الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٥

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 453

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 453
المشاهدات: 119334
تحميل: 5562


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 453 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 119334 / تحميل: 5562
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 15

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

اتّخذت مع الرسول سبيلاً مّا إلى الهدى أيّ سبيل كانت.

قوله تعالى: ( يا وَيْلَتى‏ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا ) تتمّة تمنّي الظالم النادم على ظلمه، و فلان كناية عن العلم المذكّر و فلانة عن العلم المؤنّث قال الراغب: فلان و فلانة كنايتان عن الإنسان و الفلان و الفلانة - باللّام - كنايتان عن الحيوانات. انتهى.

و المعنى: يا ويلتي - يا هلاكي - ليتني لم أتّخذ فلاناً - و هو من اتّخذه صديقاً يشاوره و يسمع منه و يقلّده - خليلاً.

و ذكر بعضهم: أنّ فلاناً في الآية كناية عن الشيطان، و كأنّه نظراً إلى ما في الآية التالية من حديث خذلان الشيطان للإنسان غير أنّ السياق لا يساعد عليه.

و من لطيف التعبير قوله في الآية السابقة:( يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ ) إلخ و في هذه الآية:( يا وَيْلَتى‏ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ ) إلخ فإنّ في ذلك تدرّجاً لطيفاً في النداء و الاستغاثة فحذف المنادي في الآية السابقة يلوّح إلى أنّه يريد أيّ منج ينجيه ممّا هو فيه من الشقاء و ذكر الويل بعد ذلك - في هذه الآية يدلّ على أنّه بان له أن لا يخلّصه من العذاب شي‏ء قطّ إلّا الهلاك و الفناء، و لذلك نادى الويل.

قوله تعالى: ( لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَ كانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا ) تعليل للتمنّي السابق و المراد بالذكر مطلق ما جاءت به الرسل أو خصوص الكتب السماويّة و ينطبق بحسب المورد على القرآن.

و قوله:( وَ كانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا ) من كلامه تعالى و يمكن أن يكون تتمّة لكلام الظالم ذكره تأسّفاً و تحسّراً.

و الخذلان بضمّ الخاء ترك من يظنّ به أن ينصر نصرته، و خذلانه أنّه يعد الإنسان أن ينصره على كلّ مكروه إن تمسّك بالأسباب و نسي ربّه فلمّا تقطّعت الأسباب بظهور القهر الإلهيّ يوم الموت جزئيّاً و يوم القيامة كلّيّاً خذله و سلّمه إلى الشقاء، قال تعالى:( كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِنْكَ ) الحشر: ١٦ و قال فيما يحكي عن الشيطان يوم القيامة:( ما أَنَا

٢٢١

بِمُصْرِخِكُمْ وَ ما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ ) إبراهيم: ٢٢.

و في هذه الآيات الثلاث إشعار بل دلالة على أنّ السبب العمدة في ضلال أهل الضلال ولاية أهل الأهواء و أولياء الشيطان، و المشاهدة يؤيّد ذلك.

قوله تعالى: ( وَ قالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً ) المراد بالرسول محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقرينة ذكر القرآن، و عبّر عنه بالرسول تسجيلاً لرسالته و إرغاماً لاُولئك القادحين في رسالته و كتابه و الهجر بالفتح فالسكون الترك.

و ظاهر السياق أنّ قوله:( وَ قالَ الرَّسُولُ ) إلخ معطوف على( يَعَضُّ الظَّالِمُ ) و القول ممّا يقوله الرسول يوم القيامة لربّه على طريق البثّ و الشكوى و على هذا فالتعبير بالماضي بعناية تحقّق الوقوع و المراد بالقوم عامّة العرب بل عامّة الاُمّة باعتبار كفرتهم و عصاتهم.

و أمّا كونه استئنافاً أو عطفاً على قوله:( وَ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا ) و كون ما وقع بينهما اعتراضاً فبعيد من السياق و عليه فلفظة قال على ظاهر معناها و المراد بالقوم هم القادحون في رسالته الطاعنون في كتابه.

و نظيره في الضعف قول بعضهم: إنّ المهجور من الهجر بمعنى: الهذيان. و هو ظاهر.

قوله تعالى: ( وَ كَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَ كَفى‏ بِرَبِّكَ هادِياً وَ نَصِيراً ) أي كما جعلنا هؤلاء المجرمين عدوّاً لك كذلك جعلنا لكلّ نبيّ عدوّاً منهم أي هذه من سنّتنا الجارية في الأنبياء و اُممهم فلا يسوأنّك ما تلقى من عداوتهم و لا يشقّنّ عليك ذلك، ففيه تسلية للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و معنى: جعل العدوّ من المجرمين أنّ الله جازاهم على معاصيهم بالختم على قلوبهم فعاندوا الحقّ و أبغضوا الداعي إليه و هو النبيّ فلعداوتهم نسبة إليه تعالى بالمجازاة.

و قوله:( وَ كَفى‏ بِرَبِّكَ هادِياً وَ نَصِيراً ) معناه - على ما يعطيه السياق -

٢٢٢

لا يهولنّك أمر عنادهم و عداوتهم و لا تخافنّهم على اهتداء الناس و نفوذ دينك فيهم و بينهم فحسبك ربّك كفى به هادياً يهدي من استحقّ من الناس الهداية و استعدّ له و إن كفر هؤلاء و عتوا فليس اهتداء الناس منوطاً باهتدائهم و كفى به نصيراً ينصرك و ينصر دينك الّذي بعثك به و إن هجره هؤلاء و لم ينصروك و لا دينك فالجملة مسوقة لإظهار الاستغناء عنهم.

