• البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 76133 / تحميل: 3382
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 10

مؤلف:
العربية

القوم كانوا أولى بما كانوا فيه فعلام نصبك النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بعد حجة الوداع:

فقال « أيّها النّاس من كنت مولاه فعلي مولاه » و إن كنت أولى منهم بما كانوا فيه فعلام نتولاهم ؟ فقال يا عبد الرحمان إنّ اللّه تعالى قبض نبيه يوم قبضه و أنا يوم قبضه أولى النّاس مني بقميصي هذا ، و قد كان من النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله اليّ عهد لو خزموني بأنفي لأقررت سمعا و طاعة و إنّ أوّل ما انتقصناه بعد إبطال حقّنا في الخمس فلما رقّ امرنا طمعت رعيان البهم من قريش فينا . فقال عبد الرحمان : أنت يا أمير المؤمنين لعمرك كما قال الأوّل :

لقد أيقظت من كان نائما و أسمعت من كانت له اذنان ١

١٥

الكتاب ( ٢٩ ) و من كتاب له عليه السّلام إلى أهل البصرة :

وَ قَدْ كَانَ مِنِ اِنْتِشَارِ حَبْلِكُمْ وَ شِقَاقِكُمْ مَا لَمْ تَغْبَوْا عَنْهُ فَعَفَوْتُ عَنْ مُجْرِمِكُمْ وَ رَفَعْتُ اَلسَّيْفَ عَنْ مُدْبِرِكُمْ وَ قَبِلْتُ مِنْ مُقْبِلِكُمْ فَإِنْ خَطَتْ بِكُمُ اَلْأُمُورُ اَلْمُرْدِيَةُ وَ سَفَهُ اَلْآرَاءِ اَلْجَائِرَةِ إِلَى مُنَابَذَتِي وَ خِلاَفِي فَهَا أَنَا ذَا قَدْ قَرَّبْتُ جِيَادِي وَ رَحَلْتُ رِكَابِي وَ لَئِنْ أَلْجَأْتُمُونِي إِلَى اَلْمَسِيرِ إِلَيْكُمْ لَأُوقِعَنَّ بِكُمْ وَقْعَةً لاَ يَكُونُ ؟ يَوْمُ اَلْجَمَلِ ؟ إِلَيْهَا إِلاَّ كَلَعْقَةِ لاَعِقٍ مَعَ أَنِّي عَارِفٌ لِذِي اَلطَّاعَةِ مِنْكُمْ فَضْلَهُ وَ لِذِي اَلنَّصِيحَةِ حَقَّهُ غَيْرُ مُتَجَاوِزٍ مُتَّهَماً إِلَى بَرِيٍّ وَ لاَ نَاكِثاً إِلَى وَفِيٍّ أقول : الأصل في هذا الكتاب ما رواه ابراهيم الثقفي في ( غاراته ) ٢ :

ــــــــــــ

 ( ١ ) أمالي المفيد : ٢٢٣ ٢٢٤ .

 ( ٢ ) الغارات ٢ : ٣٧٣ ٤٠٨ ، شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٣٤ ٥٣ .

١٨١

كتبه عليه السّلام إليهم لمّا بعث معاوية إليهم ابن الحضرمي لأخذ البصرة و حثّ أهلها على نقض بيعته . فروى عن محمّد بن يوسف عن الحسن بن عليّ الزعفراني عن محمّد بن عبد اللّه بن عثمان عن ابن أبي سيف عن يزيد بن حارثة الأزدي عن عمرو بن محصن أنّ معاوية لمّا أصاب محمّد بن أبي بكر بمصر و ظهر عليها دعا عبد اللّه بن عامر الحضرمي فقال له : سر إلى البصرة فإن جلّ أهلها يرون رأينا في عثمان و يعظّمون قتله و قد قتلوا في الطلب بدمه فهم موتورون حنقون لما أصابهم و ودّوا لو يجدون من يدعوهم و يجمعهم و ينهض بهم في الطلب بدم عثمان ، و احذر ربيعة ، و انزل في مضر ، و تودّد الأزد فإنّ الأزد كلّهم معك إلاّ قليلا منهم و إنّهم غير مخالفيك .

فقال له ابن الحضرمي : أنا سهم في كنانتك و أنا من قد جرّبت و عدو أهل حربك و ظهيرك على قتلة عثمان فوجّهني إليهم متى شئت . فقال : اخرج غدا . فلما كان الليل جلس معاوية و أصحابه فقال لهم : في أي منزل ينزل القمر الليلة ؟ قالوا : في سعد الذابح. فأرسل إليه : لا تبرح حتّى يأتيك أمري إلى أن قال بعد ذكر كتابه إلى عمرو بن العاص مستشيرا به و تصويبه له و أمر معاوية له بالشخوص :

قال عمرو بن محصن : فكنت معه حين خرج فسنح لنا ظبي أعفر مارّا عن شمائلنا ، فنظرت إليه فو اللّه لرأيت الكراهية في وجهه ثم مضينا حتّى نزلنا البصرة في بني تميم فسمع بقدومنا أهل البصرة فجاءنا كل من يرى رأي عثمان ، فاجتمع الينا رؤوس أهلها ، و كان الأمير بالبصرة يومئذ زياد استخلفه ابن عبّاس و قدم على عليّ عليه السّلام يعزّيه عن محمّد بن أبي بكر . و أقبل النّاس إلى ابن الحضرمي و كثر تبعه ففزع لذلك زياد و هو في دار الإمارة فبعث إلى الحصين بن منذر و مالك بن مسمع و قال : إنّكم أنصار أمير المؤمنين و شيعته

١٨٢

و ثقته ، و قد جاءكم هذا الرجل بما قد بلغكم فأجيروني حتّى يأتيني أمر أمير المؤمنين ، فأما مالك بن مسمع فقال : هذا أمر فيه نظر ارجع إلى من ورائي و استشير .

