الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٥

الميزان في تفسير القرآن17%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 453

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 453 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 124174 / تحميل: 6115
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٥

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

الوجود ليس علّة تامّة في الرؤية

قال المصنّف ـ عطّر الله ضريحه ـ(١) :

المبحث الخامس

في أنّ الوجود ليس علّة تامّة في الرؤية

خالفت الأشاعرة كافّة العقلاء ها هنا ، وحكموا بنقيض المعلوم بالضرورة ، فقالوا : إنّ الوجود علّة [ في ] كون الشيء مرئيا ، فجوّزوا رؤية كلّ شيء موجود ، سواء كان في حيّز أم لا ، وسواء كان مقابلا أم لا!

فجوّزوا إدراك الكيفيات النفسانية ـ كالعلم ، [ وإلإرادة ، ] والقدرة ، والشهوة ، واللذّة ـ ، وغير النفسانية ممّا لا يناله البصر ـ كالروائح ، والطعوم ، والأصوات ، والحرارة ، والبرودة ، وغيرها من الكيفيات الملموسة ـ(٢) .

ولا شكّ أنّ هذا مكابرة للضروريّات ، فإنّ كلّ عاقل يحكم بأنّ الطعم إنّما يدرك بالذوق لا بالبصر ، والروائح إنّما تدرك بالشمّ لا بالبصر(٣) ، والحرارة ـ وغيرها من الكيفيات الملموسة ـ إنّما تدرك باللمس لا بالبصر ،

__________________

(١) نهج الحقّ : ٤٤ ـ ٤٥.

(٢) انظر : اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع : ٦١ ـ ٦٣ ، تمهيد الأوائل : ٣٠٢ ، شرح المقاصد ٤ / ١٨٨ ـ ١٨٩ ، شرح العقائد النسفية : ١٢٦ ، شرح المواقف ٨ / ١٢٣.

(٣) كان في الأصل : « بالإبصار » ، وما أثبتناه من المصدر ليناسب وحدة السياق.

٨١

والصوت إنّما يدرك بالسمع لا بالبصر

[ ولهذا فإنّ فاقد البصر يدرك هذه الأعراض ؛ ولو كانت مدركة بالبصر لاختلّ الإدراك باختلاله ].

وبالجملة : فالعلم بهذا الحكم لا يقبل التشكيك ، وإنّ من شكّ فيه فهو سوفسطائي.

ومن أعجب الأشياء : تجويزهم عدم رؤية الجبل الشاهق في الهواء ، مع عدم الساتر! وثبوت رؤية هذه الأعراض التي لا تشاهد ولا تدرك بالبصر!

وهل هذا إلّا عدم تعقّل من قائله؟!(١) .

__________________

(١) اختلفت النسخ في إيراد هذه الجملة ؛ ففي المخطوط وطبعة طهران : « وهل هذا الأمر يغفل قائله؟! » وفي طبعة القاهرة وإحقاق الحقّ : « وهل هذا إلّا من تغفّل قائله؟! » ؛ ولا شكّ أنّ التصحيف قد طرأ عليها على أثر سقوط كلمة « عدم » ؛ وما أثبتناه من المصدر هو المناسب للسياق.

٨٢

وقال الفضل(١) :

إعلم أنّ الشيخ أبا الحسن الأشعري استدلّ بالوجود على إثبات جواز رؤية الله تعالى(٢) .

وتقرير الدليل ـ كما ذكر في « المواقف » وشرحه ـ : أنّا نرى الأعراض كالألوان والأضواء وغيرها ، من الحركة والسكون ، والاجتماع والافتراق ؛ وهذا ظاهر.

ونرى الجوهر أيضا ؛ لأنّا نرى الطول والعرض في الجسم ، وليس الطول والعرض عرضين قائمين بالجسم ، لما تقرّر من أنّه مركّب من الجواهر الفردة.

فالطول مثلا ، إن قام بجزء واحد ، فذلك الجزء يكون أكثر حجما من جزء آخر ، فيقبل القسمة ؛ هذا خلف.

وإن قام بأكثر من جزء واحد ، لزم قيام العرض [ الواحد ] بمحلّين ؛ وهو محال.

فرؤية الطول والعرض هي رؤية الجواهر التي تركّب منها الجسم.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ١١٨ ـ ١٢٢.

(٢) انظر : الإبانة عن أصول الديانة : ٦٦ الدليل ٨١ ، الملل والنحل ١ / ٨٧ ، نهاية الإقدام في علم الكلام : ٣٥٧ ؛ وقال به الباقلّاني أيضا في تمهيد الأوائل : ٣٠١ ، وفخر الدين الرازي في الأربعين في أصول الدين ١ / ٢٦٨ والمسائل الخمسون : ٥٦ الوجه الأوّل ، والتفتازاني في شرح العقائد النسفية : ١٢٦.

٨٣

فقد ثبت أنّ صحّة الرؤية مشتركة بين الجوهر والعرض ، وهذه الصحّة لها علّة مختصّة بحال وجودهما ؛ وذلك لتحقّقها عند الوجود ، وانتفائها عند العدم ، ولو لا تحقّق أمر يصحّح حال الوجود غير [ متحقّق ] حال العدم لكان ذلك ترجيحا بلا مرجّح.

وهذه العلّة لا بدّ أن تكون مشتركة بين الجوهر والعرض ، وإلّا لزم تعليل الأمر الواحد بالعلل المختلفة ، وهو غير جائز.

ثمّ نقول : هذه العلّة المشتركة إمّا الوجود أو الحدوث ، إذ لا مشترك بين الجوهر والعرض سواهما ، لكنّ الحدوث عدمي لا يصلح للعلّة ، فإذا العلّة المشتركة : الوجود ، فإنّه مشترك بينها وبين الواجب ، فعلّة صحّة الرؤية متحقّقة في حقّ الله تعالى ، فتتحقّق صحّة الرؤية ؛ وهو المطلوب.

ثمّ إنّ هذا الدليل يوجب أن تصحّ رؤية كلّ موجود : كالأصوات ، والروائح ، والملموسات ، والطعوم ـ كما ذكره هذا الرجل ـ ، والشيخ الأشعري يلتزم هذا ويقول : لا يلزم من صحّة الرؤية لشيء تحقّق الرؤية له.

وإنّا لا نرى هذه الأشياء التي ذكرناها بجري العادة من الله تعالى بذلك ـ أي بعدم رؤيتها ـ فإنّ الله تعالى جرت عادته بعدم خلق رؤيتها فينا ، ولا يمتنع أن يخلق الله فينا رؤيتها كما خلق رؤية غيرها.

والخصوم يشدّدون عليه الإنكار ويقولون : هذه مكابرة محضة ، وخروج عن حيّز العقل بالكلّيّة.

ونحن نقول : ليس هذا الإنكار إلّا استبعادا ناشئا عمّا هو معتاد في الرؤية ؛ والحقائق ، والأحكام الثابتة المطابقة للواقع ، لا تؤخذ من العادات ،

٨٤

بل ممّا تحكم به العقول الخالصة من الأهواء وشوائب التقليدات(١) .

ثمّ من الواجب في هذا المقام أن تذكر حقيقة الرؤية حتّى يبعد الاستبعاد عن الطبائع السليمة ، فنقول :

إذا نظرنا إلى الشمس فرأيناها ، ثمّ غمضنا العين ، فعند التغميض نعلم الشمس علما جليّا.

وهذه الحالة مغايرة للحالة الأولى التي هي الرؤية بالضرورة ، وهذه الحالة المغايرة الزائدة ليست هي تأثّر الحاسّة فقط ـ كما حقّق في محلّه ـ ، بل هي حالة أخرى يخلقها الله تعالى في العبد ، شبيهة بالبصيرة في إدراك المعقولات.

وكما إنّ البصيرة في الإنسان تدرك الأشياء ، ومحلّها القلب ؛ كذلك البصر يدرك الأشياء ، ومحلّها الحدقة في الإنسان.

ويجوز عقلا أن تكون تلك الحالة تدرك الأشياء من غير شرط ومحلّ ، وإن كان يستحيل أن ( يدرك الإنسان بلا مقابلة )(٢) وباقي الشروط عادة.

فالتجويز عقلي ، والاستحالة عاديّة ؛ كما ذكرنا مرارا.

فأين الاستبعاد إذا تأمّله المنصف؟!

ومآل هذا يرجع إلى كلام واحد قدّمناه.

* * *

__________________

(١) المواقف : ٣٠٢ ـ ٣٠٣ ، شرح المواقف ٨ / ١٢٢ ـ ١٢٤ ملخّصا.

(٢) في المصدر : تدرك الأشياء إلّا بالمقابلة.

٨٥

وأقول :

لا يخفى أنّ دليل الأشعري قد تكرّر ذكره في كتبهم ، واستفرغ القوم وسعهم في تصحيحه ، فلم ينفعهم ، حتّى أقرّ محقّقوهم بعدم تمامه.

فهذا شارح « المواقف » بعد ترويجه بما أمكن ، والإيراد عليه ببعض الأمور ، قال : « وفي هذا الترويج تكلّفات أخر يطلعك عليها أدنى تأمّل ، فإذا الأولى ما قد قيل من أنّ التعويل في هذه المسألة على الدليل العقلي متعذّر »(١) .

