بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٠

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة3%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 617

  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 79758 / تحميل: 3776
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٠

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

« فيوما على بغل و يوما على جمل »١ ، فلعل و إلاّ فلم نقف على توبة لها بعده عليه السّلام .

و أمّا ما ذكره من نشرها مناقبه عليه السّلام و ثنائها عليه ، فإنّما كان من باب إجراء الحق على لسانها ، إتماما للحجة عليها و على أتباعها ، كما جرى على لسان أبيها و فاروقه و باقي ستتهم و عشرتهم و ساير أعوانهم ، و لم ينحصر ذلك منها بكونه بعد قتله عليه السّلام ، بل كان ذلك طول عمرها و في أيّام خلافته عليه السّلام التي تمنّت وقوع السماء على الأرض و عدم وصول الخلافة إليه عليه السّلام ، فقد عرفت أنّها قالت لأبي قتادة بعد فراغه من قتل الخوارج : سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يقول : يقتلهم أحبّ الخلق إلى اللّه و إليّ .

مع أنّه لو أراد بأخبارهم المشهورة أخبار مثل سيف الذي يضع في مقابل كل أمر أمرا ، فقال : إنّ عايشة سئلت عن عدّة من كان معها و من كان عليها ، فكلّما نعي لها منهم واحد قالت : يرحمه اللّه . فقال لها رجل من أصحابها :

كيف ذلك ؟ قالت : كذلك قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فلان في الجنّة و فلان في الجنّة ، و قال عليّ يومئذ : إنّي لأرجو أن لا يكون أحد من هؤلاء نقى قلبه إلاّ أدخله اللّه الجنّة ٢ .

و قال سيف أيضا : إنّ عايشة لمّا أرادت الارتحال من البصرة و دّعت النّاس و قالت : يا بنيّ يعتب بعضنا على بعض استبطاء و استزادة ، فلا يعتدن أحد منكم على أحد بشي‏ء بلغه من ذلك ، إنّه ما كان بيني و بين عليّ في القديم إلاّ ما يكون بين المرأة و أحمائها ، و إنّه عندي على معتبتي من الأخيار . و قال عليّ : أيّها النّاس صدقت و برّت ، ما كان بيني و بينها إلاّ ذلك ، و إنّها لزوجة نبيّكم

ــــــــــــ

 ( ١ ) المصدر نفسه : ٤٩ .

 ( ٢ ) تاريخ الطبري ٤ : ٥٣٧ ، سنة ٣٦ .

١٤١

في الدّنيا و الآخرة ١ .

و قال أيضا : إنّ عليّا لمّا انتهى إلى عايشة قال لها : يغفر اللّه . قالت : و لك ٢،

بل روى أن عليّا أيضا تاب كعايشة ، فقال : دخل القعقاع بن عمرو على عايشة في أوّل من دخل ، فقالت له : إنّي رأيت بالأمس رجلين اجتلدا بين يدي و ارتجزا بكذا ، فهل تعرف كوفيك منها ؟ قال : نعم ذلك الذي قال : « أ عقّ امّ نعلم » و كذب إنّك لأبرّ امّ نعلم ، و لكن لم تطاعي . فقالت : و اللّه لوددت أنّي مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة . و خرج فأتى عليّا فأخبره أن عايشة سألته ، فقال : ويحك من الرجلان ؟ قال : ذاك أبو هالة الذي يقول : « كيما أرى صاحبه عليّا » . فقال : و اللّه لوددت أنّي مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة . فكان قولهما واحد ٣ .

كما انّه بدّل خبر نبح كلاب الحوأب لعايشة مع تواتره و اتفاق السير عليه ، بنبحها لام زمل ، و قال : هي عتيقة عايشة .

ففي ( الطبري ) في سنة ( ١١ ) عن سيف : اجتمعت فلال غطفان إلى ظفر ،

و بها ام زمل و هي تشبه بامها امّ قرفة ، و في مثل عزّها و عندها جملها و كانت قد سبيت أيّام ام قرفة ، فوقعت لعايشة فأعتقها ، فكانت تكون عندها ثم رجعت إلى قومها . و كان النّبيّ دخل عليهن يوما فقال : إنّ إحداكن تستنبح كلاب الحوأب ، ففعلت ام زمل سلمى ذلك حين ارتدت ، فسيرت في ما بين ظفر و الحوأب ليجمع إليها كل فل ٤.

و من أخبار سيف : أنّه قيل لعليّ : إنّه قام رجلان على الباب فقال أحدهما :

« جزيت عنّا عقوقا » ، و قال الآخر : « يا امّنا توبي فقد خطأت » ، فبعث القعقاع بن

ــــــــــــ

 ( ١ ) المصدر نفسه ٤ : ٥٤٤ ، سنة ٣٦ .

 ( ٢ ) المصدر نفسه ٤ : ٥٣٤ ، سنة ٣٦ .

 ( ٣ ) المصدر نفسه ٤ : ٥٣٧ ، سنة ٣٦ .

 ( ٤ ) تاريخ الطبري ٣ : ٢٦٣ ٢٦٤ ، سنة ١١ .

١٤٢

عمرو إلى الباب فأقبل بمن كان عليه ، فأحالوا على رجلين فقال : اضرب أعناقهما ، ثم قال : لأنهكنهما عقوبة فضربهما مائة مائة و أخرجهما من ثيابهما ١ .

سبحان اللّه من هؤلاء يعبدون هذه المرأة من دون اللّه ؟ . . . و غرّهم في دينهم ما كانوا يفترون ٢ و لا غرو فكانوا يأخذون بعر جملها و يقولون ريح بعر جمل امّنا ريح المسك ، و قد صرّحوا بعبادتهم لها من دون اللّه .