و أما الحصين فقال : نعم نحن فاعلون و لن نخذلك . فلم ير زياد ما يطمئن إليه .

فبعث إلى صبرة بن سليمان الأزدي فقال له : أنت سيّد قومك و أحد عظماء هذا المصر ، فإن يكن فيه أحد هو أعظم أهله فأنت ذاك ، أفلا تجيروني و تمنعني و تمنع بيت مال المسلمين فإنّما أنا أمين عليه . فقال : بلى إن تحملت حتّى تنزل داري لمنعتك . قال : إنّي فاعل . فارتحل ليلا حتّى نزل دار صبرة و كتب إلى ابن عبّاس و لم يكن معاوية ادّعى زيادا بعد إنّما ادّعاه بعد وفاة عليّ عليه السّلام للأمين عبد اللّه بن العباس من زياد بن عبيد ، سلام عليك أمّا بعد فإنّ عبد اللّه بن عامر الحضرمي أقبل من قبل معاوية حتّى نزل في بني تميم و نعى ابن عفان و دعا إلى الحرب فبايعه جلّ أهل البصرة فلما رأيت ذلك استجرت بالأزد بصبرة بن سليمان و قومه لنفسي و لبيت مال المسلمين و رحلت من قصر الإمارة فنزلت فيهم ، فارفع ذلك إلى أمير المؤمنين ليرى فيه رأيه .

فرفع ذلك ابن عبّاس إليه فدعا عليه السّلام جارية بن قدامة و قال له : تمنع الأزد عاملي و بيت مالي و تشاقني مضر و تنابذني و بنا ابتداها اللّه بالكرامة و عرفها الهدى و تدعو إلى المعشر الذين حادّوا اللّه و رسوله و أرادوا إطفاء نور اللّه حتّى علت كلمة اللّه و هلك الكافرون . فقال : ابعثني إليهم و استعن باللّه عليهم . قال : قد بعثك و استعنت به.

قال كعب بن قعين : خرجت مع جارية من الكوفة إلى البصرة في خمسين رجلا من بني تميم ما كان فيهم يماني غيري ، و كنت شديد التشيع ،

١٨٣

فقلت لجارية : إن شئت كنت معك و إن شئت ملت إلى قومي ؟ فقال : بل معي فو اللّه لوددت أنّ الطير و البهائم تنصرني عليهم فضلا عن الإنس .

قال كعب : إنّ عليّا عليه السّلام كتب مع جارية و قال اقرأه على أصحابك :

من عبد اللّه أمير المؤمنين إلى من قرى‏ء عليه كتابي هذا من ساكني البصرة من المؤمنين و المسلمين سلام عليكم أما بعد فإنّ اللّه حليم ذو أناة ، لا يعجل بالعقوبة قبل البينة ، و لا يأخذ المذنب عند أوّل وهلة و لكنه يقبل التوبة و يستديم الإنابة و يرضى بالانابة ليكون أعظم للحجة و أبلغ في المعذرة ، و قد كان من شقاق جلّكم ، أيّها النّاس ما استحققتم أن تعاقبوا عليه فعفوت عن مجرمكم ، و رفعت السيف عن مدبركم و قبلت من مقبلكم و أخذت بيعتكم فإن تفوا ببيعتي و تقبلوا نصيحتي و تستقيموا على طاعتي أعمل فيكم بالكتاب و قصد الحق ، و أقيم فيكم سبيل الهدى ، فو اللّه ما أعلم أنّ واليا بعد محمّد صلّى اللّه عليه و آله أعلم بذلك مني و لا أعلم بقوله مني ، أقول قولي هذا صادقا غير ذام لمن مضى و لا منتقصا لأعمالهم و إن حطّت بكم الامور المردية و سفه الرأي الجائر إلى منابذتي تريدون خلافي فها أنا ذا قرّبت جيادي و رحلت ركابي ، و ايم اللّه لئن ألجأتموني إلى المسير إليكم لأوقعنّ بكم وقعة لا يكون يوم الجمل عندها إلاّ كلعقة لاعق ، و إنّي لظانّ ألاّ تجعلوا إن شاء اللّه على أنفسكم سبيلا ، و قد قدّمت هذا الكتاب إليكم حجة عليكم و لن أكتب إليكم من بعده كتابا إن استغششتم نصيحتي و نابذتم رسولي حتّى أكون أنا الشاخص نحوكم و السلام . فلمّا قرأ الكتاب على النّاس قام صبرة بن سليمان فقال : سمعنا و أطعنا و نحن لمن حارب أمير المؤمنين حرب ، و لمن سالم سلم، إن كفيت يا جارية قومك بقومك فذاك و إن أحببت أن ننصرك نصرناك . و قام وجوه النّاس فتكلّموا بمثل ذلك و نحوه فلم يأذن لأحد منهم أن يسير معه و مضى نحو بني تميم .

١٨٤

فقام زياد في الأزد فقال : يا معشر الأزد إنّ هؤلاء كانوا أمس سلما فأصبحوا اليوم حربا و إنّكم كنتم حربا فأصبحتم سلما و إنّي و اللّه ما اخترتكم إلاّ على التجربة و لا أقمت فيكم إلا على الأمل فما رضيتم أن آجرتموني حتّى نصبتم منبرا و سريرا و جعلتم لي شرطا و أعوانا و مناديا و جمعة و ما فقدت بحضرتكم شيئا إلاّ هذا الدرهم لا اجيبه اليوم فإن لم اجبه اليوم اجبه غدا إن شاء اللّه .

