بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٠

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة6%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 617

  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 79774 / تحميل: 3777
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٠

مؤلف:
العربية

المجلد العاشر

تتمة الفصل الثلاثون

١٤

الحكمة ( ٣٢١ ) وَ قَالَ ع ؟ لِعَبْدِ اَللَّهِ بْنِ اَلْعَبَّاسِ ؟ وَ قَدْ أَشَارَ عَلَيْهِ فِي شَيْ‏ءٍ لَمْ يُوَافِقْ رَأْيَهُ لَكَ أَنْ تُشِيرَ عَلَيَّ وَ أَرَى فَإِنْ عَصَيْتُكَ فَأَطِعْنِي أقول : هكذا في ( المصرية ) ١ و الصواب : ( فاذا عصيتك فأطعني ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٢ و ( الخطيّة ) و ما يأتي من سنده .

و في ( ابن ميثم ) بعد قوله ( لعبد اللّه بن عبّاس ) : ( رحمه اللّه ) ٣ ، و في ( ابن أبي الحديد ) : ( رضي اللّه عنه ) ٤ ، و في الأوّل بدل ( في شي‏ء ) : ( بشي‏ء ) ٥ .

ثم إنّ الأصل في العنوان : أنّ المغيرة أشار عليه عليه السّلام بإبقاء معاوية على

ــــــــــــ

 ( ١ ) نهج البلاغة ٣ : ٢٣٠ .

 ( ٢ ) هكذا في شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٢٣٣ و لكن في شرح ابن ميثم ٥ : ٤٠٢ « فإن » أيضا .

 ( ٣ ) ليست كلمة « رحمه اللّه » في شرح ابن ميثم ٥ : ٤٠٢ .

 ( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٢٣٣ .

 ( ٥ ) في شرح ابن ميثم ٥ : ٤٠٢ « في شي‏ء » أيضا .

١

الشام ، ثمّ يعزله إن شاء ، حتّى يستقر أمر سلطنته ، فلم يقبل عليه السّلام منه ، ثمّ جاء ابن عباس فصدق رأي المغيرة و أصرّ على قبوله عليه السّلام ذلك ، فقال عليه السّلام له ما قال .

ففي ( الطبري ) : روى الواقدي عن هشام بن سعد ، عن أبي هلال قال : قال ابن عبّاس : قدمت المدينة من مكّة بعد قتل عثمان بخمسة أيام فجئت عليّا عليه السّلام أدخل عليه ، فقيل لي : عنده المغيرة . فجلست بالباب ساعة فخرج المغيرة فسلّم عليّ و قال لي: متى قدمت ؟ فقلت : الساعة ، ثمّ دخلت على عليّ عليه السّلام فقلت له :

أخبرني عن شأن المغيرة و لم خلا بك ؟ قال : جاءني بعد مقتل عثمان بيومين فقال لي: اخلني ، ففعلت فقال لي : إنّ النصح رخيص و أنت بقيّة النّاس و إنّي لك ناصح ، و إنّي اشير عليك بردّ عمّال عثمان عامك هذا ، فاكتب إليهم بإثباتهم على أعمالهم ، فإذا بايعوك و اطمأنّ الأمر لك عزلت من أحببت و أقررت من أحببت . فقلت له : و اللّه لا اداهن في ديني و لا اعطي الدني في أمري . فقال : فإن كنت قد أبيت عليّ فانزع من شئت و اترك معاوية فإنّ لمعاوية جرأة ، و هو في أهل الشام يسمع منه ، و لك حجّة في إثباته كان عمر قد ولاّه الشام كلّها . فقلت له : لا و اللّه لا أستعمل معاوية يومين أبدا . فخرج من عندي على ما أشار به ، ثمّ عاد اليوم فقال لي : إنّي أشرت عليك بما أشرت فأبيت عليّ ، ثم نظرت في الأمر فإذا أنت مصيب ، لا ينبغي لك أن تأخذ أمرك بخدعة ، و لا يكون في أمرك دلسة .

فقال ابن عباس : فقلت لعليّ عليه السّلام : أمّا أوّل ما أشار به عليك فقد نصحك ،

و أمّا الآخر فغشّك ، و أنا اشير عليك بأن تثبت معاوية ، فإن بايع لك فعليّ أن أقلعه من منزله ، فقال عليه السّلام : لا و اللّه لا اعطيه إلاّ السيف ، ثم تمثل :

ما ميتة إن متّها غير عاجز بعار إذا ما غالت النفس غولها فقلت : لست بأرب بالحرب ، أما سمعت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يقول : الحرب خدعة ؟

فقال : بلى . فقلت له : أما و اللّه لئن أطعتني لأصدرن بهم بعد ورد ، و لأتركنهم

٢

ينظرون في دبر الامور لا يعرفون ما كان وجهها في غير نقصان عليك و لا إثم لك . فقال : « يا بن عبّاس لست من هنياتك و هنيات معاوية في شي‏ء تشير عليّ و أرى فإن عصيتك فأطعني » فقلت : أفعل ، إنّ أيسر ما لك عندي الطاعة ١ .

و روى خبرا عن ابن عبّاس في قدومه من مكّة عليه عليه السّلام و عنده المغيرة ،

و انّه عليه السّلام قال لابن عبّاس ما أشار عليه المغيرة أوّلا و ثانيا كالأوّل .

فقال ابن عبّاس له عليه السّلام : نصحك في الاولى لأنّك تعلم أنّ معاوية و أصحابه أهل دنيا ، فمتى تثبتهم لا يبالون بمن ولّي هذا الأمر ، و متى تعزلهم يقولون : قد أخذ هذا الأمر بغير شورى ، و هو قتل صاحبنا و يؤلبون عليك ،

فينتقض عليك أهل الشام و أهل العراق ، مع أنّي لا آمن طلحة و الزبير أن يكرّا عليك .

فقال عليه السّلام له : أمّا ما ذكرت من إقرارهم ، فو اللّه ما أشك أنّ ذلك خير في عاجل الدّنيا لإصلاحها ، و أمّا الذي يلزمني من الحقّ و المعرفة بعمّال عثمان ،

فو اللّه لا اولّي منهم أحدا أبدا ، فإن أقبلوا فذلك لهم خير ، و إن أدبروا بذلت لهم السيف إلى أن قال قال ابن عبّاس له عليه السّلام : اكتب إلى معاوية فمنّه وعده . فأبى و قال : و اللّه لا كان هذا أبدا ٢ .

و عبّر بمضمون الخبرين المسعودي في ( مروجه ) ٣ ، و أما تبديل صاحب ( الاستيعاب ) ابن عبّاس بالحسن عليه السّلام ، و أنّه قال لأبيه : نصحك المغيرة في الاولى فغلط منه ٤ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبريّ ٤ : ٤٤٠ ٤٤١ ، سنة ٣٥ .

 ( ٢ ) تاريخ الطبريّ ٤ : ٤٣٩ ٤٤٠ ، سنة ٣٥ .

 ( ٣ ) مروج الذهب ٢ : ٣٦٤ ٣٦٥ .

 ( ٤ ) الاستيعاب بهامش الإصابة ٣ : ٣٩٠ ٣٩١ .

٣

ثمّ شتّان بينه عليه السّلام و بين صدّيقهم و فاروقهم ، يشير المغيرة عليه نصحا فلا يقبله منه ، لكونه نصحا دنيويا لا دينيا ، و يرسلان إلى المغيرة يطلبان منه حيلة لاستيلائهما على الأمر ، فيشير عليهما باشتراك العباس . و لو لم يكن في حقيقته عليه السّلام و بطلان أمر الرجلين إلاّ هذا الموضع ، لكفى لمن كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد .

و من محاجات ابن عبّاس مع المغيرة و جمع آخر في مجلس معاوية ، ما رواه المدائني : أنّ المغيرة قال لابن عبّاس : أما و اللّه لقد أشرب على عليّ عليه السّلام بالنصح فآثر رأيه و مضى على غلوائه ، فكانت العاقبة عليه لا له ، و إنّي لأحسب أنّ خلفه يقتدون منهجه .

فقال له بن عبّاس : كان أمير المؤمنين عليه السّلام و اللّه أعلم بوجوه الرأي و معاقد الحزم و تصاريف الامور ، من أن يقبل مشاورتك في ما نهى اللّه عنه و عنّف عليه ، قال سبحانه : لا تجد قوما يؤمنون باللّه و اليوم الآخر يوادّون من حادّ اللّه و رسوله . . . ١ ، و لقد وقفك عليه السّلام على ذكر متين و آية متلوة في قوله سبحانه : . . . و ما كنت متّخذ المضلّين عضدا ٢ ، و هل يسوغ له أن يحكم في دماء المسلمين و في‏ء المؤمنين من ليس بمأمون عنده و لا موثق به في نفسه ؟ هيهات هيهات ، هو أعلم بفرض اللّه و سنّة رسوله ، أن يبطن خلاف ما يظهر إلاّ للتّقيّة و لات حين تقيّة ، مع وضوح الحق و ثبوت الجنان و كثرة الأنصار يمضي كالسيف المصلت ٣ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) المجادلة : ٢٢ .

 ( ٢ ) الكهف : ٥١ .

 ( ٣ ) نقله عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ٦ : ٢٩٨ ٣٠٣ .

٤

١٥

الخطبة ( ٢١٢ ) و من خطبة له عليه السّلام :

اَللَّهُمَّ أَيُّمَا عَبْدٍ مِنْ عِبَادِكَ سَمِعَ مَقَالَتَنَا اَلْعَادِلَةَ غَيْرَ اَلْجَائِرَةِ وَ اَلْمُصْلِحَةَ غَيْرَ اَلْمُفْسِدَةِ فِي اَلدِّينِ وَ اَلدُّنْيَا فَأَبَى بَعْدَ سَمْعِهِ لَهَا إِلاَّ اَلنُّكُوصَ عَنْ نُصْرَتِكَ وَ اَلْإِبْطَاءَ عَنْ إِعْزَازِ دِينِكَ فَإِنَّا نَسْتَشْهِدُكَ عَلَيْهِ بِأَكْبَرَ اَلشَّاهِدِينَ شَهَادَةً وَ نَسْتَشْهِدُ عَلَيْهِ جَمِيعَ مَنْ أَسْكَنْتَهُ أَرْضَكَ وَ سمَاوَاتِكَ ثُمَّ أَنْتَ بَعْدَهُ اَلْمُغْنِي عَنْ نَصْرِهِ وَ اَلْآخِذُ لَهُ بِذَنْبِهِ « اللّهمّ أيّما عبد من عبادك سمع مقالتنا العادلة » قل هذه سبيلي أدعو إلى اللّه على بصيرة أنا و من اتّبعني . . . ١ .

« غير الجائرة » تنكيره عليه السّلام كلمة ( غير ) مع كونها صفة ( مقالتنا ) ك ( العادلة ) ، يدلّ على عدم قبولها التعريف و مثله : . . . غير المغضوب عليهم . . . ٢ ، فهو صفة ( الذين ) و استعمال المتأخرين لها معرفة غلط .

« و المصلحة غير المفسدة في الدين و الدّنيا » هكذا في ( المصرية ) ٣ ،

و الصواب : ( و المصلحة في الدين و الدّنيا غير المفسدة ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٤ و ( الخطية ) .