وقال التفتازاني في « شرح المقاصد »(٢) بعد ما أطال الكلام في إصلاحه : « والإنصاف أنّ ضعف هذا الدليل جليّ »(٣) .

وأقرّ القوشجي في « شرح التجريد » بورود بعض الأمور عليه ممّا

__________________

(١) شرح المواقف ٨ / ١٢٩.

(٢) كان في الأصل : « شرح المطالع » وهو سهو ، بل هو « شرح المقاصد » ، فلم يعهد للتفتازاني كتاب بذاك الاسم ؛ انظر : هديّة العارفين ٦ / ٤٢٩ ـ ٤٣٠ ، معجم المؤلّفين ٣ / ٨٤٩ رقم ١٦٨٥٦.

و« مطالع الأنوار » في المنطق ، للقاضي سراج الدين محمود بن أبي بكر الأرموي ـ المتوفّى سنة ٦٨٢ ه‍ ـ ، ولكتابه شرح اسمه « لوامع الأسرار » لقطب الدين محمّد ابن محمّد الرازي ـ المتوفّى سنة ٧٦٦ ه‍ ـ أحد تلامذة العلّامة الحلّي ، وعلى شرحه هذا حواش عديدة ، منها : حاشية لسيف الدين أحمد بن محمّد ـ حفيد سعد الدين التفتازاني ، المتوفّى سنة ٨٤٢ ه‍ ـ ؛ ومن هنا حصل اللبس في نسبة الكتاب ؛ فلاحظ!

انظر : كشف الظنون ٢ / ١٧١٥ ـ ١٧١٧ ، أمل الآمل ٢ / ٣٠٠ ـ ٣٠١ رقم ٩٠٨ ، رياض العلماء ٥ / ١٧٠ ، لؤلؤة البحرين : ١٩٤ ـ ١٩٨ رقم ٧٤.

(٣) شرح المقاصد ٤ / ١٩١.

٨٦

لا يمكن دفعها(١) .

وكذلك الرازي في كتاب « الأربعين » على ما نقله عنه السيّد السعيد ;(٢) .

فحينئذ يكون ذكر الفضل له ـ بدون إشارة إلى ذلك ـ تلبيسا موهما لاعتباره عند أصحابه ، بل يكون نقصا فيهم ، إذ يعتمدون على ما لا يصلح أن يسطر ، فضلا أن يعتبر!

ولنشر إلى بعض ما يرد عليه ، فنقول : يرد عليه :

أوّلا : إنّ دعوى رؤية الجواهر الفردة ، التي هي الأجزاء التي لا تتجزّأ ، مبنيّة على ثبوتها وعلى تركّب الجسم منها ، لا من الهيولى والصورة ، وهو باطل ؛ لأنّ الجزء الواقع في وسط التركيب إمّا أن يحجب الأطراف عن التماس أو لا.

فعلى الأوّل : لا بدّ أن يلاقي كلّا منها بعضه ، فتلزم التجزئة.

وعلى الثاني : يلزم التداخل ، وهو محال ؛ وعدم زيادة الحجم ، وهو خلاف المطلوب.

وبعبارة أخرى : إنّ الوسط إمّا أن يلاقي الأطراف بكلّه

أو ببعضه

أو لا يلاقي شيئا منها

أو يلاقي بعضا دون بعض.

__________________

(١) انظر : شرح التجريد : ٤٣٣ و ٤٣٧ ـ ٤٣٨.

(٢) كتاب الأربعين ١ / ٢٦٨ ـ ٢٧٧ ، وانظر : إحقاق الحقّ ١ / ١٢٢.

٨٧

فالأوّل يقتضي التداخل وعدم زيادة الحجم.

والثاني يقتضي التجزئة.

والأخيران ينافيان التأليف من الوسط والأطراف.

وإن شئت قلت : لو وضع جزء على جزء ، فإن لاقاه بكلّه لزم التداخل وعدم زيادة الحجم ، وإن لاقاه ببعضه لزمت التجزئة.

وقد ذكر شيخنا المدقّق نصير الدين ١ وغيره من العلماء وجوها كثيرة لإبطال الجوهر الفرد ، فلتراجع(١) .

ويرد عليه ثانيا : إنّه لو سلّم ثبوت الجواهر الفردة والتركيب منها ، فإثبات رؤيتها ـ كما صرّح به الدليل ـ موقوف على بطلان كون الطول والعرض عرضين قائمين بأكثر من جزء واحد ؛ لاستلزامه قيام العرض الواحد بمحلّين.

وأنت تعلم أنّه إن أريد لزوم قيام العرض بتمامه ، في كلّ واحد من المحلّين ، فهو ممنوع.

وإن أريد لزوم قيامه بمجموع المحلّين ، فمسلّم ولا بأس به.

وثالثا : إنّه لو سلّم رؤية الجواهر كالأعراض ، فتخصيص العلّة بحال الوجود محلّ نظر ، بناء على مذهبهم من إحالة كلّ شيء إلى إرادة الفاعل المختار ، فتصحّ رؤية المعدوم كالموجود!

ودعوى ضرورة امتناع رؤية المعدوم عقلا ، فلا تصلح لأن تتعلّق بها

__________________

(١) انظر : تجريد الاعتقاد : ١٤٥ ، أوائل المقالات : ٩٦ ـ ٩٧ رقم ٨٧ ، النكت الاعتقادية : ٢٨ ، الذخيرة في علم الكلام : ١٤٦ وما بعدها ، المنقذ من التقليد ١ / ٣٤ و ٤٣ ـ ٤٨ ، كشف المراد : ١٤٥ ـ ١٤٦ المسألة ٦.

٨٨

إرادة الله تعالى وقدرته ، صحيحة ؛ لكن عندنا دونهم.

إذ ليس امتناع رؤية المعدوم بأظهر من امتناع رؤية العلم ، والإرادة ، والروائح ، والطعوم ، ونحوها من الكيفيات الموجودة ، وقد أنكروا امتناع رؤيتها.

ورابعا : إنّه لو سلّم أنّ العلّة هي الوجود ، فلا نسلّم أنّه بإطلاقه هو العلّة ، بل يمكن أن تكون العلّة هي الوجود المقيّد بالحدوث الذاتي ، أو الزماني ، أو بالإمكان ، أو بما يثبت معه شروط الرؤية ، وإن قلنا : إنّ بعض هذه الأمور عدميّ ؛ لأنّها قيود ، والقيد خارج.

ويمكن ـ أيضا ـ أن تكون علّة رؤية العرض هي وجوده الخاصّ به لا المطلق ، وكذا بالنسبة إلى رؤية الجوهر.

فلا يلزم صحّة رؤية الباري سبحانه.

ودعوى أنّا قد نرى البعيد وندرك له هويّة من غير أن ندرك أنّه جوهر أو عرض ، فيلزم أن يكون المرئي هو المشترك بينهما لا نفسهما ، وأن تكون العلّة مشتركة أيضا بينهما ، باطلة ؛ لمنع ما ذكره من لزوم كون المرئي هو المشترك.

وذلك لاحتمال تعلّق الرؤية بنفس المرئي بخصوصه ، إلّا أنّ إدراكه في البعد إجماليّ.

ولو سلّم تعلّقها بالمشترك ، فهو لا يستلزم أن تكون العلّة المشتركة هي الوجود المطلق ، بل يحتمل أن تكون هي المقيّد بالإمكان والحدوث أو نحوهما ، كما عرفت.

ولو أعرضنا عن هذا كلّه وعن سائر ما يورد على هذا الدليل ،

٨٩

فلا ريب ببطلانه ، لمخالفته للضرورة القاضية بامتناع رؤية بعض الموجودات ، كالكيفيات النفسانية والروائح والطعوم ، فليس هو إلّا تشكيكا في البديهيّ!

وأمّا ما ذكره من حقيقة الرؤية ، ففيه :

إنّ تلك الحالة الحاصلة عند التغميض إنّما هي صورة المرئي ، ومحلّها الحسّ المشترك أو الخيال ، لا الباصرة ، وهي موقوفة على سبق الرؤية.

فحينئذ إن كانت رؤية الله سبحانه ممتنعة ، فقد امتنعت هذه الحالة ، وإلّا فلا حاجة إلى تكلّف إثبات هذه الحالة وجعلها هي محلّ النزاع.

ولو سلّم أنّها غير موقوفة عليها ، بناء على إنّه أراد ما يشبه تلك الحالة الحاصلة عند التغميض لا نفسها ، فنحن لا نحكم عليها بالامتناع عادة بدون الشرائط كما حكم هو عليها ؛ لأنّها ـ كما زعم ـ شبيهة بالبصيرة في إدراك المعقولات ، فكيف تمتنع بدون الشرائط؟!

مع إنّها ليست محلّ النزاع ألبتّة ، بل محلّه الرؤية المعروفة ، كما يرشد إليه دليل الأشعري السابق ، فإنّ من تأمّله عرف أنّه أراد الرؤية المعروفة.

ولذا احتاج إلى جعل العلّة للرؤية هي الوجود ، ليتسنّى له دعوى إمكان رؤية الله تعالى ، وإلّا فلو أراد رؤية أخرى غيرها ، لم يكن لإثبات كون الوجود علّة للرؤية المعروفة دخل في تجويز رؤية أخرى عليه سبحانه.

