• البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 76114 / تحميل: 3382
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 10

مؤلف:
العربية

اذل الحياة و عز الممات

و كلاّ أراه طعاما وبيلا

فإن كان لا بدّ من واحد

فسيروا إلى الموت سيرا جميلا

و ذكروا : أنّ عبد الجبار الأزدي خرج على المنصور ، فانهزم ، فحمل إليه فقال للمنصور : قتلة كريمة . قال تركتها وراءك يابن اللخناء .

و قال البحتري في بني حميد ، و قد قتلوا في الحرب ، لأبيهم :

أبا غانم أردى بنيك اعتقادهم

بأن الردى في الحرب أكبر مغنم

مضوا يستلذّون المنايا حفيظة

و حفظا لذاك السؤدد المتقدّم

و لمّا رأوا بعض الحياة مذلّة

عليهم و عز الموت غير محرم

أبوا أن يذوقوا العيش و الذم واقع

عليه و ماتوا ميتة لم تذمم

« ألا و ان معاوية قاد لمة » بتخفيف الميم ، أي : جماعة . ذكره الجوهري في لام ، و قال : و الهاء عوض عن الهمزة الذاهبة في وسطه . و في ( الجمهرة ) : اللمة منقوصة : الجماعة ، و الجمع لمات ، و ظاهره كون الأصل : لما .

و كيف كان فالظّاهر انّه ليس بمعنى مطلق الجماعة ، بل جماعة موافقة ،

ففي ( النهاية ) ١ : في الخبر : ليتزوج الرجل لمته من النساء ، و لتتزوج المرأة لمتها من الرجال . و حينئذ فمعنى كلامه عليه السّلام : أنّه قاد جماعة موافقة له في الخبث ، و يشهد له موارد استعماله .

قال الشاعر :

سبحان من منتطق المأثور

جهلا لدى سرادق الحصير

وسط لمات الملأ الحضور

إنّ السباب و غر الصدور

فالحصير : الملك ، و الملأ : جماعته .

« من الغواة » جمع الغاوي . أي : الضالين .

ــــــــــــ

 ( ١ ) النهاية ٤ : ٢٧٤ .

٢٢١

« و عمس » في ( الصحاح ) العمس أن ترى أنّك لا تعرف الأمر و أنت عارف به . قال ابن السكّيت : أمر عموس و عماس ، أي : مظلم لا يدرى من أين يؤتى له ،

و منه قولهم جاءنا بامور معمسات ، أي : مظلمة ملوية عن جهتها .

« عليهم الخبر حتى جعلوا نحورهم » جمع النحر ، بمعنى : المنحر .

« أغراض » جمع الغرض ، أي : الهدف .

« المنية » أي : الموت ، ففي ( صفين نصر ) ١ : أنّ معاوية لما أتاه كتاب علي عليه السّلام بعزله عن الشام بعد عثمان صعد المنبر ، و قال : يا أهل الشام ، قد علمتم أنّي خليفة أمير المؤمنين عمر و خليفة عثمان و قتل مظلوما . و تعلمون أنّي وليّه . و اللّه يقول : . . . و من قتل مظلوما فقد جعلنا لوليّه سلطانا . . . ٢ . . . .

و وضع من يقوم في الناس و يروي لهم أن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال : إنّ عثمان كان على الحق ، و بث فيهم أنّ عليّا لا يصلّي .

و في ( صفين نصر ) ٣ : ذكروا أنّه لما غلب أهل الشام على الفرات فرحوا بالغلبة ، فقال لهم : يا أهل الشام هذا و اللّه أوّل الظفر ، لا سقاني اللّه و لا سقى أبا سفيان إن شربوا منه ، حتى يقتلوا بأجمعهم عليه .

و فيه ٤ : خرج رجل من أهل الشام ، فقال : من يبارز فخرج إليه رجل من أصحاب علي عليه السّلام فاقتتلا ساعة ، ثم إنّ العراقي ضرب رجل الشامي فقطعها ، فقاتل و لم يسقط الى الأرض ، ثم ضرب يده فقطعها ،

فرمى الشامي سيفه بيده اليسرى الى أهل الشام و قال لهم : دونكم سيفي هذا ، فاستعينوا به على عدوّكم . فأخذوه ، فاشترى معاوية ذلك السيف

ــــــــــــ

 ( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٨١ .

 ( ٢ ) الإسراء : ٣٣ .

 ( ٣ ) صفين لنصر بن مزاحم : ١٦٣ .

 ( ٤ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٣٨٨ .

٢٢٢

من أولياء المقتول بعشرة آلاف .

٥

من الخطبة ( ٢٦ ) ( و منها ) :

وَ لَمْ يُبَايِعْ حَتَّى شَرَطَ أَنْ يُؤْتِيَهُ عَلَى اَلْبَيْعَةِ ثَمَناً فَلاَ ظَفِرَتْ يَدُ اَلْبَائِعِ وَ خَزِيَتْ أَمَانَةُ اَلْمُبْتَاعِ فَخُذُوا لِلْحَرْبِ أُهْبَتَهَا وَ أَعِدُّوا لَهَا عُدَّتَهَا فَقَدْ شَبَّ لَظَاهَا وَ عَلاَ سَنَاهَا وَ اِسْتَشْعِرُوا اَلصَّبْرَ فَإِنَّهُ أَدْعَى إِلَى اَلنَّصْرِ أقول : رواه الثقفي في ( غاراته ) ١ و ابن قتيبة في ( خلفائه ) و الكليني في ( رسائله ) جزء كتاب كتبه عليه السّلام ليقرأ على الناس ، لما سألوه عن قوله في الثلاثة المتقدمين بعد فتح مصر ، مع زيادة و نقيصة و اختلاف .

