• البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 76152 / تحميل: 3387
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 10

مؤلف:
العربية

الفصل الثالث و الثلاثون في المارقين

٣٢١

١

الخطبة ( ٣٥ ) و من خطبة له عليه السّلام بعد التحكيم :

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ وَ إِنْ أَتَى اَلدَّهْرُ بِالْخَطْبِ اَلْفَادِحِ وَ اَلْحَدَثِ اَلْجَلِيلِ وَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَيْسَ مَعَهُ إِلَهٌ غَيْرُهُ وَ أَنَّ ؟ مُحَمَّداً ؟ عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ ص أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مَعْصِيَةَ اَلنَّاصِحِ اَلشَّفِيقِ اَلْعَالِمِ اَلْمُجَرِّبِ تُورِثُ اَلْحَيْرَةَ وَ تُعْقِبُ اَلنَّدَامَةَ وَ قَدْ كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ فِي هَذِهِ اَلْحُكُومَةِ أَمْرِي وَ نَخَلْتُ لَكُمْ مَخْزُونَ رَأْيِي لَوْ كَانَ يُطَاعُ ؟ لِقَصِيرٍ ؟ أَمْرٌ فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ اَلْمُخَالِفِينَ اَلْجُفَاةِ وَ اَلْمُنَابِذِينَ اَلْعُصَاةِ حَتَّى اِرْتَابَ اَلنَّاصِحُ بِنُصْحِهِ وَ ضَنَّ اَلزَّنْدُ بِقَدْحِهِ فَكُنْتُ وَ إِيَّاكُمْ كَمَا قَالَ أَخُو ؟ هَوَازِنَ ؟

أَمَرْتُكُمْ أَمْرِي ؟ بِمُنْعَرَجِ اَللِّوَى ؟

فَلَمْ تَسْتَبِينُوا اَلنُّصْحَ إِلاَّ ضُحَى اَلْغَدِ

٣٢٢

أقول : قال ابن أبي الحديد ١ : قال نصر في ( صفينه ) : لما خدع عمرو بن العاص أبا موسى ، غمّ ذلك عليّا عليه السّلام و ساءه و وجم له ، فخطب الناس و قال :

الحمد للّه و إن أتى الدهر بالخطب الفادح إلى آخر الخطبة و زاد : الا أنّ هذين الرجلين اللذين اخترتموهما قد نبذا حكم الكتاب ، و أحييا ما أمات ، و اتبع كلّ منهما هواه ، و حكم بغير حجّة و لا بيّنة ، و لا سنّة ماضية ، و اختلفا في ما حكما ،

فكلاهما لم يرشده اللّه فاستعدوا للجهاد ، و تأهبوا للمسير و أصبحوا في معسكركم . . . .

قلت : و رواه الطبري ٢ ، و كذا المسعودي ٣ ، و القتيبي ٤ ، و البلاذري .

و في الأول : لما خرجت الخوارج و هرب أبو موسى إلى مكة ، و ردّ علي عليه السّلام ابن عباس إلى البصرة ، قام علي عليه السّلام في الكوفة فخطبهم ، فقال : الحمد للّه و إن أتى الدهر بالخطب الفادح . . . مع الزيادة .

و في ( المروج ) ٥ : و لمّا بلغ عليّا عليه السّلام ما كان من أمر أبي موسى و عمرو قال : إنّي كنت تقدّمت إليكم في هذه الحكومة و نهيتكم عنها ، فأبيتم إلاّ عصياني ، فكيف رأيتم عاقبة أمركم إذ أبيتم عليّ ؟ و اللّه إنّي لأعرف من حملكم على خلافي و الترك لأمري ، و لو أشاء أخذه لفعلت ، و لكن اللّه من ورائه يريد بذلك الأشعث و اللّه أعلم و كنت في ما أمرت به كمال قال أخو بني جشم :

أمرتهم أمري بمنعرج اللوى

فلم يستبينوا الرشد إلاّ ضحى الغد

من دعا إلى هذه الخصومة فاقتلوه قتله اللّه و لو كان تحت عمامتي هذه .

ــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢٥٩ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٥ : ٧٦ .

( ٣ ) المسعودي ٢ : ٤١١ .

( ٤ ) القتيبي : ١٤٣ .

( ٥ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٤١٢ .