فأما جارية فإنّه لمّا كلّم قومه فلم يجيبوه و خرج إليه منهم أوباش فناوشوه بعد أن شتموه و أسمعوه فأرسل إلى زياد و الأزد يستصرخهم و يأمرهم أن يسيروا إليه ، فسارت الأزد بزياد و خرج إليهم ابن الحضرمي و على خيله عبد اللّه بن خازم السلمي فاقتتلوا ساعة و أقبل شريك بن الأعور الحارثي و كان من شيعة عليّ عليه السّلام و صديقا لجارية فقال : ألا نقاتل معك عدوك ؟ فقال : بلى . فما لبثوا بني تميم أن هزموهم و اضطروهم إلى دار سنبل السعدي و حصروا مائتي رجل من بني تميم و معهم عبد اللّه بن خازم السلمي فجاءت امّه و هي سوداء حبشية ، فنادته فأشرف عليها فقالت : يا بني انزل إليّ .

فأبى . فكشفت رأسها و ألقت قناعها و سألته النزول فأبى . فقالت . و اللّه لتنزلنّ أو لأتعرّين و أهوت بيدها إلى ساقها فلما رأى ذلك نزل فذهبت به . و أحاط جارية و زياد بالدار و قال جارية : عليّ بالنار . فقالت الأزد : لسنا من الحريق بالنار في شي‏ء فهم قومك و أنت أعلم . فحرّق جارية الدار فهلك ابن الحضرمي في سبعين رجلا أحدهم عبد الرحمان بن عمير بن عثمان القرشي ثم التميمي و سمّى جارية منذ ذلك اليوم محرّقا . و سارت الأزد بزياد حتّى أو طؤوه قصر الإمارة و معه بيت المال و كتب زياد إلى أمير المؤمنين عليه السّلام : أما بعد فإنّ جارية بن قدامة العبد الصالح قدم من عندك فناهض جمح بن الحضرمي

١٨٥

بمن نصره و أعانه من الأزد ففضّه و اضطرّه إلى دار من دور البصرة في عدد كثير من أصحابه فلم يخرج حتّى حكم اللّه تعالى بينهما فقتل ابن الحضرمي و أصحابه منهم من احرق بالنّار و منهم من القي عليه جدار و منهم من هدم عليه البيت من أعلاه و منهم من قتل منهم بالسيف و سلم منهم نفر أنابوا ١ .

و من الغريب أن ابن أبي الحديد غفل عنه هنا و نقله في موضع آخر بلا ربط ٢ و لم يتفطن له ابن ميثم أيضا ٣ .

« و قد كان من انتشار حبلكم و شقاقكم ما لم تغبوا عنه » في ( الصحاح ) :

( غبيت عن الشي‏ء و غبيته أيضا إذا لم يفطن له ) ٤ و المراد يوم الجمل .

« فعفوت عن مجرمكم » بنكث البيعة و نصب الحرب .

« و رفعت السيف عن مدبركم » فأمر عليه السّلام ذاك اليوم أن ينادى : لا يتبعنّ مولّ و لا يجهز على جريح .

« و قبلت من مقبلكم » فأمر عليه السّلام أن ينادى : من ألقى السلاح فهو آمن و من أغلق بابه فهو آمن .

« فإن خطت بكم » أي : جاوزتكم من الخطوة ما بين القدمين .

« الامور المردية » أي : المهلكة .

« و سفه الآراء الجائرة » أي : العادلة عن الحقّ .

« إلى منابذتي » أي : مكاشفتي بالحرب .

« و خلافي » أي : مخالفتي .

« فها أنا ذا قد قربت جيادي » جمع الجواد ، أي : الفرس الرائع .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الغارات ٢ : ٣٧٣ ٤٠٨ ، شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٣٤ ٥٣ .

 ( ٢ ) نقله ابن أبي الحديد في شرح النهج ٤ : ٣٤ ٥٣ .

 ( ٣ ) انظر شرح ابن ميثم على النهج ٤ : ٤٤٧ ٤٤٨ .

 ( ٤ ) الصحاح ٦ : ٢٤٤٣ ، مادة : ( غبا ) .

١٨٦

« و رحلت » من رحلت البعير إذا شددت على ظهره الرحل .

قال الأعشى :

رحلت سمية غدوة أجمالها

غضبى عليك فما تقول بدالها

و قال المثقب العبدي :

إذا ما قمت أرحلها بليل

تأوه آهة الرجل الحزين

« ركابي » في ( الصحاح ) : الركاب الإبل التي يسار عليها ، الواحدة راحلة و لا واحد لها من لفظها ١ .

هذا و في ( المعجم ) : كتب إبراهيم بن العباس الصولي من قبل المتوكل إلى أهل حمص رسالة عجب المتوكل من حسنها و هي : أمّا بعد فإنّ الخليفة يرى من حق اللّه عليه بما قوّم به من أود و عدل به من زيغ و لمّ به من منتشر استعمال ثلاث يقدم بعضهن أمام بعض ، اولاهن ما يتقدم به من تنبيه و توقيف ثم ما يستظهر به من تحذير و تخويف ، ثم التي لا يقع حسم الداء بغيرها :

أناة فإن لم تغن عقّب بعدها

وعيدا فإن لم يغن أغنت عزائمه ٢

« و لئن ألجأتموني إلى المسير إليكم لأوقعن بكم وقعة لا يكون يوم الجمل إليها إلاّ كلعقة لاعق » أي : لحس لا حس بالنسبة إلى أكل كامل .