ففي الأول : « لقد انهي إليّ أنّ ابن النابغة لم يبايع معاوية حتى أعطاه و شرط له : أن يؤتيه إتاوة هي أعظم مما في يده من سلطانه ، ألا صفرت يد هذا البايع دينه بالدنيا ، و خزيت أمانة هذا المشتري بنصرة فاسق غادر بأموال المسلمين الى أن قال بعد كلام طويل خذوا للحرب اهبتها و أعدوا لها عدّتها ،

فقد شب نارها ، و علا سناها ، و تجرّد لكم الفاسقون ، كي يعذبوا عباد اللّه ،

و يطفئوا نور اللّه . . . » و مثله الثاني و الثالث .

قول المصنّف : « و منها » هكذا في ( المصرية ) ٢ ، و مثلها ( ابن أبي الحديد ) و المراد من تلك الخطبة ، أي : الخطبة ( ٢٥ ) ، و لكن في ( ابن ميثم ) ٣ : « و من خطبة له عليه السّلام يذكر فيها عمرو بن العاص » .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الغارات للثقفي ١ : ٣١٧ ، ضمن رسالة لأصحابه عليه السّلام .

 ( ٢ ) الطبعة المصرية : ٦٣ الخطبة ٢٦ .

 ( ٣ ) شرح ابن ميثم ٢ : ٢٧ ، و فيه : « و منها » .

٢٢٣

قوله عليه السّلام « و لم يبايع » هكذا في ( المصرية ) و مثله ( ابن أبي الحديد ) و لكن في ( ابن ميثم ) ١ : « و لم يبايع معاوية » .

« حتى شرط » عليه .

« أن يؤتيه » أي : يعطيه .

« على البيعة » أي : بيعته معه .

« ثمنا فلا ظفرت يد البايع » قال ابن أبي الحديد : و في أكثر النسخ « المبايع » .

« و خزيت » أي : ذلت و هانت .

« امانة المبتاع » قال ابن أبي الحديد ٢ : يعني عليه السّلام بالمبتاع : عمرا ، و بالبايع معاوية .

قلت : بل بالعكس ، فعمرو بايع دينه بدنيا معاوية و هذا واضح ، قال تعالى : . . . و لبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون ٣ ، . . . و لقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق . . . ٤ ، اولئك الّذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفّف عنهم العذاب و لا هم ينصرون ٥ اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم و ما كانوا مهتدين ٦ اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى و العذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار ٧ ،

و اشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون ٨ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن ميثم ٢ : ٧٢ ، و فيه : « و لم يبايع حتى . . . » .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٦٠ .

 ( ٣ ) البقرة : ١٠٢ .

 ( ٤ ) البقرة : ١٠٢ .

 ( ٥ ) البقرة : ٨٦ .

 ( ٦ ) البقرة : ١٦ .

 ( ٧ ) البقرة : ١٧٥ .

 ( ٨ ) آل عمران : ١٨٧ .

٢٢٤

و ننقل كيفية بيعته من كتاب ( صفين نصر ) ١ بمعناه ، و قد نقله ابن أبي الحديد ٢ بلفظه ، ففيه : لما كتب معاوية الى عمرو يستدعيه الى نصرته و قد كان اعتزل أيّام عثمان في فلسطين شاور ابنيه عبد اللّه و محمدا ، فقال له ابنه عبد اللّه : قر في بيتك ، فلست مجعولا خليفة ، و لا ترد أن تكون حاشية لمعاوية على دنيا قليلة ، أوشك أن تهلك فتشقى فيها . و قال له ابنه محمد : أرى أنّك شيخ قريش ، و صاحب أمرها و إن تصرّم هذا الأمر و أنت فيه خامل تصاغر أمرك ،

فالحق بجماعة أهل الشام . و دعا غلامه وردان أيضا و كان راهبا ماردا فقال له : أرحل أحط ؟ فقال : إن شئت أنبأتك بما في نفسك . قال : هات ، قال : اعترك الدنيا و الآخرة على قلبك ، فقلت علي معه الآخرة في غير دنيا ، و في الآخرة عوض الدنيا ، و معاوية معه الدنيا بغير آخرة ، و ليس في الدنيا عوض من الآخرة ، فأنت واقف بينهما . قال : و اللّه ما أخطأت ، فما ترى يا وردان ؟ قال أرى أن تقيم في بيتك ، فإن ظهر أهل الدين عشت في عفو دينهم ، و إن ظهر أهل الدنيا لن يستغنوا عنك . قال : الآن لمّا شهدت العرب مسيري الى معاوية ؟ فارتحل و هو يقول :

يا قاتل اللّه وردانا و قرحته

أبدى لعمرك ما في النفس وردان

لما تعرضت الدنيا عرضت لها

بحرص نفسي و في الأطباع إدهان

نفس تعف و اخرى الحرص يقلبها

و المرء يأكل تبنا و هو غرثان

أمّا عليّ فدين ليس يشركه

دنيا و ذاك له دنيا و سلطان

فاخترت من طمعي دنيا على بصر

و ما معي بالذي أختار برهان

فسار الى معاوية ، فقال له معاوية : أدعوك الى جهاد هذا الرجل الذي عصى ربّه ، و قتل الخليفة ، و أظهر الفتنة ، و فرّق الجماعة . قال عمرو : إلى جهاد

ــــــــــــ

 ( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٣٤ ، ٣٦ ٣٩ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٦١ ٦٢ .

٢٢٥

من ؟ قال : عليّ . فقال عمرو : و اللّه ما أنت و علي بعكمي بعير ، مالك هجرته و لا سابقته و لا صحبته و لا جهاده و لا فقهه و لا علمه ، فما تجعل لي إن شايعتك على حربه ، و أنت تعلم ما فيه من الغرر و الخطر ؟ قال حكمك : قال : مصر. قال :

إنّي أكره أن يتحدّث عنك العرب : أنّك انّما دخلت في هذا الأمر لغرض الدنيا.