٣٢٣

ألا إنّ هذين الرجلين الخاطئين اللذين اخترتموهما حكمين قد تركا حكم اللّه ،

و حكما بهوى أنفسهما بغير حجّة و لا حقّ معروف ، فأماتا ما أحيا القرآن ،

و أحييا ما أماته ، و اختلف في حكمهما كلامهما ، و لم يرشدهما اللّه و لم يوفقهما ،

فبرى‏ء اللّه منهما و رسله و صالح المؤمنين ، فتأهبوا للجهاد . . . .

و في ( الخلفاء ) ١ : قالوا : لمّا توافى الخوارج إلى النهروان قام علي عليه السّلام بالكوفة على المنبر ، ثم قال : أما بعد ، فإنّ معصية العالم الناصح يورث الحسرة ، و تعقب الندامة ، و قد كنت أمرتكم في أمر هذين الرجلين ، و في هذه الحكومة بأمري ، فأبيتم إلاّ ما أردتم ، فأحييا ما أمات القرآن و أماتا ما أحيا القرآن ، و اتبع كلّ واحد منهما هواه يحكم بغير حجّة و لا سنّة ظاهرة ، و اختلفا في أمرهما و حكمهما فكلاهما لم يرشده اللّه ، فبرى‏ء اللّه منهما و رسوله و صالح المؤمنين ، فاستعدوا للجهاد و تأهبوا للمسير ، ثم أصبحوا في معسكركم بالنخيلة ، و و اللّه لأغزونّهم ، و لو لم يبق أحد غيري لجاهدتهم .

و في ( أنساب الرابع ) بإسناده عن أبي مخنف ، عن أبي روق الهمداني ،

عن عامر الشعبي و عن معلّى بن كليب ، عن أبي الوداك جبر بن نوف ،

و غيرهما ، قالوا : لما هرب أبو موسى إلى مكة ، و رجع ابن عباس واليا على البصرة ، و أتت الخوارج النهروان ، خطب علي عليه السّلام الناس بالكوفة ، فقال : الحمد للّه و إن أتى الدهر بالخطب الفادح و الحدث الجليل ، و أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا عبده و رسوله . أمّا بعد ، فإنّ معصية الناصح الشفيق المجرب تورث الحسرة ، و تعقب الندم ، و قد كنت أمرتكم في هذين الرجلين و هذه الحكومة بأمري ، و نخلت لكم رأيي لو يطاع لقصير رأي ، و لكنكم أبيتم إلاّ ما أردتم ،

فكنت و أنتم كما قال أخو هوازن :

ــــــــــــ

( ١ ) الخلفاء لابن قتيبة : ١٤٣ .

٣٢٤

أمرتهم أمري بمنعرج اللوى

فلم يستبينوا الرشد الا ضحى الغد

ألا إنّ الرجلين اللذين اخترتموهما حكمين ، قد نبذا حكم الكتاب وراء ظهورهما ، و ارتأيا الرأي قبل أنفسهما ، فأماتا ما أحيا القرآن ، و أحييا ما أمات القرآن ، ثم اختلفا في حكمهما ، فكلاهما لا يرشد و لا يسدد ، فبرى‏ء اللّه منهما و رسوله و صالح المؤمنين ، فاستعدوا للجهاد ، و تأهبوا للمسير ، و أصبحوا في معسكركم .

« الحمد للّه و ان أتى الدهر بالخطب » في ( الجمهرة ) : الخطب الأمر العظيم و الجمع خطوب .

« الفادح » أي : المثقل .

« و الحدث الجليل » و انّما قال عليه السّلام ذلك ، لأنّه يجب حمده تعالى على كلّ حال . و كان الصادق عليه السّلام إذا ورد عليه أمر يسرّه قال : الحمد للّه على هذه النعمة . و إذا ورد عليه أمر يغتمّ به قال : الحمد للّه على كلّ حال ١ .

« و أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ليس معه إله غيره » هكذا في ( المصرية ) ٢ . و قوله : « وحده لا شريك له » من زيادات المحشين ، لعدم وجوده في ( ابن أبي الحديد ٣ و ابن ميثم ٤ و الخطية ) .

« أما بعد ، فإن معصية الناصح الشفيق ، العالم المجرب توجب الحيرة » هكذا في ( المصرية ) ٥ ، و الصواب : ( الحسرة ) كما في ( ابن أبي الحديد

ــــــــــــ

( ١ ) الكافي ٢ : ٩٧ ، و البحار ٧١ : ٣٣ .