فظهر أنّ صدر الآية مسوق لتسلّي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و ذيله للاستغناء عن المجرمين من قومه، و في قوله:( وَ كَفى‏ بِرَبِّكَ ) حيث اُخذ بصفة الربوبيّة: مضافة إلى ضمير الخطاب و لم يقل: و كفى بالله تأييد له.

( بحث روائي)

في تفسير البرهان، عن كتاب الجنّة و النار بإسناده عن جابر بن يزيد الجعفيّ عن أبي جعفرعليه‌السلام : في حديث يذكر فيه قبض روح الكافر قال: فإذا بلغت الحلقوم ضربت الملائكة وجهه و دبره و قيل:( أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَ كُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ) و ذلك قوله:( يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى‏ يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَ يَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً ) فيقولون حراماً عليكم الجنّة محرّماً.(١)

و في الدرّ المنثور، أخرج عبدالرزّاق و الفاريابيّ و ابن المنذر و ابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طالب قال: الهباء ريح الغبار يسطع ثمّ يذهب فلا يبقى منه شي‏ء فجعل الله أعمالهم كذلك.

و فيه، أخرج سمويه في فوائده عن سالم مولى أبي حذيفة قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليجاء يوم القيامة بقوم معهم حسنات مثال جبال تهامة حتّى إذا جي‏ء بهم جعل الله تعالى أعمالهم هباء ثمّ قذفهم في النار.

قال سالم: بأبي و اُمّي يا رسول الله حل لنا هؤلاء القوم، قال: كانوا يصلّون

____________________

(١) محرّمة ظ.

٢٢٣

و يصومون و يأخذون سنّة من الليل و لكن كانوا إذا عرض عليهم شي‏ء من الحرام وثبوا عليه فأدحض الله تعالى أعمالهم‏

و في الكافي، بإسناده عن سليمان بن خالد قال: سألت أباعبداللهعليه‌السلام عن قول الله عزّوجلّ:( وَ قَدِمْنا إِلى‏ ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً ) قال: أما و الله لقد كانت أعمالهم أشدّ بياضاً من القباطي و لكن كانوا إذا عرض لهم حرام لم يدعوه.

أقول: و هذا المعنى مرويّ فيه و في غيره عنه و عن أبيهعليهما‌السلام بغير واحد من الطرق.

و في الكافي، أيضاً بإسناده عن عبد الأعلى و بإسناد آخر عن سويد بن غفلة قال: قال أميرالمؤمنينعليه‌السلام : في حديث وضع المؤمن في قبره. ثمّ يفسحان يعني الملكين في قبره مدّ بصره ثمّ يفتحان له باباً إلى الجنّة و يقولان له: نم قرير العين نوم الشابّ الناعم فإنّ الله يقول:( أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَ أَحْسَنُ مَقِيلًا ) .

أقول: و الرواية - كما ترى - تجعل الآية من آيات البرزخ، و تشير بقوله: و يقال له: نم إلخ إلى نكتة التعبير في الآية بالمقيل فليتنبّه.

و في الدرّ المنثور، أخرج أبونعيم من طريق الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عبّاس قال: كان عقبة بن أبي معيط لا يقدم من سفر إلّا صنع طعاماً فدعا إليه أهل مكّة كلّهم و كان يكثر مجالسة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و يعجبه حديثه و غلب عليه الشقاء.

فقدم ذات يوم من سفر فصنع طعاماً ثمّ دعا رسول اللهعليه‌السلام إلى طعامه فقال: ما أنا بالّذي آكل من طعامك حتّى تشهد أن لا إله إلّا الله و أنّي رسول الله فقال: أطعم يا ابن أخي. قال: ما أنا بالّذي أفعل حتّى تقول، فشهد بذلك و طعم من طعامه.

فبلغ ذلك اُبيّ بن خلف فأتاه فقال أ صبوت يا عقبة؟. - و كان خليله - فقال: لا و الله ما صبوت و لكن دخل عليّ رجل فأبى أن يطعم من طعامي إلّا أن أشهد له فاستحييت أن يخرج من بيتي قبل أن يطعم فشهدت له فطعم، فقال: ما أنا بالّذي

٢٢٤

أرضى عنك حتّى تأتيه فتبزق في وجهه ففعل عقبة فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا ألقاك خارجاً من مكّة إلّا علوت رأسك بالسيف فاُسر عقبة يوم بدر فقتل صبراً و لم يقتل من الاُسارى يومئذ غيره.

أقول: و قد ورد في غير واحد من الروايات في قوله تعالى:( يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ) ، أنّ السبيل هو عليعليه‌السلام و هو من بطن القرآن أو من قبيل الجري و ليس من التفسير في شي‏ء.

٢٢٥

( سورة الفرقان الآيات ٣٢ - ٤٠)

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً  كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ  وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ( ٣٢ ) وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ( ٣٣ ) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا ( ٣٤ ) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا ( ٣٥ ) فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا ( ٣٦ ) وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً  وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا ( ٣٧ ) وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَٰلِكَ كَثِيرًا ( ٣٨ ) وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ  وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا ( ٣٩ ) وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ  أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا  بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا ( ٤٠ )

( بيان)

نقل لطعن آخر ممّا طعنوا به في القرآن و هو أنّه لم ينزل جملة واحدة و الجواب عنه.

