• البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 76130 / تحميل: 3382
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 10

مؤلف:
العربية

من شرايع الاسلام : الولاية لأمير المؤمنين عليه السّلام و الذين مضوا على منهاج نبيّهم ، و لم يغيّروا و لم يبدّلوا ، مثل سلمان الفارسي ، و أبي ذر الغفاري ،

و المقداد ، و عمّار ، و حذيفة ، و أبي الهيثم بن التيهان .

و مما يحقق قتله في صفين ما رواه نصر بن مزاحم في ( صفينه ) ١ أنّ أمينة الأنصارية رأته و قالت :

منع اليوم ان أذوق رقادا

مالك إذ مضى و كان عمادا

يا أبا الهيثم بن تيهان إني

صرت للهمّ معدنا و وسادا

إذ غدا الفاسق الكفور عليهم

إنّه كان مثلها معتادا

أصبحوا مثل من ثوى يوم احد

يرحم اللّه تلكم الأجسادا

« و أين ذو الشهادتين » و اسمه خزيمة بن ثابت . و سمّي ذو الشهادتين لما رواه البلاذري عن الواقدي قال : قال محمّد بن يحيى بن سهل : ابتاع النبي صلّى اللّه عليه و آله فرسه المرتجز من أعرابي من بني مرة ، فرأى الأعرابي فيه رغبة ، فجحد أن يكون باعه إياه ، فشهد له على ابتياعه هذا الفرس خزيمة بن ثابت الأنصاري و لم يكن شاهدا شراءه فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله : كيف شهدت و لم تحضر ؟ قال :

بتصديقي إيّاك ، و إنّ قولك كالمعاينة . قال : أنت ذو الشهادتين . فسمّي ذا الشهادتين . و وقع في خبر ( عيون ) المتقدم كابن التيهان .

قال ابن أبي الحديد ٢ : روي حديث مقتله بصفين من وجوه كثيرة عن ولد ولده محمّد بن عمّارة بن خزيمة ، و من غريب ما وقفت عليه من العصبية القبيحة أنّ أبا حيان التوحيدي قال في ( بصائره ) : إنّ خزيمة بن ثابت المقتول بصفين ليس ذا الشهادتين ، بل آخر صحابي من الأنصار ، فإنّ كتب الحديث

ــــــــــــ

( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٣٦٥ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ١٠٩ .

٣٠١

و النسب تنطق أنّه : لم يكن في الصحابة خزيمة بن ثابت غيره ، و إنّما الهواء لا دواء له . على أن الطبري ١ سبق أبا حيان ، و من كتابه نقل أبو حيان ، ثم أي حاجة لناصري أمير المؤمنين عليه السّلام أن يتكثروا بخزيمة ، و ابن الهيثم ، و غيرهم لو أنصفوه ؟ . . . .

قلت : الطبري قال ذلك في ( الجمل ) في رواياته عن سيف التي كلّها مفتعلة ، إلاّ أنّه في ( ذيله ) قال بعد رفع نسبه إلى أوس : و هو ذو الشهادتين يكنّى أبا عمارة ، شهد صفين و قتل يومئذ سنة ( ٣٧ ) .

« و أين نظراؤهم من اخوانهم الذين تعاقدوا » أي : تعاهدوا .

« على المنية » أي : الموت . منهم هاشم المرقال ، و أصحابه . و في ( صفين نصر ) ٢ : لمّا قتل هاشم جزع الناس عليه جزعا شديدا ، و اصيب معه عصابة من القرّاء من أسلم ، فمرّ عليهم عليّ عليه السّلام و هم قتلى حوله ، فقال :

جزى اللّه خيرا عصبة أسلمية صباح الوجوه صرعوا حول هاشم يزيد و عبد اللّه بشر و معبد و سفيان و ابنا هاشم ذي المكارم و عروة لا يبعد ثناه و ذكره إذا اخترطت يوما خفاف الصوارم و روى ٣ ، عن عبد خير الهمداني قال : قال هاشم : أيّها النّاس إنّي رجل ضخم فلا يهولنكم مسقطي إن أنا سقطت ، فإنّه لا يفرغ مني أقل من نحر جزور . ثم حمل فصرع ، فمر عليه زجل و هو صريع بين القتلى ، فقال له : أقرى‏ء أمير المؤمنين السلام و رحمة اللّه ، و قل له : انشدك باللّه ألا اصبحت و قد ربطت مقاود خيلك بأرجل القتلى ، فإنّ الدبرة تصبح عندك لمن غلب على القتلى .

ــــــــــــ

( ١ ) ذيل تاريخ الطبري ١١ : ٥١١ .

( ٢ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٣٥٦ .

( ٣ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٣٥٣ .

٣٠٢

فأخبر الرجل عليّا عليه السّلام بذلك ، فسار عليّ عليه السّلام في بعض الليل ، حتى جعل القتلى خلف ظهره ، و كانت الدبرة له عليهم .

و روى ١ ، عن أبي سلمة : أن هاشم بن عتبة دعا الناس ، فقال : ألا من كان يريد اللّه و الدار الآخرة فليقبل . فأقبل إليه ناس ، فشدّ في عصابة من أصحابه على أهل الشام مرارا ، فليس يحمل من وجه عليهم إلاّ صبروا له ، و قوتل فيه قتالا شديدا ، فقال لأصحابه : لا يهولنّكم ما ترون ، فو اللّه ما ترون إلاّ حمية العرب و صبرها تحت راياتها و عند مراكزها ، و إنّهم لعلى الضلال و إنّكم لعلى الحق ، يا قوم اصبروا و صابروا ، و اجتمعوا و امشوا بنا على تؤدة رويدا ، ثم تآسوا و تصابروا ، و اذكروا اللّه ، و لا يسلم رجل أخاه ، و لا تكثروا الالتفات ،