٩٠

لكنّ القوم لمّا رأوا بطلان دليل الأشعري بالبداهة ، وفساد مذهبه بالضرورة ، التجأوا ـ في خصوص المقام ـ إلى ذكر معنى للرؤية لا يعرفون حقيقته! وإلى جعله محلّا للنزاع من دون أن يخطر ـ في الصدر الأوّل ـ ببال المتنازعين ، فشوّشوا كلماتهم ، وشوّهوا وجه الحقيقة!

* * *

٩١
٩٢

هل يحصل الإدراك لمعنى في المدرك؟

قال المصنّف ـ طيّب الله مثواه ـ(١) :

المبحث السادس

في أنّ الإدراك ليس لمعنى

والأشاعرة خالفت العقلاء في ذلك ، وذهبوا مذهبا غريبا عجيبا ، لزمهم بواسطته إنكار الضروريّات.

فإنّ العقلاء بأسرهم قالوا : إنّ صفة الإدراك تصدر عن كون الواحد منّا حيّا لا آفة فيه.

والأشاعرة قالوا : إنّ الإدراك إنّما يحصل لمعنى حصل في المدرك ، فإن حصل ذلك المعنى في المدرك ، حصل الإدراك وإن فقدت جميع الشرائط ؛ وإن لم يحصل ، لم يحصل الإدراك وإن وجدت جميع الشرائط!(٢) .

وجاز عندهم بسبب ذلك إدراك المعدومات ؛ لأنّ من شأن الإدراك أن يتعلّق بالمدرك(٣) على ما هو عليه في نفسه ، وذلك يحصل في حال

__________________

(١) نهج الحقّ : ٤٥ ـ ٤٦.

(٢) انظر مؤدّاه في : تمهيد الأوائل : ٣٠٢ ، الإرشاد ـ للجويني ـ : ١٥٧ ـ ١٥٨ ، شرح المقاصد ٤ / ١٩٧.

(٣) في المصدر : بالمرئي.

٩٣

عدمه كما يحصل حال وجوده ، فإنّ الواحد منّا يدرك جميع الموجودات بإدراك يجري مجرى العلم في عموم التعلّق.

وحينئذ يلزم تعلّق الإدراك بالمعدوم ، وبأنّ الشيء سيوجد ، وبأنّ الشيء قد كان موجودا ، وأن يدرك ذلك بجميع الحواسّ ، من الذوق والشمّ واللمس والسمع ؛ لأنّه لا فرق بين رؤية الطعوم والروائح ، وبين رؤية المعدوم!

وكما إنّ العلم باستحالة رؤية المعدوم ضروريّ ، كذا العلم باستحالة رؤية الطعوم والروائح.

وأيضا : يلزم أن يكون الواحد منّا رائيا مع الساتر العظيم البقّة ، ولا يرى الفيل العظيم ولا الجبل الشاهق مع عدم الساتر ، على تقدير أن يكون المعنى قد وجد في الأوّل وانتفى في الثاني! وكان يصحّ منّا أن نرى ذلك المعنى ؛ لأنّه موجود!

وعندهم أنّ كلّ موجود يصحّ رؤيته ، ويتسلسل ؛ لأنّ رؤية المعنى(١) إنّما تكون بمعنى آخر.

وأيّ عاقل يرضى لنفسه تقليد من يذهب إلى جواز رؤية الطعم والرائحة والبرودة والحرارة والصوت بالعين ، وجواز لمس العلم والقدرة والطعم والرائحة والصوت باليد ، وذوقها باللسان ، وشمّها بالأنف ، وسماعها بالأذن؟!

وهل هذا إلّا مجرّد سفسطة وإنكار المحسوسات؟! ولم يبالغ السوفسطائية في مقالاتهم هذه المبالغة!

__________________

(١) في المصدر : الشيء.

٩٤

وقال الفضل(١) :

الظاهر أنّه استعمل الإدراك وأراد به الرؤية ، وحاصل كلامه أنّ الأشاعرة يقولون : إنّ الرؤية معنى يحصل في المدرك ، ولا يتوقّف حصوله على شرط من الشرائط.

وهذا ما قدّمنا ذكره غير مرّة ، وبيّنّا ما هو مرادهم من هذا الكلام.

ثم إنّ قوله : « وجاز عندهم بسبب ذلك إدراك المعدومات ؛ لأنّ من شأن الإدراك أن يتعلّق بالمدرك(٢) على ما هو عليه في نفسه ، وذلك يحصل في حال عدمه كما يحصل حال وجوده » استدلال باطل على معنى(٣) مخترع له.

فإنّ كون الرؤية معنى يحصل في الرائي لا يوجب جواز تعلّقها بالمعدوم ، بل المدّعى أنّه يتعلّق بكلّ موجود كما ذكر هو في الفصل السابق.

وأمّا تعلّقه بالمعدوم فليس بمذهب الأشاعرة ، ولا يلزم من أقوالهم في الرؤية.

ثمّ ما ذكره من أنّ العلم باستحالة رؤية الطعوم والروائح ضروريّ ، مثل العلم باستحالة رؤية المعدوم

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ١٢٤ ـ ١٢٥.

(٢) في المصدر : بالمرئي.

(٣) في المصدر : مدّعى.

٩٥

فقد ذكرنا أنّه إن أراد ـ بهذه ـ الاستحالة العقليّة ، فممنوع ؛ وإن أراد العاديّة ، فمسلّم والاستبعاد لا يقدح في الحقائق الثابتة بالبرهان.

ثمّ ما ذكر من أنّه على تقدير كون المعنى موجودا ، كان يصحّ منّا أن نرى ذلك المعنى ، لأنّه موجود ، وكلّ موجود يصحّ رؤيته ويتسلسل ؛ لأنّ رؤية المعنى إنّما تكون لمعنى آخر.

فالجواب : إنّ العقل يجوّز رؤية كلّ موجود وإن استحال عادة ، فالرؤية إذا كانت موجودة [ به ] يصحّ أن ترى نفسها ، لا برؤية أخرى ، فانقطع التسلسل ، كما ذكر في الوجود على تقدير كونه موجودا ، فلا استحالة فيه ، ولا مصادمة للضرورة.

ثمّ ما ذكره من باقي التشنيعات والاستبعادات قد مرّ جوابه غير مرّة ، ونزيد جوابه في هذه المرّة بهذين البيتين(١) :

وذي سفه يواجهني بجهل

وأكره أن أكون له مجيبا

يزيد سفاهة وأزيد حلما

كعود زاده الإحراق طيبا

* * *

__________________

(١) ينسب البيتان إلى أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب ٧ ، كما نسبا إلى الشافعي باختلاف يسير في صدر البيت الأوّل ؛ انظر : ديوان الإمام عليّ ٧ : ٢٨ ، ديوان الشافعي : ١٤٤.

٩٦

وأقول :

لا ريب أنّ بحث المصنّف ; هنا عامّ لجميع الإحساسات الظاهريّة ولا يخصّ الرؤية ، كما يشهد له قوله : « وأن يدرك ذلك بجميع الحواسّ من الذوق والشمّ واللمس والسمع ».

وقوله : « وجواز لمس العلم والقدرة » وهو أيضا لم يستعمل في هذا المبحث لفظ الإدراك إلّا بالمعنى المطلق.

فالمصنّف قصد بهذين القولين التنصيص على غير الرؤية ، دفعا لتوهّم اختصاص البحث بها ؛ ومع ذلك وقع الفضل بالوهم!

كما توهّم أيضا أنّه أراد أنّ الإدراك معنى يحصل في المدرك ؛ والحال أنّه أراد أنّ الإدراك يحصل لأجل معنى في المدرك.

وحاصل مقصوده أنّهم قالوا : إنّ الإدراك يحصل في الحيوان لأجل معنى فيه ، كالحياة ، ولا ريب أنّ من شأن الإدراك أن يتعلّق بالشيء على ما هو عليه في نفسه ، ولا يتقيّد الشيء ـ بالوجود ونحوه ـ إلّا لأجل تلك الشروط السابقة ، وهم لا يعتبرونها ، فيجري الإحساس بمقتضى مذهبهم مجرى العلم في عموم التعلّق.

فإذا حصل المعنى في الشخص ، لزم صحّة تعلّق الرؤية ونحوها بالمعدوم ، وبأنّ الشيء سيوجد إلى غير ذلك.

مع إنّه بمقتضى مذهبهم ـ من إحالة كلّ شيء إلى إرادة الفاعل المختار ـ يلزم أيضا جواز إدراك المعدوم بجميع الحواسّ الظاهريّة ، كما

٩٧

جاز رؤية العلم والقدرة ونحوهما.

فظهر أنّ ما نسبه المصنّف إليهم من جواز إدراك المعدومات ، لازم لهم من أقوالهم ، وأراد بالنسبة إليهم النسبة بحسب ما يلزمهم ، وإن لم يقولوا به ظاهرا.

ثمّ إنّه أراد بقوله : « لا فرق بين رؤية الطعوم والروائح ، وبين رؤية المعدوم ، وكما إنّ العلم باستحالة رؤية المعدوم ضروريّ » إلى آخره

دفع استبعاد نسبة جواز رؤية المعدوم إليهم.

وحاصله : إنّ رؤية الطعوم والروائح مستحيلة عقلا بالضرورة كرؤية المعدوم بلا فرق ، فإذا التزموا بجواز رؤية الطعوم ونحوها ، مكابرة ومخالفة لضرورة العقل والعقلاء ، لم يستبعد منهم القول بجواز رؤية المعدوم.

