بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٠

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة3%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 617

  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 79790 / تحميل: 3778
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٠

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

أقول : رواه نصر بن مزاحم ١ إلى قوله : « و قد دعوت إلى الحرب . . . » مع اختلاف و زيادة و نقصان ، فقال في سياق كتبه عليه السّلام الى معاوية من الكوفة :

و كتب علي عليه السّلام الى معاوية : « أمّا بعد ، فإنك قد رأيت مرور الدنيا و انقضاءها و تصرّمها بأهلها ، و خير ما اكتسب من الدنيا ما أصابه العباد الصالحون منها من التقوى ، و من يقس الدنيا بالآخرة يجد بينهما بونا بعيدا ، و اعلم يا معاوية أنّك قد ادّعيت أمرا لست من أهله لا في القدم و لا في الحدث ، و لست تقول فيه بأمر بيّن تعرف لك به أثر ، و لا لك عليه شاهد من كتاب اللّه ، و لا عهد تدّعيه ،

فكيف أنت صانع إذا انقشعت عنك جلابيب ما أنت فيه من دنيا قد فتنت بزينتها ، و ركنت الى لذتها و خلي بينك و بين عدوك فيها ، و هو عدوّ كلب مضلّ جاهد ملح مع ما قد ثبت في نفسك من جهتها ؟ دعتك فأجبتها ، و قادتك فاتبعتها ، و أمرتك فأطعتها ، فاقعس عند هذا الأمر ، و خذ أهبة الحساب ، فإنّه يوشك أن يقفك واقف على ما لا ينجيك منه مجن . و متى كنتم يا معاوية ساسة الرعية أو ولاة أمر هذه الامة ، بلا قدم حسن ، و لا شرف سابق على قومكم ؟

فاستيقظ من سنتك و ارجع الى خالقك ، و شمّر لما سينزل بك ، و لا تمكّن عدوّك الشيطان من بغية فيك . مع أنّي أعرف أنّ اللّه و رسوله صادقان ، نعوذ باللّه من لزوم سابق الشقاء ، و إلا تفعل فإني أعلمك ما أغفلت من نفسك : إنّك مترف قد أخذ منك الشيطان مأخذه فجرى منك مجرى الدم في العروق ، و لست من أئمة هذه الامة و لا من رعاتها . و اعلم أنّ هذا الأمر لو كان الى الناس أو بأيديهم ،

لحسدونا و امتنوا به علينا ، و لكنه قضاء ممّن منحناه و اختصنا به على لسان نبيّه الصادق المصدّق . لا أفلح من شك بعد العرفان و البيّنة . ربّنا احكم بيننا و بين عدوّنا بالحقّ و أنت خير الحاكمين .

ــــــــــــ

 ( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ١٠٨ .

٢٠١

و امّا قوله عليه السّلام : « فدع الناس جانبا الى قوله و بذلك القلب القى عدوي » فرواه المدائني مستقلاّ . و كيف يكون جزء ذاك الصدر ، و ذاك عرفت كتبه عليه السّلام من الكوفة ، و هذا قاله له في صفين كما سترى ؟

و كيف كان ، فنقل العنوان عن ( تاريخ دمشق ابن عساكر ) ١ في ترجمة معاوية عن الكلبي و لم يحقق الناقل مقداره .

قول المصنّف : « و من كتاب له عليه السّلام إليه أيضا » و الصواب : ( إلى معاوية أيضا ) كما في ( ابن ميثم ) ٢ ، و كذا في ( ابن أبي الحديد ) ٣ .

قوله عليه السّلام « و كيف أنت صانع إذا تكشفت عنك جلابيب » أي : ملاحف .

« ما أنت فيه من دنيا قد تبهجت بزينتها و خدعت بلذتها » و حيل بينهم و بين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنّهم كانوا في شكّ مريب ٤ .

« دعتك فأجبتها و قادتك فاتبعتها و أمرتك فأطعتها » يوم يتذكّر الانسان ما سعى . و برّزت الجحيم لمن يرى . فأمّا من طغى . و آثر الحياة الدنيا . فإنّ الجحيم هي المأوى ٥.

« و انّه يوشك » أي : يقرب .

« أن يقفك واقف على ما لا ينجيك منه مجن » هكذا في ( المصرية ) ٦ ، و في ( ابن أبي الحديد ) ٧ : « منج » . و قال : و في رواية « مجن » . و الاولى أصح . و مثله

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ دمشق لابن عساكر ٢٥ : ٣٢ .

 ( ٢ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٣٧٠ .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ٧٩ .

 ( ٤ ) سبأ : ٥٤ .

 ( ٥ ) النازعات : ٣٥ ٣٩ .

 ( ٦ ) الطبعة المصرية ١٠ : ١٢ .

 ( ٧ ) شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ٧٩ .

٢٠٢

( ابن ميثم ) ١ إلاّ أنّه جعل « منج » رواية .

و كيف كان ، فالمجن هو الجنّة ، قال تعالى فليس له اليوم هاهنا حميم ٢ .

« فاقعس » أي : تأخر .

« عن هذا الأمر و خذ اهبة الحساب » أي : استعداده و تهيئته ، قال تعالى :

اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ٣ .

« و شمّر » أي : جدّ و خفّ ، كمن شمّر عن ساقه ، قال : قد شمرت عن ساق شمري.

« لما قد نزل بك » من أمر الآخرة .

« و لا تمكّن الغواة من سمعك » فكان كذلك ، فأشار عليه المغيرة باستلحاق زياد و باستخلاف يزيد ، ففعل .

« و الا تفعل أعلمك ما أغفلت من نفسك فإنّك مترف » و قد وصف تعالى المترفين في قوله : و أصحاب الشمال ما أصحاب الشمال . في سموم و حميم . و ظلّ من يحموم . لا بارد و لا كريم . إنّهم كانوا قبل ذلك مترفين .

