بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٠

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة6%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 617

  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 82335 / تحميل: 3989
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٠

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

جبريل أهدى لنا الخيرات أجمعها

آرام هاشم لا أبناء مخزوم

فقلت في نفسي : غلبني و اللّه ، ثم حملني الطمع في انقطاعه عني ، فقلت له :

بل أشعر منه الذي يقول :

أبناء مخزوم الحريق اذا

حرّكته تارة ترى ضرما

يخرج منه الشرار مع لهب

من حاد عن حدّه فقد سلما

فو اللّه ما تلعثم أن أقبل عليّ بوجهه ، فقال : يا أخا بني مخزوم ، أشعر من صاحبك و أصدق ، الذي يقول :

هاشم بحر اذا سما و طما

أخمد حر الحريق و اضطرما

و اعلم و خير القول أصدقه

بأن من رام هاشما هشما

فتمنيت و اللّه أنّ الأرض ساخت بي ، ثم تجلدت عليه ، فقلت : يا أخا بني هاشم أشعر من صاحبك ، الّذي يقول :

أبناء مخزوم أنجم طلعت

للناس تجلو بنورها الظلما

تجود بالنيل قبل تسأله

جودا هنيئا و تضرب البهما

فأقبل عليّ بأسرع من اللحظ ، ثم قال : أشعر من صاحبك و أصدق ، الذي يقول :

هاشم شمس بالسعد مطلعها

اذا بدت أخفت النجوم معا

اختارنا اللّه في النبي فمن

قارعنا بعد أحمد قرعا

فاسودّت الدنيا في عيني ، فانقطعت فلم أجد جوابا ، ثمّ قلت له : يا أخا بني هاشم إن كنت تفتخر علينا بالنبي صلّى اللّه عليه و آله ، فما تسعنا مفاخرتك . فقال : كيف لا نفتخر به و لو كان منك لفخرت به عليّ ؟ فقلت : صدقت ، إنّه لموضع الفخار.

و سررت بقطعه الكلام ، ثم إنّه ابتدأ المناقضة ، ففكّر هنيئة ثم قال : قد قلت فلم أجد بدا من الاستماع . فقلت : هات . فقال :

٢٦١

نحن الذين إذا سما بفخارهم

ذو الفخر أقعده هناك القعدد

افخر بنا إن كنت يوما فاخرا

تلق الألى فخروا بفخرك افردوا

قل يا بن مخزوم لكلّ مفاخر

منّا المبارك ذو الرسالة أحمد

ماذا يقول ذوو الفخار هنا لكم

هيهات ذلك هل ينال الفرقد

فحصرت و تبلّدت ، ثم قلت له : انظرني . و أفكرت مليّا ثم أنشأت أقول :

لا فخر إلاّ قد علاه محمد

فاذا فخرت به فانّي أشهد

ان قد فخرت وفقت كلّ مفاخر

و إليك في الشرف الرفيع المقصد

و لنا دعائم قد تناهى أول

في المكرمات جرى عليها المولد

من رامها حاشى النبيّ و أهله

في الأرض غطغطه الخليج المزبد

دع و ذا و رح بفناء خود بضة

مما نطقت به و غنّى معبد

مع فتية تندى بطون أكفّهم

جودا إذا هز الزمان الأنكد

يتناولون سلافة عامية

طابت لشاربها و طاب المقعد

فو اللّه لقد أجابني بجواب كان أشدّ علي من الشعر ، فقال لي : يا أخا بني مخزوم اريك السها ، و تريني القمر . و هذا مثل ، أي : تخرج من المفاخرة الى شرب الراح الى أن قال فقلت : لا أرى شيئا أصلح من السكوت . فضحك و قام عني . قال : فضحك عبد الملك حتى استلقى ، و قال : يا بن أبي ربيعة أما علمت أنّ لبني عبد مناف ألسنة لا تطاق ؟

قلت : قول عبد الملك نظير قول معاوية : « إنّا بنو عبد مناف » .

« و لمّا أدخل اللّه العرب في دينه أفواجا » قال تعالى : اذا جاء نصر اللّه و الفتح . و رأيت الناس يدخلون في دين اللّه أفواجا ١ .

« و أسلمت له هذه الامة طوعا و كرها » بعد فتح مكة .

ــــــــــــ

 ( ١ ) النصر : ١ ٢ .

٢٦٢

« كنتم ممّن دخل الدين إمّا رغبة و إما رهبة » لأنّ إسلامهم كان بعد الفتح ،

و قال صلّى اللّه عليه و آله بعد الفتح لأهل مكة كما في ( الطبري ) ١ : « اذهبوا فأنتم الطلقاء » فاعتقهم و قد كان اللّه أمكنه من رقابهم عنوة و كانوا له فيئا . و انما قوله عليه السّلام :

« إما رغبة و إمّا رهبة » نظير قوله تعالى : و إنّا أو إيّاكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ٢ . و إلاّ فمعلوم كون دخولهم في الدين رهبة .

« على حين فاز أهل السبق بسبقهم و ذهب المهاجرون الأوّلون بفضلهم » في ( الطبري ) ٣ : قال العباس لأبي سفيان قبل أن يرد النبي صلّى اللّه عليه و آله مكة : اركب عجز بغلتي لاستأمن لك النبي صلّى اللّه عليه و آله ، فو اللّه لئن ظفر ليضربن عنقك الى أن قال فلمّا رأى النبي صلّى اللّه عليه و آله أبا سفيان قال له : ويحك ألم يأن لك أن تعلم ألاّ إله إلاّ اللّه ؟

فقال : و اللّه لقد ظننت أن لو كان مع اللّه غيره ، لقد أغنى عني شيئا . فقال : ويحك ألم يأن لك أن تعلم أنّي رسول اللّه ؟ فقال : أمّا هذه ففي النفس منها شي‏ء . فقال له العباس : ويلك تشهّد شهادة الحق قبل أن يضرب عنقك . فتشهد ، فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله للعباس : احبسه عند خطم الجبل بمضيق الوادي ، حتى تمرّ عليه جنود اللّه الى أن قال فقال أبو سفيان للعباس : لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما . فقال له العباس : ويحك إنّها النبوّة . فقال : نعم إذن الى أن قال قال الواقدي : و أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله بقتل ستة نفر ، و أربع نسوة ، منهن هند ام معاوية إلى أن قال فجاءته هند متنقّبة متنكّرة ، لحدثها و ما كان من صنيعها بحمزة ،

في بيعة النساء إلى أن قال قال لهن : « و لا تسرفن » . فقالت هند : و اللّه إن كنت لاصيب من مال أبي سفيان الهنة الهنة . فقال لها النبي صلّى اللّه عليه و آله : و إنّك لهند ؟ قالت :

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٣ : ٦١ .

 ( ٢ ) سبأ : ٢٤ .

 ( ٣ ) تاريخ الطبري ٣ : ٥٣ .

٢٦٣

أنا هند ، فاعف . قال : « و لا تزنين » قالت : و هل تزني الحرة ؟ فقال : « و لا تقتلن أولادكن » . فقالت : « ربيناهم صغارا و قتلتهم يوم بدر كبارا » ، فانت و هم أعلم .

فضحك عمر من قولها حتى استغرب .

« فلا تجعلن للشيطان فيك نصيبا و لا على نفسك سبيلا » بادّعاء الباطل ، فقد قال النبي صلّى اللّه عليه و آله كما رواه ( صفّين نصر ) ١ : اذا رأيتم معاوية يخطب على منبري ، فاضربوا عنقه .

و فيه ٢ : خرج عمّار يوم الثالث ، و خرج إليه عمرو بن العاص ، فجعل عمّار يقول : يا أهل الاسلام أ تريدون أن تنظروا إلى من عادى اللّه و رسوله ،

و جاهدهما و بغى على المسلمين ، و ظاهر المشركين ، فلمّا أراد اللّه أن يظهر دينه ، و ينصر رسوله أتى النبي صلّى اللّه عليه و آله فأسلم ، و هو و اللّه ما يرى راهب غير راغب ، و قبض اللّه رسوله و إنّا و اللّه لنعرفه بعداوة المسلم ، و مودة المجرم ؟ ألا و إنّه معاوية ، فالعنوه لعنه اللّه ، و قاتلوه فإنّه ممّن يطفى‏ء نور اللّه ، و يظاهر أعداء اللّه .

و مر في ( ١١ ) فصل الإمامة العامة : أن قوما استشهدوا في سبيل اللّه من المهاجرين و الأنصار ، و لكلّ فضل ، حتى اذا استشهد شهيدنا قيل : سيد الشهداء و خصّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بسبعين تكبيرة . . . .

٧

الخطبة ( ٥٥ ) و من كلام له عليه السّلام و قد استبطأ أصحابه إذنه لهم في القتال بصفين :

أَمَّا قَوْلُكُمْ أَ كُلَّ ذَلِكَ كَرَاهِيَةَ اَلْمَوْتِ فَوَاللَّهِ مَا أُبَالِي دَخَلْتُ إِلَى

ــــــــــــ

 ( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٣١٦ .

 ( ٢ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٢١٤ .

٢٦٤

اَلْمَوْتِ أَوْ خَرَجَ اَلْمَوْتُ إِلَيَّ وَ أَمَّا قَوْلُكُمْ شَكّاً فِي أَهْلِ ؟ اَلشَّامِ ؟ فَوَاللَّهِ مَا دَفَعْتُ اَلْحَرْبَ يَوْماً إِلاَّ وَ أَنَا أَطْمَعُ أَنْ تَلْحَقَ بِي طَائِفَةٌ فَتَهْتَدِيَ بِي وَ تَعْشُوَ إِلَى ضَوْئِي وَ ذَلِكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْتُلَهَا عَلَى ضَلاَلِهَا وَ إِنْ كَانَتْ تَبُوءُ بِآثَامِهَا

٢٦٥

أقول : قال ابن أبي الحديد ١ : لما ملك أمير المؤمنين عليه السّلام الماء بصفين ،

ثم سمح لأهل الشام بالمشاركة فيه ، استمالة لهم و اظهارا للمعدلة و حسن السيرة فيهم ، مكث أيّاما لا يرسل إلى معاوية و لا يأتيه من عنده أحد ، فاستبطأ أهل العراق إذنه لهم في القتال و قالوا له عليه السّلام : خلّفنا ذرارينا و نساءنا بالكوفة و جئنا إلى أطراف الشام لنتخذها وطنا ؟ ائذن لنا في القتال ، فإنّ الناس قد قالوا .

فقال عليه السّلام : ما قالوا ؟ فقيل : إنّ الناس يظنّون أنّك تكره الحرب كراهية للموت ،

و إنّ من الناس من يظن أنّك في شكّ من قتال أهل الشام . فقال عليه السّلام : و متى كنت كارها للحرب قطّ ؟ إنّ من العجب حبي لها غلاما و يافعا ، و كراهتي لها شيخا بعد نفاد العمر و قرب الموت ، و أمّا شكي في القوم فلو شككت فيهم ، لشككت في أهل البصرة ، و اللّه لقد ضربت هذا الأمر ظهرا و بطنا ، فما وجدت يسعني إلاّ القتال ، أو أن أعصي اللّه و رسوله ، و لكنّي استأني بالقوم عسى ان يهتدوا أو تهتدي منهم طائفة فانّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال لي يوم خيبر لئن يهدي اللّه بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس . ثم نقل ابن أبي الحديد ٢ : رواية نصر بن مزاحم في ( صفينه ) ٣ : بعثه عليه السّلام جمعا إلى معاوية و مشى القراء بينهما إلى أن قال فقال القراء له عليه السّلام : إنّ معاوية يقول لك : إن كنت صادقا في عدم

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٤ : ١٣ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٤ : ١٦ .

 ( ٣ ) صفين لنصر بن مزاحم : ١٨٩ .