( ٢ ) الطبعة المصرية ١ : ٨٠ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢٠٤ .

( ٤ ) شرح ابن ميثم ٢ : ٨٤ .

( ٥ ) الطبعة المصرية ١ : ٨١ .

٣٢٥

و ابن ميثم ) ١ و ( الخطية ) .

« و تعقب الندامة » قال القطامي كما في ( عيون القتيبي ) ٢ :

و معصية الشفيق عليك مما

يزيدك مرة منه استماعا

و خير الأمر ما استقبلت منه

و ليس بأن تتبعه اتباعا

كذلك و ما رأيت الناس إلاّ

إلى ما جرّ غاويهم سراعا

تراهم يغمرون من استركبوه

و يجتنبون من صدق المصاعا

و قال سبيع لأهل اليمامة لمّا خالفوه : يا بني حنيفة بعدا لكم كما بعدت عاد ، أما و اللّه لقد أنبأتكم بالأمر قبل وقوعه ، كأنّي أسمع جرسه و أسمع غيبه ،

و لكنكم أبيتم النصيحة فاجتنيتم الندم ، و أصبحتم و في أيديكم من تكذيبي التصديق ، و من تهمتي الندامة ، و أصبح في يدي من هلاككم البكاء ، و من ذلّكم الجزع ، و أصبح ما فات غير مردود ، و ما بقي غير مأمون ، و إنّي لمّا رأيتكم تتهمون النصيح ، و تسفهون الحليم استشعرت منكم اليأس ، و خفت عليكم البلاء . . . .

و في ( الطبري ) ٣ : في قصة خروج ابن الأشعث على الحجاج كتب المهلب إلى الحجاج : إنّ أهل العراق قد أقبلوا إليك و هم مثل السيل المنحدر من علّ ، ليس يردّه شي‏ء حتّى ينتهي إلى قراره . و انّ لأهل العراق شرّة في أوّل مخرجهم ، و صبابة إلى أبنائهم و نسائهم ، فليس شي‏ء يردّهم حتى يسقطوا إلى أهليهم ، و يشمّوا أولادهم ، ثمّ واقعهم عندها . فلمّا قرأ كتابه قال : فعل اللّه به و فعل ، لا و اللّه مالي نظر ، و لكن لابن عمّه نصح . و عزم على استقبال ابن

ــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن ميثم ٢ : ٨٤ ، و فيه : « تورث الحيرة » .

( ٢ ) العيون للقتيبي ١ : ٣٣ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٦ : ٣٣٩ .

٣٢٦

الأشعث ، فسار بأهل الشام حتّى نزل تستر ، و قدّم بين يديه مطهر بن الحر العكي ، و عبد اللّه بن رميثة الطائي ، فجاؤوا حتى انتهوا إلى دجيل ، و قد قطع ابن الأشعث خيلا له عليها عبد اللّه بن أمان الحارثي في ثلاثمائة فارس ، و كانت مسلحة له و للجند . فلما انتهى إليه مطهر أمر ابن رميثة فأقدم عليهم فهزمت خيله حتى انتهت إليه ، و جرح أصحابه ، و أقحم أصحاب ابن الأشعث خيولهم دجيل ، و هزموا العكي و الطائي في يوم الأضحى سنة ( ٨١ ) و قتلوهم قتلا ذريعا . و أتت الحجاج الهزيمة و هو يخطب ، فقال : ارتحلوا إلى البصرة . و حين صدم تلك الصدمة دعا بكتاب المهلب فقرأه ، ثم قال للّه أبوه أي صاحب حرب هو ؟ أشار علينا بالرأي و لكنّا لم نقبل .

« و قد كنت أمرتكم في هذه الحكومة أمري و نخلت لكم مخزون رأيي » كشي‏ء ينخل و يغربل ، فكان عليه السّلام قال لهم : إنّ معاوية و ابن العاص ، و ابن أبي معيط ،

و ابن أبي سرح ليسوا بأصحاب دين و لا قرآن ، إنّي أعرف بهم منكم ، و ما رفعوها لكم إلاّ خديعة و مكيدة .

