكّيّتان و سورتي النور و الممتحنة و هما مدنيّتان.

ثمّ سمّاه سفاحاً و حرّمه في سورتي النساء و المائدة ثمّ سمّاه فحشاء و منع عنه و ذمّه في سور الأعراف و العنكبوت و يوسف و هي مكّيّة و في سور النحل و البقرة و النور و هي أو الأخيرتان مدنيّتان.

ثمّ سمّاه فاحشة و نهى عنها في سور الأعراف و الأنعام و الإسراء و النمل و العنكبوت و الشورى و النجم و هي مكّيّة و في سور النساء و النور و الأحزاب و الطلاق و هي مدنيّة.

و نهى عنه أيضاً بالتكنية في آية المؤمنون:( فَمَنِ ابْتَغى‏ وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ ) و نظيره في سورة المعارج و كان من المعروف في أوّل البعثة من أمر الإسلام أنّه يحرّم الخمر و الزنا(١) .

فلو لم يكن التمتّع ازدواجاً و المتمتّع بها زوجاً مشمولة لقوله:( إِلَّا عَلى‏ أَزْواجِهِمْ ) لكان زنا و من المعلوم بالضرورة أنّ التمتّع كان معمولاً به في مكّة قبل الهجرة في الجملة و كذا في المدينة بعد الهجرة في الجملة و لازم ذلك أن يكون زنا أباحه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لضرورة اقتضته لو أغمضنا عن قوله تعالى:( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) النساء: ٢٤ و لازم ذلك أن تكون آية سورة المؤمنون( إِلَّا عَلى‏ أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ - إلى قوله -العادُونَ ) ، ناسخة لإباحة التمتّع السابقة ثمّ يكون تحليل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو تحليل آية سورة النساء ذلك ناسخاً لجميع الآيات المكّيّة الناهية عن الزنا و بعض المدنيّات ممّا نزلت قبل التحليل، و خاصّة على قول من يقول: إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حلّله ثمّ حرّمه مرّة(٢) بعد مرّة فإنّ لازمه نسخ

____________________

(١) على ما رواه ابن هشام في السيرة و قد أوردنا الرواية في بحث روائي في ذيل قوله تعالى:( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِـرُ ) الآية من سورة المائدة ج ٦ ص ١٤٦ من الكتاب.

(٢) و قد أوردنا الروايات الدالّة على ذلك في البحث الروائي الموضوع في ذيل قوله تعالى:( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) الآية النساء: ٢٤ ج ٤ ص ٣٠٨.

١١

الآيات الناهية عن الزنا ثمّ إحكامها ثمّ نسخها ثمّ إحكامها مرّات و لم يقل أحد من المسلمين بكونها منسوخة فضلاً عن النسخ بعد النسخ و هل هذا إلّا لعب بكلام الله تجلّ عنه ساحة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

على أنّ الآيات الناهية عن الزنا آبية بسياقها و ما فيه من التعليل آب عن النسخ و كيف يعقل أن يسمّي الله سبحانه فعلاً من الأفعال فاحشة فحشاء و سبيل سوء و يخبر أنّ من يفعله يلق أثاماً يضاعف له العذاب يوم القيامة و يخلد فيه مهانا ثمّ يجيز ارتكابه ثمّ يمنع ثمّ يجيز.

على أنّ أصل نسخ القرآن بالحديث لا معنى له(١) .

على أنّ عدّة من المرتكبين لنكاح المتعة في عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانوا من معاريف الصحابة و هم على ما هم عليه من حفظ ظواهر الأحكام فكيف استجازوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الفحشاء؟ و كيف لم يستخبثوه؟ و كيف رضوا بالعار و الشنار و قد تمتّع زبير من‏ أسماء بنت أبي بكر فولدت له عبد الله بن زبير و أخاه عروة بن زبير و ورثاه بعد قتله و هم جميعاً من الصحابة.

على أنّ الروايات الدالّة على نهي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن المتعة متهافتة، و ما تسلّموا عليه من قول عمر بن الخطّاب حينما نهى أيّام خلافته عن المتعة و ما ورد عنه حول القصّة يكذّب هذه الروايات و يدفع حديث النسخ. و قد مرّ شطر من الكلام في هذا المعنى في تفسير قوله تعالى:( وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) النساء: ٢٤.

و من لطيف الدلالة على كون المتعة نكاحا غير سفاح اقتران جملة( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ ) إلخ بقوله قبله متّصلاً به( مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ ) .