مقالته عليه السّلام : كانت الدعوة إلى اللّه تعالى و رسوله و الأخذ بالكتاب و السنّة ، و معلوم كونها عادلة غير جائرة ، لا كما فعل الأوّل في قضية خالد

ــــــــــــ

 ( ١ ) يوسف : ١٠٨ .

 ( ٢ ) فاتحة الكتاب : ٧ .

 ( ٣ ) نهج البلاغة ٢ : ٢١٩ .

 ( ٤ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٦٠ و لكن في شرح ابن ميثم ٤ : ٢٧ « فالمصلحة غير المفسدة في الدين و الدنيا » أيضا .

٥

و تضييعه حدود اللّه تعالى من القصاص و حدّ الزنا في حقّه و في نظائرها ، و لا كما فعل الثاني في تفضيله الأشراف و في نظائره . و واضح كونها مصلحة في الدين و الدّنيا غير مفسدة ، لا كما فعل الثالث من نصبه من يصلّي بالناس الصبح أربعا في سكره ، و جعله بيت المال نهب أقاربه .

و في ( خلفاء ابن قتيبة ) : في دعوة عدي بن حاتم الطائي قومه إلى نصرته عليه السّلام في الجمل ، قال عدي لقومه : أظلكم عليّ عليه السّلام و النّاس معه من المهاجرين و الأنصار ، فكونوا أكثرهم عددا ، فإن هذا سبيل للحي فيه الغنى و السرور ، و للقتيل فيه الحياة و الرزق .

فصاحت طي : نعم نعم حتّى كاد عدي أن يصمّ من صياحهم ١ .

و فيه أيضا : لمّا أقبل عليّ عليه السّلام على طي ، أقبل شيخ قد هرم من الكبر فرفع له من حاجبيه فنظر إلى عليّ عليه السّلام فقال له : أنت ابن أبي طالب ؟ قال : نعم ، قال :

مرحبا بك و أهلا قد جعلناك بيننا و بين اللّه تعالى ، و اللّه لو أتيتنا غير مبايعين لك لنصرناك لقرابتك من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أيّامك الصالحة ، و لئن كان ما يقال فيك من الخبر حقّا ان في أمرك و أمر قريش لعجبا إذ أخّروك و قدّموا غيرك ٢ .

« فأبى بعد سمعه لها إلاّ النكوص » أي : الرجوع إلى العقب .

« عن نصرتك و الإبطاء » و هو ضد السرعة .

« عن إعزاز دينك » كسعد من عشرتهم و ابن عمر من أجلتهم ، و جمع آخر كانوا عثمانية كحسان بن ثابت و زيد بن ثابت و كعب بن مالك و غيرهم .

و في ( الطبري ) : قيل لعبد اللّه بن الحسن كيف أبى هؤلاء بيعته عليه السّلام ؟

فقال : أما حسّان فكان شاعرا لا يبالي ما يصنع . و أمّا زيد بن ثابت فولاّه عثمان

ــــــــــــ

 ( ١ ) الإمامة و السياسة ١ : ٥٧ ٥٨ .

 ( ٢ ) المصدر نفسه ١ : ٥٨ .

٦

الديوان و بيت المال فلمّا حصر عثمان قال : يا معشر الأنصار كونوا أنصار اللّه مرتين . فقال له أبو أيوب : ما تنصره إلاّ أنّه أكثر لك من العضدان . و أمّا كعب بن مالك فاستعمله عثمان على صدقة مزينة و ترك ما أخذ منهم له ١ .

« فانا نستشهدك عليه بأكبر الشاهدين شهادة » هكذا في ( المصرية ) :

( بأكبر ) ٢ و الصواب : ( يا أكبر ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٣ و ( الخطية ) ، و لأنّ الاستشهاد على اللّه بأكبر الشاهدين يقتضي أن يكون الأكبر شهادة غيره ، مع أنّه تعالى أكبر شهادة قل أيّ شي‏ء أكبر شهادة قل اللّه . . . ٤ .

« و نستشهد عليه جميع من أسكنته أرضك و سماواتك » أي : الملائكة و الجنّ و الإنس ، بأنّه سمع و امتنع .

« ثم أنت بعده » هكذا في ( المصرية ) ٥ ، و الصواب : ( بعد ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٦ و ( الخطيّة ) .

« المغني عن نصره » إلاّ تنصروه فقد نصره اللّه . . . ٧ .

« و الآخذ له بذنبه » إلاّ تنفروا يعذبكم عذابا أليما و يستبدل قوما غيركم و لا تضرّوه شيئا . . . ٨ .

و في ( خلفاء ابن قتيبة ) : قال عليّ عليه السّلام في خطبته : و قد فارقكم مصقلة بن

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٤٣٠ ، سنة ٣٥ .

 ( ٢ ) نهج البلاغة ٢ : ٢١٩ .

 ( ٣ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٦٠ و لكن في شرح ابن ميثم ٤ : ٢٧ « بأكبر » أيضا.

 ( ٤ ) الأنعام : ١٩ .

 ( ٥ ) نهج البلاغة ٢ : ٢١٩ .

 ( ٦ ) في شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٦٠ ، و شرح ابن ميثم ٤ : ٢٧ « بعده » أيضا .

 ( ٧ ) التوبة : ٤٠ .

 ( ٨ ) التوبة : ٣٩ .

٧

هبيرة فآثر الدّنيا على الآخرة و فارقكم بسر بن أرطاة فأصبح ثقيل الظهر من الدماء ، مفتضح البطن من المال ، و فارقكم زيد بن عدي بن حاتم فأصبح يسأل الرجعة ١ .

هذا و مر في ( ١٤ ) من فصل عثمان قوله عليه السّلام : « و إنّ العامّة لم تبايعني لسلطان غالب و لا لعرض حاضر . . . » ٢ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الإمامة و السياسة ١ : ١١٤ .

 ( ٢ ) نهج البلاغة ٣ : ١٢٢ الكتاب ٥٤ .

٨

الفصل الواحد و الثلاثون في الجمل و هم الناكثون

٩

يأتي في ( ١٠ ) فصل المارقين أخبار في أمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله له عليه السّلام بقتال الناكثين و القاسطين و المارقين .

و في ( إيضاح الفضل ) : و رويتم عن أبي الفضل ، عن زيد بن أبي زياد ، عن عبد اللّه بن الحارث قال : سمعت أمّ هاني بنت أبي طالب تقول : لقد علم من جرت عليه المواسي من أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّ أصحاب الجمل ملعونون على لسان النبيّ الأمّي صلّى اللّه عليه و آله و قد خاب من افترى ١ .

١

الحكمة ( ١٠٧ ) و قال عليه السّلام :

رُبَّ عَالِمٍ قَدْ قَتَلَهُ جَهْلُهُ وَ عِلْمُهُ مَعَهُ لاَ يَنْفَعُهُ أقول : قاله عليه السّلام في طلحة و الزبير فإنّهما كانا عالمين بأنّه عليه السّلام على الحقّ ،

و أنّهما على الباطل و مع ذلك قاتلاه فقتلهما جهلهما الناشى‏ء عن حبّ الدّنيا

ــــــــــــ

 ( ١ ) الإيضاح : ٨٢ ٨٤ .

١٠

و الحرص على الإمارة و لم يغن علمهما بكونه عليه السّلام على الحقّ عنهما شيئا .

رواه أبو مخنف في ( جمله ) و رواه ( الإرشاد ) و في الأوّل : لمّا سار الزبير و طلحة من مكّة و معهما عايشة يريدون البصرة خطب عليّ عليه السّلام فقال :

أيّها النّاس إنّ عايشة سارت إلى البصرة و معها طلحة و الزبير ، و كلّ منهما يرى الأمر له دون صاحبه ، أمّا طلحة فابن عمّها ، و أمّا الزبير فختنها ، و اللّه لو ظفروا بما أرادوا و لن ينالوا ذلك أبدا ليضربنّ أحدهما عنق صاحبه بعد تنازع منهما شديد و اللّه إنّ راكبة الجمل ما تقطع عقبة و لا تحلّ عقدة إلاّ في معصية اللّه و سخطه ، حتى تورد نفسها و من معها موارد الهلكة . أي و اللّه ليقتلن ثلثهم و ليهربن ثلثهم و ليتوبنّ ثلثهم ، و إنّها التي تنبحها كلاب الحوأب ،

و إنّهما ليعلمان أنّهما مخطئان ، و ربّ عالم قتله جهله و معه علمه لا ينفعه .

حسبنا اللّه و نعم الوكيل ، فقد قامت الفئة الباغية فأين المحتسبون ١ ؟

و رواه الثاني مثله لكن فيه بدل قوله : ( أما طلحة فابن عمّها ، و أما الزبير فختنها : « لا يدّعي طلحة الخلافة إلاّ أنّه ابن عمّ عايشة و لا يدّعيها الزبير إلاّ أنّه صهر أبيها » ٢ ، و هو جزء الآتي كما يأتي .

و لم يتفطّن ابن أبي الحديد و ابن ميثم للمراد ، فتوهّم الأوّل أنّ المراد بالقتل القتل الظاهري فقال : جرى مثل ذلك لابن المقفّع و فضله مشهور ، فقتله المنصور لمّا كتب كتاب أمان لعمّه عبد اللّه بن علي بأنّه إن غدر بعمّه ، فنساؤه طوالق و النّاس في حل من بيعته ٣ .

و توهّم الثاني أنّه عليه السّلام أراد بالعلم علما لا نفع فيه ، كعلم السحر

ــــــــــــ

 ( ١ ) نقله عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١ : ٢٣٣ .

 ( ٢ ) الإرشاد ١ : ٢٤٦ ٢٤٧ ، بحار الأنوار ٣٢ : ١١٢ ١١٣ .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٦٩ .

١١

و النيرنجات و علوم صناعية ، و بالجهل الجهل بالشرايع ١ ، و كلّ منهما نفخ في غير ضرام .

و من الغريب أنّ الأوّل نقل رواية ( جمل أبي مخنف ) عند قوله عليه السّلام في الزبير : ( يزعم انّه بايع بيده ) ٢ بلا مناسبة و هنا غفل رأسا .

ثمّ إنّه عليه السّلام و إن قال الكلام في الناكثين ، إلاّ أنّه يجري في القاسطين و المارقين و في الثلاثة المتقدمين عليه ، و قد عبّر بمعنى الكلام للجميع في الشقشقية ، في قوله عليه السّلام بعد ذكرهم : « كأنّهم لم يسمعوا اللّه حيث يقول تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّا في الأرض و لا فسادا و العاقبة للمتّقين ٣ ، بلى و اللّه لقد سمعوها و لكن حليت الدّنيا في أعينهم وراقهم زبرجها » ٤ .

و قد قال عليه السّلام قريبا من هذا الكلام في كعب بن سور قاضي البصرة ، لمّا مر عليه السّلام به قتيلا في أهل الجمل ، فروى أبو مخنف في ( جمله ) عن الأصبغ قال :

لمّا انهزم أهل البصرة ركب عليّ عليه السّلام بغلة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الشهباء و كانت باقية عنده و سار في القتلى يستعرضهم فمر بكعب بن سور قاضي البصرة و هو قتيل ، فقال : أجلسوه فأجلس فقال : « ويل أمّك كعب بن سور لقد كان لك علم لو نفعك و لكن الشيطان أضلّك فأزلك فعجلك إلى النّار أرسلوه » ٥ .