في ( الأغاني ) : عن الشعبي أنّه أتى البصرة أيّام ابن الزبير فجلس في المسجد إلى قوم من تميم فيهم الأحنف بن قيس فتذاكروا أهل البصرة و أهل الكوفة و فاخروا بينهم ، فقال بصري : و هل أهل الكوفة إلاّ خولنا ؟

استنقذناهم من عبيدهم يعني الخوارج قال الشعبي : فهجس في صدري

ــــــــــــ

 ( ١ ) الصحاح ١ : ١٣٨ ، مادة : ( ركب ) .

 ( ٢ ) معجم الأباء لياقوت الحموي ١ : ١٨٦ ترجمة رقم ١٦ ، دار الفكر بيروت .

١٨٧

أن تمثلت قول أعشى همدان :

أ فخرتم أن قتلتم أعبدا

و هزمتم مرة آل عزل

نحن سقناهم إليكم عنوة

و جمعنا أمركم بعد شمل

فإذا فاخرتمونا فاذكروا

ما فعلنا بكم يوم الجمل

بين شيخ خاضب عثنونه

و فتى أبيض وضاح رفل

جاءنا يرفل في سابغة

فذبحناه ضحى ذبح الحمل

و عفونا فنسيتم عفونا

و كفرتم نعمة اللّه الأجل

فضحك الأحنف ، ثمّ قال : يا أهل البصرة قد فخر عليكم الشعبيّ و صدق و انتصف فأحسنوا مجالسته ١ .

« مع أنّي عارف لذي الطاعة منكم فضله و لذي النصيحة حقه » . قد عرفت أنّ في هذه المرّة كانت الأزد ذووا طاعة و رئيسهم صبرة بن سليمان الأزدي ذا نصيحة .

« غير متجاوز متّهما إلى بري‏ء و لا ناكثا إلى وفّي » فإنّ التجاوز عمل الجبابرة ، فكان زياد و ابن زياد و الحجّاج يأخذون البري‏ء بالسقيم و لا يراعون قوله تعالى : و لا تزروا وازرة وزر اخرى . . . ٢ .

و كان الحجاج أمر النّاس باللّحوق بالمهلب فقام اليشكري و قال : بي فتق رآه بشر بن مروان فعذرني . فأمر بقتله .

و مرّ في ( ١١ ) من الفصل التاسع في الملاحم قوله عليه السّلام « كنتم جند المرأة . . . » .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأغاني ٦ : ٥٤ ٥٥ .

 ( ٢ ) فاطر : ١٨ .

١٨٨

الفصل الثاني و الثلاثون في القاسطين و ما يتعلق بصفين

١٨٩

١

الكتاب ( ٨ ) و من كتاب له عليه السّلام إلى جرير بن عبد اللّه البجليّ لمّا أرسله إلى معاوية :

أَمَّا بَعْدُ فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي فَاحْمِلْ ؟ مُعَاوِيَةَ ؟ عَلَى اَلْفَصْلِ وَ خُذْهُ بِالْأَمْرِ اَلْجَزْمِ ثُمَّ خَيِّرْهُ بَيْنَ حَرْبٍ مُجْلِيَةٍ أَوْ سِلْمٍ مُخْزِيَةٍ فَإِنِ اِخْتَارَ اَلْحَرْبَ فَانْبِذْ إِلَيْهِ وَ إِنِ اِخْتَارَ اَلسِّلْمَ فَخُذْ بَيْعَتَهُ وَ اَلسَّلاَمُ أقول : رواه ( صفين نصر ) ١ و ( عقد ابن عبد ربّه ) ٢ ، و في الثاني : « و خيره بين حرب معضلة » في ( العقد ) : « مجلبه » رواه في عنوان اخبار على و معاوية .

قول المصنّف : « و من كتاب له عليه السّلام إلى جرير بن عبد اللّه البجلي » عدوه في الطوال ، ففي ( معارف ابن قتيبة ) يتفل في ذروة البعير من طوله ، و كانت

ــــــــــــ

 ( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٥٥ .

 ( ٢ ) العقد الفريد لابن عبد ربّه ٣ : ٨٠ .

١٩٠

نعله ذراعا ، و قال : اعتزل عليّا عليه السّلام و معاوية و أقام بالجزيرة و نواحيها حتى توفي بالشراة سنة ( ٥٤ ) .

« لمّا ارسله إلى معاوية » عن ( موفقيات ابن بكار ) : لمّا أرسله عليه السّلام أقام عند معاوية أربعة أشهر .

و في ( تاريخ اليعقوبي ) ١ أنّ الأشتر منع عليّا عليه السّلام من إرسال جرير إلى معاوية ، و قال : هواه هواهم و نيّته نيّتهم . فقال عليه السّلام : دعه يتوجه فإن نصح كان ممّن أدّى أمانته ، و إن داهن كان عليه وزر من اؤتمن و لم يؤدّ الأمانة .

و ياويحهم مع من يميلون و يدعونني فو اللّه ما أردتهم إلاّ على إقامة الحقّ ، و لم يردهم غيري إلاّ على باطل .

هذا ، و في ( الأغاني ) ٢ : قال علي بن زيد : قال لي الحسن البصري : قول الشاعر :

لو لا جرير هلكت بجيله

نعم الفتى و بئست القبيله

أهجاه أم مدحه ؟ قلت : مدحه و هجا قومه . فقال : ما مدح من هجي قومه .

قوله عليه السّلام : « أما بعد ، فإذا اتاك كتابي ، فاحمل معاوية على الفصل و خذه بالأمر الجزم إلى قوله « فخذ بيعته » روى هذا الكتاب نصر بن مزاحم في ( صفينه ) ٣ ،

فقال : و في حديث محمد و صالح بن صدقة قالا : و كتب عليّ عليه السّلام إلى جرير بعد ذلك : أما بعد ، فإذا أتاك كتابي هذا ، فاحمل معاوية على الفصل ، و خذه بالأمر الجزم ، ثم خيّره بين حرب مجلية أو سلم محظية . فلمّا انتهى الكتاب إلى جرير ،

أتى معاوية فأقرأه الكتاب ، و قال له : إنّه لا يطبع على قلب إلاّ بذنب ، و لا ينشرح

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٨٤ .