و كانوا يصرون على الحنث العظيم ٤ و اذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحقّ عليها القول فدمرّناها تدميرا ٥ .

« قد أخذ الشيطان منك مأخذه و بلغ فيك أمله » . . . إنّا جعلنا الشياطين

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٣٧٠ .

 ( ٢ ) الحاقة : ٣٥ .

 ( ٣ ) الاسراء : ١٤ .

 ( ٤ ) الواقعة : ٤١ ٤٦ .

 ( ٥ ) الاسراء : ١٦ .

٢٠٣

أولياء للذين لا يؤمنون ١ .

« و جرى منك مجرى الروح و الدّم » و كان عمر يمدحه بترفه و شيطانيته ،

ففي ( الاستيعاب ) ٢ : ذمّ معاوية عند عمر يوما فقال : دعونا من ذمّ فتى قريش،

من يضحك في الغضب ، و لا ينال ما عنده إلاّ على الرضا ، و لا يأخذ ما فوق رأسه إلاّ من تحت قدميه .

« و متى كنتم يا معاوية ساسة الرعية و ولاة أمر الامة بغير قدم سابق » في ( مروج المسعودي ) : حبس معاوية صعصعة بن صوحان العبدي و ابن الكواء اليشكري و رجالا من أصحاب علي عليه السّلام مع رجال من قريش ، فقال : نشدتكم باللّه إلا ما قلتم حقّا و صدقا ، أيّ الخلفاء رأيتموني ؟ فقال ابن الكواء : لو لا أنّك عزمت علينا ما قلنا ، لأنّك جبّار عنيد ، لا تراقب اللّه في قتل الأخيار ، و لكنّا نقول :

إنّك ما علمنا : واسع الدنيا ، ضيّق الآخرة ، قريب الثرى ، بعيد المرعى ، تجعل الظلمات نورا و النور ظلمات الى أن قال ثم تكلّم صعصعة فقال : تكلمت يا بن أبي سفيان فأبلغت ، و لم تقصر عمّا أردت ، و ليس الأمر على ما ذكرت . أنّى يكون الخليفة من ملك الناس قهرا ، و دانهم كبرا و استولى بأسباب الباطل كذبا و مكرا ؟ أما و اللّه مالك في يوم بدر مضرب و لا مرمى ، و ما كنت فيه إلاّ كما قال القائل : لا حلى و لا سيرى . و لقد كنت أنت و أبوك في العير و النفير ممن أجلب على النبي صلّى اللّه عليه و آله . و انما أنت طليق ابن طليق ، أطلقكم النبي ، فأنّى تصلح الخلافة لطليق ٣ ؟

و فيه أيضا : قال معاوية لصعصعة : أنت ذو معرفة بالعرب الى أن

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأعراف : ٢٧ .

 ( ٢ ) الاستيعاب ٣ : ٣٩٧ .

 ( ٣ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٥٠ .

٢٠٤

قال و اخبرني عن أهل الحجاز . قال : أسرع الناس فتنة ، و أضعفهم عنها ،

و أقلّهم غناء فيها ، غير أنّ لهم ثباتا في الدين ، و تمسّكا بعروة اليقين ، يتّبعون الأئمة الأبرار و يخلعون الفسقة الفجّار . فقال معاوية : من البررة و الفسقة ؟

فقال : يابن أبي سفيان ترك الخداع من كشف القناع . عليّ و أصحابه من الأئمة الأبرار ، و أنت و أصحابك من اولئك الفسقة الفجّار » ١ .

« و لا شرف باسق » أي : طويل . و منه قوله تعالى : و النخل باسقات . . . ٢ .

و قال الشاعر :

و اذا ما الناس عدّوا شرفا

كنتم من ذاك في مال رخي

و في ( صفين نصر ) ٣ : جمع معاوية كلّ قرشيّ بالشام و قال لهم : ليس لأحد منكم في هذه الحرب فعال يطول به لسانه غدا ، فما بالكم ؟ و أين حمية قريش ؟ فغضب الوليد بن عقبة فقال : و أيّ فعال تريد ؟ و اللّه ما نعرف في أكفائنا من قريش العراق من يغني غنانا باللسان و لا باليد . فقال معاوية : إنّ اولئك وقوا عليّا بأنفسهم . قال الوليد : كلا بل عليّ وقاهم بنفسه . قال معاوية :

ويحكم أما منكم من يقوم لقرنه منهم مبارزة أو مفاخرة ؟ فقال مروان : أما البراز فان عليّا لا يأذن لحسن و لا لحسين و لا لمحمد بنيه ، و لا لابن عباس و اخوته و يصلى هو بالحرب دونهم فلأيهم نبارز ؟ و أما المفاخرة فبماذا نفاخرهم ؟ أبا لاسلام ؟ أم بالجاهلية ؟ فإن كان بالاسلام فالفخر لهم بالنبوّة ،

و إن كان بالجاهلية فالملك فيه لليمن ، فإن قلنا : قريش قالت العرب . فأقرّوا لبني عبد المطلب .

ــــــــــــ

 ( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٥١ .

 ( ٢ ) ق : ١٠ .

 ( ٣ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٤٦٢ .

٢٠٥

« و نعوذ باللّه من لزوم سوابق الشقاء » أ لم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون . قالوا ربّنا غلبت علينا شقوتنا و كنّا قوما ضالّين . ربّنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنّا ظالمون . قال اخسؤا فيها و لا تكلمون ١ .