قوله تعالى: ( وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً ) المراد بهم مشركوا العرب الرادّون لدعوة القرآن كما في قدحهم السابق المحكيّ بقوله:( وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ ) إلخ.

٢٢٦

و قوله:( لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً ) قد تقدّم أنّ الإنزال و التنزيل إنّما يفترقان في أنّ الإنزال يفيد الدفعة و التنزيل يفيد التدريج لكن ذكر بعضهم أنّ التنزيل في هذه الآية منسلخ عن معنى التدريج لإدّائه إلى التدافع إذ يكون المعنى على تقدير إرادة التدريج: لو لا فرّق القرآن جملة واحدة و التفريق ينافي الجمليّة بل المعنى هلّا اُنزل القرآن عليه دفعة غير مفرّق كما اُنزل التوراة و الإنجيل و الزبور.

لكن ينبغي أن يعلم أنّ نزول التوراة مثلاً كما هو الظاهر المستفاد من القرآن كانت دفعة في كتاب مكتوب في ألواح و القرآن إنّما كان ينزل عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتلقّي من عند الله بتوسّط الروح الأمين كما يتلقّى السامع الكلام من المتكلّم، و الدفعة في إيتاء كتاب مكتوب و تلقّيه تستلزم المعيّة بين أوّله و آخره لكنّه إذا كان بقراءة و سماع لم يناف التدريج بين أجزائه و أبعاضه بل من الضروري أن يؤتاه القارئ و يتلقّاه السامع آخذاً من أوّله إلى آخره شيئاً فشيئاً.

و هؤلاء إنّما كانوا يقترحون نزول القرآن جملة واحدة على ما كانوا يشاهدون أو يسمعون من كيفيّة نزول الوحي على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو تلقّي الآيات بألفاظها من لسان ملك الوحي فكان اقتراحهم أنّ الّذي يتلوه ملك الوحي على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سورة بعد سورة و آية بعد آية و يتلقّاه هو كذلك فليقرأ جميع ذلك مرّة واحدة و ليتلقّه هو مرّة واحدة و لو دامت القراءة و التلقّي مدّة من الزمان، و هذا المعنى أوفق بالتنزيل الدالّ على التدريج.

و أمّا كون مرادهم من اقتراح نزوله جملة واحدة أن ينزل كتاباً مكتوباً دفعة كما نزلت التوراة و كذا الإنجيل و الزبور على ما هو المعروف عندهم فلا دلالة في الكلام المنقول عنهم على ذلك. على أنّهم ما كانوا مؤمنين بهذه الكتب السماويّة حتّى يسلّموا نزولها دفعة.

و كيف كان فقولهم:( لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً ) اعتراض منهم على القرآن من جهة نحو نزوله، يريدون به أنّه ليس بكتاب سماويّ نازل من

٢٢٧

عندالله سبحانه إذ لو كان كتاباً سماويّاً متضمّناً لدين سماويّ يريده الله من الناس و قد بعث رسولاً يبلّغه الناس لكان الدين المضمّن فيه المراد من الناس ديناً تامّة أجزاؤه معلومة اُصوله و فروعه مجموعة فرائضه و سننه و كان الكتاب المشتمل عليه منظّمة أجزاؤه، مركّبة بعضه على بعض.

و ليس كذلك بل هو أقوال متفرّقة يأتي بها في وقائع مختلفة و حوادث متشتّتة ربّما وقع واقع فأتى عند ذلك بشي‏ء من الكلام مرتبط به يسمّى جملها المنضودة آيات إلهيّة ينسبها إلى الله و يدّعي أنّها قرآن منزّل إليه من عندالله سبحانه و ليس إلّا أنّه يتعمّل حيناً بعد حين عند وقوع وقائع فيختلق قولاً يفتريه على الله، و ليس إلّا رجلاً صابئاً ضلّ عن السبيل. هذا تقرير اعتراضهم على ما يستفاد من مجموع الاعتراض و الجواب.

قوله تعالى: ( كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَ رَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا وَ لا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَ أَحْسَنَ تَفْسِيراً ) الثبات ضدّ الزوال، و الإثبات و التثبيت بمعنى واحد و الفرق بينهما بالدفعة و التدريج، و الفؤاد القلب و المراد به كما مرّ غير مرّة الأمر المدرك من الإنسان و هو نفسه، و الترتيل - كما قالوا - الترسيل و الإتيان بالشي‏ء عقيب الشي‏ء، و التفسير - كما قال الراغب - المبالغة في إظهار المعنى المعقول كما أنّ الفسر بالفتح فالسكون إظهار المعنى المعقول.

و ظاهر السياق أنّ قوله:( كَذلِكَ ) متعلّق بفعل مقدّر يعلّله قوله:( لِنُثَبِّتَ ) و يعطف عليه قوله:( وَ رَتَّلْناهُ ) و التقدير نزّلناه أي القرآن كذلك أي نجوماً متفرّقة لا جملة واحدة لنثبّت به فؤادك، و قول بعضهم: إنّ( كَذلِكَ ) من تمام قول الّذين كفروا سخيف جدّاً.

