• البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 76102 / تحميل: 3382
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 10

مؤلف:
العربية

« فيوما على بغل و يوما على جمل »١ ، فلعل و إلاّ فلم نقف على توبة لها بعده عليه السّلام .

و أمّا ما ذكره من نشرها مناقبه عليه السّلام و ثنائها عليه ، فإنّما كان من باب إجراء الحق على لسانها ، إتماما للحجة عليها و على أتباعها ، كما جرى على لسان أبيها و فاروقه و باقي ستتهم و عشرتهم و ساير أعوانهم ، و لم ينحصر ذلك منها بكونه بعد قتله عليه السّلام ، بل كان ذلك طول عمرها و في أيّام خلافته عليه السّلام التي تمنّت وقوع السماء على الأرض و عدم وصول الخلافة إليه عليه السّلام ، فقد عرفت أنّها قالت لأبي قتادة بعد فراغه من قتل الخوارج : سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يقول : يقتلهم أحبّ الخلق إلى اللّه و إليّ .

مع أنّه لو أراد بأخبارهم المشهورة أخبار مثل سيف الذي يضع في مقابل كل أمر أمرا ، فقال : إنّ عايشة سئلت عن عدّة من كان معها و من كان عليها ، فكلّما نعي لها منهم واحد قالت : يرحمه اللّه . فقال لها رجل من أصحابها :

كيف ذلك ؟ قالت : كذلك قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فلان في الجنّة و فلان في الجنّة ، و قال عليّ يومئذ : إنّي لأرجو أن لا يكون أحد من هؤلاء نقى قلبه إلاّ أدخله اللّه الجنّة ٢ .

و قال سيف أيضا : إنّ عايشة لمّا أرادت الارتحال من البصرة و دّعت النّاس و قالت : يا بنيّ يعتب بعضنا على بعض استبطاء و استزادة ، فلا يعتدن أحد منكم على أحد بشي‏ء بلغه من ذلك ، إنّه ما كان بيني و بين عليّ في القديم إلاّ ما يكون بين المرأة و أحمائها ، و إنّه عندي على معتبتي من الأخيار . و قال عليّ : أيّها النّاس صدقت و برّت ، ما كان بيني و بينها إلاّ ذلك ، و إنّها لزوجة نبيّكم

ــــــــــــ

 ( ١ ) المصدر نفسه : ٤٩ .

 ( ٢ ) تاريخ الطبري ٤ : ٥٣٧ ، سنة ٣٦ .

١٤١

في الدّنيا و الآخرة ١ .

و قال أيضا : إنّ عليّا لمّا انتهى إلى عايشة قال لها : يغفر اللّه . قالت : و لك ٢،

بل روى أن عليّا أيضا تاب كعايشة ، فقال : دخل القعقاع بن عمرو على عايشة في أوّل من دخل ، فقالت له : إنّي رأيت بالأمس رجلين اجتلدا بين يدي و ارتجزا بكذا ، فهل تعرف كوفيك منها ؟ قال : نعم ذلك الذي قال : « أ عقّ امّ نعلم » و كذب إنّك لأبرّ امّ نعلم ، و لكن لم تطاعي . فقالت : و اللّه لوددت أنّي مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة . و خرج فأتى عليّا فأخبره أن عايشة سألته ، فقال : ويحك من الرجلان ؟ قال : ذاك أبو هالة الذي يقول : « كيما أرى صاحبه عليّا » . فقال : و اللّه لوددت أنّي مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة . فكان قولهما واحد ٣ .

كما انّه بدّل خبر نبح كلاب الحوأب لعايشة مع تواتره و اتفاق السير عليه ، بنبحها لام زمل ، و قال : هي عتيقة عايشة .

ففي ( الطبري ) في سنة ( ١١ ) عن سيف : اجتمعت فلال غطفان إلى ظفر ،

و بها ام زمل و هي تشبه بامها امّ قرفة ، و في مثل عزّها و عندها جملها و كانت قد سبيت أيّام ام قرفة ، فوقعت لعايشة فأعتقها ، فكانت تكون عندها ثم رجعت إلى قومها . و كان النّبيّ دخل عليهن يوما فقال : إنّ إحداكن تستنبح كلاب الحوأب ، ففعلت ام زمل سلمى ذلك حين ارتدت ، فسيرت في ما بين ظفر و الحوأب ليجمع إليها كل فل ٤.

و من أخبار سيف : أنّه قيل لعليّ : إنّه قام رجلان على الباب فقال أحدهما :

« جزيت عنّا عقوقا » ، و قال الآخر : « يا امّنا توبي فقد خطأت » ، فبعث القعقاع بن

ــــــــــــ

 ( ١ ) المصدر نفسه ٤ : ٥٤٤ ، سنة ٣٦ .

 ( ٢ ) المصدر نفسه ٤ : ٥٣٤ ، سنة ٣٦ .

 ( ٣ ) المصدر نفسه ٤ : ٥٣٧ ، سنة ٣٦ .

 ( ٤ ) تاريخ الطبري ٣ : ٢٦٣ ٢٦٤ ، سنة ١١ .

١٤٢

عمرو إلى الباب فأقبل بمن كان عليه ، فأحالوا على رجلين فقال : اضرب أعناقهما ، ثم قال : لأنهكنهما عقوبة فضربهما مائة مائة و أخرجهما من ثيابهما ١ .

سبحان اللّه من هؤلاء يعبدون هذه المرأة من دون اللّه ؟ . . . و غرّهم في دينهم ما كانوا يفترون ٢ و لا غرو فكانوا يأخذون بعر جملها و يقولون ريح بعر جمل امّنا ريح المسك ، و قد صرّحوا بعبادتهم لها من دون اللّه .