و في ( صفين نصر ) ٢ مسندا عن ابن عمر قال : أرسل النبي صلّى اللّه عليه و آله الى معاوية يدعوه ، فجاء الرسول فقال : هو يأكل . فأعاد عليه الثانية و الثالثة و يقول الرسول : هو يأكل . فقال : لا أشبع اللّه بطنه . و نظر النبي صلّى اللّه عليه و آله يوما إلى أبي سفيان و هو راكب و معاوية و أخوه ، أحدهما قائد و الآخر سائق ، فلما نظر إليهم النبي صلّى اللّه عليه و آله قال : اللّهم العن القائد و السائق و الراكب .

« و احذرك أن تكون متماديا » أي : مادا الى المدى و الغاية .

« في غرّة الامنية » أي : الأمل و الهوى أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ٣ .

« مختلف العلانية و السريرة » منافقا .

« و قد دعوت الى الحرب فدع الناس جانبا و اخرج إلي و أعف الفريقين من القتال ليعلم أينا المرين على قلبه » في ( الصحاح ) : قال أبو عبيدة في قوله تعالى : كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ٤ : أي : غلب ، و كلّ ما غلبك فقد ران بك و رانك و ران عليك .

« و المغطى على بصره » في ( صفين نصر ) ٥ : قام علي عليه السّلام بين الصفين ثم نادى يا معاوية يكررها فقال : اسألوه ما شأنه ؟ قال : أحب أن يظهر لي فأكلمه كلمة واحدة ، فبرز و معه عمرو بن العاص ، فلمّا قارباه لم يلتفت الى

ــــــــــــ

 ( ١ ) المؤمنون : ١٠٥ ١٠٨ .

 ( ٢ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٢٢٠ .

 ( ٣ ) الجاثية : ٢٣ .

 ( ٤ ) المطفّفين : ١٤ .

 ( ٥ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٢٧٤ .

٢٠٦

عمرو و قال : ويحك علام يقتل الناس بيني و بينك ، و يضرب بعضهم بعضا ؟

ابرز إليّ فأيّنا قتل صاحبه فالأمر له . فالتفت معاوية الى عمرو فقال : ما ترى ابارزه ؟ فقال عمرو : لقد أنصفك ، و إن نكلت عنه لم تزل سبّة عليك و على عقبك ما بقي عربي . فقال معاوية : ليس مثلي يخدع عن نفسه . و اللّه ما بارز ابن أبي طالب رجلا قط إلاّ سقى الأرض من دمه . ثم انصرف راجعا حتى انتهى الى آخر الصفوف .

و فيه عن الشعبي ١ قال : أرسل علي عليه السّلام الى معاوية : أن ابرز إليّ و أعف الفريقين عن القتال ، فأيّنا قتل صاحبه كان الأمر له . قال عمرو : لقد أنصفك الرجل . فقال معاوية : إنّي لأكره أن ابارز الأهوج الشجاع . لعلّك طمعت فيها يا عمرو ؟ فقال عليّ عليه السّلام : وانفساه أيطاع معاوية و اعصى ؟ ما قاتلت امة أهل بيت نبيّها و مقرة بنيها إلاّ هذه الامة .

و ذكروا أنّ معاوية قال يوما بعد صفين لعمرو بن العاص : أيّنا أدهى ؟

قال : أنا للبديهة و أنت للروية . قال معاوية : قضيت لي على نفسك في الروية،

و أنا أدهى منك في البديهة أيضا ، قال عمرو : فأين كان دهاؤك يوم رفعت المصاحف ؟ قال معاوية : بها غلبتني ، أفلا أسألك عن شي‏ء تصدقني فيه ؟ قال عمرو : و اللّه إنّ الكذب لقبيح فاسأل عمّا بدا لك اصدقك . قال : هل غششتني منذ نصحتني ؟ قال : لا . قال : بلى و اللّه لقد غششتني . أما إني لا أقول في كلّ المواطن ،

و لكن في موطن واحد . قال : و أي موطن ؟ قال : يوم دعاني عليّ للمبارزة فأشرت عليّ بمبارزته ، و أنت تعلم من هو ، قال : إنّما دعاك رجل عظيم الشرف فكنت من مبارزته على إحدى الحسنيين . إمّا أن تقتله فتكون قد قتلت قتّال الأقران ، و تزاد به شرفا إلى شرفك و تخلو بملكك ، و إمّا ان كان قتلك فكنت

ــــــــــــ

 ( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٣٨٧ .

٢٠٧

تجعل الى مرافقة الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا . فقال معاوية : هذه شرّ من الاولى . و اللّه إني أعلم أن لو قتلته دخلت النار ، و لو قتلني دخلت النار .

قال عمرو : فما حملك على قتاله ؟ قال : الملك ، و الملك عقيم ، و لن يسمعها مني أحد بعدك .

و في ( المروج ) ١ : لما قتل العباس بن ربيعة الهاشمي رجلا من شجعان الشام تأسف معاوية عليه و قال : من قتل العباس فله مائة اوقية من التبر ،

و مائة اوقية من اللجين ، و مائة برد . فانتدب له لخميان و دعواه الى البراز ،

فقال علي عليه السّلام : يود معاوية أنّه ما بقى من بني هاشم نافخ ضرمة إلاّ طعن في بطنه إطفاء لنور اللّه و يأبى اللّه إلاّ أن يتم نوره ٢ ، أما و اللّه ليملكنّهم منّا رجال يسومونهم سوء الخسف حتى تعفو الآثار . و أخذ عليه السّلام سلاح العباس و وثب على فرسه ، فلم يمهلهما أن قتلهما ، فقال معاوية : قبح اللّه اللجاج إنّه لعقور ، ما ركبته قط إلاّ خذلت . فقال عمرو : المخذول و اللّه اللخميان . فقال معاوية : اسكت أيها الرجل . فقال عمرو : و إن لم يكن رحم اللّه اللخمين ، و لا أراه يفعل . فقال معاوية : ذلك أضيق لحجتك و أخسر لصفتك . قال : قد علمت ذلك و لو لا مصر لركبت المنجاة ، فإني أعلم أنّ عليّا على الحق و أنا على الباطل .