فقد تبيّن بما ذكرنا أنّ المتعة في الشرع و في عرف القرآن نكاح و زوجيّة لا زنا و سفاح سواء قلنا بكونها منسوخة بعد بكتاب أو سنّة كما عليه معظم أهل السنّة

____________________

(١) و قد بين ذلك في علم الاُصول بما لا مزيد عليه.

١٢

أو لم نقل كما عليه الشيعة تبعا لأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

فالنكاح ينقسم إلى نوعين: نكاح دائم له أحكامه من العدد و الإرث و الإحصان و النفقة و الفراش و العدّة و غير ذلك. و نكاح موقّت مبنيّ على التسهيل له من أحكام النكاح الدائم اختصاص المرأة بالرجل و لحقوق الأولاد و العدّة.

و بذلك يظهر فساد ما ذكره جمع منهم أنّ المتعة ليست بزوجيّة و لو كانت زوجيّة لجرت فيها أحكامها من العدد و الميراث و النفقة و الإحصان و غير ذلك و ذلك أنّ الزوجيّة تتقسّم إلى دائمة لها أحكامها و موقّتة مبنيّة على التسهيل يجري فيها بعض تلك الأحكام كما تقدّم.

و الإشكال بأنّ تشريع الازدواج إنّما هو للتناسل بدوام الزوجيّة و الغرض من المتعة مجرّد دفع الشهوة بصبّ الماء و سفحه فهي سفاح و ليست بنكاح.

فيه أنّ التوسّل إلى النسل حكمة لا علّة يدور مدارها التشريع و إلّا لم يجز نكاح العاقر و اليائسة و الصبيّ و الصبيّة.

على أنّ المتعة لا تنافي الاستيلاد و من الشاهد على ذلك عبدالله و عروة ابنا زبير اُولدا له من أسماء بنت أبي بكر من المتعة.

و كذا الإشكال بأنّ المتعة تجعل المرأة ملعبة يلعب بها الرجل كالكرة الدائرة بين الصوالج ذكره صاحب المنار و غيره.

فيه أنّ هذا يرد أوّل ما يرد على الشارع فإنّ من الضروريّ أنّ المتعة كانت دائرة في صدر الإسلام برهة من الزمان فما أجاب به الشارع كان هو جوابنا.

و ثانياً أنّ جميع ما يقصد بالمتعة من لذّة أو دفع شهوة أو استيلاد أو استئناس أو غير ذلك مشتركة بين الرجل و المرأة فلا معنى لجعلها ملعبة له دون العكس إلّا أن يكابر مكابر.

و للكلام تتمّة ستوافيك في بحث مستقلّ إن شاء الله تعالى.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن المنذر و ابن أبي حاتم و الحاكم و صحّحه عن ابن أبي مليكة قال: سألت عائشة عن متعة النساء قالت: بيني و بينكم كتاب الله و

١٣

قرأت( وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى‏ أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ) فمن ابتغى وراء ما زوّجه الله أو ملّكه فقد عدا.

أقول: و روي نظيره عن القاسم بن محمّد، و قد تبيّن بما قدّمنا أنّ المتمتّع بها زوج و أنّ الآية تجيزها على خلاف ما في الرواية.

و في تفسير القمّيّ:( فَمَنِ ابْتَغى‏ وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ ) قال: من جاوز ذلك.

و فيه:( وَ الَّذِينَ هُمْ عَلى‏ صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ ) قال: على أوقاتها و حدودها.

و في الكافي، بإسناده عن الفضيل بن يسار قال: سألت أباعبداللهعليه‌السلام عن قول الله عزّوجلّ:( وَ الَّذِينَ هُمْ عَلى‏ صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ ) قال هي الفريضة قلت:( الَّذِينَ هُمْ عَلى‏ صَلاتِهِمْ دائِمُونَ ) قال: هي النافلة.

و في المجمع، روي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال: ما منكم من أحد إلّا له منزلان: منزل في الجنّة و منزل في النار فإن مات و دخل النار ورث أهل الجنّة منزله.

أقول: و روى مثله القمّيّ في تفسيره بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في حديث مفصّل و تقدّم نظيره في قوله تعالى:( وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ ) مريم: ٣٩ في الجزء السابق من الكتاب.