هذا و عدّ ( فهرست الشيخ ) في مصنّفات حيدر بن محمّد بن نعيم تلميذ

ــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٢٩٥ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٣٣ عند شرح الخطبة ٨ .

( ٣ ) القصص : ٨٣ .

( ٤ ) نهج البلاغة ١ : ٣١ الخطبة ٣ .

( ٥ ) نقله عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١ : ٢٤٨ .

١٢

العياشي ، كتاب تنبيه عالم قتله علمه الذي هو معه ١ .

و في ( عيون القتيبي ) : كتب كسرى إلى بزرجمهر و هو في الحبس : كان ثمرة علمك أن صرت بها أهلا للحبس و القتل . فكتب إليه بزرجمهر : أمّا ما كان مع الجدّ فقد كنت أنتفع بثمرة العلم ، فالآن إذ لا جد صرت أنتفع بثمرة الصبر ،

مع أنّي إن كنت فقدت كثير الخير فقد استرحت من كثير الشرّ ٢ .

و في ( الأغاني ) : كان لإبراهيم بن العبّاس الصولي الشاعر قينة كان يهواها ، فغضبت عليه فقال فيها :

و علّمتني كيف الهوى و جهلته

و علّمكم صبري على ظلمكم ظلمي

و أعلم مالي عندكم فيردّني

هواي إلى جهل فأقصر عن علمي ٣

و لبعضهم :

لا تطفئن نور علمك بظلمة الذنوب فتبقى في الظلمة ، يوم يسعى أهل العلم بنور علمهم ٤ .

٢

الخطبة ( ١٤٨ ) و من كلام له عليه السّلام في ذكر أهل البصرة :

كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَرْجُو اَلْأَمْرَ لَهُ وَ يَعْطِفُهُ عَلَيْهِ دُونَ صَاحِبِهِ لاَ يَمُتَّانِ إِلَى اَللَّهِ بِحَبْلٍ وَ لاَ يَمُدَّانِ إِلَيْهِ بِسَبَبٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَامِلُ ضَبٍّ لِصَاحِبِهِ وَ عَمَّا قَلِيلٍ يُكْشَفُ قِنَاعُهُ بِهِ وَ اَللَّهِ لَئِنْ أَصَابُوا اَلَّذِي يُرِيدُونَ لَيَنْتَزِعَنَّ هَذَا نَفْسَ هَذَا وَ لَيَأْتِيَنَّ هَذَا

ــــــــــــ

( ١ ) الطوسي : الفهرست ، ص ٦٤ ، رقم ٢٤٩ بمنشورات المكتبة المرتضوية ، النجف .

( ٢ ) عيون الأخبار ٢ : ١٢٦ .

 ( ٣ ) الأغاني ١٠ : ٦٠ .

( ٤ ) عيون الأخبار ٢ : ١٢٥ .

١٣

عَلَى هَذَا قَدْ قَامَتِ اَلْفِئَةُ اَلْبَاغِيَةُ فَأَيْنَ اَلْمُحْتَسِبُونَ فَقَدْ سُنَّتْ لَهُمُ اَلسُّنَنُ وَ قُدِّمَ لَهُمُ اَلْخَبَرُ وَ لِكُلِّ ضَلَّةٍ عِلَّةٌ وَ لِكُلِّ نَاكِثٍ شُبْهَةٌ وَ اَللَّهِ لاَ أَكُونُ كَمُسْتَمِعِ اَللَّدْمِ يَسْمَعُ اَلنَّاعِيَ وَ يَحْضُرُ اَلْبَاكِيَ ثُمَّ لاَ يَعْتَبِرُ

أقول : قد عرفت في سابقة أنّ الأصل فيهما واحد رواهما أبو مخنف ١ و المفيد ٢ ، و غفل ابن أبي الحديد هنا كما غفل ثمة ، و إنّما نقل رواية أبي مخنف عند قوله عليه السّلام : ( يزعم أنّه بايع بيده ) ٣ ، و هي : أيّها النّاس إنّ عايشة سارت إلى البصرة معها طلحة و الزبير و كلّ منهما يرى الأمر له دون صاحبه .

أمّا طلحة فابن عمّها ، و أمّا الزبير فختنها و اللّه لو ظفروا بما أرادوا و لن ينالوا ذلك أبدا ليضربنّ أحدهما عنق صاحبه بعد تنازع منهما شديد ،

و اللّه إنّ راكبة الجمل الأحمر ما تقطع عقبة و لا تحل عقدة إلاّ في معصية اللّه و سخطه ، حتى تورد نفسها و من معها موارد الهلكة ، أي و اللّه ليقتلن ثلثهم و ليهربن ثلثهم و ليتوبن ثلثهم ، و إنّها التي تنبحها كلاب الحوأب ،

و إنّهما ليعلمان أنّهما مخطئان ، و ربّ عالم قتله جهله و معه علمه لا ينفعه ،

حسبنا اللّه و نعم الوكيل ، فقد قامت الفتنة ، فيها الفئة الباغية ، أين المحتسبون أين المؤمنون ، مالي و لقريش أما و اللّه لقد قتلتهم كافرين و لأقتلنهم مفتونين ، و ما لنا إلى عايشة من ذنب إلاّ أنّا أدخلناها في حيزنا ، و اللّه لأبقرن الباطل حتّى يظهر الحقّ من خاصرته ، فقل لقريش فلتضجّ ضجيجها ٤ .

ــــــــــــ

( ١ ) نقله عنه ابن أبي الحديد في شرح النهج ١ : ٢٣٣ .

( ٢ ) الإرشاد ١ : ٢٤٦ ٢٤٧ ، بحار الأنوار ٣٢ : ١١٢ ١١٣ .

( ٣ ) نهج البلاغة ١ : ٣٨ ، الخطبة ٨ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٣٣ .

١٤

و مثله ( الإرشاد ) مع اختلاف يسير ١ .

قول المصنف « و من كلام له عليه السّلام » هكذا في ( المصرية ) ٢ و مثله في ( ابن ميثم ) ٣ و لكن في ( ابن أبي الحديد ) ٤ و ( الخطية ) : « و من خطبة له عليه السّلام » .

« في ذكر أهل البصرة » كان عليه أن يقول ( في طلحة و الزبير لمّا سارا إلى البصرة ) فإنّ المنصرف من أهل البصرة أهلها الأصليون و ليس الكلام فيهم بل فيهما .

قوله عليه السّلام « كلّ واحد منهما يرجو الأمر له و يعطفه عليه دون صاحبه » في ( الطبري ) : أذن مروان حين فصل من مكّة ، ثمّ جاء حتى وقف على طلحة و الزبير فقال : أيّكما أسلّم عليه بالامرة و اوزنه بالصلاة ، فقال عبد اللّه بن الزبير على أبي عبد اللّه ، و قال محمّد بن طلحة على أبي محمّد ، فأرسلت عايشة إلى مروان : مالك تريد أن تفرّق أمرنا ليصلّ ابن اختي ، فكان يصلّي بهم ابن الزبير حتّى قدموا البصرة ، فكان معاذ بن عبيد اللّه يقول : و اللّه لو ظفرنا لأفتتنا ما خلى الزبير بين طلحة و الأمر و لا خلّى طلحة بين الزبير و الأمر ٥ .

و في ( المروج ) : تشاحّ طلحة و الزبير في الصلاة بالناس في البصرة ، ثمّ اتّفقوا على أن يصلّي ابن الزبير يوما و ابن طلحة يوما في خطب طويل كان بين طلحة و الزبير ، و جذب صاحبه حتّى فات وقت الصلاة ، و صاح النّاس :

الصلاة الصلاة يا أصحاب محمّد ٦ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الإرشاد ١ : ٢٤٦ ٢٤٧ .

 ( ٢ ) نهج البلاغة ٢ : ٤٤ .

 ( ٣ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٢٠٥ .

 ( ٤ ) في شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٠٩ « من كلام له عليه السّلام » أيضا .

 ( ٥ ) تاريخ الطبريّ ٤ : ٤٥٤ ٤٥٥ ، سنة ٣٦ .

 ( ٦ ) مروج الذهب ٢ : ٣٦٧ .

١٥

و في ( جمل أبي مخنف ) : لمّا صفت البصرة لطلحة و الزبير بعد قتل حكيم بن جبلة و أصحابه ، و طرد عثمان بن حنيف عنها ، اختلفا في الصلاة و أراد كل منهما أن يؤمّ بالنّاس و خاف أن تكون صلاته خلف صاحبه تسليما و رضى بتقدمه ، فأصلحت عايشة بينهما ١ .

و في ( جمل المفيد ) نقلا عن ابن دأب و أبي مخنف و الواقدي و المدائني :

أنّ طلحة و الزبير لمّا ظفرا في البصرة بعثمان بن حنيف و حكيم بن جبلة ، نزلا دار الإمارة فقدمت عايشة و حملت مالا من بيت المال لتفرّقه على أنصارها ،

فدخل عليها طلحة و الزبير في طائفة معهما و احتملا منه شيئا كثيرا ، فلمّا خرجا نصبا على أبوابه الأقفال و وكلا به من قبلهما قوما ، فأمرت عايشة بختمه فبدر طلحة ليختمه فمنعه الزبير ، و أراد الزبير أن يختمه فتدافعا ، فبلغ ذلك عايشة فقالت : يختمها عنّي ابن اختي عبد اللّه فنختم يومئذ بثلاثة ختوم ٢ .

« لا يمتّان » أي : لا يتوسلان .

« إلى اللّه بحبل و لا يمدّان إليه بسبب » أي : توصل .

في ( الطبري ) عن عوف الأعرابي قال : جاء رجل إلى طلحة و الزبير و هما في المسجد بالبصرة فقال : نشدتكما باللّه في مسيركما أعهد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إليكما فيه شيئا ؟ فقام طلحة و لم يجبه ، فناشد الزبير فقال : لا ، و لكن بلغنا أنّ عندكم دراهم فجئنا نشارككم فيها ٣ .

و عن الزهري : أنّ طلحة و الزبير قاما خطيبين فقالا : يا أهل البصرة توبة بحوبة إنّما أردنا أن نستعتب عثمان و لم نرد قتله ، فغلب سفهاء النّاس الحلماء

ــــــــــــ

 ( ١ ) قريب منه ما في الجمل للمفيد : ٢٨١ ٢٨٢ ، تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٨١ ، تاريخ الطبريّ ٤: ٤٦٨ ، سنة ٣٦ .

 ( ٢ ) الجمل للمفيد : ٢٨٤ .

 ( ٣ ) تاريخ الطبريّ ٤ : ٤٧٥ ، سنة ٣٦ .

