الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٥

الميزان في تفسير القرآن13%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 453

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 453 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 124114 / تحميل: 6109
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٥

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

الشافعي(١) - وسيأتي(٢) - فحينئذٍ تجب الزكاة عند الحول.

ومقتضى قول المانعين من الوجوب على المديون المنع هنا ، لأنّه دَين(٣) .

وقيل : لا تجب بمعنى آخر وهو عدم استقرار الملك ، إذ لصاحبها أخذها متى وجدها(٤) .

مسألة ٢٧ : إمكان الأداء شرط في الضمان لا في الوجوب‌ ، فلو لم يتمكّن المسلم من إخراجها بعد الحول حتى تلفت لم يضمن ، ولو تلف بعض النصاب سقط من الفريضة بقدره ، وسيأتي(٥) البحث في ذلك إن شاء الله تعالى.

أمّا الكافر فإنّ الزكاة وإن وجبت عليه عندنا ، لأنّه مخاطب بالفروع ، وبه قال الشافعي(٦) - خلافا لأحمد وأبي حنيفة(٧) - إلاّ أنّه لا يصح منه أداؤها حال كفره.

فإذا أسلم سقطت عنه وإن كان النصاب موجوداً ، لأنّها عبادة فسقطت بإسلامه ، لقولهعليه‌السلام : ( الإِسلام يجبّ ما قبله )(٨) ويستأنف الحول حين الإِسلام.

ولو هلكت بتفريطه حال كفره فلا ضمان وإن أسلم.

وأما المرتدّ فلا يسقط عنه ما وجب عليه حال الإِسلام.

____________________

(١) حكاه ابنا قدامة في المغني ٢ : ٦٤٢ ، والشرح الكبير ٢ : ٤٥٣.

(٢) يأتي في اللقطة ( المقصد الخامس من كتاب الأمانات ).

(٣) اُنظر : المغني ٢ : ٦٤٢ ، والشرح الكبير ٢ : ٤٥٣.

(٤) القائل هو ابن عقيل من الجمهور. اُنظر : المغني ٢ : ٦٤٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٥٣.

(٥) يأتي في المسألة ١٢٤.

(٦) المجموع ٣ : ٤ و ٥ : ٣٢٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٤.

(٧) بدائع الصنائع ٢ : ٤ ، المغني ٢ : ٤٨٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٧.

(٨) مسند أحمد ٤ : ١٩٩ و ٢٠٤ و ٢٠٥.

٤١

ثم إن كان عن فطرة انتقلت أمواله إلى ورثته في الحال وإلّا بقيت عليه ، فإذا حال الحول وجبت عليه.

وإذا أخرج في حال الردّة جاز ، وبه قال الشافعي(١) ، كما لو أطعم عن الكفارة ، وفيه له وجه آخر(٢) .

وأمّا الشرائط الخاصة فستأتي عند كلّ صنف إن شاء الله تعالى.

* * *

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٢٨ ، فتح العزيز ٥ : ٥١٨ ، مغني المحتاج ١ : ٤٠٨.

(٢) وهو عدم إخراج المرتدّ زكاته حال ردّته. اُنظر : المجموع ٥ : ٣٢٨ ، وفتح العزيز ٥ : ٥١٩.

٤٢

٤٣

المقصد الثاني

في المحلّ‌

وقد أجمع المسلمون كافّة على إيجاب الزكاة في تسعة أشياء : الإِبل ، والبقر ، والغنم ، والذهب ، والفضة ، والحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب ، واختلفوا في ما زاد على ذلك ، وسيأتي(١) ، فهنا مطالب :

الأول : في زكاة الأنعام‌ ، وفيه فصول :

____________________

(١) يأتي في المسائل ١١٠ - ١١٥.

٤٤

٤٥

الفصل الأول

في زكاة الإِبل‌

مسألة ٢٨ : يشترط فيها أربعة : الملك ، والنصاب ، والسوم ، والحول‌ ، أمّا الملك ، فلما تقدّم(١) : أنّ غير المالك لا زكاة عليه ، وأمّا النصاب فبإجماع المسلمين.

لقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ليس فيما دون خمس ذود(٢) صدقة )(٣) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « ليس فيما دون الخمس من الإِبل شي‌ء »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فالنُصُب في الإِبل ثلاثة عشر نصاباً : خمس ، عشر ، خمس عشرة ، عشرون ، خمس وعشرون ، ستّ وعشرون ، ستّ وثلاثون ، ستّ وأربعون ، إحدى وستّون ، ستّ وسبعون ، إحدى وتسعون ، مائة‌

____________________

(١) تقدّم في المسألة ١١.

(٢) الذود من الإِبل : ما بين الثنتين الى التسع. النهاية - لابن الأثير - ٢ : ١٧١ « ذود ».

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٧٣ / ١ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٤ / ١٥٥٨ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٢ / ٦٢٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٢ / ١٧٩٤ ، سنن النسائي ٥ : ٤٠ ، سنن البيهقي ٤ : ٨٥ و ١٢٠.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٠ / ٥٢ ، الاستبصار ٢ : ١٩ / ٥٦.

٤٦

وإحدى وعشرون ، ثم بعد ذلك أربعون أو خمسون بالغاً ما بلغت عند علمائنا أجمع ، وسيأتي(١) البحث في ذلك.

مسألة ٢٩ : يشترط فيها وفي غيرها من الأنعام السوم‌ ، وهي الراعية المعدّة للدرّ والنسل.

واحترزنا بذلك عن المعلوفة وإن كانت للدّر والنسل ، والعوامل وإن لم تكن معلوفةً ، فإنّه لا زكاة فيهما عند علمائنا أجمع ، وبه قال عليعليه‌السلام ومعاذ بن جبل وجابر بن عبد الله ، ومن التابعين : سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد والحسن البصري والنخعي ، ومن الفقهاء : الشافعي وأبو حنيفة والثوري والليث بن سعد وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد(٢) .

لقولهعليه‌السلام : ( في أربعين من الغنم السائمة شاة )(٣) دلّ بمفهومه على انتفاء الزكاة عن المعلوفة ، وإلّا كان ذكر الوصف ضائعاً ، بل موهماً للتخصيص ، ولو لم يكن مراداً كان قبيحاً.

وقالعليه‌السلام : ( ليس في البقر العوامل صدقة )(٤) .

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « وليس على العوامل شي‌ء ، إنّما ذلك على السائمة الراعية »(٥) .

ولأنّ وصف النماء معتبر في الزكاة ، والمعلوفة يستغرق علفها نماءها.

____________________

(١) يأتي في المسائل ٣٥ - ٣٧.

(٢) المجموع ٥ : ٣٥٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢ ، مختصر المزني : ٤٥ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٦٥ ، المغني ٢ : ٤٣٨ و ٤٥٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٥ و ٥٠١ ، عمدة القارئ ٩ : ٢٢ ، المحلّى ٦ : ٤٥.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن الدارقطني ٢ : ١١٤ و ١١٥ / ٢ و ٣ ، سنن الدارمي ١ : ٣٨١ ، سنن البيهقي ٤ : ١٠٠ بتفاوت فيها.

(٤) المعجم الكبير للطبراني ١١ : ٤٠ / ١٠٩٧٤ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٠٣ / ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٥٣٢ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٢ / ٥٥ ، الاستبصار ٢ : ٢١ / ٥٩.

٤٧

وقال مالك : تجب في العوامل والمعلوفة. وبه قال ربيعة ومكحول وقتادة(١) .

وقال داود : تجب في عوامل البقر والإبل ومعلوفها دون الغنم(٢) .

لقولهعليه‌السلام : ( في أربعين شاة شاة ، وفي ثلاثين من البقر تبيع )(٣) ولأنه تجوز الأضحية به فأشبه السائمة.

والحديث يخصّه مفهوم الخطاب ، والفرق بين السائمة والمعلوفة لزوم المؤونة في المعلوفة ، والعوامل معدّة لاستعمال مباح فأشبهت الثياب.

مسألة ٣٠ : لو سامت بعض الحول ، وعلفها البعض الآخر‌ ، قال الشيخ تعالى : يحكم للأغلب(٤) . وبه قال أبو حنيفة وأحمد وبعض الشافعية ، لأنّ اسم السوم لا يزول مع القلّة ، وخفّة المؤونة موجودة فكانت زكاة السوم واجبةً كالزرع إذا سقي سيحاً وناضحاً(٥) .

وقال بعض الشافعية : إن علفها يوماً أو يومين لم يبطل حكم السوم ، وإن علفها ثلاثة أيّام زال حكم السوم ، لأنّ ثلاثة أيّام لا تصبر عن العلف ، وما دون ذلك تصبر عن العلف ، ولا تتلف بتركه(٦) .

وقال بعضهم : إنّما يثبت حكم العلف بأن ينوي علفها ويفعله وإن كان مرّة ، كما لو كان له ذهب فنوى صياغته وصاغه انقطع حوله(٧) .

____________________

(١) المدونة الكبرى ١ : ٣١٣ ، القوانين الفقهية : ١٠٧ ، المغني ٢ : ٤٥٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٥ ، عمدة القارئ ٩ : ٢٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢.

(٢) حلية العلماء ٣ : ٢٢.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ١٠٠ / ١٥٧٢.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ١٩٨.

(٥) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٦٦ ، المغني ٢ : ٤٣٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٦ ، المجموع ٥ : ٣٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣.

(٦) المجموع ٤ : ٣٥٧ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢.

(٧) حلية العلماء ٣ : ٢٣ ، المجموع ٥ : ٣٥٨ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٦.

٤٨

ولأنّ السوم موجب ، والعلف مسقط ، وإذا اجتمعا غُلّب الإِسقاط ، كما لو كان معه أربعون منها واحدة معلوفة لم تجب ، تغليباً للمسقط ، والزرع اعتبر فيه الأكثر ، لأنّه غير مسقط ، بخلاف مسألتنا.

