• البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 76097 / تحميل: 3382
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 10

مؤلف:
العربية

العراق و أقبل علي عليه السّلام نحو الميسرة ، مرّ به الأشتر و هو يركض نحو الفزع قبل الميمنة ، فقال عليه السّلام له : إيت هؤلاء القوم فقل لهم : أين فراركم من الموت الذي لن تعجزوه إلى الحياة التي لن تبقى لكم ؟ فمضى الأشتر ، و استقبل الناس منهزمين ، فقال لهم هذه الكلمات التي قالها له علي عليه السّلام ، و قال : إليّ أيها الناس أنا مالك بن الحرث . ثم ظنّ انّه بالأشتر أعرف في الناس ، فقال : أنا الأشتر إليّ أيّها الناس .

« و أنتم لهاميم العرب » وردت الفقرة في العنوان ( ١٢٠ ) ، و الكلام استعارة من قولهم : فرس لهيم . اذا كان جوادا غزير الجري صرّح بالمعنى ابن دريد ،

و ليس المراد : أنتم صاحبو الجود ، كما توهمه الشرّاح أخذا من الجوهري ، فهو زلّ في قوله : اللهموم الجواد من الناس و الخيل .

« و يآفيخ » جمع اليافوخ : الموضع الذي يتحرّك من رأس الطفل .

« الشرف و أنف » هكذا في ( المصرية ) ١ ، و الصواب : ( و الانف ) كما في ( ابن أبي الحديد ) ٢ و ( ابن ميثم ) ٣ و ( الخطية ) .

« المقدم و السنام » في ( الصحاح ) : واحد أسنمة البعير .

« الأعظم » و الكل استعارات ، كلها ميم العرب ، و في ( الطبري ) ٤ بعد ما مرّ من قول الأشتر للمنهزمين : أنا الأشتر ، إليّ أيّها الناس : فأقبلت إليه طائفة و ذهبت عنه طائفة ، فنادى : أيّها الناس عضضتم بهن آبائكم ، ما أقبح ما قاتلتم منذ اليوم أيّها الناس اخلصوا لي مذحجا . فأقبلت إليه مذحج ، فقال لهم :

عضضتم بصم الجندل ، ما أرضيتم ربّكم و لا نصحتم له في عدوّكم ، و كيف

ــــــــــــ

 ( ١ ) الطبعة المصرية : ٢٠٥ الخطبة ١٠٥ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ١٧٩ .

 ( ٣ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٣٧ و فيه : « و أنف المقدم » .

 ( ٤ ) تاريخ الطبري ٥ : ٢٠ .

٢٨١

بذلك ، و أنتم أبناء الحروب ، و أصحاب الغارات ، و فتيان الصباح ، و فرسان الطراد ، و حتوف الأقران ، و مذحج الطعان ، الذين لم يكونوا يسبقون بثأرهم ،

و لا تطل دماؤهم ، و لا يعرفون بخسف في موطن ، و أنتم أحدّ أهل مصركم ،

و أعد حيّ في قومكم ؟ و ما تفعلوا في هذا اليوم ، فإنّه مأثور بعد اليوم ؟ فاتقوا مأثور الأحاديث في غد ، و أصدقوا عدوّكم اللقاء ، فإنّ اللّه مع الصابرين . و الذي نفس مالك بيده ، ما من هؤلاء و أشار بيده إلى الشام رجل على مثل جناح بعوضة من محمّد صلّى اللّه عليه و آله ، و إنّما أنتم ما أحسنتم القراع ، اجلوا سواد وجهي يرجع في وجهي دمي عليكم بهذا السواد الأعظم فإن اللّه لو قد فضه تبعه من بجانبيه ، كما يتبع مؤخر السيل مقدمه . قالوا خذ بنا حيث أحببت . . . .

و فيه ١ : انّ الأشتر كان يومئذ يقاتل على فرس له ، و في يده صحيفة يمانية إذا طأطأها خلت فيها ماء منصبّا ، و اذا رفعها كاد يغشي البصر شعاعها ، و جعل يضرب بسيفه و يقول : الغمرات ثم تنجلينا ، و رآه منقذ و حمير ابنا قيس الناعطيان ، فقال منقذ لحمير : ما في العرب مثل هذا ، إن كان ما أراه من قتاله من النيّة . فقال له حمير : و هل النيّة إلاّ ما تراه يصنع ؟ قال : إنّي أخاف أن يكون حاول ملكا . . . .

« و لقد شفى و حاوح » و في ( الطبري ) : « أحاح » .

في ( الجمهرة ) : يقال للمرأة اذا طلقت : تركتها توحوح بين القوابل .

و سمعت بفلان أحة و أحاحا و أحيحا : اذا رأيته يتوجع من غيظ ، أو حزن . و في قلبه أحاح و أحيح ، قال الراجز :

يطوى الخيازيم على أحاح

« صدري أن رأيتكم بأخرة » بفتح الهمزة أي : أخيرا .

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٥ : ٢٢ .

٢٨٢

« تحوزونهم كما حازوكم و تزيلونهم عن مواقفهم كما أزالوكم حسا » أي :

استيصالا بالقتل ، قال تعالى . . . إذ تحسونهم بإذنه . . . ١ .

« بالنضال » هكذا في ( المصرية ) ٢ ، و نسب النضال و هي المراماة ( ابن أبي الحديد ) ٣ إلى رواية . و لكن في ( ابن ميثم ) ٤ : « بالنصال » بالمهملة . و في ( الصحاح ) : النصل : نصل السهم و السيف و السكين و الرمح و الجمع : نصول و نصال .

« و شجرا » أي : طعنا .

« بالرماح تركب أولاهم اخراهم كالابل الهيم » أي : العطاش .

« المطرودة ترمي عن حياضها و تذاد » أي : تدفع و تطرد .