 ( ٢ ) الأغاني ٢١ : ٣٠٥ .

 ( ٣ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٥٥ .

١٩١

إلاّ بتوبة ، و لا أظنّ قلبك إلاّ مطبوعا ، أراك قد وقفت بين الحق و الباطل كأنك تنتظر شيئا في يدي غيرك . فقال معاوية : ألقاك بالفيصل أول مجلس . فلما بايعه أهل الشام ، قال : الحق بصاحبك . و كتب إليه بالحرب .

و قال نصر ١ أيضا : قال الشعبي إنّ عليّا عليه السّلام حين قدم من البصرة ، نزع جريرا عن همدان ، فأراد عليّ عليه السّلام أن يبعث إلى معاوية رسولا ، فقال له جرير :

ابعثني ، فإن معاوية لم يزل لي مستنصحا و وادا إلى أن قال قال عليه السّلام له : إيت معاوية بكتابي فإن دخل في ما دخل فيه المسلمون ، و إلاّ فانبذ إليه ، و اعلم أنّي لا أرضى به أميرا و أنّ العامة لا ترضى به خليفة . فانطلق حتى أتى الشام ،

و قال : يا معاوية إنّه قد اجتمع لابن عمّك أهل الحرمين ، و أهل المصرين ، و أهل الحجاز ، و أهل اليمن ، و أهل مصر ، و أهل العروض ، و عمان ، و أهل البحرين،

و اليمامة ، و لم يبق إلاّ هذه الحصون التي أنت فيها لو سال عليها سيل من أوديته غرقها إلى أن قال خطب معاوية و قال : أيها الناس قد علمتم أنّي خليفة عمر ، و أنّي خليفة عثمان ، و أنّي وليه و قد قتل مظلوما و اللّه يقول : و من قتل مظلوما فقد جعلنا لوليّه سلطانا فلا يسرف في القتل إنّه كان منصورا ٢ و أنا أحب أن تعلموني ذات أنفسكم في قتل عثمان . فقاموا بأجمعهم ، و أجابوا إلى الطلب بدمه ، و بايعوه على ذلك.

و في ( خلفاء ابن قتيبة ) ٣ : ذكروا أنّ معاوية قال لجرير : رأيت رأيا ، أكتب إلى علي أن يجعل لي الشام و مصر ، فإن حضرته الوفاة لم يجعل لأحد من بعده في عنقي بيعة ، و أسلّم إليه هذا الأمر ، و أكتب إليه بالخلافة . قال جرير :

ــــــــــــ

 ( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٢٧ .

 ( ٢ ) الاسراء : ٣٣ .

 ( ٣ ) الخلفاء لابن قتيبة ١ : ٩٥ .

١٩٢

اكتب ما شئت . فكتب معاوية إليه عليه السّلام يسأله ذلك . و ذكروا أنّ عليّا عليه السّلام كتب إلى جرير . أما بعد ، فإن معاوية إنّما أراد بما طلب ألا يكون لي في عنقه بيعة ،

و أن يختار من أمره ما أحب ، و قد كان المغيرة أشار عليّ و أنا بالمدينة أن أستعمله على الشام . فأبيت ذلك عليه ، و لم يكن اللّه ليراني أن أتخذ المضلّين عضدا ، فإن بايعك الرجل ، و إلاّ فأقبل .

ثمّ يظهر ممّا نقلنا من مستند الكتاب من خبر محمد و صالح أنّ كلمة ( هذا ) سقطت من المصنّف في قوله : « كتابي هذا » ، فالمقام يقتضيه ، و ان كلمة ( مخزية ) في كلامه مصحفة ( محظية ) و كيف تكون السلم مخزية و قد قال تعالى : يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السِلم كافّة . . . ١ ؟ و في ( الصحاح ) : السلم : الصلح ، يفتح و يكسر ، و يذكر و يؤنث . و الحرب تؤنث ، و قال المبرد : قد تذكر ، و أنشد :

و هو إذا الحرب هفا عقابه

مرجم حرب تلتقي حرابه

هذا ، و مر في فصل عثمان قوله عليه السّلام : « إنّ استعدادي لحرب أهل الشام و جرير عندهم إغلاق للشام ، و صرف لأهله عن خير إن أرادوه ، و لكن قد وقت لجرير وقتا لا يقيم بعده إلاّ مخدوعا أو عاصيا ، و الرأي عندي مع الأناة ،

فارودوا و لا أكره لكم الاعداد ، و لقد ضربت أنف هذا الأمر و عينه ، و قلّبت ظهره و بطنه ، فلم أرلي إلاّ القتال أو الكفر » مع شرحه .

٢

الخطبة ( ٤٨ ) و من خطبة له عليه السّلام عند المسير إلى الشام :

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ كُلَّمَا وَقَبَ لَيْلٌ وَ غَسَقَ وَ اَلْحَمْدُ لِلَّهِ كُلَّمَا لاَحَ نَجْمٌ وَ خَفَقَ

ــــــــــــ

 ( ١ ) البقرة : ٢٠٨ .