فقال الواقدي و المدائني و غيرهما : إنّه خرج من أهل البصرة شيخ صبيح الوجه ، نبيل عليه جبّة و شي‏ء يحض النّاس على الحرب و يقول :

يا معشر النّاس عليكم امّكم

فإنّها صلاتكم و صومكم ٣

و أرادوا قتل أمير المؤمنين الذي هو نفس النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بنص القرآن ،

و ابنيه سيدي شباب أهل الجنّة و ريحانتي النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ، و هم الذين شهد اللّه بعصمتهم و طهارتهم ، لامرأة تبرّجت تبرّج الجاهليّة الاولى ، و ضربها اللّه مثلا للذين كفروا كامرأة نوح و لوط ، فقال أبو مخنف : خرج عوف بن قطن الضبي و هو ينادي : ليس لعثمان ثار إلاّ عليّ و ولده ، و قال :

يا ام يا ام خلا مني الوطن

لا أبتغي القبر و لا أبغي الكفن

من هاهنا معشر عوف بن قطن

إن فاتنا اليوم عليّ فالغبن

أو فاتنا ابناه حسين و حسن

إذن أمت بطول همّ و حزن

و من المصيبة العظمى و ما يضحك الثكلى أنّها تجعل نفسها كالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و يصدّقونها ، فأخذت كفّا من حصى و حصبت بها أصحاب أمير

ــــــــــــ

 ( ١ ) المصدر نفسه ٤ : ٥٤٠ ، سنة ٣٦ .

 ( ٢ ) آل عمران : ٢٤ .

 ( ٣ ) هو كعب بن سور الأزدي ، راجع بحار الأنوار ٣٢ : ١٧٩ ح ١٣٢ .

١٤٣

المؤمنين عليه السّلام و صاحت بأعلى صوتها : شاهت الوجوه ، و قد كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فعل ذلك يوم حنين ، فقال لها قائل : . . . و ما رميت إذ رميت و لكن اللّه رمى . . . ١ .

و لقد كان الواجب أن يقال لها : ( و ما رميت إذ رميت و لكن الشيطان رمى ) ، و لكن لا غرو إذا كانت إلهتهم أن تكون نبيتهم ، فإن كان أصحاب سجاح يقولون : « أضحت نبيتنا انثى نطيف بها » ، و هؤلاء ليقولوا : أضحت إلهتنا انثى نطيف بها .

و لأجل أخبارهم المتناقضة و مذهبهم المتضاد ذهب جمع من أئمتهم كواصل بن عطاء و عمرو بن عبيد و أبي هذيل العلاف و أبى بكر الملقب بجريال ، بأنّ أحد الفريقين فاسق إمّا علي و إمّا طلحة و الزبير و عايشة ، أحد الفريقين فاسق لا بعينه كالمتلاعنين .

و قال هشام القوطي و عباد بن سليمان الصيمري : إنّ الجميع كانوا على حق ، و انّهم لم يريدوا القتال أصلا ، و إنّما أنشب القتال غوغاء الفريقين و هو مذهب سيف بن عمر .

١١

الخطبة ( ٢١٩ ) و من كلام له عليه السّلام لما مرّ بطلحة و عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد و هما قتيلان يوم الجمل :

لَقَدْ أَصْبَحَ ؟ أَبُو مُحَمَّدٍ ؟ بِهَذَا اَلْمَكَانِ غَرِيباً أَمَا وَ اَللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَكْرَهُ أَنْ تَكُونَ ؟ قُرَيْشٌ ؟ قَتْلَى تَحْتَ بُطُونِ اَلْكَوَاكِبِ أَدْرَكْتُ وَتْرِي مِنْ ؟ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ ؟ وَ أَفْلَتَنِي أَعْيَانُ ؟ بَنِي جُمَحٍ ؟ لَقَدْ أَتْلَعُوا أَعْنَاقَهُمْ إِلَى أَمْرٍ لَمْ يَكُونُوا

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأنفال : ١٧ .

١٤٤

أَهْلَهُ فَوُقِصُوا دُونَهُ أقول : الذي وقفت عليه من كلامه عليه السّلام في قتلى الجمل طلحة و ابن عتاب و غيرهما ، من الزبير و كعب بن سور القاضي و محمد بن زهير و عبد اللّه بن خلف و عبد اللّه بن ربيعة بن رواح و سفيان بن حويطب و عبد اللّه بن حكيم بن حزام و عبد اللّه بن المغيرة بن الأخنس و عبد اللّه بن الأخنس بن شريق ، ما رواه المبرد في ( كامله ) عن التوزي عن محمّد بن عباد بن حبيب أحسبه عن أبيه قال : لمّا انقضى يوم الجمل خرج عليّ عليه السّلام في ليلة ذلك اليوم و معه قنبر و في يده مشعلة من نار يتصفّح القتلى حتّى وقف على رجل قال التوزي : فقلت :

أ هو طلحة ؟ قال : نعم . فلمّا وقف عليه قال : اعزز عليّ أبا محمّد أن أراك معفّرا تحت نجوم السماء و في بطون الأودية ، شفيت نفسي و قتلت معشري إلى اللّه أشكو عجري و بجري ١ .

و ما في المدائني في ( تاريخه ) : و قد نقله ابن أبي الحديد في موضع آخر إنّ عليّا عليه السّلام مر بطلحة و هو ملبّد بنفسه ، فوقف عليه و قال : أما و اللّه إن كنت لأبغض أن أراكم مصرّعين في البلاد ، و لكن ما حمّ واقع ، ثم تمثل :

و ما تدري إذا أزمعت أمرا

بأيّ الأرض يدركك المقيل

و ما يدري الفقير متى غناه

و لا يدري الغني متى يعيل

و ما تدري إذا أنتجت شولا

أتنتج بعد ذلك أم تحيل ٢ .

و ما رواه زيد بن فراس عن غزال بن مالك كما في ( جمل المفيد ) قال :

لمّا قتل الزبير و جي‏ء برأسه إلى عليّ عليه السّلام ، قال : أما و اللّه لو لا ما كان من أمر حاطب بن أبي بلتعة ، ما اجترأ طلحة و الزبير على قتالي ، و انّ الزبير كان أقرب

ــــــــــــ

 ( ١ ) الكامل للمبرّد .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد .

١٤٥

إليّ من طلحة ، و مازال منّا أهل البيت حتّى بلغ ابنه فقطع ما بيننا ١ .

و ما رواه المفضل بن فضالة عن شداد بن الهاد عن محمّد بن إبراهيم قال : هرب الزبير على فرس له يدعى ذا الخمار إلى أن قال بعد مجي‏ء ابن جرموز برأسه و سيفه استلّ عليّ عليه السّلام سيفه و قال : سيفه أعرفه ، أما و اللّه لقد قاتل بين يدي النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ، و لكنّه الحين و مصارع السوء ٢ .

و عن عبد اللّه بن جعفر عن ابن أبي عون مثله و زاد : ثم تفرّس في وجه الزبير و قال : لقد كان لك بالنبي صلّى اللّه عليه و آله صحبة و منه قرابة ، و لكن دخل الشيطان منخرك فأوردك هذا المورد ٣ .

و روى ( جمل المفيد ) أيضا : أنّه لمّا انجلت الحرب و قتل طلحة و الزبير و حملت عايشة إلى قصر بني خلف ، ركب عليّ عليه السّلام و تبعه أصحابه و عمّار يمشي مع ركابه ، حتّى خرج إلى القتلى يطوف عليهم ، فمرّ بعبد اللّه بن خلف الخزاعي و عليه ثياب حسان مشهرة ، فقال النّاس : هذا و اللّه رأس النّاس .

فقال عليه السّلام : ليس برأس النّاس ، و لكنّه شريف منيع النفس .

ثمّ مرّ بعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد فقال : هذا يعسوب القوم و رأسهم كما تروه . ثم جعل يستعرض القتلى رجلا رجلا ، فلمّا رأى أشراف قريش صرعى في جملة القتلى قال : جدعت أنفي أما و اللّه إن كان مصرعكم لبغيضا اليّ و لقد قدّمت إليكم و حذّرتكم عضّ السيوف ، و كنتم أحداثا لا علم لكم بما ترون ، و لكن الحين و مصرع السوء نعوذ باللّه من سوء المصرع .

ثمّ سار حتّى وقف على كعب بن سور القاضي و هو مجدّل بين القتلى

ــــــــــــ

 ( ١ ) الجمل للمفيد : ٣٨٩ .

 ( ٢ ) الطبقات الكبرى ٣ : ١١١ ١١٢ ، تلخيص الشافي ٤ : ١٣٧ ، الاحتجاج ١ : ١٦٣ .

 ( ٣ ) الجمل للمفيد : ٣٩٠ .

١٤٦

و في عنقه المصحف ، فقال : نحّوا المصحف وضعوه في مواضع الطهارة ، ثم قال : أجلسوا لي كعبا ، فاجلس فقال : يا كعب بن سور قد وجدت ما وعدني ربّي حقّا ، فهل وجدت ما وعدك ربّك حقا ؟ ثم قال : اضجعوا كعبا . فتجاوزه ، فمر فرأى طلحة صريعا ، فقال :

أجلسوا طلحة ، فاجلس ، فقال عليه السّلام : يا طلحة بن عبيد اللّه قد وجدت ما وعدني ربّي حقّا ، فهل وجدت ما وعدك ربّك حقّا ؟ ثم قال : اضجعوه . فوقف رجل من القرّاء أمامه فقال : يا أمير المؤمنين ما كلامك هذه الهام قد صديت لا تسمع لك كلاما و لا تردّ جوابا فقال عليه السّلام : انّهما ليسمعان كلامي كما تسمع أصحاب القليب كلام النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ، و لو اذن لهما في الجواب لرأيت عجبا.

و مرّ بمعبد بن مقداد و هو في الصرعى فقال عليه السّلام : رحم اللّه أبا هذا ، إنّما كان رأيه فينا أحسن من رأي هذا . فقال عمّار : الحمد للّه الذي أوقعه و جعل خدّه الأسفل ، إنّا و اللّه يا أمير المؤمنين لا نبالي من عن الحق عند من والد و ولد .

فقال عليه السّلام : رحمك اللّه يا عمّار و جزاك اللّه عن الحق خيرا .

و مرّ بعبد اللّه بن ربيعة بن رواح و هو في القتلى ، فقال عليه السّلام : هذا البائس ما كان أخرجه نصر لعثمان ، و اللّه ما كان رأي عثمان فيه و لا في أبيه بحسن .

و مرّ عليه السّلام بمعبد بن زهير بن اميّة فقال : لو كانت الفتنة برأس الثريا لتناولها هذا الغلام ، و اللّه ما كان فيها بذي نخيرة ، و لقد أخبرني من أدركه إنّه يلوذ خوفا من السيف حتّى قتل البائس ضياعا .

و مرّ بمسلم بن قرطبة فقال عليه السّلام : ألبر خرج هذا و لقد سألني أن اكلّم عثمان في شي‏ء يدعيه عليه بمكّة ، فلم أزل به حتّى أعطاه و قال لي : لو لا أنت ما أعطيته ، إنّ هذا ما علمت بئس أخو العشيرة ، ثمّ جاء المشوم لحينه ينصر عثمان .

١٤٧

ثمّ مرّ بعبد اللّه بن عمير بن زهير و قال : هذا أيضا ممّن أوضع في قتالنا ،

يطلب بزعمه دم عثمان ، و لقد كتب إليّ كتابا يؤدّي عثمان فأعطاه شيئا فرضي عنه.

و مرّ بعبد اللّه بن حكيم بن حزام فقال عليه السّلام : هذا خالف أباه في الخروج عليّ ، و إنّ أباه حيث لم ينصرنا بايع و جلس في بيته ، ما ألوم اليوم أحدا إذا كف عنّا و عن غيرنا ، و لكن الملوم الذي يقاتلنا .

و مرّ بعبد اللّه بن المغيرة بن الأخنس فقال : أمّا هذا فقتل أبوه يوم قتل عثمان في الدار ، فخرج غضبا لقتل أبيه و هو غلام لا علم له بعواقب الامور .