فقال معاوية : مصر و اللّه أعمتك . و لو لا مصر لألفيتك بعيرا . ثم ضحك معاوية ضحكا ذهب به كلّ مذهب ، قال عمرو : مم تضحك ؟ قال معاوية : أضحك من حضور ذهنك يوم بارزت عليّا و ابدائك سوأتك . أما و اللّه لقد رأيت الموت عيانا ، و لو شاء ابن أبي طالب لقتلك ، و لكنّه أبى إلاّ تكرّما . فقال عمرو : أما و اللّه إنّي لعن يمينك حين دعاك عليّ الى البراز ، فاحولت عيناك و بدا سحرك ، و بدا

ــــــــــــ

 ( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٢٨ .

 ( ٢ ) التوبة : ٣٢ .

٢٠٨

منك ما أكره ذكره ، فأضحك أو دع .

و في ( صفين نصر ) ١ : غلس علي عليه السّلام يوما بصلاة الصبح بالناس ، ثم زحف بهم الى أهل الشام . فقام أبرهة الحميري و كان من رؤساء أصحاب معاوية فقال : يا معشر أهل اليمن ، إنّي لأظن و اللّه أنّ اللّه قد أذن بفنائكم ،

و يحكم خلّوا بين هذين الرجلين فليقتتلا ، فأيّهما قتل صاحبه ملنا معه جميعا .

فبلغ ذلك عليّا عليه السّلام فقال : صدق أبرهة ، و و اللّه ما سمعت بخطبة منذ وردت الشام أنا بها أشدّ سرورا مني بهذه . و بلغ كلام أبرهة معاوية ، فتأخّر آخر الصفوف و قال لمن حوله : إنّي لأظن أبرهة مصابا في عقله . فأقبل أهل الشام يقولون : و اللّه لأبرهة أفضلنا رأيا و دينا ، و لكن كره معاوية مبارزة علي . و برز يومئذ عروة بن داود الدمشقي ، فقال : يا أبا الحسن ، إن كان معاوية يكره مبارزتك فهلمّ إليّ فتقدّم عليه السّلام إليه ، فقال له أصحابه : ذر هذا الكلب فإنّه ليس بخطر . فقال عليه السّلام و اللّه ما معاوية اليوم بأغلظ لي منه ، دعوني و إيّاه . ثم حمل عليه فضربه فقطعه قطعتين ، سقطت احداهما يمنة و الاخرى يسرة ، فارتج العسكران لهول الضربة ، ثم قال عليه السّلام : يا عروة اذهب فأخبر قومك ، أما و الذي بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله بالحق لقد عاينت النار و أصبحت من النادمين .

« فأنا أبو الحسن قاتل جدك و خالك و أخيك شدخا » في ( الصحاح ) الشدخ:

كسر الشي‏ء الأجوف .

و في ( الأساس ) : شدخ الشي‏ء الأجوف أو الرخص . اذا كسره أو غمزه .

و يقال شدخ الرأس و الحنظل . و من المجاز شدخ دماءهم تحت قدمه . أي :

أبطلها .

و منه قيل ليعمر بن الملوّح الذي حكم بين خزاعة و قصي حين اقتتلوا ،

ــــــــــــ

 ( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٤٥٧ .

٢٠٩

فأبطل دماء خزاعة ، و قضى بالبيت لقصي : الشدّاخ ، و له يقول قصي :

اذا خطرت بنو الشدّاخ حولي

و مد البحر من ليث بن بكر

« يوم بدر » أمّا أخوه حنظلة و خاله الوليد بن عقبة فقتلهما عليه السّلام منفردا،

و أمّا جدّه عتبة فقتله عليه السّلام بمشاركة عبيدة بن الحارث على الأصح ، من كون المقابل لعبيدة عتبة ، كما نقله الطبري ١ عن محمد بن إسحاق دون ما رواه الواقدي من استقلال حمزة بقتل عتبة و مشاركته عليه السّلام لعبيدة في قتل شيبة عمّ أمّه ، فكلامه عليه السّلام في هذا الكتاب و في الكتاب ( ٦٤ ) : « و عندي السيف الذي أعضضته بجدّك و خالك و أخيك في مقام واحد » يصدق الرواية الاولى .

و يشهد له أيضا قول هند في رثاء أبيها عتبة :

تداعى له رهطه غدوة

بنو هاشم و بنو المطلب

فبنو هاشم هو عليه السّلام ، و بنو المطلب عبيدة ، و لو كان حمزة قتله منفردا لما كان لبني المطلب فيه شركة .

و كيف كان ، فشيبة أيضا قتل في بدر ، قتله حمزة أو قتله عبيدة بمشاركته عليه السّلام .

و أمّا من قال مشيرا إلى هند :

فإن تفخر بحمزة يوم ولّى

مع الشهداء محتسبا شهيدا

فإنّا قد قتلنا يوم بدر

أبا جهل و عتبة و الوليدا

و شيبة قد تركنا يوم احد

على أثوابه علقا جسيدا

فوهم من قائله ، لعدم اطّلاعه بالتاريخ ، و ضلّ ابن طلحة الشافعي في ( مطالب سؤوله ) : فنسب الأبيات إليه عليه السّلام ، و لم يتفطن البحار ٢ فنقل

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٢ : ٤٤٥ ٤٤٦ .

 ( ٢ ) البحار ٢٠ : ١١٨ ١١٩ .

٢١٠

ما فيه مقررا له .