وبهذا تعرف أنّ ما ذكره الفضل في جوابه بقوله : « قد ذكرنا أنّه إن أراد ـ بهذه ـ الاستحالة العقلية ، فممنوع » إلى آخره لا ربط له بكلامه ، اللهمّ إلّا أن يريد الجواب بدعوى الفرق بين الاستحالتين ، بأنّ استحالة رؤية الطعوم عاديّة ، واستحالة رؤية المعدوم عقلية!

فيكون قد كابر ضرورة العقل من جهتين : من جهة : دعوى الفرق ، ومن جهة : أصل القول ، بأنّ استحالة رؤية الطعوم ونحوها عاديّة.

وأمّا ما أجاب به عن التسلسل :

فمع عدم ارتباطه بمراد المصنّف ، غير دافع للتسلسل

أمّا عدم ارتباطه به ؛ فلأنّه فهم تسلسل الرؤية بأن تتعلّق الرؤية برؤية أخرى ، إلى ما لا نهاية له ، بناء منه على إنّه أراد بالمعنى : الرؤية

٩٨

ـ كما سبق ـ وقد عرفت بطلانه ؛ وأنّ مراده بالمعنى : هو الأمر الذي لأجله يحصل الإدراك ، فيكون مراده بالتسلسل ـ بناء على هذا ـ هو تسلسل هذه المعاني ، لا الرؤية ـ كما هو واضح من كلامه ـ.

وأمّا أنّه غير دافع له ؛ فلأنّ التسلسل الواقع في الرؤية إنّما هو من حيث صحّة تعلّق رؤية برؤية ، لا من حيث وجوب التعلّق ، فلا يندفع إلّا بإنكار هذه الصحّة ، لا بإثبات صحّة رؤية الرؤية بنفسها ، التي لا تنافي التسلسل في الرؤية المختلفة.

على إنّه لا معنى لصحّة رؤية الرؤية بنفسها ، للزوم المغايرة بين الرؤية الحقيقية والمرئيّ ؛ لأنّ تعلّق أمر بآخر يستدعي الاثنينيّة بالضرورة.

وأمّا ما نسبه إلى القوم ، من أنّهم دفعوا التسلسل في الوجود ، بأنّ الوجود موجود بنفسه لا بوجود آخر ، فلا ربط له بالمقام ؛ لأنّهم أرادوا به عدم حاجة الوجود إلى وجود آخر حتّى يتسلسل ، فكيف يقاس عليه رؤية الرؤية بنفسها؟!

نعم ، يمكن الجواب عن إشكال هذا التسلسل ، بأنّ اللازم هو التسلسل في صحّة تعلّق الرؤية برؤية أخرى إلى ما لا نهاية له ، والصحّة أمر اعتباري ، والتسلسل في الاعتباريات ليس بباطل ؛ لأنّه ينقطع بانقطاع الاعتبار ، لكنّ القول بصحّة رؤية الرؤية مكابرة لضرورة العقل!

وأمّا ما استشهد به من البيتين ، فلا يليق بذي الفضل إلّا الإعراض عن معارضته!

٩٩
١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

( بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) على ما تقدّم، فتكون الآية في مقام التعليل للإضراب في ذيل الآية السابقة.

و قد ختمت الآية بقوله:( وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) و فيه قصر الفلاح فيهم لا قصرهم في الفلاح.

قوله تعالى: ( وَ مَنْ يُطِعِ اللهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَخْشَ اللهَ وَ يَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ ) ورود الآية في سياق الآيات السابقة و انضمامها إلى سابقتها يعطي أنّها في مقام التعليل - كالكبرى الكلّيّة - للآية السابقة حيث حكمت بفلاح من أجاب الدعوة إلى حكم الله و رسوله بالسمع و الطاعة بقيد الإيمان كأنّه قيل: إنّما أفلح من أجاب إلى حكم الله و رسوله و هو مؤمن لأنّه مطيع لله و لرسوله و هو مؤمن حقّاً في باطنه خشية الله و في ظاهره تقواه و من يطع الله و رسوله فيما قضي عليه و يخش الله و يتّقه فاُولئك هم الفائزون، و الفوز هو الفلاح.

و تشمل الآية الداعي إلى حكم الله و رسوله من المتنازعين كما يشمل المدعوّ منهما إذا أجاب بالسمع و الطاعة ففيها زيادةً على تعليل حكم الآية السابقة تعميم الوعد الحسن للداعي و المدعوّ جميعاً.

قوله تعالى: ( وَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ ) إلى آخر الآية الجهد الطاقة، و التقدير في قوله:( أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ‏ ) أقسموا بالله مبلغ جهدهم في أيمانهم و المراد أقسموا بأغلظ أيمانهم.

و الظاهر أنّ المراد بقوله:( لَيَخْرُجُنَ) الخروج إلى الجهاد على ما وقع في عدّة من الآيات كقوله:( وَ لَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَ لكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَ قِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا ) التوبة: ٤٧.

و قوله:( قُلْ لا تُقْسِمُوا ) نهي عن الإقسام، و قوله:( طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ ) خبر لمبتدإ محذوف هو الضمير الراجع إلى الخروج و الجملة في مقام التعليل للنهي عن الإقسام و لذا جي‏ء بالفصل، و قوله:( إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ‏ ) من تمام التعليل.

و معنى الآية: و أقسموا بالله بأغلظ أيمانهم لئن أمرتهم بالخروج إلى الجهاد

١٦١

ليخرجنّ قل لهم: لا تقسموا فالخروج إلى الجهاد طاعة معروفة من الدين - و هو واجب لا حاجة إلى إيجابه بيمين مغلّظ - و إن تكونوا تقسمون لأجل أن ترضوا الله و رسوله بذلك فالله خبير بما تعملون لا يغرّه إغلاظكم في الإيمان.

و قيل: المراد بالخروج خروجهم من ديارهم و أموالهم لو حكم الرسول بذلك، و قوله:( طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ ) مبتدأ لخبر محذوف، و التقدير: طاعة معروفة للنبيّ خير من إقسامكم، و معنى الآية: و أقسموا بالله بأغلظ الأيمان لئن أمرتهم و حكمت عليهم في منازعاتهم بالخروج من ديارهم و أموالهم ليخرجنّ منها قل لهم: لا تقسموا لأنّ طاعة حسنة منكم للنبيّ خير من إقسامكم بالله و الله خبير بما تعملون.

و فيه أنّ هذا المعنى و إن كان يؤكّد اتّصال الآية بما قبلها بخلاف المعنى السابق لكنّه لا يلائم التصريح السابق بردّهم الدعوة إلى الله و رسوله ليحكم بينهم لأنّهم إذ كانوا تولّوا و أعرضوا عن حكم الله و رسوله لم يكن يسعهم أن يقسموا للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لئن أمرهم في حكمه بالخروج من ديارهم و أموالهم ليخرجنّ و هو ظاهر، اللّهمّ إلّا أن يكون المقسمون فريقاً آخر منهم غير الرادّين للدعوة المعرضين عن الحكم، و حينئذ كان حمل( لَيَخْرُجُنَ) على هذا المعنى لا دليل يدلّ عليه.

قوله تعالى: ( قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَ عَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ ) إلى آخر الآية، أمر بطاعة الله فيما أنزل من الدين، و أمر بطاعة الرسول فيما يأتيهم به من ربّهم و يأمرهم به في أمر دينهم و دنياهم، و تصدير الكلام بقوله:( قُلْ ) إشارة إلى أنّ الطاعة جميعا لله، و قد أكّده بقوله:( وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ ) دون أن يقول: و أطيعوني لأنّ طاعة الرسول بما هو طاعة الرسول طاعة المرسل، و بذلك تتمّ الحجّة.

و لذلك عقّب الكلام:

أوّلاً بقوله:( فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَ عَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ ) أي فإن تتولّوا و تعرضوا عن طاعة الرسول لم يضرّ ذلك الرسول فإنّما عليه ما حمّل من التكليف و لا يمسّكم منه شي‏ء و عليكم ما حمّلتم من التكليف و لا يمسّه منه شي‏ء فإنّ

١٦٢

الطاعة جميعاً لله سبحانه.

و ثانياً بقوله:( وَ إِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ) أي و إن كان لكلّ منكم و منه ما حمّل لكن إن تطيعوا الرسول تهتدوا لأنّ ما يجي‏ء به إليكم و ما يأمركم به من الله و بأمره و الطاعة لله و فيه الهداية.

و ثالثاً بقوله:( وَ ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ) و هو بمنزلة التعليل لما تقدّمه أي إنّ ما حمّله الرسول من التكليف هو التبليغ فحسب فلا بأس عليه إن خالفتم ما بلّغ و إذ كان رسولاً لم يحتمل إلّا التبليغ فطاعته طاعة من أرسله و في طاعة من أرسله و هو الله سبحانه اهتداؤكم.

قوله تعالى: ( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) إلى آخر الآية.

ظاهر وقوع الآية موقعها أنّها نزلت في ذيل الآيات السابقة من السورة و هي مدنيّة و لم تنزل بمكّة قبل الهجرة على ما يؤيّد سياقها و خاصّة ذيلها.