والأقرب عندي اعتبار الاسم ، فإن بقي عليها اسم السوم وجبت وإلّا سقطت.

فروع :

أ - إذا خرجت عن اسم السوم بالعلف ، ثم عادت إليه استؤنف الحول من حين العود ، ولا فرق بين أن يعلفها مالكها أو غيره ، بإذنه أو بغير إذنه من مال المالك.

ولو علفها من ماله ، فالأقرب إلحاقها بالسائمة ، لعدم المؤونة حينئذٍ ، ولا فرق بين أن يكون العلف لعذر كالثلج أو لا.

ب - لو علفها بقصد قطع الحول وخرجت عن اسم السائمة انقطع الحول.

وقال الشافعي : لا ينقطع(١) . وسيأتي بحثه في قاصد الفرار بالسبك(٢) .

ج - لو تساوى زمان العلف والسوم ، فعندنا لا زكاة ، وعلى قول الشيخ من اعتبار الأغلب ينبغي السقوط أيضاً.

د - لو اعتلفت من نفسها حتى خرجت عن اسم السائمة سقطت الزكاة ، ومن اعتبر القصد من الشافعيّة لم يسقطها ، وأسقطها بعضهم ، لخروجها عن اسم السوم(٣) .

ه- لو غصب سائمته غاصب فلا زكاة عندنا.

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٥٨.

(٢) يأتي في الفرع « و» من المسألة ٧١.

(٣) المجموع ٥ : ٣٥٨ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٦ - ٤٩٧.

٤٩

ومن أوجبها في المغصوب فعنده وجهان : الوجوب ، لأنّ فعل الغاصب عديم الأثر ، وكذا لو غصب ذهباً واتّخذ منه حُليّاً لا تسقط. وهو ممنوع.

والعدم ، لفوات شرط السوم ، كما لو ذبح بعض الماشية(١) .

ولو غصب معلوفة وأسامها ، فوجهان : الوجوب ، لحصول الرفق ، كما لو غصب حنطة وبذرها يجب العشر في النابت ، والمنع(٢) ، لما تقدّم.

فإن وجبت قيل : تجب على الغاصب ، لأنّه من فعله. وقيل : على المالك.

ففي رجوعه على الغاصب وجهان : المنع ، لأنّ السبب في الوجوب ملك المالك ، والرجوع ، لأنّه لو لا الإِسامة لم تجب.

وهل يرجع قبل الإِخراج أو بعده؟ وجهان(٣) ؛ وهذا كلّه ساقط عندنا.

مسألة ٣١ : المال الذي تجب فيه الزكاة ضربان : ما هو نماء في نفسه ، وما يرصد للنماء ، فالأول الحبوب والثمار ، فإذا تكامل نماؤه وجبت فيه الزكاة ولا يعتبر فيه حول.

وما يرصد للنماء كالمواشي يرصد للدرّ والنسل ، والذهب والفضّة للتجارة ، فإنه لا تجب فيه الزكاة حتى يمضي حول من حين تمّ نصابه في ملكه ، وبه قال جميع الفقهاء(٤) .

لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول )(٥) .

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٤٩ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٧ ، المجموع ٥ : ٣٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٤٩ - ١٥٠ ، المجموع ٥ : ٣٥٩ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣.

(٣) المجموع ٥ : ٣٥٩ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٧ - ٤٩٨.

(٤) المجموع ٥ : ٣٦١.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ١٠٠ - ١٠١ / ١٥٧٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧١ / ١٧٩٢ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٠ - ٩١ / ٣ ، وسنن البيهقي ٤ : ٩٥.

٥٠

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « ليس على العوامل من الإِبل والبقر شي‌ء ، إنما الصدقات على السائمة الراعية ، وكلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شي‌ء عليه فيه ، فإذا حال الحول وجب عليه »(١) .

وقول الباقرعليه‌السلام : « الزكاة على المال الصامت الذي يحول عليه الحول ولم يحرّكه »(٢) .

وحكي عن ابن عباس وابن مسعود أنهما قالا : إذا استفاد المال زكّاه في الحال ، ثم تتكرّر الزكاة بتكرّر الحول(٣) ؛ لأنّه مال تجب فيه الزكاة فوجبت حال استفادته كالحبوب والثمار.

والفرق : أن الغلّات يتكامل نماؤها دفعة ، ولهذا لا تتكرّر الزكاة فيها بخلاف هذه.

مسألة ٣٢ : يشترط بقاء النصاب طول الحول‌ ، فلو نقص في وسطه أو أحد طرفيه وكمل اعتبر ابتداء الحول من حين الكمال ، وسقط حكم الأول عند علمائنا ، وبه قال الشافعي وأحمد(٤) .

لقولهعليه‌السلام : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول )(٥) وهو يقتضي مرور الحول على جميعه.

ولأنّ ما اعتبر في طرفي الحول اعتبر في وسطه كالملك والإِسلام.

وحكي عن أبي حنيفة : أنّ النصاب إذا كمل طرفي الحول لم يضرّ نقصه‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٤ - ١ ، التهذيب ٤ : ٤١ - ١٠٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٣ - ٦٥.

(٢) التهذيب ٤ : ٣٥ - ٩٠.

(٣) المغني ٢ : ٤٩٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦١ ، المجموع ٥ : ٣٦١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٥ ، الميزان للشعراني ٢ : ٢.

(٤) المجموع ٥ : ٣٦٠ ، المغني ٢ : ٤٩٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٤.

(٥) تقدمت مصادره في المسألة ٣١.

٥١

في وسطه(١) . وليس بجيّد.

مسألة ٣٣ : وحولان الحول هو مضيّ أحد عشر شهراً كاملة على المال‌ ، فإذا دخل الثاني عشر وجبت الزكاة وإن لم تكمل أيامه ، بل تجب بدخول الثاني عشر عند علمائنا أجمع.

لقول الصادقعليه‌السلام ، وقد سئل عن رجل كانت له مائتا درهم فوهبها بعض إخوانه أو ولده أو أهله فراراً من الزكاة : « إذا دخل الثاني عشر فقد حال عليه الحول ووجبت عليه الزكاة »(٢) .

فروع :

أ - في احتساب الثاني عشر من الحول الأول أو الثاني إشكال ينشأ من أنّه من تمام الأول حقيقةً ، ومن صدق الحولان باستهلال الثاني عشر.

ب - لو تلف بعض النصاب قبل الحول فلا زكاة ، وبعده يجب الجميع إن فرّط وإلّا فبالنسبة.

ج - لو ارتدّ في أثناء الحول عن فطرة استأنف ورثته الحول ، ولو كان عن غيرها أتمّ.

مسألة ٣٤ : لا تجب الزكاة في السخال‌ وهي أولاد الغنم أوّل ما تلدها حتى يحول عليها الحول من حين سومها ، ولا يبنى على حول الاُمّهات ، فلو كان عنده أربع ، ثم نتجت وجبت الشاة إذا استغنت بالرعي حولاً.

ولو كان عنده خمس ستة أشهر ، ثم نتجت خمساً ، وتمّ الحول وجبت الزكاة في الخمس لا غير عند علمائنا ، وبه قال الحسن البصري والنخعي(٣) .

لقولهعليه‌السلام : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول )(٤)

____________________

(١) بدائع الصنائع ٢ : ٥١ ، المغني ٢ : ٤٩٥.

(٢) الكافي ٣ : ٥٢٦ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٣٦ / ٩٢.

(٣) المغني ٢ : ٤٧٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٠ ، المجموع ٥ : ٣٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

(٤) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في المسألة ٣١.

٥٢

ولأصالة البراءة.

وقال الشافعي : السخال تضمّ إلى الاُمّهات في حولها بثلاث شرائط : أن تكون متولّدةً منها ، وأن تكون الاُمّهات نصاباً ، وأن توجد معها في بعض الحول ، فلو لم تكن متولّدةً منها ، بل كان الأصل نصاباً ، فاستفاد مالاً من غيرها ، وكانت الفائدة من غير عينها لم تضمّ إليها ، وكان حول الفائدة معتبراً بنفسها سواء كانت الفائدة من جنسها بأن يحول على خمسة من الإِبل ستة أشهر ، ثم تملّك خمساً منها أو من غير جنسها مثل أن حال على خمسة من الإِبل ستة أشهر ، ثمّ ملك ثلاثين بقرة.

ولو ملك عشرين شاة ستة أشهر فزادت حتى بلغت أربعين كان ابتداء الحول من حين كملت نصاباً سواء كانت الفائدة من عينها أو من غيرها ؛ لقصور الاُمّهات عن النصاب.

ولو وجدت بعد انقضاء الحول لم تضمّ إليها.

واحتجّ على التبعيّة : بقول عليعليه‌السلام : « اعتد عليهم بالكبار والصغار »(١) .

وقال عمر لساعيه : اعتد عليهم بالسخلة(٢) . ولا مخالف لهما فكان إجماعاً ، ولأنّ النماء إذا تبع الأصل في الملك تبعه في الزكاة كأموال التجارة(٣) .

والجواب : نقول بموجب الحديث ، فإنّ السخال والصغار تجب فيهما الزكاة مع حصول السوم ، ونمنع حكم الأصل.

ونازع أبو حنيفة الشافعي في الشرط الأول ، فقال : إذا استفاد سخالاً‌

____________________

(١و٢) أورد قولهما أبو إسحاق الشيرازي في المهذب ١ : ١٥٠ - ١٥١ ، والرافعي في فتح العزيز ٥ : ٤٨٣ ، وانظر أيضاً لقول عمر : الموطأ ١ : ٢٦٥ ذيل الحديث ٢٦ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٠١.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٠ - ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٣ - ٣٧٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٨٣.

