الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٥

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 453

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 453
المشاهدات: 119335
تحميل: 5562


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 453 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 119335 / تحميل: 5562
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 15

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

قِيلًا سَلاماً سَلاماً ) الواقعة: ٢٦، و يرجع إلى عدم مقابلتهم الجهل بالجهل.

و هذه - كما قيل - صفة نهارهم إذا انتشروا في الناس و أمّا صفة ليلهم فهي الّتي تصفها الآية التالية.

قوله تعالى: ( وَ الَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَ قِياماً ) البيتوتة إدراك الليل سواء نام أم لا، و( لِرَبِّهِمْ ) متعلّق بقوله:( سُجَّداً ) و السجّد و القيام جمعاً ساجد و قائم، و المراد عبادتهم له تعالى بالخرور على الأرض و القيام على السوق، و من مصاديقه الصلاة.

و المعنى: و هم الّذين يدركون الليل حال كونهم ساجدين فيه لربّهم و قائمين يتراوحون سجوداً و قياماً، و يمكن أن يراد به التهجّد بنوافل الليل.

قوله تعالى: ( وَ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً ) الغرام ما ينوب الإنسان من شدّة أو مصيبة فيلزمه و لا يفارقه و الباقي ظاهر.

قوله تعالى: ( إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَ مُقاماً ) الضمير لجهنّم و المستقرّ و المقام اسماً مكان من الاستقرار و الإقامة، و الباقي ظاهر.

قوله تعالى: ( وَ الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَ كانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً ) ، الإنفاق بذل المال و صرفه في رفع حوائج نفسه أو غيره، و الإسراف الخروج عن الحدّ و لا يكون إلّا في جانب الزيادة، و هو في الإنفاق التعديّ عمّا ينبغي الوقوف عليه في بذل المال، و القتر بالفتح فالسكون التقليل في الإنفاق و هو بإزاء الإسراف على ما ذكره الراغب، و القتر و الإقتار و التقتير بمعنى.

و القوام بالفتح الواسط العدل، و بالكسر ما يقوم به الشي‏ء و قوله:( بَيْنَ ذلِكَ ) متعلّق بالقوام، و المعنى: و كان إنفاقهم وسطاً عدلاً بين ما ذكر من الإسراف و القتر فقوله:( وَ كانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً ) تنصيص على ما يستفاد من قوله( إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا ) ، فصدر الآية ينفي طرفي الإفراط و التفريط في الإنفاق، و ذيلها يثبت الوسط.

٢٦١

قوله تعالى: ( وَ الَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ ) إلى آخر الآية هذا هو الشرك و اُصول الوثنيّة لا تجيز دعاءه تعالى و عبادته أصلاً لا وحده و لا مع آلهتهم و إنّما توجب دعاء آلهتهم و عبادتهم ليقرّبوهم إلى الله زلفى و يشفعوا لهم عنده.

فالمراد بدعائهم مع الله إلهاً آخر إمّا التلويح إلى أنّه تعالى إله مدعوّ بالفطرة على كلّ حال فدعاء غيره دعاء لإله آخر معه و إن لم يذكر الله.

أو أنّه تعالى ثابت في نفسه سواء دعي غيره أم لا فالمراد بدعاء غيره دعاء إله آخر مع وجوده و بعبارة اُخرى تعدّيه إلى غيره.

أو إشارة إلى ما كان يفعله جهلة مشركي العرب فإنّهم كانوا يرون أنّ دعاء آلهتهم إنّما ينفعهم في البرّ و أمّا البحر فإنّه لله لا يشاركه فيه أحد فالمراد دعاؤه تعالى في مورد كما عند شدائد البحر من طوفان و نحوه و دعاء غيره معه في مورد و هو البرّ، و أحسن الوجوه أوسطها.

و قوله:( وَ لا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ) أي لا يقتلون النفس الإنسانيّة الّتي حرّم الله قتلها في حال من الأحوال إلّا حال تلبّس القتل بالحقّ كقتلها قصاصاً و حدّاً.

و قوله تعالى:( وَ لا يَزْنُونَ ) أي لا يطؤن الفرج الحرام و قد كان شائعاً بين العرب في الجاهليّة، و كان الإسلام معروفاً بتحريم الزنا و الخمر من أوّل ما ظهرت دعوته.

و قوله:( وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً ) الإشارة بذلك إلى ما تقدّم ذكره و هو الشرك و قتل النفس المحترمة بغير حقّ و الزنا، و الآثام الإثم و هو وبال الخطيئة و هو الجزاء بالعذاب الّذي سيلقاه يوم القيامة المذكور في الآية التالية.

قوله تعالى: ( يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ يَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً ) بيان للقاء الآثام، و قوله:( وَ يَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً ) أي يخلد في العذاب و قد وقعت عليه الإهانة.

و الخلود في العذاب في الشرك لا ريب فيه، و أمّا الخلود فيه عند قتل النفس المحترمة و الزنا و هما من الكبائر و قد صرّح القرآن بذلك فيهما و كذا في أكل

٢٦٢

الربا فيمكن أن يحمل على اقتضاء طبع المعصية ذلك كما ربّما استفيد من ظاهر قوله:( إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ) .