فالآية - على هذا - وعد جميل للّذين آمنوا و عملوا الصالحات أنّ الله تعالى سيجعل لهم مجتمعاً صالحاً يخصّ بهم فيستخلفهم في الأرض و يمكّن لهم دينهم و يبدلهم من بعد خوفهم أمنا لا يخافون كيد منافق و لا صدّ كافر يعبدونه لا يشركون به شيئاً.

فقوله:( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) من فيه تبعيضيّة لا بيانيّة و الخطاب لعامّة المسلمين و فيهم المنافق و المؤمن و في المؤمنين منهم من يعمل الصالحات و من لا يعمل الصالحات و الوعد خاصّ بالّذين آمنوا منهم و عملوا الصالحات محضاً.

و قوله:( لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) إن كان المراد بالاستخلاف إعطاء الخلافة الإلهيّة كما ورد في آدم و داود و سليمانعليهم‌السلام قال تعالى:( إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) البقرة: ٣٠ و قال:( يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ ) ص: ٢٦ و قال:( وَ وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ ) النمل: ١٦ فالمراد

١٦٣

بالّذين من قبلهم خلفاء الله من أنبيائه و أوليائه و لا يخلو من بعد كما سيأتي.

و إن كان المراد به إيراث الأرض و تسليط قوم عليها بعد قوم كما قال:( إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) الأعراف: ١٢٨ و قال:( أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ ) الأنبياء: ١٠٥ فالمراد بالّذين من قبلهم المؤمنون من اُمم الأنبياء الماضين الّذين أهلك الله الكافرين و الفاسقين منهم و نجّى الخلّص من مؤمنيهم كقوم نوح و هود و صالح و شعيب كما أخبر عن جمعهم في قوله تعالى:( وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحى‏ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَ لَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَ خافَ وَعِيدِ ) إبراهيم ١٤ فهؤلاء الّذين أخلصوا لله فنجّاهم فعقدوا مجتمعاً صالحاً و عاشوا فيه حتّى طال عليهم الأمد فقست قلوبهم.

و أمّا قول من قال: إنّ المراد بالّذين استخلفوا من قبلهم بنو إسرائيل لما أهلك الله فرعون و جنوده فأورثهم أرض مصر و الشام و مكّنهم فيها كما قال تعالى فيهم:( وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ ) القصص: ٦.

ففيه أنّ المجتمع الإسرائيلي المنعقد بعد نجاتهم من فرعون و جنوده لم يصف من الكفر و النفاق و الفسق و لم يخلص للّذين آمنوا و عملوا الصالحات و لا حيناً على ما ينصّ عليه القرآن الكريم في آيات كثيرة و لا وجه لتشبيه استخلاف الّذين آمنوا و عملوا الصالحات باستخلافهم و فيهم الكافر و المنافق و الطالح و الصالح.

و لو كان المراد تشبيه أصل استخلافهم بأصل استخلاف الّذين من قبلهم - و هم بنوإسرائيل - كيفما كان لم يحتج إلى إشخاص المجتمع الإسرائيليّ للتشبيه به و في زمن نزول الآية و قبل ذلك اُمم أشدّ قوّة و أكثر جمعاً منهم كالروم و الفرس و كلدة و غيرهم و قد قال تعالى في عاد الاُولى و ثمود:( إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ ) الأعراف: ٦٩ و قال:( إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ ) الأعراف: ٧٤ و قد خاطب بذلك الكفّار من هذه الاُمّة فقال:( وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ

١٦٤

الْأَرْضِ ) الأنعام: ١٦٥ و قال:( هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ) فاطر: ٣٩.

فإن قلت: لم لا يجوز أن يكون التشبيه ببني إسرائيل ثمّ يؤدّى حقّ هذا المجتمع الصالح بما يعقّبه من قوله:( وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ) إلى آخر الوعد؟

قلت: نعم و لكن لا موجب حينئذ لاختصاص استخلاف بني إسرائيل لأن يشبّه به و أن يكون المراد بالّذين من قبلهم بني إسرائيل فقط كما تقدّم.

و قوله:( وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى‏ لَهُمْ ) تمكين الشي‏ء إقراره في مكان و هو كناية عن ثبات الشي‏ء من غير زوال و اضطراب و تزلزل بحيث يؤثّر أثره من غير مانع و لا حاجز فتمكّن الدين هو كونه معمولاً به في المجتمع من غير كفر به و استهانة بأمره و مأخوذاً باُصول معارفه من غير اختلاف و تخاصم و قد حكم الله سبحانه في مواضع من كلامه أنّ الاختلاف في الدين من بغي المختلفين كقوله:( وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ) البقرة: ٢١٣.

و المراد بدينهم الّذي ارتضى لهم دين الإسلام و أضاف الدين إليهم تشريفاً لهم و لكونه من مقتضى فطرتهم.

و قوله:( وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ) هو كقوله:( وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ ) عطف على قوله:( لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ ) و أصل المعنى و ليبدّلنّ خوفهم أمناً فنسبة التبديل إليهم إمّا على المجاز العقليّ أو على حذف مضاف يدلّ عليه قوله:( مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ ) و التقدير و ليبدّلنّ خوفهم أو كون( أَمْناً ) بمعنى آمين.

و المراد بالخوف على أيّ حال ما كان يقاسيه المؤمنون في صدر الإسلام من الكفّار و المنافقين.

و قوله:( يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ) الأوفق بالسياق أن يكون حالاً من ضمير( وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ ) أي و ليبدّلنّ خوفهم أمناً في حال يعبدونني لا يشركون بي شيئاً.

و الالتفات في الكلام من الغيبة إلى التكلّم و تأكيد( يَعْبُدُونَنِي ) بقوله:

١٦٥

( لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ) و وقوع النكرة - شيئاً - في سياق النفي الدالّ على نفي الشرك على الإطلاق كلّ ذلك يقضي بأنّ المراد عبادتهم لله عبادة خالصة لا يداخلها شرك جليّ أو خفيّ و بالجملة يبدّل الله مجتمعهم مجتمعاً آمناً لا يعبد فيه إلّا الله و لا يتّخذ فيه ربّ غيره.

و قوله:( وَ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ) ظاهر السياق كون( ذلِكَ ) إشارة إلى الموعود و الأنسب على ذلك كون( كَفَرَ ) من الكفران مقابل الشكر و المعنى و من كفر و لم يشكر الله بعد تحقّق هذا الوعد بالكفر أو النفاق أو سائر المعاصي الموبقة فاُولئك هم الفاسقون الكاملون في الفسق و هو الخروج عن زيّ العبوديّة.

و قد اشتدّ الخلاف بين المفسّرين في الآية.

فقيل إنّها واردة في أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و قد أنجز الله وعده لهم باستخلافهم في الأرض و تمكين دينهم و تبديل خوفهم أمناً بما أعزّ الإسلام بعد رحلة النبيّ في أيّام الخلفاء الراشدين و المراد باستخلافهم استخلاف الخلفاء الأربعة بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الثلاثة الُول منهم و نسبة الاستخلاف إلى جميعهم مع اختصاصه ببعضهم و هم الأربعة أو الثلاثة من قبيل نسبة أمر البعض إلى الكلّ كقولهم: قتل بنو فلان و إنّما قتل بعضهم.

و قيل: هي عامّة لاُمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و المراد باستخلافهم و تمكين دينهم و تبديل خوفهم أمناً إيراثهم الأرض كما أورثها الله الاُمم الّذين كانوا قبلهم أو استخلاف الخلفاء بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - على اختلاف التقرير - و تمكين الإسلام و انهزام أعداء الدين و قد أنجز الله وعده بما نصر الإسلام و المسلمين بعد الرحلة ففتحوا الأمصار و سخّروا الأقطار.

و على القولين الآية من ملاحم القرآن حيث أخبر بأمر قبل أوان تحقّقه و لم يكن‏ مرجوّا ذلك يومئذ.

و قيل: إنّها في المهديّ الموعودعليه‌السلام الّذي تواترت الأخبار على أنّه سيظهر

١٦٦

فيملأ الأرض قسطاً و عدلاً كما ملئت ظلماً و جوراً و إنّ المراد بالّذين آمنوا و عملوا الصالحات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و الأئمّة من أهل بيتهعليهم‌السلام .

و الّذي يعطيه سياق الآية الكريمة على ما تقدّم من البحث بالتحرّز عن المسامحات الّتي ربّما يرتكبها المفسّرون في تفسير الآيات هو أنّ الوعد لبعض الاُمّة لا لجميعها و لا لأشخاص خاصّة منهم و هم الّذين آمنوا منهم و عملوا الصالحات فالآية نصّ في ذلك و لا قرينة من لفظ أو عقل يدلّ على كونهم هم الصحابة أو النبيّ و أئمّة أهل البيت عليهم الصلاة و السلام و لا على أنّ المراد بالّذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات جميع الاُمّة و إنّما صرف الوعد إلى طائفة خاصّة منهم تشريفاً لهم أو لمزيد العناية بهم فهذا كلّه تحكّم من غير وجه.