٥٣

من غير غنمه في أثناء الحول ضمّ إلى ماله إذا كان من جنسه ، وكان حول الاُمّهات حول السخال ، وإن لم تكن من جنسه كسخال الإِبل مع الغنم لم تضمّ ، فلو كان عنده خمس من الإِبل حولاً إلّا يوماً فملك خمساً من الإِبل ، ثم مضى اليوم زكّى المالين معاً ، وبه قال مالك(١) .

لكن انفرد أبو حنيفة بأنّه إن زكّى بدلها لم تضمّ مثل أن كان عنده خمس من الإِبل ومائتا درهم أخرج زكاة المائتين ، ثم اشترى بها خمساً من الإِبل لم تضمّ إلى التي كانت عنده في الحول ، وإن لم يزكّ المبدل ضمّهما معاً ، ولو كان عنده عبد وأخرج زكاة الفطرة عنه ، ثم اشترى به خمساً من الإِبل ضمّها إلى ما عنده(٢) .

واحتجّ أبو حنيفة على الضمّ وإن لم يكن من أصله : بأنّ الحول أحد شرطي الزكاة فوجب أن يضمّ المستفاد إلى النصاب فيه كالنصاب - وينتقض بالمزكّى بدله - ولأنّ الضمّ في النصاب إنّما هو في المستقبل فكذا في الحول.

وينتقض بقولهعليه‌السلام : ( ليس في مال المستفيد زكاة حتى يحول عليه الحول )(٣) .

ولأنّها فائدة لم تتولّد ممّا عنده فلم تضمّ إليه في حوله كالتي زكّي بدلها أو كانت من غير جنسه.

ونازع مالك الشافعي في الشرط الثاني ، فقال : لو كانت الغنم أقلّ من أربعين ، ومضى عليها بعض الحول ، ثم توالدت وتمّت الأربعين اعتبر الحول من حين ملك الاُصول ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد ؛ لأنّ السخال إنّما تضمّ في الزكاة فتجب أن تضمّ إلى ما دون النصاب كأرباح التجارات(٤) .

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٧٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٨٣ - ٤٨٤ ، القوانين الفقهية : ١٠٧ - ١٠٨.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٤٨٤.

(٣) سنن الدارقطني ٢ : ٩٠ / ٢ ، سنن البيهقي ٤ : ١٠٤.

(٤) المدونة الكبرى ١ : ٣١٣ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٩٢ ، التفريع ١ : ٢٨٣ ، المغني ٢ : ٤٧٠ - ٤٧١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

٥٤

ونمنع الحكم في الأصل ، وللفرق بأنّ مراعاة القيمة في كلّ حال يشقّ فاعتبر آخر الحول بخلاف السخال ؛ لأنّ الزكاة تجب في عينها فلا يشقّ ذلك فيه فاعتبر في جميع الحول ، كما لو تمّت بغير سخالها.

فروع :

أ - لو نتجت بعد الحول وقبل إمكان الأداء لم تضمّ عندنا ، وهو ظاهر.

وللشافعي قولان مبنيّان على وجوب الزكاة هل يتعلّق بإمكان الأداء أم لا؟

فإن قيل : بأنّه شرط الوجوب ضمّت ، وإن قيل : إنّه شرط الضمان لم تضمّ(١) .

ب - لا تؤخذ السخلة في الزكاة إجماعاً ، أمّا عندنا ، فلعدم الوجوب ، وأمّا المخالف ، فلقول عمر : اعتد عليهم بالسخلة يروح بها الراعي على يديه ولا تأخذها منهم(٢) .

ولو كان النصاب كلّه صغاراً جاز أخذ الصغيرة ، وإنّما يتصوّر عندهم لو بدّل كباراً بصغار في أثناء الحول ، أو كان عنده نصاب من الكبار فتوالدت نصاباً من الصغار ثم ماتت الاُمّهات ، وحال الحول على الصغار ، وهو ظاهر قول أحمد(٣) .

وقال مالك : لا يؤخذ إلّا كبيرةً تجزي في الاُضحية(٤) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( إنّما حقّنا في الجذعة أو الثنيّة )(٥) .

وهو محمول على ما فيه كبار.

ج - لو ملك نصاباً من الصغار انعقد عليه حول الزكاة من حين ملكه إذا‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٧٣ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢.

(٢) نقله ابنا قدامة في المغني ٢ : ٤٧٠ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٠٩.

(٣و٤) المغني ٢ : ٤٧١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٠٦.

(٥) أورده ابنا قدامة في المغني ١ : ٤٧١ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٠٦.

٥٥

صدق عليه اسم السوم وإلّا فلا.

وقال أبو حنيفة وأحمد - في رواية - : لا ينعقد عليه الحول حتى يبلغ سنّاً يجزئ مثله في الزكاة ، وهو محكي عن الشعبي(١) .

لقولهعليه‌السلام : ( ليس في السخال زكاة )(٢) .

ولأنّ السنّ معنى يتغيّر به الفرض فكان لنقصانه تأثير في الزكاة كالعدد.

وفي رواية عن أحمد : أنّها ينعقد عليها الحول من حين الملك وإن لم تكن سائمةً ؛ لأنّها تعدّ مع غيرها فتعدّ منفردة كالامّهات(٣) ، والعلّة ممنوعة.

د - قد بيّنا أنّه لا زكاة في السخال ، ولا تضمّ مع الاُمّهات ، وعند الشافعي تضمّ بالشروط الثلاثة(٤) .

فلو اختلف الساعي وربّ المال في شرط منها ، فقال المالك : هذه السخال من غيرها ، أو كانت أقلّ من نصاب ، أو نتجتها بعد تمام الحول.

وخالف الساعي ، قدّم قول المالك ؛ لأنّه أمين فيما في يده ، لأنّها تجب على طريق المواساة والرفق ، فقبل قوله فيه من غير يمين.

ه- إذا ضمّت السخال إلى الاُمّهات - على رأي الشافعي - ثم تلف بعض الاُمّهات أو جميعها وبقي نصاب لم ينقطع الحول ، وبه قال مالك(٥) ؛ لأنّ السخال قد ثبت لها حكم الحول تبعاً للاُمّهات ، فصارت كما لو كانت موجودةً في جميع الحول ، فموت الاُمّهات أو نقصانها لا يبطل ما ثبت لها ، كما أنّ ولد أُمّ الولد ثبت له حكم الاستيلاد على وجه التبع لاُمّه ، فإذا ماتت‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

(٢) أورده ابنا قدامة في المغني ٢ : ٤٧٣ ، والشرح الكبير ٢ : ٤٦٤.

(٣) المغني ٢ : ٤٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٣.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٠ - ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٣ - ٣٧٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٨٣‌

(٥) التفريع ١ : ٢٨١ - ٢٨٢ ، بلغة السالك ١ : ٢٠٧ ، فتح العزيز ٥ : ٣٧٩ - ٣٨٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

٥٦

الاُمّ لم يبطل حكم الاستيلاد للولد.

وقال بعض الشافعية : إذا نقصت الاُمّهات عن النصاب بطل حكم الحول فيها وفي السخال ؛ لأنّ السخال إنّما ضمّت إليها على وجه التبع ، فإذا نقصت الاُمّهات لم تتبعها السخال ، كما لا تتبعها في الابتداء لو كانت ناقصةً(١) .

ولو تلفت جميع الاُمّهات ، قال الشافعي : لا ينقطع الحول إذا كانت نصاباً(٢) ؛ لأنّ كلّ نوع يعدّ في الزكاة مع غيره يعدّ وحده كالثنايا والجذاع.

وقال أبو حنيفة : ينقطع الحول وإن كانت نصاباً ، ولو بقي واحدة لم ينقطع(٣) .

ولو ملك أربعين صغيرة انعقد الحول عند الشافعي(٤) ، خلافاً له(٥) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( ليس في السخال زكاة )(٦) .

و - لو كانت في الإِبل فُصلان ، وفي البقر عجاجيل ، فإن سامت حولاً اعتبرت ، وإلّا فلا ، والمخالفون في السخال خالفوا هنا.

إذا عرفت هذا ، فلو كانت الإِبل كلّها فُصلاناً والبقر عجاجيل اُخذ واحد منها.

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٣ - ٣٧٤ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

(٢) الاُم ٢ : ١٢ ، مختصر المزني : ٤٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ ، و ٤٨٦.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٣١ - ٣٢ ، شرح العناية ٢ : ١٣٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ و ٤٨٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

(٤) فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ ، مغني المحتاج ١ : ٣٧٦.

(٥) المغني ٢ : ٤٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٤ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ ، شرح فتح القدير ٢ : ١٣٩ - ١٤٠.

(٦) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في الفرع « ج ».

٥٧

وقال بعض الشافعية : لا يؤخذ إلّا السنّ المنصوص عليه ، لأنّا لو أخذنا واحداً منها لسوّينا بين خمس وعشرين وإحدى وستين ، وأخذنا فصيلاً من كلّ واحد من العددين وهو غير جائز ، فتؤخذ كبيرة بالقيمة بأن يقول : كم قيمة خمس وعشرين كباراً؟ فإذا قيل : مائة ، قيل : كم قيمة بنت مخاض؟ فإذا قيل : عشرة ، فيقال : كم قيمتها فُصلاناً؟ فيقال : خمسون. اُخذ بنت مخاض قيمتها خمسة(١) .

وقال بعض الشافعية : إنّما يفعل ذلك ما دام الفرض يتغيّر بالكبر ، فإذا تغيّر بالعدد كستّ وسبعين اُخذ من الصغار(٢) .

وليس بجيّد ؛ لأدائه إلى التسوية بين الأربعين والخمسين ، وبين الثلاثين والأربعين في البقر ، والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فرّق بينهما(٣) .

مسألة ٣٥ : أوّل نُصب الإِبل خمس ، وفيها شاة‌ ، فلا يجب فيما دونها شي‌ء ، ثم عَشر ، وفيه شاتان ، ثم خمس عشرة ، وفيه ثلاث شياه ، ثم عشرون ، وفيه أربع شياه ، وهذا كلّه بإجماع علماء الإِسلام.