« عن مواردها » أي : المحال التي تردها لشرب الماء ، في ( الطبري ) ٥ : لما اجتمع إلى الأشتر عظم من كان انهزم عن الميمنة حرّضهم إلى أن قال ثم حمل على الخصم حتى كشفهم ، فألحقهم بصفوف معاوية بين صلاة العصر و المغرب ، و انتهى إلى عبد اللّه بن بديل ، و هو في عصبة من القراء بين المائتين و الثلاثمائة ، و لقد لصقوا بالأرض كأنّهم جثى ، فكشف عنهم أهل الشام ،

فأبصروا اخوانهم قد دنوا منهم ، فقالوا : ما فعل أمير المؤمنين عليه السّلام ؟ قالوا:

حي صالح في الميسرة يقاتل الناس أمامه . فقالوا : الحمد للّه ، قد كنّا ظننا ان قد هلك هو و هلكتم . و قال عبد اللّه بن بديل لأصحابه : استقدموا بنا . فأرسل الأشتر إليه : لا تفعل ، اثبت مع الناس فقاتل ، فإنّه خير لهم و أبقى لك و لأصحابك . فأبى ،

ــــــــــــ

 ( ١ ) آل عمران : ١٥٢ .

 ( ٢ ) الطبعة المصرية : ٢٠٥ الخطبة ١٠٥ .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ١٨٠ .

 ( ٤ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٣٧ ، و فيه : « بالنّضال » .

 ( ٥ ) تاريخ الطبري ٥ : ٢٣ .

٢٨٣

فمضى كما هو نحو معاوية ، و حوله كأمثال الجبال ، و في يده سيفان و قد جرح فهو أمام أصحابه ، فأخذ كلّما دنا منه رجل ضربه فقتله ، حتى قتل سبعة ، و دنا من معاوية فنهض إليه الناس من كلّ جانب ، و احيط به و بطائفة من أصحابه ،

فقاتل حتى قتل ، و قتل ناس من أصحابه ، و رجعت طائفة قد جرحوا منهزمين.

فبعث الأشتر بن جمهان الجعفي ، فحمل على أهل الشام الذين يتبعون من نجا من أصحاب ابن بديل ، حتى نفسوا عنهم و انتهوا إلى الأشتر ، فقال لهم : ألم يكن رأيي لكم خير لكم من رأيكم لأنفسكم ؟ ألم آمركم أن تثبتوا مع الناس ؟ و كان معاوية قال في ابن بديل و هو يضرب قدما : أترونه كبش القوم ؟ فلما قتل أرسل إليه : من هو ؟ فقال ناس من أهل الشام : لا نعرفه . فأقبل هو حتى وقف عليه ، فقال : بلى ، هذا عبد اللّه بن بديل ، و اللّه لو استطاعت نساء خزاعة أن يقاتلنا فضلا عن رجالها لفعلت ، مدوه . فمدوه ، فقال : هذا و اللّه كما قال الشاعر :

أخو الحرب إن عضّت به الحرب عضّها

و إن شمّرت يوما به الحرب شمرا

و البيت لحاتم و زحف الأشتر اليهم ، فاستقبله معاوية بعك و الاشعريين ، فقال الأشتر لمذحج : اكفونا عكا . و وقف في همدان ، و قال لكندة :

اكفونا الأشعريين . فاقتتلوا قتالا شديدا ، و أخذ الأشتر يخرج إلى قومه ، فيقول:

إنّما هم عك فاحملوا عليهم . فيجثون على الركب و يرتجزون :

يا ويل امّ مذحج من عك

هاتيك امّ مذحج تبكي

فقاتلوهم حتى المساء . ثم انّه قاتلهم في همدان و ناس من طوائف الناس ، فحمل عليهم فأزالهم عن مواقفهم حتى ألحقهم بالصفوف الخمسة المعقلة بالعمائم حول معاوية ، ثم شدّ عليهم شدّة اخرى ، فصرع الصفوف الأربعة ، و كانوا معقلين بالعمائم حتى انتهوا إلى الخامس الذي حول معاوية ،

٢٨٤

و دعا معاوية بفرس فركب ، و كان يقول : أردت أن أنهزم فذكرت قول ابن أطنابة كان ابن أطنابة جاهليا ، و أطنابة امه امرأة من بلقين

أبت لي عفتي و حياء نفسي

و إقدامي على البطل المشيح

و إعطائي على المكروه مالي

و أخذي الحمد بالثمن الربيح

و قولي كلّما جشأت و جاشت

مكانك تحمدي أو تستريحي

فمنعني هذا القول من الفرار .

هذا ، و الأصل في العنوان ما رواه الطبري ١ و غيره ٢ ، كما مر عن زيد بن وهب : أن عليّا عليه السّلام لما رأى ميمنته قد عادت إلى مواقفها و مصافها ،

و كشفت من بإزائها من عدوّها ، حتى حاربوهم في مواقفهم و مراكزهم ، أقبل حتى انتهى إليهم ، فقال : إنّي رأيت جولتكم و انحيازكم عن صفوفكم ، يحوزكم الطغاة الجفاة و أعراب أهل الشام ، و أنتم لهاميم العرب ، و السنام الأعظم ،

و عمّار الليل بتلاوة القرآن ، و أهل دعوة الحق إذ ضل الخاطئون ، فلو لا إقبالكم بعد إدباركم ، و كرّكم بعد انحيازكم ، وجب عليكم ما وجب على المولّي يوم الزحف دبره ، و كنتم من الهالكين ، و لكن هوّن وجدي و شفى بعض أحاح نفسي أنّي رأيتكم بأخرة حزتموهم كما حازوكم ، و أزلتموهم عن مصافهم كما أزالوكم ، تحسونهم بالسيوف تركب أولاهم أخراهم كالإبل المطردة ،

فالآن فاصبروا ، نزلت عليكم السكينة و ثبّتكم اللّه تعالى باليقين ، ليعلم المنهزم أنّه مسخط ربه و موبق نفسه ، إنّ في الفرار موجدة اللّه عز و جل عليه ، و الذلّ اللازم ، و العار الباقي ، و اعتصار الفي‏ء من يده ، و فساد العيش عليه ، و إنّ الفار منه لا يزيد في عمره و لا يرضي ربه ، فموت المرء محقا قبل إتيان هذه

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٥ : ٢٥ .

 ( ٢ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٢٥٦ .

٢٨٥

الخصال خير من التلبس بها و الاقرار عليها » .