٢٦٦

قتلك عثمان و عدم أمرك بقتله ، فأقدنا من قتلته ، فإنّهم في عسكرك و جندك و عضدك . فقال عليه السّلام لهم : إنّ القوم تأولوا عليه القرآن و وقعت الفرقة ، فقتلوه في سلطانه ، و ليس على ضربهم قود . ثم قال ابن أبي الحديد ١ : و لا أدري لم عدل عليه السّلام عن الحجّة بما هو أوضح من هذا الكلام ؟ و هو أن يقول : إنّ الذين باشروا قتل عثمان بأيديهم كانا اثنين ، و هما قتر بن وهب و سودان بن حمران ، و كلاهما قتل يوم الدار ، قتلهما عبيد عثمان ، و الباقون الذين جندي و عضدي كما تزعمون لم يقتلوا بأيديهم و إنّما اغروا به و حصروه ،

و أجلبوا عليه و هجموا على داره ، كمحمّد بن أبي بكر و الأشتر و عمرو بن الحمق و غيرهم ، و ليس على هؤلاء قود . و قوله عليه السّلام : و ليس على ضربهم قود .

أي : على مثلهم .

قلت : هل هو أعلم بالقضية و بقضائها منه عليه السّلام ؟ و كيف أنكر تصدّي اولئك و قد طعنه عمرو بن الحمق تسع طعنات ؟ و كون عمّار من قتلته مسلم ،

فقال معاوية لجمع أرسلهم عليه السّلام إليه : ألستم تعلمون أنّ قتلة صاحبنا أصحاب صاحبكم ؟ فليدفعهم إلينا فنقتلهم به ، ثم نجيبكم إلى الطاعة . فقال له شبث :

أيسرك باللّه إن امكنت من عمّار فقتلته ؟ فقال : و اللّه لو أمكنني صاحبكم من ابن سميّة ما قتلته بعثمان ، و لكنّي أقتله بنائل مولاه . فقال له شبث : و إله السماء ما عدلت معدلا .

كما أنّ كون محمّد بن أبي بكر من قتلته أيضا مسلّم ، ففي ( الطبري ) ٢ :

كتب معاوية إليه : سعيت عليه في الساعين و سفكت دمه في السافكين إلى أن قال و عدوك على عثمان يوم تطعن بمشاقصك بين أحشائه و أوداجه . و ما

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٥٩ .

 ( ٢ ) تاريخ الطبري ٤ : ٧٦ .

٢٦٧

ينفعه تأويله لفظ « ضربهم » ؟

و كون عثمان عنده عليه السّلام مباح الدم أمر واضح ، فلما جاء شرحبيل و معن من قبل معاوية إليه عليه السّلام و قد نقله بعد عن ( صفين نصر ) ١ قالا له عليه السّلام :

أتشهد أنّ عثمان قتل مظلوما ؟ فقال لهما : إنّي لا أقول ذلك . قالا : فمن لم يشهد أنّ عثمان قتل مظلوما فنحن منه براء . ثمّ قاما فانصرفا ، فقال علي عليه السّلام فإنّك لا تسمع الموتى و لا تسمع الصم الدعاء اذا ولّوا مدبرين ٢ .

« أمّا قولكم أ كلّ » و في ( ابن ميثم ) ٣ : « كل » ثم الظاهر كون ( كل ) بالرفع مبتدأ . و يجوز أن يقرأ بالنصب ، لقوله بعد ( أو ) : أمّا قولكم : « شكا في أهل الشام » فيقدر له ناصب كما له .

« ذلك » أي : تأخير الحرب .

« كراهية الموت فو اللّه ما ابالي » أي : لا اكترث .

« أدخلت » هكذا في ( المصرية ) ٤ ، و الصواب : ( دخلت ) كما في ( ابن أبي الحديد ) ٥ و ( ابن ميثم ) ٦ و ( الخطية ) .

« الى الموت أو خرج الموت » لعل إلاظهار مع كون المقام مقام الإضمار ،

لتأكيد عدم مبالاته عليه السّلام بالموت .

« إليّ » فإنّه عليه السّلام كان يقول لما كانوا يقولون : سكت عن طلب الملك جزعا من الموت : و اللّه لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي امه .

ــــــــــــ

 ( ١ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ٢٠١ ٢٠٢ .

 ( ٢ ) الروم : ٥٢ .

 ( ٣ ) شرح ابن ميثم ٢ : ١٤٥ ، و فيه : « أما قولكم : أ كلّ ذلك » .

 ( ٤ ) الطبعة المصرية : ٩٩ الخطبة ٥٥ .

 ( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ٤ : ١٢ .

 ( ٦ ) شرح ابن ميثم ٢ : ١٤٥ .

٢٦٨

و في ( صفين نصر ) ١ : عن زيد بن وهب قال مر علي عليه السّلام يومئذ و معه بنوه نحو الميسرة ، و إنّي لأرى النبل يمرّ بين عاتقه و منكبيه ، ثم إنّ أهل الشام دنوا منه ، و اللّه ما يزيده قربهم منه سرعة في مشيه ، فقال له الحسن عليه السّلام : ما ضرّك لو سعيت حتى تنتهي إلى هؤلاء الذين صبروا لعدوّك من أصحابك ؟

فقال : يا بني لأبيك يوم لن يعدوه ، و لا يبطي به عنه السعي ، و لا يعجل به إليه المشي . إنّ أباك و اللّه ما يبالي وقع على الموت أو وقع الموت عليه .

و عن ٢ عبد الرحمن بن حاطب : كان عليّ عليه السّلام اذا أراد القتال هلّل و كبّر ،

ثمّ قال :

أي يوميّ من الموت أفر

يوم ما قدر أم يوم قدر

« و أمّا قولكم : شكا في أهل الشام ، فو اللّه ما دفعت الحرب يوما إلاّ و أنا أطمع أن تلحق بي طائفة فتهتدي بي » ممّن لحق به عليه السّلام ابن عم لعمرو بن العاص ، ففي ( صفين نصر ) ٣ : أنّ ابن عمّ لعمرو قال له : إنّك ان لم ترد معاوية ، لم يردك ،

و لكنك تريد دنياه و يريد دينك . فبلغ معاوية قوله ، فطلبه فلحق بعلي عليه السّلام ،

فحدّثه بأمر عمرو و معاوية ، فسرّ ذلك عليّا عليه السّلام و قرّبه .

و لحق به عليه السّلام ابن اخت لشرحبيل بن السمط ، ففي ( صفين نصر ) ٤ : لمّا كتب جرير إلى شرحبيل ينصحه ، ذعر و فكر فلفف له معاوية الرجال يعظّمون عنده قتل عثمان ، و يرمون به عليا عليه السّلام ، و يقيمون الشهادة الباطلة ، و الكتب المختلقة ، حتى أعادوا رأيه . فقال ابن اخت له من بارق و كان لحق أهل الشام :

لعمر أبي الأشقى ابن هند لقد رمى

شرحبيل بالسهم الذي هو قاتله

ــــــــــــ

 ( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٣٤٩ .

 ( ٢ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٣٩٥ .

 ( ٣ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٤٢ .

 ( ٤ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٤٩ ٥٠ .

٢٦٩

فقال شرحبيل : و اللّه لأسيرن إلى صاحب هذا الشعر ، أو ليفوتني . فهرب الفتى إلى الكوفة و كان أصله منها . و كاد أهل الشام أن يرتابوا . . .

و لحق به عليه السّلام صديق لعمرو بن العاص ، ففي ( صفين نصر ) ١ : ذكروا أنّه لما غلب أهل الشام على الفرات فرحوا بالغلبة ، و قال معاوية : هذا أول الظفر . فقام إليه رجل يقال له ابن الأقبل و كان ناسكا ، و كان له في ما يذكر همدان لسان ، و كان صديقا لعمرو فقال له : أما تعلم ان فيهم العبد و الأمة و الأجير و الضعيف ، و من لا ذنب له ؟ هذا و اللّه أوّل الجور ، لقد شجّعت الجبان ،

و بصّرت المرتاب ، و حملت من لا يريد قتالك على كتفيك . فأغلظ له ، فقال الرجل أبياتا : و لحق في سواد الليل بعلي عليه السّلام .

و لحق به عليه السّلام شامي سمع قول النبي صلّى اللّه عليه و آله في معاوية ، لمّا رأى بيعة أهل الشام معه ، ففي ( صفين نصر ) ٢ : عن أبي حرب بن الأسود عن رجل من أهل الشام عن أبيه ، قال : سمعت النبي صلّى اللّه عليه و آله يقول : « شرّ خلق اللّه خمسة:

إبليس ، و ابن آدم الذي قتل أخاه ، و فرعون ذو الأوتاد ، و رجل من بني إسرائيل ردّهم عن دينهم ، و رجل من هذه الامّة يبايع على كفره عند باب لد » . قال الرجل :

فلمّا رأيت معاوية يبايع عند باب لد ذكرت قول النبي صلّى اللّه عليه و آله ، فلحقت بعلي عليه السّلام فكنت معه .

و لحق به شمر بن أبرهة الحميري ، و جمع من القرّاء ، ففي ( صفين نصر ) ٣ : عن الزهري قال : خرج في اليوم الخامس من صفر شمر بن ابرهة الحميري في ناس من قرّاء أهل الشام ، فلحق بعلي عليه السّلام ، ففت ذلك في عضد

ــــــــــــ

 ( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ١٦٣ ١٦٤ .

 ( ٢ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٢١٧ .

 ( ٣ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٢٢٢ .

٢٧٠

معاوية و عمرو بن العاص ، فقال عمرو لمعوية : إنّك تريد أن تقاتل بأهل الشام رجلا له من محمد قرابة قريبة ، و رحم ماسة ، و قدم في الاسلام لا يعتد أحد بمثله ، و نجدة في الحرب لم تكن لأحد من أصحاب محمّد ، و إنّه قد سار إليك بأصحاب محمّد المعدودين ، و فرسانهم و قرّائهم ، و أشرافهم و قدمائهم في الاسلام ، و لهم في النفوس مهابة ، فبادر بأهل الشام محاش الوعر ، و مضائق الغيض ، و آتهم من باب الطمع قبل أن ترفههم ، فيحدث عندهم طول المقام مللا ،

فيظهر فيهم كآبة الخذلان ، و مهما نسيت فلا تنس أنّك على باطل و أنّه على الحق .

و لحق به عليه السّلام عبد اللّه بن عمر العنسي لسماع ذي الكلاع حديث : ( قتل الفئة الباغية لعمّار ) في أيام عمر من عمرو بن العاص ، ففي ( صفين نصر ) ١ ،

عن الإفريقي بن أنعم قال : قال أبو نوح الحميري : كنت في خيل علي عليه السّلام ، اذا أنا برجل من أهل الشام يقول : من دل على الحميري ؟ قلت : أيّهم تريد ؟ قال : أبو نوح . قلت : قد وجدته ، فمن أنت ؟ قال : أنا ذو الكلاع ، سرّ إليّ . فقلت : معاذ اللّه أن أسير إليك إلاّ في كتيبة . قال : سرّ فلك ذمّة اللّه و ذمّة رسوله و ذمّة ذي الكلاع ،

حتى ترجع إلى خيلك ، فإنّما أريد أن أسألك عن أمر فيكم تمارينا فيه . فسارا حتى التقيا ، فقال له ذو الكلاع : إنّما دعوتك احدّثك حديثا حدّثنا به عمرو بن العاص أيام إمارة عمر : أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال : « يلتقي أهل الشام و أهل العراق ،

و في احدى الكتيبتين الحق و إمام الهدى و معه عمّار بن ياسر » . فقال له : إنّ عمّارا و اللّه لفينا . قال : أجادّ هو في قتالنا ؟ قال : نعم و ربّ الكعبة ، هو أشد على قتالكم منّي ، و لوددت أنّكم خلق واحد فذبحته ، و بدأت بك قبلهم و أنت ابن عمي . قال : ويلك علام تتمنى ذلك منّي ؟ و اللّه ما قطعتك في ما بيني و بينك ، و إنّ

ــــــــــــ

 ( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٣٣٢ ٣٣٩ .