و كيف كان فقال أسيد بن إياس في فعله عليه السّلام ببدر بهم محرّضا لهم عليه :

في كلّ مجمع غاية أخزاكم

جذع ابر على المذاكي القرح

هذا ابن فاطمة الذي أفناكم

ذبحا و قتلا قعصة لم يذبح

أفناكم قعصا و ضربا يعتري

بالسيف يعمل حدّه لم يصفح

« و ذلك السيف معي » في ( صفين نصر ) ١ : خطب عليّ عليه السّلام في صفّين ،

فقال : و الذي نفسي بيده لنظر إليّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أضرب قدامه بسيفي ، فقال :

لا سيف إلاّ ذو الفقا

ر و لا فتى إلاّ عليّ

« و بذلك القلب القى عدوي » في ( الطبري ) ٢ : لمّا قتل عليّ عليه السّلام أصحاب الألوية في احد أبصر النبي صلّى اللّه عليه و آله جماعة من مشركي قريش ، فقال لعلي عليه السّلام :

احمل عليهم . فحمل عليهم ففرّق جمعهم ، و قتل عمرو بن عبد اللّه الجمحي ، ثم أبصر النبي صلّى اللّه عليه و آله جماعة من مشركي قريش ، فقال لعلي عليه السّلام : احمل عليهم .

فحمل عليهم ففرّق جماعتهم ، و قتل شيبة بن مالك أحد بني عامر بن لؤي ، فقال جبرئيل : يا رسول اللّه ، إنّ هذه للمواساة . فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله : إنّه منّي و أنا منه .

فقال جبرئيل : و أنا منكما . فسمعوا صوتا :

لا سيف إلاّ ذو الفقا

ر و لا فتى إلاّ علي

« ما استبدلت دينا و لا استحدثت نبيا ، و إنّي لعلى المنهاج الذي تركتموه طائعين و دخلتم فيه مكرهين » في ( صفين نصر ) ٣ : قال عمّار : و اللّه ما أسلم

ــــــــــــ

 ( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٣١٣ و ٣١٥ .

 ( ٢ ) تاريخ الطبري ٢ : ٥١٤ .

 ( ٣ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٢١٥ .

٢١١

القوم ، و لكن استسلموا و أسرّوا الكفر ، حتّى وجدوا عليه أعوانا .

و فيه ١ : عن شاميّ قال : لمّا رأيت معاوية يبايع عند باب لد ، ذكرت قول النبي صلّى اللّه عليه و آله : « شرّ خلق اللّه خمسة : إبليس ، و ابن آدم الذي قتل أخاه ، و فرعون ذو الأوتاد ، و رجل من بني إسرائيل ردّهم عن دينهم ، و رجل من هذه الامة يبايع على كفره عند باب لد » فلحقت بعليّ عليه السّلام فكنت معه .

و فيه ٢ : خطب عليّ عليه السّلام في صفين ، و قال : و إنّ من أعجب العجائب : أنّ معاوية و عمرو بن العاص أصبحا يحرّضان الناس على طلب الدين بزعمهما ،

و ايم اللّه ما اختلفت امّة قطّ بعد نبيّها إلاّ ظهر باطلها على أهل حقّها ، إلاّ ما شاء .

فقال عمّار : أمّا أمير المؤمنين عليه السّلام فقد أعلمكم أنّ الامّة لن تستقيم عليه . ثم تفرّق الناس و قد نفذت بصائرهم .

و فيه ٣ قيل لعلي عليه السّلام حين أراد أن يكتب الكتاب بينه و بين معاوية و أهل الشام : أتقرّ أنّهم مؤمنون مسلمون ؟ فقال : ما أقرّ لمعاوية و لا لأصحابه أنّهم مؤمنون و لا مسلمون ، و لكن يكتب ما شاء ، و يسمّي نفسه و أصحابه ما شاء .

و فيه ٤ : جاء رجل الى عليّ عليه السّلام فقال : هؤلاء الذين نقتلهم ، الدعوة واحدة فبم نسمّيهم ؟ قال عليه السّلام : بما سمّاهم اللّه في كتابه . أ ما سمعت اللّه يقول :

تلك الرسل فضّلنا بعضهم على بعض الى و لو شاء اللّه ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات و لكن اختلفوا فمنهم من آمن و منهم من

ــــــــــــ

 ( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٢١٧ .

 ( ٢ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٢٢٣ و ٢٢٤ .

 ( ٣ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٥٠٩ .

 ( ٤ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٣٢٢ .

٢١٢

كفر . . . ١ فلما وقع الاختلاف كنّا نحن أولى باللّه و بالكتاب و بالنبي و بالحق،

فنحن الذين آمنوا ، و هم الذين كفروا و شاء اللّه قتالهم ، فقاتلناهم هدى بمشية اللّه ربنا و إرادته .

٤

الخطبة ( ٥١ ) و من خطبة له عليه السّلام لمّا غلب أصحاب معاوية أصحابه عليه السّلام على شريعة الفرات بصفّين و منعوهم من الماء :

قَدِ اِسْتَطْعَمُوكُمُ اَلْقِتَالَ فَأَقِرُّوا عَلَى مَذَلَّةٍ وَ تَأْخِيرِ مَحَلَّةٍ أَوْ رَوُّوا اَلسُّيُوفَ مِنَ اَلدِّمَاءِ تَرْوَوْا مِنَ اَلْمَاءِ فَالْمَوْتُ فِي حَيَاتِكُمْ مَقْهُورِينَ وَ اَلْحَيَاةُ فِي مَوْتِكُمْ قَاهِرِينَ أَلاَ وَ إِنَّ ؟ مُعَاوِيَةَ ؟ قَادَ لُمَةً مِنَ اَلْغُوَاةِ وَ عَمَّسَ عَلَيْهِمُ اَلْخَبَرَ حَتَّى جَعَلُوا نُحُورَهُمْ أَغْرَاضَ اَلْمَنِيَّةِ أقول : الأصل في العنوان ما رواه نصر بن مزاحم و قد نقله ابن أبي الحديد ٢ أيضا عن عمرو بن شمر عن جابر قال : خطب علي عليه السّلام فقال : « أمّا بعد ، فانّ القوم قد بدؤكم بالظلم ، و فاتحوكم البغي ، و ابتدؤوكم بالعدوان و استطعموكم القتال حيث منعوكم الماء ، فأقروا على مذلة و تأخير محلة . . . » .