فقوله:( كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ ) بيان تامّ لسبب تنزيل القرآن نجوماً متفرّقة و بيان ذلك أنّ تعليم علم من العلوم و خاصّة ما كان منها مرتبطاً بالعمل بإلقاء المعلّم مسائله واحدة بعد واحدة إلى المتعلّم حتّى تتمّ فصوله و أبوابه إنّما يفيد حصولاً ما لصور مسائله عند المتعلّم و كونها مذخورة بوجه ما عنده يراجعها عند مسيس

٢٢٨

الحاجة إليها، و أمّا استقرارها في النفس بحيث تنمو النفس عليها و تترتّب عليها آثارها المطلوبة منها فيحتاج إلى مسيس الحاجة و الإشراف على العمل و حضور وقته.

ففرق بيّن بين أن يلقي الطبيب المعلّم مثلاً مسألة طبّيّة إلى متعلّم الطبّ إلقاء فحسب و بين أن يلقيها إليه و عنده مريض مبتلى بما يبحث عنه من الداء و هو يعالجه فيطابق بين ما يقول و ما يفعل.

و من هنا يظهر أنّ إلقاء أيّ نظرة علميّة عند مسيس الحاجة و حضور وقت العمل إلى من يراد تعليمه و تربيته أثبت في النفس و أوقع في القلب و أشدّ استقراراً و أكمل رسوخاً في الذهن و خاصّة في المعارف الّتي تهدي إليها الفطرة فإنّ الفطرة إنّما تستعدّ للقبول و تتهيّؤ للإذعان إذا أحسّت بالحاجة.

ثمّ إنّ المعارف الّتي تتضمّنها الدعوة الإسلاميّة الناطق بها القرآن إنّما هي شرائع و أحكام عمليّة و قوانين فرديّة و اجتماعيّة تسعد الحياة الإنسانيّة مبنيّة على الأخلاق الفاضلة المرتبطة بالمعارف الكلّيّة الإلهيّة الّتي تنتهي بالتحليل إلى التوحيد كما أنّ التوحيد ينتهي بالتركيب إليها ثمّ إلى الأخلاق و الأحكام العمليّة.

فأحسن التعليم و أكمل التربية أن تلقى هذه المعارف العالية بالتدريج موزّعة على الحوادث الواقعة المتضمّنة لمساس أنواع الحاجات مبيّنة لما يرتبط بها من الاعتقاد الحقّ و الخلق الفاضل و الحكم العمليّ المشروع مع ما يتعلّق بها من أسباب الاعتبار و الاتّعاظ بين قصص الماضين و عاقبة أمر المسرفين و عتوّ الطاغين و المستكبرين.

و هذه سبيل البيانات القرآنيّة المودعة في آياته النازلة كما قال تعالى:( وَ قُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى‏ مُكْثٍ وَ نَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا ) إسراء: ١٠٦ و هذا هو المراد بقوله تعالى:( كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ ) و الله أعلم.

نعم يبقى عليه شي‏ء و هو أنّ تفرّق أجزاء التعليم و إلقاءها إلى المتعلّم على

٢٢٩

التمهّل و التؤدة يفسد غرض التعليم لانقطاع أثر السابق إلى أن يلحق به اللّاحق و سقوط الهمّة و العزيمة عن ضبط المطالب ففي اتّصال أجزاء العلم الواحد بعضها ببعض إمدادا للذهن و تهيئة للفهم على التفقّه و الضبط لا يحصل بدونه البتّة.

و قد أجاب تعالى عنه بقوله:( وَ رَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا ) فمعناه على ما يعطيه السياق أنّ هذه التعليمات على نزولها نجوماً متفرّقة عقّبنا بعضها ببعض و نزّلنا بعضها إثر بعض بحيث لا تبطل الروابط و لا تنقطع آثار الأبعاض فلا يفسد بذلك غرض التعليم بل هي سور و آيات نازلة بعضها إثر بعض مترتّبة مرتّلة.

على أنّ هناك أمراً آخر و هو أنّ القرآن كتاب بيان و احتجاج يحتجّ على المؤالف و المخالف فيما اُشكل عليهم أو استشكلوه على الحقّ و الحقيقة بالتشكيك و الاعتراض، و يبيّن لهم ما التبس عليهم أمره من المعارف و الحكم الواقعة في الملل و الأديان السابقة و ما فسّرها به علماؤهم بتحريف الكلم عن مواضعه كما يظهر بقياس ما كان يعتقده الوثنيّون في الله تعالى و الملائكة و الجنّ و قدّيسي البشر و ما وقع في العهدين من أخبار الأنبياء و ما بثّوه من معارف المبدإ و المعاد، إلى ما بيّنه القرآن في ذلك.

و هذا النوع من الاحتجاج و البيان لا يستوفي حقّه إلّا بالتنزيل التدريجيّ على حسب ما كان يبدو من شبههم و يرد على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مسائلهم تدريجاً، و يورد على المؤمنين أو على قومهم من تسويلاتهم شيئاً بعد شي‏ء و حيناً بعد حين.

و إلى هذا يشير قوله تعالى:( وَ لا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَ أَحْسَنَ تَفْسِيراً ) - و المثل الوصف - أي لا يأتونك بوصف فيك أو في غيرك حادوا به عن الحقّ أو أساؤا تفسيره إلّا جئناك بما هو الحقّ فيه أو ما هو أحسن الوجوه في تفسيره فإنّ ما أتوا به إمّا باطل محض فالحقّ يدفعه أو حقّ محرّف عن موضعه فالتفسير الأحسن يردّه إلى مستواه و يقوّمه.

فتبيّن بما تقدّم أنّ قوله:( كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ - إلى قوله -وَ أَحْسَنَ تَفْسِيراً ) جواب عن قولهم:( لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً ) بوجهين:

٢٣٠

أحدهما: بيان السبب الراجع إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو تثبيت فؤاده بالتنزيل التدريجيّ.