فإذا بلغت خمساً وعشرين ، فأكثر علمائنا على أنّ فيها خمس شياه إلى ست وعشرين ، ففيها حينئذٍ بنت مخاض(٤) .

لقول عليعليه‌السلام : « في خمس وعشرين خمس شياه »(٥) .

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « في خمس‌

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ - ٣٨١.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٣٨١.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ١٠٠ و ١٠١ / ١٥٧٢ و ١٥٧٦ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٠ / ٦٢٢ ، سنن النسائي ٥ : ٢٥ - ٢٦ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٤ / ٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ٩٨ - ٩٩.

(٤) منهم : السيد المرتضى في الانتصار : ٨٠ والشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ١٩١ ، وسلّار في المراسم ١٢٩ - ١٣٠ ، والمحقّق في المعتبر : ٢٥٩.

(٥) سنن البيهقي ٤ : ٩٣.

٥٨

وعشرين خمس من الغنم »(١) .

ولأنّ الخمس الزائدة على العشرين كالخمس السابقة ، ولأنّا لا ننتقل من الشاة إلى الجنس بزيادة خمس في شي‌ء من نُصب الزكاة المنصوصة.

وقال ابن أبي عقيل منّا : في خمس وعشرين بنت مخاض(٢) ، وهو قول الجمهور(٣) كافة ؛ لأنّ أبا بكر كتب لأنس لمـّا وجّهه إلى البحرين كتاب الصدقة التي فرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض(٤) .

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « في كلّ خمسٍ شاةً حتى تبلغ خمساً وعشرين ، فإذا بلغت ذلك ففيها بنت مخاض »(٥) .

ونمنع الاحتجاج برواية أبي بكر ، لجواز أن يكون رأياً له ، أو يضمر فيها زيادة واحدة ، وهو جواب الثانية.

وقال ابن الجنيد : يجب بنت مخاض أو ابن لبون ، فإن تعذّر فخمس شياه(٦) .

مسألة ٣٦ : إذا بلغت ستّا وثلاثين ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين‌ ، فإذا زادت واحدة ففيها حِقّة إلى ستين ، فإذا زادت واحدة وبلغت إحدى وستّين‌

____________________

(١) المعتبر : ٢٥٩ ، الفقيه ٢ : ١٢ / ٣٣ وفيه عن الإِمام الباقرعليه‌السلام ، والتهذيب ٤ : ٢٠ / ٥٢ ، والاستبصار ٢ : ١٩ / ٥٦ وفيهما عن الإِمام الصادقعليه‌السلام .

(٢) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٢٥٩.

(٣) المجموع ٥ : ٣٨٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٨ ، المغني ٢ : ٤٣٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٨٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٦ / ١٥٦٧ ، سنن النسائي ٥ : ١٨ - ١٩ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥.

(٥) الكافي ٣ : ٥٣١ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٢ / ٥٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٠ / ٥٩.

(٦) حكاه عنه المحقّق في المعتبر : ٢٥٩.

٥٩

ففيها جذعة إلى خمس وسبعين ، فإذا صارت ستّاً وسبعين ففيها بنتا لبون إلى تسعين ، فإذا صارت إحدى وتسعين ففيها حقّتان إلى مائة وعشرين ، وهذا كلّه لا خلاف فيه بين العلماء ، لأنّه في كتاب أبي بكر لأنس(١) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « فإذا كانت خمساً وعشرين ففيها خمس من الغنم ، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين ، فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر ، فإذا زادت واحدة على خمس وثلاثين ففيها ابنة لبون اُنثى إلى خمس وأربعين ، فإذا زادت واحدة ففيها حقّة إلى ستّين ، فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى [ خمس و ](٢) سبعين ، فإذا زادت واحدة ففيها بنتا لبون إلى تسعين ، فإذا زادت واحدة ففيها حقّتان إلى عشرين ومائة ، فإذا كثرت الإِبل ففي كلّ خمسين حقّة »(٣) .

مسألة ٣٧ : إذا زادت على مائة وعشرين ولو واحدة وجب في كلّ خمسين حقّة‌ ، وفي كل أربعين بنت لبون ، فتجب هنا ثلاث بنات لبون إلى مائة وثلاثين ففيها حقّة وبنتا لبون إلى مائة وأربعين ففيها حقّتان وبنت لبون إلى مائة وخمسين ففيها ثلاث حقاق ، وعلى هذا الحساب بالغاً ما بلغ عند علمائنا ، وبه قال ابن عمر وأبو ثور والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأحمد في إحدى الروايتين ، ومالك في إحدى الروايتين(٤) .

لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كلّ أربعين بنت لبون )(٥) والواحدة زيادة.

____________________

(١) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في المسألة السابقة (٣٥).

(٢) زيادة أثبتناها من المصدر.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٠ / ٥٢ ، الاستبصار ٢ : ١٩ / ٥٦‌

(٤) الاُم ٢ : ٤ ، المهذّب للشيرازي ١ : ١٥٢ ، المجموع ٥ : ٤٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٦ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٩ ، المغني ٢ : ٤٤٥ - ٤٤٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٨٦ - ٤٨٧ ، التفريع ١ : ٢٨٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٩.

(٥) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، سنن النسائي ٥ : ٢٠ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

مِنْ أَبْصارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ) فلا يجوز لهنّ النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه و يجب عليهنّ ستر العورة عن الأجنبيّ و الأجنبيّة.

و أمّا قوله:( وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها ) فالإبداء الإظهار، و المراد بزينتهنّ مواضع الزينة لأنّ نفس ما يتزيّن به كالقرط و السوار لا يحرم إبداؤها فالمراد بإبداء الزينة إبداء مواضعها من البدن.

و قد استثنى الله سبحانه منها ما ظهر، و قد وردت الرواية أنّ المراد بما ظهر منها الوجه و الكفّان و القدمان كما سيجي‏ء إن شاء الله.

و قوله:( وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى‏ جُيُوبِهِنَّ ) الخمر بضمّتين جمع خمار و هو ما تغطيّ به المرأة رأسها و ينسدل على صدرها، و الجيوب جمع جيب بالفتح فالسكون و هو معروف و المراد بالجيوب الصدور، و المعنى و ليلقين بأطراف مقانعهنّ على صدورهنّ ليسترنها بها.

و قوله:( وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ - إلى قوله -أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ ) البعولة هم أزواجهنّ، و الطوائف السبع الاُخر محارمهنّ من جهة النسب و السبب، و أجداد البعولة حكمهم حكم آبائهم و أبناء أبناء البعولة حكمهم حكم الأبناء.

و قوله:( أَوْ نِسائِهِنَّ ) في الإضافة إشارة إلى أنّ المراد بهنّ المؤمنات من النساء فلا يجوز لهنّ التجرّد لغيرهنّ من النساء و قد وردت به الروايات عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

و قوله:( أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ ) إطلاقه يشمل العبيد و الإماء، و قد وردت به الرواية كما سيأتي إن شاء الله، و هذا من موارد استعمال( ما ) في اُولي العقل.

و قوله:( أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ ) الإربة هي الحاجة، و المراد به الشهوة الّتي تحوج إلى الازدواج، و( مِنَ الرِّجالِ ) بيان للتابعين، و المراد بهم كما تفسّره الروايات البله المولّى عليهم من الرجال و لا شهوة لهم.

و قوله:( أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى‏ عَوْراتِ النِّساءِ ) أي جماعة الأطفال - و اللّام للاستغراق - الّذين لم يقووا و لم يظهروا - من الظهور بمعنى الغلبة - على

١٢١

اُمور يسوء التصريح بها من النساء، و هو - كما قيل - كناية عن البلوغ.

و قوله:( وَ لا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ) ذلك بتصوّت أسباب الزينة كالخلخال و العقد و القرط و السوار.

و قوله:( وَ تُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) المراد بالتوبة - على ما يعطيه السياق - الرجوع إليه تعالى بامتثال أوامره و الانتهاء عن نواهيه و بالجملة اتّباع سبيله.

قوله تعالى: ( وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى‏ مِنْكُمْ وَ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ ) الإنكاح التزويج، و الأيامى جمع أيّم بفتح الهمزة و كسر الياء المشدّدة و هو الذكر الّذي لا اُنثى معه و الاُنثى الّتي لا ذكر معها و قد يقال في المرأة أيّمة، و المراد بالصالحين الصالحون للتزويج لا الصالحون في الأعمال.

و قوله:( إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ) وعد جميل بالغنى و سعة الرزق و قد أكّده بقوله:( وَ اللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ) و الرزق يتبع صلاحية المرزوق بمشيّة من الله سبحانه، و سيوافيك إن شاء الله في تفسير قوله تعالى:( فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ) الذاريات: ٢٣ كلام في معنى سعة الرزق.

قوله تعالى: ( وَ لْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ) الاستعفاف و التعفّف قريباً المعنى، و المراد بعدم وجدان النكاح عدم القدرة على المهر و النفقة، و معنى الآية الأمر بالتعفّف لمن لا يقدر على النكاح و التحرّز عن الوقوع في الزنا حتّى يغنيه الله من فضله.

قوله تعالى: ( وَ الَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً ) إلخ المراد بالكتاب المكاتبة، و ابتغاء المكاتبة أن يسأل العبد مولاه أن يكاتبه على إيتائه المولى مالا على أن يعتقه، و في الآية أمر للموالي بإجابتهم إن علموا فيهم خيراً و هو كناية عن إحراز صلاحيتهم لذلك.

و قوله:( وَ آتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ ) إشارة إلى إيتائهم مال المكاتبة من الزكاة المفروضة فسهم من سهام الزكاة لهم، كما قال تعالى:( وَ فِي الرِّقابِ )

١٢٢

التوبة: ٦٠ أو إسقاط شي‏ء من مال المكاتبة.