أو يحمل الخلود على المكث الطويل أعمّ من المنقطع و المؤبّد أو يحمل قوله:( وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ) على فعل جميع الثلاثة لأنّ الآيات في الحقيقة تنزّه المؤمنين عمّا كان الكفّار مبتلين به و هو الجميع دون البعض.

قوله تعالى: ( إِلَّا مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَ كانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً ) استثناء من لقي الآثام و الخلود فيه، و قد اُخذ في المستثنى التوبة و الإيمان و إتيان العمل الصالح، أمّا التوبة و هي الرجوع عن المعصية و أقلّ مراتبها الندم فلو لم يتحقّق لم ينتزع العبد عن المعصية و لم يزل مقيماً عليها، و أمّا إتيان العمل الصالح فهو ممّا تستقر به التوبة و به تكون نصوحاً.

و أمّا أخذ الإيمان فيدلّ على أنّ الاستثناء إنّما هو من الشرك فتختصّ الآية بمن أشرك و قتل و زنا أو بمن أشرك سواء أتى معه بشي‏ء من القتل المذكور و الزنا أو لم يأت، و أمّا من أتى بشي‏ء من القتل و الزنا من غير شرك فالمتكفّل لبيان حكم توبته الآية التالية.

و قوله:( فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ ) تفريع على التوبة و الإيمان و العمل الصالح يصف ما يترتّب على ذلك من جميل الأثر و هو أنّ الله يبدّل سيّئاتهم حسنات.

و قد قيل في معنى ذلك أنّ الله يمحو سوابق معاصيهم بالتوبة و يثبت مكانها لواحق طاعاتهم فيبدّل الكفر إيماناً و القتل بغير حقّ جهاداً و قتلاً بالحقّ و الزنا عفّة و إحصاناً.

و قيل: المراد بالسيّئات و الحسنات ملكاتهما لا نفسهما فيبدّل ملكة السيّئة ملكة الحسنة.

و قيل: المراد بهما العقاب و الثواب عليهما لا نفسهما فيبدّل عقاب القتل و الزنا مثلاً ثواب القتل بالحقّ و الإحصان.

٢٦٣

و أنت خبير بأنّ هذه الوجوه من صرف الكلام عن ظاهره بغير دليل يدلّ عليه.

و الّذي يفيد ظاهر قوله:( يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ ) و قد ذيّله بقوله:( وَ كانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً ) أنّ كلّ سيّئة منهم نفسها تتبدّل حسنة، و ليست السيّئة هي متن الفعل الصادر من فاعله و هو حركات خاصّة مشتركة بين السيّئة و الحسنة كعمل المواقعة مثلاً المشترك بين الزنا و النكاح، و الأكل المشترك بين أكل المال غصباً و بإذن من مالكه بل صفة الفعل من حيث موافقته لأمر الله و مخالفته له مثلاً من حيث إنّه يتأثّر به الإنسان و يحفظ عليه دون الفعل الّذي هو مجموع حركات متصرّمة متقضيّة فانية و كذا عنوانه القائم به الفاني بفنائه.

و هذه الآثار السيّئة الّتي يتبعها العقاب أعني السيّئات لازمة للإنسان حتّى يؤخذ بها يوم تبلى السرائر.

و لو لا شوب من الشقوة و المساءة في الذات لم يصدر عنها عمل سيّئ إذ الذات السعيدة الطاهرة من كلّ وجه لا يصدر عنها سيّئة قذرة فالأعمال السيّئة إنّما تلحق ذاتاً شقيّة خبيثة بذاتها أو ذاتاً فيها شوب من شقاء و خباثة.

و لازم ذلك إذا تطهّرت بالتوبة و طابت بالإيمان و العمل الصالح فتبدّلت ذاتاً سعيدة ما فيها شوب من قذارة الشقاء أن تتبدّل آثارها اللازمة الّتي كانت سيّئات قبل ذلك فتناسب الآثار للذات بمغفرة من الله و رحمة و كان الله غفوراً رحيماً.

و إلى مثل هذا يمكن أن تكون الإشارة بقوله:( فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَ كانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً ) .

قوله تعالى: ( وَ مَنْ تابَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتاباً ) المتاب مصدر ميميّ للتوبة، و سياق الآية يعطي أنّها مسوقة لرفع استغراب تبدّل السيّئات حسنات بتعظيم أمر التوبة و أنّها رجوع خاصّ إلى الله سبحانه فلا بدع في أن يبدّل السيّئات حسنات و هو الله يفعل ما يشاء.

و في الآية مع ذلك شمول للتوبة من جميع المعاصي سواء قارنت الشرك أم

٢٦٤

فارقته، و الآية السابقة - كما تقدّمت الإشارة إليه - كانت خفيّة الدلالة على حال المعاصي إذا تجرّدت من الشرك.