٢٧١

رحمك لقريبة ، و ما يسرّني أنّي أقتلك . قال أبو نوح : إنّ اللّه قد قطع بالإسلام أرحاما قريبة ، و وصل به أرحاما متباعدة ، و أنّى يكون بيننا وصل و نحن على الحق ، و أنتم على الباطل مقيمون مع أئمة الكفر و رؤوس الأحزاب ؟ فقال ذو الكلاع هل تستطيع أن تأتي معي صف أهل الشام ، فانا جار لك منهم ، حتى تلقى عمرو بن العاص فتخبره بجدّ عمّار في قتالنا ؟ إلى أن قال ثم سار أبو نوح حتى أتى عمرا ، و هو عند معاوية ، فقال ذو الكلاع لعمرو : هل لك في رجل ناصح لبيب شفيق يخبرك عن عمّار لا يكذبك ؟ قال عمرو : و من هو ؟ قال : ابن عمي هذا ، و هو من أهل الكوفة . فقال عمرو لأبي نوح : إنّي لأرى عليك سيماء أبي تراب . قال أبو نوح : علي عليه السّلام عليه سيماء محمّد صلّى اللّه عليه و آله و أصحابه ، و عليك سيماء أبي جهل و سيماء فرعون إلى أن قال بين ذكر جمعه بين عمّار و عمرو فقال عمّار لعمرو : ألست تعلم أيها الأبتر أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال لعليّ عليه السّلام : من كنت مولاه فعليّ مولاه اللّهم وال من والاه و عاد من عاداه إلى أن قال فقال عمرو : فما ترى في قتل عثمان ؟ قال عمّار : فتح لكم باب كلّ سوء .

قال عمرو : فعليّ قتله ؟ قال عمّار : بل اللّه ربّ علي قتله ، و علي معه . قال عمرو:

أكنت في من قتله ؟ قال : كنت مع من قتله ؟ و أنا اليوم أقاتل معهم . قال عمرو :

فلم قتلتموه ؟ قال عمّار : أراد أن يغيّر ديننا فقتلناه إلى أن قال و مشى عبد اللّه بن سويد سيد جرش إلى ذي الكلاع فقال له : لم جمعت بين الرجلين ؟ قال :

لحديث سمعته من عمرو ، ذكر أنّه سمعه من النبي صلّى اللّه عليه و آله ، و هو يقول لعمّار :

« تقتلك الفئة الباغية » فخرج عبد اللّه بن عمر العنسي و كان من عبّاد أهل زمانه ليلا فأصبح في عسكر علي عليه السّلام ، و قال لذي الكلاع :

و الراقصات بركب عامدين له

إنّ الذي جاء من عمرو لمأثور

قد كنت اسمع و الأنباء شائعة

هذا الحديث فقلت الكذب و الزور

٢٧٢

حتى تلقيته من أهل عيبته

فاليوم أرجع و المغرور مغرور

و اليوم أبرأ من عمرو و شيعته

و من معاوية المحدو به العير

لا ، لا اقاتل عمّارا على طمع

بعد الرواية حتى ينفخ الصور

تركت عمرا و أشياعا له نكدا

إنّي بتركهم يا صاح معذور

يا ذا الكلاع فدع له معشرا كفروا

أو لا فدينك عين فيه تغرير

ما في مقال رسول اللّه في رجل

شكّ و لا في مقال الرسل تحيير

فلمّا سمع معاوية بهذا الشعر بعث إلى عمرو : أن أفسدت عليّ أهل الشام ، أكلّ ما سمعته من النبي صلّى اللّه عليه و آله تقوله ؟ فقال عمرو : قلتها و لست أعلم الغيب ، و لا أدري أنّ صفين تكون ، و قد رويت أنت في عمّار مثل الذي رويت .

كما أنّ جمعا من أصحابه عليه السّلام الذين كانوا حريصين على الدنيا لحقوا بمعويه لغلبة الشقاوة عليهم ، منهم بشر بن عصمة المزني ، و قيس بن قرّة التميمي ، كما في ( الطبري ) ١ . و ذو نواس بن هذيم العبدي ، و قيس بن زبد الكندي ، كما في ( صفين نصر ) ٢ .

« و تعشو إلى ضوئي » في ( الصحاح ) : عشوت إلى النار : اذا استدللت عليها ببصر ضعيف ، قال الحطيئة :

متى تأته تعشو إلى ضوء ناره

تجد خير نار عندها خير موقد

قلت : و الأصحّ ما في ( الجمهرة ) من أنّ العشو : القصد بالليل لا ببصر ضعيف . فقال : العشو مصدر عشوت إلى ضوئك : اذا قصدته بليل ، ثم صار كلّ قاصد شيئا عاشيا ، ثم ذكر بيت الحطيئة .

و إنما قال عليه السّلام ذلك ، لأنّ معاوية لبس الأمر على أهل الشام ، ففي ( صفّين

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٥ : ٢٨ ٢٩ .

 ( ٢ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٢٧٠ و ٢٨٥ .

٢٧٣

نصر ) ١ : مضى هاشم المرقال في عصابة من القرّاء ، إذ خرج عليهم فتى شاب يقول:

أنا ابن أرباب الملوك غسان

و الدائن اليوم بدين عثمان

أنبانا أقواما بما كان

ان عليّا قتل ابن عفان

ثمّ شدّ ، فلا ينثني يضرب بسيفه ، ثمّ يلعن و يشتم و يكثر الكلام ، فقال له المرقال : انّ هذا الكلام بعده الخصام ، و إنّ هذا القتال بعده الحساب ، فاتّق اللّه فانّك راجع إلى ربّك فسائلك عن هذا الموقف . قال : فإنّي اقاتلكم لأن صاحبكم لا يصلّي كما ذكر لي ، و أنّكم لا تصلّون ، و اقاتلكم لأنّ صاحبكم قتل خليفتنا ،

و أنتم وازرتموه على قتله . فقال له هاشم : و ما أنت و ابن عفان ؟ إنّما قتله أصحاب محمد صلّى اللّه عليه و آله ، و قرّاء الناس حين أحدث أحداثا و خالف حكم الكتاب ،

و إنّ أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله هم أصحاب الدين و أولى بالنظر في امور المسلمين .

و أمّا قولك : إنّ صاحبنا لا يصلّي ، فهو أوّل الناس من صلّى للّه مع النبي صلّى اللّه عليه و آله ،

و أفقه الناس في دين اللّه ، و أولاهم برسوله ، و أمّا من ترى معه فكلّهم قارى‏ء لكتاب اللّه لا ينامون الليل تهجّدا ، فلا يغررك عن دينك الأشقياء المغرورون .

فقال الفتى لهاشم : انّي لأظنّك امرأ صالحا ، هل تجد لي من توبة ؟ قال : نعم ، تب إلى اللّه إنّه يتوب عليك ، فإنّه يقبل التوبة عن عباده و يعفو عن السيّئات ٢ و يحبّ التوّابين و يحبّ المتطهّرين ٣ . فذهب الفتى راجعا ، فقال له رجل من أهل الشام : خدعك العراقي . قال : لا ، و لكن نصحني .

« و ذلك » و في ( ابن ميثم ) ٤ : ( فهو ) .

ــــــــــــ

 ( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٣٥٤ ، ٣٥٥ .

 ( ٢ ) الشورى : ٢٥ .

 ( ٣ ) البقرة : ٢٢٢ .

 ( ٤ ) شرح ابن ميثم ٢ : ١٤٥ .

٢٧٤

« أحبّ إليّ من أن اقتلها على ضلالها و ان كانت تبوء » أي : ترجع .

« بآثامها » في ( الطبري ) ١ : مكث الناس في صفين حتى اذا دنا انسلاخ المحرم ، أمر علي عليه السّلام مرثد بن الحارث الجشمي ، فنادى أهل الشام عند غروب الشمس : ألا انّ أمير المؤمنين يقول لكم : انّي قد استدمتكم لتراجعوا الحق و تنيبوا إليه ، و احتججت عليكم بكتاب اللّه عز و جلّ فدعوتكم إليه ، فلم تناهوا عن طغيان ، و لم تجيبوا إلى حق . و إنّي قد نبذت إليكم على سواء إنّ اللّه لا يحبّ الخائنين ٢ .

و روى الطبري ٣ : أنّه ابتدى‏ء بالقتال في أوّل يوم من صفر ، و كان يوم الأربعاء فخرج الأشتر من أصحابه عليه السّلام ، و خرج في مقابله أبو الأعور ، و خرج اليوم الثالث عمّار ، و خرج في مقابله عمرو بن العاص ، و خرج اليوم الرابع محمد ابن الحنفية ، و خرج في مقابله عبيد اللّه بن عمرو ، و خرج في اليوم الخامس ابن عباس ، و خرج في مقابله الوليد بن عقبة ، و خرج في اليوم السادس قيس بن سعد ابن عبادة ، و خرج في مقابله ابن ذي الكلاع ، و خرج في اليوم السابع أيضا الأشتر و حبيب بن مسلمة . فخطب عليه السّلام عشية الثلاثاء بعد العصر فقال : حتى متى لا نناهض القوم بأجمعنا ؟ و قال : الحمد للّه الذي لا يبرم ما نقض ، و ما أبرم لا ينقضه الناقضون ، و لو شاء ما اختلف اثنان من خلقه ، و لا تنازعت الامّة في شي‏ء من أمره ، و لا جحد المفضول ذا الفضل فضله . و قد ساقتنا و هؤلاء القوم الأقدار ، فلفّت بيننا في هذا المكان ، نحن من ربّنا بمرأى و مسمع ، فلو شاء عجّل النقمة و كان منه التغيير ، و لكن جعل الدنيا

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٦ : ١٠ .

 ( ٢ ) الأنفال : ٥٨ .

 ( ٣ ) تاريخ الطبري ٤ : ٧ ٩ .

٢٧٥

دار الأعمال ، و جعل دار الآخرة عنده هي دار القرار ، ليجزي الذين اساؤوا بما عملوا و يجزي الذين أحسنوا بالحسنى ١ . ألا إنّكم ملاقوا القوم غدا فأطيلوا الليلة القيام ، و أكثروا تلاوة القرآن ، و سلوا اللّه الصبر و النصر ،

و القوهم بالجدّ و الحزم ، و كونوا صادقين . و عبّأ عليه السّلام الناس ليلته كلّها ، و خرج إليهم غداة الأربعاء فاستقبلهم ، و قال : اللّهم ربّ السقف المرفوع المحفوظ المكفوف ، الذي جعلته مغيضا لليل و النهار ، و جعلت فيه مجرى الشمس و القمر و منازل النجوم ، و جعلت سكانه سبطا من الملائكة لا يسأمون العبادة ، و ربّ هذه الأرض التي جعلتها قرارا للأنام و الهوام و الأنعام ،

و ما لا يحصى مما يرى و ما لا يرى من خلقك العظيم ، و ربّ الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ، و ربّ السحاب المسخّر بين السماء و الأرض ، و ربّ البحر المسجور المحيط بالعالم ، و ربّ الجبال الرواسي التي جعلتها للأرض أوتادا ، و للخلق متاعا ، إن أظهرتنا على عدوّنا فجنبنا البغي ، و سدّدنا للحق ،

و إن أظهرتهم علينا فارزقني الشهادة ، و اعصم بقية أصحابي من الفتنة .