١٦

حتّى قتلوه . فقال النّاس لطلحة : قد كانت كتبك تأتينا بغير هذا . فقال لهم الزبير :

فهل جاءكم منّي كتاب في شأنه ؟ ثمّ ذكر قتل عثمان و ما أتى إليه و أظهر عيب عليّ عليه السّلام ، فقام إليه رجل من عبد القيس فقال : أيّها الرجل انصت حتّى نتكلّم ،

فقال له ابن الزبير : مالك و للكلام . فقال الرجل : يا معشر المهاجرين أنتم أوّل من أجاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فكان لكم بذلك فضل ، ثم دخل النّاس في الإسلام كما دخلتم ، فلمّا توفي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بايعتم رجلا منكم و اللّه ما استأمرتمونا في شي‏ء من ذلك فرضينا ، ثم أنكرتم من عثمان فقتلتموه عن غير مشورة منّا ، ثمّ بايعتم عليّا عن غير مشورة ، فما الذي نقمتم عليه فنقاتله ، هل استأثر بفي‏ء ، أو عمل بغير الحق ، أو عمل شيئا تنكرونه فنكون معكم عليه ؟ و إلاّ فما هذا فهمّوا بقتل ذلك الرجل ، فقام من دونه عشيرته فلمّا كان الغد و ثبوا عليه و على من كان معه فقتلوا سبعين رجلا ١ .

« كلّ واحد منهم حامل ضب » في ( الأساس ) : ( في قلبه ضبّ ) أي : غل داخل كالضب الممعن في جحره .

قال سابق البربريّ :

و لا تك ذا وجهين يبدي بشاشة

و في صدره ضبّ من الغلّ كامن ٢

« لصاحبه و عمّا قليل يكشف قناعه به » أي : عنه ، و أهل الدّنيا كلّهم كذلك،

و اصطلاحهم في الظاهر إنّما هو من حيث أنّ الدّنيا محبوبة جميعهم ، في قبال مبغضيها. و أمّا هم في أنفسهم و تزاحمهم عليها فيتهارشون كل مع الآخر حال الكلاب و الجيفة.

« و اللّه لئن أصابوا الذي يريدون » أي : من نيل الإمارة ، و قد عرفت من رواية

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبريّ ٤ : ٤٦٩ ٤٧٠ ، سنة ٣٦ .

 ( ٢ ) أساس البلاغة : ٢٦٥ ، مادة : ( ضبب ) .

١٧

أبي مخنف أنّه عليه السّلام أخبر بعدم نيلهما ذلك ، كما أخبر عليه السّلام بقتل ثلث أهل الجمل و هرب ثلثهم و توبة ثلثهم .

« لينزعن هذا نفس هذا و ليأتين هذا على نفس هذا » قد عرفت أنّ رواية أبي مخنف بدله بقوله : ( ليضربن أحدهما عنق صاحبه بعد تنازع منهما شديد ) .

و كذلك أهل الدّنيا في كل عصر ، فانتزع عبد الملك بن مروان لمّا نال الأمر نفس عمرو بن سعيد الأشدق و ذبحه بيده ، و انتزع منصور الدوانيقي نفس أبي مسلم الخراساني ، و قتل المأمون الأمين . قال هارون لرجل : ما عندك في ما كان من العهد الذي عهدت إلى ولاة العهد ؟ فاستعفاه فلم يعفه . فقال :

رأيتك قد أخذت ثلاثة أسياف مشحوذة فجعلتها في غمد واحد .

و روى ( أمالي الشيخ ) عن الصادق عليه السّلام : أنّ إيتلاف قلوب الأبرار إذا التقوا و إن لم يظهروا التودّد بألسنتهم كسرعة اختلاط قطر السماء على مياه الأنهار ، و إنّ بعد إيتلاف قلوب الفجّار إذا التقوا و إن أظهروا التودّد بألسنتهم ،

كبعد البهائم من التعاطف و إن طال اعتلافها على مذود واحد ١ .

« قد قامت الفئة الباغية » التي أخبر بها النبيّ صلّى اللّه عليه و آله .

« فأين المحتسبون » في جهادهم .

« فقد » هكذا في ( المصرية ) ٢ ، و لكن في ( ابن ميثم ) ٣ : ( و قد ) و في ( ابن أبي الحديد ) ٤ و ( الخطية ) : ( قد ) .

« سنّت لهم السنن » في حرب الناكثين .

« و قدم لهم الخبر » في ( الطبري ) عن أبي عمرة مولى الزبير قال : لمّا

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأمالي للشيخ الطوسيّ رحمه اللّه ٢ : ٢٥ ٢٦ ، بحار الأنوار ٧٤ : ٢٨١.

 ( ٢ ) نهج البلاغة ٢ : ٤٤ .

 ( ٣ ) في شرح ابن ميثم ٣ : ٢٠٥ « فقد » أيضا .

 ( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٠٩ .

١٨

بايعهما أهل البصرة قال الزبير : ألا ألف فارس أسير بهم إلى عليّ ، فأمّا بيّته و أما صبّحته لعليّ أقتله قبل أن يصل إلينا . فلم يجبه أحد فقال : إنّ هذه لهي الفتنة التي كنّا نحدّث عنها ، فقال له مولاه : أتسميها فتنة و تقاتل فيها ؟ قال :

ويحك إنّا نبصر و لا نصبر ١ .

و في ( جمل المفيد ) : روى عبد اللّه بن رباح مولى الأنصار عن عبد اللّه بن زياد مولى عثمان قال : خرج عمّار يوم الجمل إلينا فقال : يا هؤلاء على أي شي‏ء تقاتلونا ؟ فقلنا : على أنّ عثمان قتل مؤمنا ، فقال : نحن نقاتلكم على أنّه قتل كافرا . و قال : و اللّه لو ضربتمونا حتّى نبلغ سعفات هجر ، إنّا على الحقّ و إنّكم على الباطل . و قال : ما نزل تأويل هذه الآية يا أيّها الذين آمنوا من يرتدّ منكم عن دينه فسوف يأتي اللّه بقوم يحبّهم و يحبونه . . . الاّ اليوم ٢ .

« و لكل ضلّة علة و لكل ناكث شبهة » يعني و أمّا طلحة و الزبير فلا علّة لضلّتهم بقتالهم معه عليه السّلام ، و لا شبهة لهما في نكث بيعته عليه السّلام ، فعلّة ضلّتهم كانت طلب دم عثمان و هم كانوا قاتليه ، و قد عرفت أنّ الرجل العبدي قال لطلحة : جاءت كتبك بقتل عثمان ، و سبب نكثهم كان عدم توليتهم الولايات ،

و ليس هو شبهة و إنّما تكون شبهة لو كان أمكنهم ادّعاء وقوع خلاف شرع منه عليه السّلام .

و روى ( أمالي المفيد ) : عن أبي عثمان مؤذن بني افصى أنّه سمع عليّا عليه السّلام حين خرج طلحة و الزبير لقتاله تلا هذه الآية و إن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم و طعنوا في دينكم فقاتلوا أئمّة الكفر انهم لا أيمان

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبريّ ٤ : ٤٧٥ ٤٧٦ ، سنة ٣٦ .

 ( ٢ ) الجمل للمفيد : ٣٦٦ ، و الآية ٥٤ من سورة المائدة .

١٩

لهم لعلهم ينتهون ١ .

« و اللّه لا أكون كمستمع اللدم » في ( الصحاح ) لدمت المرأة وجهها أي :

ضربته ، و التدام النساء : ضربهن صدورهن في النياحة ٢ .

« يسمع الناعي » و هو الذي يأتي بخبر الميّت .

« و يحضر الباكي » و المراد أنّي لا اساهل في أمر طلحة و الزبير ، اخليهما و إفساد البلاد .

و قال الشاعر :

و لست كمن يرضى بما غيره الرضا

و يمسح رأس الذئب و الذئب آكله

و قال ابن أبي الحديد في معنى قوله عليه السّلام : ( و اللّه ) إلى مستمع اللدم :

كناية عن الضبع تسمع وقع الحجر بباب حجرها من يد الصائد ، فتنخذل و تكف جوارحها إليها حتى يدخل عليها فيربطها ، يعني لا أكون مقرّا بالضيم أسمع الناعي المخبر عن قتل عسكر الجمل ، حكيم بن جبلة و أتباعه ، فلا يكون عندي من التغير و الإنكار لذلك ، إلاّ أن أسمعه و أحضر الباكين على قتلاهم ٣ .

و تبعه الخوئيّ ٤ .

و قال ابن ميثم : أقسم عليه السّلام أنّه لا يكون معهم كمن يسمع الضرب و البكاء ، الذي هو مظنّة الخطر ، ثم لا يصدق حتّى يجي‏ء لمشاهدة الحال و يحضر الباكي ، و قد كان الأولى أن يكتفي بذلك السماع و يأخذ في الاستعداد للعدوّ و الهرب منه ٥ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأمالي للمفيد رحمه اللّه : ٧٣ ، و الآية ١٢ من سورة التوبة .

 ( ٢ ) الصحاح ٥ : ٢٠٢٨ ٢٠٢٩ ، مادة : ( لدم ) .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٠٩ ١١٠ .

 ( ٤ ) منهاج البراعة ٩ : ١٠٩ .

 ( ٥ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٢٠٧ .

٢٠

قلت : و هما كما ترى ، أما قول ابن أبي الحديد : فلم يقل أحد ان مستمع اللدم كناية عن الضبع ، و إنّما قالوا : إنّ الضبع تسمع اللدم ، أي : الصوت فتخرج فتصاد .

ففي ( الصحاح ) قال الأصمعي : اللدم صوت الحجر ، أو الشي‏ء يقع بالأرض و ليس بالصوت الشديد .

و في الحديث : و اللّه لا أكون مثل الضبع تسمع اللدم حتى تخرج فتصاد . . . ١ ، و أين هو ممّا قال و إنّما اللدم هنا ضرب المرأة وجهها و صدرها في النياحة كما مر ، و يشهد له قوله : « يسمع الناعي و يحضر الباكي » . و أيّ ربط لسماع الناعي و حضور الباكي بالضبع ؟ كما أنّ تفسيره ( يسمع الناعي ) بسماعه خبر قتل عسكر الجمل حكيم بن جبلة ٢ من أين قاله ؟ مع أنّ الأصل في ( الخطية ) كما عرفت من رواية أبي مخنف و المفيد كان عند شخوص أصحاب الجمل من مكة قبل وصولهم إلى البصرة ، و قتلهم لحكيم كان بعد وصولهم إلى البصرة ، اللهمّ إلاّ أن يقال إنّ قوله عليه السّلام « و اللّه . . . » لم يكن من الروايتين ، و إنّما أخذه الرضي من موضع آخر ،

حيث إنّ دأبه الجمع بين مختلفات موضوع من مواضع ، و لعلّه لذا قال في عنوانه : « في ذكر أهل البصرة » .

و أيضا قوله : « يسمع الناعي و يحضر الباكي » على سياق واحد ، فكيف فسّرهما بما قال من إنّه يسمع الناعي بقتل أصحابه ، فلا يكون عنده إنكار إلاّ أن يحضر الباكي ٣ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الصحاح ٥ : ٢٠٢٨ ، مادة : ( لدم ) .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١١٠ .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٠٩ ١١٠ ، و النقل بتصرّف .

٢١

و أمّا ما ذكره ابن ميثم : فاللفظ أيضا قاصر عن إفادته مع أنّه غير السياق أيضا .