و في هذه الآية و الآيات السابقة مباحث فقهيّة جمّة ينبغي أن يراجع فيها كتب الفقه.

قوله تعالى: ( وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً ) الفتيات الإماء و الولائد، و البغاء الزنا و هو مفاعلة من البغي، و التحصّن التعفّف و الازدواج و ابتغاء عرض الحياة الدنيا طلب المال، و المعنى ظاهر.

و إنّما اشترط النهي عن الإكراه بإرادة التحصّن لأنّ الإكراه لا يتحقّق في من لا يريد التحصّن، ثمّ وعدهنّ المغفرة على تقدير الإكراه بقوله:( وَ مَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) و معناه ظاهر.

قوله تعالى: ( وَ لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَ مَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ) المثل الصفة و من الممكن أن يكون قوله:( وَ لَقَدْ أَنْزَلْنا ) إلخ، حالاً من فاعل قوله:( تُوبُوا ) في الآية السابقة أو استينافاً و المعنى و اُقسم لقد أنزلنا إليكم آيات تبيّن لكم من معارف الدين ما تفلحون به، و صفة من السابقين أخيارهم و أشرارهم يتميّز بها لكم ما ينبغي أن تأخذوا به ممّا ينبغي لكم أن تجتنبوا، و موعظة للمتّقين منكم.

( بحث روائي)

في تفسير القمّيّ، بإسناده عن عبد الرحمن بن أبي عبدالله عن أبي عبداللهعليه‌السلام : في قول الله عزّوجلّ:( لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَ تُسَلِّمُوا عَلى‏ أَهْلِها ) قال: الاستيناس وقع النعل و التسليم.

أقول: و رواه الصدوق في معاني الأخبار، عن محمّد بن الحسن مرفوعاً عن عبدالرحمن عنهعليه‌السلام .

و في المجمع، عن أبي أيّوب الأنصاريّ قال: قلنا: يا رسول الله ما الاستيناس؟ قال يتكلّم الرجل بالتسبيحة و التحميدة و التكبيرة و يتنحنح على أهل البيت.

١٢٣

و عن سهل بن سعد قال: اطّلع رجل في حجرة من حجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و معه مدرى(١) يحكّ رأسه: لو أعلم أنّك تنظر لطعنت به في عينيك إنّما الاستيذان من النظر.

و روي: أنّ رجلاً قال للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أستأذن على اُمّي؟ فقال: نعم. قال‏ إنّها ليس لها خادم غيري أ فأستأذن عليها كلّما دخلت؟ قال: أ تحبّ أن تراها عريانة؟ قال الرجل: لا، قال: فاستأذن عليها.

و روي: أنّ رجلاً استأذن على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتنحنح فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لامرأة يقال لها: روضة: قومي إلى هذا فعلّميه و قولي له: قل السلام عليكم أ أدخل؟ فسمعها الرجل فقالها فقال: ادخل.

أقول: و روي في الدرّ المنثور، عن جمع من أصحاب الجوامع الرواية الاُولى عن أبي أيّوب، و الثانية عن سهل بن سعد و الرابعة عن عمرو بن سعد الثقفيّ.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن مردويه عن عبادة بن الصامت: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل عن الاستيذان في البيوت فقال: من دخلت عينه قبل أن يستأذن و يسلّم فقد عصى الله و لا إذن له.

و في تفسير القمّيّ: في قوله تعالى:( فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ ) قال: معناه و إن لم تجدوا فيها أحداً يأذن لكم فلا تدخلوها حتّى يؤذن لكم.

و فيه،: في قوله تعالى:( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ ) قال الصادقعليه‌السلام : هي الحمّامات و الخانات و الأرحية تدخلها بغير إذن.

و في الكافي، بإسناده عن أبي عمرو الزبيريّ عن أبي عبداللهعليه‌السلام : في حديث يذكر فيه ما فرض الله على الجوارح. قال: و فرض على البصر أن لا ينظر إلى ما

____________________

(١) المشط.

١٢٤

حرّم الله عليه، و أن يعرض عمّا نهى الله عنه ممّا لا يحلّ له و هو عمله و هو من الإيمان.

فقال تبارك و تعالى:( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ) فنهاهم أن ينظروا إلى عوراتهم و أن ينظر المرء إلى فرج أخيه و يحفظ فرجه أن ينظر إليه، و قال:( وَ قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ) من أن تنظر إحداهنّ إلى فرج اُختها و تحفظ فرجها من أن ينظر إليه.

و قال: كلّ شي‏ء في القرآن من حفظ الفرج فهو من الزنا إلّا هذه الآية فهو من النظر.

أقول: و روى القمّيّ في تفسيره، ذيل الحديث عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبي بصير عنهعليه‌السلام ، و روي مثله عن أبي العالية و ابن زيد.

و في الكافي، بإسناده عن سعد الإسكاف عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: استقبل شابّ من الأنصار امرأة بالمدينة و كان النساء يتقنّعن خلف آذانهنّ فنظر إليها و هي مقبلة فلمّا جازت نظر إليها و دخل في زقاق قد سمّاه ببني فلان، و جعل ينظر خلفها، و اعترض وجهه عظم في الحائط أو زجاجة فشّق وجهه فلمّا مضت المرأة نظر فإذا الدماء تسيل على ثوبه و صدره فقال: و الله لآتينّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و لاُخبرنّه.

قال: فأتاه فلمّا رآه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له: ما هذا؟ فأخبره فهبط جبرئيل بهذه الآية( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى‏ لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ ) .

أقول: و رواه في الدرّ المنثور، عن ابن مردويه عن عليّ بن أبي طالب مثله‏، و ظاهر الحديث أنّ المراد بالأمر بالغضّ في الآية النهي عن مطلق النظر إلى الأجنبيّة، كما أنّ ظاهر بعض الروايات السابقة أنّه نهي عن النظر إلى فرج الغير خاصّة.

و فيه، بإسناده عن مروك بن عبيد عن بعض أصحابنا عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: قلت له: ما يحلّ أن يرى من المرأة إذا لم يكن محرماً؟ قال: الوجه و الكفّان

١٢٥

و القدمان.

أقول: و رواه في الخصال، عن بعض أصحابنا عنهعليه‌السلام و لفظه: الوجه و الكفّين و القدمين.

و في قرب الإسناد، للحميريّ عن عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفرعليه‌السلام قال: سألته عن الرجل ما يصلح له أن ينظر إليه من المرأة الّتي لا تحلّ له؟ قال: الوجه و الكفّ و موضع السوار.

و في الكافي، بإسناده عن عبّاد بن صهيب قال: سمعت أباعبداللهعليه‌السلام يقول: لا بأس بالنظر إلى رؤس أهل تهامة و الأعراب و أهل السواد و العلوج لأنّهم(١) إذا نهوا لا ينتهون.

قال: و المجنونة و المغلوبة على عقلها، و لا بأس بالنظر إلى شعرها و جسدها ما لم يتعمّد ذلك.

أقول: كأنّهعليه‌السلام يريد بقوله: ما لم يتعمّد ذلك، الريبة.

و في الخصال و قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأميرالمؤمنينعليه‌السلام : يا عليّ أوّل نظرة لك و الثانية عليك لا لك‏.

أقول: و روي مثله في الدرّ المنثور، عن عدّة من أصحاب الجوامع عن بريدة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و لفظه: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ: لا تتبع النظرة النظرة فإنّ لك الاُولى و ليست لك الآخرة.

و في جوامع الجامع، عن اُمّ سلمة قالت: كنت عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و عنده ميمونة فأقبل ابن اُمّ مكتوم و ذلك بعد أن أمرنا بالحجاب فقال: احتجبا، فقلنا: يا رسول الله أ ليس أعمى لا يبصرنا؟ فقال: أ فعمياوان أنتما؟ أ لستما تبصرانه؟

أقول: و رواه في الدرّ المنثور، عن أبي داود و الترمذيّ و النسائيّ و البيهقيّ عنها.

و في الفقيه، و روى حفص بن البختريّ عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: لا ينبغي

____________________

(١) رعاية التذكير لاعتبار الأهل و القوم في مرجع الضمير، و كان الظاهر أن يقال: لأنهنّ إذا نهين لا ينتهين.

١٢٦

للمرأة أن تنكشف بين يدي اليهوديّة و النصرانيّة فإنّهنّ يصفن ذلك لأزواجهنّ.

و في المجمع: في قوله تعالى:( أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ ) و قيل: معناه العبيد و الإماء و روي ذلك عن أبي عبداللهعليه‌السلام .

و في الكافي، بإسناده عن عبدالرحمن بن أبي عبدالله قال: سألته عن( غير ) اُولي الإربة من الرجال. قال: الأحمق المولّى عليه الّذي لا يأتي النساء.

و فيه، بإسناده عن محمّد بن جعفر عن أبيه عن آبائهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من ترك التزويج مخافة العيلة فقد أساء ظنّه بالله عزّوجلّ إنّ الله يقول:( إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ) .

أقول: و في المعاني السابقة روايات كثيرة جدّاً عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام من أرادها فليراجع كتب الحديث.

و في الفقيه، روى العلاء عن محمّد بن مسلم عن أبي عبداللهعليه‌السلام : في قول الله عزّوجلّ:( فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً ) قال: الخير أن يشهد أن لا إله إلّا الله و أنّ محمّداً رسول الله، و يكون بيده عمل يكتسب به أو يكون له حرفة.

أقول: و في معناه روايات اُخر.

و في الكافي، بإسناده عن العلاء بن فضيل عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: في قوله عزّوجلّ:( فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَ آتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ ) قال: تضع عنه من نجومه الّتي لم تكن تريد أن تنقصه، و لا تزيد فوق ما في نفسك. فقلت: كم؟ فقال: وضع أبوجعفرعليه‌السلام عن مملوك ألفاً من ستّة آلاف.