و جالدوهم محتسبين حتى يحكم اللّه بيننا و هو خير الحاكمين ٢ إذ خرج عليهم فتى شاب إلى أن قال فقال له هاشم : و ما أنت و ابن عفان ؟ إنّما قتله أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله و قرّاء الناس ، حين أحدث أحداثا و خالف حكم الكتاب ،

و أصحاب محمّد هم أصحاب الدين و أولى بالنظر في امور المسلمين إلى أن قال و قاتل هاشم و أصحابه قتالا شديدا حتى أتت كتيبة لتنوخ ، فشدوا فقاتلهم حتى قتل تسعة أو عشرة ، و حمل عليه الحرث بن المنذر التنوخي فطعنه فسقط ، و بعث إليه علي عليه السّلام : أن قدّم لواءك . فقال للرسول : انظر إلى بطني . فاذا هو قد انشق ، و أخذ اللواء بعد قتله ابنه عبد اللّه و قال :

أهاشم بن عتبة بن مالك أعزز بشيخ من قريش هالك تخبطه الخيول بالسنابك في أسود من نقعهن حالك أبشر بحور العين في الأرائك و الروح و الريحان عند ذلك

ــــــــــــ

( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٣٥٣ ٣٥٤ .

( ٢ ) الأعراف : ٨٧ .

٣٠٣

و في ( المروج ) ١ : حمل هاشم و معه جماعة من أسلم قد آلوا ألاّ يرجعوا ،

أو يفتحوا ، أو يقتلوا . و شرطة الخميس الذين بايعوه على الموت كانوا خمسين.

و منهم أبو عمرة عمرو بن محصن النجاري في ( صفين نصر ) ٢ : كان من أعلام أصحاب عليّ عليه السّلام ، فلما قتل جزع عليّ عليه السّلام لقتله ، و قال النجاشي يرثيه:

لنعم فتى الحيين عمرو بن محصن إذا صائح الحيّ المصبح ثوّبا لقد فجّع الأنصار طرا بسيد أخي ثقة في الصالحات مجربا فان تقتلوا الحر الكريم ابن محصن فنحن قتلنا ذا الكلاع و حوشبا و قالت شامية :

و لا تعدموا قوما أذاقوا ابن ياسر شعوبا و لم يعطوكم بالخزائم فنحن قتلنا اليثربي ابن محصن خطيبكم و ابني بديل و هاشم و منهم عبد اللّه بن بديل الخزاعي ، و في ( صفين نصر ) ٣ : كان عليه يومئذ سيفان و درعان ، فجعل يضرب الناس بسيفه قدما ، و هو يقول :

لم يبق إلاّ الصبر و التوكل و اخذك الترس و سيفا مصقل ثم التمشّي في الرعيل الأول مشي الجمال في الحياض المنهل فلم يزل يضرب بسيفه حتى انتهى إلى معاوية ، فأزاله عن موقفه ، فأقبل أصحاب معاوية يرضخونه بالصخر ، حتى أثخنوه و قتل . فقال معاوية : هذا كبش القوم و ربّ الكعبة .

ــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٨٠ ٨١ .

( ٢ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٣٥٧ .

( ٣ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٢٤٥ .

٣٠٤

« و أبرد برؤوسهم الى الفجرة » قال ابن أبي الحديد ١ أي : حملت رؤوسهم مع البريد إلى الفجرة أي : امراء عسكر الشام .

قلت : لم ينقل في السير قطع الرؤوس في صفين بعد القتل و إرسالها إلى الامراء ، ثم امراء الشام كانوا شاهدين صفين ، فلم تحمل الرؤوس إليهم مع البريد ؟ ثم لم يكن أحد يرسل إليه رأس غير أمير الفجرة معاوية . و يمكن أن يكون المراد بقوله عليه السّلام : « و أين نظراؤهم إلى و ابرد برؤوسهم إلى الفجرة » في غير صفين ، و إنّه عليه السّلام أشار إلى حمل رأس محمّد بن أبي بكر ، فالخطبة كما عرفت كانت بعد قتل محمّد قرب قتله عليه السّلام ، و في ( العقد ) ٢ : ضرب معاوية بن حديج عنق محمّد ، و بعث برأسه إلى معاوية ، فكان أوّل رأس طيف به في الاسلام .

و كلامه عليه السّلام بلفظ الماضي ، و إلاّ فحمل رأس عمرو بن الحمق الذي كان أحد أجلاّء شيعته كحجر بن عدي إلى معاوية بعشر سنين بعده عليه السّلام ، هرب زمان إمارة زياد على الكوفة إلى الموصل ، و دخل غارا فنهشته حيّة فقتلته ،

فبعث عامل الموصل من أخذ رأسه و بعثه إلى زياد ، فبعثه زياد إلى معاوية و قالوا : إنّ رأسه أوّل رأس حمل في الإسلام من بلد إلى بلد .

و اللعين أوّل من أسّس هذه الشناعة في الإسلام ، و تبعه من بعده من الجبابرة ، و في ( صلة تاريخ الطبري ) ٣ : ورد في سنة ( ٣٠٤ ) الكتاب من خراسان : أنّه وجد بالقندهار في أبراج سورها برج متصل بها ، فيه خمسة آلاف رأس في سلال من حشيش ، و من هذه الرؤوس : تسعة و عشرون رأسا ،

ــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ١١٠ .

( ٢ ) العقد لابن عبد ربه ١ : ١٢٣ .

( ٣ ) صلة تاريخ الطبري ١١ : ٥٩ .

٣٠٥

في اذن كلّ رأس منها رقعة مشدودة بخيط إبريسم ، باسم كلّ رجل منهم ،

و الأسماء : شريح بن حيان ، خباب بن الزبير ، الخليل بن موسى التميمي ،

الحارث بن عبد اللّه ، طلق بن معاذ السلمي ، حاتم بن حسنة ، هاني بن عرة ، عمر بن علان ، جرير بن عباد المدني ، جابر بن خبيب بن الزبير ، فرقد بن الزبير السعدي ، عبد اللّه بن سليمان بن عمّارة ، سليمان بن عمّارة ، مالك بن طرخان صاحب لواء عقيل بن سهيل بن عمرو ، عمرو بن حيان ، سعيد بن عتاب الكندي ، حبيب بن أنس ، هارون بن عروة ، غيلان بن العلا ، جبرئيل بن عبادة ،

عبد اللّه البجلي ، مطرف بن صبح ختن عثمان بن عفان ، وجدوا على حالهم ، إلاّ أنّه قد جفّت جلودهم و الشعر عليها بحالته . و في الرقاع من سنة ( ٧٠ ) من الهجرة.