فقال الواقدي و المدائني و غيرهما : إنّه خرج من أهل البصرة شيخ صبيح الوجه ، نبيل عليه جبّة و شي‏ء يحض النّاس على الحرب و يقول :

يا معشر النّاس عليكم امّكم

فإنّها صلاتكم و صومكم ٣

و أرادوا قتل أمير المؤمنين الذي هو نفس النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بنص القرآن ،

و ابنيه سيدي شباب أهل الجنّة و ريحانتي النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ، و هم الذين شهد اللّه بعصمتهم و طهارتهم ، لامرأة تبرّجت تبرّج الجاهليّة الاولى ، و ضربها اللّه مثلا للذين كفروا كامرأة نوح و لوط ، فقال أبو مخنف : خرج عوف بن قطن الضبي و هو ينادي : ليس لعثمان ثار إلاّ عليّ و ولده ، و قال :

يا ام يا ام خلا مني الوطن

لا أبتغي القبر و لا أبغي الكفن

من هاهنا معشر عوف بن قطن

إن فاتنا اليوم عليّ فالغبن

أو فاتنا ابناه حسين و حسن

إذن أمت بطول همّ و حزن

و من المصيبة العظمى و ما يضحك الثكلى أنّها تجعل نفسها كالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و يصدّقونها ، فأخذت كفّا من حصى و حصبت بها أصحاب أمير

ــــــــــــ

 ( ١ ) المصدر نفسه ٤ : ٥٤٠ ، سنة ٣٦ .

 ( ٢ ) آل عمران : ٢٤ .

 ( ٣ ) هو كعب بن سور الأزدي ، راجع بحار الأنوار ٣٢ : ١٧٩ ح ١٣٢ .

١٤٣

المؤمنين عليه السّلام و صاحت بأعلى صوتها : شاهت الوجوه ، و قد كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فعل ذلك يوم حنين ، فقال لها قائل : . . . و ما رميت إذ رميت و لكن اللّه رمى . . . ١ .

و لقد كان الواجب أن يقال لها : ( و ما رميت إذ رميت و لكن الشيطان رمى ) ، و لكن لا غرو إذا كانت إلهتهم أن تكون نبيتهم ، فإن كان أصحاب سجاح يقولون : « أضحت نبيتنا انثى نطيف بها » ، و هؤلاء ليقولوا : أضحت إلهتنا انثى نطيف بها .

و لأجل أخبارهم المتناقضة و مذهبهم المتضاد ذهب جمع من أئمتهم كواصل بن عطاء و عمرو بن عبيد و أبي هذيل العلاف و أبى بكر الملقب بجريال ، بأنّ أحد الفريقين فاسق إمّا علي و إمّا طلحة و الزبير و عايشة ، أحد الفريقين فاسق لا بعينه كالمتلاعنين .

و قال هشام القوطي و عباد بن سليمان الصيمري : إنّ الجميع كانوا على حق ، و انّهم لم يريدوا القتال أصلا ، و إنّما أنشب القتال غوغاء الفريقين و هو مذهب سيف بن عمر .

١١

الخطبة ( ٢١٩ ) و من كلام له عليه السّلام لما مرّ بطلحة و عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد و هما قتيلان يوم الجمل :

لَقَدْ أَصْبَحَ ؟ أَبُو مُحَمَّدٍ ؟ بِهَذَا اَلْمَكَانِ غَرِيباً أَمَا وَ اَللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَكْرَهُ أَنْ تَكُونَ ؟ قُرَيْشٌ ؟ قَتْلَى تَحْتَ بُطُونِ اَلْكَوَاكِبِ أَدْرَكْتُ وَتْرِي مِنْ ؟ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ ؟ وَ أَفْلَتَنِي أَعْيَانُ ؟ بَنِي جُمَحٍ ؟ لَقَدْ أَتْلَعُوا أَعْنَاقَهُمْ إِلَى أَمْرٍ لَمْ يَكُونُوا

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأنفال : ١٧ .

١٤٤

أَهْلَهُ فَوُقِصُوا دُونَهُ أقول : الذي وقفت عليه من كلامه عليه السّلام في قتلى الجمل طلحة و ابن عتاب و غيرهما ، من الزبير و كعب بن سور القاضي و محمد بن زهير و عبد اللّه بن خلف و عبد اللّه بن ربيعة بن رواح و سفيان بن حويطب و عبد اللّه بن حكيم بن حزام و عبد اللّه بن المغيرة بن الأخنس و عبد اللّه بن الأخنس بن شريق ، ما رواه المبرد في ( كامله ) عن التوزي عن محمّد بن عباد بن حبيب أحسبه عن أبيه قال : لمّا انقضى يوم الجمل خرج عليّ عليه السّلام في ليلة ذلك اليوم و معه قنبر و في يده مشعلة من نار يتصفّح القتلى حتّى وقف على رجل قال التوزي : فقلت :

أ هو طلحة ؟ قال : نعم . فلمّا وقف عليه قال : اعزز عليّ أبا محمّد أن أراك معفّرا تحت نجوم السماء و في بطون الأودية ، شفيت نفسي و قتلت معشري إلى اللّه أشكو عجري و بجري ١ .

و ما في المدائني في ( تاريخه ) : و قد نقله ابن أبي الحديد في موضع آخر إنّ عليّا عليه السّلام مر بطلحة و هو ملبّد بنفسه ، فوقف عليه و قال : أما و اللّه إن كنت لأبغض أن أراكم مصرّعين في البلاد ، و لكن ما حمّ واقع ، ثم تمثل :

و ما تدري إذا أزمعت أمرا

بأيّ الأرض يدركك المقيل

و ما يدري الفقير متى غناه

و لا يدري الغني متى يعيل

و ما تدري إذا أنتجت شولا

أتنتج بعد ذلك أم تحيل ٢ .

و ما رواه زيد بن فراس عن غزال بن مالك كما في ( جمل المفيد ) قال :

لمّا قتل الزبير و جي‏ء برأسه إلى عليّ عليه السّلام ، قال : أما و اللّه لو لا ما كان من أمر حاطب بن أبي بلتعة ، ما اجترأ طلحة و الزبير على قتالي ، و انّ الزبير كان أقرب

ــــــــــــ

 ( ١ ) الكامل للمبرّد .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد .

١٤٥

إليّ من طلحة ، و مازال منّا أهل البيت حتّى بلغ ابنه فقطع ما بيننا ١ .

و ما رواه المفضل بن فضالة عن شداد بن الهاد عن محمّد بن إبراهيم قال : هرب الزبير على فرس له يدعى ذا الخمار إلى أن قال بعد مجي‏ء ابن جرموز برأسه و سيفه استلّ عليّ عليه السّلام سيفه و قال : سيفه أعرفه ، أما و اللّه لقد قاتل بين يدي النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ، و لكنّه الحين و مصارع السوء ٢ .

و عن عبد اللّه بن جعفر عن ابن أبي عون مثله و زاد : ثم تفرّس في وجه الزبير و قال : لقد كان لك بالنبي صلّى اللّه عليه و آله صحبة و منه قرابة ، و لكن دخل الشيطان منخرك فأوردك هذا المورد ٣ .

و روى ( جمل المفيد ) أيضا : أنّه لمّا انجلت الحرب و قتل طلحة و الزبير و حملت عايشة إلى قصر بني خلف ، ركب عليّ عليه السّلام و تبعه أصحابه و عمّار يمشي مع ركابه ، حتّى خرج إلى القتلى يطوف عليهم ، فمرّ بعبد اللّه بن خلف الخزاعي و عليه ثياب حسان مشهرة ، فقال النّاس : هذا و اللّه رأس النّاس .

فقال عليه السّلام : ليس برأس النّاس ، و لكنّه شريف منيع النفس .

ثمّ مرّ بعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد فقال : هذا يعسوب القوم و رأسهم كما تروه . ثم جعل يستعرض القتلى رجلا رجلا ، فلمّا رأى أشراف قريش صرعى في جملة القتلى قال : جدعت أنفي أما و اللّه إن كان مصرعكم لبغيضا اليّ و لقد قدّمت إليكم و حذّرتكم عضّ السيوف ، و كنتم أحداثا لا علم لكم بما ترون ، و لكن الحين و مصرع السوء نعوذ باللّه من سوء المصرع .

ثمّ سار حتّى وقف على كعب بن سور القاضي و هو مجدّل بين القتلى

ــــــــــــ

 ( ١ ) الجمل للمفيد : ٣٨٩ .

 ( ٢ ) الطبقات الكبرى ٣ : ١١١ ١١٢ ، تلخيص الشافي ٤ : ١٣٧ ، الاحتجاج ١ : ١٦٣ .

 ( ٣ ) الجمل للمفيد : ٣٩٠ .

١٤٦

و في عنقه المصحف ، فقال : نحّوا المصحف وضعوه في مواضع الطهارة ، ثم قال : أجلسوا لي كعبا ، فاجلس فقال : يا كعب بن سور قد وجدت ما وعدني ربّي حقّا ، فهل وجدت ما وعدك ربّك حقا ؟ ثم قال : اضجعوا كعبا . فتجاوزه ، فمر فرأى طلحة صريعا ، فقال :

أجلسوا طلحة ، فاجلس ، فقال عليه السّلام : يا طلحة بن عبيد اللّه قد وجدت ما وعدني ربّي حقّا ، فهل وجدت ما وعدك ربّك حقّا ؟ ثم قال : اضجعوه . فوقف رجل من القرّاء أمامه فقال : يا أمير المؤمنين ما كلامك هذه الهام قد صديت لا تسمع لك كلاما و لا تردّ جوابا فقال عليه السّلام : انّهما ليسمعان كلامي كما تسمع أصحاب القليب كلام النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ، و لو اذن لهما في الجواب لرأيت عجبا.

و مرّ بمعبد بن مقداد و هو في الصرعى فقال عليه السّلام : رحم اللّه أبا هذا ، إنّما كان رأيه فينا أحسن من رأي هذا . فقال عمّار : الحمد للّه الذي أوقعه و جعل خدّه الأسفل ، إنّا و اللّه يا أمير المؤمنين لا نبالي من عن الحق عند من والد و ولد .

فقال عليه السّلام : رحمك اللّه يا عمّار و جزاك اللّه عن الحق خيرا .

و مرّ بعبد اللّه بن ربيعة بن رواح و هو في القتلى ، فقال عليه السّلام : هذا البائس ما كان أخرجه نصر لعثمان ، و اللّه ما كان رأي عثمان فيه و لا في أبيه بحسن .

و مرّ عليه السّلام بمعبد بن زهير بن اميّة فقال : لو كانت الفتنة برأس الثريا لتناولها هذا الغلام ، و اللّه ما كان فيها بذي نخيرة ، و لقد أخبرني من أدركه إنّه يلوذ خوفا من السيف حتّى قتل البائس ضياعا .

و مرّ بمسلم بن قرطبة فقال عليه السّلام : ألبر خرج هذا و لقد سألني أن اكلّم عثمان في شي‏ء يدعيه عليه بمكّة ، فلم أزل به حتّى أعطاه و قال لي : لو لا أنت ما أعطيته ، إنّ هذا ما علمت بئس أخو العشيرة ، ثمّ جاء المشوم لحينه ينصر عثمان .

١٤٧

ثمّ مرّ بعبد اللّه بن عمير بن زهير و قال : هذا أيضا ممّن أوضع في قتالنا ،

يطلب بزعمه دم عثمان ، و لقد كتب إليّ كتابا يؤدّي عثمان فأعطاه شيئا فرضي عنه.

و مرّ بعبد اللّه بن حكيم بن حزام فقال عليه السّلام : هذا خالف أباه في الخروج عليّ ، و إنّ أباه حيث لم ينصرنا بايع و جلس في بيته ، ما ألوم اليوم أحدا إذا كف عنّا و عن غيرنا ، و لكن الملوم الذي يقاتلنا .

و مرّ بعبد اللّه بن المغيرة بن الأخنس فقال : أمّا هذا فقتل أبوه يوم قتل عثمان في الدار ، فخرج غضبا لقتل أبيه و هو غلام لا علم له بعواقب الامور .