و ازدلف الناس يوم الأربعاء ، و اقتتلوا أشدّ قتال حتى الليل ، لا ينصرف أحد إلاّ للصلاة و كثرت القتلى ، فأصبحوا من الغد فصلّى عليه السّلام بهم غداة الخميس ،

فغلس بالصلاة أشدّ التغليس ، و أقبل و على ميمنته ابن بديل ، و على ميسرته ابن عباس ، و هو عليه السّلام في القلب في أهل المدينة ، بين أهل الكوفة و أهل البصرة ، و رفع معاوية قبّة عظيمة قد ألقى عليها الكرابيس ، و بايعه معظمهم على الموت ، و أحاطت خيل دمشق بقبّته ، فزحف ابن بديل في ميمنته عليه السّلام ، و قال : قد قاتلناهم مع النبي صلّى اللّه عليه و آله مرّة ، و هذه ثانية ، و اللّه ما هم في هذه بأتقى و لا أزكى و لا أرشد . فلم يزل يكشف خيل حبيب بن مسلمة من

ــــــــــــ

 ( ١ ) النجم : ٣١ .

٢٧٦

الميسرة ، حتى اضطرّهم إلى قبّة معاوية .

٨

الخطبة ( ٢٤ ) و من خطبة له عليه السّلام :

وَ لَعَمْرِي مَا عَلَيَّ مِنْ قِتَالِ مَنْ خَالَفَ اَلْحَقَّ وَ خَابَطَ اَلْغَيَّ مِنْ إِدْهَانٍ وَ لاَ إِيهَانٍ فَاتَّقُوا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ وَ اِمْضُوا فِي اَلَّذِي نَهَجَهُ لَكُمْ وَ قُومُوا بِمَا عَصَبَهُ بِكُمْ ؟ فَعَلِيٌّ ؟ ضَامِنٌ لِفَلْجِكُمْ آجِلاً إِنْ لَمْ تُمْنَحُوهُ عَاجِلاً أقول : يمكن أن يكون قاله عليه السّلام ، لما أراد المسير إلى معاوية ابتداء أو ثانيا ، و يمكن الاستيناس للأوّل بما في ( صفين نصر ) ١ : أنّ عليّا عليه السّلام لما أراد المسير إلى الشام دعا إليه من كان معه من المهاجرين و الأنصار ، فحمد اللّه و أثنى عليه و قال : إنّكم ميامين الرأي ، مراجيح الحلم ، مقاويل بالحق ، مباركو الفعل و الأمر . و قد أردنا المسير إلى عدوّنا و عدوّكم فأشيروا علينا برأيكم .

فقام هاشم بن عتبة و قال : أنا بالقوم جد خبير ، إنّهم لك و لأشياعك أعداء ، و لمن يطلب حرث الدنيا أولياء ، و هم مقاتلوك و مجاهدوك لا يبقون جهدا ، مشاحة على الدنيا ، و ضنّا بما في أيديهم منها ، و ليس لهم إربة غيرها إلاّ ما يخدعون به الجهال من الطلب بدم عثمان . و قام عمّار و قال له عليه السّلام : إن استطعت الاّ تقيم يوما واحدا ، فاشخص بنا قبل استعار نار الفجرة ، و اجتماع رأيهم على الصدود و الفرقة ، و ادعهم إلى رشدهم . و قام قيس بن سعد بن عبادة و قال له :

انكمش بنا إلى عدونا ، و لا تعرج ، فو اللّه لجهادهم أحبّ إليّ من جهاد الترك و الروم ، لإدهانهم في دين اللّه ، و استذلالهم أولياء اللّه من أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله ،

من المهاجرين و الأنصار و التابعين باحسان ، فإذا غضبوا على رجل حبسوه ،

ــــــــــــ

 ( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٩٢ .

٢٧٧

أو ضربوه ، أو حرموه ، أو سيّروه ، و فيئنا لهم حلال ، و نحن لهم في ما يزعمون قطين . يعني : رقيق .

و يمكن الاستيناس للثاني بما في ( خلفاء ابن قتيبة ) ١ : أنّه عليه السّلام لما آيس من رجوع الخوارج ، رأى أن يدعهم و يمضي بالناس إلى معاوية ، فقام خطيبا و قال : أما بعد ، فإنّ من ترك الجهاد ، و داهن في أمر اللّه ، كان على شفا هلكة ، إلاّ أن يتداركه اللّه برحمته ، فاتّقوا اللّه عباد اللّه . قاتلوا من حادّ اللّه و حاول أن يطفى‏ء نور اللّه ، قاتلوا الخاطئين القاتلين لأولياء اللّه ، المحرّفين لدين اللّه ، الذين ليسوا بقرّاء الكتاب ، و لا فقهاء في الدين ، و لا علماء بالتأويل ، و لا لهذا الأمر بأهل في دين ، و لا سابقة . في الاسلام و اللّه لو ولوا عليكم ، لعملوا فيكم بعمل كسرى و قيصر .

« و لعمري ما عليّ من قتال من خالف الحق » كائنا من كان ، و لو كان قريبه أو صديقه .

« و خابط » في ( الصحاح ) : خبط البعير الأرض بيده : ضربها ، و منه قيل :

خبط عشواء ، و هي التي في بصرها ضعف ، تخبط اذا مشت لا تتوقى شيئا .

« الغي من إدهان » أي : مصانعة ، قال تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله : ودوا لو تدهن فيدهنون ٢ .

« و لا إيهان » أي : تضعيف ، من : و هن بالكسر أي : ضعف .

« فاتقوا اللّه عباد اللّه » اقتصر في ( المصرية ) ٣ على الكلام ، و فيها سقط ،

و الأصل : « فاتقوا اللّه عباد اللّه و فروا إلى اللّه من اللّه » كما يشهد له ( ابن أبي

ــــــــــــ

 ( ١ ) الخلفاء لابن قتيبة : ١٤٤ .

 ( ٢ ) القلم : ٩ .

 ( ٣ ) الطبعة المصرية : ٥٩ الخطبة ٢٤ .

٢٧٨

الحديد ) ١ و ( ابن ميثم ) ٢ و ( الخطية ) . و معنى الفرار إليه منه : أنّه لا ملجأ منه إلاّ إليه ، بمعنى انّه لا يتصور الفرار منه تعالى ، و الفرار منه هو الفرار إليه .

« و امضوا في الذي نهجه » أي : في الطريق الذي أوضحه .

« لكم » و كان أعداؤه مقرين بذلك ، فكان عمر يقول : لو ولى الخلافة علي ،

ليحملنّ الناس على المحجّة البيضاء و الصراط المستقيم .

« و قوموا بما عصبه » أي : شدّه .

« بكم » من جهاد أعداء اللّه .

« فعلي ضامن لفلجكم » أي : ظفركم و فوزكم و فلاحكم .

« آجلا » في الآخرة .

« إن لم تمنحوه » أي : تعطوه .

« عاجلا » أي : في الدنيا ، فشيعته هم الفائزون في الآخرة . رواه سبط ابن الجوزي ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلّى اللّه عليه و آله .

٩

الخطبة ( ١٠٥ ) و من كلام له عليه السّلام :

وَ قَدْ رَأَيْتُ جَوْلَتَكُمْ وَ اِنْحِيَازَكُمْ عَنْ صُفُوفِكُمْ تَحُوزُكُمُ اَلْجُفَاةُ اَلطَّغَامُ وَ أَعْرَابُ أَهْلِ ؟ اَلشَّامِ ؟ وَ أَنْتُمْ لَهَامِيمُ اَلْعَرَبِ وَ يَآفِيخُ اَلشَّرَفِ وَ اَلْأَنْفُ اَلْمُقَدَّمُ وَ اَلسَّنَامُ اَلْأَعْظَمُ وَ لَقَدْ شَفَى وَحَاوِحَ صَدْرِي أَنْ رَأَيْتُكُمْ بِأَخَرَةٍ تَحُوزُونَهُمْ كَمَا حَازُوكُمْ وَ تُزِيلُونَهُمْ عَنْ مَوَاقِفِهِمْ كَمَا أَزَالُوكُمْ حَسّاً بِالنِّضَالِ وَ شَجْراً بِالرِّمَاحِ تَرْكَبُ أُوْلاَهُمْ أُخْرَاهُمْ كَالْإِبِلِ اَلْهِيمِ

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٣١ .

 ( ٢ ) شرح ابن ميثم ٢ : ١٤ ، و فيه : « فاتقوا اللّه عباد اللّه » .

٢٧٩

اَلْمَطْرُودَةِ تُرْمَى عَنْ حِيَاضِهَا وَ تُذَادُ عَنْ مَوَارِدِهَا أقول : رواه الطبري ١ و ( صفّين نصر ) ٢ و ( الكافي ) ٣ . و ننقل الأوّل أخيرا .

قول المصنّف : « و من كلام له عليه السّلام » هكذا في ( المصرية ) ٤ و فيه تحريف و سقط ، و الصواب : ( و من خطبة له عليه السّلام في بعض أيام صفين ) كما في ( ابن أبي الحديد ) ٥ و ( ابن ميثم ) ٦ و ( الخطية ) .

« و قد رأيت جولتكم و انحيازكم عن صفوفكم تحوزكم الجفاة » جمع الجافي .

« الطغام » أي : الأرذال و الأوغاد .

« و أعراب أهل الشام » قال عليه السّلام ذلك لأصحابه لمّا هزمهم في الميمنة أصحاب معاوية ففي ( الطبري ) ٧ : أقبل الذين تبايعوا من أهل الشام على الموت إلى معاوية ، فأمرهم أن يصمدوا لابن بديل في الميمنة و بعث إلى حبيب بن مسلمة في الميسرة : يحمل بمن كان معه على الميمنة ، فانكشف أهل العراق من قبل الميمنة ، حتى لم يبق منهم إلاّ ابن بديل في مائتين أو ثلاثمائة من القرّاء ، قد أسند بعضهم ظهره إلى بعض ، فأمر علي عليه السّلام سهل بن حنيف ،

فاستقدم في من كان معه من أهل المدينة ، فاستقبلتهم جموع لأهل الشام عظيمة، فاحتملتهم حتى ألحقتهم بالميمنة إلى أن قال لما انهزمت ميمنة

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٥ : ٢٥ .

 ( ٢ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٢٥٦ .

 ( ٣ ) الكافي ٥ : ٤٠ ح ٤ .

 ( ٤ ) الطبعة المصرية : ٢٠٥ الخطبة ١٠٥ .

 ( ٥ ) شرح ابن ابي الحديد ٧ : ١٧٩ .

 ( ٦ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٣٧ ، و فيه : « من خطبة له عليه السّلام » .

 ( ٧ ) تاريخ الطبري ٥ : ١٨ .

٢٨٠

العراق و أقبل علي عليه السّلام نحو الميسرة ، مرّ به الأشتر و هو يركض نحو الفزع قبل الميمنة ، فقال عليه السّلام له : إيت هؤلاء القوم فقل لهم : أين فراركم من الموت الذي لن تعجزوه إلى الحياة التي لن تبقى لكم ؟ فمضى الأشتر ، و استقبل الناس منهزمين ، فقال لهم هذه الكلمات التي قالها له علي عليه السّلام ، و قال : إليّ أيها الناس أنا مالك بن الحرث . ثم ظنّ انّه بالأشتر أعرف في الناس ، فقال : أنا الأشتر إليّ أيّها الناس .

« و أنتم لهاميم العرب » وردت الفقرة في العنوان ( ١٢٠ ) ، و الكلام استعارة من قولهم : فرس لهيم . اذا كان جوادا غزير الجري صرّح بالمعنى ابن دريد ،

و ليس المراد : أنتم صاحبو الجود ، كما توهمه الشرّاح أخذا من الجوهري ، فهو زلّ في قوله : اللهموم الجواد من الناس و الخيل .

« و يآفيخ » جمع اليافوخ : الموضع الذي يتحرّك من رأس الطفل .