هذا ، و في الخبر : أن الحسين عليه السّلام كان في شخوصه من مكة إلى العراق لا ينزل منزلا و لا يرحل ، إلاّ كان يذكر أمر رأسه عليه السّلام ، و بعثه إلى عبيد اللّه و يزيد ، و كان عليه السّلام يقول : من هوان الدنيا أن رأس يحيى بن زكريا اهدي إلى ملك بغى .

« قال » ليس في ( ابن ميثم ) ١ ، و انما هو في ( ابن أبي الحديد ) ( كالمصرية ) ٢ .

« ثم ضرب بيده » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( يده ) كما في ( ابن ميثم ) ٣ و ( ابن أبي الحديد ) ٤ و ( الخطية ) .

« على لحيته الشريفة الكريمة » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( على

ــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٣٩٢ ، و فيه : قال ثم ضرب .

( ٢ ) الطبعة المصرية : ١٣١ الخطبة ١٨٠ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٣٩٢ ، و فيه : « ضرب بيده » .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ٩٩ .

٣٠٦

لحيته ) بدون زيادة لعدم وجود الوصفين في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ١ .

« فأطال البكاء ثم قال عليه السّلام » هكذا في ( المصرية ) ، و ليس في ( ابن ميثم و ابن أبي الحديد ) : عليه السّلام .

« أوّه » بسكون الواو قال الجوهري : توجع ، قال الشاعر :

فأوّه لذكراها إذا ما ذكرتها

و من بعد أرض بيننا و سماء

« على اخواني الذين قرؤوا » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( تلوا ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) .

« القرآن فأحكموه ، و تدبروا الفرض فأقاموه ، أحيوا السنة و أماتوا البدعة » في ( صفين نصر ) ٢ : قتل عبد اللّه بن كعب يوم صفين ، فمر عليه الأسود بن قيس و هو بآخر رمق ، فقال له الأسود : عز عليّ و اللّه مصرعك ، أما و اللّه لو شهدتك ،

لآسيتك و لدافعت عنك ، و لو أعرف الذي أشعرك لأحببت ألا يزايلني حتى يلحقني بك . ثم نزل إليه ، و قال له : و اللّه إن كان جارك ليأمن بوائقك ، و إن كنت من الذاكرين اللّه كثيرا ، أوصني رحمك اللّه . قال : اوصيك بتقوى اللّه ، و ان تناصح أمير المؤمنين ، و أن تقاتل معه المحلين حتى يظهر الحق ، أو تلحق باللّه ، و أبلغه عني السلام ، و قل له : قاتل على المعركة حتى تجعلها خلف ظهرك ،

فمن أصبح و المعركة خلف ظهره كان الغالب . ثم لم يلبث أن مات ، فأقبل الأسود إلى علي عليه السّلام فأخبره ، فقال رحمه اللّه جاهد معنا عدوّنا في الحياة ،

و نصح لنا في الوفاة .

« دعوا للجهاد فأجابوا ، و وثقوا بالقائد » يعني عليه السّلام نفسه .

ــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٣٩٢ ، و فيه : « على لحيته الشريفة الكريمة » .

( ٢ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٤٥٦ .

٣٠٧

« فاتبعوه » هكذا في ( المصرية ) ١ ، و الصواب : ( فاتبعوا ) كما في ( ابن أبي الحديد ) ٢ و ( ابن ميثم ) ٣ .

في ( صفين نصر ) ٤ : لما خرج علي عليه السّلام إلى صفين قال له عمرو بن الحمق : إني و اللّه ما بايعتك على قرابة بيني و بينك ، و لا إرادة مال تؤتينيه ، و لا التماس سلطان ترفع ذكري ، و لكن أجبتك لخصال خمس : أنّك ابن عمّ النبي صلّى اللّه عليه و آله ، و أول من آمن به ، و زوج سيّدة نساء الامة ، و أبو الذريّة التي بقيت فينا من النبي صلّى اللّه عليه و آله ، و أعظم رجل من المهاجرين في الجهاد . فلو أنّي كلّفت نقل الجبال الرواسي ، و نزح البحور الطوامي ، حتى يأتي عليّ يومي في أمر أقوّي به وليّك و اوهن به عدوّك ، ما رأيت أنّي قد أدّيت فيه كلّ الذي يحقّ عليّ من حقك . فقال عليه السّلام : اللهمّ نوّر قلبه بالتقى ، و اهده إلى صراط مستقيم ، ليت في جندي مائة مثلك . ثم قام حجر بن عدي ، فقال له عليه السّلام : نحن بنو الحرب و أهلها ،

نلهبها و ننتجها ، قد ضار ستنا و ضار سناها ، و لنا أعوان ذوو صلاح و عشيرة ذات عدد ، و رأي مجرّب و بأس محمود ، و أزمّتنا منقادة لك بالسمع و الطاعة ،

فإن شرّقت شرّقنا ، و إن غرّبت غرّبنا ، و ما أمرتنا به من أمر فعلناه .

و في ( رجال الكشي ) : قال أبو الجارود : قلت للأصبغ : ما كان منزلة هذا الرجل فيكم ؟ قال : ما أدري ما تقول ، إلاّ أنّ سيوفنا كانت على عواتقنا ، فمن أومى إليه ضربناه بها ، و كان يقول لنا : تشرطوا ، فو اللّه ما اشتراطكم لذهب و لا فضة ، و ما اشتراطكم إلاّ للموت ، إنّ قوما قبلكم من بني اسرائيل تشرطوا بينهم ، فما مات أحد منهم حتى كان نبي قومه ، أو نبي قريته ، أو نبي نفسه ،

ــــــــــــ

( ١ ) الطبعة المصرية : ١٣١ الخطبة ١٨٠ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ٩٩ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٣٩٢ .