« ثم لا يعتبر » هكذا في ( المصرية ) ١ ، و ليس هذا الكلام في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٢ رأسا ، و الظاهر أنّه كان حاشية اخذت من قول ابن أبي الحديد في ما مرّ في تفسيره ما قبله : « فلا يكون عندي من التغير . . . » و خلطت بالمتن .

٣

الخطبة ( ٦ ) و من كلام له عليه السّلام لمّا اشير عليه بألاّ يتبع طلحة و الزبير و لا يرصد لهما القتال :

وَ اَللَّهِ لاَ أَكُونُ كَالضَّبُعِ تَنَامُ عَلَى طُولِ اَللَّدْمِ حَتَّى يَصِلَ إِلَيْهَا طَالِبُهَا وَ يَخْتِلَهَا رَاصِدُهَا وَ لَكِنِّي أَضْرِبُ بِالْمُقْبِلِ إِلَى اَلْحَقِّ اَلْمُدْبِرَ عَنْهُ وَ بِالسَّامِعِ اَلْمُطِيعِ اَلْعَاصِيَ اَلْمُرِيبَ أَبَداً حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيَّ يَوْمِي قول المصنف : « لمّا اشير عليه عليه السّلام بألاّ يتبع طلحة و الزبير و لا يرصد لهما القتال » اختلف في المشير عليه بذلك ، فروت العامّة كونه ابنه الحسن عليه السّلام ، و روت الخاصّة كونه اسامة .

أما الأوّل ، فقال ابن أبي الحديد : خرج طارق بن شهاب الأحمسي يستقبل عليّا عليه السّلام و قد صار بالربذة طالبا عايشة و أصحابها . قال طارق فقلت في نفسي : أفاقاتل امّ المؤمنين و حواري النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إنّ هذا لعظيم ؟ ثم قلت :

أدع عليّا عليه السّلام و هو أوّل المؤمنين إيمانا باللّه و ابن عمّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و وصيّه هذا

ــــــــــــ

 ( ١ ) نهج البلاغة ٢ : ٤٤ .

 ( ٢ ) كذا في شرح ابن ميثم ٣ : ٢٠٥ و لكن في شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٠٩ « ثمّ لا يعتبر » أيضا.

٢٢

عظيم ثمّ أتيته فسلّمت عليه ، ثم جلست إليه ، فقص عليّ قصّة القوم و قصّته ،

فجاء الحسن ابنه فبكى بين يديه . قال : ما بالك ؟ قال : أبكي لقتلك غدا بمضيعة و لا ناصر لك ، أمّا إنّي أمرتك فعصيتني ، ثمّ أمرتك فعصيتني . فقال له عليّ عليه السّلام : لا تزال تحنّ حنين الأمة ، ما الذي أمرتني به فعصيتك ؟ قال : أمرتك حين أحاط النّاس بعثمان أن تعتزل ، فإنّ النّاس إذا قتلوه طلبوك أينما كنت حتّى يبايعوك فلم تفعل ، ثم أمرتك لمّا قتل عثمان ألاّ توافقهم على البيعة حتّى يجتمع النّاس و يأتيك و فود العرب فلم تفعل ، ثم خالفك هؤلاء القوم فأمرتك ألاّ تخرج من المدينة و أن تدعهم و شأنهم ، فإن اجتمعت عليك الامّة فذاك و إلاّ رضيت بقضائه .

فقال عليّ عليه السّلام : و اللّه لا أكون كالضبع تنام على اللدم حتى يدخل إليها طالبا فيعلق الحبل برجلها و يقول لها دباب دباب حتى يقطع عرقوبها الى آخر الفصل ١ .

و كان طارق يبكي إذا ذكر هذا الحديث . و نسب إلى ( أمالي المفيد ) روايته عن طارق الخبر و لكن لم أتحققه ٢ .

و رواه سيف كما في ( الطبري ) عن طارق مثله ، لكن فيه فقال عليّ : أي بني أما قولك لو خرجت من المدينة حين احيط بعثمان ، فو اللّه لقد احيط بنا كما احيط به ، و أما قولك لا تبايع حتّى يأتي بيعة الأمصار ، فإن الأمر أمر أهل المدينة و كرهنا أن يضيع هذا الأمر ، و أمّا قولك حين خرج طلحة و الزبير فإن ذلك كان وهنا على أهل الإسلام ، و و اللّه ما زلت مقهورا مذ ولّيت منقوصا لا أصل إلى شي‏ء ممّا ينبغي ، و أما قولك اجلس في بيتك ، فكيف لي بما قد لزمني ،

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٢٦ ٢٢٧ .

 ( ٢ ) ما وجدت هذا الحديث في الأمالي .

٢٣

أو من تريدني ؟ أ تريد أن أكون مثل الضبع التي يحاط بها و يقال دباب دباب ليست هاهنا حتّى يحلّ عرقوباها ثم تخرج . و إذا لم أنظر فيما لزمني من هذا الأمر و يعنيني فمن ينظر فيه ١ ؟

و روى الطبري عن العرني صاحب جمل عايشة بعد بيعة الجمل من أصحاب عايشة و سيره معهم إلى الحوأب و نبح كلابها عليها ، و قولها : ردّوني أنا و اللّه صاحبة كلاب الحوأب . ثم انصرافه عنهم و مجيئه معه عليه السّلام إلى ذى قار قال فقال عليه السّلام : قد رأيتم ما صنع هؤلاء القوم و هذه المرأة ، فقام إليه الحسن فبكى ، فقال له عليّ : قد جئت تحن حنين الجارية . فقال : أجل أمرتك فعصيتني ، فأنت اليوم تقتل بمضيعة لا ناصر لك . قال : حدّث القوم بما أمرتني به . قال : أمرتك حين سار النّاس إلى عثمان ألاّ تبسط يدك ببيعة حتّى تجول جائلة العرب فإنّهم لن يقطعوا أمرا دونك فأبيت عليّ ، و أمرتك حين سارت هذه المرأة و صنع هؤلاء القوم ما صنعوا أن تلزم المدينة و ترسل إلى من استجاب لك من شيعتك . قال عليّ : صدق و اللّه ، و لكن و اللّه يا بني ما كنت لأكون كالضبع و تستمع للدم ، إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قبض و ما أرى أحدا أحقّ بهذا الأمر مني ،

فبايع النّاس أبا بكر فبايعت كما بايعوا ، ثمّ إنّه هلك و ما أرى أحدا أحقّ بهذا الأمر مني فبايع النّاس عمر فبايعت كما بايعوا ، ثمّ إنّ عمر هلك و ما أرى أحدا أحقّ بهذا الأمر منّي ، فجعلني سهما من ستّة أسهم ، فبايع النّاس عثمان فبايعت كما بايعوا ، ثمّ سار النّاس إلى عثمان فقتلوه ثم أتوني فبايعوني طائعين غير مكرهين ، فأنا مقاتل من خالفني بمن اتّبعني حتّى يحكم اللّه بيني و بينهم ٢ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبريّ ٤ : ٤٥٥ ٤٥٦ ، سنة ٣٦ .

 ( ٢ ) تاريخ الطبريّ ٤ : ٤٥٦ ٤٥٨ ، سنة ٣٦ .

٢٤

و أما الثاني : فروى المفيد في ( جمله ) : أنّه لمّا جاء كتاب إلى أمير المؤمنين عليه السّلام يخبره بخبر طلحة و الزبير و عايشة ، دعا عليه السّلام ابن عبّاس و محمّد بن أبي بكر و عمارا و سهل بن حنيف ، و أخبرهم بما عليه القوم من المسير ، فقال محمّد بن أبي بكر : ما يريدون ؟ فتبسّم عليه السّلام و قال : يطلبون بدم عثمان . فقال محمّد : و اللّه ما قتله غيرهم .

ثم قال عليه السّلام : أشيروا عليّ بما أسمع منكم القول فيه . فقال عمّار : الرأي أن نسير إلى الكوفة فإن أهلها لنا شيعة و قد انطلق هؤلاء القوم إلى البصرة . و قال ابن عبّاس : الرأي عندي أن تقدم رجالا إلى الكوفة فيبايعوا لك إلى أن قال :

فبيناهم في ذلك إذ دخل اسامة بن زيد و قال له عليه السّلام : فداك أبي و امي لا تسر، و خلّف على المدينة رجلا ، و أقم بمالك ، فإنّ العرب لهم جولة ثم يصيرون إليك.

فقال ابن عبّاس : يا اسامة إنّ هذا القول منك ، إن كان على غير دغل في صدرك ، فقد أخطأت وجه الرأي ، فبه نكون و اللّه كهيئة الضبع في مغارتها .

فقال له اسامة : فما الرأي ؟ قال : ما أشرت به و ما رأى أمير المؤمنين لنفسه . ثم نادى عليه السّلام في النّاس : تجهزوا ١ .

و الصواب هذا الذي يشهد له الاعتبار ، و أمّا خبرا طارق و العرفي فخلاف العقل ، فمع قطع النظر عن كون الحسن عليه السّلام معصوما لا يعترض على المعصوم ، إتباع طلحة و الزبير و عدمه لم يكن أمرا مشتبها مختلف الظاهر و الباطن حتّى يشتبه على الحسن عليه السّلام ، فمع إتباعه عليه السّلام لهما أفسدا تلك الإفسادات العظيمة ، فكيف كان لو خلاهما .

و كذلك قبوله عليه السّلام بيعة النّاس ، و أي معنى لقوله للعرب جولة ، فالعرب أين كانوا يوم السقيفة و يوم الدار ؟ و كيف يعبّر الحسن عليه السّلام مع أبيه بقوله :

ــــــــــــ

 ( ١ ) الجمل للمفيد : ٢٣٩ ٢٤٠ .

٢٥

« أمرتك فعصيتني » ألم يدر يقول : « أشرت عليك فما قبلت رأيي » ؟

و الخبر الأوّل و إن كان دخيلا كالثاني ، إلاّ انّ سيفا زاد في غشه كما هو دأبه إشارته على أبيه بخروجه من المدينة حين احيط بعثمان ، و انّ أباه قال له : لقد احيط بنا كما احيط بعثمان ، فإنّه كذب محض و افتراء واضح .

و لقد أغرب ( خلفاء ابن قتيبة ) و أتى بالمضحك من الكذب ، و الطبري و إن كان ينقل الروايات المتضادة هو يفتي بالمتناقض و المتضاد .

فقال : لمّا أتى كتاب معاوية ليس بيني و بين قيس عتاب غير طعن الكلى و ضرب الرقاب إلى علي دخل عليه ابنه الحسن فقال له : قد كنت أمرتك فعصيتني . فقال له عليّ: و ما أمرتني به فعصيتك ؟ قال : أمرتك يوم عثمان أن تركب رواحلك فتلحق بمكة فلا تتهم به ، و أمرتك حين دعيت إلى البيعة ألاّ تبسط يدك إلاّ على بيعة جماعة فعصيتني، و أمرتك حين خالف عليك طلحة و الزبير ألاّ تكرههما على البيعة و تخلي بينهما و بين وجههما و تدع النّاس يتشاورون عاما كاملا ، فو اللّه لو تشاوروا عاما ما زويت عنك ، و لا وجدوا منك بدا ، و أنا آمرك اليوم أن تقيلهما بيعتهما و تردّ إلى النّاس أمرهم ، فإن رفضوك رفضتهم و إن قبلوك قبلتهم ، فإنّي قد رأيت الغدر في رؤوسهم ، و الكراهية في وجوههم . فقال له علي : أنا إذن مثلك يا بني ، و لكن اقاتل من عصاني بمن أطاعني ، و ايم اللّه ما زلت مبغيّا عليّ منذ هلك جدّك .