و مرّ بعبد اللّه بن الأخنس بن شريق فقال عليه السّلام : أمّا هذا فإنّي أنظر إليه و قد أخذ القوم السيوف و إنّه لهارب يعدو من الصف ، فنهنهت عنه فلم يسمع من نهنهته ، و كان هذا مما خفي على فتيان قريش ، أغمار لا علم لهم بالحرب ،

خدعوا و استزلوا فلمّا وقعوا لحجوا فقتلوا ١ .

و رواه ( الإرشاد ) مختصرا و فيه : في كعب هذا الذي خرج علينا في عنقه المصحف يزعم أنّه ناصر امّه ، يدعو النّاس إلى ما فيه و هو لا يعلم ما فيه ،

ثم استفتح فخاب كل جبّار عنيد ، أما إنّه دعا اللّه أن يقتلني فقتله اللّه اجلسوا كعبا . . .

و في طلحة قال عليه السّلام : هذا الناكث بيعتي و المنشي‏ء الفتنة و المجلب عليّ و الداعي إلى قتلي و قتل عترتي ، أجلسوا طلحة . . . ٢ .

و في ( كافية المفيد ) على نقل البحار و نقله ( الخوئي ) أيضا : عن خالد بن مخلد عن زياد بن المنذر عن أبي جعفر عليه السّلام : مرّ عليّ عليه السّلام على طلحة و هو

ــــــــــــ

 ( ١ ) الجمل للمفيد : ٣٩١ ٣٩٤ ، الشافي ٤ : ٣٤٤ ، الاحتجاج ١ : ١٦٣ ١٦٤ ، بحار الأنوار ٣٢ : ٢٠٧ ٢٠٩ .

 ( ٢ ) الإرشاد ١ : ٢٥٤ ٢٥٧ ، بحار الأنوار ٣٢ : ٢٠٩ .

١٤٨

صريع فقال : أجلسوه فقال : أم و اللّه لقد كان لك صحبة ، و لقد شهدت و سمعت و رأيت ، و لكن الشيطان أزاغك و أمالك فأوردك جهنم ١ .

و روى أبو مخنف عن الأصبغ و قد نقله ابن أبي الحديد في موضع آخر قال : لمّا انهزم أهل البصرة ركب عليّ عليه السّلام بغلة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله الشهباء و كانت باقية عنده و سار في القتلى يستعرضهم ، فمر بكعب بن سور قاضي البصرة و هو قتيل فقال : أجلسوه فاجلس . فقال : ويل امّك كعب بن سور ، لقد كان لك علم لو نفعك ، و لكن الشيطان أضلّك فأذلّك فعجلك إلى النار ،

أرسلوه .

ثم مر بطلحة قتيلا فقال : أجلسوه ، فأجلس فقال له : ويل امّك طلحة ، لقد كان لك قدم لو نفعك ، و لكن الشيطان أضلك فأزلك فعجلك إلى النار .

ثم مر بعبد اللّه بن خلف الخزاعي و كان قتيلا بيده مبارزة ، و كان رئيس أهل البصرة فقال : أجلسوه ، فأجلس ، فقال : الويل لك يابن خلف لقد عانيت أمرا عظيما ٢ .

و في ( جمل المفيد ) : روى إبراهيم بن نافع عن سعيد بن أبي هند قال :

أخبرنا أصحابنا ممّن حضر القتال يوم البصرة أنّ عليّا عليه السّلام قاتل يومئذ أشد القتال و سمعوه و هو يقول : تبارك اللّه الذي اذن لهذه السيوف تصنع ما تصنع .

و نظر عليه السّلام يومئذ إلى سفيان بن حويطب بن عبد العزى و هو يسترجع من الخوف و ما التحم من الشر ، فقال عليه السّلام له : انحز إلى أصحابي لا تقتل .

فانحاز إليهم إلى أن حمل أصحاب الجمل جملة ، فإذا هو قد صار في حيزهم ،

فحمل عليه رجل من همدان و عليّ عليه السّلام يصيح : « كف عنه » ، و الهمداني لا يفهم

ــــــــــــ

 ( ١ ) كافية المفيد : ٢٥ ٢٦ ، بحار الأنوار ٣٢ : ٢٠١ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٤٨ ٢٤٩ .

١٤٩

حتّى قطعه اربا إربا . فقال عليه السّلام : يا ويحه لفّته السيوف و قد كان مقتله إليّ بغضيا ١ .

و في ( ذيل الطبري ) : مر عليّ عليه السّلام بعبد اللّه بن مقداد ، و امّه صباعة بنت الزبير بن عبد المطلب و كان قتل مع عايشة فقال : بئس ابن الاخت ٢ .

قول المصنّف « و من كلام له عليه السّلام لما مرّ بطلحة » في ( جمل المفيد ) : و في رواية عليّ بن زيد بن جدعان : لمّا بلغ طلحة أنّ الزبير اندفع ، ذهب في طلبه فمر بمروان فرآه ، فقال : لا أطلب بثأري بدم بعد اليوم ، ثم رماه بسهم فقتله ٣ .

« و عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد و هما قتيلان يوم الجمل » في ( جمل أبي مخنف ) : خرج عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد بن العاص بن اميّة بن عبد الشمس و هو من أشراف قريش و كان اسم سيفه ولول فارتجز و قال :

أنا ابن عتّاب و سيفي و لول

و الموت عند الجمل المجلل

فحمل عليه الأشتر فقتله ٤ .

و في ( جمل المفيد ) : روى محمّد بن عبيد اللّه عن عمرو بن دينار عن صفوان قال : لمّا تصاف النّاس يوم الجمل ، أقبل الأشتر النخعي و جندب بن زهير العامري قبال الجمل يرفلان في السلاح ، حتّى قتلا عبد الرحمن بن عتاب و معبد بن زهير بن خلف بن اميّة ٥.

و روى محمّد بن عبد اللّه قال : قطعت يوم الجمل يد عبد الرحمن و فيها الخاتم ، فأخذه نسر فطرحه باليمامة فأخذه أهل اليمامة و اقتلعوا حجره ،

ــــــــــــ

 ( ١ ) الجمل للمفيد : ٣٦١ .