قول المصنّف : « و من خطبة له عليه السّلام » هكذا في ( المصرية ) ٣ ، و الصواب :

( و من كلام له عليه السّلام ) كما ( في ابن أبي الحديد و ابن ميثم ٤ و الخطية ) ، و إن عرفت من نصر انّ الكلام كان خطبة .

« لمّا غلب أصحاب معاوية أصحابه عليه السّلام على شريعة الفرات » قال

ــــــــــــ

 ( ١ ) البقرة : ٢٥٣ .

 ( ٢ ) شرح النهج لابن أبي الحديد ٣ : ٢٤٤ .

 ( ٣ ) الطبعة المصرية : ٩٦ الخطبة ٥١ .

 ( ٤ ) شرح ابن ميثم ٢ : ١٣٥ .

٢١٣

الدينوري في ( طواله ) ١ : أقبل معاوية بالخيل نحو صفين ، و على مقدّمته سفيان بن عمرو أبو الأعود السلمي ، و على ساقته بسر بن أبي أرطأة العامري و صفين قرية خراب من بناء الروم منها الى الفرات غلوة ، و على شط الفرات ممّا يليها غيضة متلفة ، فيها نزوز ، طولها نحو من فرسخين ، و ليس في ذينك الفرسخين طريق الى الفرات ، إلاّ طريق واحد مفروش بالحجارة ، و سائر ذلك خلاف و غرب ملتف لا يسلك ، و جميع الغيضة نزوز و وحل ، إلاّ ذلك الطريق الذي يأخذ من القرية الى الفرات فأقبلا حتى سبقا الى موضع القرية ، فنزلا هناك من ذلك الطريق ، و وافاهما معاوية بجميع الفيلق حتى نزل معهما ، و أمر معاوية أبا الأعور أن يقف في عشرة آلاف من أهل الشام على طريق الشريعة ،

فيمنع من أراد السلوك الى الماء من أهل العراق ، و أقبل علي عليه السّلام حتى وافى المكان ، فصادف أهل الشام احتووا على القرية و الطريق ، فأمر الناس فنزلوا بالقرب من عسكر معاوية ، و انطلق السقاؤون و الغلمان الى طريق الماء ، فحال أبو الأعور بينهم و بينه ، فاخبر علي عليه السّلام بذلك ، فقال لصعصعة : إيت معاوية فقل له : إنّا سرنا اليكم لنعذر قبل القتال ، فإن قبلتم كانت العافية أحبّ الينا ،

و أراك قد حلت بيننا و بين الماء ، فإن كان أعجب اليك أن ندع ما جئنا له ، و نذر الناس يقتتلون على الماء حتى يكون الغالب هو الشارب فعلنا . فأتاه فقال له ما قاله عليه السّلام ، فقال الوليد بن عقبة لمعاوية : امنعهم الماء كما منعوه عثمان . اقتلهم عطشا ، قتلهم اللّه . فقال معاوية لعمرو بن العاص : ما ترى ؟ قال : أرى أن تخلي عن الماء ، فإنّ القوم لن يعطشوا و أنت ريّان . فقال عبد اللّه بن أبي سرح : امنعهم الماء الى اللّيل لعلّهم أن ينصرفوا الى طرف الغيضة ، فيكون انصرافهم هزيمة .

فقال صعصعة لمعاوية : ما الذي ترى ؟ قال ارجع فسيأتيكم رأيي . فانصرف

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأخبار الطوال : ١٦٧ .

٢١٤

و ظلّ أهل العراق يومهم ذلك وليلتهم بلا ماء ، إلاّ من كان ينصرف من الغلمان الى طرف الغيضة ، فيمشي مقدار فرسخين فيستقي ، فغمّ عليّا عليه السّلام أمر الناس غمّا شديدا ، فأتاه الأشعث فقال : أيمنعنا القوم الماء و أنت فينا و معنا سيوفنا ؟

ولّني الزحف إليه ، فو اللّه لا أرجع أو أموت ، و مر الأشتر فلينضم إليّ في خيله.

فقال له عليّ عليه السّلام : إيت في ذلك ما رأيت . فلمّا أصبح زاحف أبا الأعور فاقتتلوا ،

و صدقهم الاشتر و الأشعث حتى نفيا أبا الأعور عن الشريعة ، و صارت في أيديهما ، فقال عمرو لمعاوية : ما ظنّك بالقوم اليوم ان منعوك كما منعتهم ؟

فقال معاوية : دع ما مضى ، ما ظنّك بعليّ ؟ قال : ظنّي أنّه لا يستحلّ منك ما استحللت منه ، لأنّه أتاك في غير أمر الماء . ثم توادع الناس . . . .

ثمّ إنّ معاوية كما تصرّف الماء في أوّل وروده ، و منع أصحابه عليه السّلام الماء ، كذلك تصرفها بحيلة بعد ذلك ، ففي ( صفين نصر ) ١ : كتب معاوية في سهم : من عبد اللّه الناصح ، فإنّي اخبركم أنّ معاوية يريد أن يفجر عليكم الفرات فيغرقكم ، فخذوا حذركم . ثمّ رمى بالسهم في عسكر علي عليه السّلام ،

فوقع السهم في يدي رجل من أهل الكوفة . فقرأه ثم أقرأه صاحبه ، فلما قرأه و أقرأه الناس قالوا : هذا أخ لنا ناصح ، كتب إليكم يخبركم بما أراد معاوية .