( ٤ ) صفين لنصر بن مزاحم : ١٠٣ .

٣٠٨

و إنّكم بمنزلتهم غير أنّكم لستم بأنبياء .

و في ( المروج ) ١ : كان حذيفة اليماني في سنة ( ٣٦ ) عليلا بالكوفة ، فبلغه قتل عثمان و بيعة الناس لعلي عليه السّلام ، فقال : أخرجوني و ادعوا : الصلاة جامعة .

فوضع على المنبر ، فحمد اللّه و أثنى عليه ، و صلّى على النبي و آله ، ثم قال : أيّها الناس ، إنّ الناس قد بايعوا عليّا عليه السّلام ، فعليكم بتقوى اللّه ، و انصروا عليّا ،

و وازروه ، فو اللّه إنّه لعلى الحق آخرا و أولا ، و إنّه لخير من مضى بعد نبيكم ،

و من بقي إلى يوم القيامة . ثم أطبق يمينه على يساره ، ثم قال : اللّهم اشهد أنّي قد بايعت عليّا . و قال : الحمد للّه الذي أبقاني إلى هذا اليوم . و قال لابنيه صفوان و سعيد : احملاني و كونا معه ، فسيكون له حروب كثيرة ، فيهلك فيها خلق من الناس ، فاجتهدا أن تستشهدا معه ، فإنّه و اللّه على الحق ، و من خالفه على الباطل . و مات حذيفة بعد ذلك بسبعة أيام ، و استشهد ابناه في صفين ،

و استشهد عبد اللّه بن الحرث النخعي أخو الأشتر .

١١

الحكمة ( ٣٢٢ ) وَ رُوِيَ : أَنَّهُ ع لَمَّا وَرَدَ ؟ اَلْكُوفَةَ ؟ قَادِماً مِنْ ؟ صِفِّينَ ؟ مَرَّ بِالشِّبَامِيِّينَ فَسَمِعَ بُكَاءَ اَلنِّسَاءِ عَلَى قَتْلَى ؟ صِفِّينَ ؟ وَ خَرَجَ إِلَيْهِ ؟ حَرْبُ بْنُ شُرَحْبِيلَ الشِّبَامِيِّ ؟ وَ كَانَ مِنْ وُجُوهِ قَوْمِهِ فَقَالَ ع لَهُ أَ تَغْلِبُكُمْ نِسَاؤُكُمْ عَلَى مَا أَسْمَعُ أَ لاَ تَنْهَوْنَهُنَّ عَنْ هَذَا اَلرَّنِينِ وَ أَقْبَلَ ؟ حَرْبٌ ؟ يَمْشِي مَعَهُ وَ هُوَ ع رَاكِبٌ فَقَالَ ع اِرْجِعْ فَإِنَّ مَشْيَ مِثْلِكَ مَعَ مِثْلِي فِتْنَةٌ لِلْوَالِي وَ مَذَلَّةٌ لِلْمُؤْمِنِ

ــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٣٩٤ .

٣٠٩

أقول : رواه نصر بن مزاحم ١ ، و الطبري ٢ في كتابيهما مع زيادة قبله و بعده . فروى الأوّل عن عمر عن عبد اللّه بن عاصم ، قال : لما مرّ علي عليه السّلام بالثوريين يعني ثور همدان سمع البكاء ، فقال : ما هذه الأصوات ؟ قيل : هذا البكاء على من قتل بصفين . قال : أما إنّي أشهد لمن قتل منهم صابرا محتسبا بالشهادة . ثم مرّ بالشباميين ، فسمع رنّة شديدة ، و صوتا مرتفعا عاليا ، فخرج إليه حرب بن شرحبيل الشبامي ، فقال له علي عليه السّلام : أتغلبكم نساؤكم ؟ ألا تنهونهن عن هذا الصياح و الرنين ؟ قال : لو كانت دارا أو دارين أو ثلاثا قدرنا على ذلك ، و لكن من هذا الحي ثمانون و مائة قتيل ، فليس من دار إلاّ و فيها بكاء .

أمّا نحن معاشر الرجال فإنّا لا نبكي ، و لكن نفرح لهم بالشهادة . فقال عليه السّلام :

رحم اللّه قتلاكم و موتاكم . و أقبل يمشي معه ، و عليّ عليه السّلام راكب فقال له علي عليه السّلام : ارجع فإنّ مشي مثلك فتنة للوالي . و مذلّة للمؤمن . ثمّ مضى حتّى مرّ بالناعطيين ، فسمع رجلا منهم يقال له عبد الرحمن بن مرثد ، يقول : ما صنع عليّ شيئا ؟ ذهب ثم انصرف في غير شي‏ء . فلما نظر عليّ عليه السّلام إليه أبلس ،

فقال عليه السّلام : وجوه قوم ما رأوا الشام العام . ثم قال عليه السّلام لأصحابه : قوم فارقتهم آنفا خير من هؤلاء . ثم قال :

أخوك الذي إن أحرضتك ملمة

من الدهر لم يبرح لبثك واجما

و ليس أخوك بالذي إن تمنّعت

عليك امور ظل يلحاك لائما

ثمّ مضى عليه السّلام فلم يزل يذكر اللّه حتى دخل الكوفة .

و في حديث ٣ عمرو ابن شمر : لمّا صدر عليّ عليه السّلام من صفين أنشأ

ــــــــــــ

( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٥٣١ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٤ : ٤٥ .

( ٣ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٥٣٢ ٥٣٣ .