« لو كان يطاع لقصير أمر » مثل تمثل عليه السّلام به ، و الأصل فيه كما في ( الطبري ) ١ : أنّ جذيمة الأبرش و كان من أفضل ملوك العرب رأيا ، و أبعدهم مغارا ، و أشدّهم نكاية . و كان أوّل من استجمع له الملك بأرض العراق ، و كان به برص ، فهابت العرب أن تنسبه إليه إعظاما له ، فقال : جذيمة الوضاح ،

و جذيمة الأبرش . و كانت منازله بين الحيرة و الأنبار ، و بقة و هيت و ناحيتها،

و عين التمر و أطراف البر إلى الغمير ، و القطقطانة و خفية و ما والاها غزا عمرو بن ظرب ملك الشام ، فقتله ، فملك بعده ابنته الزباء ، فأجمعت لغزو جذيمة تطلب بثأر أبيها ، فقالت لها اختها و كانت ذات رأي و دهاء : إن ظفرت

ــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ١ : ٦١٣ .

٣٢٧

أصبت ثأرك ، و إن قتلت ذهب ملكك ، و لا تدرين لمن تكون العاقبة . فانصرفت عن هذا الرأي ، فأتت أمرها من وجوه الخدع و المكر ، فكتبت إلى جذيمة تدعوه إلى نفسها و ملكها ، و أن يصل بلاده ببلادها ، و أنّها لم تجد ملك النساء إلاّ إلى قبيح في السماع ، و ضعف في السلطان ، و أنّها لم تجد لنفسها كفوا غيره ، فأقبل إليّ فاجمع ملكي إلى ملكك ، و صل بلادي ببلادك ، و تقلّد أمري مع أمرك . فلمّا انتهى كتابها إلى جذيمة استخفه ما دعته إليه ، و رغب في ما أطمعته فيه ، و جمع إليه أهل النهى من ثقاته ، و هو بالبقة من شاطى‏ء الفرات ، فعرض عليهم ما دعته إليه فصوبوا ذلك كلّهم إلاّ قصيرا و هو قصير بن سعد بن عمرو بن جذيمة بن قيس بن ربي بن نمارة بن لخم و قال : « رأي فاتر و غدر حاضر » فذهبت مثلا . فنازعوه الرأي فقال : « إنّي لأرى أمرا ليس بالخسا و لا الزكا » فذهبت مثلا .

و قال لجذيمة : اكتب إليها ، فإن كانت صادقة فلتقبل إليك ، و إلاّ لم تمكنها من نفسك و قد قتلت أباها . فلم يوافق جذيمة رأي قصير ، فقال قصير :

إنّي امرؤ لا يميل العجز ترويتي

إذا أتت دون شي‏ء مرة الوزم

فقال جذيمة : « و لكنك امرؤ رأيك في الكن لا في الضح » فذهبت مثلا .

فدعا جذيمة ابن اخته عمرو بن عدي ، فاستشاره فشجعه على المسير ، و قال :

إنّ نمارة قومي مع الزباء ، و لو قدروا لصاروا معك . فأطاعه و عصى قصيرا ،

فقال قصير : « لا يطاع لقصير أمر » . فاستخلف على ملكه عمرو بن عدي ، و سار في وجوه من أصحابه ، فأخذ على الفرات من الجانب الغربي ، فلما نزل الفرضة دعا قصيرا ، فقال : ما الرأي ؟ قال : « ببقة تركت الرأي » فذهبت مثلا .

و استقبلته رسل الزباء بالهدايا و الألطاف ، فقال : يا قصير كيف ترى ؟ قال :

« خطر يسير في خطب كبير » فذهبت مثلا . و قال له : ستلقاك الخيول ، فإن سارت أمامك فإن المرأة صادقة ، و إن أخذت جنبيك و أحاطت بك من خلفك

٣٢٨

فإن القوم غادرون ، فاركب العصا و كانت عصا فرسا لجذيمة لا تجارى فإنّي راكبها و مسايرك عليها . فلقيته الخيول و الكتائب ، فحالت بينه و بين العصا ، فركبها قصير ، و نظر إليه جذيمة موليا على متنها ، فقال : « ويل امه حزما على ظهر العصا » فذهبت مثلا . فقال : « ياضل ما تجري به العصا » .

و جرت به إلى غروب الشمس ثم نفقت و قد قطعت أرضا بعيدة ، فبنى عليها برجا يقال له : برج العصا . و سار جذيمة و قد أحاطت به الخيول حتى دخل على الزباء ، فلما رأته تكشفت ، فإذا هي مضفورة الاست ، فقالت : يا جذيمة « أ دأب عروس ترى » ؟ فذهبت مثلا . و قالت : إنّي انبئت أن دماء الملوك شفاء من الكلب .