و مرّ بعبد اللّه بن الأخنس بن شريق فقال عليه السّلام : أمّا هذا فإنّي أنظر إليه و قد أخذ القوم السيوف و إنّه لهارب يعدو من الصف ، فنهنهت عنه فلم يسمع من نهنهته ، و كان هذا مما خفي على فتيان قريش ، أغمار لا علم لهم بالحرب ،

خدعوا و استزلوا فلمّا وقعوا لحجوا فقتلوا ١ .

و رواه ( الإرشاد ) مختصرا و فيه : في كعب هذا الذي خرج علينا في عنقه المصحف يزعم أنّه ناصر امّه ، يدعو النّاس إلى ما فيه و هو لا يعلم ما فيه ،

ثم استفتح فخاب كل جبّار عنيد ، أما إنّه دعا اللّه أن يقتلني فقتله اللّه اجلسوا كعبا . . .

و في طلحة قال عليه السّلام : هذا الناكث بيعتي و المنشي‏ء الفتنة و المجلب عليّ و الداعي إلى قتلي و قتل عترتي ، أجلسوا طلحة . . . ٢ .

و في ( كافية المفيد ) على نقل البحار و نقله ( الخوئي ) أيضا : عن خالد بن مخلد عن زياد بن المنذر عن أبي جعفر عليه السّلام : مرّ عليّ عليه السّلام على طلحة و هو

ــــــــــــ

 ( ١ ) الجمل للمفيد : ٣٩١ ٣٩٤ ، الشافي ٤ : ٣٤٤ ، الاحتجاج ١ : ١٦٣ ١٦٤ ، بحار الأنوار ٣٢ : ٢٠٧ ٢٠٩ .

 ( ٢ ) الإرشاد ١ : ٢٥٤ ٢٥٧ ، بحار الأنوار ٣٢ : ٢٠٩ .

١٤٨

صريع فقال : أجلسوه فقال : أم و اللّه لقد كان لك صحبة ، و لقد شهدت و سمعت و رأيت ، و لكن الشيطان أزاغك و أمالك فأوردك جهنم ١ .

و روى أبو مخنف عن الأصبغ و قد نقله ابن أبي الحديد في موضع آخر قال : لمّا انهزم أهل البصرة ركب عليّ عليه السّلام بغلة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله الشهباء و كانت باقية عنده و سار في القتلى يستعرضهم ، فمر بكعب بن سور قاضي البصرة و هو قتيل فقال : أجلسوه فاجلس . فقال : ويل امّك كعب بن سور ، لقد كان لك علم لو نفعك ، و لكن الشيطان أضلّك فأذلّك فعجلك إلى النار ،

أرسلوه .

ثم مر بطلحة قتيلا فقال : أجلسوه ، فأجلس فقال له : ويل امّك طلحة ، لقد كان لك قدم لو نفعك ، و لكن الشيطان أضلك فأزلك فعجلك إلى النار .

ثم مر بعبد اللّه بن خلف الخزاعي و كان قتيلا بيده مبارزة ، و كان رئيس أهل البصرة فقال : أجلسوه ، فأجلس ، فقال : الويل لك يابن خلف لقد عانيت أمرا عظيما ٢ .

و في ( جمل المفيد ) : روى إبراهيم بن نافع عن سعيد بن أبي هند قال :

أخبرنا أصحابنا ممّن حضر القتال يوم البصرة أنّ عليّا عليه السّلام قاتل يومئذ أشد القتال و سمعوه و هو يقول : تبارك اللّه الذي اذن لهذه السيوف تصنع ما تصنع .

و نظر عليه السّلام يومئذ إلى سفيان بن حويطب بن عبد العزى و هو يسترجع من الخوف و ما التحم من الشر ، فقال عليه السّلام له : انحز إلى أصحابي لا تقتل .

فانحاز إليهم إلى أن حمل أصحاب الجمل جملة ، فإذا هو قد صار في حيزهم ،

فحمل عليه رجل من همدان و عليّ عليه السّلام يصيح : « كف عنه » ، و الهمداني لا يفهم

ــــــــــــ

 ( ١ ) كافية المفيد : ٢٥ ٢٦ ، بحار الأنوار ٣٢ : ٢٠١ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٤٨ ٢٤٩ .

١٤٩

حتّى قطعه اربا إربا . فقال عليه السّلام : يا ويحه لفّته السيوف و قد كان مقتله إليّ بغضيا ١ .

و في ( ذيل الطبري ) : مر عليّ عليه السّلام بعبد اللّه بن مقداد ، و امّه صباعة بنت الزبير بن عبد المطلب و كان قتل مع عايشة فقال : بئس ابن الاخت ٢ .

قول المصنّف « و من كلام له عليه السّلام لما مرّ بطلحة » في ( جمل المفيد ) : و في رواية عليّ بن زيد بن جدعان : لمّا بلغ طلحة أنّ الزبير اندفع ، ذهب في طلبه فمر بمروان فرآه ، فقال : لا أطلب بثأري بدم بعد اليوم ، ثم رماه بسهم فقتله ٣ .

« و عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد و هما قتيلان يوم الجمل » في ( جمل أبي مخنف ) : خرج عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد بن العاص بن اميّة بن عبد الشمس و هو من أشراف قريش و كان اسم سيفه ولول فارتجز و قال :

أنا ابن عتّاب و سيفي و لول

و الموت عند الجمل المجلل

فحمل عليه الأشتر فقتله ٤ .

و في ( جمل المفيد ) : روى محمّد بن عبيد اللّه عن عمرو بن دينار عن صفوان قال : لمّا تصاف النّاس يوم الجمل ، أقبل الأشتر النخعي و جندب بن زهير العامري قبال الجمل يرفلان في السلاح ، حتّى قتلا عبد الرحمن بن عتاب و معبد بن زهير بن خلف بن اميّة ٥.

و روى محمّد بن عبد اللّه قال : قطعت يوم الجمل يد عبد الرحمن و فيها الخاتم ، فأخذه نسر فطرحه باليمامة فأخذه أهل اليمامة و اقتلعوا حجره ،

ــــــــــــ

 ( ١ ) الجمل للمفيد : ٣٦١ .