٣١٠

يقول :

و كم قد تركنا في دمشق و أرضها

من اشمط موتور و شمطاء ثاكل

و غانية صاد الرماح حليلها

فأضحت تعد اليوم احدى الأرامل

تبكي على بعل لها راح غاديا

و ليس إلى يوم الحساب بقافل

و إنّا لناس ما تصيب رماحنا

إذا ما طعنا القوم غير المقاتل

و روى الثاني ١ باسناده عن أبي مخنف عن عبد اللّه بن عاصم مثله ، إلى قوله : « حتى دخل الكوفة » لكن فيه : « حتى مر بالناعطيين و جلهم عثمانية » و فيه : « فلمّا نظروا إلى عليّ عليه السّلام أبلسوا » .

قول المصنّف : « و روى » قد عرفت أنّ الراوي عبد اللّه بن عاصم الفائشي .

« أنّه عليه السّلام لمّا ورد الكوفة قادما من صفين مرّ » قد عرفت من الرّواية المتقدمة أنّ مروره عليه السّلام بمن قال ، كان قبل وروده الكوفة .

« بالشباميين » بكسر الشين ، في ( الجمهرة ) : شبام : قبيلة من العرب . قال ابن الكلبي : هم منسوبون إلى جبل و ليس بامّ و لا أب .

و في ( السمعاني ) : شبام : مدينة باليمن . و في ( لبابه ) : شبام : بطن من همدان ، و هو شبام بن أسعد بن جشم بن حاشد بن خيران بن نوف بن همدان ،

و تلك المدينة بهم سمّيت .

و في ( القاموس ) : « موضع بالشام ، و جبل لهمدان باليمن ، و بلد لحمير تحت جبل كوكبان ، و بلد لبني حبيب عند ذمرمر ، و بلد في حضر موت » .

قلت : و الأصح في الحي ما قاله ابن الكلبي .

« فسمع بكاء النساء على قتلى صفين » قد عرفت في خبره : « فسمع رنة شديدة ، و صوتا مرتفعا عاليا » و يشهد له قوله عليه السّلام : « أ لا تنهونهن عن هذا

ــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٥ : ٦٢ .

٣١١

الرنين » . لا أنّه عليه السّلام نهى عن مطلق البكاء . كيف و قد سمع عليه السّلام قبل الشباميين من ثور همدان بكاء نسائهن فلم ينه ؟

« و خرج اليه حرب بن شرحبيل الشبامي و كان من وجوه قومه » كان من التابعين و قوله له عليه السّلام في خبره : « أمّا نحن معاشر الرجال فلا نبكي و نفرح لهم بالشهادة » يدلّ على حسن حاله .

« فقال عليه السّلام أ تغلبكم نساؤكم على ما أسمع » من الصياح .

« أ لا تنهونهن عن هذا الرنين » صوت البكاء الممتد ، و في ( الجمهرة ) : الرنة:

الصوت الشديد يخالطه فزع أو صراخ . سمعت رنة القوم ، ثم كثر حتى قالوا :

سمعت رنّة الطير . أي : أصواتها ، و هو الرنين أيضا .

« و أقبل حرب » ليس ( حرب ) في ( ابن ميثم ) ١ بل في ( ابن أبي الحديد ) ٢ و أخذته ( المصرية ) ٣ منه .

« يمشي معه عليه السّلام و هو راكب فقال عليه السّلام » : هكذا في ( المصرية ) ،

و الصواب : ( فقال عليه السّلام له ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٤ .

« ارجع فإنّ مشي مثلك مع مثلي فتنة للوالي و مذلّة للمؤمن » روى ( الروضة ) ٥ : عن جويرية بن مسهر قال : اشتددت خلف أمير المؤمنين عليه السّلام ،

فقال : يا جويرية إنّه لم يهلك هؤلاء الحمقى إلاّ بخفق النعال خلفهم ، ما جاء بك ؟

قلت : جئت أسألك عن ثلاث : الشرف و المروة و العقل . . . .

و في ( معارف القتيبي ) : قال ميمون بن مهران : أوّل من مشت معه

ــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٤٠٣ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٢٣٤ .

( ٣ ) الطبعة المصرية : ٢٣٠ الحكمة ٣٢٢ .

( ٤ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٤٠٣ .

( ٥ ) روضة فروع الكافي ٨ : ٢٤١ ح ٣٣١ .

٣١٢

الرجال و هو راكب : الأشعث بن قيس .

١٢

الخطبة ( ٢٠٦ ) و من كلام له عليه السّلام قاله لمّا اضطرب عليه أصحابه في أمر الحكومة :

أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ أَمْرِي مَعَكُمْ عَلَى مَا أُحِبُّ حَتَّى نَهِكَتْكُمُ اَلْحَرْبُ وَ قَدْ وَ اَللَّهِ أَخَذَتْ مِنْكُمْ وَ تَرَكَتْ وَ هِيَ لِعَدُوِّكُمْ أَنْهَكُ . لَقَدْ كُنْتُ أَمْسِ أَمِيراً فَأَصْبَحْتُ اَلْيَوْمَ مَأْمُوراً وَ كُنْتُ أَمْسِ نَاهِياً فَأَصْبَحْتُ اَلْيَوْمَ مَنْهِيّاً وَ قَدْ أَحْبَبْتُمُ اَلْبَقَاءَ وَ لَيْسَ لِي أَنْ أَحْمِلَكُمْ عَلَى مَا تَكْرَهُونَ أقول : ذكره ( صفين نصر بن مزاحم ) ١ ، مع أدنى اختلاف و مع بيان سببه ، فقال : ذكروا أنّ أهل الشام جزعوا فقالوا : يا معاوية ما نرى أهل العراق أجابوا إلى ما دعوناهم إليه ، فأعدها جذعة ، فإنّك قد غمرت بدعائك القوم ،