قال : دعني عنك . قال معاوية : إنّي لو شئت أن أخدعك لفعلت . قال : مثلي يخدع؟

قال له : ادن مني اسارّك . فدنا منه ليسارّه ، فعض معاوية اذنه ، و قال : هذه خدعة ، هل ترى في بيتك أحدا غيري و غيرك ؟ فأنشأ عمرو يقول :

معاوي لا اعطيك ديني و لم أنل

بذلك دنيا فانظرن كيف تصنع

فإن تعطني مصرا فأربح بصفقة

أخذت بها شيخا يضرّ و ينفع

و ما الدين و الدنيا سواء فإنّني

لآخذ ما تعطي و رأسي مقنع

و لكنّني اغضي الجفون و إنّني

لأخدع نفسي و المخادع يخدع

و اعطيك أمرا فيه للملك قوّة

و إنّي به إن زلّت النعل اصرع

و تمنعني مصرا و لست نزعته

و إنّي بذا الممنوع قدما لمولع

قال له معاوية : أ لم تعلم أنّ مصر مثل العراق ؟ قال : بلى ، و لكنها إنّما تكون لي إذا كانت لك ، و إنّما تكون لك إذا غلبت عليّا على العراق . فدخل عتبة بن أبي سفيان فقال لمعاوية : أما ترضى أن تشتري عمرا بمصر ان صفت لك وليتك لا تغلب على الشام ؟ فأعطاه و كتب له كتابا ، و كتب معاوية : « على ان لا ينقض شرط طاعته » . فكتب عمرو : « و لا تنقض طاعته شرطا » . و كايد كلّ واحد منهما صاحبه ، فلمّا بلغ عليّا عليه السّلام ما صنعا ، قال :

يا عجبا لقد سمعت منكرا

كذبا على اللّه يشيب الشعرا

ما كان يرضى أحمد لو خبرا

أن يقرنوا وصيّه و الابترا

شاني الرسول و اللعين الأخزرا

كلاهما في جنده قد عسكرا

٢٢٦

قد باع هذا دينه فأفجرا

من ذا بدنيا بيعه قد خسرا

بملك مصر ان أصاب الظفرا

إلى أن قال ١ : فقال له عمرو : رأس أهل الشام شرحبيل بن السمط الكندي ، و هو عدوّ جرير البجليّ الذي أرسله اليك عليّ ، فأرسل إليه و وطّن له ثقاتك فليفشوا في الناس : أن عليّا قتل عثمان ، و ليكونوا أهل الرضا عند شرحبيل ، فإنّها كلمة جامعة لك أهل الشام على ما تحب و إن تعلّق بقلبه لم يخرجه شي‏ء أبدا . فكتب معاوية إليه في ذلك ، و دعا يزيد بن أسد و بسر بن أرطأة و عمر بن سفيان و مخارق بن الحرث و حمزة بن مالك و حابس بن سعد رؤوس قحطان و اليمن و كانوا خاصة معاوية و بني عم شرحبيل فأمرهم أن يلقوه و يخبروه : أنّ عليّا قتل عثمان إلى أن قال ثم خرج شرحبيل فلقيه هؤلاء النفر الموطّئون له ، فكلّهم يخبره بأن عليّا قتل عثمان ، فدخل على معاوية فقال له : أبي الناس إلاّ أنّ عليّا قتل عثمان ، و اللّه لئن بايعت له لنخرجنك من الشام أو لنقتلنّك . فقال له معاوية : ما كنت لاخالف عليكم ، ما أنا إلاّ رجل من أهل الشام . فقال شرحبيل : فردّ هذا الرجل أي : جريرا إلى صاحبه . فعرف معاوية أنّ شرحبيل قد نفذت بصيرته في حرب العراق ، و أنّ الشام كلّه معه .

و فيه ٢ : أنّ معاوية طلب من عمرو ان يسوي له صفوف أهل الشام ،

فقال له عمرو : على أنّ لي حكمي إن قتل علي بن أبي طالب ، و استوسقت لك البلاد . فقال : أليس حكمك في مصر ؟ قال : و هل مصر تكون عوضا عن الجنة ،

و قتل ابن أبي طالب ثمنا لعذاب النار الذي لا يفتر عنهم و هم فيه

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٧٠ .

 ( ٢ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٢٣٧ .

٢٢٧

مبلسون ١ ؟ فقال له معاوية : إنّ لك حكمك إن قتل ، رويدا لا يسمع أهل الشام كلامك .

و فيه ٢ : جاء رجل الى عمّار فقال له : إنّ صلاتنا واحدة و كتابنا واحد و رسولنا واحد . فقال له عمّار : هل تعرف الراية السوداء في مقابلتي ؟ إنّها راية عمرو بن العاص قاتلتها مع النبي صلّى اللّه عليه و آله ثلاث مرات ، و هذه الرابعة ، ما هي بخيرهن و لا أبرهن ، بل شرّهن و أفجرهن .

« فخذوا للحرب » أي : الحرب الثانية مع معاوية ، فقد عرفت أنّه عليه السّلام قاله بعد فتح مصر .

« اهبتها » أي : تهيئتها .

« و أعدّوا لها عدتها » أي : استعدادها ، و الأصل فيه قوله تعالى : و أعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة و من رباط الخيل ٣ .

« فقد شب » أي : توقد ، و الشبوب : ما توقد به النار .

« لظاها » أي : التهاب نارها .

« و علا سناها » أي : ضوؤها .

« و استشعروا الصبر » أي : اجعلوه شعارا لكم كالثوب الملصق بالبدن .

« فإنّه » أي : الصبر .

« أدعى الى النصر » قال موسى لقومه استعينوا باللّه و اصبروا إنّ الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين ٤ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الزخرف : ٧٥ .

 ( ٢ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٣٢١ .

 ( ٣ ) الانفال : ٦٠ .

 ( ٤ ) الاعراف : ١٢٨ .