 ( ٢ ) ذيل تاريخ الطبري ١١ : ٦٢٠ .

 ( ٣ ) الجمل للمفيد : ٣٨٤ .

 ( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٦٤ ٢٦٥ .

 ( ٥ ) الجمل للمفيد : ٣٦٤ .

١٥٠

و كان ياقوتا فابتاعه رجل منهم بخمسمائة دينار ، فقدم به مكّة فباعه بربح عظيم ١ .

و في ( المروج ) : اصيب كفّه بعد يوم الجمل بثلاثة أيّام و في خاتمه ( عبد الرحمن بن عتاب ) ٢ .

هذا و قال ابن أبي الحديد : و عبد الرحمن هو الذي قال عليه السّلام فيه و قد مر عليه : لهفي عليك يعسوب قريش ، هذا فتى الفتيان ، هذا اللباب المحض من بني عبد مناف ، شفيت نفسي و قتلت معشري ، إلى اللّه أشكو عجري و بجري . فقال له قائل : لشد ما أطريت الفتى منذ اليوم ، فقال : إنّه قام عنّي و عنه نسوة لم يقمن عنك ٣ .

قلت : الأصل فيه ( بيان الجاحظ ) فعبّر بمثله . و زاد بعد قوله ( و بجري ) :

قتلت الصناديد من بني عبد مناف و أفلتني الأعيار من بني جمح . فقال الخ . . .

و كذا ( مروج المسعودي ) فقال : مر عليّ عليه السّلام على عبد الرحمن فقال :

لهفي عليك يعسوب قريش ، قتلت الغطاريف من بني عبد مناف ، شفيت نفسي و جدعت أنفي . فقال له الأشتر : ما أشدّ جزعك عليهم و قد أرادوا بك ما نزل بهم .

فقال : إنّه قامت عني و عنهم . . . و هو من أخبارهم الموضوعة ، فأمير المؤمنين عليه السّلام لم يكن يثني على المنافقين ، فإنّهم و إن كانوا من حيث الجسم و إذا رأيتهم تعجبك أجسامهم و إن يقولوا تسمع لقولهم . . . ٤ ، لكنّهم من حيث الروح . . . كأنّهم خشب مسندة . . . ٥ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الجمل للمفيد : ٣٦٤ ، تجارب الامم ١ : ٣٣١ ، شرح ابن أبي الحديد ١١ : ١٢٤ .

 ( ٢ ) مروج الذهب ٢ : ٣٨٠ ، و الآية ٤ من سورة المنافقين .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٤٩ .

 ( ٤ ) سورة المنافقين : ٤ .

 ( ٥ ) مروج الذهب ٢ : ٣٨٠ .

١٥١

قوله عليه السّلام على نقل المصنّف « لقد أصبح أبو محمّد » يعني طلحة ، فكان مكنيا باسم ابنه محمّد بن طلحة الذي كان يوم الجمل كلّما حمل عليه رجل قال : نشدتك ب « حم » فينصرف عنه ، حتّى شد عليه رجل من بني أسد بن خزيمة فنشده فلم يثنه ذلك و طعنه فقتله و قال :

و أشعث سجاد بآيات ربه

قليل الأذى في ما ترى العين مسلم

شككت له بالرمح جيب قميصه

فخر صريعا لليدين و للفم

على غير شي‏ء غير أن ليس تابعا

عليّا و من لا يتبع الحق يندم

يذكرني حم و الرمح شاجر

فهلا تلاحم قبل التقدم

ثم قد عرفت رواية أبي مخنف و روايات ( جمل المفيد ) و ( إرشاده ) و ( كافيته ) فيه ، و أنّه عليه السّلام لمّا مر عليه قال : أجلسوه ، فاجلس فقال له : و الفظ للاول لقد كان لك قدم لو نفعك ، و لكن الشيطان أضلّك فأزلّك فعجّلك إلى النار .

و أما قول ( المروج ) : نادى عليّ رضى اللّه عنه طلحة حين رجع الزبير : يا أبا محمّد ما الذي أخرجك ؟ قال : الطلب بدم عثمان . فقال له : أما سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يقول :

اللهم وال من والاه و عاد من عاداه ، و أنت أوّل من بايعني ثم نكثت ، و قد قال عزّ و جلّ . . . فمن نكث فإنّما ينكث على نفسه . . . ١ فقال : أستغفر اللّه . ثم رجع .

فقال مروان : رجع الزبير و رجع طلحة ما ابالي رميت هاهنا أم هاهنا فرماه في اكحله فقتله .

فمر به عليّ عليه السّلام بعد الوقعة في موضع في قنطرة قرة ، فوقف عليه فقال : إنّا للّه و إنّا إليه راجعون ، و اللّه لقد كنت كارها ، أنت و اللّه كما قال القائل :

ــــــــــــ

 ( ١ ) سورة الفتح : ١٠ .

١٥٢

فتى كان يدنيه الفتى من صديقه

إذا ما هو استغنى و يبعده الفقر

كأنّ الثريا علقت في يمينه

و في خده الشعرى و في الآخر البدر ١

فمن الأخبار الموضوعة ، فلم يقل أحد أن مروان رماه لمّا أراد الرجوع ،

بل لكونه أوّل محرّض على عثمان حتّى قتل و منع من دفنه .

و كيف يتكلّم أمير المؤمنين بالمزخرفات الشعرية و التّرهات الباطلة ،

من كون الثريا في يمين رجل و الشعرى في خدّه و البدر في يساره . و إنّما دعاهم إلى وضع هذا الخبر أنّ قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فيه عليه السّلام : « اللهم وال من والاه و عاد من عاده » متواترا ، فيلزم أن يكون عدوّ اللّه و قد جعلوه من العشرة المبشّرة فافتروا بهذه الفرية .