و اطمعتهم فيك . فدعا معاوية عبد اللّه بن عمرو بن العاص و أمره أن يكلّم أهل العراق ، فأقبل حتى إذا كان بين الصفّين : نادى يا أهل العراق أنا عبد اللّه بن عمرو بن العاص ، إنّها قد كانت بيننا و بينكم امور للدين أو الدنيا ، فإن تكن للدين فقد و اللّه اعذرنا و اعذرتم و إن تكن للدنيا فقد أسرفنا و أسرفتم ، و قد دعوناكم إلى أمر لو دعوتمونا لأجبناكم ، فإن يجمعنا و إياكم الرضا فذلك من اللّه ، فاغتنموا هذه الفرجة لعلّه أن يعيش فيها المحترف و ينسى فيها القتيل ،

فإنّ بقاء المهلك بعد الهالك قليل . فخرج سعيد بن قيس الهمداني فأتى عليّا عليه السّلام ، فأخبره بقول عبد اللّه بن عمرو إلى أن قال و قام الناس إلى علي عليه السّلام ، فقالوا : أجب القوم إلى ما دعوك إليه ، فإنّا قد فنينا إلى أن قال ذكروا : أنّ الناس ماجوا و قالوا : أكلنا الحرب ، و قتلت الرجال . و قال قوم : نقاتل

ــــــــــــ

( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٤٨٤ .

٣١٣

القوم على ما قاتلناهم عليه أمس . و لم يقل هذا إلاّ قليل من الناس ، ثم رجعوا عن قولهم مع الجماعة و ثارت الجماعة بالموادعة ، فقام علي عليه السّلام و قال : « إنّه لم يزل أمري معكم على ما احب إلى أن أخذت الحرب منكم ، و قد و اللّه أخذت منكم و تركت ، و أخذت من عدوّكم و لم تترك ، و إنّها فيهم أنكى و أنهك ، إلاّ أنّي كنت أمس أميرا ، فأصبحت اليوم مأمورا ، و كنت ناهيا ، فأصبحت منهيا ، و قد أحببتم البقاء و ليس لي أن أحملكم على ما تكرهون » ثم تكلّم رؤساء القبائل ،

فأما من ربيعة و هي الجبهة العظمى فقام كردوس بن هاني البكري فقال :

أيّها الناس و اللّه ما تولينا معاوية منذ تبرّأنا منه ، و لا تبرّأنا من علي عليه السّلام منذ توليناه ، و إنّ قتلانا لشهداء ، و احياءنا لأبرار ، و إنّ عليّا عليه السّلام لعلى بيّنة من ربّه،

و ما أحدث إلاّ الانصاف ، و كان محقّا منصفا ، فمن سلّم له نجا ، و من خالفه هلك . ثم قام شقيق بن ثور البكري فقال : أيها الناس إنّا دعونا أهل الشام إلى كتاب اللّه ، فردّوه علينا ، فقاتلناهم عليه . و إنّهم دعونا إلى كتاب اللّه ، فإن رددناه عليهم حل لهم منّا ما حل لنا منهم ، و لسنا نخاف أن يحيف اللّه علينا و لا رسوله ،

و إنّ عليّا عليه السّلام ليس بالمراجع الناكص ، و لا الشاك الواقف ، و هو اليوم على ما كان عليه أمس ، و قد أكلتنا هذه الحرب و لا نرى إلاّ الموادعة . ثم قام حريث بن جابر البكري فقال : أيها الناس إنّ عليّا عليه السّلام لو كان خلوا من هذا الأمر لكان المفزع إليه فكيف و هو قائده و سائقه و انّه و اللّه ما قبل من القوم اليوم إلاّ ما دعاهم إليه أمس إلى أن قال و قام الحضين الربعي و كان أصغر القوم سنا فقال : أيّها الناس إنّما بني هذا الدين على التسليم ، فلا توقروه بالقياس ، و لا تهدموه بالشفقة . فإنّا و اللّه لو لا تقبل لا نقبل إلاّ ما نعرف لأصبح الحق في أيدينا قليلا ، و لو تركنا و ما نهوى لكان الباطل في أيدينا كثيرا ، و إنّ لنا داعيا قد حمدنا ورده و صدره ، و هو المصدق على ما قال ، المأمون على ما فعل ، فإن قال : لا .

٣١٤

قلنا : لا . و إن قال : نعم . قلنا : نعم .

و ذكره ( خلفاء ابن قتيبة ) ١ أيضا ، فقال : ذكروا أن أهل العسكرين باتوا بشدّة من الألم ، و نادى علي عليه السّلام أصحابه ، فأصبحوا على راياتهم و مصافهم ،

فلما رآهم معاوية و قد برزوا للقتال ، قال لعمرو بن العاص : ألم تزعم انّك ما وقعت في أمر قطّ إلاّ و خرجت منه ؟ قال : بلى . قال : أفلا تخرج مما ترى ؟ قال :

و اللّه لأدعونّهم إن شئت إلى أمر افرّق به جمعهم ، و يزداد جمعك إليك اجتماعا ، إن اعطوكه اختلفوا ، و إن منعوكه اختلفوا . قال : و ما ذاك ؟ قال تأمر بمصاحف فترتفع ، ثم تدعوهم إلى ما فيها فو اللّه لئن قبله ليفرقنّ عنه جماعته ،

و لئن رده ليكفرنّه أصحابه . فدعا معاوية بالمصحف ، ثم دعا رجلا من أصحابه يقال له : ابن هند ، فنشره بين الصفين ، ثم نادى : اللّه اللّه في دمائنا و دمائكم ، البقية البقية ، بيننا و بينكم كتاب اللّه . فلما سمع الناس ذلك ثاروا إلى عليّ عليه السّلام فقالوا : أعطاك معاوية الحق ، و دعاك إلى كتاب اللّه فاقبل منه إلى أن قال فقام عليّ عليه السّلام خطيبا فقال : « أيها الناس إنّه لم أزل من أمري على ما احبّ حتى قد نهكتكم الحرب ، و قد و اللّه أخذت منكم و تركت ، و هي لعدوّكم أنهك ،

و قد كنت بالأمس أميرا ، فأصبحت اليوم مأمورا ، و كنت ناهيا ، فأصبحت اليوم منهيا ، و ليس لي أن أحملكم على ما تكرهون » .