« الشرف و أنف » هكذا في ( المصرية ) ١ ، و الصواب : ( و الانف ) كما في ( ابن أبي الحديد ) ٢ و ( ابن ميثم ) ٣ و ( الخطية ) .

« المقدم و السنام » في ( الصحاح ) : واحد أسنمة البعير .

« الأعظم » و الكل استعارات ، كلها ميم العرب ، و في ( الطبري ) ٤ بعد ما مرّ من قول الأشتر للمنهزمين : أنا الأشتر ، إليّ أيّها الناس : فأقبلت إليه طائفة و ذهبت عنه طائفة ، فنادى : أيّها الناس عضضتم بهن آبائكم ، ما أقبح ما قاتلتم منذ اليوم أيّها الناس اخلصوا لي مذحجا . فأقبلت إليه مذحج ، فقال لهم :

عضضتم بصم الجندل ، ما أرضيتم ربّكم و لا نصحتم له في عدوّكم ، و كيف

ــــــــــــ

 ( ١ ) الطبعة المصرية : ٢٠٥ الخطبة ١٠٥ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ١٧٩ .

 ( ٣ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٣٧ و فيه : « و أنف المقدم » .

 ( ٤ ) تاريخ الطبري ٥ : ٢٠ .

٢٨١

بذلك ، و أنتم أبناء الحروب ، و أصحاب الغارات ، و فتيان الصباح ، و فرسان الطراد ، و حتوف الأقران ، و مذحج الطعان ، الذين لم يكونوا يسبقون بثأرهم ،

و لا تطل دماؤهم ، و لا يعرفون بخسف في موطن ، و أنتم أحدّ أهل مصركم ،

و أعد حيّ في قومكم ؟ و ما تفعلوا في هذا اليوم ، فإنّه مأثور بعد اليوم ؟ فاتقوا مأثور الأحاديث في غد ، و أصدقوا عدوّكم اللقاء ، فإنّ اللّه مع الصابرين . و الذي نفس مالك بيده ، ما من هؤلاء و أشار بيده إلى الشام رجل على مثل جناح بعوضة من محمّد صلّى اللّه عليه و آله ، و إنّما أنتم ما أحسنتم القراع ، اجلوا سواد وجهي يرجع في وجهي دمي عليكم بهذا السواد الأعظم فإن اللّه لو قد فضه تبعه من بجانبيه ، كما يتبع مؤخر السيل مقدمه . قالوا خذ بنا حيث أحببت . . . .

و فيه ١ : انّ الأشتر كان يومئذ يقاتل على فرس له ، و في يده صحيفة يمانية إذا طأطأها خلت فيها ماء منصبّا ، و اذا رفعها كاد يغشي البصر شعاعها ، و جعل يضرب بسيفه و يقول : الغمرات ثم تنجلينا ، و رآه منقذ و حمير ابنا قيس الناعطيان ، فقال منقذ لحمير : ما في العرب مثل هذا ، إن كان ما أراه من قتاله من النيّة . فقال له حمير : و هل النيّة إلاّ ما تراه يصنع ؟ قال : إنّي أخاف أن يكون حاول ملكا . . . .

« و لقد شفى و حاوح » و في ( الطبري ) : « أحاح » .

في ( الجمهرة ) : يقال للمرأة اذا طلقت : تركتها توحوح بين القوابل .

و سمعت بفلان أحة و أحاحا و أحيحا : اذا رأيته يتوجع من غيظ ، أو حزن . و في قلبه أحاح و أحيح ، قال الراجز :

يطوى الخيازيم على أحاح

« صدري أن رأيتكم بأخرة » بفتح الهمزة أي : أخيرا .

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٥ : ٢٢ .

٢٨٢

« تحوزونهم كما حازوكم و تزيلونهم عن مواقفهم كما أزالوكم حسا » أي :

استيصالا بالقتل ، قال تعالى . . . إذ تحسونهم بإذنه . . . ١ .

« بالنضال » هكذا في ( المصرية ) ٢ ، و نسب النضال و هي المراماة ( ابن أبي الحديد ) ٣ إلى رواية . و لكن في ( ابن ميثم ) ٤ : « بالنصال » بالمهملة . و في ( الصحاح ) : النصل : نصل السهم و السيف و السكين و الرمح و الجمع : نصول و نصال .

« و شجرا » أي : طعنا .

« بالرماح تركب أولاهم اخراهم كالابل الهيم » أي : العطاش .

« المطرودة ترمي عن حياضها و تذاد » أي : تدفع و تطرد .

« عن مواردها » أي : المحال التي تردها لشرب الماء ، في ( الطبري ) ٥ : لما اجتمع إلى الأشتر عظم من كان انهزم عن الميمنة حرّضهم إلى أن قال ثم حمل على الخصم حتى كشفهم ، فألحقهم بصفوف معاوية بين صلاة العصر و المغرب ، و انتهى إلى عبد اللّه بن بديل ، و هو في عصبة من القراء بين المائتين و الثلاثمائة ، و لقد لصقوا بالأرض كأنّهم جثى ، فكشف عنهم أهل الشام ،

فأبصروا اخوانهم قد دنوا منهم ، فقالوا : ما فعل أمير المؤمنين عليه السّلام ؟ قالوا:

حي صالح في الميسرة يقاتل الناس أمامه . فقالوا : الحمد للّه ، قد كنّا ظننا ان قد هلك هو و هلكتم . و قال عبد اللّه بن بديل لأصحابه : استقدموا بنا . فأرسل الأشتر إليه : لا تفعل ، اثبت مع الناس فقاتل ، فإنّه خير لهم و أبقى لك و لأصحابك . فأبى ،

ــــــــــــ

 ( ١ ) آل عمران : ١٥٢ .

 ( ٢ ) الطبعة المصرية : ٢٠٥ الخطبة ١٠٥ .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ١٨٠ .

 ( ٤ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٣٧ ، و فيه : « بالنّضال » .

 ( ٥ ) تاريخ الطبري ٥ : ٢٣ .

٢٨٣

فمضى كما هو نحو معاوية ، و حوله كأمثال الجبال ، و في يده سيفان و قد جرح فهو أمام أصحابه ، فأخذ كلّما دنا منه رجل ضربه فقتله ، حتى قتل سبعة ، و دنا من معاوية فنهض إليه الناس من كلّ جانب ، و احيط به و بطائفة من أصحابه ،

فقاتل حتى قتل ، و قتل ناس من أصحابه ، و رجعت طائفة قد جرحوا منهزمين.

فبعث الأشتر بن جمهان الجعفي ، فحمل على أهل الشام الذين يتبعون من نجا من أصحاب ابن بديل ، حتى نفسوا عنهم و انتهوا إلى الأشتر ، فقال لهم : ألم يكن رأيي لكم خير لكم من رأيكم لأنفسكم ؟ ألم آمركم أن تثبتوا مع الناس ؟ و كان معاوية قال في ابن بديل و هو يضرب قدما : أترونه كبش القوم ؟ فلما قتل أرسل إليه : من هو ؟ فقال ناس من أهل الشام : لا نعرفه . فأقبل هو حتى وقف عليه ، فقال : بلى ، هذا عبد اللّه بن بديل ، و اللّه لو استطاعت نساء خزاعة أن يقاتلنا فضلا عن رجالها لفعلت ، مدوه . فمدوه ، فقال : هذا و اللّه كما قال الشاعر :

أخو الحرب إن عضّت به الحرب عضّها

و إن شمّرت يوما به الحرب شمرا

و البيت لحاتم و زحف الأشتر اليهم ، فاستقبله معاوية بعك و الاشعريين ، فقال الأشتر لمذحج : اكفونا عكا . و وقف في همدان ، و قال لكندة :

اكفونا الأشعريين . فاقتتلوا قتالا شديدا ، و أخذ الأشتر يخرج إلى قومه ، فيقول:

إنّما هم عك فاحملوا عليهم . فيجثون على الركب و يرتجزون :

يا ويل امّ مذحج من عك

هاتيك امّ مذحج تبكي

فقاتلوهم حتى المساء . ثم انّه قاتلهم في همدان و ناس من طوائف الناس ، فحمل عليهم فأزالهم عن مواقفهم حتى ألحقهم بالصفوف الخمسة المعقلة بالعمائم حول معاوية ، ثم شدّ عليهم شدّة اخرى ، فصرع الصفوف الأربعة ، و كانوا معقلين بالعمائم حتى انتهوا إلى الخامس الذي حول معاوية ،

٢٨٤

و دعا معاوية بفرس فركب ، و كان يقول : أردت أن أنهزم فذكرت قول ابن أطنابة كان ابن أطنابة جاهليا ، و أطنابة امه امرأة من بلقين

أبت لي عفتي و حياء نفسي

و إقدامي على البطل المشيح

و إعطائي على المكروه مالي

و أخذي الحمد بالثمن الربيح

و قولي كلّما جشأت و جاشت

مكانك تحمدي أو تستريحي

فمنعني هذا القول من الفرار .

هذا ، و الأصل في العنوان ما رواه الطبري ١ و غيره ٢ ، كما مر عن زيد بن وهب : أن عليّا عليه السّلام لما رأى ميمنته قد عادت إلى مواقفها و مصافها ،

و كشفت من بإزائها من عدوّها ، حتى حاربوهم في مواقفهم و مراكزهم ، أقبل حتى انتهى إليهم ، فقال : إنّي رأيت جولتكم و انحيازكم عن صفوفكم ، يحوزكم الطغاة الجفاة و أعراب أهل الشام ، و أنتم لهاميم العرب ، و السنام الأعظم ،

و عمّار الليل بتلاوة القرآن ، و أهل دعوة الحق إذ ضل الخاطئون ، فلو لا إقبالكم بعد إدباركم ، و كرّكم بعد انحيازكم ، وجب عليكم ما وجب على المولّي يوم الزحف دبره ، و كنتم من الهالكين ، و لكن هوّن وجدي و شفى بعض أحاح نفسي أنّي رأيتكم بأخرة حزتموهم كما حازوكم ، و أزلتموهم عن مصافهم كما أزالوكم ، تحسونهم بالسيوف تركب أولاهم أخراهم كالإبل المطردة ،

فالآن فاصبروا ، نزلت عليكم السكينة و ثبّتكم اللّه تعالى باليقين ، ليعلم المنهزم أنّه مسخط ربه و موبق نفسه ، إنّ في الفرار موجدة اللّه عز و جل عليه ، و الذلّ اللازم ، و العار الباقي ، و اعتصار الفي‏ء من يده ، و فساد العيش عليه ، و إنّ الفار منه لا يزيد في عمره و لا يرضي ربه ، فموت المرء محقا قبل إتيان هذه

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٥ : ٢٥ .

 ( ٢ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٢٥٦ .

٢٨٥

الخصال خير من التلبس بها و الاقرار عليها » .