ثم أجلسته على نطع ، و أمرت بطست من ذهب فأعدته له و سقته من الخمر حتى أخذت مأخذها منه ، و أمرت براهشيه فقطعا ، و قد قيل لها : إن قطر من دمه شي‏ء في غير الطست طلب بدمه . و كانت الملوك لا تقتل بضرب العنق إلاّ في القتال تكرمة للملك . فلمّا ضعفت يداه سقطتا فقطر من دمه ، فقالت : لا تضيعوا دم الملك . فقال : « دعوا دما ضيعه أهله » فذهبت مثلا . فهلك جذيمة و استنشفت الزباء دمه ، فجعلته في برس قطن في ربعة لها . و خرج قصير من الحي الذي هلكت العصا بين أظهرهم ، حتى قدم على عمرو بن عدي بالحيرة ، فقال له :

« أ داثر أم ثائر » قال : « ثائر سائر » فذهبت مثلا . فقال له قصير : « تهيأ و لا تطل دم خالك » . قال : و كيف لي بها و هي « امنع من عقاب الجو » ؟ فذهبت مثلا. و كانت اتخذت نفقا من مجلسها الذي كانت تجلس فيه إلى حصن لها داخل مدينتها ،

و قالت ان فجأني أمر دخلت النفق إلى حصني فقال له قصير : اجدع أنفي و اضرب ظهري ، و دعني و إيّاها . فقال عمرو : ما أنا بفاعل ذلك و ما أنت بذلك بمستحق مني. فقال قصير : « خلّ عني إذن و خلاك ذم » فذهبت مثلا . فقال له عمرو : فأنت أبصر . فجدع قصير أنفه و أثر بظهره ، فقالت العرب : « لمكر ما جدع

٣٢٩

قصير أنفه » . ثم خرج كأنّه هارب ، و أظهر أن عمرا فعل به ذلك ، و أنّه يزعم أنّه مكر بخاله جذيمة ، و غرّه من الزباء . فسار حتّى قدم على الزباء فقيل لها : إنّ قصيرا بالباب . فأمرت به فادخل عليها ، فإذا أنفه قد جدع ، و ظهره قد ضرب ،

فقالت : ما الذي أرى بك يا قصير ؟ فقال زعم عمرو بن عدي أنّي غررت خاله ،

و زيّنت له المسير إليك و غششته و مالأتك عليه ، ففعل بي ما ترين ، فأقبلت إليك و عرفت أنّي لا أكون مع أحد هو أثقل عليه منك . فأكرمته ، و أصابت عنده بعض ما أرادت من الرأي و المعرفة بامور الملوك . فلمّا عرف أنّها قد ثقّت به قال : إنّ لي بالعراق أموالا كثيرة ، و بها طرائف و ثياب و عطر ، فابعثيني إلى العراق لأحمل مالي ، و أحمل إليك من بزوزها و طرائف ثيابها ، و صنوف ما يكون بها من الأمتعة و الطيب و التجارات ، فتصيبين في ذلك أرباحا عظاما ،

و بعض ما لا غنى بالملوك عنه . فلم يزل يزيّن لها ذلك حتى سرحته و دفعت معه عيرا ، و قالت له : بع ما جهّزناك به ، و ابتع لنا من طرائف ما يكون بها . فسار قصير حتى قدم العراق و أتى الحيرة متنكرا ، فدخل على عمرو بن عدي فأخبره بالخبر ، و قال: جهزني بالبز و الطرف و الأمتعة ، لعلّ اللّه يمكن منها فتصيب ثأرك . فجهّزه بصنوف الثياب و غيرها ، فرجع بذلك كلّه إلى الزباء فأعجبها ما رأت ، و ازدادت به ثقة . ثم جهّزته بعد ذلك بأكثر مما في المرة الاولى ، فسار حتى قدم العراق ، و لقي عمرو بن عدي، و حمل من عنده ما ظنّ أنّه موافق لها ، و لم يدع طرفة قدر عليها إلاّ حملها ، ثم عاد الثالثة ، و قال لعمرو :

اجمع لي ثقات أصحابك و جندك ، و هيّى‏ء لهم الغرائر و المسوح و قصير أوّل من عمل الغرائر و احمل كلّ رجلين على بعير في غرارتين ، و اجعل معقد رؤوس الغرائر من باطنها ، فإذا دخلوا مدينة الزباء أقمتك على باب نفقها ،