 ( ٢ ) ذيل تاريخ الطبري ١١ : ٦٢٠ .

 ( ٣ ) الجمل للمفيد : ٣٨٤ .

 ( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٦٤ ٢٦٥ .

 ( ٥ ) الجمل للمفيد : ٣٦٤ .

١٥٠

و كان ياقوتا فابتاعه رجل منهم بخمسمائة دينار ، فقدم به مكّة فباعه بربح عظيم ١ .

و في ( المروج ) : اصيب كفّه بعد يوم الجمل بثلاثة أيّام و في خاتمه ( عبد الرحمن بن عتاب ) ٢ .

هذا و قال ابن أبي الحديد : و عبد الرحمن هو الذي قال عليه السّلام فيه و قد مر عليه : لهفي عليك يعسوب قريش ، هذا فتى الفتيان ، هذا اللباب المحض من بني عبد مناف ، شفيت نفسي و قتلت معشري ، إلى اللّه أشكو عجري و بجري . فقال له قائل : لشد ما أطريت الفتى منذ اليوم ، فقال : إنّه قام عنّي و عنه نسوة لم يقمن عنك ٣ .

قلت : الأصل فيه ( بيان الجاحظ ) فعبّر بمثله . و زاد بعد قوله ( و بجري ) :

قتلت الصناديد من بني عبد مناف و أفلتني الأعيار من بني جمح . فقال الخ . . .

و كذا ( مروج المسعودي ) فقال : مر عليّ عليه السّلام على عبد الرحمن فقال :

لهفي عليك يعسوب قريش ، قتلت الغطاريف من بني عبد مناف ، شفيت نفسي و جدعت أنفي . فقال له الأشتر : ما أشدّ جزعك عليهم و قد أرادوا بك ما نزل بهم .

فقال : إنّه قامت عني و عنهم . . . و هو من أخبارهم الموضوعة ، فأمير المؤمنين عليه السّلام لم يكن يثني على المنافقين ، فإنّهم و إن كانوا من حيث الجسم و إذا رأيتهم تعجبك أجسامهم و إن يقولوا تسمع لقولهم . . . ٤ ، لكنّهم من حيث الروح . . . كأنّهم خشب مسندة . . . ٥ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الجمل للمفيد : ٣٦٤ ، تجارب الامم ١ : ٣٣١ ، شرح ابن أبي الحديد ١١ : ١٢٤ .

 ( ٢ ) مروج الذهب ٢ : ٣٨٠ ، و الآية ٤ من سورة المنافقين .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٤٩ .

 ( ٤ ) سورة المنافقين : ٤ .

 ( ٥ ) مروج الذهب ٢ : ٣٨٠ .

١٥١

قوله عليه السّلام على نقل المصنّف « لقد أصبح أبو محمّد » يعني طلحة ، فكان مكنيا باسم ابنه محمّد بن طلحة الذي كان يوم الجمل كلّما حمل عليه رجل قال : نشدتك ب « حم » فينصرف عنه ، حتّى شد عليه رجل من بني أسد بن خزيمة فنشده فلم يثنه ذلك و طعنه فقتله و قال :

و أشعث سجاد بآيات ربه

قليل الأذى في ما ترى العين مسلم

شككت له بالرمح جيب قميصه

فخر صريعا لليدين و للفم

على غير شي‏ء غير أن ليس تابعا

عليّا و من لا يتبع الحق يندم

يذكرني حم و الرمح شاجر

فهلا تلاحم قبل التقدم

ثم قد عرفت رواية أبي مخنف و روايات ( جمل المفيد ) و ( إرشاده ) و ( كافيته ) فيه ، و أنّه عليه السّلام لمّا مر عليه قال : أجلسوه ، فاجلس فقال له : و الفظ للاول لقد كان لك قدم لو نفعك ، و لكن الشيطان أضلّك فأزلّك فعجّلك إلى النار .

و أما قول ( المروج ) : نادى عليّ رضى اللّه عنه طلحة حين رجع الزبير : يا أبا محمّد ما الذي أخرجك ؟ قال : الطلب بدم عثمان . فقال له : أما سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يقول :

اللهم وال من والاه و عاد من عاداه ، و أنت أوّل من بايعني ثم نكثت ، و قد قال عزّ و جلّ . . . فمن نكث فإنّما ينكث على نفسه . . . ١ فقال : أستغفر اللّه . ثم رجع .

فقال مروان : رجع الزبير و رجع طلحة ما ابالي رميت هاهنا أم هاهنا فرماه في اكحله فقتله .

فمر به عليّ عليه السّلام بعد الوقعة في موضع في قنطرة قرة ، فوقف عليه فقال : إنّا للّه و إنّا إليه راجعون ، و اللّه لقد كنت كارها ، أنت و اللّه كما قال القائل :

ــــــــــــ

 ( ١ ) سورة الفتح : ١٠ .

١٥٢

فتى كان يدنيه الفتى من صديقه

إذا ما هو استغنى و يبعده الفقر

كأنّ الثريا علقت في يمينه

و في خده الشعرى و في الآخر البدر ١

فمن الأخبار الموضوعة ، فلم يقل أحد أن مروان رماه لمّا أراد الرجوع ،

بل لكونه أوّل محرّض على عثمان حتّى قتل و منع من دفنه .

و كيف يتكلّم أمير المؤمنين بالمزخرفات الشعرية و التّرهات الباطلة ،

من كون الثريا في يمين رجل و الشعرى في خدّه و البدر في يساره . و إنّما دعاهم إلى وضع هذا الخبر أنّ قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فيه عليه السّلام : « اللهم وال من والاه و عاد من عاده » متواترا ، فيلزم أن يكون عدوّ اللّه و قد جعلوه من العشرة المبشّرة فافتروا بهذه الفرية .