٢٢٨

٦

الكتاب ( ١٧ ) و من كتاب له عليه السّلام إلى معاوية جوابا عن كتاب منه إليه:

فَأَمَّا طَلَبُكَ إِلَيَّ ؟ اَلشَّامَ ؟ فَإِنِّي لَمْ أَكُنْ لِأُعْطِيَكَ اَلْيَوْمَ مَا مَنَعْتُكَ أَمْسِ وَ أَمَّا قَوْلُكَ إِنَّ اَلْحَرْبَ قَدْ أَكَلَتِ اَلْعَرَبَ إِلاَّ حُشَاشَاتِ أَنْفُسٍ بَقِيَتْ أَلاَ وَ مَنْ أَكَلَهُ اَلْحَقُّ فَإِلَى اَلْجَنَّةِ وَ مَنْ أَكَلَهُ اَلْبَاطِلُ فَإِلَى اَلنَّارِ وَ أَمَّا اِسْتِوَاؤُنَا فِي اَلْحَرْبِ وَ اَلرِّجَالِ فَلَسْتَ بِأَمْضَى عَلَى اَلشَّكِّ مِنِّي عَلَى اَلْيَقِينِ وَ لَيْسَ أَهْلُ ؟ اَلشَّامِ ؟ بِأَحْرَصَ عَلَى اَلدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ ؟ اَلْعِرَاقِ ؟ عَلَى اَلْآخِرَةِ وَ أَمَّا قَوْلُكَ إِنَّا ؟ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ ؟ فَكَذَلِكَ نَحْنُ وَ لَكِنْ لَيْسَ ؟ أُمَيَّةُ ؟ ؟ كَهَاشِمٍ ؟ وَ لاَ ؟ حَرْبٌ ؟ ؟ كَعَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ ؟ وَ لاَ ؟ أَبُو سُفْيَانَ ؟ ؟ كَأَبِي طَالِبٍ ؟ وَ لاَ اَلْمُهَاجِرُ كَالطَّلِيقِ وَ لاَ اَلصَّرِيحُ كَاللَّصِيقِ وَ لاَ اَلْمُحِقُّ كَالْمُبْطِلِ وَ لاَ اَلْمُؤْمِنُ كَالْمُدْغِلِ وَ لَبِئْسَ اَلْخَلْفُ خَلْفٌ يَتْبَعُ سَلَفاً هَوَى فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَ فِي أَيْدِينَا بَعْدُ فَضْلُ اَلنُّبُوَّةِ اَلَّتِي أَذْلَلْنَا بِهَا اَلْعَزِيزَ وَ نَعَشْنَا بِهَا اَلذَّلِيلَ وَ لَمَّا أَدْخَلَ اَللَّهُ اَلْعَرَبَ فِي دِينِهِ أَفْوَاجاً وَ أَسْلَمَتْ لَهُ هَذِهِ اَلْأُمَّةُ طَوْعاً وَ كَرْهاً كُنْتُمْ مِمَّنْ دَخَلَ فِي اَلدِّينِ إِمَّا رَغْبَةً وَ إِمَّا رَهْبَةً عَلَى حِينَ فَازَ أَهْلُ اَلسَّبْقِ بِسَبْقِهِمْ وَ ذَهَبَ اَلْمُهَاجِرُونَ اَلْأَوَّلُونَ بِفَضْلِهِمْ فَلاَ تَجْعَلَنَّ لِلشَّيْطَانِ فِيكَ نَصِيباً وَ لاَ عَلَى نَفْسِكَ سَبِيلاً قول المصنّف : « و من كتاب له عليه السّلام الى معاوية جوابا عن كتاب منه إليه » ليس في ( ابن أبي الحديد ) ١ و ( الخطية ) كلمة « إليه » ، روى الكتابين نصر بن مزاحم في ( صفينه ) ٢ ، و المسعودي في ( مروجه ) ٣ و ابن قتيبة في

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١١٧ .

 ( ٢ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٤٧١ .

 ( ٣ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٢٢ ٢٣ .

٢٢٩

( خلفائه ) ١ ، و كذا عن البيهقي في ( محاسنه ) .

ففي الأوّل و نقله ابن أبي الحديد ٢ أيضا مع اختلاف : ذكروا ٣ أنّ عليّا عليه السّلام أظهر يوما أنّه مصبح غدا معاوية و مناجزه ، فبلغ ذلك معاوية و فزع أهل الشام لذلك و انكسروا لقوله الى أن قال: و قال الأشتر حين قال عليه السّلام ذلك:

قد دنا الفضل في الصباح و للسلم

رجال و للحروب رجال

فرجال الحروب كلّ حدب

مقحم لا تهدّه الأهوال

يضرب الفارس المدجج بالسيف

إذا فلّ في الوغى الأكفال

يا بن هند شد الحيازيم للموت

و لا يذهبن بك الآمال

إنّ في الصبح إن بقيت لأمرا

تتفادى من هو له الأبطال

فيه عز العراق أو ظفر الشام

بأهل العراق و الزلزال

فاصبروا للطعان بالأسل السمر

و ضرب يجري به الأمثال

ان تكونوا قتلتم النفر البيض

و غالت اولئك الآجال

فلنا مثلهم و إن عظم الخطب

قليل أمثالهم أبدال

يخضبون الوشيج طعنا اذا جرّت

إلى الموت بينهم أذيال

طلب الفوز في المعاد و في ذا

تستهان النفوس و الأموال

فلما انتهى الى معاوية شعر الأشتر قال : شعر منكر من شاعر منكر ،

رأس أهل العراق و عظيمهم ، و مسعر حربهم ، و أوّل الفتنة و آخرها . و قد رأيت أن أكتب الى علي كتابا أسأله الشام و هو الشي‏ء الأول الذي ردّني عنه و القي

ــــــــــــ

 ( ١ ) الخلفاء لابن قتيبة : ١١٧ ، ١١٨ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١١٧ .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١٢٠ ، صفين لنصر بن مزاحم : ٤٦٨ .

