الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٥

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 453

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 453
المشاهدات: 119288
تحميل: 5562


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 453 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 119288 / تحميل: 5562
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 15

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

و من هنا يعلم عدم استقامة ما قيل: إنّ المراد بدعاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطابه فيجب أن يفخّم و لا يساوى بينه و بين غيره من الناس فلا يقال له: يا محمّد و يا ابن عبدالله، بل: يا رسول الله.

و كذا ما قيل: إنّ المراد بالدعاء دعاؤه عليهم لو أسخطوه فهو نهي عن التعرّض لدعائه عليهم بإسخاطه فإنّ الله تعالى لا يردّ دعاءه هذا، و ذلك لأنّ ذيل الآية لا يساعد على شي‏ء من الوجهين.

و قوله:( قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً ) التسلّل: الخروج من البين برفق و احتيال من سلّ السيف من غمده، و اللواذ: الملاوذة و هو أن يلوذ الإنسان و يلتجئ إلى غيره فيستتر به، و المعنى: أنّ الله يعلم منكم الّذين يخرجون من بين الناس و الحال أنّهم يلوذون بغيرهم و يستترون به فينصرفون فلا يهتمّون بدعاء الرسول و لا يعتنون به.

و قوله:( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) ظاهر سياق الآية بما تقدّم من المعنى أنّ ضمير( عَنْ أَمْرِهِ ) للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو دعاؤه، ففي الآية تحذير لمخالفي أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و دعوته من أن تصيبهم فتنة و هي البليّة أو يصيبهم عذاب أليم.

و قيل: ضمير( عَنْ أَمْرِهِ ) راجع إلى الله سبحانه، و الآية و إن لم يقع فيها أمر منه تعالى لكن نهيه المذكور بقوله:( لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ ) إلخ، في معنى أجيبوا دعاء الرسول، و هو أمر، و أوّل الوجهين أوجه.

قوله تعالى: ( أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ ) اختتام للسورة ناظر إلى قوله في مفتتحها:( سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَ فَرَضْناها وَ أَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ ) فما في مختتمها كالتعليل لما في مفتتحها.

فقوله:( أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ) بيان لعموم الملك و أنّ كلّ شي‏ء مملوك لله سبحانه قائم به فهي معلومة له بجميع خصوصيّات وجودها فيعلم ما تحتاج إليه، و الناس من جملة ما يعلم بحقيقة حاله و ما يحتاج إليه فالّذي يشرّعه لهم من

١٨١

الدين ممّا يحتاجون إليه في حياتهم كما أنّ ما يرزقهم من المعيشة ممّا يحتاجون إليه في بقائهم.

فقوله:( قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ ) - أي من حقيقة الحال المنبئة عن الحاجة - بمنزلة النتيجة المترتّبة على الحجّة أي ملكه لكم و لكلّ شي‏ء يستلزم علمه بحالكم و بما تحتاجون إليه من شرائع الدين فيشرّعه لكم و يفرضه عليكم.

و قوله:( وَ يَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا وَ اللهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ ) معطوف على قوله:( ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ ) أي و يعلم يوماً يرجعون إليه و هو يوم القيامة فيخبرهم بحقيقة ما عملوا و الله بكلّ شي‏ء عليم.

و في هذا الذيل حثّ على الطاعة و الانقياد لما شرّعه و فرضه من الأحكام و العمل به من جهة أنّه سيخبرهم بحقيقة ما عملوا به كما أنّ في الصدر حثّاً على القبول من جهة أنّ الله إنّما شرّعها لعلمه بحاجتهم إليها و أنّها الّتي ترفع بها حاجتهم.

( بحث روائي)

في الدرّ المنثور في قوله تعالى:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ ) الآية أخرج سعيد بن منصور و ابن أبي شيبة و أبو داود و ابن مردويه و البيهقيّ في سننه عن ابن عبّاس قال: آية لم يؤمن بها أكثر الناس آية الإذن، و إنّي لآمر جاريتي هذه - لجارية قصيرة قائمة على رأسه - أن تستأذن عليّ.

و في تفسير القمّيّ: في الآية قال: إنّ الله تبارك و تعالى نهى أن يدخل أحد في هذه الثلاثة الأوقات على أحد لا أب و لا اُخت و لا اُمّ و لا خادم إلّا بإذن، و الأوقات بعد طلوع الفجر و نصف النهار و بعد العشاء الآخرة. ثمّ أطلق بعد هذه الثلاثة الأوقات فقال:( لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَ لا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ ) يعني بعد هذه الثلاثة الأوقات:( طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى‏ بَعْضٍ ) .

١٨٢

و في الكافي، بإسناده عن زرارة عن أبي عبداللهعليه‌السلام : في قول الله عزّوجلّ:( مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) قال: هي خاصّة في الرجال دون النساء. قلت: فالنساء يستأذنّ في هذه الثلاث ساعات؟ قال: لا و لكن يدخلن و يخرجن( وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ) قال: من أنفسكم، قال عليكم(١) استيذان كاستيذان من قد بلغ في هذه الثلاث ساعات.

أقول: و روي فيه روايات اُخرى غيرها في كون المراد بالّذين ملكت أيمانكم الذكور دون الإناث عن أبي جعفر و أبي عبداللهعليهما‌السلام .