١٠

من الخطبة ( ١٨٠ ) أَلاَ إِنَّهُ قَدْ أَدْبَرَ مِنَ اَلدُّنْيَا مَا كَانَ مُقْبِلاً وَ أَقْبَلَ مِنْهَا مَا كَانَ مُدْبِراً وَ أَزْمَعَ اَلتَّرْحَالَ عِبَادُ اَللَّهِ اَلْأَخْيَارُ وَ بَاعُوا قَلِيلاً مِنَ اَلدُّنْيَا لاَ يَبْقَى بِكَثِيرٍ مِنَ اَلْآخِرَةِ لاَ يَفْنَى مَا ضَرَّ إِخْوَانَنَا اَلَّذِينَ سُفِكَتْ دِمَاؤُهُمْ وَ هُمْ ؟ بِصِفِّينَ ؟ أَلاَّ يَكُونُوا اَلْيَوْمَ أَحْيَاءً يُسِيغُونَ اَلْغُصَصَ وَ يَشْرَبُونَ اَلرَّنْقَ قَدْ وَ اَللَّهِ لَقُوا اَللَّهَ فَوَفَّاهُمْ أُجُورَهُمْ وَ أَحَلَّهُمْ دَارَ اَلْأَمْنِ بَعْدَ خَوْفِهِمْ أَيْنَ إِخْوَانِيَ اَلَّذِينَ رَكِبُوا اَلطَّرِيقَ وَ مَضَوْا عَلَى اَلْحَقِّ أَيْنَ ؟ عَمَّارٌ ؟ وَ أَيْنَ ؟ اِبْنُ اَلتَّيِّهَانِ ؟ وَ أَيْنَ ؟ ذُو اَلشَّهَادَتَيْنِ ؟ وَ أَيْنَ نُظَرَاؤُهُمْ مِنْ إِخْوَانِهِمُ اَلَّذِينَ تَعَاقَدُوا عَلَى اَلْمَنِيَّةِ وَ أُبْرِدَ بِرُءُوسِهِمْ إِلَى اَلْفَجَرَةِ قَالَ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَى لِحْيَتِهِ اَلشَّرِيفَةِ اَلْكَرِيمَةِ فَأَطَالَ اَلْبُكَاءَ ثُمَّ قَالَ ع أَوِّهِ عَلَى إِخْوَانِيَ اَلَّذِينَ قَرَءُوا ؟ اَلْقُرْآنَ ؟ فَأَحْكَمُوهُ وَ تَدَبَّرُوا اَلْفَرْضَ فَأَقَامُوهُ أَحْيَوُا اَلسُّنَّةَ وَ أَمَاتُوا اَلْبِدْعَةَ دُعُوا لِلْجِهَادِ فَأَجَابُوا وَ وَثِقُوا بِالْقَائِدِ فَاتَّبَعُوهُ قال : ثمّ ضرب بيده إلى لحيته الشّريفة الكريمة ، فأطال البكاء ، ثم قال عليه السّلام :

أقول : قال ابن أبي الحديد ١ : هذه الخطبة آخر خطبة خطب عليه السّلام بها قائما .

قلت : إن وجد في ذلك خبرا ، و إلاّ فالمحقق كونه قرب شهادته عليه السّلام باسبوع . ففي ذيلها « قال نوف : و عقد للحسين عليه السّلام في عشرة آلاف إلى أن قال و هو يريد الرجعة إلى صفّين ، فما دارت الجمعة حتى ضربه الملعون »

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ١١٢ .

٢٨٦

و أمّا كونها أخيرها فغير معلوم .

« الاّ إنّه قد أدبر من الدنيا » بغلبة أهل الجور .

« ما كان مقبلا » بكون الأمر في يدي أهل الحق ، زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله .

« و أقبل منها ما كان مدبرا » بتصدي أهل الباطل للأمر بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله لا سيما في زمن عثمان ، لخلوص الأمر لبني اميّة ، كما صرّح به أبو سفيان .

« و أزمع » أي : عزم . و الأصح قول الكسائي من عدم تعديه بعلى ، دون قول الفراء بجوازه ، فلم نقف إلاّ على تعديته بنفسه ، ككلامه عليه السّلام هنا ، و قول عنترة:

إن كنت أزمعت الفراق فإنّما

و قول الأعشى :

أزمعت من آل ليلى ابتكارا

و من الغريب أنّ ابن دريد أتى بالتناقض هنا ، فقال أولا : أزمع فلان كذا و كذا : إذا عزم عليه ، و لا يكادون يقولون : أزمع على كذا و كذا . و قال ثانيا : و لا تكاد العرب تقول : الا أزمعت على ذلك .

« الترحال » أي : الارتحال .

« عباد اللّه الأخيار ، و باعوا قليلا من الدنيا » فكل شريف أو وضيع لا يمتّع من الدنيا إلاّ قليلا .

« لا يبقى ، بكثير من الآخرة » فمن كان أدنى أهل الآخرة ثوابا ، كان له من النعمة سبعين ضعفا من نعيم الدنيا ، من أوّلها إلى آخرها .

« لا يفنى » أخذ كلامه عليه السّلام من أوّله إلى هنا سليمان بن صرد الخزاعي ،

لما أراد الطلب بدم الحسين عليه السّلام ، فكتب إلى سعد بن حذيفة اليماني بالمدائن :

إنّ الدنيا دار قد أدبر منها ما كان معروفا ، و أقبل منها ما كان منكرا ، و أصبحت

٢٨٧

قد تشنّأت إلى ذوي الألباب ، و أزمع الترحال منها عباد اللّه الأخيار و باعوا قليلا من الدنيا لا يبقى بجزيل مثوبة عند اللّه لا يفنى ١ .