٢٣٠

في نفسه الشك و الرقة . فضحك عمرو بن العاص و قال له : أين أنت من خدعة علي ؟ فقال : ألسنا بني عبد مناف ؟ قال : بلى ، و لكن لهم النبوّة دونك ، و إن شئت أن تكتب فاكتب . فكتب مع رجل من السكاسك يقال له : عبد اللّه بن عقبة و كان من ناقلة أهل العراق : أما بعد ، فإنّي أظنّك أن لو علمت و علمنا أنّ الحرب تبلغ بنا و بك ما علمت ، لم يجنها بعضنا على بعض ، و إنّا و إن كنّا قد غلبنا على عقولنا ،

فقد بقي لنا ما نندم به على ما مضى و نصلح به ما بقي ، و قد كنت سألتك الشام على ألا يلزمني لك طاعة و لا بيعة ، فأبيت ذلك عليّ فأعطاني اللّه ما منعت ، و أنا أدعوك اليوم إلى ما دعوتك إليه أمس ، فإنّي لا أرجو من البقاء إلاّ ما ترجو ، و لا أخاف من الموت إلاّ ما تخاف ، و قد و اللّه رقت الأجناد و ذهبت الرجال ، و نحن بنو عبد مناف ليس لبعضنا على بعض فضل ، إلا فضل لا يستذل به عزيز و لا يسترقّ به حرّ . و السلام . فلما انتهى كتاب معاوية الى علي عليه السّلام قرأه ، ثم قال :

العجب لمعوية و كتابه . ثم دعا عبيد اللّه بن أبي رافع كاتبه فقال له : اكتب الى معاوية : « أمّا بعد ، فقد جاءني كتابك تذكر أنك لو علمت و علمنا أنّ الحرب تبلغ بنا و بك ما بلغت لم يجنها بعضنا على بعض ، فأنا و إياك منها في غاية لم تبلغها ، و إنّي لو قتلت في ذات اللّه و حييت ، ثم قتلت ثم حييت سبعين مرة لم أرجع عن الشدة في ذات اللّه ، و الجهاد لأعداء اللّه . و أمّا قولك : إنّه قد بقي من عقولنا ما نندم به على ما مضى، فإني ما نقصت عقلي و لا ندمت على فعلي .

فأمّا طلبك الشام فإنّي لم أكن لاعطيك اليوم ما منعتك أمس . و امّا استواؤنا في الخوف و الرّجاء فإنّك لست بأمضى على الشك مني على اليقين ، و ليس أهل الشام بأحرص على الدنيا من أهل العراق على الآخرة . و أمّا قولك : انّا بنو عبد مناف ليس لبعضنا على بعض فضل ، فعلمري إنّا بنو أب واحد ، و لكن ليس امية كهاشم ، و لا حرب كعبد المطلب ، و لا أبو سفيان كأبي طالب ، و لا المهاجر

٢٣١

كالطليق ، و لا المحقّ كالمبطل ، و في أيدينا فضل النبوّة التي أذللنا بها العزيز و أعززنا بها الذليل » . فلما أتى معاوية كتاب عليّ عليه السّلام كتمه عن عمرو أيّاما ، ثمّ دعاه بعد ذلك فأقرأه الكتاب ، فشمت به . و لم يكن أحد من قريش أشدّ تعظيما لعلي عليه السّلام من عمرو ، منذ يوم لقيه و صفح عنه .

و في الأخير بعد ذكر معنى ما مرّ عن نصر : فقال معاوية لعمرو : قد علمت أنّ إعظامك لعلي لما فضحك ، فقال عمرو : لم يفتضح امرؤ بارز عليّا ،

و إنّما افتضح من دعاه الى البراز فلم يجبه .

قوله عليه السّلام : « فأمّا طلبك إليّ الشام فإنّي لم أكن أعطيك اليوم ما منعتك أمس » في ( الاستيعاب ) ١ : نادى حوشب الحميري عليّا عليه السّلام يوم صفين ، فقال:

انصرف عنّا يابن أبي طالب ، فانّا ننشدك اللّه في دمائنا و دمك ، و نخلي بينك و بين عراقك ، و تخلّي بيننا و بين شامنا ، و تحقن دماء المسلمين . فقال عليّ عليه السّلام : هيهات يابن امّ ظليم و اللّه لو علمت انّ المداهنة تسعني في دين اللّه لفعلت ، و لكان أهون عليّ في المؤنة ، و لكن اللّه لم يرض من أهل القرآن بالسكوت و الإدهان ، إذا كان اللّه يعصى و هم يطيقون الدفاع و الجهاد ، حتى يظهر أمر اللّه .

و في ( الأغاني ) ٢ : سار زياد بن الأشهب و كان شريفا سيّدا الى أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام يصلح بينه و بين معاوية ، فلم يجبه و في ذلك يقول نابغة بني جعدة يعتدّ على معاوية :

و قام زياد عند باب ابن هاشم

يريد صلاحا بينكم و يقرّب

ــــــــــــ

 ( ١ ) الاستيعاب ١ : ٣٩٥ .

 ( ٢ ) الأغاني لأبي الفرج ١٢ : ٢٣ .

٢٣٢

و في ( صفين نصر ) ١ : و خرج رجل من أهل الشام ينادي بين الصفين :

يا أبا الحسن ابرز لي . فخرج إليه عليّ عليه السّلام حتى اذا اختلفت أعناق دابتيهما بين الصفين قال له : يا علي إنّ لك قدما في الاسلام و هجرة ، فهل لك في أمر أعرضه عليك يكون فيه حقن هذه الدماء و تأخير هذه الحروب ، حتى ترى من رأيك ؟ فقال له عليّ عليه السّلام : و ما ذاك ؟ قال : ترجع الى عراقك ، فنخلي بينك و بين العراق ، و نرجع الى شامنا ، و تخلّي بيننا و بين شامنا . فقال له عليّ عليه السّلام : لقد عرفت انّما عرضت هذا نصيحة و شفقة ، و لقد أهمني هذا الأمر و أسهرني ،

و ضربت أنفه و عينه فلم أجد إلاّ القتال ، أو الكفر بما أنزل على محمّد صلّى اللّه عليه و آله . إنّ اللّه تعالى لم يرض من أوليائه أن يعصى في الأرض و هم سكوت مذعنون ، لا يأمرون بالمعروف و لا ينهون عن المنكر ، فوجدت القتال أهون عليّ من معالجة الأغلال في جهنم . فرجع الشامي و هو يسترجع .