و كيف تاب طلحة أم مدحه عليه السّلام و قد روى الواقدي كما في ( جمل المفيد ) أنّ عليّا عليه السّلام قام خطيبا بعد الفتح و قال : إنّي أحمد اللّه على نعمه ، قتل طلحة و الزبير و هربت عايشة ، و ما ازداد عدوّكم بما صنع اللّه إلاّ حقدا و ما زادهم الشيطان إلاّ طغيانا ، و لقد جاؤوا مبطلين و أدبروا ظالمين ، و إنّنا لعلى الحق و إنّهم لعلى الباطل ، و يجمعنا اللّه و إيّاهم يوم الفصل ٢ .

و روى أيضا : أنّه عليه السّلام كتب بعد الفتح إلى أهل الكوفة : أمّا بعد فإنّا لقينا القوم الناكثين لبيعتنا ، المفرّقين لجماعتنا ، الباغين علينا من امّتنا ، فحاججناهم إلى اللّه ، فنصرنا اللّه عليهم و قتل طلحة و الزبير ، و قد تقدمت إليهما بالنذر ، و أشهدت عليهما صلحاء الامّة ، فما أطاعا المرشدين

ــــــــــــ

 ( ١ ) مروج الذهب ٢ : ٣٧٣ ٣٧٤ .

 ( ٢ ) الجمل للمفيد : ٤٠٢ .

١٥٣

و لا أجابا الناصحين ١ .

و من أخبارهم الموضوعة ما في ( خلفاء ابن قتيبة ) : إنّ موسى بن طلحة دخل على عليّ عليه السّلام بعد انهزامهم ، فقال له علي : إنّي لأرجو أن أكون أنا و أبوك ممّن قال تعالى فيهم : و نزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين ٢ و قال له ابن الكوا : أمسيت بالبصرة ، فقال : كان عندي ابن أخي .

قال : و من هو ؟ قال : موسى بن طلحة . فقال ابن الكوا : لقد شقينا إن كان ابن أخيك . فقال عليّ : ويحك إنّ اللّه قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد كان غفر لكم . ثم قال ابن الكوا لعليّ : من أخبرك بمسيرك هذا الذي سرت فيه ،

تضرب النّاس بعضهم ببعض و تستولي بالأمر عليهم أرأي رأيته حين تفرّقت الامة و اختلفت الدعوة ، فرأيت أنّك أحق بهذا الأمر منهم لقرابتك . فإن كان رأيا رأيته أجبناك فيه ، و إن كان عهدا عهده إليك النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ، فأنت المأمون على النّبيّ في ما حدّثت عنه . فقال : أنا أوّل من صدقه ، فلا أكون أوّل من كذب عليه ،

أمّا أن يكون عندي عهد منه فلا و اللّه ، و لكن لمّا قتل النّاس عثمان نظرت في أمري فإذا الخليفتان اللذان أخذاها من النّبيّ قد هلكا و لا عهد لهما ، و إذا الخليفة الذي أخذها بمشورة المسلمين قد قتل ، و خرجت ربقته من عنقي لأنّه قتل و لا عهد له ٣ .

فيقال لهم في الآية : إنّه تعالى قال في المتقين : و نزعنا ما في صدورهم من غل . . . ٤ لا للمفسدين في الأرض ، و أي مفسد في الأرض أفسد من طلحة الذي قتل عثمان ثم قتل آلافا من المسلمين باسم الطلب بدمه ،

ــــــــــــ

 ( ١ ) الجمل للمفيد : ٤٠٣ ، الشافي ٤ : ٣٣٠ .

 ( ٢ ) الحجر : ٤٧ .

 ( ٣ ) الإمامة و السياسة ١ : ٧٨ ٧٩ .

 ( ٤ ) الحجر : ٤٧ .

١٥٤

و موسى ابنه لم يكن بدونه فهو الذي شهد على حجر بإباحة دمه لكونه شيعته عليه السّلام .

و يقال لهم في حديثهم : « اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم » اعملوا ما شئتم إنّه بما تعملون بصير ١ .

و يقال لهم في مسيره عليه السّلام إلى أهل الجمل : إنّه من المتواتر عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله حديث الناكثين كالقاسطين و المارقين . و كيف لم يكن عنده عليه السّلام عهد منه صلّى اللّه عليه و آله ، و قد علم رواية و دراية قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله للزبير : إنّك ستقاتل عليّا ظالما ؟ و قد أقر الزبير به و احتمل عاره في توليته الدبر عنه ، و قد قال ابنه له : إنّه لا يغسل عاره عنهم إلى آخر الدهر .

و يقال في قوله : « الخليفتان اللذان أخذاها من النّبيّ » ان الأوّل أخذها بإحراق أهل بيت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ، و الثاني بمعاهدة الأوّل له و معاضدته له ، كما أن الثالث أخذها باختيار ابن عوف له بتدبير الثاني له ، لكتابته له استخلاف الأوّل له في غشوته ، و إن أمضاه بعد إفاقته .

كما أنّ قوله : « إنّ الثالث قتل و لا عهد له » أيضا كذب ، فعهد إلى معاوية فجعله ولي دمه في متواتر رواياتهم ، و كان لم ير في مروان لياقة و لا كان مالكا لنفسه ، و إلاّ لكان لجعله ولي عهده ، و كيف لا و قد رضي بقتل نفسه ، و لم يرض أن يصل إليه مكروه بفساداته في الدين ، و قد حكم بأنّه أفضل من أمير المؤمنين عليه السّلام ، افّ لهم و لما يعبدون من دون اللّه .

و من أخبارهم الموضوعة ما في ( تذكرة سبط ابن الجوزي ) : دخل بعض أصحاب عليّ عليه السّلام على طلحة و هو يجود بنفسه ، فقال له : اشهد على أنّي بايعت أمير المؤمنين عليّا ثم مات فاخبر الرجل عليّا فقال : رحمه اللّه .

ــــــــــــ

 ( ١ ) فصلت : ٤٠ .

١٥٥

و تأسف عليه ، و قال : الحمد للّه الذي لم يخرجه من الدّنيا إلاّ و بيعتي في عنقه ١ .