و ثانيهما: بيان السبب الراجع إلى الناس و هو بيان الحقّ فيما يوردون على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المثل و الوصف الباطل، و التفسير بأحسن الوجوه فيما يوردون عليه من الحقّ المغيّر عن وجهه المحرّف عن موضعه.

و يلحق بهذا الجواب قوله تلواً:( الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى‏ وُجُوهِهِمْ إِلى‏ جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَ أَضَلُّ سَبِيلًا ) فهو كالمتمّم للجواب على ما سيجي‏ء بيانه.

و تبيّن أيضاً أنّ الآيات الثلاث مسوقة جميعاً لغرض واحد و هو الجواب عمّا أوردوه من القدح في القرآن هذا، و المفسّرون فرّقوا بين مضامين الآيات الثلاث فجعلوا قوله:( كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ ) جواباً عن قولهم:( لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً ) ، و قوله:( وَ رَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا ) خبراً عن ترسيله في النزول أو في القراءة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غير ارتباط بما تقدّمه.

و جعلوا قوله:( وَ لا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ ) إلخ، كالبيان لقوله:( كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ ) و إيضاحاً لكيفيّة تثبيت فؤادهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و جعله بعضهم ناظراً إلى خصوص المثل الّذي ضربوه للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و أنّ الله بيّن الحقّ فيه و جاء بأحسن التفسير و قيل غير ذلك، و جعلوا قوله:( الَّذِينَ يُحْشَرُونَ ) الآية أجنبيّاً عن غرض الآيتين السابقتين بالكلّيّة.

و التأمّل فيما قدّمناه في توجيه مضمون الآيتين الاُوليين و ما سيأتي من معنى الآية الثالثة يوضح فساد جميع ذلك، و يظهر أنّ الآيات الثلاث جميعاً ذات غرض واحد و هو الجواب عمّا أوردوه من الطعن في القرآن من جهة نزوله التدريجيّ.

و ذكروا أيضاً أنّ الجواب عن قدحهم و اقتراحهم بقوله:( كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ ) جواب بذكر بعض ما لتفريق النزول من الفوائد و أنّ هناك فوائد اُخرى غير ما ذكره الله تعالى، و قد أوردوا فوائد اُخرى أضافوها إلى ما وقع في الآية:

٢٣١

منها: أنّ الكتب السماويّة السابقة على القرآن إنّما اُنزلت جملة واحدة لأنّها اُنزلت على أنبياء يكتبون و يقرؤن فنزلت عليهم جملة واحدة مكتوبة و القرآن إنّما نزّل على نبيّ اُمّيّ لا يكتب و لا يقرأ و لذلك نزّل متفرّقاً.

و منها أنّ الكتب المتقدّمة لم يكن شاهد صحّتها و دليل كونها من عندالله تعالى إعجازها، و أمّا القرآن فبيّنة صحّته و آية كونه من عندالله تعالى نظمه المعجز الباقي على مرّ الدهور المتحقّق في كلّ جزء من أجزائه المقدّر بمقدار أقصر السور حسبما وقع به التحدّي.

و لا ريب أنّ مدار الإعجاز هو المطابقة لما تقتضيه الأحوال، و من ضرورة تجدّدها تجدّد ما يطابقها.

و منها: أنّ في القرآن ناسخاً و منسوخاً و لا يتيسّر الجمع بينهما لمكان المضادّة و المنافاة، و فيه ما هو جواب لمسائل سألوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنها و فيه ما هو إنكار لبعض ما كان، و فيه ما هو حكاية لبعض ما جرى، و فيه ما فيه إخبار عمّا سيأتي في زمن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كالإخبار عن فتح مكّة و دخول المسجد الحرام، و الإخبار عن غلبة الروم على الفرس إلى غير ذلك من الفوائد فاقتضت الحكمة تنزيله متفرّقاً.

و هذه وجوه ضعيفة لا تقتضي امتناع النزول جملة واحدة:

أمّا الوجه الأوّل فكون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اُمّيّاً لا يقرأ و لا يكتب لا يمنع النزول جملة واحدة، و قد كان معه من يكتبه و يحفظه. على أنّ الله سبحانه وعده أن يعصمه من النسيان و يحفظ الذكر النازل عليه كما قال:( سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) الأعلى: ٦، و قال:( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ) الحجر: ٩، و قال:( إِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ ) حم السجدة: ٤٢، و قدرته تعالى على حفظ كتابه مع نزوله دفعة أو تدريجاً سواء.

و أمّا الوجه الثاني: فكما أنّ الكلام المفرّق يقارنه أحوال تقتضي في نظمه اُموراً إن اشتمل عليها الكلام كان بليغاً و إلّا فلا، كذلك الكلام الجمليّ و إن كان

٢٣٢

كتاباً يقارنه بحسب فصوله و أجزائه أحوال لها اقتضاءات إن طابقها كان بليغاً و إلّا فلا فالبلاغة غير موقوفة على غير الكتاب النازل دفعة و الكلام المجموع جملة واحدة.

و أمّا الوجه الثالث فالنسخ ليس إبطالاً للحكم السابق و إنّما هو بيان انتهاء أمده فمن الممكن الجمع بين الحكمين و المنسوخ و الناسخ بالإشارة إلى أنّ الحكم الأوّل محدود موقّت إن اقتضت المصلحة ذلك.