١٩٣

وَ اَلْحَمْدُ لِلَّهِ غَيْرَ مَفْقُودِ اَلْإِنْعَامِ وَ لاَ مُكَافَإِ اَلْإِفْضَالِ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَعَثْتُ مُقَدِّمَتِي وَ أَمَرْتُهُمْ بِلُزُومِ هَذَا اَلْمِلْطَاطِ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرِي وَ قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَقْطَعَ هَذِهِ اَلنُّطْفَةَ إِلَى شِرْذِمَةٍ مِنْكُمْ مُوَطِّنِينَ أَكْنَافَ دِجْلَةَ فَأُنْهِضَهُمْ مَعَكُمْ إِلَى عَدُوِّكُمْ وَ أَجْعَلَهُمْ مِنْ أَمْدَادِ اَلْقُوَّةِ لَكُمْ قال ١ الشريف : أقول : يعني عليه السّلام بالملطاط السمت الذي أمرهم بنزوله ،

و هو شاطى‏ء الفرات ، و يقال : ذلك الشاطى‏ء البحر ، و أصله ما استوى من الأرض .

و يعني بالنطفة ماء الفرات ، و هو من غريب العبارات و أعجبها . قول المصنّف : « و من خطبة له عليه السّلام عند المسير الى الشام » هكذا في ( المصرية ) ٢ ، و يصدقه ابن ميثم ٣ ، و لكن ابن أبي الحديد ٤ بدل « خطبة » بقوله : « كلام » و ليس بصواب ، حيث إنّه قال بعد : و هذه الخطبة خطب عليه السّلام بها و هو بالنخيلة ، خارجا من الكوفة متوجها الى صفّين ، لخمس بقين من شوال ،

ذكرها جمع من أهل السير ، و زادوا في الخطبة : « و قد أمّرت على المصر عقبة بن عمرو ، و لم آلكم و لا نفسي ، فإيّاكم و التخلّف و التربّص ، فإني قد خلفت مالك بن حبيب اليربوعي ، و أمرته : ألا يترك متخلفا إلاّ لحقه بكم عاجلا .

و روى نصر بن مزاحم ٥ عوض قوله : « إلى عدوّكم » . « إلى عدوّ اللّه » .

قال نصر : فقام إليه معقل بن قيس الرياحي ، فقال له عليه السّلام : ما يتخلّف عنك إلاّ ظنين ، و لا يتربص بك إلاّ منافق ، فمر مالك بن حبيب يضرب أعناق المتخلفين .

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٠١ .

 ( ٢ ) الطبعة المصرية : ٩٣ الخطبة ٤٨ .

 ( ٣ ) شرح ابن ميثم ٢ : ١٢٥ .

 ( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٠١ .

 ( ٥ ) صفين لنصر بن مزاحم : ١٣٢ .

١٩٤

فقال عليه السّلام : قد أمرته بأمري و ليس بمقصر إن شاء اللّه .

قلت : المستفاد من ( صفين ١ نصر بن مزاحم ) أنّه عليه السّلام انما خطب وقت خروجه من النخيلة من العنوان بقوله : « الحمد للّه غير مفقود الانعام . . . » و أما قوله عليه السّلام في صدرها : « الحمد للّه كلّما وقب ليل و غسق ، و الحمد للّه كلّما لاح نجم و خفق » ، فكان بعد شخوصه عليه السّلام من النخيلة و نزوله على شاطى‏ء البرس،

بين حمام أبي بردة و حمام عمر بعد صلاته عليه السّلام المغرب بالناس . قال نصر:

فلما انصرف من الصلاة قال : « الحمد للّه الذي يولج الليل في النهار . و يولج النهار في الليل الحمد للّه كلّما وقب ليل و غسق ، و الحمد للّه كلّما لاح نجم و خفق » ثم أقام حتّى صلّى الغداة .

و قول ابن أبي الحديد ٢ : « لخمس بقين » مصحف : « لخمس مضين » .

فكذا في ( صفين نصر ) ٣ .

و كيف كان ، فقال نصر : لما أراد عليّ عليه السّلام الشخوص قام مالك بن حبيب و هو على شرطه فقال : أتخرج يا أمير المؤمنين بالمسلمين فتصيبوا أجر الجهاد و القتال و تخلفني في حشر الرجال ؟ فقال عليه السّلام له : إنّهم لن يصيبوا من الأجر شيئا إلاّ كنت شريكهم فيه ، و أنت هاهنا أعظم عناء منك عنهم لو كنت معهم . فقال : سمعا و طاعة.

قوله عليه السّلام : « الحمد للّه كلّما وقب ليل » أي : دخل .

« و غسق » أي : أظلم .

« و الحمد للّه كلّما لاح نجم » أي : طلع .

ــــــــــــ

 ( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ١٣١ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٠١ .

 ( ٣ ) صفين لنصر بن مزاحم : ١٣١ .

١٩٥

« و خفق » أي : غرب ، يقال : وردت خفوق النجم . أي : وقت غروب الثريا .

قال ابن السكيت : الخافقان افقا المشرق و المغرب ، لأن الليل و النهار يخفقان فيهما .

« و الحمد للّه غير مفقود الإنعام » على كلّ أحد عامّا و خاصّا .

« و لا مكافأ الإفضال » و كيف يكافأ أي : يجازى إفضاله ، و القيام في عبادته بحوله و قوته و توفيقه و الإنفاق في سبيله من ماله ؟

« أمّا بعد فقد بعثت مقدّمتي » بعثهم عليه السّلام من النخيلة ، و هم زياد بن النضر في ستة آلاف ، و شريح بن هاني في ستة آلاف ، و قال لهما كما في ( الطوال للدينوري ) ١ : اعلما أن مقدّمة القوم عيونهم ، و عيون المقدّمة طلائعهم ،

فإياكما أن تسأما عن توجيه الطلائع ، و لا تسيرا بالكتائب و القبائل من لدن مسيركما الى نزولكما إلاّ بتعبية و حذر .