فقال له الحسن : يا أبة ليظهرن عليك معاوية ، لأنّه من قتل مظلوما فقد جعلنا لوليّه سلطانا .

فقال عليّ : يا بني و ما علينا ، ما ظلمناه و لا أمرنا و لا نصرنا عليه ، و لا كتبت فيه إلى أحد سوادا في بياض ، و إنّك لتعلم إنّ أباك أبرأ النّاس من دمه .

فقال له الحسن : دع عنك هذا ، انّي لا أظن ، بل لا أشك أنّ ما في المدينة

٢٦

عاتق و لا عذراء و لا صبيّ إلاّ و عليه كفل من دمه . فقال : يا بني إنّك لتعلم أنّ أباك قد ردّ عنه النّاس مرارا ، و قد أرسلتكما جميعا بسيفيكما لتنصراه و تموتا دونه ، فنهاكما عن القتال و نهى أهل الدار أجمعين ، و لو أمرني بالقتال لقاتلت دونه أو أموت بين يديه . قال الحسن : دع عنك هذا حتّى يحكم اللّه بين عباده .

فهل أراد المخذول أن يصنع قصّة و يجعل معاوية الحسن ، و لقد أراد المفتري أن يجعل قتل عثمان ظلما ، فأخزاه اللّه حتى جعل أمير المؤمنين عليه السّلام و جميع أهل المدينة صغيرهم و كبيرهم ذكرهم و انثاهم داخلين في دمه ، فإن كان الأمر كما ذكر فهذا إجماع لا إجماع فوقه ، و لن تجمع امّة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله على ضلال .

و بالجملة ، الأصل في العنوان أحد تلك الأخبار ، لكن عرفت أنّ الصحيح منها خبر ( جمل المفيد ) و المفهوم منه كون العنوان و إن لفظه أخصر لابن عبّاس لاله عليه السّلام فإن كان المصنّف وقف على مستند آخر فلعل .

« و اللّه لا اكون كالضّبع » سبع معروف ، و قال الجوهري في قول الشاعر :

فانّ قومي لم تأكلهم الضبع المراد بالضبع فيه : السنة المجدبة ١ ، لكن إرادة السبع المعروف الذي يأكل الجيف و أشلاء القتلى و الموتى غير بعيدة .

و المشهور أنّ الضبع الانثى و الذكر ضبعان ٢ . و عن ابن الانباري يطلق على الذكر و الانثى .

و في كتاب الدميري : و من أسماء الضبع جيل و جعار و جفصة ، و من كناها ام خنور و ام طريق و ام عامر و ام القبور و ام نوفل ، و الذكر أبو عامر

ــــــــــــ

 ( ١ ) الصحاح ٣ : ١٢٤٨ ، مادة : ( ضبع ) .

 ( ٢ ) المصدر نفسه .

٢٧

و أبو كلدة و أبو الهنبر ١ .

و من عجيب أمرها أنّها كالأرنب ، تكون سنة ذكرا و سنة انثى ، فتلقح في حال الذكورة و تلد في حال الانوثة نقله الجاحظ ٢ .

« تنام على طول اللدم » قال الجوهريّ : قال الأصمعيّ : اللدم : صوت الحجر أو الشي‏ء يقع بالأرض ، و ليس بالصوت الشديد ٣ .

و قال ابن دريد : اللدم : ضربك الحجر بحجر أو غيره ، و كل ضرب لدم ،

و النساء يلتدمن في المأتم . و في حديث عليّ رضى اللّه عنه : « لا أكون كالضبع تسمع اللدم » ٤ .

« حتى يصل إليها طالبها و يختلها » أي : يخدعها .

« راصدها » قال ابن أبي الحديد : قال أبو عبيدة : يأتي الصائد فيضرب بعقبه الأرض عند باب مغارها ضربا خفيفا ، و ذلك هو اللدم ، و يقول : « خامري ام عامر » مرارا بصوت ليس بشديد فينام على ذلك ٥ .

و قال : تزعم العرب أنّ الصائد يدخل عليها و جارها فيقول لها : اطرقي أم طريق ، خامري ام عامر . فتلجأ إلى أقصى مغارها و تنقبض . فيقول : ام عامر ليست في وجارها ، ام عامر نائمة . فتمد يديها و رجليها و تستلقي ، فيدخل عليها فيوثقها و يقول لها : أبشري ام عامر بكمر الرجال ، ابشري ام عامر بشاة هزلى و جراد عظلى ، فيشدّ عراقيبها و لا تتحرك ، و لو شاءت أن تقتله لأمكنها .

قال الكميت :

ــــــــــــ

 ( ١ ) الدميري : حياة الحيوان ١ : ٦٤١ منشورات الحلبي ، مصر .

 ( ٢ ) كتاب الحيوان ٧ : ١٦٨ .

 ( ٣ ) الصحاح ٥ : ٢٠٢٨ ، مادة : ( لدم ) .

 ( ٤ ) الجمهرة ٢ : ٦٨١ .

 ( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٢٥ .

٢٨

فعل المقرّة للمقالة

خامري يا امّ عامر

و قال الشنفري :

لا تقبروني إنّ قبري محرّم

عليكم و لكن خامري امّ عامر ١

و في كتاب الدميري : إنّ الصياد إذا أراد أن يصيدها رمى في جحرها بحجر فتحسبه شيئا تصيده ، فتخرج لتأخذه فتصاد . و يقال لها و هي في جحرها : اطرقي ام طريق خامري أم عامر أبشري بجراد عظلى و شاة هزلى .

فلا يزال يقال لها ذلك حتّى يدخل عليها الصائد فيربط يديها و رجليها ثم يجرها .

قال : و الجاحظ يرى هذا من خرافات العرب ٢ .

و في رواية سيف المتقدمة : مثل الضبع التي يحاط بها و يقال : « دباب دباب ليست هاهنا ، حتّى يحل عرقوبها ثم تخرج » . و مثل ذلك مثلهم : « اطرق كرا إنّ النعام في القرى » . أو « اطرق كرا يحلب لك » . أو « اطرق كرا إنّك لن ترى » .

و قال الخليل كما في ( أمثال الميداني ) : الكرا : الذكر من الكروان ،

يصيدونه بهذه الكلمة ، فإذا سمعها تلبد بالأرض ، فيلقى عليه ثوب فيصاد .

و هو معنى : « انّ النعام بالقرى » أي : يأتيك فيدوسك بأخفافها ٣ .

« و لكني اضرب بالمقبل إلى الحقّ المدبر عنه » هكذا في ( المصرية ) ٤ و مثلها ( ابن أبي الحديد ) ٥ ، و لكن في ( ابن ميثم ) : « وجه المدبر عنه » ٦ . و لا يبعد

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٢٤ .

 ( ٢ ) الدميري حياة الحيوان ١ : ٦٤٣ منشورات الحلبي ، مصر .

 ( ٣ ) مجمع الأمثال ٢ : ٢٨٥ تحت الرقم ٢٢٧٢ .

 ( ٤ ) نهج البلاغة ١ : ٣٧ .

 ( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٢٣ .

 ( ٦ ) في شرح ابن ميثم المطبوع ١ : ٢٨٠ « الحقّ المدبر عنه » أيضا .

٢٩

أصحيته حيث أنّ نسخته بخط مصنّفه .

« و بالسامع المطيع العاصي المريب أبدا حتّى يأتي عليّ يومي » حيث إنّ الجهاد واجب أبدا مع شرائطه .

هذا و العجب أنّ سيفا الذي يضع في كلّ شي‏ء قال : لمّا دخل طلحة و الزبير البصرة و اصطلحا مع عثمان بن حنيف عامل عليّ على أن يبعثوا كعب بن سور إلى المدينة يستخبرهم في بيعتهما ، فإن أخبروه بأنّ عليّا أكرههما فالأمر أمرهما ، و إن بايعاه طوعا فالأمر أمره . و لمّا جاء كعب و سألهم ، سكت جميع النّاس خوفا من سهل عامل عليّ إلاّ اسامة ، فوثب سهل عليه ، فأفلته صهيب و قال له : قد علمت أنّ ام عامر حامقة ، أما وسعك ما وسعنا من السكوت ١ .

فإنّه وضعه في مقابل رواية ( جمل المفيد ) ٢ المتقدّمة في أصل العنوان .

٤

الخطبة ( ٣١ ) و من كلام له عليه السّلام لابن عباس لمّا أرسله إلى الزبير يستفيئه إلى طاعته قبل حرب الجمل :

لاَ تَلْقَيَنَّ ؟ طَلْحَةَ ؟ فَإِنَّكَ إِنْ تَلْقَهُ تَجِدْهُ كَالثَّوْرِ عَاقِصاً قَرْنَهُ يَرْكَبُ اَلصَّعْبَ وَ يَقُولُ هُوَ اَلذَّلُولُ وَ لَكِنِ اِلْقَ ؟ اَلزُّبَيْرَ ؟ فَإِنَّهُ أَلْيَنُ عَرِيكَةً فَقُلْ لَهُ يَقُولُ لَكَ اِبْنُ خَالِكَ عَرَفْتَنِي ؟ بِالْحِجَازِ ؟ وَ أَنْكَرْتَنِي ؟ بِالْعِرَاقِ ؟ فَمَا عَدَا مِمَّا بَدَا قال الشريف أقول : هو أوّل من سمعت منه هذه الكلمة ، أعني « فما عدا ممّا بدا » ٣ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبريّ ٤ : ٤٦٧ ٤٦٨ ، سنة ٣٦ .

 ( ٢ ) الجمل للمفيد : ٢٣٩ ٢٤٠ .

 ( ٣ ) نهج البلاغة ١ : ٧٣ .

٣٠

قول المصنف « و من كلام له عليه السّلام لابن عبّاس لمّا أرسله إلى الزبير يستفيئه إلى طاعته قبل حرب الجمل » هكذا في ( المصرية ) ١ ، و الصواب : ما في ( ابن ميثم ) : « و من كلام له عليه السّلام لمّا أنفذ عبد اللّه بن العبّاس إلى الزبير قبل وقوع حرب الجمل يستفيئه إلى طاعته » ٢ ، و مثله ( ابن أبي الحديد ) لكن فيه بدل « وقوع حرب الجمل » : « وقوع الحرب يوم الجمل » ٣ .