و المراد باستخلافهم في الأرض كما استخلف الّذين من قبلهم عقد مجتمع مؤمن صالح منهم يرثون الأرض كما ورثها الّذين من قبلهم من الاُمم الماضين اُولي القوّة و الشوكة و هذا الاستخلاف قائم بمجتمعهم الصالح من دون أن يختصّ به أشخاص منهم كما كان كذلك في الّذين من قبلهم و أمّا إرادة الخلافة الإلهيّة بمعنى الولاية على المجتمع كما كان لداود و سليمان و يوسفعليهم‌السلام و هي السلطنة الإلهيّة فمن المستبعد أن يعبّر عن أنبيائه الكرام بلفظ( الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) و قد وقعت هذه اللفظة أو ما بمعناها في أكثر من خمسين موضعاً من كلامه تعالى و لم يقصد و لا في واحد منها الأنبياء الماضون مع كثرة ورود ذكرهم في القرآن نعم ذكرهم الله بلفظ( رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ ) أو( رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي ) أو نحوهما بالإضافة إلى الضمير الراجع إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و المراد بتمكين دينهم الّذي ارتضى لهم كما مرّ ثبات الدين على ساقه بحيث لا يزلزله اختلافهم في اُصوله و لا مساهلتهم في إجراء أحكامه و العمل بفروعه و خلوص المجتمع من وصمة النفاق فيه.

و المراد من تبديل خوفهم أمناً انبساط الأمن و السلام على مجتمعهم بحيث لا يخافون عدوّاً في داخل مجتمعهم أو خارجه متجاهراً أو مستخفياً على دينهم

١٦٧

أو دنياهم.

و قول بعضهم: إنّ المراد الخوف من العدوّ الخارج من مجتمعهم كما كان المسلمون يخافون الكفّار و المشركين القاصدين إطفاء نور الله و إبطال الدعوة.

تحكّم مدفوع بإطلاق اللفظ من غير قرينة معيّنة للمدّعي على أنّ الآية في مقام الامتنان و أيّ امتنان على قوم لا عدوّ يقصدهم من خارج و قد أحاط بمجتمعهم الفساد و عمّته البليّة لا أمن لهم في نفس و لا عرض و لا مال الحرّيّة فيه للقدرة الحاكمة و السبق فيه للفئة الباغية.

و المراد بكونهم يعبدون الله لا يشركون به شيئاً ما يعطيه حقيقة معنى اللفظ و هو عموم إخلاص العبادة و انهدام بنيان كلّ كرامة إلّا كرامة التقوى.

و المتحصّل من ذلك كلّه أنّ الله سبحانه يعد الّذين آمنوا منهم و عملوا الصالحات أن سيجعل لهم مجتمعاً صالحاً خالصاً من وصمة الكفر و النفاق و الفسق يرث الأرض لا يحكم في عقائد أفراده عامّة و لا أعمالهم إلّا الدين الحقّ يعيشون آمنين من غير خوف من عدوّ داخل أو خارج، أحراراً من كيد الكائدين و ظلم الظالمين و تحكّم المتحكّمين.

و هذا المجتمع الطيّب الطاهر على ما له من صفات الفضيلة و القداسة لم يتحقّق و لم ينعقد منذ بعث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى يومنا هذا، و إن انطبق فلينطبق على زمن ظهور المهديّعليه‌السلام على ما ورد من صفته في الأخبار المتواترة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام لكن على أن يكون الخطاب للمجتمع الصالح لا لهعليه‌السلام وحده.

فإن قلت: ما معنى الوعد حينئذ للّذين آمنوا منهم و عملوا الصالحات و ليس المهديّعليه‌السلام أحد المخاطبين حين النزول و لا واحد من أهل زمان ظهوره بينهم؟

قلت: فيه خلط بين الخطابات الفرديّة و الاجتماعيّة أعني الخطاب المتوجّه إلى أشخاص القوم بما هم أشخاص بأعيانهم و الخطاب المتوجّه إليهم بما هم قوم على نعت كذا فالأوّل لا يتعدّى إلى غير أشخاصهم و لا ما تضمّنه من وعد أو وعيد أو غير ذلك يسري إلى غيرهم و الثاني يتعدّى إلى كلّ من اتّصف بما ذكر فيه من الوصف

١٦٨

و يسري إليه ما تضمّنه من الحكم، و خطاب الآية من القبيل الثاني على ما تقدّم.

و من هذا القبيل أغلب الخطابات القرآنيّة المتوجّهة إلى المؤمنين و الكفّار، و منه الخطابات الذامّة لأهل الكتاب و خاصّة اليهود بما فعله أسلافهم و للمشركين بما صنعه آباؤهم.

و من هذا القبيل خاصّة ما ذكر من الوعد في قوله تعالى:( فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ ) الإسراء: ٧ فإنّ الموعودين لم يعيشوا إلى زمن إنجاز هذا الوعد، و نظيره الوعد المذكور في قول ذي القرنين على ما حكاه الله:( فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَ كانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ) الكهف: ٩٨، و كذا وعده تعالى الناس بقيام الساعة و انطواء بساط الحياة الدنيا بنفخ الصور كما قال:( ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ) الأعراف: ١٨٧، فوعد الصالحين من المؤمنين بعنوان أنّهم مؤمنون صالحون بوعد لا يدركه أشخاص زمان النزول بأعيانهم و لما يوجد أشخاص المجتمع الّذي يدرك إنجاز الوعد ممّا لا ضير فيه البتّة.

فالحقّ أنّ الآية إن اُعطيت حقّ معناها لم تنطبق إلّا على المجتمع الموعود الّذي سينعقد بظهور المهديّعليه‌السلام و إن سومح في تفسير مفرداتها و جملها و كان المراد باستخلاف الّذين آمنوا منهم و عملوا الصالحات استخلاف الاُمّة بنوع من التغليب و نحوه، و بتمكين دينهم الّذي ارتضاه لهم كونهم معروفين في الدنيا بالاُمّة المسلمة و عدّهم الإسلام ديناً لهم و إن تفرّقوا فيه ثلاثاً و سبعين فرقة يكفّر بعضهم بعضاً و يستبيح بعضهم دماء بعض و أعراضهم و أموالهم، و بتبديل خوفهم أمناً يعبدون الله و لا يشركون به شيئاً عزّة الاُمّة و شوكتها في الدنيا و انبساطها على معظم المعمورة و ظواهر ما يأتون به من صلاة و صوم و حجّ و إن ارتحل الأمن من بينهم أنفسهم و ودّعهم الحقّ و الحقيقة، فالوجه أنّ الموعود بهذا الوعد الاُمّة، و المراد باستخلافهم ما رزقهم الله من العزّة و الشوكة بعد الهجرة إلى ما بعد الرحلة و لا موجب لقصر ذلك في زمن الخلفاء الراشدين بل يجري فيما بعد ذلك إلى زمن انحطاط الخلافة الإسلاميّة.

١٦٩

و أمّا تطبيق الآية على خلافة الخلفاء الراشدين أو الثلاثة الاُول أو خصوص عليّعليه‌السلام فلا سبيل إليه البتّة.

قوله تعالى: ( وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) مناسبة مضمون الآية لما سيقت لبيانه الآيات السابقة تعطي أنّها من تمامها.

فقوله:( وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ ) أمر في الحقيقة بطاعته تعالى فيما شرعه لعباده، و تخصيص الصلاة و الزكاة بالذكر لكونهما ركنين في التكاليف الراجعة إلى الله تعالى و إلى الخلق، و قوله:( وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ ) إنفاذ لولايتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في القضاء و الحكومة.

و قوله:( لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) تعليل للأمر بما في المأمور به من المصلحة، و المعنى - على ما يعطيه السياق -: أطيعوا الله و أطيعوا الرسول فإنّ في هاتين الطاعتين رجاء أن تشملكم الرحمة الإلهيّة فينجز لكم وعده أو يعجّل لكم إنجازه فإنّ ارتفاع النفاق من بين المسلمين و عموم الصلاح و الاتّفاق على كلمة الحقّ مفتاح انعقاد مجتمع صالح يدرّ عليهم بكلّ خير.

قوله تعالى: ( لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَ مَأْواهُمُ النَّارُ وَ لَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) من تمام الآيات السابقة، و فيها تأكيد ما مرّ من وعد الاستخلاف في الأرض و تمكين الدين و تبديل الخوف أمناً.

يخاطب تعالى نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد الوعد - بخطاب مؤكّد - أن لا يظنّ أنّ الكفّار معجزون لله في الأرض فيمنعونه بما عندهم من القوّة و الشوكة من أن ينجز وعده، و هذا في الحقيقة بشرى خاصّة بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما أكرم به اُمّته و أنّ أعداءه سينهزمون و يغلبون و لذلك خصّه بالخطاب على طريق الالتفات.

و لكون النهي المذكور في معنى أنّ الكفّار سينتهون عن معارضة الدين و أهله عطف عليه قوله:( وَ مَأْواهُمُ النَّارُ ) إلخ، كأنّه قيل: هم مقهورون في الدنيا و مسكنهم النار في الآخرة و بئس المصير.

١٧٠

( بحث روائي)

في المجمع في قوله تعالى:( وَ يَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ ) الآيات قيل: نزلت الآيات في رجل من المنافقين كان بينه و بين رجل من اليهود حكومة فدعاه اليهوديّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و دعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف.

و حكى البلخيّ أنّه كانت بين عليّ و عثمان منازعة في أرض اشتراها من عليّ فخرجت فيها أحجار و أراد ردّها بالعيب فلم يأخذها فقال: بيني و بينك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال الحكم بن أبي العاص: إن حاكمته إلى ابن عمّه يحكم له فلا تحاكمه إليه فنزلت الآيات، و هو المرويّ عن أبي جعفرعليه‌السلام أو قريب منه.