قوله تعالى: ( وَ الَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً ) قال في مجمع البيان: أصل الزور تمويه الباطل بما يوهم أنّه حقّ. انتهى. فيشمل الكذب و كلّ لهو باطل كالغناء و الفحش و الخنا بوجه، و قال أيضاً: يقال: تكرّم فلان عمّا يشينه إذا تنزّه و أكرم نفسه منه انتهى.

فقوله:( وَ الَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ) إن كان المراد بالزور الكذب فهو قائم مقام المفعول المطلق و التقدير لا يشهدون شهادة الزور، و إن كان المراد اللهو الباطل كالغناء و نحوه كان مفعولاً به و المعنى لا يحضرون مجالس الباطل، و ذيل الآية يناسب ثاني المعنيين.

و قوله:( وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً ) اللغو ما لا يعتدّ به من الأفعال و الأقوال لعدم اشتماله على غرض عقلائيّ و يعمّ - كما قيل - جميع المعاصي، و المراد بالمرور باللّغو المرور بأهل اللّغو و هم مشتغلون به.

و المعنى: و إذا مرّوا بأهل اللّغو و هم يلغون مرّوا معرضين عنهم منزّهين أنفسهم عن الدخول فيهم و الاختلاط بهم و مجالستهم.

قوله تعالى: ( وَ الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَ عُمْياناً ) الخرور على الأرض السقوط عليها و كأنّها في الآية كناية عن لزوم الشي‏ء و الانكباب عليه.

و المعنى: و الّذين إذا ذكّروا بآيات ربّهم من حكمة أو موعظة حسنة من قرآن أو وحي لم يسقطوا عليه و هم صمّ لا يسمعون و عميان لا يبصرون بل تفكّروا فيها و تعقّلوها فأخذوا بها عن بصيرة فآمنوا بحكمتها و اتّعظوا بموعظتها و كانوا على بصيرة من أمرهم و بيّنة من ربّهم.

قوله تعالى: ( وَ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَ ذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَ اجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً ) قال الراغب في المفردات: قرّت عينه تقرّ سرّت قال، تعالى:

٢٦٥

( كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها ) و قيل لمن يسرّ به قرّة عين قال:( قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَ لَكَ ) و قوله تعالى:( هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَ ذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ) قيل: أصله من القرّ أي البرد فقرّت عينه قيل: معناه بردت فصحّت، و قيل: بل لأنّ للسرور دمعة باردة قارّة و للحزن دمعة حارّة و لذلك يقال فيمن يدعى عليه: أسخن الله عينه، و قيل: هو من القرار و المعنى أعطاه الله ما يسكن به عينه فلا تطمح إلى غيره انتهى.

و مرادهم بكون أزواجهم و ذريّاتهم قرّة أعين لهم أن يسرّوهم بطاعة الله و التجنّب عن معصيته فلا حاجة لهم في غير ذلك و لا إربة و هم أهل حقّ لا يتّبعون الهوى.

و قوله:( وَ اجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً ) أي متسابقين إلى الخيرات سابقين إلى رحمتك فيتّبعنا غيرنا من المتّقين كما قال تعالى:( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ ) البقرة: ١٤٨، و قال:( سابِقُوا إِلى‏ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ ) الحديد: ٢١، و قال:( وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) الواقعة: ١١، و كأنّ المراد أن يكونوا صفّاً واحداً متقدّماً على غيرهم من المتّقين و لذا جي‏ء بالإمام بلفظ الإفراد.

و قال بعضهم: إنّ الإمام ممّا يطلق على الواحد و الجمع، و قيل: إنّ إمام جمع آمّ بمعنى القاصد كصيام جمع صائم، و المعنى: اجعلنا قاصدين للمتّقين مقتدين بهم، و في قراءة أهل البيت( و اجعل لنا من المتّقين إماماً) .

قوله تعالى: ( أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَ يُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَ سَلاماً خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَ مُقاماً ) الغرفة - كما قيل - البناء فوق البناء فهو الدرجة العالية من البيت، و هي كناية عن الدرجة العالية في الجنّة، و المراد بالصبر الصبر على طاعة الله و عن معصيته فهذان القسمان من الصبر هما المذكوران في الآيات السابقة لكن لا ينفكّ ذلك عن الصبر عند النوائب و الشدائد.

و المعنى: اُولئك الموصوفون بما وصفوا يجزون الدرجة الرفيعة من الجنّة يلقّون فيها أي يتلقّاهم الملائكة بالتحيّة و هو ما يقدّم للإنسان ممّا يسرّه و بالسلام و هو كلّ ما ليس فيه ما يخافه و يحذره، و في تنكير التحيّة و السلام دلالة على التفخيم

٢٦٦

و التعظيم، و الباقي ظاهر.

قوله تعالى: ( قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً ) قال في المفردات: ما عبأت به أي لم اُبال به، و أصله من العب‏ء أي الثقل كأنّه قال: ما أرى له وزناً و قدراً، قال تعالى:( قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ ) و قيل: من عبأت الطيب كأنّه قيل: ما يبقيكم لو لا دعاؤكم. انتهى.