و من الممكن أيضاً أن يقدّم بيان المسائل الّتي سيسألون عنها حتّى لا يحتاجوا فيها إلى سؤال و لو سألوا عن شي‏ء منها اُرجعوا إلى سابق البيان، و كذا من الممكن أن يقدّم ذكر ما هو إنكار لما كان أو حكاية لما جرى أو إخبار عن بعض المغيبات فشي‏ء من ذلك لا يمتنع تقديمه كما هو ظاهر.

على أنّ تفريق النزول لبعض هذه الحكم و المصالح من تثبيت الفؤاد فليست هذه الوجوه المذكورة وجوها على حدتها.

فالحقّ أنّ البيان الواقع في الآية بيان تامّ جامع لا حاجة معه إلى شي‏ء من هذه الوجوه البتّة.

قوله تعالى: ( الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى‏ وُجُوهِهِمْ إِلى‏ جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَ أَضَلُّ سَبِيلًا ) اتّصال الآية بما قبلها من الآيات على ما لها من السياق يعطي أنّ هؤلاء القادحين في القرآن استنتجوا من قدحهم ما لا يليق بمقام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فذكروه واصفين له بسوء المكانة و ضلال السبيل فلم يذكره الله تعالى في ضمن ما حكى من قولهم في القرآن صوناً لمقام النبوّة أن يذكر بسوء، و إنّما أشار إلى ذلك في ما أورد في هذه الآية من الردّ عليهم بطريق التكنية.

فقوله:( الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى‏ وُجُوهِهِمْ إِلى‏ جَهَنَّمَ ) كناية عن الّذين كفروا القادحين في القرآن الواصفين للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما وصفوا، و الكناية أبلغ من التصريح.

فالمراد أنّ هؤلاء القادحين في القرآن الواصفين لك هم شرّ مكاناً و أضلّ سبيلاً لا أنت فالكلام مبنيّ على قصر القلب، و لفظتا( شَرٌّ ) و( أَضَلُّ ) منسلختان عن معنى التفضيل أو مفيدتان على التهكّم و نحوه.

٢٣٣

و قد كنّى عنهم بالمحشورين على وجوههم إلى جهنّم و هو وصف من أضلّه الله من المتعنّتين المنكرين للمعاد كما قال تعالى:( وَ مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَ مَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَ نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى‏ وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَ بُكْماً وَ صُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا ) الخ إسراء: ٩٨.

ففي هذه التكنية مضافاً إلى كونها أبلغ، تهديد لهم بشرّ المكان و أليم العذاب و أيضاً هي في معنى الاحتجاج على ضلالهم إذ لا ضلال أضلّ من أن يسير الإنسان على وجهه و هو لا يشعر بما في قدّامه، و هذا الضلال الّذي في حشرهم على وجوههم إلى جهنّم ممثّل للضلال الّذي كان لهم في الدنيا فكأنّه قيل: إنّ هؤلاء هم الضالّون فإنّهم محشورون على وجوههم، و لا يبتلي بذلك إلّا من كان ضالّاً في الدنيا.

و قد اختلفت كلماتهم في وجه اتّصال الآية بما قبلها فسكت عنه بعضهم، و ذكر في مجمع البيان، أنّهم قالوا لمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و المؤمنين: إنّهم شرّ خلق الله فقال الله تعالى:( أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَ أَضَلُّ سَبِيلًا ) و ذكر بعضهم أنّها متّصلة بقوله قبل آيات:( أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَ أَحْسَنُ مَقِيلًا ) و قد عرفت ما يلوح من السياق.

و قد اختلفوا أيضاً في المراد بحشرهم على وجوههم فقيل: و هو على ظاهره و هو الانتقال مكبوباً، و قيل: هو السحب.

و قيل: هو الانتقال من مكان إلى مكان منكوساً و هو خلاف المشي على الاستقامة و فيه أنّ الأولى حينئذ التعبير بالحشر على الرؤس لا على الوجوه، و قد قال تعالى في موضع آخر و هو كتوصيف ما يجري بعد هذا الحشر:( يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى‏ وُجُوهِهِمْ ) القمر: ٤٨.

و قيل: المراد به فرط الذلّة و الهوان و الخزي مجازاً. و فيه أنّ المجاز إنّما يصار إليه إذا لم يمكن حمل اللفظ على الحقيقة.

٢٣٤

و قيل: هو من قول العرب: مرّ فلان على وجهه إذا لم يُدر أين ذهب؟ و فيه أنّ مرجعه إلى الجهل بالمكان المحشور إليه و لا يناسب ذلك تقييد الحشر في الآية بقوله:( إِلى‏ جَهَنَّمَ ) .

و قيل: الكلام كناية أو استعارة تمثيليّة، و المراد أنّهم يحشرون و قلوبهم متعلّقة بالسفليّات من الدنيا و زخارفها متوجّهة وجوههم إليها. و اُورد عليه أنّهم هناك في شغل شاغل عن التوجّه إلى الدنيا و تعلّق القلوب بها، و لعلّ المراد به بقاء آثار ذلك فيهم و عليهم.

و فيه أنّ مقتضى آيات تجسّم الأعمال كون العذاب ممثّلاً للتعلّق بالدنيا و التوجّه نحوها فهم في الحقيقة لا شغل لهم يومئذ إلّا ذلك.