و في المجمع في الآية: معناه مروا عبيدكم و إماءكم أن يستأذنوا عليكم إذا أرادوا الدخول إلى موضع خلواتكم عن ابن عبّاس و قيل: أراد العبيد خاصّة عن ابن عمر: و هو المرويّ عن أبي جعفر و أبي عبداللهعليهما‌السلام .

أقول: و بهذه الأخبار و بظهور الآية يضعّف‏ ما رواه الحاكم عن عليّعليه‌السلام في الآية قال: النساء فإنّ الرجال يستأذنون.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي شيبة و ابن مردويه عن ابن عمر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تغلبنّكم الأعراب على اسم صلاتكم العشاء فإنّما هي في كتاب الله العشاء و إنّما يعتم بحلاب الإبل.

أقول: و روي مثله عن عبدالرحمن بن عوف و لفظه: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لا يغلبنّكم الأعراب على اسم صلاتكم قال الله:( وَ مِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ) و إنّما العتمة عتمة الإبل.

و في الكافي، بإسناده عن حريز عن أبي عبدالله (عيه السلام): أنّه قرأ( أن يضعن من ثيابهنّ) قال: الجلباب و الخمار إذا كانت المرأة مسنّة.

أقول: و في معناه أخبار اُخر.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم عن الضحّاك قال: كان أهل المدينة قبل أن يبعث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يخالطهم في طعامهم أعمى و لا مريض و لا

____________________

(١) عليهم ظ.

١٨٣

أعرج لأنّ الأعمى لا يبصر طيّب الطعام، و المريض لا يستوفي الطعام كما يستوفي الصحيح، و الأعرج لا يستطيع المزاحمة على الطعام فنزلت رخصة في مؤاكلتهم.

و فيه، أخرج الثعلبيّ عن ابن عبّاس قال: خرج الحارث غازياً مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و خلّف على أهله خالد بن زيد فحرج أن يأكل من طعامه و كان مجهوداً فنزلت.

و فيه، أخرج عبد بن حميد و ابن جرير و ابن أبي حاتم عن قتادة قال: كان هذا الحيّ من بني كنانة بن خزيمة يرى أحدهم أنّ عليه مخزاة أن يأكل وحده في الجاهليّة حتّى أن كان الرجل يسوق الذود الحفل و هو جائع حتّى يجد من يؤاكله و يشاربه فأنزل الله:( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً ) .

أقول: و في معنى هذه الروايات روايات اُخر.

و في الكافي، بإسناده عن زرارة عن أبي عبداللهعليه‌السلام : في قول الله عزّوجلّ:( أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ ) قال: هؤلاء الّذين سمّى الله عزّوجلّ في هذه الآية يأكل بغير إذنهم من التمر و المأدوم و كذلك تطعم المرأة من منزل زوجها بغير إذنه فأمّا ما خلا ذلك من الطعام فلا.

و فيه، بإسناده عن أبي حمزة الثماليّ عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لرجل: أنت و مالك لأبيك، ثمّ قال أبوجعفرعليه‌السلام : و ما اُحب له أن يأخذ من مال ابنه إلّا ما احتاج إليه ممّا لا بدّ له منه إنّ الله لا يحبّ الفساد.

و فيه، بإسناده عن محمّد بن مسلم عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سألته عن رجل لابنه مال فيحتاج الأب قال: يأكل منه فأمّا الاُمّ فلا تأكل منه إلّا قرضاً على نفسها.

و فيه، بإسناده عن جميل بن درّاج عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: للمرأة أن تأكل و أن تصدّق و للصديق أن يأكل من منزل أخيه و يتصدّق.

و فيه، بإسناده عن ابن أبي عمير عمّن ذكره عن أبي عبداللهعليه‌السلام : في قول الله عزّوجلّ:( أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ ) قال: الرجل يكون له وكيل يقوم في ماله

١٨٤

فيأكل بغير إذنه.

و في المجمع في قوله تعالى:( أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ ) ، و قيل معناه من بيوت أولادكم و يدلّ عليه‏ قولهعليه‌السلام أنت و مالك لأبيك‏ وقولهعليه‌السلام : إنّ أطيب ما يأكل المرء من كسبه و إنّ ولده من كسبه.

أقول: و في هذه المعاني روايات كثيرة اُخرى.

و في المعاني، بإسناده عن أبي الصباح قال: سألت أباجعفرعليه‌السلام عن قول الله عزّوجلّ:( فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى‏ أَنْفُسِكُمْ ) الآية فقال: هو تسليم الرجل على أهل البيت حين يدخل ثمّ يردّون عليه فهو سلامكم على أنفسكم.

أقول: و قد تقدّمت الإشارة إلى هذا المعنى في تفسير الآية.

و في تفسير القمّيّ: في قوله تعالى:( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ - إلى قوله -حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ ) فإنّها نزلت في قوم كانوا إذا جمعهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمر من الاُمور في بعث يبعثه أو حرب قد حضرت يتفرّقون بغير إذنه فنهاهم الله عزّوجلّ عن ذلك.