قيل:( دُعاؤُكُمْ ) من إضافة المصدر إلى المفعول و فاعله ضمير راجع إلى( رَبِّي ) و على هذا فقوله:( فَقَدْ كَذَّبْتُمْ ) من تفريع السبب على المسبّب بمعنى انكشافه بمسبّبه، و قوله:( فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً ) أي سوف يكون تكذيبكم ملازماً لكم أشدّ الملازمة فتجزون بشقاء لازم و عذاب دائم.

و المعنى: قل لا قدر و لا منزلة لكم عند ربّي فوجودكم و عدمكم عنده سواء لأنّكم كذّبتم فلا خير يرجى فيكم فسوف يكون هذا التكذيب ملازماً لكم أشدّ الملازمة، إلّا أنّ الله يدعوكم ليتمّ الحجّة عليكم أو يدعوكم لعلّكم ترجعون عن تكذيبكم. و هذا معنى حسن.

و قيل:( دُعاؤُكُمْ ) من إضافة المصدر إلى الفاعل، و المراد به عبادتهم لله سبحانه و المعنى: ما يبالي بكم ربّي أو ما يبقيكم ربّي لو لا عبادتكم له.

و فيه أنّ هذا المعنى لا يلائم تفرّع قوله:( فَقَدْ كَذَّبْتُمْ ) عليه و كان عليه من حقّ الكلام أن يقال: و قد كذّبتم! على أنّ المصدر المضاف إلى فاعله يدلّ على تحقّق الفعل منه و تلبّسه به و هم غير متلبّسين بدعائه و عبادته تعالى فكان من حقّ الكلام على هذا التقدير أن يقال لو لا أن تدعوه فافهم.

و الآية خاتمة السورة و تنعطف إلى غرض السورة و محصّل القول فيه و هو الكلام على اعتراض المشركين على الرسول و على القرآن النازل عليه و تكذيبهما.

٢٦٧

( بحث روائي)

في المجمع: في قوله تعالى:( الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً ) قال أبوعبداللهعليه‌السلام : هو الرجل يمشي بسجيّته الّتي جبل عليها لا يتكلّف و لا يتبختر.

و في الدرّ المنثور، أخرج عبد بن حميد عن أبي سعيد الخدريّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : في قوله:( إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً ) قال: الدائم.

و في تفسير القمّيّ، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام : في قوله تعالى:( إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً ) يقول: ملازماً لا ينفكّ. و قوله عزّوجلّ:( وَ الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا ) و الإسراف الإنفاق في المعصية في غير حقّ( وَ لَمْ يَقْتُرُوا ) لم يبخلوا في حقّ الله عزّوجلّ( وَ كانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً ) القوام العدل و الإنفاق فيما أمر الله به.

و في الكافي: أحمد بن محمّد بن عليّ عن محمّد بن سنان عن أبي الحسنعليه‌السلام : في قول الله عزّوجلّ:( وَ كانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً ) قال: القوام هو المعروف على الموسع قدره و على المقتر قدره على قدر عياله و مئونتهم الّتي هي صلاح له و لهم لا يكلّف الله نفساً إلّا ما آتاها.

و في المجمع، روي عن معاذ أنّه قال: سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ذلك فقال: من أعطى في غير حقّ فقد أسرف، و من منع من حقّ فقد قتر.

أقول: و الأخبار في هذه المعاني كثيرة جدّاً.

و في الدرّ المنثور، أخرج الفاريابيّ و أحمد و عبد بن حميد و البخاريّ و مسلم و الترمذيّ و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و ابن مردويه و البيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال: سئل النبيّ (صلّي الله عليه آله وسلّم): أيّ الذنب أكبر؟ قال: أن تجعل لله ندّاً و هو خلقك. قلت: ثمّ أيّ؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك. قلت: ثمّ أيّ؟ قال: أن تزاني حليلة جارك فأنزل الله تصديق ذلك( وَ الَّذِينَ

٢٦٨

لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَ لا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَ لا يَزْنُونَ ) .

أقول: لعلّ المراد الانطباق دون سبب النزول.

و فيه، أخرج عبد بن حميد عن عليّ بن الحسين:( يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ ) قال: في الآخرة، و قال الحسن: في الدنيا.

و فيه، أخرج أحمد و هنّاد و مسلم و الترمذيّ و ابن جرير و البيهقيّ في الأسماء و الصفات عن أبي ذرّ قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه فتعرض عليه صغارها و ينحّى عنه كبارها فيقال: عملت يوم كذا و كذا كذا و كذا و هو مقرّ ليس ينكر و هو مشفق من الكبار أن تجي‏ء فيقال: أعطوه مكان كلّ سيّئة عملها حسنة.

أقول: هو من أخبار تبديل السيّئات حسنات يوم القيامة و هي كثيرة مستفيضة من طرق أهل السنّة و الشيعة مرويّة عن النبيّ و الباقر و الصادق و الرضا عليه و عليهم الصلاة و السلام.