فلم يزل السهم يقرأ حتى دفع الى أمير المؤمنين عليه السّلام ، و قد بعث معاوية مائتي رجل من الفعلة الى عاقول من النهر ، بأيديهم المرود و الزنبيل يحفرون فيها بحيال عسكر علي عليه السّلام ، فقال علي عليه السّلام : ويحكم إنّ الّذي يعالج معاوية لا يستقيم له ، و إنّما يريد أن يزيلكم عن مكانكم ، فالهوا عن ذلك . فقالوا له :

هم و اللّه يحفرون الساعة . فقال : ويحكم لا تغلبوني على رأيي . فقالوا :

و اللّه لنرتحلن ، فإن شئت فارتحل و إن شئت فأقم . فارتحلوا ، و ارتحل علي عليه السّلام

ــــــــــــ

 ( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ١٩٠ .

٢١٥

في اخريات الناس ، و هو يقول :

و لو أنّي اطعت عصبت قومي

الى ركن اليمامة أو شآم

و لكنّي اذا أبرمت أمرا

منيت بخلف آراء الطّغام

و ارتحل معاوية حتى نزل على معسكر علي عليه السّلام الذي كان فيه .

فدعا عليّ عليه السّلام الاشتر فقال : ألم تغلبني على رأيي ، أنت و الأشعث ؟ فقال الأشعث : أنا اكفيك ، ساداوي ما أفسدت . فجمع بني كندة فقال : يا معشر كندة ،

لا تفضحوني اليوم و لا تخزوني ، إنّما اقارع بكم أهل الشام . فخرجوا معه رجالا يمشون . و بيد الأشعث رمح له يلقيه على الأرض ، و يقول :

امشوا قيس رمحي

فلم يزل يقيس لهم على الأرض برمحه ذلك ، و يمشون معه رجّالة قد كسروا جفون سيوفهم ، حتى لقوا معاوية وسط بني سليم واقفا على الماء و قد جاءه أدنى عسكره ، فاقتتلوا على الماء ساعة ، و انتهى أوائل أهل العراق فنزلوا ، و أقبل الأشتر في خيل من أهل العراق فحمل على معاوية ، و الأشعث يحارب في ناحية ، فردوا وجوه إبل معاوية قدر ثلاثة فراسخ ، ثم نزل و وضع أهل الشام أثقالهم ، و الأشعث يهدر و يقول : أرضيتك يا أمير المؤمنين ؟ و لما غلب علي عليه السّلام على الماء فطرد عنه أهل الشام ، بعث الى معاوية : انّا لا نكافيك بصنعك ، هلمّ الى الماء ، فنحن و أنتم سواء . فأخذ كلّ واحد منهما بالشريعة مما يليه ، و قال عليه السّلام لأصحابه : إنّ الخطب أعظم من منع الماء .

هذا ، و نظير حيلة معاوية هذه مع أصحابه عليه السّلام حيلة أبي مسلم في قتاله لعبد اللّه بن علي عم المنصور ، فأقبل أبو مسلم الى عبد اللّه و نزل ناحية لم يعرض له ، و أخذ طريق الشام و كتب الى عبد اللّه : إنّي لم اؤمر بقتالك إنّما ولاّني المنصور الشام ، و إنما اريدها . فقال من كان مع عبد اللّه من أهل الشام : كيف

٢١٦

نقيم معك ، و هذا يأتي بلادنا و فيها حرمنا ، فيقتل من قدر عليه من رجالنا ،

و يسبي ذرارينا ؟ و لكنّا نخرج الى بلادنا ، فنمنعه حرمنا و ذرارينا ، و نقاتله إن قاتلنا . فقال لهم عبد اللّه : إنّه و اللّه ما يريد الشام و ما وجّه إلاّ لقتالكم ، و لئن أقمتم ليأتينكم . فأبوا إلاّ المسير ، فأقبل أبو مسلم فعسكر قريبا ، و ارتحل عبد اللّه من معسكره نحو الشام ، فتحوّل أبو مسلم حتى نزل في موضعه ، و عور ما كان حوله من المياه ، و ألقى فيها الجيف ، فقال عبد اللّه لأصحابه : ألم أقل لكم ؟ . . . .

هذا ، و في ( القاموس ) : بليل كزبير شريعة صفين .

« بصفين » في ( فتوح البلاذري ) : بالس ، و بولس ، و قاصرين ، و عابدين ،

و صفين : قرى منسوبة الى الروم .

و في ( مصباح الفيومي ) ١ : صفين : موضع على الفرات من الجانب الغربي بطرف الشام ، مقابل قلعة نجم ، و هو فعلين من الصف ، أو فعيل من الصفون .

قلت : و حيث إنّها كانت من بناء الروم كما عرفته من الدينوري و البلاذري فلا وجه لكونه من الصف .

و قد ذكره الجوهري ٢ و الفيروز آبادي ٣ و الجزري في صفن . و قال الأخير : في اعرابه قولان ، أحدهما : أن يقرأ بالياء و فتح النون مطلقا ، و الثاني : أن يعرب بالنون.

« و منعوهم الماء » هكذا في ( المصرية ) ٤ ، و الصواب : ( من الماء ) كما في

ــــــــــــ

 ( ١ ) المصباح للفيومي ١ : ٤١٤ .

 ( ٢ ) الصحاح للجوهري ٦ : ٢١٥٢ .

 ( ٣ ) الفيروز آبادي ٤ : ٢٤٢ .

 ( ٤ ) الطبعة المصرية : ٩٦ الخطبة ٥١ .

٢١٧

( ابن أبي الحديد ١ و ابن ميثم ٢ و الخطية ) .

قوله عليه السّلام : « قد استطعموكم القتال » جعله عليه السّلام منعهم عن شرب الماء كاستطعام للقتال أحسن كناية .