قول المصنّف : « و من كلام له عليه السّلام لما اضطرب عليه أصحابه في أمر الحكومة » هكذا في ( المصرية ) ٢ و كذا ( ابن أبي الحديد ) ٣ و في ( ابن ميثم ) ٤ :

« و قال عليه السّلام لما اضطرب عليه أصحابه في أمر الحكومة » .

ــــــــــــ

( ١ ) الخلفاء لابن قتيبة : ١١٥ .

( ٢ ) الطبعة المصرية ٢ : ٢١٢ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٢٩ .

( ٤ ) شرح ابن ميثم ٤ : ١٥ .

٣١٥

قوله عليه السّلام : « أيها الناس إنّه لم يزل أمري معكم على ما احب » يأتمرون ما أمرهم به ، و يزدجرون عمّا زجرهم عنه .

« حتى نهكتكم » من : نهكته الحمى ، إذا جهدته و نقصت لحمه ، أو من :

نهكت الثوب ، إذا لبسته حتى خلق .

« الحرب » مؤنّث و قد تذكر ، قال : إذا الحرب هفا عقابه .

« و قد و اللّه أخذت » الحرب .

« منكم » رجالا .

« و تركت » أكثر .

« و هي لعدوّكم أنهك » فقتلى أصحاب معاوية كانوا أكثر من قتلى أصحابه عليه السّلام ، ففي ( المروج ) ١ : عن يحيى بن معين : قتل من أهل الشام تسعون ألفا ، و من أهل العراق عشرون ألفا . و عن أبي مخنف و الشرقي و الهيثم : قتل من أهل الشام خمسة و أربعون ألفا ، و من أهل العراق خمسة و عشرون .

« لقد كنت أمس أميرا فأصبحت اليوم مأمورا » في ( صفين نصر ) ٢ : لما رفع أهل الشام المصاحف على الرماح يدعون إلى حكم القرآن ، قال عليّ عليه السّلام : عباد اللّه أنا أحق من أجاب إلى كتاب اللّه ، و لكن معاوية و عمرو بن العاص و ابن أبي معيط و حبيب بن مسلمة و ابن أبي سرح ليسوا بأصحاب دين و لا قرآن ، إنّي أعرف بهم منكم ، صحبتهم أطفالا و صحبتهم رجالا ، فكانوا شر أطفال و شر رجال . إنّها كلمة حق يراد بها باطل ، إنّهم و اللّه ما رفعوها إلاّ أنّهم يعرفونها و لا يعملون بها ، و ما رفعوها لكم إلاّ خديعة و مكيدة . أعيروني سواعدكم

ــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٤٠٤ .

( ٢ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٤٨٩ .

٣١٦

و جماجمكم ساعة واحدة ، فقد بلغ الحق مقطعه ، و لم يبق إلاّ أن يقطع دابر الذين ظلموا . فجاءه زهاء عشرين ألفا مقنّعين في الحديد ، شاكي السلاح ،

سيوفهم على عواتقهم ، و قد اسودّت جباههم من السجود ، يتقدّمهم مسعر بن فدكي ، و زيد بن حصين و عصابة من القرّاء الذين صاروا خوارج من بعد ،

فنادوه باسمه لا بإمرة المؤمنين : يا عليّ أجب القوم إلى كتاب اللّه إذ دعيت إليه ،

و إلاّ قتلناك كما قتلنا ابن عفان ، فو اللّه لنفعلنّها إن لم تجبهم . فقال علي عليه السّلام لهم :

و يحكم أنا أوّل من دعا إلى كتاب اللّه ، و أوّل من أجاب إليه ، و ليس يحلّ لي و لا يسعني في ديني ، أن ادعى إلى كتاب اللّه فلا أقبله ، إنّي إنّما اقاتلهم ليدينوا بحكم القرآن ، فإنّهم قد عصوا اللّه في ما أمرهم ، و نقضوا عهده ، و نبذوا كتابه ، و لكني قد أعلمتكم أنّهم قد كادوكم و أنّهم ليسوا العمل بالقرآن يريدون . قالوا فابعث إلى الأشتر ليأتينك . و قد كان الأشتر صبيحة ليلة الهرير قد أشرف على عسكر معاوية ليدخله ، و حدّثني فضيل بن خديج عن رجل من النخع قال رأيت إبراهيم بن الاشتر دخل على مصعب فسأله عن الحال : كيف كانت ؟ فقال : كنت عند عليّ عليه السّلام حين بعث إلى الأشتر أن يأتيه ، فقال لرسوله : قل له : ليس هذه الساعة ينبغي لك أن تزيلني فيها عن موقفي ، إنّي قد رجوت أن يفتح اللّه لي .

فرجع رسوله ، فما هو إلا أن انتهى إلينا حتى ارتفع الوهج ، و علت الأصوات من قبل الأشتر و ظهرت دلائل الفتح لأهل العراق و الخذلان على أهل الشام ، فقال له القوم : و اللّه ما نراك إلاّ أمرته بقتال القوم . قال عليه السّلام : رأيتموني ساررت رسولي ؟ أليس إنّما كلّمته على رؤوسكم علانية و أنتم تسمعون ؟ قالوا :

فابعث إليه فليأتك ، و إلاّ فو اللّه اعتزلناك . فقال لرسوله : ويحك قل له : أقبل فإنّ الفتنة قد وقعت . فأتاه فأخبره ، فقال الأشتر : ألرفع هذه المصاحف ؟ قال : نعم .