و في روضة الواعظين، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما جلس قوم يذكرون الله إلّا نادى بهم مناد من السماء قوموا فقد بدّل الله سيّئاتكم حسنات و غفر لكم جميعاً.

و في الكافي، بإسناده عن أبي الصباح عن أبي عبداللهعليه‌السلام : في قوله عزّوجلّ:( لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ) قال: الغناء.

أقول: و في المجمع، أنّه مرويّ عن أبي جعفر و أبي عبداللهعليهما‌السلام و رواه القمّيّ مسنداً و مرسلاً.

و في العيون، بإسناده إلى محمّد بن أبي عباد و كان مشتهراً بالسماع و يشرب النبيذ قال: سألت الرضاعليه‌السلام عن السماع فقال: لأهل الحجاز رأي فيه و هو في حيّز الباطل و اللهو أ ما سمعت الله عزّوجلّ يقول:( وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً ) .

و في روضة الكافي، بإسناده عن أبي بصير قال: سألت أباعبداللهعليه‌السلام عن قول الله عزّوجلّ:( وَ الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَ عُمْياناً ) قال: مستبصرين ليسوا بشكّاك.

٢٦٩

و في جوامع الجامع، عن الصادقعليه‌السلام : في قوله:( وَ اجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً ) قال: إيّانا عنى.

أقول: و هناك عدّة روايات في هذا المعنى و اُخرى تتضمّن قراءتهمعليهم‌السلام :( و اجعل لنا من المتّقين إماماً) .

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي حاتم و أبونعيم في الحلية عن أبي جعفر في قوله:( أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا ) قال: على الفقر في الدنيا.

و في المجمع، روى العيّاشيّ بإسناده عن بريد بن معاوية العجلي قال: قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : كثرة القراءة أفضل أو كثرة الدعاء؟ قال: كثرة الدعاء أفضل و قرأ هذه الآية.

أقول: و في انطباق الآية على ما في الرواية إبهام.

و في تفسير القمّيّ، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام : في قوله عزّوجلّ:( قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ ) يقول: ما يفعل ربّي بكم فقد كذّبتم فسوف يكون لزاماً.

٢٧٠

( سورة الشعراء مكّيّة و هي مائتان و سبع و عشرون آية)

( سورة الشعراء الآيات ١ - ٩)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ طسم ( ١ ) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ( ٢ ) لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ( ٣ ) إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ( ٤ ) وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ ( ٥ ) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ( ٦ ) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ( ٧ ) إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً  وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ( ٨ ) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ( ٩ )

( بيان)

غرض السورة تسلية النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبال ما كذّبه قومه و كذّبوا بكتابه النازل عليه من ربّه - على ما يلوّح إليه صدر السورة: تلك آيات الكتاب المبين - و قد رموه تارة بأنّه مجنون و اُخرى بأنّه شاعر، و فيها تهديدهم مشفّعاً ذلك بإيراد قصص جمع من الأنبياء و هم موسى و إبراهيم و نوح و هود و صالح و لوط و شعيبعليهم‌السلام و ما انتهت إليه عاقبة تكذيبهم لتتسلّى به نفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و لا يحزن بتكذيب أكثر قومه و ليعتبر المكذّبون.

و السورة من عتائق السور المكّيّة و أوائلها نزولاً و قد اشتملت على قوله تعالى:( وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) . و ربّما أمكن أن يستفاد من وقوع هذه الآية في هذه السورة و وقوع قوله:( فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) في سورة الحجر

٢٧١

و قياس مضمونيهما كلّ مع الاُخرى أنّ هذه السورة أقدم نزولاً من سورة الحجر و ظاهر سياق آيات السورة أنّها جميعاً مكّيّة و استثنى بعضهم الآيات الخمس الّتي في آخرها، و بعض آخر قوله:( أَ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ ) و سيجي‏ء الكلام فيهما.

قوله تعالى: ( طسم تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ ) الإشارة بتلك إلى آيات الكتاب ممّا سينزل بنزول السورة و ما نزل قبل، و تخصيصها بالإشارة البعيدة للدلالة على علوّ قدرها و رفعة مكانتها، و المبين من أبان بمعنى ظهر و انجلى.

و المعنى: تلك الآيات العالية قدراً الرفيعة مكاناً آيات الكتاب الظاهر الجليّ كونه من عندالله سبحانه بما فيه من سمة الإعجاز و إن كذّب به هؤلاء المشركون المعاندون و رموه تارة بأنّه من إلقاء شياطين الجنّ و اُخرى بأنّه من الشعر.

قوله تعالى: ( لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) البخوع هو إهلاك النفس عن وجد، و قوله:( أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) تعليل للبخوع، و المعنى: يرجى منك أن تهلك نفسك بسبب عدم إيمانهم بآيات هذا الكتاب النازل عليك.