و في ( صفين نصر ) ٣ : قال الأشعث لعمرو : و اللّه إن كنت لأظنّ لك رأيا ،

فاذا أنت لا عقل لك ، أترانا نخليك و الماء ؟ فقال له عمرو : كنت مقهورا على ذلك الرأي فكايدتك بالتهدد .

« فأقروا على مذلّة و تأخير محلة » بالرضا بأن تبقى الشريعة في أيديهم .

و لمّا قتل عبد اللّه بن معديكرب أراد أخوه عمرو بن معديكرب أخذ ديته و ترك ثأره ، فقالت اخته كبشة :

فإن أنتم لم تثأروا بأخيكم

فمشوا بآذان النعام المصلّم

و دع عنك عمرا إنّ عمرا مسالم

و هل بطن عمرو غير شبر لمطعم ٤

و لمّا كان أسماء بن خارجة ذهب بهاني بن عروة الى عبيد اللّه بن زياد فقتله ، قال عبد اللّه بن الزبير الأسدي مخاطبا لمذحج قوم هاني :

فإن أنتم لم تثأروا بأخيكم

فكونوا بغايا ارضيت بقليل ٥

« أو رووا السيوف من الدماء ترووا من الماء » و في ( صفين نصر ) ٦ : أنّ الأشتر روّى سيفه من دماء سبعة من فرسانهم : صالح بن فيروز العكي ،

و كان مشهورا بشدّة البأس ، شد عليه بالرمح و فلق ظهره ، ثم مالك بن أدهم

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٤٤ .

 ( ٢ ) شرح ابن ميثم ٢ : ١٣٥ ، و فيه : « منعوهم الماء » .

 ( ٣ ) صفين لنصر بن مزاحم : ١٦٩ و ١٧٠ .

 ( ٤ ) الأغاني ١٥ : ٢٣٠ .

 ( ٥ ) الأغاني لأبي الفرج ١٤ : ٢٢٩ ، و فيه أورد مطلع القصيدة .

 ( ٦ ) صفين لنصر بن مزاحم : ١٧٤ .

٢١٨

السلماني و كان من فرسانهم ، ثم رماح بن عتيك الغساني ، ثم إبراهيم بن وضاح الجمحي ، ثم أزمل عتيك الحزامي و كان من أصحاب ألويتهم ، ثم أجلح بن منصور الكندي و كان من أعلام العرب و فرسانها و ماتت اخته حبلة حزنا عليه ، ثم محمد بن روضة الجمحي ، خرج و هو يقول :

يا قاتلي عثمان ذاك المؤتمن

أضربكم و لا أرى أبا حسن

فشدّ عليه الأشتر و هو يقول :

لا يبعد اللّه سوى عثمانا

مخالف قد خالف الرحمانا

نصرتموه عابدا شيطانا

فقتله . و قال أيضا و قد كان قتل من آل ذي يزن رجلا ، و من آل ذي لقوه فارس الأردن .

اليوم يوم الحفاظ

بين الكماة الغلاظ

نحفزها و المظاظ

هذا ، و ذكر أعرابي قوما تحاربوا ، فقال : أقبلت الفحول تمشي مشي الوعول ، فلما تصافحوا بالسيوف ، فغرت المنايا أفواهها .

و قال صخر أخو خنساء في أخذه ثار أخيه معاوية من بني مرّة :

و مرّة قد صبحناها المنايا

فروّينا الأسنة غير فخر ١

و في ( عيون القتيبي ) ٢ : لما صرف أهل مزة الماء عن أهل دمشق ،

و وجهوه الى الصحاري ، كتب إليهم أبو الهندام : إلى بني استها أهل مزة ليمسي الماء أو لتصبحنكم الخيل . فوافاهم الماء قبل أن يعتموا ، فقال أبو الهندام :

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأغاني لأبي الفرج ١٥ : ١٠١ .

 ( ٢ ) العيون للقتيبي ١ : ١٩٧ .

٢١٩

الصدق ينبي عنك لا الوعيد

« فالموت في حياتكم مقهورين ، و الحياة في موتكم قاهرين » هو في جمع المعنى و رفع المغزى ، كقوله تعالى : و لكم في القصاص حياة يا اولي الألباب . . . ١ .

كان عمليق الطسمي قضى على جديس : ان يذهبوا ببناتهم ليلة زفافهم قبل ازواجهم إليه فيفترعهن هو ، فذهبوا بعفيرة بنت عباد الجديسي إليه فافترعها ، فخرجت الى قومها شاقة درعها من قبل و من دبر في أقبح منظر ،

قائلة :

لا أحد أذلّ من جديس

أ هكذا يفعل بالعروس

و قالت في تحريض قومها :

فموتوا كراما أو أميتوا عدوّكم

و دبوا لنار الخطب بالحطب الجزل

فللبين خير من تماد على أذى

و للموت خير من مقام على الذّل

و إن أنتم لم تغضبوا بعد هذه

فكونوا نساء لا تعاب من الكحل

و دونكم طيب العروس فإنّما

خلقتم لأثواب العروس و للنسل

فصار تحريضها سببا لقتل العمليق ٢ و قال صخر أخو خنساء لمّا طال مرضه ، و سئلت امرأته عنه فقالت : لا حي فيرجى و لا ميت فينعى :

و للموت خير من حياة كأنّها

محلة يعسوب برأس سنان ٣

و تمثّل زيد بن علي يوم قتل بقول القائل :

ــــــــــــ

 ( ١ ) البقرة : ١٧٩ .

 ( ٢ ) الأغاني لأبي الفرج ١١ : ١٦٥ ١٦٦ .

 ( ٣ ) الأغاني لأبي الفرج ١٥ : ٧٩ .

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617