قال : اما و اللّه لقد ظننت أنّها حين رفعت ستوقع اختلافا و فرقة ، انّها من مشورة

٣١٧

ابن النابغة يعني : عمرو بن العاص ثم قال لرسوله : ألا ترى إلى الفتح ؟ ألا ترى إلى ما يلقون ؟ ألا ترى إلى الذي يصنع اللّه لنا ؟ أينبغي أن ندع هذا و ننصرف عنه ؟ فقال له رسوله : أتحب أنّك ظفرت هاهنا و أنّ أمير المؤمنين بمكانه الذي هو به يسلّم إلى عدوه ؟ قال : سبحان اللّه و اللّه ما احب ذلك . قال :

إنّهم قالوا له : لترسلن إلى الأشتر فليأتك ، أو لنقتلنّك كما قتلنا عثمان ، أو لنسلمنّك إلى عدوّك . فأقبل الأشتر حتى انتهى إليهم فصاح : يا أهل الذل و الوهن ، أحين علوتم القوم فظنّوا أنّكم لهم ظاهرون ، و رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها ، و قد و اللّه تركوا ما أمر اللّه فيها و سنّة من انزلت عليه ؟ فلا تجيبوهم ، أمهلوني فواقا ، فإنّي قد أحسست بالفتح . قالوا : لا . قال : فامهلوني عدو الفرس ، فإنّي قد طمعت في النصر . قالوا : إذن ندخل معك في خطيئتك .

قال : فحدثوني عنكم و قد قتل أماثلكم و بقي أراذلكم متى كنتم محقين ؟

أحين تقتلون أهل الشام ، فأنتم الآن حين أمسكتم مبطلون ؟ أم الآن محقون ؟

فقتلاكم إذن لا تنكرون فضلهم ، و كانوا خيرا منكم في النار . قالوا : دعنا منك يا أشتر قاتلناهم في اللّه ، و ندع قتالهم في اللّه ، إنّا لسنا نطيعك فاجتنبنا . قال :

خدعتم و اللّه فانخدعتم ، و دعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم . يا أصحاب الجباه السود ، كنّا نظنّ أنّ صلاتكم زهادة في الدنيا و شوقا إلى لقاء اللّه ، فلا أدري فراركم إلاّ إلى الدنيا من الموت ، ألا فقبحا يا أشباه النيب الجلالة ، ما أنتم برائين عزا بعدها أبدا ، فابعدوا كما بعدا للقوم الظالمين . فسبّوه و سبّهم ، و ضربوا بسياطهم وجه دابته ، و ضرب بسوطه وجه دوابهم ، فصاح بهم علي عليه السّلام فكفوا ، فقال الأشتر له عليه السّلام : احمل الصف على الصف يصرع القوم . فقالوا له :

إنّ عليّا قبل الحكومة و رضي . فقال : إنّ كان قد قبل و رضي فقد رضيت بما رضي به أمير المؤمنين عليه السّلام . فأقبل الناس يقولون قد رضي أمير المؤمنين ،

٣١٨

قد قبل أمير المؤمنين . و هو عليه السّلام ساكت لا يلفظ بكلمة ، مطرق إلى الأرض .

« و كنت أمس ناهيا فأصبحت اليوم منهيا » في ( صفين نصر ) ١ : جاء الأشعث إلى علي عليه السّلام فقال : ما أرى الناس إلا و قد رضوا أن يجيبوا القوم إلى ما دعوهم إليه ، فإن شئت أتيت معاوية فسألته ما يريد ، و نظرت ما الذي يسأل .

قال : إيته إن شئت . فأتاه فقال له : لأيّ شي‏ء رفعتم المصاحف ؟ قال : لنرجع نحن و أنتم إلى ما أمر اللّه به في كتابه ، فأبعثوا منكم رجلا ترضون به ، و نبعث منّا رجلا ، ثم نأخذ عليهما أن يعملا بما في كتاب اللّه لا يعدوانه ، ثم نتبع ما اتفقا عليه . فقال الأشعث : هذا هو الحق . فانصرف إلى علي عليه السّلام فأخبره ، فقال الناس : قد قبلنا و رضينا . فبعث علي عليه السّلام قرّاء من أهل العراق ، و بعث معاوية قرّاء من أهل الشام ، فاجتمعوا بين الصفين و معهم المصحف ، فنظروا فيه و تدارسوه و أجمعوا على أن يحيوا ما أحيا القرآن ، و أن يميتوا ما أمات القرآن ،

ثم رجع كلّ فريق إلى أصحابه ، فقال أهل الشام : إنّا قد رضينا و اخترنا عمرو بن العاص . و قال الأشعث و القرّاء الذين صاروا خوارج في ما بعد : فإنّا قد رضينا و اخترنا أبا موسى . فقال لهم علي عليه السّلام : اني لا أرضى بأبي موسى ، و لا أرى ان أولّيه . فقال الأشعث و يزيد بن حصين و مسعر بن فدكي في عصابة من القراء : إنّا لا نرضى إلاّ به ، فإنّه قد حذّرنا ما وقعنا فيه . قال علي عليه السّلام : فإنّه ليس لي برضاء و قد فارقني ، و خذّل الناس عني ، ثم هرب حتى أمّنته بعد أشهر ، و لكن هذا ابن عباس اولّيه ذلك . قالوا : و اللّه ما نبالي أنت كنت أو ابن عباس لا تريد إلاّ رجلا هو منك و من معاوية سواء ، ليس إلى واحد منكما بأدنى من الآخر . قال : فإنّي أجعل الأشتر . قال الأشعث : و هل سعّر الأرض علينا غير الأشتر ؟ و هل نحن إلاّ في حكم الأشتر ؟ قال علي عليه السّلام : و ما حكمه ؟

ــــــــــــ

( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٤٩٨ ٤٩٩ .

٣١٩

قال ان يضرب بعضنا بعضا بالسيوف حتى يكون ما أردت و ما أراد إلى أن قال قال علي عليه السّلام : قد أبيتم إلاّ أبا موسى . قالوا : نعم . قال : فاصنعوا ما أردتم .

« و قد أحببتم البقاء و ليس لي أن أحملكم على ما تكرهون » و كرهوا ان يجاهدوا بأموالهم و أنفسهم في سبيل اللّه و قالوا لا تنفروا في الحرّ قل نار جهنّم أشدّ حرّا لو كانوا يفقهون ١ .

ــــــــــــ

( ١ ) التوبة : ٨١ .

٣٢٠