و كيف تاب طلحة أم مدحه عليه السّلام و قد روى الواقدي كما في ( جمل المفيد ) أنّ عليّا عليه السّلام قام خطيبا بعد الفتح و قال : إنّي أحمد اللّه على نعمه ، قتل طلحة و الزبير و هربت عايشة ، و ما ازداد عدوّكم بما صنع اللّه إلاّ حقدا و ما زادهم الشيطان إلاّ طغيانا ، و لقد جاؤوا مبطلين و أدبروا ظالمين ، و إنّنا لعلى الحق و إنّهم لعلى الباطل ، و يجمعنا اللّه و إيّاهم يوم الفصل ٢ .

و روى أيضا : أنّه عليه السّلام كتب بعد الفتح إلى أهل الكوفة : أمّا بعد فإنّا لقينا القوم الناكثين لبيعتنا ، المفرّقين لجماعتنا ، الباغين علينا من امّتنا ، فحاججناهم إلى اللّه ، فنصرنا اللّه عليهم و قتل طلحة و الزبير ، و قد تقدمت إليهما بالنذر ، و أشهدت عليهما صلحاء الامّة ، فما أطاعا المرشدين

ــــــــــــ

 ( ١ ) مروج الذهب ٢ : ٣٧٣ ٣٧٤ .

 ( ٢ ) الجمل للمفيد : ٤٠٢ .

١٥٣

و لا أجابا الناصحين ١ .

و من أخبارهم الموضوعة ما في ( خلفاء ابن قتيبة ) : إنّ موسى بن طلحة دخل على عليّ عليه السّلام بعد انهزامهم ، فقال له علي : إنّي لأرجو أن أكون أنا و أبوك ممّن قال تعالى فيهم : و نزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين ٢ و قال له ابن الكوا : أمسيت بالبصرة ، فقال : كان عندي ابن أخي .

قال : و من هو ؟ قال : موسى بن طلحة . فقال ابن الكوا : لقد شقينا إن كان ابن أخيك . فقال عليّ : ويحك إنّ اللّه قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد كان غفر لكم . ثم قال ابن الكوا لعليّ : من أخبرك بمسيرك هذا الذي سرت فيه ،

تضرب النّاس بعضهم ببعض و تستولي بالأمر عليهم أرأي رأيته حين تفرّقت الامة و اختلفت الدعوة ، فرأيت أنّك أحق بهذا الأمر منهم لقرابتك . فإن كان رأيا رأيته أجبناك فيه ، و إن كان عهدا عهده إليك النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ، فأنت المأمون على النّبيّ في ما حدّثت عنه . فقال : أنا أوّل من صدقه ، فلا أكون أوّل من كذب عليه ،

أمّا أن يكون عندي عهد منه فلا و اللّه ، و لكن لمّا قتل النّاس عثمان نظرت في أمري فإذا الخليفتان اللذان أخذاها من النّبيّ قد هلكا و لا عهد لهما ، و إذا الخليفة الذي أخذها بمشورة المسلمين قد قتل ، و خرجت ربقته من عنقي لأنّه قتل و لا عهد له ٣ .

فيقال لهم في الآية : إنّه تعالى قال في المتقين : و نزعنا ما في صدورهم من غل . . . ٤ لا للمفسدين في الأرض ، و أي مفسد في الأرض أفسد من طلحة الذي قتل عثمان ثم قتل آلافا من المسلمين باسم الطلب بدمه ،

ــــــــــــ

 ( ١ ) الجمل للمفيد : ٤٠٣ ، الشافي ٤ : ٣٣٠ .

 ( ٢ ) الحجر : ٤٧ .

 ( ٣ ) الإمامة و السياسة ١ : ٧٨ ٧٩ .

 ( ٤ ) الحجر : ٤٧ .

١٥٤

و موسى ابنه لم يكن بدونه فهو الذي شهد على حجر بإباحة دمه لكونه شيعته عليه السّلام .

و يقال لهم في حديثهم : « اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم » اعملوا ما شئتم إنّه بما تعملون بصير ١ .

و يقال لهم في مسيره عليه السّلام إلى أهل الجمل : إنّه من المتواتر عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله حديث الناكثين كالقاسطين و المارقين . و كيف لم يكن عنده عليه السّلام عهد منه صلّى اللّه عليه و آله ، و قد علم رواية و دراية قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله للزبير : إنّك ستقاتل عليّا ظالما ؟ و قد أقر الزبير به و احتمل عاره في توليته الدبر عنه ، و قد قال ابنه له : إنّه لا يغسل عاره عنهم إلى آخر الدهر .

و يقال في قوله : « الخليفتان اللذان أخذاها من النّبيّ » ان الأوّل أخذها بإحراق أهل بيت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ، و الثاني بمعاهدة الأوّل له و معاضدته له ، كما أن الثالث أخذها باختيار ابن عوف له بتدبير الثاني له ، لكتابته له استخلاف الأوّل له في غشوته ، و إن أمضاه بعد إفاقته .

كما أنّ قوله : « إنّ الثالث قتل و لا عهد له » أيضا كذب ، فعهد إلى معاوية فجعله ولي دمه في متواتر رواياتهم ، و كان لم ير في مروان لياقة و لا كان مالكا لنفسه ، و إلاّ لكان لجعله ولي عهده ، و كيف لا و قد رضي بقتل نفسه ، و لم يرض أن يصل إليه مكروه بفساداته في الدين ، و قد حكم بأنّه أفضل من أمير المؤمنين عليه السّلام ، افّ لهم و لما يعبدون من دون اللّه .

و من أخبارهم الموضوعة ما في ( تذكرة سبط ابن الجوزي ) : دخل بعض أصحاب عليّ عليه السّلام على طلحة و هو يجود بنفسه ، فقال له : اشهد على أنّي بايعت أمير المؤمنين عليّا ثم مات فاخبر الرجل عليّا فقال : رحمه اللّه .

ــــــــــــ

 ( ١ ) فصلت : ٤٠ .

١٥٥

و تأسف عليه ، و قال : الحمد للّه الذي لم يخرجه من الدّنيا إلاّ و بيعتي في عنقه ١ .