و فيه في قوله تعالى:( فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ ) قال: نزلت في حنظلة بن أبي عيّاش و ذلك أنّه تزوّج في الليلة الّتي كان في صبيحتها حرب اُحد فاستأذن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقيم عند أهله فأنزل الله عزّوجلّ هذه الآية:( فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ ) فأقام عند أهله ثمّ أصبح و هو جنب فحضر القتال فاستشهد، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رأيت الملائكة تغسل حنظلة بماء المزن في صحائف فضّة بين السماء و الأرض فكان يسمّى غسيل الملائكة.

و فيه في قوله تعالى:( لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً ) قال: لا تدعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما يدعو بعضكم بعضاً، و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام : في قوله عزّوجلّ:( لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً ) ، يقول: لا تقولوا: يا محمّد و لا يا أبا القاسم لكن قولوا: يا نبيّ الله و يا رسول الله:

أقول: و روي مثله عن ابن عبّاس‏، و قد تقدّم أنّ ذيل الآية لا يلائم هذا المعنى تلك الملائمة.

١٨٥

( سورة الفرقان مكّيّة و هي سبع و سبعون آية)

( سورة الفرقان الآيات ١ - ٣)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ( ١ ) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ( ٢ ) وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا ( ٣ )

( بيان)

غرض السورة بيان أنّ دعوة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعوة حقّة عن رسالة من جانب الله تعالى و كتاب نازل من عنده و فيها عناية بالغة بدفع ما أورده الكفّار على كون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رسولاً من جانب الله و كون كتابه نازلاً من عنده و رجوع إليه كرّة بعد كرّة.

و قد استتبع ذلك شيئاً من الاحتجاج على التوحيد و نفي الشريك و ذكر بعض أوصاف يوم القيامة و ذكر نبذة من نعوت المؤمنين الجميلة، و الكلام فيها جار على سياق الإنذار و التخويف دون التبشير.

و السورة مكّيّة على ما يشهد به سياق عامّة آياتها نعم ربّما استثني منها ثلاث آيات و هي قوله تعالى:( وَ الَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ - إلى قوله -غَفُوراً رَحِيماً ) .

و لعلّ الوجه فيه اشتمالها على تشريع حرمة الزنا لكنّك قد عرفت فيما أوردناه من أخبار آية الخمر من سورة المائدة أنّ الزنا و الخمر كانا معروفين

١٨٦

بالتحريم في الإسلام من أوّل ظهور الدعوة الإسلاميّة.

و من العجيب قول بعضهم: إنّ السورة مدنيّة كلّها إلّا ثلاث آيات من أوّلها( تَبارَكَ الَّذِي - إلى قوله -نُشُوراً ) .

قوله تعالى: ( تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى‏ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً ) البركة بفتحتين ثبوت الخير في الشي‏ء كثبوت الماء في البركة بالكسر فالسكون مأخوذ من برك البعير إذا ألقى صدره على الأرض و استقرّ عليها، و منه التبارك بمعنى ثبوت الخير الكثير و في صيغته دلالة على المبالغة على ما قيل، و هو كالمختصّ به تعالى لم يطلق على غيره إلّا على سبيل الندرة.

و الفرقان هو الفرق سمّي به القرآن لنزول آياته متفرّقة أو لتمييزه الحقّ من الباطل و يؤيّد هذا المعنى إطلاق الفرقان في كلامه تعالى على التوراة أيضاً مع نزولها دفعة، قال الراغب في المفردات: و الفرقان أبلغ من الفرق لأنّه يستعمل في الفرق بين الحقّ و الباطل، و تقديره كتقدير رجل قنعان يقنع به في الحكم، و هو اسم لا مصدر فيما قيل، و الفرق يستعمل فيه و في غيره. انتهى.

و العالمون جمع عالم و معناه الخلق قال في الصحاح: العالم الخلق و الجمع العوالم، و العالمون أصناف الخلق انتهى. و اللفظة و إن كانت شاملة لجميع الخلق من الجماد و النبات و الحيوان و الإنسان و الجنّ و الملك لكنّ سياق الآية - و قد جعل فيها الإنذار غاية لتنزيل القرآن - يدلّ على كون المراد بها المكلّفين من الخلق و هم الثقلان: الإنس و الجنّ فيما نعلم.

و بذلك يظهر عدم استقامة ما ذكره بعضهم أنّ الآية تدلّ على عموم رسالتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لجميع ما سوى الله فإنّ فيه غفلة عن وجه التعبير عن الرسالة بالإنذار و نظير الآية قوله تعالى:( وَ اصْطَفاكِ عَلى‏ نِساءِ الْعالَمِينَ ) آل عمران: ٤٢ و قوله:( وَ فَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ ) الجاثية: ١٦.

و النذير بمعنى المنذر على ما قيل، و الإنذار قريب المعنى من التخويف.

فقوله تعالى:( تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى‏ عَبْدِهِ ) أي ثبت و تحقّق خير

١٨٧

كثير فيمن نزل الفرقان على عبده محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و ثبوت الخير الكثير العائد إلى الخلق فيه تعالى كناية عن فيضانه منه على خلقه حيث نزّل على عبده كتاباً فارقاً بين الحقّ و الباطل منقذاً للعالمين من الضلال سائقاً لهم إلى الهدى.