و أما العنوان فقال ابن أبي الحديد : روى الزبير بن بكار في ( موفقياته ) :

انّ عليّا عليه السّلام لمّا سار إلى البصرة بعث ابن عبّاس فقال : ايت الزبير فاقرأ عليه السّلام و قل له : يا عبد اللّه كيف عرفتنا بالمدينة و أنكرتنا بالبصرة ؟ فقال ابن عبّاس : أفلا آتي طلحة ؟ قال : لا ، إذن تجده عاقصا قرنه في حزن يقول هذا سهل . قال : فأتيت الزبير فوجدته في بيت يتروح في يوم حار و عبد اللّه ابنه عنده ، فقال : مرحبا بك يابن لبابة ، أجئت زائرا أم سفيرا ؟ قلت : كلاّ ، إنّ ابن خالك يقرأ عليك السلام و يقول لك يا أبا عبد اللّه كيف عرفتنا بالمدينة و أنكرتنا بالبصرة ؟ فقال :

علقهم أني خلقت عصبه

قتادة تعلقت بنشبه

لن أدعهم حتّى آلف بينهم . فأردت منه جوابا غير ذلك ، قال لي ابنه : « قل له بيننا و بينك دم خليفة و وصيّة خليفة و اجتماع اثنين و انفراد واحد ، و ام مبرورة و مشاورة العشيرة » . فعلمت انّه ليس وراء هذا الكلام إلاّ الحرب ،

فرجعت إلى عليّ عليه السّلام فأخبرته .

قال ابن بكار : هذا الحديث كان يرويه عمي مصعب ثم تركه ، و قال : إنّي

ــــــــــــ

 ( ١ ) نهج البلاغة ١ : ٧٢ .

 ( ٢ ) في شرح ابن ميثم ٢ : ٥٩ ما في العنوان في نهج البلاغة .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٦٢ .

٣١

رأيت جدّي الزبير في المنام و هو يعتذر من يوم الجمل ، فقلت له : كيف تعتذر منه و أنت القائل : « علقتهم إلى آلف بينهم » ؟ فقال : لم أقله ١ .

و قال ابن أبي الحديد أيضا : و روى جعفر بن محمّد الصادق عن أبيه عن جدّه قال : سألت ابن عبّاس عن ذلك فقال : إنّي أتيت الزبير فقلت له . . . فقال : قل له إنّي اريد ما تريد كأنه يقول : الملك لم يزد على ذلك . فرجعت إلى عليّ عليه السّلام فأخبرته.

و روى محمّد بن إسحاق الكلبيّ عن ابن عبّاس قال : قلت الكلمة للزبير ،

فلم يزدني على ان قال : قل له :

إنّا مع الخوف الشديد لنطمع

و سئل ابن عبّاس عمّا يعني بقوله هذا ، فقال : يقول : إنّا على الخوف لنطمع أن نلي من الأمر ما وليتم .

و قال قوم : أراد أنّا مع الخوف من اللّه لنطمع أن يغفر لنا هذا الذنب ٢ .

قلت : و رواه الجاحظ في ( بيانه ) و ابن قتيبة في ( عيونه ) و ابن عبد ربه في ( عقده ) ، قال الأوّل : قال عبد اللّه بن مصعب : أرسل عليّ كرم اللّه وجهه لمّا قدم البصرة ابن عبّاس و قال له : ايت الزبير و لا تأت طلحة ، فإن الزبير ألين ، و انّك تجد طلحة كالثور عاقصا قرنه يركب الصعوبة و يقول هي السهل ، فأقرئه السلام و قل له : يقول لك ابن خالك : عرفتني بالحجاز و أنكرتني بالعراق ، فما عدا ممّا بدا لك قال : فأتيت الزبير ، فقال : مرحبا بابن لبابة ، أزائرا جئت أم سفيرا ؟ قلت : كل ذلك . و أبلغته ما قال عليّ عليه السّلام ، فقال الزبير : أبلغه السلام و قل له : بيننا و بينك عهد خليفة و دم خليفة و اجتماع ثلاثة و انفراد واحد و ام

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٦٩ ١٧٠ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٦٦ ١٦٧ .

٣٢

مبرورة و مشاورة العشيرة و نشر المصاحف ، فنحلّ ما أحلّت و نحرّم ما حرّمت ١ .

و مثله الثاني : و الثاني بدون النسبة إلى ابن مصعب ٢ .

قوله عليه السّلام : « لا تلقين طلحة » عن مثالب هشام الكلبي كما في ( الطرائف ):

كانت لامّه صعبة راية بمكة و استبضعت بأبي سفيان فوقع عليها و تزوجها عبيد اللّه بن عثمان بن عمر بن كعب بن سعد بن تيم ، فجاءت بطلحة لستّة أشهر ، فاختصم أبو سفيان و عبيد اللّه في طلحة ، فجعل أمرهما إلى امه فألحقته بعبيد اللّه ، فقيل لها : كيف تركت أبا سفيان ؟ فقالت : يد عبيد اللّه طلقة و يد أبي سفيان كزّة .

فقال حسّان :

فيا عجبا من عبد شمس و تركها

أخاها زنا بابعد ريش القوادم

و كان أبوه يلعب به و يتخنّث ٣ .

« فإنّك إن تلقه تجده كالثور عاقصا قرنه » في ( الجمهرة ) : شاة عقصاء إذا كانت منقلبة القرن ٤ . و في ( الأساس ) : ( في قرن الشاة عقص ) أي التواء ، و هي عقصاء القرن ٥ . هذا و في ( ميزان الذهبي ) في ثور بن يزيد الذي كان يرى القدر : حكي عن ابن أبي رواد أنّه كان يقول إذا أتاه من يريد الشام : « إنّ بها ثورا فاحذر لا ينطحك بقرنيه » . و سئل سفيان عنه فقال : خذوا عنه و اتقوا قرنيه ٦ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) العقد الفريد ٥ : ٦٤ .

 ( ٢ ) عيون الأخبار ١ : ١٩٥ .

 ( ٣ ) الطرائف ٢ : ٤٩٥ ٤٩٦ .

 ( ٤ ) جمهرة اللّغة ٢ : ١١٧٢ .

 ( ٥ ) أساس البلاغة : ٣٠٩ ، مادة : ( عقص ) .

 ( ٦ ) ميزان الاعتدال في نقد الرجال ، ١ : ٣٧٤ دار المعرفة بيروت .

٣٣

« يركب الصعب و يقول هو الذلول » قال ابن قتيبة : كلّم عليّ طلحة و الزبير قبل القتال ، فقال لهما : استحلفا عايشة بحقّ اللّه و بحقّ رسوله عليها أربع خصال أن تصدق فيها : هل تعلم رجلا من قريش أولى منّي باللّه و رسوله ؟

و إسلامي قبل كافّة النّاس أجمعين ، و كفايتي رسول اللّه كفّار العرب بسيفي و رمحي ؟ و على أنّي لم استكره أحدا على بيعة ؟ و على أنّي ألم أكن أحسن قولا منكما في عثمان ؟

فأجابه طلحة جوابا غليظا ، و رقّ له الزبير . ثم رجع عليّ عليه السّلام إلى أصحابه فقالوا : بم كلمت الرجلين ؟ فقال عليه السّلام : إنّ شأنهما لمختلف ، أما الزبير فقاده اللجاج و لن يقاتلكم ، و أما طلحة فسألته عن الحقّ فأجابني بالباطل ،

و لقيته باليقين و لقيني بالشك ، فو اللّه ما نفعه حقّي و لا ضرّني باطله ، مقتول غدا في الرعيل الأوّل ١ .

و قد وصفه عمر لمّا عينه للشورى مع عيبه فقال : أما إنّي أعرفك منذ اصيبت إصبعك يوم احد بالبأو الذي حدث لك ، و لقد بات النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ساخطا عليك للكلمة التي قلتها يوم انزلت آية الحجاب ٢ .

قال الجاحظ : أشار عمر إلى أنّ طلحة لمّا انزلت آية الحجاب ، قال بمحضر ممّن نقل إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله : ما الذي يغنيه حجابهنّ اليوم و سيموت غدا فننكحهنّ ٣ .

و في ( المروج ) : سار أهل الجمل في ستمائة راكب نحو البصرة ، فانتهوا في الليل إلى ماء لبني كلاب يعرف بالحوأب ، فنبحت كلابهم على الركب ، فقالت

ــــــــــــ

 ( ١ ) الإمامة و السياسة ١ : ٧١ ٧٢ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ١٨٥ ١٨٦ .

 ( ٣ ) المصدر نفسه ١ : ١٨٦ .

٣٤

عايشة : ما اسم هذا الموضع ؟ فقال سائق جملها : الحوأب ، فاسترجعت و ذكرت ما قيل لها في ذلك ، فقالت : ردّوني . فقال ابن الزبير : و اللّه ما هذا بحوأب ،

و لقد غلط فيما أخبرك به . و كان طلحة في ساقة النّاس فلحقها فأقسم أن ذلك ليس بالحوأب ، و شهد معهما خمسون ، فكان ذلك أوّل شهادة زور اقيمت في الإسلام ١ .

« و لكن الق الزبير فانّه ألين عريكة » أي : طبيعة ، في ( الطبري ) : قال قتادة:

سار عليّ عليه السّلام من الزاوية يريد طلحة و الزبير و عايشة ، و ساروا من الفرضة يريدون عليّا عليه السّلام ، فالتقوا عند موضع قصر عبيد اللّه بن زياد في النصف من جمادى الآخرة سنة ( ٣٦ ) ، فلمّا تراءى الجمعان خرج الزبير على فرس عليه سلاح ، فقيل لعلي عليه السّلام : هذا الزبير ، أما إنّه أحرى الرجلين إن ذكر باللّه أن يذكر ،

و خرج طلحة فخرج إليهما عليّ عليه السّلام فدنا منهم حتّى اختلفت أعناق دوابهم فقال عليّ عليه السّلام لهما : لعمري لقد أعددتما سلاحا و خيلا و رجالا ، إن كنتما أعددتما عند اللّه عذرا فاتّقيا اللّه سبحانه و لا تكونا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا ٢ ، ألم أكن أخاكما في دينكما تحرمان دمي و احرم دماءكما فهل من حدث أحل لكما دمي ؟ قال طلحة : ألّبت النّاس على عثمان . فقال له عليّ عليه السّلام :

يومئذ يوفيهم اللّه دينهم الحقّ و يعلمون أنّ اللّه هو الحقّ المبين ٣ ، يا طلحة تطلب بدم عثمان ؟ فلعن اللّه قتلة عثمان . يا زبير أتذكر يوم مررت مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في بني غنم فنظر إليّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و ضحك و ضحكت إليه ، فقلت أنت :

لا يدع ابن أبي طالب زهوه . فقال لك النبيّ صلّى اللّه عليه و آله : صه ، إنّه ليس به زهو ، و لتقاتلنّه

ــــــــــــ

 ( ١ ) مروج الذهب ٢ : ٣٥٧ .

 ( ٢ ) النحل : ٩٢ .

 ( ٣ ) النور : ٢٥ .

٣٥

و أنت له ظالم ؟ فقال : اللّهمّ نعم ، و لو ذكرت ما سرت مسيري هذا ، و اللّه لا اقاتلك أبدا .

فانصرف عليّ عليه السّلام إلى أصحابه فقال : امّا الزبير فقد أعطى اللّه عهدا ألاّ يقاتلكم ، فرجع الزبير إلى عايشة فقال : ما كنت في موطن منذ عقلت إلاّ و أنا أعرف فيه أمري غير موطني هذا . قالت : فما تريد أن تصنع ؟ قال : اريد أن أدعهم و أذهب . فقال له ابنه : جمعت بين هذين الغارين ، حتّى إذا حدد بعضهم لبعض أردت أن تتركهم و تذهب ، أحسست رايات ابن أبي طالب ، و علمت أنّها تحملها فتية أنجاد . قال : إنّي حلفت ألاّ اقاتله و أحفظه ما قال ابنه له فقال : كفّر عن يمينك و قاتل . فدعا بغلام يقال له مكحول فأعتقه .