قوله تعالى: ( وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَ جَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً ) استشهاد على رسالة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و نزول الكتاب عليه قبال تكذيب الكفّار به و بكتابه برسالة موسى و إيتائه الكتاب و إشراك هارون في أمره للتخلّص إلى ذكر تعذيب آل فرعون و إهلاكهم، و معنى الآية ظاهر.

قوله تعالى: ( فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً ) قال في مجمع البيان: التدمير الإهلاك لأمر عجيب، و منه التنكيل يقال: دمّر على فلان إذا هجم عليه بالمكروه. انتهى.

و المراد بالآيات آيات الآفاق و الأنفس الدالّة على التوحيد الّتي كذّبوا بها، و ذكر أبو السعود في تفسيره أنّ الآيات هي المعجزات التسع المفصّلات الظاهرة على يدي موسىعليه‌السلام و لم يوصف القوم لهما عند إرسالهما إليهم بهذا الوصف ضرورة تأخّر تكذيب الآيات عن إظهارها المتأخّر عن ذهابهما المتأخّر عن الأمر به بل إنّما وصفوا بذلك عند الحكاية لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بياناً لعلّة استحقاقهم لما يحكى بعده من التدمير أي فذهبا إليهم فأرياهم آياتنا كلّها فكذّبوها تكذيباً مستمرّاً فدمّرناهم. انتهى. و هو حسن لو تعيّن حمل الآيات على آيات موسىعليه‌السلام .

و وجه اتّصال الآيتين بما قبلهما هو تهديد القادحين في كتاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٢٣٥

و رسالته بتنظير الأمر بأمر موسى حيث آتاه الله الكتاب و أرسله مع أخيه إلى قوم فرعون فكذّبوه فدمّرهم تدميراً.

و لهذه النكتة قدّم ذكر إيتاء الكتاب على إرسالهما إلى القوم و تدميرهم مع أنّ التوراة إنّما نزلت بعد غرق فرعون و جنوده فلم يكن الغرض من القصّة إلّا الإشارة إلى إيتاء الكتاب و الرسالة لموسى و تدمير القوم بالتكذيب.

و قيل: الآيتان متّصلتان بقوله تعالى قبل:( وَ كَفى‏ بِرَبِّكَ هادِياً وَ نَصِيراً ) و هو بعيد.

قوله تعالى: ( وَ قَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَ جَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَ أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً ) الظاهر أنّ قوله:( قَوْمَ نُوحٍ ) منصوب بفعل مقدّر يدلّ عليه قوله:( أَغْرَقْناهُمْ ) .

و المراد بتكذيبهم الرسل تكذيبهم نوحاً فإنّ تكذيب الواحد من رسل الله تكذيب للجميع لاتّفاقهم على كلمة الحقّ. على أنّ هؤلاء الاُمم كانوا أقواماً وثنيّين و هم ينكرون النبوّة و يكذّبون الرسالة من رأس.

و قوله:( وَ جَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً ) أي لمن بقي بعدهم من ذراريهم، و الباقي ظاهر.

قوله تعالى: ( وَ عاداً وَ ثَمُودَ وَ أَصْحابَ الرَّسِّ وَ قُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً ) قال في مجمع البيان: الرّس البئر الّتي لم تطو ذكروا أنّهم كانوا قوماً بعد ثمود نازلين على بئر أرسل الله إليهم رسولاً فكذّبوا به فأهلكهم الله، و قيل هو اسم نهر كانوا على شاطئه و في روايات الشيعة ما يؤيّد ذلك.

و قوله:( وَ عاداً ) إلخ معطوف على( قَوْمَ نُوحٍ ) و التقدير: و دمّرنا أو و أهلكنا عاداً و ثمود و أصحاب الرسّ إلخ.

و قوله:( وَ قُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً ) القرن أهل عصر واحد و ربّما يطلق على نفس العصر و الإشارة بذلك إلى من مرّ ذكرهم من الأقوام أوّلهم قوم نوح و آخرهم أصحاب الرسّ أو قوم فرعون، و المعنى و دمّرنا أو و أهلكنا عاداً و هم قوم هود، و

٢٣٦

ثمود و هم قوم صالح، و أصحاب الرسّ، و قروناً كثيراً متخلّلين بين هؤلاء الّذين ذكرناهم و هم قوم نوح فمن بعدهم.

قوله تعالى: ( وَ كُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَ كُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً ) كلّا منصوب بفعل يدلّ عليه قوله:( ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ ) فإنّ ضرب الأمثال في معنى التذكير و الموعظة و الإنذار، و التتبير التفتيت، و معنى الآية.

قوله تعالى: ( وَ لَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَ فَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً ) هذه القرية هي قرية قوم لوط أمطر الله عليهم حجارة من سجّيل و قد مرّ تفصيل قصصهم في السور السابقة.

و قوله:( أَ فَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها ) استفهام توبيخيّ فإنّ القرية كانت على طريق أهل الحجاز إلى الشام.

و قوله:( بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً ) أي لا يخافون معاداً أو كانوا آيسين من المعاد، و هذا كقوله تعالى فيما تقدّم:( بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ ) و المراد به أنّ المنشأ الأصيل لتكذيبهم بالكتاب و الرسالة و عدم اتّعاظهم بهذه المواعظ الشافية و عدم اعتبارهم بما يعتبر به المعتبرون أنّهم منكرون للمعاد فلا ينجح فيهم دعوة و لا تقع في قلوبهم حكمة و لا موعظة.