( بحث حقوقي اجتماعي)

لا ريب أنّ الّذي يدعو الإنسان و يبعثه نحو الاستنان بالسنن الاجتماعيّة أو وضع القوانين الجارية في المجتمع البشريّ تنبّهه لحوائج الحياة و توسّله بوضعها و العمل بها إلى رفعها.

و كلّما كانت الحاجة أبسط و إلى الطبيعة الساذجة أقرب كان التوسّل إلى رفعها أوجب و الإهمال في دفعها أدهى و أضرّ فما الحاجة إلى أصل التغذّي و الحياة تدور معه كالحاجة إلى التنعّم بألوان الطعام و أنواع الفواكه و هكذا.

و من الحوائج الأوّليّة الإنسانيّة حاجة كلّ من صنفيه: الذكور و الإناث

١٤

إلى الآخرين بالنكاح و المباشرة، و لا ريب أنّ المطلوب بالنظر إلى الصنع و الإيجاد بذلك بقاء النسل و قد جهّز الإنسان بغريزة شهوة النكاح للتوسّل به إلى ذلك.

و لذلك نجد المجتمعات الإنسانيّة الّتي نشاهدها أو نسمع بأخبارها مستنّة بسنّة الازدواج و تكوين البيت، و على ذلك كانت منذ أقدم عهودها فلم يضمن بقاء النسل إلّا الازدواج.

و لا يدفع هذا الّذي ذكرنا أنّ المدنيّة الحديثة وضعت سنّة الازدواج على أصل الاشتراك في الحياة دون أصل التناسل أو إرضاء الغريزة فإنّ هذا البناء على كونه بناء محدثا غير طبيعيّ لم يبعث حتّى الآن شيئاً من المجتمعات المستنّة بها على شيوع هذه الشركة الحيويّة بين الرجال أنفسهم أو النساء أنفسهنّ و ليس إلّا لمباينته ما تبعث إليه الطبيعة الإنسانيّة.

و بالجملة الازدواج سنّة طبيعيّة لم تزل و لا تزال دائرة في المجتمعات البشريّة و لا يزاحم هذه السنّة الطبيعيّة في مسيرها إلّا عمل الزنا الّذي هو أقوى مانع من تكوّن البيوت و تحمّل كلفة الازدواج و حمل أثقاله بانصراف غريزة الشهوة إليه المستلزم لانهدام البيت و انقطاع النسل.

و لذا كانت المجتمعات الدينيّة أو الطبيعة الساذجة تستشنعها و تعدّها فاحشة منكرة و تتوسّل إلى المنع عنه بأيّ وسيلة ممكنة، و المجتمعات المتمدّنة الحديثة و إن لم تسدّ سبيله بالجملة و لم تمنع عنه ذلك المنع لكنّها مع ذلك لا تستحسنه لما ترى من مضادّته العميقة لتكوّن البيوت و ازدياد النفوس و بقاء النسل، و تحتال إلى تقليله بلطائف الحيل و تروّج سنّة الازدواج و تدعو إلى تكثير الأولاد بجعل الجوائز و ترفيع الدرجات و غير ذلك من المشوّقات.

غير أنّه على الرغم من كون سنّة الازدواج الدائم سنّة قانونيّة متّبعة في جميع المجتمعات الإنسانيّة في العالم و تحريض الدول عليها و احتيالها لتضعيف أمر الزنا و صرف الناس لا سيّما الشبّان و الفتيات عنه لا يزال يوجد في جميع البلاد صغيرتها و كبيرتها معاهد لهذا العمل الهادم لبنية المجتمع علنيّة أو سرّيّة على اختلاف السنن

١٥

الجارية فيها.

و هذا أوضح حجّة على أنّ سنّة الازدواج الدائم لا تفي برفع هذه الحاجة الحيويّة للنوع، و أنّ الإنسانيّة بعد في حاجة إلى تتميم نقيصتها هذه، و أنّ من الواجب على من بيده زمام التقنين أن يتوسّع في أمر الازدواج.

و لذلك شفّع شارع الإسلام سنّة الازدواج الدائم بسنّة الازدواج الموقّت تسهيلاً للأمر و شرط فيه شروطاً ترتفع بها محاذير الزنا من اختلاط المياه و اختلال الأنساب و المواريث و انهدام البيوت و انقطاع النسل و عدم لحوق الأولاد و هي اختصاص المرأة بالرجل و العدّة إذا افترقا و لحوق الأولاد ثمّ لها ما اشترطت على زوجها و ليس فيه على الرجل شي‏ء من كلفة الازدواج الدائم و مشقّته.