و الجمع في الآية بين نزول القرآن من عنده تعالى و كون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رسولاً منه نذيراً للعالمين مع تسمية القرآن فرقاناً بين الحقّ و الباطل و توصيف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكونه عبداً له نذيراً للعالمين المشعر بكونه مملوكاً مأموراً لا يملك من نفسه شيئاً كلّ ذلك تمهيد لما سيحكي - عن المشركين من طعنهم في القرآن بأنّه افتراء على الله اختلقه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أعانه على ذلك قوم آخرون، و من طعنهم في النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّه يأكل الطعام و يمشي في الأسواق و سائر ما تفوّهوا به - و ما يدفع به مطاعنهم.

فالمحصّل أنّه كتاب يفرّق بحجّته الباهرة بين الحقّ و الباطل فلا يكون إلّا حقّاً إذ الباطل لا يفرق بين الحقّ و الباطل و إنّما يشبه الباطل بالحقّ ليلبس على الناس، و أنّ الّذي جاء به عبد مطيع لله ينذر به العالمين و يدعوهم إلى الحقّ فلا يكون إلّا على الحقّ و لو كان مبطلاً لم يدع إلى الحقّ بل حاد عنه و انحرف على أنّ الله سبحانه يشهد في كلامه المعجز بصدق رسالته و أنّ الّذي جاء به من الكتاب منزل من عنده.

و من هنا يظهر ما في قول بعضهم: إنّ المراد بالفرقان مطلق الكتب السماويّة المنزلة على الأنبياء و بعبده عامّة الأنبياءعليهم‌السلام ، و لا يخفى بعده من ظاهر اللفظ.

و قوله تعالى:( لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً ) اللّام للتعليل و تدلّ على أنّ غاية تنزيل الفرقان على عبده أن يكون منذراً لجميع العالمين من الإنس و الجنّ، و الجمع المحلّى باللام يفيد الاستغراق، و لا يخلو الإتيان بصيغة الجمع المحلّى باللّام من إشارة إلى أنّ للجميع إلهاً واحداً لا كما يذهب إليه الوثنيّون حيث يتّخذ كلّ قوم إلهاً غير ما يتّخذه الآخرون.

١٨٨

و الاكتفاء بذكر الإنذار دون التبشير لأنّ الكلام في السورة مسوق سوق الإنذار و التخويف.

قوله تعالى: ( الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ) إلى آخر الآية. الملك بكسر الميم و فتحها قيام شي‏ء بشي‏ء بحيث يتصرّف فيه كيف شاء سواء كان قيام رقبته به كقيام رقبة المال بمالكه بحيث كان له أنواع التصرّف فيه أو قيامه به باستيلائه عليه بالتصرّف بالأمر و النهي و أنواع الحكم كاستيلاء الملك على الناس من رعيّته و ما في أيديهم، و يطلق على القسم الثاني الملك بضمّ الميم.

فالملك بكسر الميم أعمّ من الملك بضمّها كما قال الراغب الملك - بفتح الميم و كسر اللّام - هو المتصرّف بالأمر و النهي في الجمهور، و ذلك يختصّ بسياسة الناطقين، و لهذا يقال: ملك الناس و لا يقال: ملك الأشياء - إلى أن قال - فالملك بالضّمّ - ضبط الشي‏ء المتصرّف فيه بالحكم، و الملك - بالكسر - كالجنس للملك فكلّ ملك - بالضمّ - ملك - بالكسر - و ليس كلّ ملك - بالكسر - ملكاً - بالضمّ - انتهى.

و ربّما يخصّ الملك بالكسر بما يتعلّق بالرقبة، و الملك بالضمّ بغيره.

فقوله تعالى:( الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ) و اللّام للاختصاص - يفيد أنّ السماوات و الأرض مملوكة له غير مستقلّة بنفسها في جهة من جهاتها و لا مستغنية عن التصرّف فيها بالحكم و أنّ الحكم فيها و إدارة رحاها يختصّ به تعالى فهو المليك المتصرّف بالحكم فيها على الإطلاق.

و بذلك يظهر ترتّب قوله:( وَ لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً ) على ما تقدّمه فإنّ الملك على الإطلاق لا يدع حاجة إلى اتّخاذ الولد إذ اتّخاذ الولد لأحد أمرين إمّا لكون الشخص لا يقوى على إدارة رحى جميع اُموره و لا يملك تدبيرها جميعاً فيتّخذ الولد ليستعين به على بعض حوائجه و الله سبحانه يملك كلّ شي‏ء و يقوى على ما أراد، و إمّا لكون الشخص محدود البقاء لا يملك ما يملك إلّا في أمد محدود فيتّخذ الولد ليخلفه فيقوم على اُموره بعده و الله سبحانه يملك كلّ شي‏ء سرمداً و لا يعتريه فناء

١٨٩

و زوال فلا حاجة له إلى اتّخاذ الولد البتّة و فيه ردّ على المشركين و النصارى.

و كذا قوله تعالى بعده:( وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ ) فإنّ الحاجة إلى الشريك إنّما هي فيما إذا لم يستوعب الملك الاُمور كلّها و ملكه تعالى عامّ لجميع الأشياء محيط بجميع جهاتها لا يشذّ منه شاذّ، و فيه ردّ على المشركين.

و قوله تعالى:( وَ خَلَقَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ) بيان لرجوع تدبير عامّة الاُمور إليه تعالى وحده بالخلق و التقدير فهو ربّ العالمين لا ربّ سواه.