و الكلام مسوق سوق الإنكار و الغرض منه تسلية النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قوله تعالى: ( إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ ) متعلّق المشيّة محذوف لدلالة الجزاء عليه، و قوله:( فَظَلَّتْ ) إلخ، ظلّ فعل ناقص اسمه( أَعْناقُهُمْ ) و خبره( خاضِعِينَ ) و نسب الخضوع إلى أعناقهم و هو وصفهم أنفسهم لأنّ الخضوع أوّل ما يظهر في عنق الإنسان حيث يطأطئ رأسه تخضّعاً فهو من المجاز العقليّ.

و المعنى: إن نشأ أن ننزّل عليهم آية تخضعهم و تلجئهم إلى القبول و تضطرّهم إلى الإيمان ننزّل عليهم آية كذلك فظلّوا خاضعين لها خضوعاً بيّناً بانحناء أعناقهم.

و قيل: المراد بالأعناق الجماعات و قيل: الرؤساء و المقدّمون منهم، و قيل:

٢٧٢

هو على تقدير مضاف و التقدير فضلّت أصحاب أعناقهم خاضعين لها. و هو أسخف الوجوه.

قوله تعالى: ( وَ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ ) بيان لاستمرارهم على تكذيب آيات الله و تمكّن الإعراض عن ذكر الله في نفوسهم بحيث كلّما تجدّد عليهم ذكر من الرحمن و دعوا إليه دفعه بالإعراض.

فالغرض بيان استمرارهم على الإعراض عن كلّ ذكر أتاهم لا أنّهم يعرضون عن محدث الذكر و يقبلون إلى قديمه و في ذكر صفة الرحمن إشارة إلى أنّ الذكر الّذي يأتيهم إنّما ينشأ عن صفة الرحمة العامّة الّتي بها صلاح دنياهم و اُخراهم.

و قد تقدّم في تفسير أوّل سورة الأنبياء كلام في معنى الذكر المحدث فراجع.

قوله تعالى: ( فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ ) تفريع على ما تقدّم من استمرار إعراضهم، و قوله:( فَسَيَأْتِيهِمْ ) إلخ تفريع على التفريع و الأنباء جمع نبإ و هو الخبر الخطير، و المعنى لما استمرّ منهم الإعراض عن كلّ ذكر يأتيهم تحقّق منهم و ثبت عليهم أنّهم كذّبوا، و إذ تحقّق منهم التكذيب فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤن من آيات الله، و تلك الأنباء العقوبات العاجلة و الآجلة الّتي ستحيق بهم.

قوله تعالى: ( أَ وَ لَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ) الاستفهام للإنكار التوبيخيّ و الجملة معطوف على مقدّر يدلّ عليه المقام و التقدير أصرّوا و استمرّوا على الإعراض و كذّبوا بالآيات و لم ينظروا إلى هذه الأزواج الكريمة من النباتات الّتي أنبتناها في الأرض.

فالرؤية في قوله:( أَ وَ لَمْ يَرَوْا ) مضمّنة معنى النظر و لذا عدّيت بإلى، و الظاهر أنّ المراد بالزوج الكريم. و هو الحسن على ما قيل: النوع من النبات و قد خلق الله سبحانه أنواعه أزواجاً، و قيل: المراد بالزوج الكريم الّذي أنبته الله يعمّ الحيوان و خاصّة الإنسان بدليل قوله:( وَ اللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً ) .

قوله تعالى: ( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَ ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ) الإشارة بذلك

٢٧٣

إلى ما ذكر في الآية السابقة من إنبات كلّ زوج كريم حيث أنّ فيه إيجاداً لكلّ زوج منه و تتميم نقائص كلّ من الزوجين بالآخر و سوقهما إلى الغاية المقصودة من وجودهما و فيه هداية كلّ إلى سعادته الأخيرة و من كانت هذه سنّته فكيف يهمل أمر الإنسان و لا يهديه إلى سعادته و لا يدعوه إلى ما فيه خير دنياه و آخرته. هذا ما تدلّ عليه آية النبات.

و قوله:( وَ ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ) أي لم يكن المترقّب من حال أكثرهم بما عندهم من ملكة الإعراض و بطلان الاستعداد أن يؤمنوا فظاهر الآية نظير ظاهر قوله:( فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ ) يونس: ٧٤ و تعليل الكفر و الفسوق برسوخ الملكات الرذيلة و استحكام الفساد في السريرة من قبل في كلامه تعالى أكثر من أن تحصى.

و من هنا يظهر أنّ قول بعضهم: إنّ المراد ما كان في علم الله أن لا يؤمنوا غير سديد لأنّه مضافاً إلى كونه خلاف المتبادر من الجملة، ممّا لا دليل على أنّه المراد من اللفظ بل الدليل على خلافه لسبق الدلالة على أنّ ملكة الإعراض راسخة لم تزل في نفوسهم.

و عن سيبويه أنّ( كانَ ) في قوله:( وَ ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ) صلة زائدة و المعنى: و ما أكثرهم مؤمنين. و فيه أنّه معنى صحيح في نفسه لكنّ المقام بما تقدّم من المعنى أوفق.