فقال عبد الرحمن التميمي :

لم أر كاليوم أخا إخوان

أعجب من مكفّر الأيمان

بالعتق في معصية الرحمن ١

قلت : قوله عليه السّلام في الخبر : يا طلحة تطلب بدم عثمان فلعن اللّه قتلة عثمان أراد : ( منّي و منكم يا طلحة و الزبير و عايشة ) فلعنهم اللّه بما لا يستطعون إنكارا و لا اعتراضا ، لا إنّه لعن جميع قتلته ، كما لا يخفى .

و قد وصفه عمر يوم الشورى بقوله له : « أما أنت يا زبير فوعق لقس ،

مؤمن الرضا ، كافر الغضب ، يوما إنسان ، و يوما شيطان ، و لعلّها لو أفضت إليك ظلت يومك تلاطم بالبطحاء على مد من شعير . أفرأيت إن أفضت إليك ،

فليت شعري من يكون للناس يوم تكون شيطانا إماما ، و من يكون للناس يوم تغضب إماما ٢ ؟

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبريّ ٤ : ٥٠١ ٥٠٢ ، سنة ٣٦ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ١٨٥ .

٣٦

« يقول لك ابن خالك » كان عليه السّلام كالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله ابن خال الزبير لأبيه ، فكانت صفيّة ام الزبير من ام حمزة دون أبي طالب و عبد اللّه ، و كان الزبير يعدّ أوّلا من الهاشميين من قبل امّه و إن كان أسديا أبا لكونه معه عليه السّلام يوم السقيفة حتّى نشأ ابنه عبد اللّه المبغض له عليه السّلام من قبل امّه أسماء بنت أبي بكر .

و روى أبو مخنف : أنّ أبا الأسود أتى الزبير في الجمل فقال له : عهد النّاس بك يوم بويع أبو بكر آخذ بقائم سيفك تقول : لا أحد أولى بهذا الأمر من أبن أبي طالب ، و أين هذا المقام من ذاك ؟ فذكر له الزبير دم عثمان ، فقال له أبو الأسود : أنت و صاحبك و ليتماه فيما بلغنا . فقال له : فاذهب إلى طلحة فاسمع ما يقول لك . فذهب إليه فوجدوه سادرا في غيّه مصرّا على الحرب و الفتنة ١ .

عبّر عليه السّلام بقوله : « ابن خالك » استعطافا ، فقالوا نظير قول هارون « يابن امّ » .

« عرفتني بالحجاز و أنكرتني بالعراق » حيث بايعه بالحجاز و نصب له الحرب بالعراق .

هذا و قال البحتري في عتاب ابن بسطام :

فكنّا بالشآم أخال خيرا

لرعي الودّ منّا بالعراق

و هجا بعض الشعراء المازني فقال :

و فتى من مازن

ساد أهل البصره

امّه معرفة

و أبوه نكره

و في ( الأغاني ) : استأذن أبو العتاهية على عمرو بن مسعدة فحجب ،

فكتب إليه أبياتا منها :

ــــــــــــ

 ( ١ ) نقله عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ٦ : ٢٢٦ .

٣٧

قد كان وجهي لديك معرفة

فاليوم أضحى حرفا من النكرة ١

« فما عدا » أي : جاوز .

« ممّا بدا » أي : ابتدأت به ان كان الأصل فيه الهمز ، أو ظهر لك أوّلا إن كان معتلا.

و روى ( جمل المفيد ) : أنّه عليه السّلام أرسل ابن عبّاس إلى عايشة و قال له قل لها : « إنّك كنت أشدّ النّاس على عثمان ، فما عدا ممّا بدا » ٢ .

و روى ( عيون القتيبي ) : أنّ عرار بن أدهم الشامي لمّا دعا في صفين العبّاس بن ربيعة الهاشمي إلى البراز ، فبرز إليه و ضربه ضربة خر لوجهه و كبّر النّاس تكبيرة ارتجت لها الأرض ، سأل عليه السّلام عن المبارز فقيل له : العبّاس بن ربيعة ابن أخيكم . فقال عليه السّلام له : ألم أنهك و ابن عبّاس أن تخلا بمركز كما أو تباشرا حربا ؟ فما عدا ممّا بدا . قال العبّاس : فادعى إلى البراز فما اجيب ٣ .

قول المصنّف : قال الشريف أقول : هو أوّل من سمعت منه هذه الكلمة ،

أعني « فما عدا ممّا بدا » ، هكذا في ( المصرية ) ٤ ، و الصواب ما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٥ : « و قال الرضي رحمه اللّه : و هو عليه السّلام أوّل من قالها » . و قد عرفت أنّه عليه السّلام قالها مرارا .

و عن ( أوائل أبي هلال العسكري ) : أنّه عليه السّلام أوّل من قال : « جعلت فداك » .

قاله للنبي صلّى اللّه عليه و آله يوم عمرو بن عبدود ٦ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأغاني ٤ : ٢١ ٢٢ .

 ( ٢ ) الجمل للمفيد : ٣١٦ .

 ( ٣ ) عيون الأخبار ١ : ١٧٩ ١٨٠ .

 ( ٤ ) نهج البلاغة ١ : ٧٣ .

 ( ٥ ) في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٦٢ و شرح ابن ميثم ٢ : ٥٩ « و هو عليه السّلام أوّل من سمعت . . . » أيضا .

 ( ٦ ) الأوائل لأبي هلال العسكري : ٢٩٦ دار الكتب العلمية .

٣٨

و في ( طبقات كاتب الواقدي ) : أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان أوّل من قال : « لا ينتطح فيها عنزان » . قاله صلّى اللّه عليه و آله في قتل عمير بن عدي عصماء بنت مروان اليهودي التي كانت تؤذي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ١ .

٥

الخطبة ( ١٦٩ ) و من خطبة له عليه السّلام عند مسير أهل الجمل إلى البصرة :

إِنَّ اَللَّهَ بَعَثَ رَسُولاً هَادِياً بِكِتَابٍ نَاطِقٍ وَ أَمْرٍ قَائِمٍ لاَ يَهْلِكُ عَنْهُ إِلاَّ هَالِكٌ وَ إِنَّ اَلْمُبْتَدَعَاتِ اَلْمُشَبَّهَاتِ مِنَ اَلْمُهْلِكَاتُ إِلاَّ مَا حَفِظَ اَللَّهُ مِنْهَا وَ إِنَّ فِي سُلْطَانِ اَللَّهِ عِصْمَةً لِأَمْرِكُمْ فَأَعْطُوهُ طَاعَتَكُمْ غَيْرَ مُلَوَّمَةٍ وَ لاَ مُسْتَكْرَهَةٍ بِهَا وَ اَللَّهِ لَتَفْعَلُنَّ أَوْ لَيَنْقُلَنَّ اَللَّهُ عَنْكُمْ سُلْطَانَ اَلْإِسْلاَمِ ثُمَّ لاَ يَنْقُلُهُ إِلَيْكُمْ أَبَداً حَتَّى يَأْرِزَ اَلْأَمْرُ إِلَى غَيْرِكُمْ إِنَّ هَؤُلاَءِ قَدْ تَمَالَئُوا عَلَى سَخْطَةِ إِمَارَتِي وَ سَأَصْبِرُ مَا لَمْ أَخَفْ عَلَى جَمَاعَتِكُمْ فَإِنَّهُمْ إِنْ تَمَّمُوا عَلَى فَيَالَةِ هَذَا اَلرَّأْيِ اِنْقَطَعَ نِظَامُ اَلْمُسْلِمِينَ أقول : العنوان كلّه مأخوذ من ( الطبري ) ٢ في رواية سيفه ، التي إمّا مصنوعة كلا و إمّا مدخولة منه ، كما أخذ منه عنوان قبله « قيل له عليه السّلام : لو عاقبت قوما ممّن اجلب على عثمان » كما مر في فصل عثمان ، و مر ثمة شرح مقدار من افتعالاته و تصرفاته ، و مر بعضها في ٣ من هذا الفصل .

و روايته هنا هكذا : « استأذن طلحة و الزبير عليّا في العمرة فأذن لهما ،

ــــــــــــ

 ( ١ ) الطبقات الكبرى ٢ : ٢٧ ٢٨ .

 ( ٢ ) تاريخ الطبريّ ٤ : ٤٤٤ ، سنة ٣٦ .

٣٩

فلحقا بمكّة ، و أحبّ أهل المدينة أن يعلموا ما رأي عليّ في معاوية و انتقاضه ،

ليعرفوا بذلك رأيه في قتال أهل القبلة ، أ يجسر عليه أو ينكل عنه ؟ و قد بلغهم أنّ الحسن دخل عليه و دعاه إلى القعود و ترك النّاس إلى أن قال و دعا عليّ ابن الحنفية فدفع إليه اللواء ، و ولّى ابن عبّاس ميمنته و عمر بن أبي سلمة أو عمرو بن سفيان ميسرته ، و أبا ليلى ابن أخي ابن عبيدة مقدمته ، و استخلف على المدينة قثم بن عبّاس ، و لم يولّ ممّن خرج على عثمان أحدا ، و كتب إلى قيس بن سعد و إلى عثمان بن حنيف و إلى أبي موسى أن يندبوا النّاس إلى الشام ،

و دعا أهل المدينة إلى قتال أهل الفرقة ، و قال : « إنّ اللّه بعث رسولا هاديا مهديا ،

بكتاب ناطق ، و أمر قائم واضح ، لا يهلك عنه إلاّ هالك . و إنّ المبتدعات و الشبهات هنّ المهلكات إلاّ من حفظ اللّه ، و إنّ في سلطان اللّه عصمة أمركم ،

فأعطوه طاعتكم غير ملوية و لا مستكره بها ، و اللّه لتفعلن أو لينقلن اللّه عنكم سلطان الإسلام ، ثم لا ينقله إليكم أبدا حتّى يأرز الأمر إليها . انهضوا إلى هؤلاء القوم الذين يفرّقون جماعتكم ، لعل اللّه يصلح بكم ما أفسد أهل الافاق ،

و تقضون الذي عليكم » .

فبيناهم كذلك إذ جاء الخبر عن أهل مكّة بنحو آخر و تمام على خلاف ،

فقام فيهم بذلك ، فقال : « إنّ اللّه جعل لظالم هذه الأمّة العفو و المغفرة ، و جعل لمن لزم الأمر و استقام الفوز و النجاة ، فمن لم يسعه الحقّ أخذ بالباطل . ألا و إنّ طلحة و الزبير و امّ المؤمنين قد تمالؤوا على سخط إمارتي ، و دعوا النّاس إلى الاصلاح ، و سأصبر ما لم أخف على جماعتكم . و أكفّ إن كفّوا و أقتصر على ما بلغني منهم » .

ثمّ أتاه أنّهم يريدون البصرة لمشاهدة النّاس و الإصلاح ، فتعبّى للخروج إليهم و قال : إن فعلوا هذا فقد انقطع نظام المسلمين ، و ما كان عليهم

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617