و نظير كلامه عليه السّلام كلام ابنه الحسين عليه السّلام في خطبته أصحابه بذي حسم ، حين وصل الحر مع ألف فارس من قبل ابن زياد إليه ، ففي ( الطبري ) ٢ :

قام عليه السّلام فحمد اللّه و أثنى عليه ، ثم قال لأصحابه : إنّه قد نزل من الأمر ما قد ترون ، و انّ الدنيا قد تغيّرت و تنكّرت ، و أدبر معروفها و استمرّت حذاء فلم يبق منها إلاّ صبابة كصبابة الإناء ، و خسيس عيش كالمرعى الوبيل ، ألا ترون أنّ الحق لا يعمل به ، و أنّ الباطل لا يتناهى عنه ؟ ليرغب المؤمن في لقاء اللّه محقّا ،

فإنّي لا أرى الموت إلاّ شهادة ، و لا الحياة مع الظالمين إلاّ بر ما . فقام زهير بن القين البجلي فقال لأصحابه : تكلمون أم أتكلّم ؟ قالوا : بل تتكلم . فقال له : قد سمعنا يابن رسول اللّه مقالتك ، و اللّه لو كانت الدنيا لنا باقية ، و كنّا فيها مخلدين إلا أنّ فراقها في نصرك و مواساتك ، لآثرنا الخروج معك على الإقامة فيها .

فدعا له الحسين عليه السّلام ، و أقبل الحر يسايره و هو يقول له : يا حسين إنّي اذكّرك اللّه في نفسك ، فإنّي أشهد لئن قاتلت لتقتلن . فقال عليه السّلام له : أفبالموت تخوّفني ؟

و هل يعدو بكم الخطب إلاّ أن تقتلوني ؟ أقول لك ما قال أخو الأوس لابن عمه لما لقيه و هو يريد نصرة النبي صلّى اللّه عليه و آله ، و قال له أين تذهب ؟ فإنّك مقتول :

سأمضي و ما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى حقّا و جاهد مسلما

و آسى الرجال الصالحين بنفسه

و فارق مثبورا يغش و يرغما

« ما ضرّ إخواننا الذين سفكت دماؤهم و هم » هكذا في ( المصرية ) ٣ و الكلمة

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٣ : ٣٩٢ سنة ٦٤ .

 ( ٢ ) تاريخ الطبري ٥ : ٤٠٣ .

 ( ٣ ) الطبعة المصرية : ١٣٠ الخطبة ١٨٠ .

٢٨٨

زائدة ، لعدم وجودها في ( ابن ميثم ) ١ و ( ابن أبي الحديد ) ٢ ، و لأن المعنى معها غير مستقيم .

« بصفّين » في ( صفين نصر ) ٣ : اصيب بصفّين من أهل الشام خمسة و أربعون ألفا ، و من أهل العراق خمسة و عشرون ألفا .

و في ( مروج المسعودي ) ٤ : كانت عدة الوقائع بين أهل العراق و الشام سبعين وقعة ، و قد تنوع في مقدار من قتل بها من الفريقين ، فعن يحيى بن معين : قتل منهما مائة ألف و عشرة آلاف ، في مائة يوم و عشرة أيام ، تسعون ألفا من أهل الشام ، و عشرون ألفا من أهل العراق . و أما الهيثم بن عدي الطائي و الشرقي بن القطامي و أبو مخنف لوط بن يحيى فذكروا : أنّ جملة من قتل منهما سبعون ألفا خمسة و أربعون من أهل الشام ، و خمسة و عشرون ألفا من أهل العراق ، فيهم خمسة و عشرون بدريا . و العدّ كان يقع بالقضيب ،

و الإحصاء للقتلى في كلّ وقعة . و تحصيل هذا يتفاوت ، لأنّ فيهم من لا يعرف،

و من غرق ، و من قتل فأكله السباع .

« ألاّ يكونوا اليوم أحياء يسيغون » من : ساغ الشراب ، أي : سهل مدخله في الحلق. قال الجوهري : يتعدى و لا يتعدى ، و الأجود في المتعدي أساغ ، قال تعالى : يتجرّعه و لا يكاد يسيغه ٥ .

« الغصص » بالفتح مصدر غصّ بالطعام ، أو بالضم جمع الغصة .

« و يشربون الرنق » أي : المكدر ، قال ابن الرومي .

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٣٩١ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ٩٩ .

 ( ٣ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٥٥٨ .

 ( ٤ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٤٠٤ .

 ( ٥ ) إبراهيم : ١٧ .

٢٨٩

قد قلت اذ مدحوا الحياة فأكثروا

للموت ألف فضيلة لا تعرف

فيها أمان لقائه بلقائه

و فراق كلّ معاشر لا ينصف

« قد و اللّه لقوا اللّه فوفاهم أجورهم ، و أحلّهم دار الأمن من بعد خوفهم » في ( صفين نصر ) ١ : قال عتبة بن جويرية يوم صفين : ألا إنّ مرعى الدنيا قد أصبح شجرها هشيما ، و أصبح زرعها حصيدا ، و جديدها سملا ، و حلوها مرّا .

ألا و إنّي انبّئكم نبأ امرى‏ء صادق : إنّي سئمت الدنيا ، و عزفت نفسي عنها ، و قد كنت أتمنى الشهادة و أتعرّض لها في كلّ حين ، فأبى اللّه إلاّ أن يبلغني هذا اليوم ، ألا و إنّي متعرّض ساعتي هذه لها ، و قد طمعت ألاّ احرمها . فما تنظرون عباد اللّه جهاد اللّه ، أتستبدلون الدنيا بالنظر إلى وجه اللّه عز و جل ، و مرافقة النبيين و الصدّيقين و الشهداء و الصالحين في دار القرار ؟ ما هذا بالرأي السديد . ثم قال لإخوته : إنّي قد بعت هذه الدار بالتي أمامها ، و هذا وجهي إليها .

فتبعه أخواه عبيد اللّه و عوف ابنا مالك ، و قالا : لا نطلب رزق الدنيا بعدك ، قبّح اللّه العيش بعدك ، اللّهم إنّا نحتسب أنفسنا عندك . ثم استقدموا فقاتلوا ، حتى قتلوا .