و ما فيه ذكر الميداني : أنّ عليّا لمّا وقف على القتلى قال : أشكو إليك عجري و بجري ، و معشرا اغشوني على بصري ، قتلت مضري بمضري شفيت نفسي و قتلت معشري ٢ .

و ما قاله ابن أبي الحديد ، بعد نقل خبر أبي مخنف المتقدّم : روت المعتزلة أنّ عليّا قال : اعزز عليّ أبا محمّد أن أراك معفّرا تحت نجوم السماء ،

أبعد جهادك في اللّه و ذبك عن نبيّه . فجاء إليه إنسان فقال : أشهد لقد مررت عليه بعد أن أصابه السهم و هو صريع ، فصاح بي : اشهد أنّي بايعت عليّا ٣ .

و ما قاله الجزري : قال الشعبي : لمّا قتل طلحة و رآه عليّ مقتولا جعل يمسح التراب عن وجهه و قال : عزيز أبا محمّد أن أراك مجدلا تحت نجوم السماء . ثم قال : إلى اللّه أشكو عجري و بجري . و ترحم عليه ، و قال : ليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة . و بكى هو و أصحابه عليه ، و سمع رجلا ينشد :

فتى كان يدنيه الغنى من صديقه

إذا ما هو استغنى و يبعده الفقر

فقال : ذاك أبو محمّد طلحة بن عبيد اللّه ٤ فإنّها خلاف العقل و النقل و الدراية.

و لم ينحصر جعلهم الأخبار بطلحة ، و قد وضعوا لكعب بن سور القاضي و غيره من أهل الجمل ، فقال سيف الوضّاع : لمّا اتي عليّ بكعب قال :

زعمتم إنّما خرج معهم السفهاء و هذا الحبر قد ترون . و جعل عليّ كلّما مر برجل فيه خير قال : زعم من زعم إنّه لم يخرج إلينا إلاّ الغوغاء هذا العابد

ــــــــــــ

 ( ١ ) تذكرة ابن الجوزي : ٧٧ .

 ( ٢ ) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : ٧٩ .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٤٨ .

 ( ٤ ) الكامل في التاريخ لابن الأثير الجزري ٣ : ٢٥٥ .

١٥٦

المجتهد و صلّى على قتلى أهل البصرة . . . ١ و كل ما قاله بهتان .

« بهذا المكان غريبا » لكونه من أهل المدينة ، و قد قتل في البصرة .

و في رواية سفيان بن عنبسة كما في ( جمل المفيد ) عن أبي موسى عن الحسن البصري قال : رأيت طلحة حين أصابه السهم ، قال : ما رأيت كاليوم مصرع شيخ أضيع من مصرعي .

قال الحسن : و قد كان قبل ذلك جاهد جهادا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و وقاه بيده ،

فضيّع أمر نفسه ، و لقد رأيت قبره مأوى الشقاء يضع عنده غريبة ، ثم يقضي عنده حاجته ، فما رأيت أعجب من هؤلاء ٢ .

« أما و اللّه لقد كنت أكره أن تكون قريش قتلى تحت بطون الكواكب » في خبر الحسن البصري المتقدم : و أما الزبير فانّه أتى حيّا من أحياء العرب فقال :

أجيروني و قد كان قبل ذلك يجير و لا يجار عليه قال : و ما الذي أخافك و اللّه ما أخافك إلاّ ابنك . فأتبعه ابن جرموز ثؤلول من أثاليل العرب فضاع دمه ،

و هذا قبره بوادي السباع مخراة للثعالب ، و عز عليّ هذه الشقوة التي كتبت عليه و على صاحبه ٣ .

و في ( جمل المفيد ) : روى محمّد بن عبد اللّه عن عمر بن دينار عن صفوان قال : لمّا تصاف النّاس يوم الجمل صاح صائح من أصحاب عليّ عليه السّلام : يا معشر شباب قريش أراكم قد لححتم و غلبتم على أمركم هذا ، و إنّي انشدكم اللّه أن تحقنوا دماءكم و لا تقتلوا أنفسكم ٤ .

و روى محمّد بن موسى عن محمّد بن إبراهيم عن أبيه ، قال : سمعت

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٥٣٨ ، سنة ٣٦ .

 ( ٢ ) الجمل للمفيد : ٣٨٥ ، و قريب منه ما في شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١١٣ ١١٤ .

 ( ٣ ) الجمل للمفيد : ٣٨٥ .

 ( ٤ ) المصدر نفسه : ٣٦٤ .

١٥٧

معاذ بن عبيد اللّه التميمي و كان قد حضر الجمل يقول : لمّا التقينا و اصطففنا نادى منادي عليّ : يا معشر قريش أبقوا على أنفسكم ، فإنّي أعلم إنّكم قد خرجتم و ظننتم أنّ الأمر لا يبلغ إلى هذا ، فاللّه اللّه في أنفسكم ، فإنّ السيف ليس له بقيا ، فإن أحببتم فانصرفوا ، حتّى نحاكم هؤلاء القوم ، و إن أحببتم فإليّ ،

فإنّكم آمنون بأمان اللّه . فاستحيينا أشدّ الحياء و أبصرنا ما نحن فيه ، و لكن الحفاظ حملنا على الصبر مع عايشة ، حتّى قتل من قتل منّا ١ .

هذا و من أمثالهم : ( ذهب القوم تحت كلّ كوكب ) ٢ أي : تفرّقوا .

« أدركت وتري » في ( الصحاح ) : ( الوتر ) بالكسر ( الفرد ) و بالفتح الذحل .

هذه لغة أهل العالية . و أمّا أهل الحجاز فبالضد منهم . و أمّا تميم فبالكسر فيهما .

و الموتور الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه ٣ .

قلت : و الأصل في الثاني الأوّل . ففي ( الأساس ) : و ترت الرجل قتلت حميمه فأفردته منه ٤ .

و أهل العالية أي : أهل نجد .