أقول: و في تفسير روح المعاني، عن الضحّاك أنّ النزاع كان بين عليّ و المغيرة بن وائل و ذكر قريباً من القصّة.

و في المجمع في قوله تعالى:( إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ ) الآية: وروي عن أبي جعفر: أنّ المعنيّ بالآية أميرالمؤمنينعليهما‌السلام .

و في الدرّ المنثور في قوله تعالى:( فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَ عَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ ) الآية أخرج ابن جرير و ابن قانع و الطبراني عن علقمة بن وائل الحضرميّ عن سلمة بن يزيد الجهنيّ قال: قلت: يا رسول الله أ رأيت إن كان علينا اُمراء من بعدك يأخذونا بالحقّ الّذي علينا و يمنعونا الحقّ الّذي جعله الله لنا نقاتلهم و نبغضهم؟ فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليهم ما حمّلوا و عليكم ما حمّلتم.

أقول: و في معناه بعض روايات اُخر مرويّة فيه لكن ينبغي أن لا يرتاب في أنّ الإسلام بما فيه من روح إحياء الحقّ و إماتة الباطل يأبى عن إجازة ولاية الظلمة المتظاهرين بالظلم و إباحة السكوت و تحمّل الضيم و الاضطهاد قبال الطغاة و الفجرة لمن يجد إلى إصلاح الأمر سبيلاً و قد اتّضح بالأبحاث الاجتماعيّة اليوم أنّ استبداد الولاة برأيهم و اتّباعهم لأهوائهم في تحكّماتهم أعظم خطراً و أخبث أثراً من إثارة الفتن و إقامة الحروب في سبيل إلجائهم إلى الحقّ و العدل.

١٧١

و في المجمع في قوله تعالى:( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ ) الآية: و اختلف في الآية و المرويّ عن أهل البيتعليهم‌السلام أنّها في المهديّ من آل محمّد.

قال: و روى العيّاشيّ بإسناده عن عليّ بن الحسينعليه‌السلام : أنّه قرأ الآية و قال: هم و الله شيعتنا أهل البيت يفعل ذلك بهم على يدي رجل منّا و هو مهديّ هذه الاُمّة، و هو الّذي قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يأتي رجل من عترتي اسمه اسمي يملاُ الأرض عدلاً و قسطاً كما ملئت ظلماً و جوراً - و روي مثل ذلك عن أبي جعفر و أبي عبداللهعليهما‌السلام .

أقول: و بذلك وردت الأخبار عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، و قد تقدّم بيان انطباق الآية على ذلك.

و قال في المجمع، بعد نقل الرواية: فعلى هذا يكون المراد بالّذين آمنوا و عملوا الصالحات النبيّ و أهل بيته عليهم الصلاة و السلام انتهى. و قد عرفت أنّ المراد به عامّ و الرواية لا تدلّ على أزيد من ذلك حيث قالعليه‌السلام : هم و الله شيعتنا أهل البيت يفعل ذلك بهم على يدي رجل منّا الحديث.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن البراء في قوله:( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ ) الآية قال: فينا نزلت و نحن في خوف شديد.

أقول: ظاهره أنّ المراد بالّذين آمنوا الصحابة و قد عرفت أنّ الآية لا دلالة فيها عليه بوجه بل الدلالة على خلافه.

و فيه، أخرج ابن المنذر و الطبرانيّ في الأوسط و الحاكم و صحّحه و ابن مردويه و البيهقيّ في الدلائل و الضياء في المختارة عن اُبيّ بن كعب قال: لما قدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أصحابه المدينة و آوتهم الأنصار رمتهم العرب عن قوس واحدة فكانوا لا يبيتون إلّا في السلاح و لا يصبحون إلّا فيه فقالوا: أ ترون أنّا نعيش حتّى نبيت آمنين مطمئنّين لا نخاف إلّا الله فنزلت:( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) الآية.

أقول: هو لا يدلّ على أزيد من سبب النزول و أمّا أنّ المراد بالّذين آمنوا

١٧٢

من هم؟ و أنّ الله متى أنجز أو ينجز هذا الوعد؟ فلا تعرّض له به.

و نظيرته روايته الاُخرى: لما نزلت على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) الآية قال: بشّر هذه الاُمّة بالسناء و الرفعة و الدين و النصر و التمكين في الأرض فمن عمل منكم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب.

فإنّ تبشير الاُمّة بالاستخلاف لا يستلزم كون المراد بالّذين آمنوا في الآية جميع الاُمّة أو خصوص الصحابة أو نفراً معدوداً منهم.

و في نهج البلاغة في كلام له لعمر لما استشاره لانطلاقه لقتال أهل فارس حين تجمّعوا للحرب قالعليه‌السلام : إنّ هذا الأمر لم يكن نصره و لا خذلانه بكثرة و لا بقلّة، و هو دين الله الّذي أظهره، و جنده الّذي أعزّه و أيّده حتّى بلغ ما بلغ و طلع حيث طلع، و نحن على موعود من الله تعالى حيث قال عزّ اسمه: وعد الله الّذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الأرض و ليمكّننّ لهم دينهم الّذي ارتضى لهم و ليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمناً.

و الله تعالى منجز وعده و ناصر جنده، و مكان القيّم في الإسلام مكان النظام من الخرز فإن انقطع النظام تفرّق و ربّ متفرّق لم يجتمع، و العرب اليوم و إن كانوا قليلاً فهم كثيرون بالإسلام عزيزون بالاجتماع فكن قطباً و استدر الرحى بالعرب، و أصلهم دونك نار الحرب فإنّك إن شخصت من هذه الأرض تنقّضت عليك العرب من أطرافها و أقطارها حتّى يكون ما تدع وراءك من العورات أهمّ إليك ممّا بين يديك، و كان قد آن للأعاجم أن ينظروا إليك غدا يقولون: هذا أصل العرب فإذا قطعتموه استرحتم فيكون ذلك أشدّ لكلبهم عليك و طمعهم فيك.

فأمّا ما ذكرت من عددهم فإنّا لم نقاتل فيما مضى بالكثرة و إنّما كنّا نقاتل بالنصر و المعونة.

أقول: و قد استدلّ به في روح المعاني، على ما ارتضاه من كون المراد بالاستخلاف في الآية ظهور الإسلام و ارتفاع قدره في زمن الخلفاء الراشدين و هو بمعزل عن

١٧٣

ذلك بل دليل على خلافه، فإنّ ظاهر كلامه أنّ الوعد الإلهيّ لم يتمّ أمر إنجازه بعد و أنّهم يومئذ في طريقه حيث يقول: و الله منجز وعده، و أنّ الدين لم يمكّن بعد و لا الخوف بدّل أمناً و كيف لا؟ و هم بين خوفين خوف من تنقّض العرب من داخل و خوف من مهاجمة الأعداء من خارج.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن مردويه عن أبي الشعثاء قال: كنت جالساً مع حذيفة و ابن مسعود فقال حذيفة ذهب النفاق إنّما كان النفاق على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و إنّما هو اليوم الكفر بعد الإيمان فضحك ابن مسعود ثمّ قال: بم تقول؟ قال: بهذه الآية( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) إلى آخر الآية.

أقول: ليت شعري أين ذهب منافقو عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ و شواهد الكتاب العزيز و التاريخ تدلّ على أنّهم ما كانوا بأقلّ من ثلث أهل المدينة و معظمهم بها أصدقوا الإسلام يوم رحلتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم تغيّرت آراؤهم في تربّصهم الدوائر و تقليبهم الاُمور؟

١٧٤

( سورة النور الآيات ٥٨ - ٦٤)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ  مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ  ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ  لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ  طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ  كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآيَاتِ  وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ( ٥٨ ) وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ  كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ  وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ( ٥٩ ) وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ  وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ  وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( ٦٠ ) لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ  لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا  فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً  كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ( ٦١ ) إِنَّمَا

١٧٥

الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُوا حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ  إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ  فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ  إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( ٦٢ ) لَّا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا  قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا  فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( ٦٣ ) أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ  قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا  وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ( ٦٤ )

( بيان)

بقيّة الأحكام المذكورة في السورة و تختتم السورة بآخر الآيات و فيها إشارة إلى أنّ الله سبحانه إنّما يشرّع ما يشرّع بعلمه و سيظهر و سينكشف لهم حقيقته حين يرجعون إليه.

قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) إلى آخر الآية. وضع الثياب خلعها و هو كناية عن كونهم على حال ربّما لا يحبّون أن يراهم عليها الأجنبيّ. و الظهيرة وقت الظهر، و العورة السوأة سمّيت بها لما يلحق الإنسان من انكشافها من العار و كأنّ المراد بها في الآية ما ينبغي ستره.

فقوله:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) إلخ، تعقيب لقوله سابقاً:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا ) إلخ، القاضي بتوقّف دخول البيت على الإذن و هو كالاستثناء من عمومه في العبيد و الأطفال بأنّه يكفيهم الاستيذان ثلاث مرّات في اليوم.

و قوله:( لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) أي مروهم أن يستأذنوكم للدخول، و ظاهر الّذين ملكت أيمانكم العبيد دون الإماء و إن كان اللفظ لا يأبى

١٧٦

عن العموم بعناية التغليب، و به وردت الرواية كما سيجي‏ء.