و فيه ٢ : قال أبو عرفاء جبلة بن عطية الذهلي في صفين للحضين بن المنذر : هل لك أن تعطيني رايتك أحملها ، فيكون لك ذكرها و يكون لي أجرها ،

أعيرها عنك ساعة فما أسرع ما ترجع إليك ؟ فعلم أنّه يريد أن يستقتل ، فقال :

فما شئت . فاخذ أبو عرفاء الراية ، فقال : يا أهل هذه الراية ، إنّ عمل الجنة كره كلّه ، و إنّ عمل النار خف كلّه ، و إنّ الجنّة لا يدخلها إلاّ الصابرون الذين صبروا أنفسهم على فرائض اللّه و أمره ، و ليس شي‏ء مما افترض اللّه على العباد أشدّ من الجهاد ، و هو أفضل الأعمال ثوابا ، فاذا رأيتموني قد شددت فشدوا ،

ــــــــــــ

 ( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٢٦٤ .

 ( ٢ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٣٠٤ ٣٠٥ .

٢٩٠

ويحكم أما تشتاقون إلى الجنّة ؟ أما تحبون أن يغفر اللّه لكم ؟ فشدّ و شدوا معه ، حتى قتل .

و في ( الطبري ) ١ : قاتلت النخع في صفين قتالا شديدا فأصيب منهم يومئذ بكر بن هوذة ، و حيان بن هوذة ، و شعيب بن نعيم من بني بكر النخع ،

و ربيعة بن مالك ، و أبي بن قيس أخو علقمة الفقيه ، و قطعت رجل علقمة يومئذ ،

فكان يقول : ما أحب أن رجلي أصح ما كانت ، و أنّها لممّا أرجو به حسن الثواب من ربّي عز و جل ، و لقد كنت احبّ أن أرى في نومي أخي أو بعض إخواني ،

فرأيت أخي فقلت : ماذا قدمتم عليه ؟ فقال : التقينا نحن و القوم فاحتججنا عند اللّه عز و جل ، فحججناهم . فما سررت منذ عقلت مثل سروري بتلك الرؤيا .

هذا ، و أخذ كلامه عليه السّلام من قوله : « ما ضر اخواننا الذين سفكت دماؤهم بصفين » إلى هنا سليمان بن صرد الخزاعي أيضا ، فكتب إلى سعد بن حذيفة أيضا : ما ضر أهل عذراء يعني حجرا و أصحابه الذين قتلوا ألاّ يكونوا اليوم أحياء ، و هم عند ربّهم يرزقون ، شهداء قد لقوا اللّه صابرين محتسبين ، فأثابهم ثواب الصابرين ؟ و ما ضرّ إخوانكم المقتلين صبرا ، المصلبين ظلما ،

و الممثول بهم ، المعتدى عليهم ألا يكونوا أحياء مبتلين بخطاياكم ، قد خيّر لهم فلقوا ربهم و وفاهم أجرهم ؟

« أين إخواني الذين ركبوا الطريق » أي : طريق اللّه عز و جل .

« و مضوا على الحق » كما أمرهم سبحانه و انّ هذا صراطي مستقيما فاتّبعوه و لا تتّبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله . . . ٢ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٥ : ٣٢ .

 ( ٢ ) الانعام : ١٥٣ .

٢٩١

في ( الطبري ) ١ : قال أبو عبد الرحمن السلمي : رأيت عمّارا لا يأخذ واديا من أودية صفين إلاّ تبعه من كان هناك من أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله ، و رأيته جاء إلى هاشم بن عتبة المرقال صاحب راية علي عليه السّلام ، فقال : يا هاشم أعورا وجبنا ؟ لا خير في أعور لا يغشى البأس ، اركب يا هاشم . فركب هاشم و مضى و هو يقول :

أعور يبغي أهله محلا

قد عالج الحياة حتى ملا

لا بدّ أن يفلّ أو يفلا

و في ( الاستيعاب ) ٢ : قال عبد الرحمن بن ابزى : شهدنا مع علي عليه السّلام صفين ممن بايع بيعة الرضوان ، فقتل منّا ثلاثة و ستون ، منهم عمّار .

« أين عمار » في ( ذيل الطبري ) ٣ : عمّار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين بن الوذيم بن ثعلبة بن عوف بن حارثة بن عامر الأكبر بن يام ابن عنس . قدم أبوه من اليمن إلى مكة في طلب أخ له ، فأقام و حالف أبا حذيفة بن المغيرة المخزومي ، فزوّجه أبو حذيفة أمة له يقال لها :

سمية بنت خباط ، فولدت له عمّارا ، فأعتقه أبو حذيفة و لم يزل هو و أبوه مع أبي حذيفة إلى أن جاء اللّه بالاسلام ، فأسلم هو و أبوه و امّه .

هذا ، و في ( الاستيعاب ) : قال ابن قتيبة : خلف على ام عمّار بعد ياسر ،

الأزرق و كان غلاما روميا للحارث بن كلدة ، فولدت له سلمة بن الأزرق ، فهو أخو عمّار لامّه . و هذا غلط فاحش من ابن قتيبة ، و إنّما خلف الأزرق على سميّة امّ زياد ، زوّجه مولاه الحارث بن كلدة منها ، لأنّه كان مولى لهما ، فسلمة

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٥ : ٤٠ .

 ( ٢ ) الاستيعاب ٢ : ٤٧٨ .

 ( ٣ ) تاريخ الطبري ١١ : ٥٠٨ .

٢٩٢

الأزرق أخو زياد لامّه لا أخو عمّار ، و ليس بين سميّة ام عمّار و سميّة ام زياد نسب و لا سبب .

قلت : لم يتفرّد بما قال من تزوّج الأزرق بسميّة امّ عمّار ، و كون سلمة بن الأزرق أخا عمّار لامّه ابن قتيبة فقط ، بل قال به قبله البلادري في ( نسبه ) ،

و بعده الطبري في ( ذيله ) ١ . و التحقيق : أنّ الأزرق تزوّج بامّ عمّار قبل ياسر أبيه ، كما صرّح به البلاذري ، و توهّم ابن قتيبة و الطبري في العكس ، فامّ عمّار لم تفارق أباه حتى قتلت معه ، ففي ( البلاذري ) : « كان عمّار و أبوه و امه و أخوه عبد اللّه يعذبون في اللّه ، فمرّ بهم النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال : صبرا آل ياسر فإنّ موعدكم الجنّة . فمات ياسر في العذاب ، و أغلظت سميّة لأبي جهل ، فطعنها في قلبها فماتت . . . » كتوهّم صاحب ( الاستيعاب ) في كون سلمة بن الأزرق أخا زياد لامّه ، فلم يقل ذلك أحد ، و إنّما كان لزياد أخوان من امّه : نافع و أبو بكرة .