١٠

من الخطبة ( ١٨٠ ) أَلاَ إِنَّهُ قَدْ أَدْبَرَ مِنَ اَلدُّنْيَا مَا كَانَ مُقْبِلاً وَ أَقْبَلَ مِنْهَا مَا كَانَ مُدْبِراً وَ أَزْمَعَ اَلتَّرْحَالَ عِبَادُ اَللَّهِ اَلْأَخْيَارُ وَ بَاعُوا قَلِيلاً مِنَ اَلدُّنْيَا لاَ يَبْقَى بِكَثِيرٍ مِنَ اَلْآخِرَةِ لاَ يَفْنَى مَا ضَرَّ إِخْوَانَنَا اَلَّذِينَ سُفِكَتْ دِمَاؤُهُمْ وَ هُمْ ؟ بِصِفِّينَ ؟ أَلاَّ يَكُونُوا اَلْيَوْمَ أَحْيَاءً يُسِيغُونَ اَلْغُصَصَ وَ يَشْرَبُونَ اَلرَّنْقَ قَدْ وَ اَللَّهِ لَقُوا اَللَّهَ فَوَفَّاهُمْ أُجُورَهُمْ وَ أَحَلَّهُمْ دَارَ اَلْأَمْنِ بَعْدَ خَوْفِهِمْ أَيْنَ إِخْوَانِيَ اَلَّذِينَ رَكِبُوا اَلطَّرِيقَ وَ مَضَوْا عَلَى اَلْحَقِّ أَيْنَ ؟ عَمَّارٌ ؟ وَ أَيْنَ ؟ اِبْنُ اَلتَّيِّهَانِ ؟ وَ أَيْنَ ؟ ذُو اَلشَّهَادَتَيْنِ ؟ وَ أَيْنَ نُظَرَاؤُهُمْ مِنْ إِخْوَانِهِمُ اَلَّذِينَ تَعَاقَدُوا عَلَى اَلْمَنِيَّةِ وَ أُبْرِدَ بِرُءُوسِهِمْ إِلَى اَلْفَجَرَةِ قَالَ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَى لِحْيَتِهِ اَلشَّرِيفَةِ اَلْكَرِيمَةِ فَأَطَالَ اَلْبُكَاءَ ثُمَّ قَالَ ع أَوِّهِ عَلَى إِخْوَانِيَ اَلَّذِينَ قَرَءُوا ؟ اَلْقُرْآنَ ؟ فَأَحْكَمُوهُ وَ تَدَبَّرُوا اَلْفَرْضَ فَأَقَامُوهُ أَحْيَوُا اَلسُّنَّةَ وَ أَمَاتُوا اَلْبِدْعَةَ دُعُوا لِلْجِهَادِ فَأَجَابُوا وَ وَثِقُوا بِالْقَائِدِ فَاتَّبَعُوهُ قال : ثمّ ضرب بيده إلى لحيته الشّريفة الكريمة ، فأطال البكاء ، ثم قال عليه السّلام :

أقول : قال ابن أبي الحديد ١ : هذه الخطبة آخر خطبة خطب عليه السّلام بها قائما .

قلت : إن وجد في ذلك خبرا ، و إلاّ فالمحقق كونه قرب شهادته عليه السّلام باسبوع . ففي ذيلها « قال نوف : و عقد للحسين عليه السّلام في عشرة آلاف إلى أن قال و هو يريد الرجعة إلى صفّين ، فما دارت الجمعة حتى ضربه الملعون »

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ١١٢ .

٢٨٦

و أمّا كونها أخيرها فغير معلوم .

« الاّ إنّه قد أدبر من الدنيا » بغلبة أهل الجور .

« ما كان مقبلا » بكون الأمر في يدي أهل الحق ، زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله .

« و أقبل منها ما كان مدبرا » بتصدي أهل الباطل للأمر بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله لا سيما في زمن عثمان ، لخلوص الأمر لبني اميّة ، كما صرّح به أبو سفيان .

« و أزمع » أي : عزم . و الأصح قول الكسائي من عدم تعديه بعلى ، دون قول الفراء بجوازه ، فلم نقف إلاّ على تعديته بنفسه ، ككلامه عليه السّلام هنا ، و قول عنترة:

إن كنت أزمعت الفراق فإنّما

و قول الأعشى :

أزمعت من آل ليلى ابتكارا

و من الغريب أنّ ابن دريد أتى بالتناقض هنا ، فقال أولا : أزمع فلان كذا و كذا : إذا عزم عليه ، و لا يكادون يقولون : أزمع على كذا و كذا . و قال ثانيا : و لا تكاد العرب تقول : الا أزمعت على ذلك .

« الترحال » أي : الارتحال .

« عباد اللّه الأخيار ، و باعوا قليلا من الدنيا » فكل شريف أو وضيع لا يمتّع من الدنيا إلاّ قليلا .

« لا يبقى ، بكثير من الآخرة » فمن كان أدنى أهل الآخرة ثوابا ، كان له من النعمة سبعين ضعفا من نعيم الدنيا ، من أوّلها إلى آخرها .

« لا يفنى » أخذ كلامه عليه السّلام من أوّله إلى هنا سليمان بن صرد الخزاعي ،

لما أراد الطلب بدم الحسين عليه السّلام ، فكتب إلى سعد بن حذيفة اليماني بالمدائن :

إنّ الدنيا دار قد أدبر منها ما كان معروفا ، و أقبل منها ما كان منكرا ، و أصبحت

٢٨٧

قد تشنّأت إلى ذوي الألباب ، و أزمع الترحال منها عباد اللّه الأخيار و باعوا قليلا من الدنيا لا يبقى بجزيل مثوبة عند اللّه لا يفنى ١ .

و نظير كلامه عليه السّلام كلام ابنه الحسين عليه السّلام في خطبته أصحابه بذي حسم ، حين وصل الحر مع ألف فارس من قبل ابن زياد إليه ، ففي ( الطبري ) ٢ :

قام عليه السّلام فحمد اللّه و أثنى عليه ، ثم قال لأصحابه : إنّه قد نزل من الأمر ما قد ترون ، و انّ الدنيا قد تغيّرت و تنكّرت ، و أدبر معروفها و استمرّت حذاء فلم يبق منها إلاّ صبابة كصبابة الإناء ، و خسيس عيش كالمرعى الوبيل ، ألا ترون أنّ الحق لا يعمل به ، و أنّ الباطل لا يتناهى عنه ؟ ليرغب المؤمن في لقاء اللّه محقّا ،

فإنّي لا أرى الموت إلاّ شهادة ، و لا الحياة مع الظالمين إلاّ بر ما . فقام زهير بن القين البجلي فقال لأصحابه : تكلمون أم أتكلّم ؟ قالوا : بل تتكلم . فقال له : قد سمعنا يابن رسول اللّه مقالتك ، و اللّه لو كانت الدنيا لنا باقية ، و كنّا فيها مخلدين إلا أنّ فراقها في نصرك و مواساتك ، لآثرنا الخروج معك على الإقامة فيها .

فدعا له الحسين عليه السّلام ، و أقبل الحر يسايره و هو يقول له : يا حسين إنّي اذكّرك اللّه في نفسك ، فإنّي أشهد لئن قاتلت لتقتلن . فقال عليه السّلام له : أفبالموت تخوّفني ؟

و هل يعدو بكم الخطب إلاّ أن تقتلوني ؟ أقول لك ما قال أخو الأوس لابن عمه لما لقيه و هو يريد نصرة النبي صلّى اللّه عليه و آله ، و قال له أين تذهب ؟ فإنّك مقتول :

سأمضي و ما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى حقّا و جاهد مسلما

و آسى الرجال الصالحين بنفسه

و فارق مثبورا يغش و يرغما

« ما ضرّ إخواننا الذين سفكت دماؤهم و هم » هكذا في ( المصرية ) ٣ و الكلمة

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٣ : ٣٩٢ سنة ٦٤ .

 ( ٢ ) تاريخ الطبري ٥ : ٤٠٣ .

 ( ٣ ) الطبعة المصرية : ١٣٠ الخطبة ١٨٠ .

٢٨٨

زائدة ، لعدم وجودها في ( ابن ميثم ) ١ و ( ابن أبي الحديد ) ٢ ، و لأن المعنى معها غير مستقيم .

« بصفّين » في ( صفين نصر ) ٣ : اصيب بصفّين من أهل الشام خمسة و أربعون ألفا ، و من أهل العراق خمسة و عشرون ألفا .

و في ( مروج المسعودي ) ٤ : كانت عدة الوقائع بين أهل العراق و الشام سبعين وقعة ، و قد تنوع في مقدار من قتل بها من الفريقين ، فعن يحيى بن معين : قتل منهما مائة ألف و عشرة آلاف ، في مائة يوم و عشرة أيام ، تسعون ألفا من أهل الشام ، و عشرون ألفا من أهل العراق . و أما الهيثم بن عدي الطائي و الشرقي بن القطامي و أبو مخنف لوط بن يحيى فذكروا : أنّ جملة من قتل منهما سبعون ألفا خمسة و أربعون من أهل الشام ، و خمسة و عشرون ألفا من أهل العراق ، فيهم خمسة و عشرون بدريا . و العدّ كان يقع بالقضيب ،

و الإحصاء للقتلى في كلّ وقعة . و تحصيل هذا يتفاوت ، لأنّ فيهم من لا يعرف،

و من غرق ، و من قتل فأكله السباع .

« ألاّ يكونوا اليوم أحياء يسيغون » من : ساغ الشراب ، أي : سهل مدخله في الحلق. قال الجوهري : يتعدى و لا يتعدى ، و الأجود في المتعدي أساغ ، قال تعالى : يتجرّعه و لا يكاد يسيغه ٥ .

« الغصص » بالفتح مصدر غصّ بالطعام ، أو بالضم جمع الغصة .

« و يشربون الرنق » أي : المكدر ، قال ابن الرومي .

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٣٩١ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ٩٩ .

 ( ٣ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٥٥٨ .

 ( ٤ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٤٠٤ .

 ( ٥ ) إبراهيم : ١٧ .

٢٨٩

قد قلت اذ مدحوا الحياة فأكثروا

للموت ألف فضيلة لا تعرف

فيها أمان لقائه بلقائه

و فراق كلّ معاشر لا ينصف

« قد و اللّه لقوا اللّه فوفاهم أجورهم ، و أحلّهم دار الأمن من بعد خوفهم » في ( صفين نصر ) ١ : قال عتبة بن جويرية يوم صفين : ألا إنّ مرعى الدنيا قد أصبح شجرها هشيما ، و أصبح زرعها حصيدا ، و جديدها سملا ، و حلوها مرّا .

ألا و إنّي انبّئكم نبأ امرى‏ء صادق : إنّي سئمت الدنيا ، و عزفت نفسي عنها ، و قد كنت أتمنى الشهادة و أتعرّض لها في كلّ حين ، فأبى اللّه إلاّ أن يبلغني هذا اليوم ، ألا و إنّي متعرّض ساعتي هذه لها ، و قد طمعت ألاّ احرمها . فما تنظرون عباد اللّه جهاد اللّه ، أتستبدلون الدنيا بالنظر إلى وجه اللّه عز و جل ، و مرافقة النبيين و الصدّيقين و الشهداء و الصالحين في دار القرار ؟ ما هذا بالرأي السديد . ثم قال لإخوته : إنّي قد بعت هذه الدار بالتي أمامها ، و هذا وجهي إليها .

فتبعه أخواه عبيد اللّه و عوف ابنا مالك ، و قالا : لا نطلب رزق الدنيا بعدك ، قبّح اللّه العيش بعدك ، اللّهم إنّا نحتسب أنفسنا عندك . ثم استقدموا فقاتلوا ، حتى قتلوا .

و فيه ٢ : قال أبو عرفاء جبلة بن عطية الذهلي في صفين للحضين بن المنذر : هل لك أن تعطيني رايتك أحملها ، فيكون لك ذكرها و يكون لي أجرها ،

أعيرها عنك ساعة فما أسرع ما ترجع إليك ؟ فعلم أنّه يريد أن يستقتل ، فقال :

فما شئت . فاخذ أبو عرفاء الراية ، فقال : يا أهل هذه الراية ، إنّ عمل الجنة كره كلّه ، و إنّ عمل النار خف كلّه ، و إنّ الجنّة لا يدخلها إلاّ الصابرون الذين صبروا أنفسهم على فرائض اللّه و أمره ، و ليس شي‏ء مما افترض اللّه على العباد أشدّ من الجهاد ، و هو أفضل الأعمال ثوابا ، فاذا رأيتموني قد شددت فشدوا ،

ــــــــــــ

 ( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٢٦٤ .

 ( ٢ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٣٠٤ ٣٠٥ .