« و أمّا قولك : ان الحرب قد أكلت العرب إلاّ حشاشات » في ( الصحاح ) :

الحشاش و الحشاشة : بقية الروح في جسد المريض .

« أنفس بقيت » في ( المروج ) ٢ : اختلف في عدّة من قتل من الفريقين ، فعن يحيى بن معين : قتل من الشام تسعون ألفا ، و من أهل العراق عشرون ألفا .

و ذكر الهيثم بن عدي و الشرقي بن القطامي و أبو مخنف : أنّه قتل من أهل الشام خمسة و أربعون ألفا ، و من أهل العراق خمسة و عشرون ألفا ، فيهم خمسة و عشرون بدريا . و كان الاحصاء للقتلى يقع بالقضيب .

« ألا و من أكله الحق فإلى الجنّة و من أكله الباطل فإلى النار » هكذا في

ــــــــــــ

 ( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٤٧٤ .

 ( ٢ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٤٠٤ .

٢٣٣

( المصرية ) ١ و لكن في ( ابن أبي الحديد ) ٢ و ( ابن ميثم ) ٣ إنّما هكذا : « ألا من أكله الحق فإلى النار » . و لم يشر ابن ميثم الى رواية اخرى . و أمّا ابن أبي الحديد ٤ فقال : رواية « ألا و من أكله الحق فإلى النار » أليق من الرواية المذكورة في أكثر الكتب . . .

و أشار الى مثل ما في ( المصرية ) و ظاهر كلامه كون النهج بلفظ : « ألا و من أكله الحق فإلى النار » ، حيث نسب مثل ما في ( المصرية ) إلى كتب اخرى لا نسخ النهج ، و يشهد له اقتصار ابن ميثم مع كون نسخته بخط المصنّف على ما مر . و حينئذ المراد بقوله عليه السّلام « من أكله الحق » أي : من أمر الحق بقتله ،

و الأصل فيه قوله تعالى . . . و لا تقتلوا النفس التي حرّم اللّه إلاّ بالحق . . . ٥ و أما ما في ( المصرية ) فالمراد واضح : أنّ من قتل في سبيل الحق فإلى الجنّة ،

و من قتل في سبيل الباطل فإلى النار . و يمكن تأييده بما روى ( صفين نصر ) ٦:

أن عتبة بن أبي سفيان أخا معاوية قال لجعدة بن هبيرة ابن اخت أمير المؤمنين عليه السّلام : ما أقبح بعلي أن يكون في قلوب المسلمين أولى الناس بالناس ،

حتى اذا أصاب سلطانا أفنى العرب فقال له جعدة : و أمّا قتل العرب فإنّ اللّه كتب القتال ، فمن قتله الحق فإلى اللّه .

و كيف كان ، ففي ( صفين نصر ) ٧ : أنّ الأحنف قال في صفين لأصحابه

ــــــــــــ

 ( ١ ) الطبعة المصرية : ١٩ ، الكتاب ١٧ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١١٧ .

 ( ٣ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٣٨٨ و فيه : « ألا و من أكله الحق فإلى الجنّة . . . » .

 ( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١١٨ .

 ( ٥ ) الأنعام : ١٥١ .

 ( ٦ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٤٦٤ .

 ( ٧ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٣٨٧ .

٢٣٤

و كان مع عليّ عليه السّلام : هلكت العرب . قالوا : و إن غلبنا ؟ قال : نعم . قالوا : و إن غلبنا ؟ قال : نعم . قالوا : ما جعلت لنا مخرجا . قال . إن غلبنا لم نترك بها رئيسا إلاّ ضربنا عنقه ، و إن غلبنا لم يعرج رئيس عن معصية اللّه .

« و أمّا استواؤنا في الحرب و الرجال فلست بأمضى على الشك منّي على اليقين » في ( صفين نصر ) ١ : نادى عتبة بن أبي سفيان جعدة المخزومي ابن اخت عليّ عليه السّلام ، و اذن عليّ عليه السّلام له في الخروج إليه ، و اجتمع الناس لكلامهما ،

فقال عتبة : يا جعدة ، و اللّه ما أخرجك علينا إلاّ حبّ خالك ، و إنّا و اللّه ما نزعم أنّ معاوية أحقّ بالخلافة من عليّ عليه السّلام لو لا أمره في عثمان ، و لكن معاوية أحقّ بالشام لرضا أهلها به ، فاعفوا لنا عنها ، فو اللّه ما بالشام رجل به ظرف إلاّ و هو أجدّ من معاوية في القتال ، و ليس بالعراق من له جدّ من مثل جدّ علي ، و نحن أطوع لصاحبنا منكم لصاحبكم . فقال له جعدة : إن كان لك خال مثلي لنسيت أباك ، و أمّا رضاك اليوم بالشام فقد رضيتم بها أمس . و أمّا قولك : إنّه ليس بالشام من رجل إلاّ و هو أجدّ من معاوية ، و ليس بالعراق لرجل مثل جدّ علي ،

فهكذا ينبغي أن يكون ، مضى بعلي عليه السّلام يقينه ، و قصر بمعاوية شكه ، و قصد أهل الحقّ خير من جهد أهل الباطل .

« و ليس أهل الشام بأحرص على الدنيا من أهل العراق على الآخرة » في ( صفين نصر ) ٢ : قيدت عك من أهل الشام أرجلها بالعمائم ، ثم طرحوا حجرا بين أيديهم و قالوا لا نفرّ حتى يفرّ هذا الحكر أي : الحجر ، فعك تقلب الجيم كافا و فعل أهل العراق كذلك ، و تجادلوا حتى أدركهم الليل ، فقالت همدان : يا معشر عك إنّا و اللّه لا ننصرف حتى تنصرفوا . و قال عك مثل ذلك . فأرسل

ــــــــــــ

 ( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٤٦٣ ٤٦٤ .

 ( ٢ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٤٣٤ .