و في ( الطبري ) ٢ : هاجر في قول جميع أهل السير إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية ، و قالوا جميعا : شهد بدرا و احدا و الخندق و المشاهد ، و آخى النبي صلّى اللّه عليه و آله بينه و بين حذيفة .

و في ( الحلية ) : لقي علي عليه السّلام رجلين خرجا من الحمام متدهنين ، فقال:

من أنتما ؟ قالا : من المهاجرين . قال : كذبتما ، إنّما المهاجر عمّار .

و في ( موفقيات الزبير بن بكار ) : عن ابن عباس قال عثمان لعمّار : أما و اللّه إنّك ما علمت من أعوان الشر الحاضّين عليه ، الخذلة عند الخير و المثبّطين . فقال عمّار : مهلا يا عثمان فقد سمعت النبي صلّى اللّه عليه و آله يصفني بغير ذلك . قال عثمان : و متى ؟ قال : يوم دخلت عليه منصرفه من الجمعة و ليس عنده غيرك ، و قد ألقى ثيابه و قعد في فضله ، فقبّلت صدره و نحره و جبهته ، فقال : يا

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ١١ : ٥٠٨ .

 ( ٢ ) تاريخ الطبري ١١ : ٥٠٨ .

٢٩٣

عمّار إنّك لتحبنا و إنّا لنحبك ، و إنّك من الأعوان على الخير المثبّطين عن الشر.

فقال عثمان : أجل ، و لكنّك غيّرت و بدّلت . فرفع عمّار يده يدعو ، و قال : أمّن يابن عباس . فقال : اللّهم من غيّر فغيّر به . قاله ثلاث مرات .

و في ( الاستيعاب ) ١ : و نقله ابن أبي الحديد ٢ أيضا : و للحلف و الولاء الذي بين مخزوم و بين عمّار و أبيه كان اجتماع مخزوم إلى عثمان ، حين نال غلمان عثمان من عمّار ما نالوا من الضر ، حتى انفتق له فتق في بطنه ، و زعموا أنّهم كسروا ضلعا من أضلاعه ، فقالوا : و اللّه لئن مات عمّار ، لا قتلنا به أحدا غير عثمان .

و فيه : عن ابن عباس : نزل قوله تعالى أو من كان ميتا فأحييناه و جعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها . . . ٣ في عمّار و أبي جهل . و أجمع أهل التفسير أنّه نزل في عمّار قوله تعالى . . . إلاّ من أكره و قلبه مطمئن بالايمان . . . ٤ لما عذب في اللّه فأعطاهم ما أرادوا بلسانه .

و هاجر إلى الحبشة و صلّى القبلتين .

قلت : و ربط جعل أبي جهل في قباله ، لكون أبي جهل ، من مخزوم و عمّار كان حليف مخزوم .

و في ( كامل الجزري ) : قال عمّار لعايشة بعد الجمل : ما أبعد هذا المسير من العهد الذي عهد إليك . فقالت عايشة : و اللّه إنّك ما علمت لقوّال بالحق . قال :

الحمد للّه الذي قضى لي على لسانك .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الاستيعاب ٢ : ٤٧٧ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ١٠٢ .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ١٠٢ ، و الآية ١٢٢ من سورة الأنعام .

 ( ٤ ) النحل : ١٠٦ .

٢٩٤

و في ( الاستيعاب ) ١ : في اسنادين عن عايشة : ما من أحد من أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و آله ان أشأ أن أقول فيه قلت إلاّ عمّارا ، فإنّي سمعت النبي صلّى اللّه عليه و آله يقول :

عمّار حشي ما بين أخمص قدميه إلى شحمة اذنيه إيمانا .

و فيه ٢ : و من حديث خالد بن الوليد : قال النبي صلّى اللّه عليه و آله : من أبغض عمّارا أبغضه اللّه . قال خالد : فما زلت احبه من يومئذ . و عن أنس قال النبي صلّى اللّه عليه و آله :

اشتاقت الجنّة إلى عليّ و عمّار و سلمان و بلال .

و من ٣ حديث ٤ علي عليه السّلام : جاء عمّار يستأذن على النبي صلّى اللّه عليه و آله فعرف صوته ، فقال : مرحبا بالطيّب المطيّب إيذنوا له . و رواه نصر : ( مرحبا بالطيّب ابن الطيّب ) ٥ .

و في ( الاستيعاب ) ٦ : كان يوم صفين ، أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله يتبعونه كأنّه علم لهم ، و يقول :

نحن ضربناكم على تنزيله

فاليوم نضربكم على تأويله

ضربا يزيل الهام عن مقيله

و يذهل الخليل عن خليله

و في ( كامل الجزري ) : قيل : إنّ أبا الغادية عاش إلى زمن الحجاج ، فدخل عليه فأكرمه و قال له : أنت قتلت ابن سميّة ؟ قال : نعم . قال : من سرّه أن ينظر إلى عظيم الباع يوم القيامة فلينظر إلى هذا الذي قتل ابن سميّة . ثم سأله حاجته ، فلم يجبه إليها ، فقال : نوطّى‏ء لهم الدنيا ، و لا يعطوننا منها ، و يزعم أنّي

ــــــــــــ

 ( ١ ) الاستيعاب ٢ : ٤٧٨ .

 ( ٢ ) الاستيعاب ٢ : ٤٧٩ .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ١٠٤ .

 ( ٤ ) الاستيعاب ٢ : ٤٧٩ .

 ( ٥ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٣٢٣ .

 ( ٦ ) الاستيعاب ٢ : ٤٧٩ .

٢٩٥

عظيم الباع يوم القيامة . فقال الحجاج : أجلّ و اللّه ، من كان ضرسه مثل احد،

و فخذه مثل جبل ورقان ، و مجلسه مثل المدينة و الربذة ، إنّه لعظيم الباع يوم القيامة، و اللّه لو أنّ عمّارا قتله أهل الأرض لدخلوا كلّهم النار .