أقول: و روي في مجمع البيان، و كذا في الدرّ المنثور، عن عليّعليه‌السلام ربع المال، و المستفاد من ظواهر الأخبار عدم تعيّن مقدار معيّن ذي نسبة.

و قد تقدّمت في ذيل قوله:( وَ فِي الرِّقابِ ) التوبة: ٦٠ الجزء التاسع من الكتاب رواية العيّاشيّ أنّ المكاتب يؤتى من سهم الرقاب من الزكاة.

و في تفسير القمّيّ: في قوله تعالى:( وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً ) ، قال: كانت العرب و قريش يشترون الإماء و يضعون عليهنّ الضريبة

١٢٧

الثقيلة و يقولون: اذهبن و ازنين و اكتسبن فنهاهم الله عن ذلك فقال:( وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ - إلى قوله -غَفُورٌ رَحِيمٌ ) أي لا يؤاخذهنّ الله تعالى بذلك إذا اُكرهن عليه.

و في المجمع: في قوله تعالى:( لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا ) قيل: إنّ عبدالله بن اُبيّ كانت له ستّ جوار يكرههنّ على الكسب بالزنا، فلمّا نزل تحريم الزنا أتين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فشكون إليه فنزلت الآية.

أقول: أمّا أنّه كان له من الجواري من يكرههنّ على الزنا فقد وردت فيه روايات رواها في الدرّ المنثور، كما روى هذه الرواية، و أمّا كون ذلك بعد نزول تحريم الزنا فيضعّفه أنّ الزنا لم يحرّم في المدينة بل في مكّة قبل الهجرة بل كانت حرمته من ضروريّات الإسلام منذ ظهرت الدعوة الحقّة، و قد تقدّم في تفسير سورة الأنعام أنّ حرمة الفواحش و منها الزنا من الأحكام العامّة الّتي لا تختصّ بشريعة دون شريعة.

١٢٨

( سورة النور الآيات ٣٥ - ٤٦)

اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ  مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ  الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ  الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ  نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ  يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ  وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ  وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ( ٣٥ ) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ( ٣٦ ) رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ  يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ( ٣٧ ) لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ  وَاللهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ( ٣٨ ) وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ  وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ( ٣٩ ) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ  ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا  وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ ( ٤٠ ) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ  كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ  وَاللهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ( ٤١ ) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ  وَإِلَى اللهِ

١٢٩

الْمَصِيرُ ( ٤٢ ) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ  يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ ( ٤٣ ) يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ  إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ ( ٤٤ ) وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ  فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ  يَخْلُقُ اللهُ مَا يَشَاءُ  إِنَّ اللهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( ٤٥ ) لَّقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ  وَاللهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ( ٤٦ )

( بيان)

تتضمّن الآيات مقايسة بين المؤمنين بحقيقة الإيمان و الكفّار، تميّز المؤمنين منهم بأنّ المؤمنين مهديّون بأعمالهم الصالحة إلى نور من ربّهم يفيدهم معرفة الله سبحانه و يسلك بهم إلى أحسن الجزاء و الفضل من الله تعالى يوم ينكشف عن قلوبهم و أبصارهم الغطاء، و الكفّار لا تسلك بهم أعمالهم إلّا إلى سراب لا حقيقة له، و هم في ظلمات بعضها فوق بعض و لم يجعل الله لهم نوراً فما لهم من نور.

و قد بيّن سبحانه هذه الحقيقة بأنّ له تعالى نوراً عامّاً تستنير به السماوات و الأرض فتظهر به في الوجود بعد ما لم تكن ظاهرة فيه، فمن البيّن أنّ ظهور شي‏ء بشي‏ء يستدعي كون المظهر ظاهراً بنفسه و الظاهر بذاته المظهر لغيره هو النور فهو تعالى نور يظهر السماوات و الأرض بإشراقه عليها كما أنّ الأنوار الحسّيّة تظهر الأجسام الكثيفة للحسّ بإشراقها عليها غير أنّ ظهور الأشياء بالنور الإلهيّ عين وجودها و ظهور الأجسام الكثيفة بالأنوار الحسّيّة غير أصل وجودها.

و نوراً خاصّاً يستنير به المؤمنون و يهتدون إليه بأعمالهم الصالحة و هو نور

١٣٠

المعرفة الّذي سيستنير به قلوبهم و أبصارهم يوم تتقلّب فيه القلوب و الأبصار فيهتدون به إلى سعادتهم الخالدة فيشاهدون فيه شهود عيان ما كان في غيب عنهم في الدنيا، و مثل تعالى هذا النور بمصباح في زجاجة في مشكاة يشتعل من زيت في نهاية الصفاء فتتلألأ الزجاجة كأنّها كوكب درّيّ فتزيد نوراً على نور، و المصباح موضوع في بيوت العبادة الّتي يسبح الله فيها رجال من المؤمنين لا تلهيهم عن ذكر ربّهم و عبادته تجارة و لا بيع.

فهذه صفة ما أكرم الله به المؤمنين من نور معرفته المتعقّب للسعادة الخالدة، و حرّمه على الكافرين و تركهم في ظلمات لا يبصرون، فخصّ من اشتغل بربّه و أعرض عن عرض الحياة الدنيا بنور من عنده، و الله يفعل ما يشاء له الملك و إليه المصير يحكم بما أراد ينزّل الودق و البرد من سحاب واحد، و يقلّب الليل و النهار، و يجعل من الحيوان من يمشي على بطنه و من يمشي على رجلين و من يمشي على أربع و قد خلق الكلّ من ماء.

و الآيات غير فاقدة للاتّصال بما قبلها لما أنّ بيان الأحكام و الشرائع فيما تقدّم انتهى إلى مثل قوله:( وَ لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَ مَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ) و البيان إظهار لحقائق المعارف فهو تنوير إلهيّ.

على أنّ الآيات قرآن و قد سمّى سبحانه القرآن في مواضع من كلامه نوراً كقوله:( وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً ) النساء: ١٧٤.

قوله تعالى: ( اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ) إلى آخر الآية. المشكاة على ما ذكره الراغب و غيره: كوّة غير نافذة و هي ما يتّخذ في جدار البيت من الكوّ لوضع بعض الأثاث كالمصباح و غيره عليه و هو غير الفانوس.

و الدرّيّ: من الكواكب العظيم الكثير النور، و هو معدود في السماء، و الإيقاد: الإشعال، و الزيت: الدهن المتّخذ من الزيتون.

و قوله:( اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ) النور معروف و هو الّذي يظهر به الأجسام الكثيفة لأبصارنا فالأشياء ظاهرة به و هو ظاهر مكشوف لنا بنفس ذاته فهو

١٣١

الظاهر بذاته المظهر لغيره من المحسوسات للبصر. هذا أوّل ما وضع عليه لفظ النور ثمّ عمّم لكلّ ما ينكشف به شي‏ء من المحسوسات على نحو الاستعارة أو الحقيقة الثانية فعدّ كلّ من الحواسّ نوراً أو ذا نور يظهر به محسوساته كالسمع و الشمّ و الذوق و اللمس.

ثمّ عمّم لغير المحسوس فعد العقل نوراً يظهر به المعقولات كلّ ذلك بتحليل معنى النور المبصر إلى الظاهر بذاته المظهر لغيره.

و إذ كان وجود الشي‏ء هو الّذي يظهر به نفسه لغيره من الأشياء كان مصداقاً تامّاً للنور، ثمّ لما كانت الأشياء الممكنة الوجود إنّما هي موجودة بإيجاد الله تعالى كان هو المصداق الأتمّ للنور فهناك وجود و نور يتّصف به الأشياء و هو وجودها و نورها المستعار المأخوذ منه تعالى و وجود و نور قائم بذاته يوجد و يستنير به الأشياء.

فهو سبحانه نور يظهر به السماوات و الأرض، و هذا هو المراد بقوله:( اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ) حيث اُضيف النور إلى السماوات و الأرض ثمّ حمل على اسم الجلالة، و على هذا ينبغي أن يحمل قول من قال: إنّ المعنى الله منوّر السماوات و الأرض، و عمدة الغرض منه أن ليس المراد بالنور النور المستعار القائم بها و هو الوجود الّذي يحمل عليها تعالى الله عن ذلك و تقدّس.

و من ذلك يستفاد أنّه تعالى غير مجهول لشي‏ء من الأشياء إذ ظهور كلّ شي‏ء لنفسه أو لغيره إنّما هو عن إظهاره تعالى فهو الظاهر بذاته له قبله، و إلى هذه الحقيقة يشير قوله تعالى بعد آيتين:( أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَ تَسْبِيحَهُ ) إذ لا معنى للتسبيح و العلم به و بالصلاة مع الجهل بمن يصلّون له و يسبّحونه فهو نظير قوله:( وَ إِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) إسراء: ٤٤، و سيوافيك البحث عنه إن شاء الله.

فقد تحصّل أنّ المراد بالنور في قوله:( اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ) نوره تعالى من حيث يشرق منه النور العامّ الّذي يستنير به كلّ شي‏ء و هو مساو لوجود كلّ شي‏ء و ظهوره في نفسه و لغيره و هي الرحمة العامّة.

١٣٢

و قوله:( مَثَلُ نُورِهِ ) يصف تعالى نوره، و إضافة النور إلى الضمير الراجع إليه تعالى - و ظاهره الإضافة اللّاميّة - دليل على أنّ المراد ليس هو وصف النور الّذي هو الله بل النور المستعار الّذي يفيضه، و ليس هو النور العامّ المستعار الّذي يظهر به كلّ شي‏ء و هو الوجود الّذي يستفيضه منه الأشياء و تتّصف، به و الدليل عليه قوله بعد تتميم المثل:( يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ ) إذ لو كان هو النور العامّ لم يختصّ به شي‏ء دون شي‏ء بل هو نوره الخاصّ بالمؤمنين بحقيقة الإيمان على ما يفيده الكلام.