بيان ذلك أنّ الخلقة لما كانت بتوسيط الأسباب المتقدّمة على الشي‏ء و المقارنة له استلزم ذلك ارتباط وجودات الأشياء بعضها ببعض فيتقدّر وجود كلّ شي‏ء و آثار وجوده حسب ما تقدّره العلل و العوامل المتقدّمة عليه و المقارنة له فالحوادث الجارية في العالم على النظام المشهود مختلطة بالخلقة تابعة للعلل و العوامل المتقدّمة و المقارنة و إذ لا خالق غير الله سبحانه فلا مدبّر للأمر غيره فلا ربّ يملك الأشياء و يدبّر أمرها غيره.

فكونه تعالى له ملك السماوات و الأرض حاكما متصرّفاً فيها على الإطلاق يستلزم قيام الخلقة به إذ لو قامت بغيره كان الملك لذلك الغير، و قيام الخلقة به يستلزم قيام التقدير به، لكون التقدير متفرّعاً على الخلقة، و قيام التقدير به يستلزم قيام التدبير به فله الملك و التدبير فهو الربّ عزّ شأنه.

و ملكه تعالى للسماوات و الأرض و إن استلزم استناد الخلق و التقدير إليه لكن لما كان الوثنيّون مع تسليمهم عموم ملكه يرون أنّ ملكه للجميع و ربوبيّته للكلّ لا ينافي ملك آلهتهم و ربوبيّتهم للبعض بتفويضه تعالى ذلك إليهم فكلّ من الآلهة مليك في صقع اُلوهيّته ربّ لمربوبيّته و الله سبحانه ملك الملوك و ربّ الأرباب و إله الآلهة.

فلذلك لم يكف قوله:( الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ) لإثبات اختصاص الربوبيّة به تعالى قبالهم بل احتيج إلى الإتيان بقوله:( وَ خَلَقَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ) .

١٩٠

فكأنّ قائلاً يقول: هب أنّ ملكه للسماوات و الأرض يغنيه عن اتّخاذ الولد و الشريك الموجب لسلب ملكه عن بعض الأشياء لكن لم لا يجوز أن يتّخذ بعض خلقه شريكاً لنفسه بتفويض بعض اُمور العالم إليه مع كونه مالكاً له و لما فوّضه إليه و هذا هو الّذي كانت تراه المشركون فقد كانوا يقولون في تلبية الحجّ: لبيك لا شريك لك إلّا شريكاً هو لك تملكه و ما ملك.

فاُجيب عنه بأنّ الخلق له سبحانه و التقدير يلازمه و إذا اجتمعا لزمهما التدبير فله سبحانه تدبير كلّ شي‏ء فليس مع ملكه ملك و لا مع ربوبيّته ربوبيّة.

فقد تحصّل أنّ قوله:( الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ‏ ) مسوق لتوحيد الربوبيّة و نفي الولد و الشريك من طريق إثبات الملك المطلق، و أنّ قوله:( وَ خَلَقَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ) تقرير و بيان لمعنى عموم الملك و أنّه ملك متقوّم بالخلق و التقدير موجب لتصدّيه تعالى لكلّ حكم و تدبير من غير أن يفوّض شيئاً من الأمر إلى أحد من الخلق.

و في الآية و الّتي قبلها لهم أقوال اُخر أغمضنا عن إيرادها لخلوّها عن الجدوى.

قوله تعالى: ( وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَ هُمْ يُخْلَقُونَ ) إلخ، لما نعت نفسه بأنّه خالق كلّ شي‏ء و مقدّره و أنّ له ملك السماوات و الأرض و هكذا كان يجب أن يكون الإله المعبود، أشار إلى ضلالة المشركين حيث عبدوا أصناماً ليست بخالقة شيئاً بل هي مخلوقة مصنوعة لهم و لا مالكة شيئاً لأنفسهم و لا لغيرهم.

و ضمير( وَ اتَّخَذُوا ) للمشركين على ما يفيده السياق و إن لم يسبق لهم ذكر و مثل هذا التعبير يفيد التحقير و الاستهانة.

و قوله:( مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَ هُمْ يُخْلَقُونَ ) يريد به أصنامهم الّتي صنعوها بأيديهم بنحت أو نحوه، و توصيفها بالآلهة مع تعقيبها بمثل قوله:( لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَ هُمْ يُخْلَقُونَ ) إشارة إلى أن ليس لها من الاُلوهيّة إلّا اسم سمّوها به من غير أن تتحقّق من حقيقتها بشي‏ء كما قال تعالى:( إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ ) النجم: ٢٣.

١٩١

و وضع النكرة في قوله:( لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً ) في سياق النفي مبالغة في تقريعهم حيث أعرضوا عن الله سبحانه و هو خالق كلّ شي‏ء و تعلّقوا بأصنام لا يخلقون و لا شيئاً من الأشياء بل هم أردأ حالاً من ذلك حيث إنّهم مصنوعون لعبادهم مخلوقون لأوهامهم، و نظير الكلام جار في قوله:( ضَرًّا وَ لا نَفْعاً ) و قوله:( مَوْتاً وَ لا حَياةً وَ لا نُشُوراً ) .