٢٩٠

ويحكم أما تشتاقون إلى الجنّة ؟ أما تحبون أن يغفر اللّه لكم ؟ فشدّ و شدوا معه ، حتى قتل .

و في ( الطبري ) ١ : قاتلت النخع في صفين قتالا شديدا فأصيب منهم يومئذ بكر بن هوذة ، و حيان بن هوذة ، و شعيب بن نعيم من بني بكر النخع ،

و ربيعة بن مالك ، و أبي بن قيس أخو علقمة الفقيه ، و قطعت رجل علقمة يومئذ ،

فكان يقول : ما أحب أن رجلي أصح ما كانت ، و أنّها لممّا أرجو به حسن الثواب من ربّي عز و جل ، و لقد كنت احبّ أن أرى في نومي أخي أو بعض إخواني ،

فرأيت أخي فقلت : ماذا قدمتم عليه ؟ فقال : التقينا نحن و القوم فاحتججنا عند اللّه عز و جل ، فحججناهم . فما سررت منذ عقلت مثل سروري بتلك الرؤيا .

هذا ، و أخذ كلامه عليه السّلام من قوله : « ما ضر اخواننا الذين سفكت دماؤهم بصفين » إلى هنا سليمان بن صرد الخزاعي أيضا ، فكتب إلى سعد بن حذيفة أيضا : ما ضر أهل عذراء يعني حجرا و أصحابه الذين قتلوا ألاّ يكونوا اليوم أحياء ، و هم عند ربّهم يرزقون ، شهداء قد لقوا اللّه صابرين محتسبين ، فأثابهم ثواب الصابرين ؟ و ما ضرّ إخوانكم المقتلين صبرا ، المصلبين ظلما ،

و الممثول بهم ، المعتدى عليهم ألا يكونوا أحياء مبتلين بخطاياكم ، قد خيّر لهم فلقوا ربهم و وفاهم أجرهم ؟

« أين إخواني الذين ركبوا الطريق » أي : طريق اللّه عز و جل .

« و مضوا على الحق » كما أمرهم سبحانه و انّ هذا صراطي مستقيما فاتّبعوه و لا تتّبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله . . . ٢ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٥ : ٣٢ .

 ( ٢ ) الانعام : ١٥٣ .

٢٩١

في ( الطبري ) ١ : قال أبو عبد الرحمن السلمي : رأيت عمّارا لا يأخذ واديا من أودية صفين إلاّ تبعه من كان هناك من أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله ، و رأيته جاء إلى هاشم بن عتبة المرقال صاحب راية علي عليه السّلام ، فقال : يا هاشم أعورا وجبنا ؟ لا خير في أعور لا يغشى البأس ، اركب يا هاشم . فركب هاشم و مضى و هو يقول :

أعور يبغي أهله محلا

قد عالج الحياة حتى ملا

لا بدّ أن يفلّ أو يفلا

و في ( الاستيعاب ) ٢ : قال عبد الرحمن بن ابزى : شهدنا مع علي عليه السّلام صفين ممن بايع بيعة الرضوان ، فقتل منّا ثلاثة و ستون ، منهم عمّار .

« أين عمار » في ( ذيل الطبري ) ٣ : عمّار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين بن الوذيم بن ثعلبة بن عوف بن حارثة بن عامر الأكبر بن يام ابن عنس . قدم أبوه من اليمن إلى مكة في طلب أخ له ، فأقام و حالف أبا حذيفة بن المغيرة المخزومي ، فزوّجه أبو حذيفة أمة له يقال لها :

سمية بنت خباط ، فولدت له عمّارا ، فأعتقه أبو حذيفة و لم يزل هو و أبوه مع أبي حذيفة إلى أن جاء اللّه بالاسلام ، فأسلم هو و أبوه و امّه .

هذا ، و في ( الاستيعاب ) : قال ابن قتيبة : خلف على ام عمّار بعد ياسر ،

الأزرق و كان غلاما روميا للحارث بن كلدة ، فولدت له سلمة بن الأزرق ، فهو أخو عمّار لامّه . و هذا غلط فاحش من ابن قتيبة ، و إنّما خلف الأزرق على سميّة امّ زياد ، زوّجه مولاه الحارث بن كلدة منها ، لأنّه كان مولى لهما ، فسلمة

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٥ : ٤٠ .

 ( ٢ ) الاستيعاب ٢ : ٤٧٨ .

 ( ٣ ) تاريخ الطبري ١١ : ٥٠٨ .

٢٩٢

الأزرق أخو زياد لامّه لا أخو عمّار ، و ليس بين سميّة ام عمّار و سميّة ام زياد نسب و لا سبب .

قلت : لم يتفرّد بما قال من تزوّج الأزرق بسميّة امّ عمّار ، و كون سلمة بن الأزرق أخا عمّار لامّه ابن قتيبة فقط ، بل قال به قبله البلادري في ( نسبه ) ،

و بعده الطبري في ( ذيله ) ١ . و التحقيق : أنّ الأزرق تزوّج بامّ عمّار قبل ياسر أبيه ، كما صرّح به البلاذري ، و توهّم ابن قتيبة و الطبري في العكس ، فامّ عمّار لم تفارق أباه حتى قتلت معه ، ففي ( البلاذري ) : « كان عمّار و أبوه و امه و أخوه عبد اللّه يعذبون في اللّه ، فمرّ بهم النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال : صبرا آل ياسر فإنّ موعدكم الجنّة . فمات ياسر في العذاب ، و أغلظت سميّة لأبي جهل ، فطعنها في قلبها فماتت . . . » كتوهّم صاحب ( الاستيعاب ) في كون سلمة بن الأزرق أخا زياد لامّه ، فلم يقل ذلك أحد ، و إنّما كان لزياد أخوان من امّه : نافع و أبو بكرة .

و في ( الطبري ) ٢ : هاجر في قول جميع أهل السير إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية ، و قالوا جميعا : شهد بدرا و احدا و الخندق و المشاهد ، و آخى النبي صلّى اللّه عليه و آله بينه و بين حذيفة .

و في ( الحلية ) : لقي علي عليه السّلام رجلين خرجا من الحمام متدهنين ، فقال:

من أنتما ؟ قالا : من المهاجرين . قال : كذبتما ، إنّما المهاجر عمّار .

و في ( موفقيات الزبير بن بكار ) : عن ابن عباس قال عثمان لعمّار : أما و اللّه إنّك ما علمت من أعوان الشر الحاضّين عليه ، الخذلة عند الخير و المثبّطين . فقال عمّار : مهلا يا عثمان فقد سمعت النبي صلّى اللّه عليه و آله يصفني بغير ذلك . قال عثمان : و متى ؟ قال : يوم دخلت عليه منصرفه من الجمعة و ليس عنده غيرك ، و قد ألقى ثيابه و قعد في فضله ، فقبّلت صدره و نحره و جبهته ، فقال : يا

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ١١ : ٥٠٨ .

 ( ٢ ) تاريخ الطبري ١١ : ٥٠٨ .

٢٩٣

عمّار إنّك لتحبنا و إنّا لنحبك ، و إنّك من الأعوان على الخير المثبّطين عن الشر.

فقال عثمان : أجل ، و لكنّك غيّرت و بدّلت . فرفع عمّار يده يدعو ، و قال : أمّن يابن عباس . فقال : اللّهم من غيّر فغيّر به . قاله ثلاث مرات .

و في ( الاستيعاب ) ١ : و نقله ابن أبي الحديد ٢ أيضا : و للحلف و الولاء الذي بين مخزوم و بين عمّار و أبيه كان اجتماع مخزوم إلى عثمان ، حين نال غلمان عثمان من عمّار ما نالوا من الضر ، حتى انفتق له فتق في بطنه ، و زعموا أنّهم كسروا ضلعا من أضلاعه ، فقالوا : و اللّه لئن مات عمّار ، لا قتلنا به أحدا غير عثمان .

و فيه : عن ابن عباس : نزل قوله تعالى أو من كان ميتا فأحييناه و جعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها . . . ٣ في عمّار و أبي جهل . و أجمع أهل التفسير أنّه نزل في عمّار قوله تعالى . . . إلاّ من أكره و قلبه مطمئن بالايمان . . . ٤ لما عذب في اللّه فأعطاهم ما أرادوا بلسانه .

و هاجر إلى الحبشة و صلّى القبلتين .

قلت : و ربط جعل أبي جهل في قباله ، لكون أبي جهل ، من مخزوم و عمّار كان حليف مخزوم .

و في ( كامل الجزري ) : قال عمّار لعايشة بعد الجمل : ما أبعد هذا المسير من العهد الذي عهد إليك . فقالت عايشة : و اللّه إنّك ما علمت لقوّال بالحق . قال :

الحمد للّه الذي قضى لي على لسانك .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الاستيعاب ٢ : ٤٧٧ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ١٠٢ .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ١٠٢ ، و الآية ١٢٢ من سورة الأنعام .

 ( ٤ ) النحل : ١٠٦ .

٢٩٤

و في ( الاستيعاب ) ١ : في اسنادين عن عايشة : ما من أحد من أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و آله ان أشأ أن أقول فيه قلت إلاّ عمّارا ، فإنّي سمعت النبي صلّى اللّه عليه و آله يقول :

عمّار حشي ما بين أخمص قدميه إلى شحمة اذنيه إيمانا .

و فيه ٢ : و من حديث خالد بن الوليد : قال النبي صلّى اللّه عليه و آله : من أبغض عمّارا أبغضه اللّه . قال خالد : فما زلت احبه من يومئذ . و عن أنس قال النبي صلّى اللّه عليه و آله :

اشتاقت الجنّة إلى عليّ و عمّار و سلمان و بلال .

و من ٣ حديث ٤ علي عليه السّلام : جاء عمّار يستأذن على النبي صلّى اللّه عليه و آله فعرف صوته ، فقال : مرحبا بالطيّب المطيّب إيذنوا له . و رواه نصر : ( مرحبا بالطيّب ابن الطيّب ) ٥ .

و في ( الاستيعاب ) ٦ : كان يوم صفين ، أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله يتبعونه كأنّه علم لهم ، و يقول :

نحن ضربناكم على تنزيله

فاليوم نضربكم على تأويله

ضربا يزيل الهام عن مقيله

و يذهل الخليل عن خليله

و في ( كامل الجزري ) : قيل : إنّ أبا الغادية عاش إلى زمن الحجاج ، فدخل عليه فأكرمه و قال له : أنت قتلت ابن سميّة ؟ قال : نعم . قال : من سرّه أن ينظر إلى عظيم الباع يوم القيامة فلينظر إلى هذا الذي قتل ابن سميّة . ثم سأله حاجته ، فلم يجبه إليها ، فقال : نوطّى‏ء لهم الدنيا ، و لا يعطوننا منها ، و يزعم أنّي

ــــــــــــ

 ( ١ ) الاستيعاب ٢ : ٤٧٨ .

 ( ٢ ) الاستيعاب ٢ : ٤٧٩ .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ١٠٤ .

 ( ٤ ) الاستيعاب ٢ : ٤٧٩ .

 ( ٥ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٣٢٣ .

 ( ٦ ) الاستيعاب ٢ : ٤٧٩ .

٢٩٥

عظيم الباع يوم القيامة . فقال الحجاج : أجلّ و اللّه ، من كان ضرسه مثل احد،

و فخذه مثل جبل ورقان ، و مجلسه مثل المدينة و الربذة ، إنّه لعظيم الباع يوم القيامة، و اللّه لو أنّ عمّارا قتله أهل الأرض لدخلوا كلّهم النار .

و في ( الاستيعاب ) : كان أبو الغادية إذا استأذن على معاوية و غيره ، قال :

قاتل عمّار بالباب . و كان يصف قتله اذا سئل عنه لا يباليه ، و في قصّته عجب عند أهل العلم : روى عن النبي صلّى اللّه عليه و آله قوله في عمّار ، ثم قتله .