و قد نسب تعالى في سائر كلامه إلى نفسه نوراً كما في قوله:( يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ اللهُ مُتِمُّ نُورِهِ ) الصفّ: ٨، و قوله:( أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها ) الأنعام: ١٢٢ و قوله:( يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ يَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ) الحديد: ٢٨، و قوله:( أَ فَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى‏ نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ) الزمر: ٢٢، و هذا هو النور الّذي يجعله الله لعباده المؤمنين يستضيؤن به في طريقهم إلى ربّهم و هو نور الإيمان و المعرفة.

و ليس المراد به القرآن كما قاله بعضهم فإنّ الآية تصف حال عامّة المؤمنين قبل نزول القرآن و بعده. على أنّ هذا النور وصف لهم يتّصفون به كما يشير إليه قوله:( لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَ نُورُهُمْ ) الحديد: ١٩ و قوله:( يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا ) التحريم: ٨، و القرآن ليس وصفاً لهم و إن لوحظ باعتبار ما يكشف عنه من المعارف رجع إلى ما قلناه.

و قوله:( كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ ) المشبّه به مجموع ما ذكر من قوله مشكاة فيها مصباح المصباح إلخ لا مجرّد المشكاة و إلّا فسد المعنى، و هذا كثير في تمثيلات القرآن.

و قوله:( الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ) تشبيه الزجاجة بالكوكب الدرّيّ من جهة ازدياد لمعان نور المصباح و شروقه بتركيب الزجاجة على المصباح فتزيد الشعلة بذلك سكوناً من غير اضطراب بتموّج الأهوية و ضرب الرياح فهي كالكوكب

١٣٣

الدرّيّ في تلألؤ نورها و ثبات شروقها.

و قوله:( يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِي‏ءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ ) خبر بعد خبر للمصباح أي المصباح يشتعل آخذاً اشتعاله من شجرة مباركة زيتونة أي إنّه يشتعل من دهن زيت مأخوذ منها، و المراد بكون الشجرة لا شرقيّة و لا غربيّة أنّها ليست نابتة في الجانب الشرقيّ و لا في الجانب الغربيّ حتّى تقع الشمس عليها في أحد طرفي النهار و يفي‏ء الظلّ عليها في الطرف الآخر فلا تنضج ثمرتها فلا يصفو الدهن المأخوذ منها فلا تجود الإضاءة بل هي ضاحية تأخذ من الشمس حظّها طول النهار فيجود دهنها لكمال نضج ثمرتها.

و الدليل على هذا المعنى قوله:( يَكادُ زَيْتُها يُضِي‏ءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ ) فإنّ ظاهر السياق أنّ المراد به صفاء الدهن و كمال استعداده للاشتعال و أنّ ذلك متفرّع على الوصفين: لا شرقيّة و لا غربيّة.

و أمّا قول بعضهم: إنّ المراد بقوله:( لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ ) أنّها ليست من شجر الدنيا حتّى تنبت إمّا في شرق أو في غرب، و كذا قول آخرين: إنّ المراد أنّها ليست من شجر شرق المعمورة و لا من شجر غربها بل من شجر الشام الواقع بين الشرق و الغرب و زيته أفضل الزيت فغير مفهوم من السياق.

و قوله:( نُورٌ عَلى‏ نُورٍ ) خبر لمبتدإ محذوف و هو ضمير راجع إلى نور الزجاجة المفهوم من السياق، و المعنى نور الزجاجة المذكور نور عظيم على نور كذلك أي في كمال التلمّع.

و المراد من كون النور على النور قيل: هو تضاعف النور لا تعدّده فليس المراد به أنّه نور معيّن أو غير معيّن فوق نور آخر مثله، و لا أنّه مجموع نورين اثنين فقط بل أنّه نور متضاعف من غير تحديد لتضاعفه و هذا التعبير شائع في الكلام.

و هذا معنى لا يخلو من جودة و إن كان إرادة التعدّد أيضاً لا تخلو من لطف و دقّة فإنّ للنور الشارق من المصباح نسبة إليه بالأصالة و الحقيقة و نسبة إلى الزجاجة الّتي عليه بالاستعارة و المجاز، و يتغاير النور بتغاير النسبتين و يتعدّد بتعدّدهما

١٣٤

و إن لم يكن بحسب الحقيقة إلّا للمصباح و الزجاجة صفر الكفّ منه فللزجاجة بالنظر إلى تعدّد النسب نور غير نور المصباح و هو قائم به و مستمدّ منه.

و هذا الاعتبار جار بعينه في الممثّل له فإنّ نور الإيمان و المعرفة نور مستعار مشرق على قلوب المؤمنين مقتبس من نوره تعالى قائم به مستمدّ منه.

فقد تحصّل أنّ الممثّل له هو نور الله المشرق على قلوب المؤمنين و المثل هو المشبّه به النور المشرق من زجاجة على مصباح موقد من زيت جيّد صاف و هو موضوع في مشكاة فإنّ نور المصباح المشرق من الزجاجة و المشكاة تجمعه و تعكسه على المستنيرين به يشرق عليهم في نهاية القوّة و الجودة.

فأخذ المشكاة للدلالة على اجتماع النور في بطن المشكاة و انعكاسه إلى جوّ البيت، و اعتبار كون الدهن من شجرة زيتونة لا شرقيّة و لا غربيّة للدلالة على صفاء الدهن و جودته المؤثّر في صفاء النور المشرق عن اشتعاله و جودة الضياء على ما يدلّ عليه كون زيته يكاد يضي‏ء و لو لم تمسسه نار، و اعتبار كون النور على النور للدلالة على تضاعف النور أو كون الزجاجة مستمدّة من نور المصباح في إنارتها.

و قوله:( يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ ) استئناف يعلّل به اختصاص المؤمنين بنور الإيمان و المعرفة و حرمان غيرهم، فمن المعلوم من السياق أنّ المراد بقوله:( مَنْ يَشاءُ ) القوم الّذين ذكرهم بقوله بعد:( رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ ) إلخ، فالمراد بمن يشاء المؤمنون بوصف كمال إيمانهم.

و المعنى: أنّ الله إنّما هدى المتلبّسين بكمال الإيمان إلى نوره دون المتلبّسين بالكفر - الّذين سيذكرهم بعد - لمجرّد مشيّته، و ليس المعنى أنّ الله يهدي بعض الأفراد إلى نوره دون بعض بمشيّته ذلك حتّى يحتاج في تتميمه إلى القول بأنّه إنّما يشاء الهداية إذا استعدّ المحلّ إلى الهداية بحسن السريرة، و السيرة و ذلك ممّا يختصّ به أهل الإيمان دون أهل الكفر فافهمه.

و الدليل على ذلك ما سيأتي من قوله:( وَ لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ) إلى آخر الآيات بالبيان الآتي إن شاء الله.

١٣٥

و قوله:( وَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَ اللهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ ) إشارة إلى أنّ المثل المضروب تحته طور من العلم، و إنّما اختير المثل لكونه أسهل الطرق لتبيين الحقائق و الدقائق و يشترك فيه العالم و العامّيّ فيأخذ منه كلّ ما قسم له، قال تعالى:( وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَ ما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ ) العنكبوت: ٤٣.

قوله تعالى: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) الإذن في الشي‏ء هو إعلام ارتفاع المانع عن فعله، و المراد بالرفع رفع القدر و المنزلة و هو التعظيم، و إذ كانت العظمة و العلوّ لله تعالى لا يشاركه في ذلك غيره إلّا أن ينتسب إليه، و بمقدار ما ينتسب إليه فالإذن منه تعالى في أن ترفع هذه البيوت إنّما هو لانتساب ما منها إليه.

و بذلك يظهر أنّ السبب لرفعها هو ما عطف عليه من ذكر اسمه فيها، و السياق يدلّ على الاستمرار أو التهيّؤ له فيعود المعنى إلى مثل قولنا:( أن يذكر فيها اسمه فيرتفع قدرها بذلك) .

و قوله:( فِي بُيُوتٍ ) متعلّق بقوله في الآية السابقة:( كَمِشْكاةٍ ) أو قوله:( يَهْدِي اللهُ ) إلخ، و المال واحد، و من المتيقّن من هذه البيوت المساجد فإنّها معدّة لذكر اسمه فيها ممحّضة لذلك، و قد قال تعالى:( وَ مَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً ) الحجّ: ٤٠.

قوله تعالى: ( يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ رِجالٌ ) إلى آخر الآية. تسبيحه تعالى تنزيهه عن كلّ ما لا يليق بساحة قدسه، و الغدوّ جمع غداة و هو الصبح و الآصال جمع أصيل و هو العصر، و الإلهاء صرف الإنسان عمّا يعنيه و يهمّه، و التجارة على ما قاله الراغب: التصرّف في رأس المال طلباً للربح. قال: و ليس في كلامهم تاء بعدها جيم غير هذا اللفظ. و البيع على ما قال: إعطاء المثمن و أخذ الثمن، و قلب الشي‏ء على ما ذكره صرف الشي‏ء من وجه إلى وجه، و التقليب مبالغة فيه و التقلب قبوله فتقلّب القلوب و الأبصار تحوّل منها من وجه من الإدراك إلى وجه آخر.

١٣٦

و قوله:( يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ ) صفة لبيوت أو استئناف لبيان قوله:( وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) ، و كون التسبيح بالغدوّ و الآصال كناية عن استمرارهم فيه لا أنّ التسبيح مقصور في الوقتين لا يسبّح له في غيرهما.