و قوله:( وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ) يعني المميّزين من الأطفال قبل البلوغ، و الدليل على تقيّدهم بالتمييز قوله بعد:( ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ ) .

و قوله:( ثَلاثَ مَرَّاتٍ ) أي كلّ يوم بدليل تفصيله بقوله:( مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَ حِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ - أي وقت الظهر -وَ مِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ) ، و قد أشار إلى وجه الحكم بقوله:( ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ ) أي الأوقات الثلاثة ثلاث عورات لكم لا ينبغي بالطبع أن يطّلع عليكم فيها غيركم.

و قوله:( لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَ لا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ ) أي لا مانع لكم من أن لا تأمروهم بالاستيذان و لا لهم من أن لا يستأذنوكم في غير هذه الأوقات، و قد أشار إلى جهة نفي الجناح بقوله:( طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى‏ بَعْضٍ ) أي هم كثير الطوف عليكم بعضكم يطوف على بعض للخدمة فالاستيذان كلّما دخل حرج عادة فليكتفوا فيه بالعورات الثلاث.

ثمّ قال:( كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ ) أي أحكام دينه الّتي هي آيات دالّة عليه( وَ اللهُ عَلِيمٌ ) يعلم أحوالكم و ما تستدعيه من الحكم( حَكِيمٌ ) يراعي مصالحكم في أحكامه.

قوله تعالى: ( وَ إِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا ) إلخ، بيان أنّ حكم الاستيذان ثلاث مرّات في الأطفال مغيّى بالبلوغ فإذا بلغ الأطفال منكم الحلم بأن بلغوا فليستأذنوا كما استأذن الّذين من قبلهم و هم البالغون من الرجال و النساء الأحرار( كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ وَ اللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) .

قوله تعالى: ( وَ الْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً ) إلى آخر الآية. القواعد جمع قاعدة و هي المرأة الّتي قعدت عن النكاح فلا ترجوه لعدم الرغبة في مباشرتها لكبرها، فقوله:( اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً ) وصف توضيحيّ، و قيل: هي الّتي يئست من الحيض، و الوصف احترازيّ.

و في المجمع: التبرّج إظهار المرأة من محاسنها ما يجب عليها ستره، و أصله

١٧٧

الظهور و منه البرج البناء العالي لظهوره.

و الآية في معنى الاستثناء من عموم حكم الحجاب، و المعنى: و الكبائر المسنّة من النساء فلا بأس عليهنّ أن لا يحتجبن حال كونهنّ غير متبرّجات بزينة.

و قوله:( وَ أَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ ) كناية عن الاحتجاب أي الاحتجاب خير لهنّ من وضع الثياب، و قوله:( وَ اللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) تعليل لما شرع بالاسمين أي هو تعالى سميع يسمع ما يسألنه بفطرتهنّ عليم يعلم ما يحتجن إليه من الأحكام.

قوله تعالى: ( لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى‏ حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَ لا عَلى‏ أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ - إلى قوله -أَوْ صَدِيقِكُمْ ) ظاهر الآية أنّ فيها جعل حقّ للمؤمنين أن يأكلوا من بيوت قراباتهم أو الّتي ائتمنوا عليها أو بيوت أصدقائهم فهم مأذونون في أن يأكلوا منها بمقدار حاجتهم من غير إسراف و إفساد.

فقوله:( لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى‏ حَرَجٌ - إلى قوله -وَ لا عَلى‏ أَنْفُسِكُمْ ) في عطف( عَلى‏ أَنْفُسِكُمْ ) على ما تقدّمه دلالة على أنّ عدّ المذكورين ليس لاختصاص الحقّ بهم بل لكونهم أرباب عاهات يشكل عليهم أن يكتسبوا الرزق بعمل أنفسهم أحياناً و إلّا فلا فرق بين الأعمى و الأعرج و المريض و غيرهم في ذلك.

و قوله:( مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ ) إلخ، في عدّ( بُيُوتِكُمْ ) مع بيوت الأقرباء و غيرهم إشارة إلى نفي الفرق في هذا الدين المبنيّ على كون المؤمنين بعضهم أولياء بعض بين بيوتهم أنفسهم و بيوت أقربائهم و ما ملكوا مفاتحه و بيوت أصدقائهم.

على أنّ( بُيُوتِكُمْ ) يشمل بيت الابن و الزوج كما وردت به الرواية، و قوله:( أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ ) المفاتح جمع مفتح و هو المخزن، و المعنى: أو البيت الّذي ملكتم أي تسلّطتم على مخازنه الّتي فيها الرزق كما يكون الرجل قيّماً على بيت أو وكيلاً أو سلّم إليه مفتاحه.

و قوله:( أَوْ صَدِيقِكُمْ ) معطوف على ما تقدّمه بتقدير بيت على ما يعلم من

١٧٨

سياقه، و التقدير أو بيت صديقكم.

قوله تعالى: ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً ) الأشتات جمع شتّ و هو مصدر بمعنى التفرّق استعمل بمعنى المتفرّق مبالغة ثمّ جمع أو صفة بمعنى المتفرّق كالحقّ، و المعنى لا إثم عليكم أن تأكلوا مجتمعين و بعضكم مع بعض أو متفرّقين، و الآية عامّة و إن كان نزولها لسبب خاصّ كما روي.

و للمفسّرين في هذا الفصل من الآية و في الفصل الّذي قبلها اختلافات شديدة رأينا الصفح عن إيرادها و الغور في البحث عنها أولى، و ما أوردناه من المعنى في الفصلين هو الّذي يعطيه سياقهما.

قوله تعالى: ( فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى‏ أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً ) إلخ، لما تقدّم ذكر البيوت فرع عليه ذكر أدب الدخول فيها فقال:( فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً ) .

فقوله:( فَسَلِّمُوا عَلى‏ أَنْفُسِكُمْ ) المراد فسلّموا على من كان فيها من أهلها و قد بدّل من قوله:( عَلى‏ أَنْفُسِكُمْ ) للدلالة على أنّ بعضهم من بعض فإنّ الجميع إنسان و قد خلقهم الله من ذكر و اُنثى على أنّهم مؤمنون و الإيمان يجمعهم و يوحّدهم أقوى من الرحم و أيّ شي‏ء آخر.

و ليس ببعيد أن يكون المراد بقوله:( فَسَلِّمُوا عَلى‏ أَنْفُسِكُمْ ) أن يسلّم الداخل على أهل البيت و يردّوا السلام عليه.

و قوله:( تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً ) أي حال كون السلام تحيّة من عند الله شرّعها الله و أنزل حكمها ليحيّي بها المسلمون و هو مبارك ذو خير كثير باق و طيّب يلائم النفس فإنّ حقيقة هذه التحيّة بسط الأمن و السلامة على المسلّم عليه و هو أطيب أمر يشترك فيه المجتمعان.

ثمّ ختم سبحانه الآية بقوله:( كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ ) و قد مرّ تفسيره( لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) أي تعلموا معالم دينكم فتعملوا بها كما قيل.

قوله تعالى: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَ رَسُولِهِ وَ إِذا كانُوا مَعَهُ

١٧٩

عَلى‏ أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ ) ذكر قوله:( الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَ رَسُولِهِ ) بياناً للمؤمنين على ظهور معناه للدلالة على اتّصافهم بحقيقة المعنى أي إنّما المؤمنون الّذين آمنوا بالله و رسوله بحقيقة الإيمان و أيقنوا بتوحّده تعالى و اطمأنّت نفوسهم و تعلّقت قلوبهم برسوله.

و لذلك عقّبه بقوله:( وَ إِذا كانُوا مَعَهُ عَلى‏ أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ ) و الأمر الجامع هو الّذي يجمع الناس للتدبّر في أطرافه و التشاور و العزم عليه كالحرب و نحوها.

و المعنى: و إذا كانوا مع الرسول بالاجتماع عنده على أمر من الاُمور العامّة لم يذهبوا و لم ينصرفوا من عند الرسول حتّى يستأذنوه للذهاب.

و لذلك أيضاً عقّبه بقوله:( إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَ رَسُولِهِ ) و هو بمنزلة عكس صدر الآية للدلالة على الملازمة و عدم الانفكاك.

و قوله:( فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ ) تخيير منه تعالى لرسوله في أن يأذن لمن شاء و لا يأذن لمن لم يشأ.

و قوله:( وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) أمر له بالاستغفار لهم تطييباً لنفوسهم و رحمة بهم.

قوله تعالى: ( لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً ) إلى آخر الآية، دعاء الرسول هو دعوته الناس إلى أمر من الاُمور كدعوتهم إلى الإيمان و العمل الصالح، و دعوتهم ليشاورهم في أمر جامع، و دعوتهم إلى الصلاة جامعة، و أمرهم بشي‏ء في أمر دنياهم أو اُخراهم فكلّ ذلك دعاء و دعوة منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و يشهد بهذا المعنى قوله ذيلاً:( قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً ) و ما يتلوه من تهديد مخالفي أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما لا يخفى. و هو أنسب لسياق الآية السابقة فإنّها تمدح الّذين يلبّون دعوته و يحضرون عنده و لا يفارقونه حتّى يستأذنوه و هذه تذمّ و تهدّد الّذين يدعوهم فيتسلّلون عنه لواذا غير مهتمّين بدعائه و لا معتنين.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453