و قوله:( وَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَ لا نَفْعاً ) نفي للملك عنهم و هو ضروريّ في الإله إذ كان عبّادهم إنّما يعبدونهم ليدفعوا عنهم الضرّ و يجلبوا إليهم النفع و إذ كانوا لا يملكون ضرّاً و لا نفعاً حتّى لأنفسهم لم تكن عبادتهم إلّا خبلاً و ضلالاً.

و بذلك يظهر أنّ في وقوع( لِأَنْفُسِهِمْ ) في السياق زيادة تقريع و الكلام في معنى الترقّي أي لا يملكون لأنفسهم ضرّاً حتّى يدفعوه و لا نفعاً حتّى يجلبوه فكيف لغيرهم؟ و قد قدّم الضرّ على النفع لكون دفع الضرر أهمّ من جلب النفع.

و قوله:( وَ لا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَ لا حَياةً وَ لا نُشُوراً ) أي لا يملكون موتاً حتّى يدفعوه عن عبّادهم أو عمّن شاؤا و لا حياة حتّى يسلبوها عمّن شاؤا أو يفيضوها على من شاؤا و لا نشوراً حتّى يبعثوا الناس فيجازوهم على أعمالهم، و ملك هذه الاُمور من لوازم الاُلوهيّة.

( بحث روائي)

في الكافي، بإسناده عن ابن سنان عمّن ذكره قال: سألت أباعبداللهعليه‌السلام عن القرآن و الفرقان هما شيئان أو شي‏ء واحد؟ فقال: القرآن جملة الكتاب و الفرقان المحكم الواجب العمل به‏

و في الاختصاص، للمفيد:، في حديث عبدالله بن سلام لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال:

١٩٢

فأخبرني هل أنزل الله عليك كتاباً؟ قال: نعم، قال: و أي كتاب هو، قال: الفرقان، قال: و لم سمّاه ربّك فرقاناً؟ قال: لأنّه متفرّق الآيات و السور أنزل في غير الألواح و غيره من الصحف و التوراة و الإنجيل و الزبور أنزلت كلّها جملة في الألواح و الأوراق. قال: صدقت يا محمّد.

أقول: كلّ من الروايتين ناظرة إلى واحد من معنيي الفرقان المتقدّمين.

١٩٣

( سورة الفرقان الآيات ٤ - ٢٠)

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ  فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا ( ٤ ) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ( ٥ ) قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ  إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ( ٦ ) وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ  لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا ( ٧ ) أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا  وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا ( ٨ ) انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا ( ٩ ) تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِّن ذَٰلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورًا ( ١٠ ) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ  وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا ( ١١ ) إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا ( ١٢ ) وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُّقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا ( ١٣ ) لَّا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا ( ١٤ ) قُلْ أَذَٰلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ  كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا ( ١٥ ) لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ  كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ وَعْدًا مَّسْئُولًا ( ١٦ ) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ ( ١٧ ) قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّىٰ نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا ( ١٨ )

١٩٤

فَقَدْ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا  وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا ( ١٩ ) وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ  وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ  وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا ( ٢٠ )

( بيان)

تحكي الآيات عن المشركين ما طعنوا به في القرآن الكريم في النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و تجيب عنه.

قوله تعالى: ( قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَ أَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ) إلخ في التعبير بمثل قوله:( وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) من غير أن يقال: و قالوا، مع تقدّم ذكر الكفّار في قوله:( وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً ) تلويح إلى أنّ القائلين بهذا القول هم كفّار العرب دون مطلق المشركين.

و المشار إليه بقولهم:( إِنْ هَذا ) القرآن الكريم، و إنّما اكتفوا بالإشارة دون أن يذكروه باسمه أو بشي‏ء من أوصافه إزراء به و حطا لقدره.

و الإفك هو الكلام المصروف عن وجهه، و مرادهم بكونه إفكا افتراء كونه كذباً اختلقه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و نسبه إلى الله سبحانه.

و السياق لا يخلو من إيماء إلى أنّ المراد بالقوم الآخرين بعض أهل الكتاب و قد ورد في بعض الآثار أنّ القوم الآخرين هم عداس مولى حويطب بن عبد العزى و يسار مولى العلاء بن الحضرمي و جبر مولى عامر كانوا من أهل الكتاب يقرؤن التوراة أسلموا و كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتعهدهم فقيل ما قيل.

١٩٥

و قوله:( فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَ زُوراً ) قال في مجمع البيان: إن جاء و أتى ربّما كانا بمعنى فعل فيتعدّيان مثله فمعنى الآية فقد فعلوا ظلماً و كذباً، و قيل إن ظلماً منصوب بنزع الخافض و التقدير فقد جاؤا بظلم، و قيل: حال و التقدير فقد جاؤا ظالمين و هو سخيف.

و فيه، أيضاً: و متى قيل: كيف اكتفى بهذا القدر في جوابهم؟ قلنا: لما تقدّم التحدّي و عجزهم عن الإتيان بمثله اكتفى ههنا بالتنبيه على ذلك انتهى و الظاهر أنّ الجواب عن قولهم:( إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ ) إلخ، و قولهم:( أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها ) إلخ، جميعاً هو قوله تعالى:( قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ ) إلخ، على ما سنبيّن و الجملة أعني قوله:( فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَ زُوراً ) ردّ مطلق لقولهم و هو في معنى المنع مع السند و سنده الآيات المشتملة على التحدّي.