و في ( الاستيعاب ) : كان أبو الغادية إذا استأذن على معاوية و غيره ، قال :

قاتل عمّار بالباب . و كان يصف قتله اذا سئل عنه لا يباليه ، و في قصّته عجب عند أهل العلم : روى عن النبي صلّى اللّه عليه و آله قوله في عمّار ، ثم قتله .

و في ( معارف ابن قتيبة ) : عن الزيادي عن عبد الوارث عن زمعة بن كلثوم عن ابيه عن أبي الغادية قال سمعت النبي صلّى اللّه عليه و آله يقول : ألا لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض ، فإن الحق يومئذ لمع عمّار . قال أبو الغادية : و سمعت عمّارا يذكر عثمان في المسجد ، قال يدعى فينا جبانا ،

و يقول : إنّ نعثلا هذا يفعل و يفعل . يعيبه فلو وجدت يومئذ ثلاثة أعوان ، لوطئته حتى أقتله ، فبينما أنا بصفين إذا أنا به في أوّل الكتيبة ، فطعنه رجل في كتفه ،

فانكشف المغفر عن رأسه ، فضربت رأسه ، فإذا رأس عمّار قد ندر . قال زمعة:

قال أبي : فما رأيت شيخا أضلّ منه ، يروي أنّه سمع النبي صلّى اللّه عليه و آله يقول ما قال ، ثم ضرب عنق عمّار .

قلت : بل العجب من جميع إخواننا ، كيف يقولون بإمامة عثمان مع أنّ عمّارا كان يكفره و يجعله مباح الدم ؟ فلما قال له عمرو بن العاص : أعليّ قتل عثمان ؟ قال : بل اللّه ربّ علي قتله . قال : أكنت ممّن قتله ؟ قال : كنت معهم ، و أنا اليوم اقاتل معهم . قال : لم قتلتموه ؟ قال : أراد أن يغيّر ديننا فقتلناه .

و في ( الطبري ) ١ : قال عمّار يوم صفّين : اقصدوا بنا نحو هؤلاء الذين يبغون دم ابن عفان ، و يزعمون أنّه قتل مظلوما . . . .

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٥ : ٣٩ .

٢٩٦

و في ( الطبري ) : ١ قال حبة العرني : انطلقت أنا و أبو مسعود إلى حذيفة بالمدائن ، و قلنا : حدّثنا فإنّا نخاف الفتن . فقال : عليكما بالفئة التي فيها ابن سميّة ، إنّي سمعت النبي صلّى اللّه عليه و آله يقول : تقتله الفئة الباغية الناكبة عن الطريق ، و إنّ آخر رزقه ضياح من لبن . قال حبة : فشهدته يوم صفين و هو يقول : إيتوني بآخر رزق من الدنيا . فاتي بضياح من لبن في قدح أروح ، له حلقة حمراء ، فما أخطأ حذيفة مقياس شعرة . فقال عمّار :

اليوم ألقى الأحبه محمدا و حزبه و اللّه لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر ، لعلمنا أنّا على الحق و أنّهم على الباطل . و جعل يقول : الموت تحت الأسل ، و الجنة تحت البارقة .

و في ( ذيل الطبري ) ٢ : روى الواقدي عن لؤلؤة مولاة امّ الحكم بنت عمّار ، قالت: لما كان اليوم الذي قتل فيه عمّار ، و الراية يحملها هاشم بن عتبة ،

و قد قتل أصحاب عليّ عليه السّلام ذلك اليوم حتى كانت العصر ، ثم تقرّب عمّار من وراء هاشم يقدمه ، و قد جنحت الشمس للغروب ، و مع عمّار ضياح من لبن ينتظر وجوب الشمس أن يفطر ، فقال حين وجبت الشمس و شرب الضيح :

سمعت النبي صلّى اللّه عليه و آله يقول : « آخر زادك من الدنيا ضيح من لبن » ثم اقترب فقاتل حتى قتل ، و هو ابن أربع و تسعين سنة .

و روى ٣ عن عمّارة بن خزيمة بن ثابت قال : طعن أبو غادية المزني عمّارا برمح فسقط ، فلما وقع أكبّ عليه رجل آخر فاحتز رأسه ، فأقبلا يختصمان فيه ، كلاهما يقول: أنا قتلته . فقال عمرو بن العاص : و اللّه ، إن يختصمان إلاّ في النار . فسمعها منه معاوية ، فلما انصرف الرجلان قال

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٥ : ٣٨ .

 ( ٢ ) ( ٣ ) ذيل تاريخ الطبري ١١ : ٥٠٩ .

٢٩٧

معاوية لعمرو : ما رأيت مثل ما صنعت ، قوم بذلوا أنفسهم دوننا ، تقول لهما :

إنّكما تختصمان في النار فقال عمرو : هو و اللّه ذاك ، و اللّه إنّك لتعلمه ، و لوددت أنّي متّ قبل هذا بعشرين سنة .

و عن ابي مخنف ١ قال : إنّ عمّارا لم يزل بهاشم بن عتبة و معه اللواء حتى حمل ، فنهض عمّار في كتيبة ، و نهض إليه ذو الكلاع في كتيبة ، فاقتتلوا فقتلا جميعا ، و استوصلت الكتيبتان ، و حمل على عمّار حوي السكسكي و أبو غادية المزني فقتلاه ، فقيل لأبي الغادية : كيف قتلته ؟ قال : لما دلف إلينا في كتيبة ، و دلفنا إليه نادى : هل من مبارز ؟ فبرز إليه رجل من السكاسك ،

فاضطربا بسيفيهما فقتل عمّار السكسكي ، ثم نادى : هل من مبارز ؟ فبرز إليه رجل من حمير ، فاضطربا بسيفيهما فقتل عمّار الحميري ، و أثخنه الحميري و نادى : من يبارز ؟ فبرزت فاختلفنا ضربتين و كانت يده ضعفت فانتجيت عليه بضربة اخرى ، فسقط فضربته بسيفي حتى برد ، و نادى الناس : قتلت أبا اليقظان قتلك اللّه . فقلت : اذهب إليك ، فو اللّه ما ابالي من كنت . و ما أعرفه يومئذ ،

فقال له محمّد بن المنتشر : يا أبا الغادية خصمك يوم القيمة مازندر يعني :

ضخم فضحك .