و في ( معارف ابن قتيبة ) : عن الزيادي عن عبد الوارث عن زمعة بن كلثوم عن ابيه عن أبي الغادية قال سمعت النبي صلّى اللّه عليه و آله يقول : ألا لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض ، فإن الحق يومئذ لمع عمّار . قال أبو الغادية : و سمعت عمّارا يذكر عثمان في المسجد ، قال يدعى فينا جبانا ،

و يقول : إنّ نعثلا هذا يفعل و يفعل . يعيبه فلو وجدت يومئذ ثلاثة أعوان ، لوطئته حتى أقتله ، فبينما أنا بصفين إذا أنا به في أوّل الكتيبة ، فطعنه رجل في كتفه ،

فانكشف المغفر عن رأسه ، فضربت رأسه ، فإذا رأس عمّار قد ندر . قال زمعة:

قال أبي : فما رأيت شيخا أضلّ منه ، يروي أنّه سمع النبي صلّى اللّه عليه و آله يقول ما قال ، ثم ضرب عنق عمّار .

قلت : بل العجب من جميع إخواننا ، كيف يقولون بإمامة عثمان مع أنّ عمّارا كان يكفره و يجعله مباح الدم ؟ فلما قال له عمرو بن العاص : أعليّ قتل عثمان ؟ قال : بل اللّه ربّ علي قتله . قال : أكنت ممّن قتله ؟ قال : كنت معهم ، و أنا اليوم اقاتل معهم . قال : لم قتلتموه ؟ قال : أراد أن يغيّر ديننا فقتلناه .

و في ( الطبري ) ١ : قال عمّار يوم صفّين : اقصدوا بنا نحو هؤلاء الذين يبغون دم ابن عفان ، و يزعمون أنّه قتل مظلوما . . . .

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٥ : ٣٩ .

٢٩٦

و في ( الطبري ) : ١ قال حبة العرني : انطلقت أنا و أبو مسعود إلى حذيفة بالمدائن ، و قلنا : حدّثنا فإنّا نخاف الفتن . فقال : عليكما بالفئة التي فيها ابن سميّة ، إنّي سمعت النبي صلّى اللّه عليه و آله يقول : تقتله الفئة الباغية الناكبة عن الطريق ، و إنّ آخر رزقه ضياح من لبن . قال حبة : فشهدته يوم صفين و هو يقول : إيتوني بآخر رزق من الدنيا . فاتي بضياح من لبن في قدح أروح ، له حلقة حمراء ، فما أخطأ حذيفة مقياس شعرة . فقال عمّار :

اليوم ألقى الأحبه محمدا و حزبه و اللّه لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر ، لعلمنا أنّا على الحق و أنّهم على الباطل . و جعل يقول : الموت تحت الأسل ، و الجنة تحت البارقة .

و في ( ذيل الطبري ) ٢ : روى الواقدي عن لؤلؤة مولاة امّ الحكم بنت عمّار ، قالت: لما كان اليوم الذي قتل فيه عمّار ، و الراية يحملها هاشم بن عتبة ،

و قد قتل أصحاب عليّ عليه السّلام ذلك اليوم حتى كانت العصر ، ثم تقرّب عمّار من وراء هاشم يقدمه ، و قد جنحت الشمس للغروب ، و مع عمّار ضياح من لبن ينتظر وجوب الشمس أن يفطر ، فقال حين وجبت الشمس و شرب الضيح :

سمعت النبي صلّى اللّه عليه و آله يقول : « آخر زادك من الدنيا ضيح من لبن » ثم اقترب فقاتل حتى قتل ، و هو ابن أربع و تسعين سنة .

و روى ٣ عن عمّارة بن خزيمة بن ثابت قال : طعن أبو غادية المزني عمّارا برمح فسقط ، فلما وقع أكبّ عليه رجل آخر فاحتز رأسه ، فأقبلا يختصمان فيه ، كلاهما يقول: أنا قتلته . فقال عمرو بن العاص : و اللّه ، إن يختصمان إلاّ في النار . فسمعها منه معاوية ، فلما انصرف الرجلان قال

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٥ : ٣٨ .

 ( ٢ ) ( ٣ ) ذيل تاريخ الطبري ١١ : ٥٠٩ .

٢٩٧

معاوية لعمرو : ما رأيت مثل ما صنعت ، قوم بذلوا أنفسهم دوننا ، تقول لهما :

إنّكما تختصمان في النار فقال عمرو : هو و اللّه ذاك ، و اللّه إنّك لتعلمه ، و لوددت أنّي متّ قبل هذا بعشرين سنة .

و عن ابي مخنف ١ قال : إنّ عمّارا لم يزل بهاشم بن عتبة و معه اللواء حتى حمل ، فنهض عمّار في كتيبة ، و نهض إليه ذو الكلاع في كتيبة ، فاقتتلوا فقتلا جميعا ، و استوصلت الكتيبتان ، و حمل على عمّار حوي السكسكي و أبو غادية المزني فقتلاه ، فقيل لأبي الغادية : كيف قتلته ؟ قال : لما دلف إلينا في كتيبة ، و دلفنا إليه نادى : هل من مبارز ؟ فبرز إليه رجل من السكاسك ،

فاضطربا بسيفيهما فقتل عمّار السكسكي ، ثم نادى : هل من مبارز ؟ فبرز إليه رجل من حمير ، فاضطربا بسيفيهما فقتل عمّار الحميري ، و أثخنه الحميري و نادى : من يبارز ؟ فبرزت فاختلفنا ضربتين و كانت يده ضعفت فانتجيت عليه بضربة اخرى ، فسقط فضربته بسيفي حتى برد ، و نادى الناس : قتلت أبا اليقظان قتلك اللّه . فقلت : اذهب إليك ، فو اللّه ما ابالي من كنت . و ما أعرفه يومئذ ،

فقال له محمّد بن المنتشر : يا أبا الغادية خصمك يوم القيمة مازندر يعني :

ضخم فضحك .

و في ( الطبري ) ٢ : قال أبو عبد الرحمن السلمي : لمّا قتل عمّار و كان الليل قلت : لأدخلن إليهم حتى أعلم هل بلغ منهم قتل عمّار ما بلغ منّا ؟ و كنّا إذا توادعنا من القتال تحدثوا إلينا و تحدّثنا إليهم ، فركبت فرسي و قد هدأ الليل ، ثم دخلت فاذا أنا بأربعة يتسايرون : معاوية و أبو الأعور و عمرو بن العاص و ابنه عبد اللّه ، فأدخلت فرسي بينهم مخافة أن يفوتني ما يقول أحد الشقين ،

ــــــــــــ

 ( ١ ) ذيل تاريخ الطبري ١١ : ٥١٠ .

 ( ٢ ) تاريخ الطبري ٥ : ٤١ .

٢٩٨

فقال عبد اللّه لأبيه : يا أبة قتلتم هذا الرجل في يومكم هذا ، و قد قال فيه النبي صلّى اللّه عليه و آله ما قال ؟ قال : و ما قال ؟ قال : ألم تكن معنا و نحن نبني المسجد ، و الناس ينقلون حجرا حجرا ، و لبنة لبنة ، و عمّار ينقل حجرين حجرين و لبنتين لبنتين ، فغشي عليه فأتاه النبي صلّى اللّه عليه و آله ، فجعل يمسح التراب عن وجهه ، و يقول : « ويحك يا بن سمية الناس ينقلون لبنة لبنة و أنت تنقل لبنتين لبنتين رغبة منك في الأجر ،

و أنت ويحك مع ذلك تقتلك الفئة الباغية » فدفع عمرو صدر فرسه ، ثم جذب معاوية إليه ، فقال : يا معاوية ألم تسمع ما يقول عبد اللّه ؟ قال : و ما يقول ؟

فأخبره ، فقال معاوية : إنّك شيخ أخرق ، و لا تزال تحدّث بالحديث و أنت تدحض في بولك ، أو نحن قتلنا عمّارا ؟ انما قتل عمّارا من جاء به . فخرج الناس من فساطيطهم و أخبيتهم يقولون : إنّما قتل عمّارا من جاء به . فلا أدري من كان أعجب ، هو أو هم ؟ و في ( صفين نصر ) ١ : كان ذو الكلاع سمع عمرو بن العاص يقول : قال النبي صلّى اللّه عليه و آله لعمّار : تقتلك الفئة الباغية ، و آخر شربة تشربها ضياح من لبن.

فكان ذو الكلاع يقول لعمرو : ما هذا ويحك ؟ فيقول عمرو : إنّه سيرجع إلينا.

فقتل ذو الكلاع قبل عمّار ، فقال عمرو بعد قتل عمّار لمعاوية : ما أدري بقتل أيّهما أشدّ فرحا بقتل عمّار ، أو بقتل ذي الكلاع ، و اللّه لو بقي ذو الكلاع بعد قتل عمّار ، لمال بعامة أهل الشام إلى عليّ .

و فيه ٢ : عن السدي عن يعقوب بن الأوسط قال : احتج رجلان بصفّين في سلب عمّار و في قتله ، فأتيا عبد اللّه بن عمرو بن العاص ، فقال لهما : ويحكما اخرجا عني ، فإنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال : « ولعت قريش بعمّار ، مالهم و لعمّار ؟

ــــــــــــ

 ( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٣٤١ ، ٣٤٢ .

 ( ٢ ) المصدر السابق .

٢٩٩

يدعوهم إلى الجنة و يدعونه إلى النار ، قاتله و سالبه في النار » قال السدي :

فبلغني أنّ معاوية قال : إنّما قتله من أخرجه . يخدع بذلك طغام أهل الشام .

« و أين ابن التيهان » قال ابن أبي الحديد ١ : هو مالك بن عتيك الأنصاري .

قلت : بل مالك بن التيهان بن مالك ، كما في أسماء ( الاستيعاب ) ٢ : و قال البلاذري في ( أنسابه ) ولده يقولون : ابن التيهان بن مالك بن عتيك . و أمّا قول ( الاستيعاب ) ٣ في كناه : « و التيهان اسمه مالك بن عمرو » فغلط لكونه خلاف قوله في أسمائه ، و لأنّه روى في كناه بعد عن أبي نعيم » ٤ ، قال : « و التيهان اسمه عمرو بن الحارث » . و إن كان خلاف قوله في أسمائه أيضا .

و كيف كان ، فروى ( الاستيعاب ) ٥ عن صالح بن الوجيه ، و عن أبي نعيم قتله بصفين ، و يشهد له كلامه عليه السّلام ، فالأقوال الاخر في موته في زمان النبي صلّى اللّه عليه و آله ، و في سنة ( ٢٠ ) و في سنة ( ٢١ ) لا عبرة بها .

هذا و في ( اشتقاق ابن دريد ) : شهد ابن التيهان العقبة و بدرا و كان نقيبا .

و التيهان فيعلان من تاه يتيه .

و في ( كامل المبرد ) ٦ : يقال لأبي الهيثم الأنصاري : ذو السيفين ، لأنّه كان يتقلّد سيفين في الحرب .

و روى ( عيون ابن بابويه ) ٧ : أنّ في جملة ما كتب الرضا عليه السّلام للمأمون

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ١٠٧ لا يوجد فيه : « ابن عتيك » .

 ( ٢ ) الاستيعاب ٣ : ٣٦٨ .

 ( ٣ ) الاستيعاب ٤ : ٢٠٠ .

 ( ٤ ) أبو نعيم قال : « و التيهان اسمه عمرو بن الحارث » و إن كان خلاف قوله في أسمائه أيضا.

( ٥ ) الاستيعاب ٤ : ٢٠١ .

( ٦ ) الكامل للمبرد ٢ : ٣٨٧ .

( ٧ ) العيون لابن بابويه ٢ : ١٢٥ .

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617