و بالجملة معنى الآية: و قال الّذين كفروا من العرب ليس هذا القرآن إلّا كلاماً مصروفاً عن وجهه حيث إنّه كلام محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و قد نسبه إلى الله افترى به على الله و أعانه على هذا الكلام قوم آخرون و هم بعض أهل الكتاب فقد فعل هؤلاء الّذين كفروا بقولهم هذا ظلماً و كذباً.

قوله تعالى: ( وَ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى‏ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَ أَصِيلًا ) الأساطير جمع اُسطورة بمعنى الخبر المكتوب و يغلب استعماله في الأخبار الخرافيّة و الاكتتاب هو الكتابة و نسبته إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع كونه أميا لا يكتب إنّما هي بنوع من التجوّز ككونه مكتوباً باستدعاء منه كما يقول الأمير كتبت إلى فلان كذا و كذا و إنّما كتبه كاتبه بأمره، و الدليل على ذلك قوله بعد:( فَهِيَ تُمْلى‏ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَ أَصِيلًا ) إذ لو كان هو الكاتب لم يكن معنى للإملاء، و قيل: الاكتتاب بمعنى الاستكتاب.

١٩٦

و الإملاء إلقاء الكلام إلى المخاطب بلفظه ليحفظه و يعيه أو إلى الكاتب ليكتبه و المراد به في الآية هو المعنى الأوّل على ما يعطيه سياق( اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى‏ عَلَيْهِ ) إذ ظاهره تحقّق الاكتتاب دفعة و الإملاء تدريجاً على نحو الاستمرار فهي مكتوبة مجموعة عنده تقرأ عليه وقتاً بعد وقت و هو يعيها فيقرأ على الناس ما وعاه و حفظه.

و البكرة و الأصيل الغداة و العشي، و هو كناية عن الوقت بعد الوقت، و قيل المراد أوّل النهار قبل خروج الناس من منازلهم و آخر النهار بعد دخولهم في منازلهم و هو كناية عن أنّها تملى عليه خفية.

و الآية بمنزلة التفسير للآية السابقة فكأنّهم يوضحون قولهم: إنّه إفك افتراه و أعانه عليه قوم آخرون بأنّهم كتبوا له أساطير الأوّلين ثمّ يملونها عليه وقتاً بعد وقت بقراءة شي‏ء بعد شي‏ء عليه، و هو يقرؤها على الناس و ينسبها إلى الله سبحانه.

فالآية بتمامها من كلام الّذين كفروا و ربّما قيل: إنّ قوله( اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى‏ عَلَيْهِ ) إلى آخر الآية من كلام الله سبحانه لا من تمام كلامهم، و هو استفهام إنكاريّ لقولهم:( أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ) و السياق لا يساعد عليه.

قوله تعالى: ( قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً ) أمر للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بردّ قولهم و تكذيبهم فيما رموا به القرآن أنّه إفك مفترى و أنّه أساطير الأوّلين اكتتبها فهي تملى عليه وقتاً بعد وقت.

و توصيفه تعالى بأنّه يعلم السرّ أي خفيات الاُمور و بواطنها في السماوات و الأرض للإيذان بأنّ هذا الكتاب الّذي أنزله منطو على أسرار مطوية عن عقول البشر، و فيه تعريض بمجازاتهم على جناياتهم الّتي منها رميهم القرآن بأنّه إفك مفترى و أنّه من الأساطير و هو ممّا يعلمه تعالى.

و قوله:( إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً ) تعليل لما هو المشاهد من إمهالهم و تأخير عقوبتهم على جناياتهم و تكذيبهم للحقّ و جرأتهم على الله سبحانه.

١٩٧

و المعنى: قل إنّ القرآن ليس إفكا مفترى و لا من الأساطير كما يقولون بل كتاب منزل من عند الله سبحانه ضمنه أسراراً خفية لا تصل إلى كنهها عقولكم و لا تحيط بها أحلامكم، و رميكم إيّاه بالإفك و الأساطير و تكذيبكم لحقائقه جناية عظيمة تستحقّون بها العقوبة غير أنّ الله سبحانه أمهلكم و أخر عقوبة جنايتكم لأنّه متّصف بالمغفرة و الرحمة و ذلك يستتبع تأخير العذاب، هذا ملخص ما ذكروه في معنى الآية.

و فيه أنّ السياق لا يساعد عليه فإنّ محصّل معنى الآية على ما فسّروه يرجع إلى ردّ دعوى الكفّار كون القرآن إفكا مفترى و من الأساطير بدعوى أنّه منزل من عندالله منطو على أسرار خفية لا سبيل لهم إلى الوقوف عليها لا مساغ في مقام المخاصمة لردّ الدعوى بدعوى اُخرى مثلها أو هي أخفى منها.

على أنّ التعليل بقوله:( إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً ) إنّما يناسب انتفاء العقوبة من أصلها دون الإمهال و التأخير و إنّما المناسب للإمهال و التأخير من الأسماء هو مثل الحليم و العليم و الحكيم دون الغفور الرحيم.