٢٣٥

معاوية الى عك : أبرّوا قسم القوم . فانصرفت عك ، ثم انصرفت همدان .

و فيه ١ : أرسل ابن حنش رأس خثعم مع معاوية الى أبي كعب رأس خثعم مع علي عليه السّلام : إن شئت توافقنا فلم نقتتل ، فإن ظهر صاحبك كنّا معكم ،

و إن ظهر صاحبنا كنتم معنا و لم يقتل بعضنا بعضا . فأبى أبو كعب ذلك . و قال ابن حنش لقومه : قد عرضت لقومنا من أهل العراق الموادعة ، صلة لأرحامهم و حفظا لحقهم ، فأبوا إلاّ قتالنا الى أن قال فاشتد القتال و أخذ أبو كعب يقول لأصحابه : يا معشر خثعم خذموا أي : اضربوهم في سوقهم و أخذ صاحب الشام يقول : يا أبا كعب قومك فأنصف .

و فيه ٢ : خرج اثال بن حجل من عسكر علي عليه السّلام و نادى : هل من مبارز ؟

فدعا معاوية حجلا فقال : دونك الرجل . و كانا مستبصرين في رأيهما ، فبرز كلّ واحد منهما إلى صاحبه ، فبدره الشيخ بطعنة ، فطعنه الغلام و انتمى ، فاذا هو ابنه فنزلا فاعتنق كلّ واحد منهما صاحبه و بكيا ، فقال له الأب : أي اثال ،

هلم الى الدنيا . فقال له الغلام : يا أبه هلم الى الآخرة ، و اللّه يا أبه لو كان من رأيي الانصراف إلى أهل الشام ، لوجب عليك أن يكون من رأيك لي أن تنهاني ،

واسوأتاه فماذا أقول لعلي عليه السّلام و للمؤمنين الصالحين ؟ كن أنت على ما أنت عليه ، و أنا أكون على ما أنا عليه . و انصرف حجل الى أهل الشام و اثال الى أهل العراق ، فخبر كلّ واحد منهما أصحابه .

« و أمّا قولك : إنّا بنو عبد مناف فكذلك » الأصل في شبهة كون كلّ منهما ابن عبد مناف عمر ، حيث أراد في شوراه جعل عثمان في مقابله عليه السّلام فقال : « و لكن الستة علي و عثمان ابنا عبد مناف . . . » فيقال لعمر : على قاعدتك يتساوى

ــــــــــــ

 ( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٢٥٧ .

 ( ٢ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٤٤٣ .

٢٣٦

النبي صلّى اللّه عليه و آله و أبو سفيان ، فكلّ منهما ابنا عبد مناف .

« و لكن ليس امية » قال جارية بن قدامة لمعوية في منافرة بينهما : ما معاوية إلاّ كلبة تعاوي الكلاب ، و ما اميّة إلاّ تصغير الأمة .

« كهاشم » في ( الطبري ) ١ : اسمه عمرو ، و إنّما قيل له : هاشم ، لأنّه أوّل من هشم الثريد لقومه بمكة و أطعمهم . و له يقول مطرود الخزاعي : و قال ابن الكلبي : يقول ابن الزبعرى :

عمرو الذي هشم الثريد لقومه

و رجال مكة مسنتون عجاف

ذكروا أنّ قومه من قريش كانت أصابتهم لزبة و قحط ، فرحل الى فلسطين فاشترى منها الدقيق ، فقدم به مكة فأمر به فخبز له ، و نحر جزورا ، ثم اتّخذ لقومه مرقة ثريد بذلك الخبز .

قال وهب بن عبد قصي في ذلك :

تحمّل هاشم ما ضاق عنه

و أعيى أن يقوم به ابن بيض

أتاهم بالغرائر متأنقات

من ارض الشام بالبر النفيض

فأوسع أهل مكة من هشيم

و شاب الخبز باللحم الغريض

فظل القوم بين مكللات

من الشيزى و حائرها يفيض

فحسده اميّة ، و كان ذا مال ، فتكلّف أن يصنع صنيع هاشم ، فعجز عنه فشمت به ناس من قريش ، فغضب و نال من هاشم و دعاه الى المنافرة ، فكره هاشم ذلك لسنه و قدره ، و لم تدعه قريش و أحفظوه . قال : فإنّي انافرك على خمسين ناقة سود الحدقة ننحرها ببطن مكة ، و الجلاء عن مكة عشر سنين .

فرضي بذلك امية ، و جعلا بينهما الكاهن الخزاعي ، فنفّر هاشما على امية ،

فأخذ هاشم عن أمية الإبل ، فنحرها و أطعمها من حضره ، و خرج امية الى

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٢ : ٢٥١ .

٢٣٧

الشام فأقام بها عشر سنين ، فكانت هذه أوّل عداوة وقعت بين هاشم و امية .

و في ( لطائف الثعالبي ) : و قيل في هاشم :

ما أحد كهاشم و ان هشم

لا لا و لا كحاتم و إن حتم

و في ( إثبات وصية المسعودي ) ١ في خطبته عليه السّلام في انتقال نور النبي صلّى اللّه عليه و آله من آدم أبا بعد أب الى ولادته : حتى نقلت نوره الى هاشم خير آبائه بعد إسماعيل ، فأي أب و جدّ و والد أسرة و مجمع عترة و مخرج طهر و مرضع فخر جعلت يا رب هاشما لقد أقمته لدن بيتك و جعلت له المشاعر و المتاجر .

و قال الجاحظ و قد نقله ابن أبي الحديد ٢ في موضع آخر : صنع اميّة في الجاهلية صنعا لم يصنعه أحد من العرب : زوّج ابنه أبا عمرو امرأته في حياته منه ، فأولدها أبا معيط . و المقتيون في الاسلام هم الذين نكحوا نساء آبائهم بعد موتهم . فأمّا ان يتزوجها في حياة الأب و يبني عليها و هو يراه ، فإنّه شي‏ء لم يكن قط . . . و يأتي أنّ عبد المطلب بن هاشم حرّم زوجة الأب في الجاهلية ، فأمضاه الاسلام .