قوله تعالى: ( وَ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) فهو تعالى لكونه عزيزاً غير مغلوب يأخذ المعرضين عن ذكره المكذّبين لآياته المستهزئين بها و يجازيهم بالعقوبات العاجلة و الآجلة، و لكونه رحيماً ينزّل عليهم الذكر ليهديهم و يغفر للمؤمنين به و يمهل الكافرين.

٢٧٤

( بحث عقليّ متعلّق بالعلم)

( في ارتباط الأشياء بعلمه تعالى ‏)

قال في روح المعاني، في قوله تعالى:( وَ ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ) قيل: أي و ما كان في علم الله تعالى ذلك، و اعترض - بناء على أنّه يفهم من السياق العلّيّة - بأنّ علمه تعالى ليس علّة لعدم إيمانهم لأنّ العلم تابع للمعلوم لا بالعكس.

و ردّ بأنّ معنى كون علمه تعالى تابعاً للمعلوم أنّ علمه سبحانه في الأزل بمعلوم معيّن حادث تابع لماهيّته بمعنى أنّ خصوصيّة العلم و امتيازه عن سائر العلوم باعتبار أنّه علم بهذه الماهية، و أمّا وجود الماهيّة فيما لا يزال فتابع لعلمه تعالى الأزليّ التابع لماهيّته بمعنى أنّه تعالى لما علمها في الأزل على هذه الخصوصيّة لزم أن يتحقّق و يوجد فيما لا يزال كذلك فنفس موتهم على الكفر و عدم إيمانهم متبوع لعلمه الأزليّ و وقوعه تابع له. انتهى.

و هذه حجّة كثيرة الورود في كلام المجبّرة و خاصّة الإمام الرازيّ في تفسيره الكبير يستدلّون بها على إثبات الجبر و نفي الاختيار و محصّلها أنّ الحوادث و منها أفعال الإنسان معلومة لله سبحانه في الأزل فهي ضروريّة الوقوع و إلّا كان علمه جهلاً - تعالى عن ذلك - فالإنسان مجبر عليها غير مختار. و اعترض عليه بأنّ العلم تابع للمعلوم لا بالعكس و اُجيب بما ذكره من أنّ علمه في الأزل تابع لماهيّة المعلوم لكنّ المعلوم تابع في وجوده للعلم.

و الحجّة مضافاً إلى فساد مقدّماتها بناء و مبني مغالطة بيّنة ففيها أوّلاً أنّ فرض ثبوت مّا للماهيّة في الأزل و وجودها فيها لا يزال يقضي بتقدّم الماهيّة على الوجود و أنّى للماهيّة هذه الأصالة و التقدّم؟.

و ثانياً: أنّ مبنيّ الحجّة و كذا الاعتراض و الجواب على كون علمه تعالى بالأشياء علماً حصوليّاً نظير علومنا الحصوليّة المتعلّقة بالمفاهيم و قد اُقيم البرهان في محلّه على بطلانه و أنّ الأشياء معلومة له تعالى علماً حضوريّاً و علمه علمان: علم

٢٧٥

حضوريّ بالأشياء قبل الإيجاد و هو عين الذات و علم حضوريّ بها بعد الإيجاد و هو عين وجود الأشياء. و تفصيل الكلام في محلّه.

و ثالثاً: أنّ العلم الأزليّ بمعلومه فيما لا يزال إنّما يكون علماً بحقيقة معنى العلم إذا تعلّق به على ما هو عليه أي بجميع قيوده و مشخّصاته و خصوصيّاته الوجوديّة، و من خصوصيّات وجود الفعل أنّه حركات خاصّة إراديّة اختياريّة صادرة عن فاعله الخاصّ مخالفة لسائر الحركات الاضطراريّة القائمة بوجوده.

و إذا كان كذلك كانت الضرورة اللّاحقة للفعل من جهة تعلّق العلم به صفة للفعل الخاصّ الاختياريّ بما هو فعل خاصّ اختياريّ لا صفة للفعل المطلق إذ لا وجود له أي كان من الواجب أن يصدر الفعل عن إرادة فاعله و اختياره و إلّا تخلّف المعلوم عن العلم لا أن يتعلّق العلم بالفعل الاختياريّ ثمّ يدفع صفة الاختيار عن متعلّقه و يقيم مقامها صفة الضرورة و الإجبار.

فقد وضع في الحجّة الفعل المطلق مكان الفعل الخاصّ فعدّ ضروريّاً مع أنّ الضروريّ تحقّق الفعل بوصف الاختيار نظير الممكن بالذات الواجب بالغير ففي الحجّة مغالطة بالخلط بين الفعل المطلق و الفعل المقيّد بالاختيار.

و من هنا يتبيّن عدم استقامة تعليل ضرورة عدم إيمانهم بتعلّق العلم الأزليّ به فإنّ تعلّق العلم الأزليّ بفعل إنّما يوجب ضرورة وقوعه بالوصف الّذي هو عليه فإن كان اختياريّاً وجب تحقّقه اختياريّاً و إن كان غير اختياريّ وجب تحقّقه كذلك.