و الأوفق لمقام المخاصمة و الدفاع بإبانة الحقّ و التعليل بالمغفرة و الرحمة أن يكون قوله:( إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً ) تعليلاً لإنزال الكتاب و قد ذكر قبل ذلك أنّه أنزله على عبده ليكون للعالمين نذيراً و هذه هي النبوّة، و يكون حينئذ وصفه تعالى بعلم السرّ في السماوات و الأرض للإيماء إلى أنّ في سرّهم ما يستدعي شمول المغفرة و الرحمة الإلهيتين لحالهم و هو طلبهم بفطرتهم و جبلتهم للسعادة و العاقبة الحسنى الّتي ليست حقيقتها إلّا السعادة الإنسانيّة بشمول المغفرة و الرحمة و إن أخطأ كثير منهم في تطبيقها على التمتّع بالحياة الدنيا و زينتها الداثرة فيكون حجّة برهانيّة على حقّيّة الدعوة النبويّة المشتملة عليها القرآن، و بطلان دعوى كونه إفكا من أساطير الأوّلين.

١٩٨

و تقرير الحجّة أنّ الله سبحانه يعلم السرّ في السماوات و الأرض و هو يعلم أنّ في سرّكم المستقرّ في سرائركم المجبولة عليه فطرتكم حبّاً للسعادة و طلباً و انتزاعاً للعاقبة الحسنى و حقيقتها فوز الدنيا و الآخرة، و كان سبحانه غفوراً رحيماً و مقتضى ذلك أن يجيبكم إلى ما تسألونه في سرّكم و بلسان فطرتكم فيهديكم إلى سبيله الّتي تضمّن لكم السعادة.

و هذا كتاب ينطق عليكم بسبيله فليس إفكا مفترى على الله و لا من قبيل الأساطير بل هو كتاب يتضمّن ما تسألونه بفطرتكم و تستدعونه في سرّكم فإن استجبتم لداعيه شملتكم المغفرة و الرحمة و إن تولّيتم حرمتم ذلك فهو كتاب منزل من عند الله و لو لم يكن نازلاً من عنده كما يخبر عنه لم يهد إلى حقيقة السعادة و لم يدع إلى محض الحقّ و لاختلفت بياناته فدعاكم تارة إلى ما فيه خيركم و نفعكم و هو الّذي يجلب إليكم المغفرة و الرحمة، و تارة إلى ما هو شرّ لكم و ضارّ و هو الّذي يثير عليكم السخط الإلهيّ و يستوجب لكم العقوبة.

قوله تعالى: ( وَ قالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَ يَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً أَوْ يُلْقى‏ إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها ) هذه حكاية ما طعنوا به في الرسول بعد ما حكى طعنهم في القرآن بقوله:( وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ ) إلخ.

و تعبيرهم عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقولهم:( لِهذَا الرَّسُولِ ) مع تكذيبهم برسالته مبنيّ على التهكّم و الاستهزاء.

١٩٩

و قولهم:( ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَ يَمْشِي فِي الْأَسْواقِ ) استفهام للتعجيب و الوجه فيه أنّ الوثنيّين يرون أنّ البشر لا يسوغ له الاتّصال بالغيب و هو متعلّق الوجود بالمادّة منغمر في ظلماتها، و متلوث بقذاراتها، و لذا يتوسّلون في التوجّه إلى اللاهوت بالملائكة فيعبدونهم ليشفعوا لهم عند الله و يقربوهم من الله زلفى فالملائكة هم المقرّبون عند الله المتّصلون بالغيب المتعيّنون للرسالة لو كانت هناك رسالة، و ليس للبشر شي‏ء من ذلك.

و من هنا يظهر معنى قولهم:( ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَ يَمْشِي فِي الْأَسْواقِ ) و أنّ المراد أنّ الرسالة لا تجامع أكل الطعام و المشي في الأسواق لاكتساب المعاش فإنّها اتّصال غيبي لا يجامع التعلّقات المادّيّة، و ليست إلّا من شؤن الملائكة و لذا قالوا في غير موضع على ما حكاه الله تعالى:( لَوْ شاءَ اللهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ) المؤمنون: ٢٤ أو ما في معناه.

و من هنا يظهر أيضاً أنّ قولهم:( لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً ) تنزل من المشركين في الاقتراح أي كيف يكون هذا المدّعي للرسالة رسولاً و هو يأكل الطعام و يمشي في الأسواق و الرسول لا يكون إلّا ملكاً منزّها عن هذه الخصال المادّيّة فإن، تنزّلنا و سلّمنا رسالته و هو بشر فلينزّل إليه ملك يكون معه نذيراً ليتّصل الإنذار و تبليغ الرسالة بالغيب بتوسّط الملك.

و كذا قولهم:( أَوْ يُلْقى‏ إِلَيْهِ كَنْزٌ ) تنزل عمّا قبله من الاقتراح أي إن لم ينزل إليه ملك و استقل بالرسالة و هو بشر فليلق إليه من السماء كنز حتّى يصرف منه في وجوه حوائجه المادّيّة و لا يكدح في الأسواق في اكتساب ما يعيش به، و نزول الكنز إليه أسهل من نزول الملك إليه ليعينه في تبليغ الرسالة.

٢٠٠