( بحث روائي)

في العيون، بإسناده عن أبي الصلت الهرويّ عن الرضا عن أميرالمؤمنينعليهما‌السلام : حديث طويل يذكر فيه قصّة أصحاب الرسّ، ملخّصه أنّهم كانوا قوماً يعبدون شجرة صنوبرة يقال لها شاه‏درخت كان يافث بن نوح غرسها بعد الطوفان على شفير عين يقال لها: روشن آب و كان لهم اثنتا عشرة قرية معمورة على شاطئ نهر يقال له الرسّ يسمّين بأسماء: آبان، آذر، دي، بهمن، إسفندار، فروردين، اُرديبهشت خرداد، مرداد، تير، مهر، شهريور، و منها اشتقّ العجم أسماء شهورهم.

٢٣٧

و قد غرسوا في كلّ قرية منها من طلع تلك الصنوبرة حبّة. أجروا عليها نهراً من العين الّتي عند الصنوبرة، و حرّموا شرب مائها على أنفسهم و أنعامهم و من شرب منه قتلوه و يقولون: إنّه حياة الآلهة فلا ينبغي لأحد أن ينقص حياتها.

و قد جعلوا في كلّ شهر من السنة يوماً في كلّ قرية عيداً يخرجون فيه إلى الصنوبرة الّتي خارج القرية يقرّبون إليها القرابين و يذبحون الذبائح ثمّ يحرقونها في نار أضرموها فيسجدون للشجرة عند ارتفاع دخانها و سطوعه في السماء و يبكون و يتضرّعون و الشيطان يكلّمهم من الشجرة.

و هذا دأبهم في القرى حتّى إذا كان يوم عيد قريتهم العظمى الّتي كان يسكنها ملكهم و اسمها إسفندار اجتمع إليها أهل القرى جميعاً و عيّدوا اثني عشر يوماً، و جاؤا بأكثر ما يستطيعونه من القرابين و العبادات للشجرة و كلّمهم إبليس و هو يعدّهم و يمنّيهم أكثر ممّا كان من الشياطين في سائر الأعياد من سائر الشجر.

و لما طال منهم الكفر بالله و عبادة الشجرة بعث الله إليهم رسولاً من بني إسرائيل من ولد يهوداً فدعاهم إلى عبادة الله و ترك الشرك برهة فلم يؤمنوا فدعا على الشجرة فيبست فلمّا رأوا ذلك ساءهم فقال بعضهم: إنّ هذا الرجل سحر آلهتنا، و قال آخرون: إنّ آلهتنا غضبت علينا بذلك لما رأت هذا الرجل يدعونا إلى الكفر بها فتركناه و شأنه من غير أن نغضب عليه لآلهتنا.

فاجتمعت آراؤهم على قتله فحفروا بئراً عميقاً و ألقوه فيها و شدّوا رأسها فلم يزالوا عليها يسمعون أنينه حتّى مات فأتبعهم الله بعذاب شديد أهلكهم عن آخرهم.

و في نهج البلاغة، قالعليه‌السلام : أين أصحاب مدائن الرسّ الّذين قتلوا النبيّين و أطفأوا سنن المرسلين و أحيوا سنن الجبّارين.

و في الكافي، بإسناده عن محمّد بن أبي حمزة و هشام و حفص عن أبي عبداللهعليه‌السلام : أنّه دخل عليه نسوة فسألته امرأة منهنّ عن السحق فقال: حدّها حدّ الزاني فقالت المرأة: ما ذكره الله عزّوجلّ في القرآن، فقال: بلى، فقالت: و أين هو؟ قال: هنّ الرسّ.

٢٣٨

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي الدنيا في ذمّ الملاهي و البيهقيّ و ابن عساكر عن جعفر بن محمّد بن عليّ: أنّ امرأتين سألتاه: هل تجد غشيان المرأة المرأة محرّماً في كتاب الله؟ قال: نعم هنّ اللّواتي كنّ على عهد تبّع، و هنّ صواحب الرسّ، و كلّ نهر و بئر رسّ.

قال: يقطع لهنّ جلباب من نار، و درع من نار، و نطاق من نار، و تاج من نار، و خفّان من نار، و من فوق ذلك ثوب غليظ جاف جاسف منتن من نار. قال جعفر: علّموا هذا نساءكم.

أقول: و روى القمّيّ عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن جميل عن أبي عبداللهعليه‌السلام ما في معناه.

و في تفسير القمّيّ، بإسناده عن حفص بن غياث عن أبي عبداللهعليه‌السلام : في قوله تعالى:( وَ كُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً ) يعني( كسّرنا تكسيراً) قال: هي لفظة بالنبطيّة.

و فيه، و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: و أمّا القرية الّتي اُمطرت مطر السوء فهي سدوم قرية قوم لوط أمطر الله عليهم حجارة من سجّيل يعني من طين.

٢٣٩

( سورة الفرقان الآيات ٤١ - ٦٢)

وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولًا ( ٤١ ) إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا  وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا ( ٤٢ ) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ( ٤٣ ) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ  إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ  بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ( ٤٤ ) أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا ( ٤٥ ) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا ( ٤٦ ) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا ( ٤٧ ) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ  وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ( ٤٨ ) لِّنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا ( ٤٩ ) وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَىٰ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا ( ٥٠ ) وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيرًا ( ٥١ ) فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ( ٥٢ ) وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَّحْجُورًا ( ٥٣ ) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا  وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا ( ٥٤ ) وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لَا يَنفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ  وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِ ظَهِيرًا ( ٥٥ ) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ( ٥٦ )

٢٤٠