و لعمر الحقّ إنّها لمن مفاخر الإسلام في شريعته السهلة السمحة نظير الطلاق و تعدّد الزوجات و كثير من قوانينه و لكن ما تغني الآيات و النذر عن قوم لا يسمعون يقول القائل: لئن أزني أحبّ إلي من أن أتمتّع أو اُمتّع.

١٦

( سورة المؤمنون الآيات ١٢ - ٢٢)

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ( ١٢ ) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ( ١٣ ) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ  فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ( ١٤ ) ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ ( ١٥ ) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ ( ١٦ ) وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ ( ١٧ ) وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ  وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ( ١٨ ) فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ( ١٩ ) وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ ( ٢٠ ) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً  نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ( ٢١ ) وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ( ٢٢ )

( بيان)

لما ذكر سبحانه فلاح المؤمنين بما عندهم من الأوصاف الجميلة عقّبه بشرح خلقهم و خلق ما أنعم عليهم من النعم مقروناً بتدبير أمرهم تدبيراً مخلوطاً بالخلق لينكشف به أنّه هو ربّ للإنسان و لكلّ شي‏ء الواجب أن يعبد وحده لا شريك له.

قوله تعالى: ( وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ) قال في المجمع:

١٧

السلالة اسم لما يسلّ من الشي‏ء كالكساحة اسم لما يكسح انتهى. و ظاهر السياق أنّ المراد بالإنسان هو النوع فيشمل آدم و من دونه و يكون المراد بالخلق الخلق الابتدائيّ الّذي خلق به آدم من الطين ثمّ جعل النسل من النطفة، و تكون الآية و ما بعدها في معنى قوله:( وَ بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ ) الم السجدة: ٨.

و يؤيّده قوله بعد:( ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً ) إذ لو كان المراد بالإنسان ابن آدم فحسب و كان المراد بخلقه من طين انتهاء النطفة إلى الطين لكان الظاهر أن يقال: ثمّ خلقناه نطفة كما قيل:( ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً ) إلخ.

و بذلك يظهر أنّ قول بعضهم: إنّ المراد بالإنسان جنس بني آدم، و كذا القول بأنّ المراد به آدمعليه‌السلام غير سديد.

و أصل الخلق - كما قيل - التقدير يقال: خلقت الثوب إذا قسته لتقطع منه شيئاً من اللباس فالمعنى و لقد قدّرنا الإنسان أوّلاً من سلالة من أجزاء الأرض المخلوطة بالماء.

قوله تعالى: ( ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ) النطفة القليل من الماء و ربّما يطلق على مطلق الماء و القرار مصدر اُريد به المقرّ مبالغة و المراد به الرحم الّتي تستقرّ فيها النطفة، و المكين المتمكّن وصفت به الرحم لتمكّنها في حفظ النطفة من الضيعة و الفساد أو لكون النطفة مستقرّة متمكّنة فيها.

و المعنى ثمّ جعلنا الإنسان نطفة في مستقرّ متمكّن هي الرحم كما خلقناه أوّلاً من سلالة من طين أي بدّلنا طريق خلقه من هذا إلى ذاك.

قوله تعالى: ( ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً - إلى قوله -فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ) تقدّم بيان مفردات الآية في الآية ٥ من سورة الحجّ في الجزء السابق من الكتاب و في قوله:( فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ) استعارة بالكناية لطيفة.

قوله تعالى: ( ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ ) الإنشاء - كما ذكره الراغب - إيجاد الشي‏ء و تربيته كما أنّ النش‏ء و النشأة إحداثه و تربيته كما يقال للشابّ

١٨

الحديث السنّ ناشئ.

و قد غير السياق من الخلق إلى الإنشاء فقال:( ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ ) دون أن يقال: ثمّ خلقناه إلخ، للدلالة على حدوث أمر حديث ما كان يتضمّنه و لا يقارنه ما تقدّمه من مادّة فإنّ العلقة مثلاً و إن خالفت النطفة في أوصافها و خواصّها من لون و طعم و غير ذلك إلّا أنّ في النطفة مكان كلّ من هذه الأوصاف و الخواصّ ما يجانسه و إن لم يماثله كالبياض مكان الحمرة و هما جميعاً لون بخلاف ما أنشأه الله أخيراً و هو الإنسان الّذي له حياة و علم و قدرة فإنّ ما له من جوهر الذات و هو الّذي نحكي عنه بأنا لم يسبق من سنخه في المراحل السابقة أعني النطفة و العلقة و المضغة و العظام المكسوّة لحما شي‏ء، و لا سبق فيها شي‏ء يناظر ما له من الخواصّ و الأوصاف كالحياة و القدرة و العلم فهو منشأ حادث مسبوق بالعدم.