« و أمرتهم بلزوم هذا الملطاط » أي : شاطى‏ء الفرات .

« حتى يأتيهم أمري » في ( الطبري ) ٢ : قد كان زياد بن النضر و شريح بن هاني و كان علي عليه السّلام سرحهما مقدّمة له أخذا على شاطى‏ء الفرات من قبل البر مما يلي الكوفة حتى بلغا عانات ، فبلغهما أخذ علي عليه السّلام طريق الجزيرة ،

و على أنّ معاوية قد أقبل في جنود الشام من دمشق لاستقباله ، فقالا : و اللّه ما هذا برأي أن نسير و بيننا و بين أمير المؤمنين عليه السّلام هذا البحر ، و مالنا خير في أن نلقى جموع الشام في قلّة من العدد ، منقطعين عن المدد . فذهبوا ليعبروا من عانات ، فمنعهم أهلها و حبسوا عنهم السفن ، فأقبلوا راجعين حتى عبروا من هيت ، و لحقوا عليّا عليه السّلام بقرية دون قرقيا ، فلمّا لحقوا عليّا عليه السّلام عجب و قال :

ــــــــــــ

 ( ١ ) الطوال للدينوري : ١٦٦ .

 ( ٢ ) تاريخ الطبري ٤ : ٥٦٦ .

١٩٦

مقدّمتي تأتي من ورائي فقال له زياد و شريح ما جرى ؟ فقال : قد أصبتما رشدكما . فلما عبروا الفرات قدّمهما أمامه نحو معاوية ، فلقيهما أبو الأعور السلمي في جنود من الشام و هو على مقدّمة معاوية ، فدعواه إليه عليه السّلام ، فأبى فكتبا إليه بذلك .

« و قد أردت » هكذا في ( المصرية ) ١ و الصواب : ( و قد رأيت ) كما في ( ابن أبي الحديد ٢ و ابن ميثم ٣ و الخطية ) .

« ان اقطع هذه النطفة » و الأصل فيها : الماء الصافي ، قلّ أو كثر ، و المراد :

ماء الفرات .

« الى شرذمة » أي : طائفة .

« منكم موطنين أكناف » أي : جوانب .

« دجلة فأنهضهم » أي : أشخصهم و أقيمهم .

« معكم الى عدوكم و أجعلهم من إمداد » بالكسر ، من : أمددت الجيش بمدد،

و أمّا الأمداد بالفتح ، فجمع المدّ بالضم : ربع الصاع . و قال ابن أبي الحديد :

و الإمداد جمع مدد . و هو كما ترى .

« القوه لكم » ثم الظاهر أنّ المراد ( بشرذمة منهم موطنين أكناف دجلة ) :

أهل المدائن ، فروى نصر بن مزاحم ٤ : أنّه عليه السّلام لما انتهى إليها ، أمر الحارث الأعور فصاح في أهل المدائن : من كان من المقاتلة فليواف أمير المؤمنين صلاة العصر . فوافوه في تلك الساعة ، فقال عليه السّلام لهم : إني قد تعجبت من تخلفكم عن دعوتكم ، و انقطاعكم عن أهل مصركم ، في هذه المساكن الظالم

ــــــــــــ

 ( ١ ) الطبعة المصرية : ٩٣ الخطبة ٤٨ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٠٠ .

 ( ٣ ) شرح ابن ميثم ٢ : ١٢٥ ، و فيه أيضا : « و قد أردت » .

 ( ٤ ) صفين لنصر بن مزاحم : ١٤٣ .

١٩٧

أهلها . لا معروف تأمرون به و لا منكر تنهون عنه . فقالوا : كنّا ننتظر أمرك ،

مرنا بما أحببت . فسار و خلّف عليهم عدي بن حاتم ، فأقام عليهم ثلاثا ثم خرج إليه عليه السّلام في ثمانمائة رجل منهم ، و خلّف عدي ابنه زيدا فلحقه عليه السّلام في أربعمائة رجل منهم .

قول المصنّف : « قال الشريف » هكذا في ( المصرية ) ١ و لكن في ( ابن أبي الحديد ) : ( قال الرضي ) و في ( ابن ميثم ) ٢ : ( قال السيد ) و هذا دليل على أنّ أحدا منها ليس كلام المصنّف .

« أقول » هكذا في ( المصرية ) و هو زائد فليس في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ٣ و الخطية ) .

« يعني عليه السّلام بالملطاط » هكذا في ( المصرية ) و فيها سقط ، و الاصل :

« يعني عليه السّلام بالملطاط هاهنا » كما في ابن ( أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) و انما قال : هاهنا لأنّه يأتي في بعض المواضع بمعنى جلدة الرأس . قال الراجز :

« ننتزع العينين بالملطاط »

« السمت الذي أمرهم بنزوله » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( بلزومه ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ٤ و الخطية ) .

« و هو شاطى‏ء » أي : جانب .

« الفرات » و هو أحد نهري العراق .

« و يقال ذلك » أي : الملطاط .

« لشاطى‏ء البحر » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( أيضا لشاطى‏ء البحر )

ــــــــــــ

 ( ١ ) الطبعة المصرية : ٩٤ .

 ( ٢ ) شرح ابن ميثم ٢ : ١٢٥ و ليس فيه : « هاهنا » .

 ( ٣ ) شرح ابن ميثم ٢ : ١٢٥ و فيه : « قال الشريف : أقول » .

 ( ٤ ) شرح ابن ميثم ٢ : ١٢٥ .

١٩٨

كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ١ و الخطية ) ، و المراد : أن الملطاط لا يختص بشاطى‏ء النهر ، بل يقال لشاطى‏ء البحر أيضا .