« من بني عبد مناف » كانوا أربعة : بنو عبد شمس و بنو نوفل و بنو المطلب و بنو هاشم ، و المراد الأولان لأنّه عليه السّلام من بني هاشم ، و بنو المطلب كانوا معهم في الجاهلية و الإسلام ، كما أنّ الأولين كانوا عليهما فيهما و لا سيما الأوّل مع الاخير ، و قد فسّر قوله تعالى : هذا خصمان اختصموا في ربّهم . . . ٥ ببني عبد شمس مع بني هاشم ، فالأولون نفوه و الأخيرون أثبتوه .

ــــــــــــ

 ( ١ ) المصدر نفسه : ٣٦٤ ٣٦٥ .

 ( ٢ ) مجمع الأمثال للميداني ، تحت الرقم ١٤٨٨ .

 ( ٣ ) الصحاح ٢ : ٨٤٢ ٨٤٣ ، مادة : ( وتر ) .

 ( ٤ ) أساس البلاغة : ٤٩١ ، مادة : ( وتر ) .

 ( ٥ ) الحج : ١٩ .

١٥٨

في تفسير محمّد بن العباس عن الصادق عليه السّلام في قوله عزّ و جلّ : فإمّا نذهبن بك فإنّا منهم منتقمون ١ اللّه انتقم بعليّ عليه السّلام يوم البصرة ، و هو الذي وعد اللّه رسوله ٢ .

و عن يوسف الأزرق قال : قرأت على الأعمش في ( الزخرف ) حتّى انتهيت إلى قوله تعالى : فإمّا نذهبنّ بك فإنّا منهم منتقمون فقال : أتدري في من نزلت الآية ؟ قلت : اللّه أعلم . قال : نزلت في عليّ عليه السّلام ٣ .

و في ( تفسير الطبري ) : قال جابر الأنصاري : إنّي لأدناهم من النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في حجّة الوداع فقال : لألفينكم ترجعون بعدي كفّارا ، يضرب بعضكم رقاب بعض ، و ايم اللّه لئن فعلتموها لتعرفني في الكتيبة التي تضاربكم ثم التفت إلى خلفه فقال ( أو عليّ ) ثلاث مرات فرأينا أنّ جبرئيل غمزه . فأنزل تعالى إثر ذلك : فإمّا نذهبن بك فإنّا منهم منتقمون بعليّ بن أبي طالب ٤ .

و روى السمعاني منهم في ( فضائله ) ، و ابن المغازلي منهم في ( مناقبه ) نزول الآية فيه عليه السّلام ٥ .

و في ( الطبري ) : عن ابن أبي يعقوب : قتل عليّ بن أبي طالب يوم الجمل ألفين و خمسمائة من الأزد ألف و ثلاثمائة و خمسون و من بني ضبة ثمانمائة و من ساير النّاس ثلاثمائة و خمسون .

و قيل لأبي لبيد الأزدي : لم تسب عليّا ؟ فقال : ألا أسبّ رجلا قتل منّا ألفين

ــــــــــــ

 ( ١ ) الزخرف : ٤١ .

 ( ٢ ) البرهان في تفسير القرآن ٤ : ١٤٤ ، و قريب منه ما في تفسير القمّي ٢ : ٢٨٤ .

 ( ٣ ) تفسير فرات الكوفي : ٤٠٣ ، الآية ٤١ من سورة الزخرف .

 ( ٤ ) لا وجود له في تفسير الطبري راجع ٢٥ : ٤٥ في تفسير الآية ٤١ من سورة الزخرف ، دار المعرفة ، بيروت ، ذكره السيوطي في الدر المنثور ٦ : ١٦ و الطبرسي في المجمع ٩ : ٤٩ .

 ( ٥ ) المناقب لابن المغازلي : ٢٧٤ ٢٧٥ .

١٥٩

و خمسمائة ، و الشمس هاهنا ١ .

و في ( المروج ) : و قتل من النّاس حتّى لم يكن أحد يعزي أحدا ، و اشتغل أهل كل بيت بمن لهم ، و قطع على خطام الجمل سبعون يدا من بني ضبة ، معهم كعب بن سور القاضي متقلّدا مصحفا ، كلّما قطعت يد واحد منهم قام آخر فأخذ الخطام و قال : أنا الغلام الضبي ٢ .

و قتل من أصحابه عليه السّلام في ذلك اليوم خمسة آلاف و من أصحاب الجمل و أهل البصرة و غيرهم ثلاثة عشر ألفا . و قيل غير ذلك ٣ .

و في ( جمل المفيد ) : فأمّا الأخبار عن عدد من قطعت يده يومئذ و رجله ثم قتل بعد ذلك فهي مشهورة بأنّهم كانوا نحوا من أربعة عشر ألف رجل ٤ .

هذا و قال ابن أبي الحديد : قال الراوندي : ( يعني عليه السّلام ببني عبد مناف طلحة و الزبير ) ، و هو غلط قبيح لأن طلحة من تيم بن مرّة ، و الزبير من أسد بن عبد العزى بن قصي ٥ .

قلت : يقال لابن أبي الحديد : اعتراضك على الراوندي صحيح ، في أنّ طلحة و الزبير ليسا من بني عبد مناف ، إلاّ إنّك لم لم تفسر المراد منهم ؟ فلم يعلم قتل معروف من بني عبد مناف ذاك اليوم سوى عبد الرحمن بن عتاب المتقدّم ، و أمّا مروان و ولد عثمان فإنّهم و إن شهدوا الجمل إلاّ أنّهم لم يقتلوا ،

فلا بد أن يحمل لفظ المصنّف : ( أدركت و تري من بني عبد مناف ) و لفظ الجاحظ : ( قتلت الصناديد من بني عبد مناف ) و لفظ المسعودي : ( قتلت

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٤٥٤ ، سنة ٣٦ .

 ( ٢ ) مروج الذهب ٢ : ٣٧٥ .

 ( ٣ ) المصدر نفسه ٢ : ٣٨٠ .

 ( ٤ ) الجمل للمفيد : ٤١٩ .

 ( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ١٢٤ .

١٦٠