و ما فيه ذكر الميداني : أنّ عليّا لمّا وقف على القتلى قال : أشكو إليك عجري و بجري ، و معشرا اغشوني على بصري ، قتلت مضري بمضري شفيت نفسي و قتلت معشري ٢ .

و ما قاله ابن أبي الحديد ، بعد نقل خبر أبي مخنف المتقدّم : روت المعتزلة أنّ عليّا قال : اعزز عليّ أبا محمّد أن أراك معفّرا تحت نجوم السماء ،

أبعد جهادك في اللّه و ذبك عن نبيّه . فجاء إليه إنسان فقال : أشهد لقد مررت عليه بعد أن أصابه السهم و هو صريع ، فصاح بي : اشهد أنّي بايعت عليّا ٣ .

و ما قاله الجزري : قال الشعبي : لمّا قتل طلحة و رآه عليّ مقتولا جعل يمسح التراب عن وجهه و قال : عزيز أبا محمّد أن أراك مجدلا تحت نجوم السماء . ثم قال : إلى اللّه أشكو عجري و بجري . و ترحم عليه ، و قال : ليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة . و بكى هو و أصحابه عليه ، و سمع رجلا ينشد :

فتى كان يدنيه الغنى من صديقه

إذا ما هو استغنى و يبعده الفقر

فقال : ذاك أبو محمّد طلحة بن عبيد اللّه ٤ فإنّها خلاف العقل و النقل و الدراية.

و لم ينحصر جعلهم الأخبار بطلحة ، و قد وضعوا لكعب بن سور القاضي و غيره من أهل الجمل ، فقال سيف الوضّاع : لمّا اتي عليّ بكعب قال :

زعمتم إنّما خرج معهم السفهاء و هذا الحبر قد ترون . و جعل عليّ كلّما مر برجل فيه خير قال : زعم من زعم إنّه لم يخرج إلينا إلاّ الغوغاء هذا العابد

ــــــــــــ

 ( ١ ) تذكرة ابن الجوزي : ٧٧ .

 ( ٢ ) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : ٧٩ .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٤٨ .

 ( ٤ ) الكامل في التاريخ لابن الأثير الجزري ٣ : ٢٥٥ .

١٥٦

المجتهد و صلّى على قتلى أهل البصرة . . . ١ و كل ما قاله بهتان .

« بهذا المكان غريبا » لكونه من أهل المدينة ، و قد قتل في البصرة .

و في رواية سفيان بن عنبسة كما في ( جمل المفيد ) عن أبي موسى عن الحسن البصري قال : رأيت طلحة حين أصابه السهم ، قال : ما رأيت كاليوم مصرع شيخ أضيع من مصرعي .

قال الحسن : و قد كان قبل ذلك جاهد جهادا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و وقاه بيده ،

فضيّع أمر نفسه ، و لقد رأيت قبره مأوى الشقاء يضع عنده غريبة ، ثم يقضي عنده حاجته ، فما رأيت أعجب من هؤلاء ٢ .

« أما و اللّه لقد كنت أكره أن تكون قريش قتلى تحت بطون الكواكب » في خبر الحسن البصري المتقدم : و أما الزبير فانّه أتى حيّا من أحياء العرب فقال :

أجيروني و قد كان قبل ذلك يجير و لا يجار عليه قال : و ما الذي أخافك و اللّه ما أخافك إلاّ ابنك . فأتبعه ابن جرموز ثؤلول من أثاليل العرب فضاع دمه ،

و هذا قبره بوادي السباع مخراة للثعالب ، و عز عليّ هذه الشقوة التي كتبت عليه و على صاحبه ٣ .

و في ( جمل المفيد ) : روى محمّد بن عبد اللّه عن عمر بن دينار عن صفوان قال : لمّا تصاف النّاس يوم الجمل صاح صائح من أصحاب عليّ عليه السّلام : يا معشر شباب قريش أراكم قد لححتم و غلبتم على أمركم هذا ، و إنّي انشدكم اللّه أن تحقنوا دماءكم و لا تقتلوا أنفسكم ٤ .

و روى محمّد بن موسى عن محمّد بن إبراهيم عن أبيه ، قال : سمعت

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٥٣٨ ، سنة ٣٦ .

 ( ٢ ) الجمل للمفيد : ٣٨٥ ، و قريب منه ما في شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١١٣ ١١٤ .

 ( ٣ ) الجمل للمفيد : ٣٨٥ .

 ( ٤ ) المصدر نفسه : ٣٦٤ .

١٥٧

معاذ بن عبيد اللّه التميمي و كان قد حضر الجمل يقول : لمّا التقينا و اصطففنا نادى منادي عليّ : يا معشر قريش أبقوا على أنفسكم ، فإنّي أعلم إنّكم قد خرجتم و ظننتم أنّ الأمر لا يبلغ إلى هذا ، فاللّه اللّه في أنفسكم ، فإنّ السيف ليس له بقيا ، فإن أحببتم فانصرفوا ، حتّى نحاكم هؤلاء القوم ، و إن أحببتم فإليّ ،

فإنّكم آمنون بأمان اللّه . فاستحيينا أشدّ الحياء و أبصرنا ما نحن فيه ، و لكن الحفاظ حملنا على الصبر مع عايشة ، حتّى قتل من قتل منّا ١ .

هذا و من أمثالهم : ( ذهب القوم تحت كلّ كوكب ) ٢ أي : تفرّقوا .

« أدركت وتري » في ( الصحاح ) : ( الوتر ) بالكسر ( الفرد ) و بالفتح الذحل .

هذه لغة أهل العالية . و أمّا أهل الحجاز فبالضد منهم . و أمّا تميم فبالكسر فيهما .

و الموتور الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه ٣ .

قلت : و الأصل في الثاني الأوّل . ففي ( الأساس ) : و ترت الرجل قتلت حميمه فأفردته منه ٤ .

و أهل العالية أي : أهل نجد .