و قول ابن أبي الحديد ٢ : « لا معنى لقوله ، لأنّه لا فرق بين شاطى‏ء الفرات و شاطى‏ء البحر » بلا معنى ففرق النهر و البحر واضح ، و من الغريب أنّه عبر أولا بما في ( الصحاح ) غير ناسب إليه : الملطاط حافة الوادي و شفيره و ساحل البحر ، قال رؤبة :

نحن جمعنا الناس بالملطاط .

قال الأصمعي : يعني به ساحل البحر . و قال ابن مسعود : هذا الملطاط طريقة بقية المؤمنين هرابا من الدجال يعني به شاطى‏ء الفرات .

ثمّ اعترض على المصنّف بما مرّ ، مع أنّه عين كلام المصنّف باختلاف لفظ ، فمحصل كلام ( الصحاح ) أن الملطاط يأتي بمعنى حافة الوادي ، أي :

شاطى‏ء النهر ، و شاهده حديث ابن مسعود ، و بمعنى شاطى‏ء البحر ، و شاهده بيت رؤبة ، فاذا لم يتدبر في كلام ( الصحاح ) الذي جعله من إنشائه لا غرو ألاّ يتدبر في كلام المصنّف .

كما ان قول ابن أبي الحديد ٣ : « و كان الواجب على المصنّف أن يقول :

الملطاط السمت في الأرض ، و يقال أيضا لشاطى‏ء البحر » غلط فلم يقل أحد : إنّ الملطاط مطلق السمت .

« و أصله ما استوى من الأرض » بمعنى أنّه يجمع الشاطئين ، و في ( الجمهرة ) : « الملطاط : الغائط من الأرض المطمئن » .

« و يعني عليه السّلام بالنطفة ماء الفرات و هو من غريب العبارات و أعجبها »

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن ميثم ٢ : ١٢٥ و ليس فيه كلمة : « أيضا » .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٠١ .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٠١ .

١٩٩

هكذا في ( المصرية ) ١ ، و الصواب : ( و عجيبها ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ٢ و الخطية ) .

٣

الكتاب ( ١٠ ) و من كلام له عليه السّلام إليه أيضا :

وَ كَيْفَ أَنْتَ صَانِعٌ إِذَا تَكَشَّفَتْ عَنْكَ جَلاَبِيبُ مَا أَنْتَ فِيهِ مِنْ دُنْيَا قَدْ تَبَهَّجَتْ بِزِينَتِهَا وَ خَدَعَتْ بِلَذَّتِهَا دَعَتْكَ فَأَجَبْتَهَا وَ قَادَتْكَ فَاتَّبَعْتَهَا وَ أَمَرَتْكَ فَأَطَعْتَهَا وَ إِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَقِفَكَ وَاقِفٌ عَلَى مَا لاَ يُنْجِيكَ مِنْهُ مِجَنٌّ فَاقْعَسْ عَنْ هَذَا اَلْأَمْرِ وَ خُذْ أُهْبَةَ اَلْحِسَابِ وَ شَمِّرْ لِمَا قَدْ نَزَلَ بِكَ وَ لاَ تُمَكِّنِ اَلْغُوَاةَ مِنْ سَمْعِكَ وَ إِلاَّ تَفْعَلْ أُعْلِمْكَ مَا أَغْفَلْتَ مِنْ نَفْسِكَ فَإِنَّكَ مُتْرَفٌ قَدْ أَخَذَ اَلشَّيْطَانُ مِنْكَ مَأْخَذَهُ وَ بَلَغَ فِيكَ أَمَلَهُ وَ جَرَى مِنْكَ مَجْرَى اَلرُّوحِ وَ اَلدَّمِ وَ مَتَى كُنْتُمْ يَا ؟ مُعَاوِيَةُ ؟ سَاسَةَ اَلرَّعِيَّةِ وَ وُلاَةَ أَمْرِ اَلْأُمَّةِ بِغَيْرِ قَدَمٍ سَابِقٍ وَ لاَ شَرَفٍ بَاسِقٍ وَ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ لُزُومِ سَوَابِقِ اَلشَّقَاءِ وَ أُحَذِّرُكَ أَنْ تَكُونَ مُتَمَادِياً فِي غِرَّةِ اَلْأُمْنِيِّةِ مُخْتَلِفَ اَلْعَلاَنِيَةِ وَ اَلسَّرِيرَةِ وَ قَدْ دَعَوْتَ إِلَى اَلْحَرْبِ فَدَعِ اَلنَّاسَ جَانِباً وَ اُخْرُجْ إِلَيَّ وَ أَعْفِ اَلْفَرِيقَيْنِ مِنَ اَلْقِتَالِ لِيُعْلَمَ أَيُّنَا اَلْمَرِينُ عَلَى قَلْبِهِ وَ اَلْمُغَطَّى عَلَى بَصَرِهِ فَأَنَا ؟ أَبُو حَسَنٍ ؟ قَاتِلُ جَدِّكَ وَ أَخِيكَ وَ خَالِكَ شَدْخاً ؟ يَوْمَ بَدْرٍ ؟ وَ ذَلِكَ اَلسَّيْفُ مَعِي وَ بِذَلِكَ اَلْقَلْبِ أَلْقَى عَدُوِّي مَا اِسْتَبْدَلْتُ دِيناً وَ لاَ اِسْتَحْدَثْتُ نَبِيّاً وَ إِنِّي لَعَلَى اَلْمِنْهَاجِ اَلَّذِي تَرَكْتُمُوهُ طَائِعِينَ وَ دَخَلْتُمْ فِيهِ مُكْرَهِينَ

ــــــــــــ

 ( ١ ) الطبعة المصرية : ٩٤ .

 ( ٢ ) شرح ابن ميثم ٢ : ١٢٥ .

٢٠٠