و عن كتاب ( هاشم و عبد شمس ) للدباس : روى هشام الكلبي : أنّ اميّة لمّا كان غلاما كان يسرق الحاجّ ، فسمّي حارسا .

و عنه : قال عثمان لرجل من حضر موت : أفرأيت اميّة ؟ قال : نعم ، رأيت رجلا آدم دميما قصيرا أعمى ، يقال : انّه كان أنكد و إن فيه نكدا أي : مشؤوما و فيه عسر فقال عثمان : يكفيك من شرّ سماعه . و أمر بإخراجه .

و عن ( أنساب قريش ابن بكار ) : اصطلحت قريش على ان يولّى هاشم

ــــــــــــ

 ( ١ ) إثبات الوصية للمسعودي : ١٠٩ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ٢٠٧ .

٢٣٨

بعد موت أبيه السقاية و الرفادة ، و ذلك انّ عبد شمس كان يسافر و قلّ أن يقيم بمكة و كان رجلا معيلا ، و كان له ولد كثير و كان هاشم رجلا موسرا ، فكان إذا حضر الحج قام في قريش فقال : إنّكم جيران اللّه و أهل بيته ، و إنّه يأتيكم في هذا الموسم زوّار اللّه يعظمون حرمة بيته ، فهم لذلك ضيف اللّه ، و أحق ضيف بالكرامة ضيف اللّه ، و قد خصّكم اللّه بذلك و أكرمكم به ، ثم حفظ منكم أفضل ما حفظ جار من جاره ، فأكرموا ضيفه و زوّاره ، فإنّهم يأتون شعثا غبرا من كلّ بلد ، ضوامر كالقداح و قد ارجفوا و تفلوا و قملوا و ارسلوا ، فأقروهم و أعينوهم .

فكانت قريش تترافد على ذلك ، و كان هاشم يخرج في كلّ سنة مالا كثيرا ،

و كان يقول لقريش : فوربّ هذه البنيّة لو كان لي مال يحمل ذلك لكفيتموه ، ألا و إني مخرج من طيّب مالي و حلاله ما لم يقطع فيه رحم و لم يؤخذ بظلم ، و لم يدخل فيه حرام . و أسألكم بحرمة هذا البيت ألا يخرج منكم رجل من ماله لكرامة زوّار بيت اللّه و معونتهم إلاّ طيبا ، لم يؤخذ ظلما ، و لم يقطع فيه رحم ،

و لم يغتصب . فكانت قريش تخرج من صفو أموالها ما تحتمله أحوالها ، و تأتي بها الى هاشم فيضعه في دار الندوة لضيافة الحاج ، و كان هاشم يأمر بحياض من ادم ، يجعل في موضع زمزم من قبل أن تحتفر ، يستقي فيها من البئار التي بمكة فيشرب الحاج ، و كان يطعمهم أوّل ما يطعم قبل يوم التروية بيوم ، بمكة و منى و بجمع و بعرفة ، و كان يثرد لهم الخبز و اللحم و السمن و السويق و التمر ، و يحمل لهم الماء فيسقون بمنى و الماء يومئذ قليل الى أن يصدروا .

و قال الجاحظ : كان يقال لهاشم : القمر . كان بين مطرود الخزاعي و بعض قريش شي‏ء ، فدعاه الى المحاكمة الى هاشم ، و قال :

الى القمر الساري المنير دعوته

و مطعمهم في الازل من قمع الجزر

و قال ابن بكار : قالوا لهاشم : عمرو العلي لمعاليه ، و كان أول من سن

٢٣٩

الرحلتين : رحلة الى الحبشة و رحلة الى الشام ، و كانت قريش لا تعدو تجارتهم مكة ، إنّما تقدم عليهم الأعاجم بالسلع فيشترونها منهم و يتبايعون بها بينهم ،

و يبيعون من حولهم من العرب حتى رحل هاشم الى الشام ، فنزل بقيصر فكان يذبح كلّ يوم شاة ، و يضع جفنة من ثريد يدعو الناس فيأكلون . و كان من أحسن الناس خلقا و تماما ، فذكر لقيصر و قيل له : هاهنا رجل من قريش يهشم الخبز ثم يصبّ عليه المرق و يفرغ عليه اللحم و يدعو الناس . و كانت الأعاجم و الروم تضع المرق في الصحف تأتدم عليه بالخبز ، فدعا به قيصر ، فلمّا رآه و كلّمه اعجب به ، و جعل يرسل إليه فيدخل عليه ، فلمّا رأى مكانه منه سأله أن يأذن لقريش في القدوم عليه بالمتاجر ، و أن يكتب لهم كتاب الأمان في ما بينهم و بينه ، ففعل . فبذلك ارتفع هاشم من قريش .

« و لا حرب كعبد المطلب » عن ( الأغاني ) : أنّ معاوية قال لدغفل النسابة :

أ رأيت عبد المطلب كيف كان ؟ قال : رأيت رجلا نبيلا و ضيئا كأنّ على وجهه نور النبوّة .

و في ( الكافي ) ١ : عن الصادق عليه السّلام : جاء النبي صلّى اللّه عليه و آله و هو طفل يدرج حتى جلس على فخذ عبد المطلب ، فأهوى بعض ولده إليه لينحيه عنه ، فقال له : دع ابني فان الملك قد أتاه ٢ .

و عنه عليه السّلام : قال النبي صلّى اللّه عليه و آله : سنّ عبد المطلب في الجاهلية خمس سنن أجراها اللّه له في الاسلام : حرّم نساء الآباء على الأبناء ، فأنزل تعالى : و لا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء . . . ٣ . و وجد كنزا فأخرج منه الخمس

ــــــــــــ

 ( ١ ) الكافي ١ : ٤٤٨ ح ٢٦ .

 ( ٢ ) ذكره شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ٢٢٩ الباب ٢٨ .

 ( ٣ ) النساء : ٢٢ .

٢٤٠