و الاكتفاء بالتسبيح من غير ذكر التحميد معه لأنّه تعالى معلوم بجميع صفاته الكماليّة لا سترة عليه إذ المفروض أنّه نور و النور هو الظاهر بذاته المظهر لغيره و إنّما يحتاج خلوص المعرفة إلى نفي النقائص عنه و تنزيهه عمّا لا يليق به فإذا تمّ التسبيح لم يبق معه غيره و تمّت المعرفة ثمّ إذا تمّت المعرفة وقع الثناء و الحمد و بالجملة التوصيف بصفات الكمال موقعه بعد حصول المعرفة كما قال تعالى:( سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ ) الصافّات: ١٦٠، فنزّهه عمّا يصفونه به إلّا ما وصفه به من أخلصهم لنفسه من عباده، و قد تقدّم في تفسير سورة الحمد كلام في معنى حمده تعالى.

و ببيان آخر حمده تعالى و هو ثناؤه بصفة الكمال مساوي لحصول نور المعرفة و تسبيحه و هو التنزيه بنفي ما لا يليق به عنه مقدّمة لحصوله، و الآية في مقام بيان خصالهم الّتي تستدعي هدايتهم إلى نوره فلا جرم اقتصر فيها بذكر ما هي المقدّمة و هو التسبيح، فافهم ذلك.

و قوله:( رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ ) التجارة إذا قوبلت بالبيع كان المفهوم منها بحسب العرف الاستمرار في الاكتساب بالبيع و الشراء و البيع هو العمل الاكتسابي الدفعيّ فالفرق بينهما هو الفرق بين الدفعة و الاستمرار فمعنى نفي البيع بعد نفي التجارة مع كونه منفيّاً بنفيها الدلالة على أنّهم لا يلهون عن ربّهم في مكاسبهم دائماً و لا في وقت من الأوقات، و بعبارة اُخرى لا تنسيهم ربّهم تجارة مستمرة و لا بيع ما من البيوع الّتي يوقعونها مدّة تجارتهم.

و قيل: الوجه في نفي البيع بعد نفي الهاء التجارة أنّ الربح في البيع ناجز بالفعل بخلاف التجارة الّتي هي الحرفة، فعدم الهاء التجارة لا يستلزم عدم الهاء البيع الرابح بالفعل، و لذلك نفى البيع ثانياً بعد نفي الهاء التجارة و لذلك كرّرت لفظة

١٣٧

( لا ) لتذكير النفي و تأكيده، و هو وجه حسن.

و قوله:( عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَ إِقامِ الصَّلاةِ وَ إِيتاءِ الزَّكاةِ ) الإقام هو الإقامة بحذف التاء تخفيفاً.

و المراد بإقامة الصلاة و إيتاء الزكاة الإتيان بجميع الأعمال الصالحة الّتي كلّف الله تعالى عباده بإتيانها في حياتهم الدنيا، و إقامة الصلاة ممثّلة لإتيان ما للعبد من وظائف العبوديّة مع الله سبحانه، و إيتاء الزكاة ممثّل لوظائفه مع الخلق و ذلك لكون كلّ منها ركناً في بابه.

و المقابلة بين ذكر الله و بين إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و هما - و خاصّة الصلاة - من ذكر الله يعطي أن يكون المراد بذكر الله الذكر القلبيّ الّذي يقابل النسيان و الغفلة و هو ذكر علميّ كما أنّ أمثال الصلاة و الزكاة ذكر عمليّ.

فالمقابلة المذكورة تعطي أنّ المراد بقوله:( عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَ إِقامِ الصَّلاةِ وَ إِيتاءِ الزَّكاةِ ) أنّهم لا يشتغلون بشي‏ء عن ذكرهم المستمرّ بقلوبهم لربّهم و ذكرهم الموقّت بأعمالهم من الصلاة و الزكاة، و عند ذلك يظهر حسن التقابل بين التجارة و البيع و بين ذكر الله و إقام الصلاة إلخ، لرجوع المعنى إلى أنّهم لا يلهيهم مله مستمرّ و لا موقّت عن الذكر المستمرّ و الموقّت، فافهم ذلك.

و قوله:( يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَ الْأَبْصارُ ) هذا هو يوم القيامة، و المراد بالقلوب و الأبصار ما يعمّ قلوب المؤمنين و الكافرين و أبصارهم لكون القلوب و الأبصار جمعاً محلّى باللّام و هو يفيد العموم.

و أمّا تقلّب القلوب و الأبصار فالآيات الواصفة لشأن يوم القيامة تدلّ على أنّه بظهور حقيقة الأمر و انكشاف الغطاء كما قال تعالى:( فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) ق: ٢٢، و قال:( وَ بَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ) الزمر: ٤٧، إلى غير ذلك من الآيات.

فتنصرف القلوب و الأبصار يومئذ عن المشاهدة و الرؤية الدنيويّة الشاغلة عن الله الساترة للحقّ و الحقيقة إلى سنخ آخر من المشاهدة و الرؤية و هو الرؤية بنور

١٣٨

الإيمان و المعرفة فيتبصّر المؤمن بنور ربّه و هو نور الإيمان و المعرفة فينظر إلى كرامة الله، و يعمى الكافر و لا يجد إلّا ما يسوؤه قال تعالى:( وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها ،) الزمر: ٦٩ و قال:( يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ يَسْعى‏ نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ ) الحديد: ١٢، و قال:( وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى‏ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى) الإسراء: ٧٢، و قال:( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى‏ رَبِّها ناظِرَةٌ ) القيامة: ٢٣ و قال:( كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ) المطفّفين: ١٥.

و قد تبيّن بما مرّ:

أوّلاً: وجه اختصاص هذه الصفة أعني تقلّب القلوب و الأبصار من بين أوصاف يوم القيامة بالذكر و ذلك أنّ الكلام مسوق لبيان ما يتوسّل به إلى هدايته تعالى إلى نوره و هو نور الإيمان و المعرفة الّذي يستضاء به يوم القيامة و يبصّر به.

و ثانياً: أنّ المراد بالقلوب و الأبصار النفوس و بصائرها.

و ثالثاً: أنّ توصيف اليوم بقوله:( تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَ الْأَبْصارُ ) لبيان سبب الخوف فهم إنّما يخافون اليوم لما فيه من تقلّب القلوب و الأبصار، و إنّما يخافون هذا التقلّب لما في أحد شقيّه من الحرمان من نور الله و النظر إلى كرامته و هو الشقاء الدائم و العذاب الخالد و في الحقيقة يخافون أنفسهم.

قوله تعالى: ( لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَ يَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ ) الظاهر أنّ لام( لِيَجْزِيَهُمُ ) للغاية، و الّذي ذكره الله في خلال الكلام هو أعمالهم الصالحة و الأجر الجميل على كلّ صالح ممّا ينصّ عليه كلامه تعالى فقوله: إنّه يجزيهم أحسن ما عملوا معناه أنّه يجزيهم بإزاء عملهم في كلّ باب جزاء أحسن عمل في ذلك الباب، و مرجع ذلك إلى أنّه تعالى يزكّي أعمالهم فلا يناقش فيها بالمؤاخذة في جهات توجب نقصها و انحطاط قدرها فيعدّ الحسن منها أحسن.

و يؤيّد هذا المعنى قوله في ذيل الآية:( وَ اللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ ) فإنّ ظاهره عدم المداقّة في حساب الحسنات بالإغماض عن جهات نقصها فيلحق

١٣٩

الحسن بالأحسن.

و قوله:( وَ يَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ) الفضل العطاء، و هذا نصّ في أنّه تعالى يعطيهم من فضله ما ليس بإزاء أعمالهم الصالحة، و أوضح منه قوله تعالى في موضع آخر:( لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَ لَدَيْنا مَزِيدٌ ) ق: ٣٥، حيث إنّ ظاهره أنّ هذا المزيد الموعود أمر وراء ما تتعلّق به مشيّتهم.

و قد دلّ كلامه سبحانه أنّ أجرهم أنّ لهم ما يشاؤن قال تعالى:( أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ ) الزمر: ٣٤، و قال:( أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَ مَصِيراً لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ ) الفرقان: ١٦، و قال:( لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ ) النحل: ٣١.

فهذا المزيد الّذي هو وراء جزاء الأعمال أمر أعلى و أعظم من أن تتعلّق به مشيّة الإنسان أو يوصل إليه سعيه، و هذا أعجب ما يعده القرآن المؤمنين و يبشّرهم به فأجد التدبّر فيه.

و قوله:( وَ اللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ ) استئناف مآله تعليل الجملتين السابقتين بالمشيّة نظير قوله فيما تقدّم:( يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ ) على ما مرّ بيانه.

و محصّله أنّهم عملوا صالحاً و كان لهم من الأجر ما يعادل عملهم كما هو ظاهر قوله:( وَ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ ) النحل: ١١١، و ما في معناه من الآيات لكنّه تعالى يجزيهم لكلّ عمل من أعمالهم جزاء أحسن عمل يؤتى به في بابه من غير أن يداقّ في الحساب فهذه موهبة ثمّ يرزقهم أمراً هو أعلى و أرفع من أن تتعلّق به مشيّتهم و هذه أيضاً موهبة و رزق بغير حساب، و الرزق من الله موهبة محضة من غير أن يملك المرزوقون منه شيئاً أو يستحقّوه عليه تعالى فله تعالى أن يخصّ منه ما يشاء لمن يشاء.

غير أنّه تعالى وعدهم الرزق و أقسم على إنجازه في قوله:( فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ ) الذاريات: ٢٣، فملّكهم الاستحقاق لأصله و هو الّذي يجزيهم به على قدر أعمالهم و أمّا الزائد عليه فلم يملّكهم ذلك فله أن يختصّ به من يشاء فلا يعلّل ذلك إلّا بمشيّة و للكلام تتمّة ستوافيك إن شاء الله في بحث مستقلّ.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453