و في ( الطبري ) ٢ : قال أبو عبد الرحمن السلمي : لمّا قتل عمّار و كان الليل قلت : لأدخلن إليهم حتى أعلم هل بلغ منهم قتل عمّار ما بلغ منّا ؟ و كنّا إذا توادعنا من القتال تحدثوا إلينا و تحدّثنا إليهم ، فركبت فرسي و قد هدأ الليل ، ثم دخلت فاذا أنا بأربعة يتسايرون : معاوية و أبو الأعور و عمرو بن العاص و ابنه عبد اللّه ، فأدخلت فرسي بينهم مخافة أن يفوتني ما يقول أحد الشقين ،

ــــــــــــ

 ( ١ ) ذيل تاريخ الطبري ١١ : ٥١٠ .

 ( ٢ ) تاريخ الطبري ٥ : ٤١ .

٢٩٨

فقال عبد اللّه لأبيه : يا أبة قتلتم هذا الرجل في يومكم هذا ، و قد قال فيه النبي صلّى اللّه عليه و آله ما قال ؟ قال : و ما قال ؟ قال : ألم تكن معنا و نحن نبني المسجد ، و الناس ينقلون حجرا حجرا ، و لبنة لبنة ، و عمّار ينقل حجرين حجرين و لبنتين لبنتين ، فغشي عليه فأتاه النبي صلّى اللّه عليه و آله ، فجعل يمسح التراب عن وجهه ، و يقول : « ويحك يا بن سمية الناس ينقلون لبنة لبنة و أنت تنقل لبنتين لبنتين رغبة منك في الأجر ،

و أنت ويحك مع ذلك تقتلك الفئة الباغية » فدفع عمرو صدر فرسه ، ثم جذب معاوية إليه ، فقال : يا معاوية ألم تسمع ما يقول عبد اللّه ؟ قال : و ما يقول ؟

فأخبره ، فقال معاوية : إنّك شيخ أخرق ، و لا تزال تحدّث بالحديث و أنت تدحض في بولك ، أو نحن قتلنا عمّارا ؟ انما قتل عمّارا من جاء به . فخرج الناس من فساطيطهم و أخبيتهم يقولون : إنّما قتل عمّارا من جاء به . فلا أدري من كان أعجب ، هو أو هم ؟ و في ( صفين نصر ) ١ : كان ذو الكلاع سمع عمرو بن العاص يقول : قال النبي صلّى اللّه عليه و آله لعمّار : تقتلك الفئة الباغية ، و آخر شربة تشربها ضياح من لبن.

فكان ذو الكلاع يقول لعمرو : ما هذا ويحك ؟ فيقول عمرو : إنّه سيرجع إلينا.

فقتل ذو الكلاع قبل عمّار ، فقال عمرو بعد قتل عمّار لمعاوية : ما أدري بقتل أيّهما أشدّ فرحا بقتل عمّار ، أو بقتل ذي الكلاع ، و اللّه لو بقي ذو الكلاع بعد قتل عمّار ، لمال بعامة أهل الشام إلى عليّ .

و فيه ٢ : عن السدي عن يعقوب بن الأوسط قال : احتج رجلان بصفّين في سلب عمّار و في قتله ، فأتيا عبد اللّه بن عمرو بن العاص ، فقال لهما : ويحكما اخرجا عني ، فإنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال : « ولعت قريش بعمّار ، مالهم و لعمّار ؟

ــــــــــــ

 ( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٣٤١ ، ٣٤٢ .

 ( ٢ ) المصدر السابق .

٢٩٩

يدعوهم إلى الجنة و يدعونه إلى النار ، قاتله و سالبه في النار » قال السدي :

فبلغني أنّ معاوية قال : إنّما قتله من أخرجه . يخدع بذلك طغام أهل الشام .

« و أين ابن التيهان » قال ابن أبي الحديد ١ : هو مالك بن عتيك الأنصاري .

قلت : بل مالك بن التيهان بن مالك ، كما في أسماء ( الاستيعاب ) ٢ : و قال البلاذري في ( أنسابه ) ولده يقولون : ابن التيهان بن مالك بن عتيك . و أمّا قول ( الاستيعاب ) ٣ في كناه : « و التيهان اسمه مالك بن عمرو » فغلط لكونه خلاف قوله في أسمائه ، و لأنّه روى في كناه بعد عن أبي نعيم » ٤ ، قال : « و التيهان اسمه عمرو بن الحارث » . و إن كان خلاف قوله في أسمائه أيضا .

و كيف كان ، فروى ( الاستيعاب ) ٥ عن صالح بن الوجيه ، و عن أبي نعيم قتله بصفين ، و يشهد له كلامه عليه السّلام ، فالأقوال الاخر في موته في زمان النبي صلّى اللّه عليه و آله ، و في سنة ( ٢٠ ) و في سنة ( ٢١ ) لا عبرة بها .

هذا و في ( اشتقاق ابن دريد ) : شهد ابن التيهان العقبة و بدرا و كان نقيبا .

و التيهان فيعلان من تاه يتيه .

و في ( كامل المبرد ) ٦ : يقال لأبي الهيثم الأنصاري : ذو السيفين ، لأنّه كان يتقلّد سيفين في الحرب .

و روى ( عيون ابن بابويه ) ٧ : أنّ في جملة ما كتب الرضا عليه السّلام للمأمون

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ١٠٧ لا يوجد فيه : « ابن عتيك » .

 ( ٢ ) الاستيعاب ٣ : ٣٦٨ .

 ( ٣ ) الاستيعاب ٤ : ٢٠٠ .

 ( ٤ ) أبو نعيم قال : « و التيهان اسمه عمرو بن الحارث » و إن كان خلاف قوله في أسمائه أيضا.

( ٥ ) الاستيعاب ٤ : ٢٠١ .

( ٦ ) الكامل للمبرد ٢ : ٣٨٧ .

( ٧ ) العيون لابن بابويه ٢ : ١٢٥ .

٣٠٠