و الضمير في( أَنْشَأْناهُ ) - على ما يعطيه السياق - للإنسان المخلوق عظاماً مكسوّة باللحم فهو الّذي اُنشئ و اُحدث خلقاً آخر أي بدّل و هو مادّة ميتة جاهلة عاجزة موجوداً ذا حياة و علم و قدرة، فقد كان مادّة لها صفاتها و خواصّها ثمّ برز و هو يغاير سابقته في الذات و الصفات و الخواصّ، فهو تلك المادّة السابقة فإنّها الّتي صارت إنساناً، و ليس بها إذ لا يشاركها في ذات و لا صفات، و إنّما له نوع اتّحاد معها و تعلّق بها يستعملها في سبيل مقاصدها استعمال ذي الآلة للآلة كالكاتب للقلم.

و هذا هو الّذي يستفاد من مثل قوله:( وَ قالُوا أَ إِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَ إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ) الم السجدة: ١١، فالمتوفّى و المأخوذ عند الموت هو الإنسان، و المتلاشي الضالّ في الأرض هو البدن و ليس به.

و قد اختلف العطف في مفردات الآية بالفاء و ثمّ، و قد قيل في وجهه أنّ ما عطف بثمّ له بينونة كاملة مع ما عطف عليه كما في قوله:( ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً ) ( ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً ) ،( ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ ) ، و ما لم يكن بتلك البينونة و البعد عطف بالفاء كقوله:( فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ) .

١٩

قوله تعالى: ( فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) قال الراغب: أصل البرك - بالفتح فالسكون - صدر البعير. قال: و برك البعير ألقى ركبه و اعتبر منه معنى اللزوم. قال: و سمّي محبس الماء بركة - بالكسر فالسكون - و البركة ثبوت الخير الإلهيّ في الشي‏ء قال تعالى:( لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ ) و سمّي بذلك لثبوت الخير فيه ثبوت الماء في البركة و المبارك ما فيه ذلك الخير.

قال: و لما كان الخير الإلهيّ يصدر من حيث لا يحسّ و على وجه لا يحصى و لا يحصر قيل لكلّ ما يشاهد منه زيادة غير محسوسة هو مبارك و فيه بركة. انتهى.

فالتبارك منه تعالى اختصاص بالخير الكثير الّذي يجود به و يفيضه على خلقه و قد تقدّم أنّ الخلق في أصله بمعنى التقدير فهذا الخير الكثير كلّه في تقديره و هو إيجاد الأشياء و تركيب أجزائها بحيث تتناسب فيما بين أنفسها و تناسب ما وراءها و من ذلك ينتشر الخير الكثير.

و وصفه تعالى بأحسن الخالقين يدلّ على عدم اختصاص الخلق به و هو كذلك لما تقدّم أنّ معناه التقدير و قياس الشي‏ء من الشي‏ء لا يختصّ به تعالى، و في كلامه تعالى من الخلق المنسوب إلى غيره قوله:( وَ إِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ) المائدة: ١١٠ و قوله:( وَ تَخْلُقُونَ إِفْكاً ) العنكبوت: ١٧.

قوله تعالى: ( ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ ) بيان لتمام التدبير الإلهيّ و أنّ الموت من المراحل الّتي من الواجب أن يقطعها الإنسان في مسير التقدير، و أنّه حقّ كما تقدّم في قوله تعالى:( كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً ) الأنبياء: ٣٥.

قوله تعالى: ( ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ ) و هذا تمام التدبير و هو أعني البعث آخر مرحلة في مسير الإنسان إذا حلّ بها لزمها و لا يزال قاطنا بها.

قوله تعالى: ( وَ لَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَ ما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ ) ، المراد بالطرائق السبع بقرينة قوله:( فَوْقَكُمْ ) السماوات السبع و قد سمّاها طرائق - جمع طريقة - و هي السبيل المطروقة لأنّها ممرّ الأمر النازل من عنده تعالى إلى

٢٠