« من بني عبد مناف » كانوا أربعة : بنو عبد شمس و بنو نوفل و بنو المطلب و بنو هاشم ، و المراد الأولان لأنّه عليه السّلام من بني هاشم ، و بنو المطلب كانوا معهم في الجاهلية و الإسلام ، كما أنّ الأولين كانوا عليهما فيهما و لا سيما الأوّل مع الاخير ، و قد فسّر قوله تعالى : هذا خصمان اختصموا في ربّهم . . . ٥ ببني عبد شمس مع بني هاشم ، فالأولون نفوه و الأخيرون أثبتوه .

ــــــــــــ

 ( ١ ) المصدر نفسه : ٣٦٤ ٣٦٥ .

 ( ٢ ) مجمع الأمثال للميداني ، تحت الرقم ١٤٨٨ .

 ( ٣ ) الصحاح ٢ : ٨٤٢ ٨٤٣ ، مادة : ( وتر ) .

 ( ٤ ) أساس البلاغة : ٤٩١ ، مادة : ( وتر ) .

 ( ٥ ) الحج : ١٩ .

١٥٨

في تفسير محمّد بن العباس عن الصادق عليه السّلام في قوله عزّ و جلّ : فإمّا نذهبن بك فإنّا منهم منتقمون ١ اللّه انتقم بعليّ عليه السّلام يوم البصرة ، و هو الذي وعد اللّه رسوله ٢ .

و عن يوسف الأزرق قال : قرأت على الأعمش في ( الزخرف ) حتّى انتهيت إلى قوله تعالى : فإمّا نذهبنّ بك فإنّا منهم منتقمون فقال : أتدري في من نزلت الآية ؟ قلت : اللّه أعلم . قال : نزلت في عليّ عليه السّلام ٣ .

و في ( تفسير الطبري ) : قال جابر الأنصاري : إنّي لأدناهم من النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في حجّة الوداع فقال : لألفينكم ترجعون بعدي كفّارا ، يضرب بعضكم رقاب بعض ، و ايم اللّه لئن فعلتموها لتعرفني في الكتيبة التي تضاربكم ثم التفت إلى خلفه فقال ( أو عليّ ) ثلاث مرات فرأينا أنّ جبرئيل غمزه . فأنزل تعالى إثر ذلك : فإمّا نذهبن بك فإنّا منهم منتقمون بعليّ بن أبي طالب ٤ .

و روى السمعاني منهم في ( فضائله ) ، و ابن المغازلي منهم في ( مناقبه ) نزول الآية فيه عليه السّلام ٥ .

و في ( الطبري ) : عن ابن أبي يعقوب : قتل عليّ بن أبي طالب يوم الجمل ألفين و خمسمائة من الأزد ألف و ثلاثمائة و خمسون و من بني ضبة ثمانمائة و من ساير النّاس ثلاثمائة و خمسون .

و قيل لأبي لبيد الأزدي : لم تسب عليّا ؟ فقال : ألا أسبّ رجلا قتل منّا ألفين

ــــــــــــ

 ( ١ ) الزخرف : ٤١ .

 ( ٢ ) البرهان في تفسير القرآن ٤ : ١٤٤ ، و قريب منه ما في تفسير القمّي ٢ : ٢٨٤ .

 ( ٣ ) تفسير فرات الكوفي : ٤٠٣ ، الآية ٤١ من سورة الزخرف .

 ( ٤ ) لا وجود له في تفسير الطبري راجع ٢٥ : ٤٥ في تفسير الآية ٤١ من سورة الزخرف ، دار المعرفة ، بيروت ، ذكره السيوطي في الدر المنثور ٦ : ١٦ و الطبرسي في المجمع ٩ : ٤٩ .

 ( ٥ ) المناقب لابن المغازلي : ٢٧٤ ٢٧٥ .

١٥٩

و خمسمائة ، و الشمس هاهنا ١ .

و في ( المروج ) : و قتل من النّاس حتّى لم يكن أحد يعزي أحدا ، و اشتغل أهل كل بيت بمن لهم ، و قطع على خطام الجمل سبعون يدا من بني ضبة ، معهم كعب بن سور القاضي متقلّدا مصحفا ، كلّما قطعت يد واحد منهم قام آخر فأخذ الخطام و قال : أنا الغلام الضبي ٢ .

و قتل من أصحابه عليه السّلام في ذلك اليوم خمسة آلاف و من أصحاب الجمل و أهل البصرة و غيرهم ثلاثة عشر ألفا . و قيل غير ذلك ٣ .

و في ( جمل المفيد ) : فأمّا الأخبار عن عدد من قطعت يده يومئذ و رجله ثم قتل بعد ذلك فهي مشهورة بأنّهم كانوا نحوا من أربعة عشر ألف رجل ٤ .

هذا و قال ابن أبي الحديد : قال الراوندي : ( يعني عليه السّلام ببني عبد مناف طلحة و الزبير ) ، و هو غلط قبيح لأن طلحة من تيم بن مرّة ، و الزبير من أسد بن عبد العزى بن قصي ٥ .

قلت : يقال لابن أبي الحديد : اعتراضك على الراوندي صحيح ، في أنّ طلحة و الزبير ليسا من بني عبد مناف ، إلاّ إنّك لم لم تفسر المراد منهم ؟ فلم يعلم قتل معروف من بني عبد مناف ذاك اليوم سوى عبد الرحمن بن عتاب المتقدّم ، و أمّا مروان و ولد عثمان فإنّهم و إن شهدوا الجمل إلاّ أنّهم لم يقتلوا ،

فلا بد أن يحمل لفظ المصنّف : ( أدركت و تري من بني عبد مناف ) و لفظ الجاحظ : ( قتلت الصناديد من بني عبد مناف ) و لفظ المسعودي : ( قتلت

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٤٥٤ ، سنة ٣٦ .

 ( ٢ ) مروج الذهب ٢ : ٣٧٥ .

 ( ٣ ) المصدر نفسه ٢ : ٣٨٠ .

 ( ٤ ) الجمل للمفيد : ٤١٩ .

 ( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ١٢٤ .

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617