على أنّه لو كان معنى قوله:( وَ ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ) امتناع إيمانهم لتعلّق العلم الأزليّ بعدمه لاتّخذوه حجّة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و عدّوه عذراً لأنفسهم في استنكافهم عن الإيمان كما اعترف به بعض المجبّرة.

٢٧٦

( بحث روائي)

في تفسير القمّيّ: في قوله تعالى:( إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ ) حدّثني أبي عن ابن أبي عمير عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: تخضع رقابهم يعني بني اُميّة و هي الصيحة من السماء باسم صاحب الأمر.

أقول: و هذا المعنى رواه الكلينيّ في روضة الكافي، و الصدوق في كمال الدين، و المفيد في الإرشاد، و الشيخ في الغيبة، و الظاهر أنّه من قبيل الجري دون التفسير لعدم مساعدة سياق الآية عليه.

٢٧٧

( سورة الشعراء الآيات ١٠ - ٦٨)

وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ( ١٠ ) قَوْمَ فِرْعَوْنَ  أَلَا يَتَّقُونَ ( ١١ ) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ ( ١٢ ) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ ( ١٣ ) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ ( ١٤ ) قَالَ كَلَّا  فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا  إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ ( ١٥ ) فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( ١٦ ) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ( ١٧ ) قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ ( ١٨ ) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ( ١٩ ) قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ ( ٢٠ ) فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ ( ٢١ ) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ ( ٢٢ ) قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ( ٢٣ ) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا  إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ ( ٢٤ ) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ ( ٢٥ ) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ( ٢٦ ) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ( ٢٧ ) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا  إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ( ٢٨ ) قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ ( ٢٩ ) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ ( ٣٠ ) قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ( ٣١ ) فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ ( ٣٢ ) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ ( ٣٣ ) قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ( ٣٤ ) يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم

٢٧٨

مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ( ٣٥ ) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ( ٣٦ ) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ ( ٣٧ ) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ( ٣٨ ) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ ( ٣٩ ) لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ ( ٤٠ ) فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ ( ٤١ ) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ( ٤٢ ) قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ ( ٤٣ ) فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ ( ٤٤ ) فَأَلْقَىٰ مُوسَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ( ٤٥ ) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ( ٤٦ ) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ( ٤٧ ) رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ ( ٤٨ ) قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ  إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ  لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ( ٤٩ ) قَالُوا لَا ضَيْرَ  إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ ( ٥٠ ) إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ ( ٥١ ) وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ ( ٥٢ ) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ( ٥٣ ) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ( ٥٤ ) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ ( ٥٥ ) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ( ٥٦ ) فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ( ٥٧ ) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ( ٥٨ ) كَذَٰلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ( ٥٩ ) فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ ( ٦٠ ) فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ( ٦١ ) قَالَ كَلَّا  إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ( ٦٢ ) فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ

٢٧٩

الْبَحْرَ  فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ( ٦٣ ) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ ( ٦٤ ) وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ ( ٦٥ ) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ ( ٦٦ ) إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً  وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ( ٦٧ ) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ( ٦٨ )

( بيان)

شروع في ذكر قصص عدّة من أقوام الأنبياء الماضين موسى و هارون و إبراهيم و نوح و هود و صالح و لوط و شعيبعليهم‌السلام ليظهر أنّ قوم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سائرون مسيرهم و سيردون موردهم، لا يؤمن أكثرهم فيؤاخذهم الله تعالى بعقوبة العاجل و الآجل، و الدليل على ذلك ختم كلّ واحدة من القصص بقوله:( وَ ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) كما ختم به الكلام الحاكي لإعراض قوم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أوّل السورة، و ليس ذلك إلّا لتطبيق القصّة على القصّة.

كلّ ذلك ليتسلّى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و لا يضيق صدره و يعلم أنّه ليس بدعاً من الرسل و لا المتوقّع من قومه غير ما عامل به الاُمم الماضون رسلهم، و فيه تهديد ضمنيّ لقومه و يؤيّده تصدير قصّة إبراهيمعليه‌السلام بقوله:( وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ ) .

قوله تعالى: ( وَ إِذْ نادى‏ رَبُّكَ مُوسى‏ - إلى قوله -أَ لا يَتَّقُونَ ) أي و اذكر وقتاً نادى فيه ربّك موسى و بعثه بالرسالة إلى قوم فرعون لإنجاء بني إسرائيل على ما فصّله في سورة طه و غيرها.

و قوله:( أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) نوع تفسير للنداء، و توصيفهم أوّلاً بالظالمين ثمّ بيانه ثانياً بقوم فرعون للإشارة إلى حكمة الإرسال و هي ظلمهم بالشرك و تعذيب بني إسرائيل كما في سورة طه من قوله:( اذْهَبا إِلى‏ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى‏ - إلى أن قال -فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَ لا تُعَذِّبْهُمْ ) طه: ٤٧.

و قوله:( أَ لا يَتَّقُونَ ) بصيغة الغيبة، و هو توبيخ غيابيّ منه تعالى لهم و

٢٨٠