و أخرجت الرجال من الغرائر فصاحوا بأهل المدينة ، فمن قاتلهم قتلوه ، و إن

٣٣٠

أقبلت الزباء تريد النفق جللتها بالسيف . ففعل عمرو ما قال ، ثم وجّه إلى الزبا العير عليها الرجال و أسلحتهم ، فلما كانوا قريبا من مدينتها تقدّم قصير إليها ،

فبشّرها و أعلمها كثرة ما حمل إليها من الثياب و الطرائف ، و سألها أن تخرج فتنظر إلى قطارات تلك الإبل ، و قال لها : « إنّي جئت بما صاء و صمت » فذهبت مثلا . و كان قصير يكمن النهار و يسير الليل ، و هو أوّل من فعل ذلك فخرجت ،

فأبصرت الإبل تكاد قوائمها تسوخ في الأرض من ثقل أحمالها ، فقالت : يا قصير

ما للجمال مشيها وئيدا

أجندلا يحملن أم حديدا

أم صرفانا باردا شديدا

أم الرجال جثما قعودا

فدخلت الإبل المدينة حتى كان آخرها ، نخس بواب نبطي بمنخسته الغرائر التي تليه ، فأصابت خاصرة الرجل الذي فيها ، فضرط ، فقال : « بشقا بسقا » يعني في الجوالق شر فذهبت مثلا . فلمّا توسطت الإبل المدينة انيخت ، و دلّ قصير عمرا على باب النفق ، و خرجت الرجال من الغرائر ،

و صاحوا بأهل المدينة ، و وضعوا فيهم السيف . و قام عمرو على باب النفق ،

و أقبلت الزباء مولّية مبادرة لتدخل النفق فأبصرت عمرا قائما و كان المصوّرون صوروا لها صورته قبل ، لأن كاهنتها أخبرتها أنّه قاتلها فمصّت خاتمها ، و كان فيه سم و قالت : « بيدي لا بيدك يا عمرو » فذهبت مثلا . و تلقاها عمرو ، فجللها بالسيف فقتلها .

و المثل بعدم إطاعة أمر قصير كما تمثّل عليه السّلام به معروف ، قال نهشل بن حري التميمي :

و مولى عصاني و استبدّ برأيه

كما لم يطع بالبقتين قصير

فلمّا تيقّن غبّ أمري و أمره

و ولّت بأعجاز الامور صدور

٣٣١

تمنّى بئيسا أن يكون أطاعني

و قد حدثت بعد الامور امور

« فأبيتم عليّ إباء المخالفين الجناة » هكذا في ( المصرية ) ١ ، و الصواب :

( الجفاة ) كما في ( ابن أبي الحديد ٢ و ابن ميثم و الخطية ) .

« و المنابذين العصاة » في ( مقاتل أبي الفرج ) ٣ في قضايا أبي السرايا في خروج محمّد بن جعفر أيّام المأمون و قتاله مع عسكر المأمون و عليهم هرثمة ابن أعين : ان هرثمة صاح : يا أهل الكوفة علام تسفكون دماءنا و دماءكم ؟ إن كان قتالكم كراهية لإمامنا فهذا منصور بن المهدي رضا لنا و لكم نبايعه ، و إن أحببتم إخراج الأمر من ولد العباس فانصبوا إمامكم ، و اتفقوا معنا ليوم الإثنين نتناظر فيه و لا تقتلونا و أنفسكم . فأمسك أهل الكوفة أصحاب أبي السرايا عن الحملة ، فناداهم أبو السرايا : ويحكم إنّ هذه حيلة من هؤلاء لما أيقنوا بالهلاك ، فاحملوا عليهم . فامتنعوا و قالوا : لا يحلّ لنا قتالهم ، و قد أجابوا .

فغضب أبو السرايا ، و لما كان يوم الجمعة خطب و قال : يا أهل الكوفة يا قتلة علي عليه السّلام ، و يا خذلة الحسين عليه السّلام إنّ المغتر بكم لمغرور ، و إنّ المعتمد على نصركم لمخذول ، و إنّ الذليل لمن أعززتموه ، و اللّه ما خمد علي عليه السّلام أمركم في حمده ، و لا رضى مذهبكم في رضاه ، و لقد حكمكم فحكمتم عليه ، و ائتمنكم فخنتم أمانته ، و وثق بكم فحلتم عن ثقته ، ثم لم تنفكّوا عليه مختلفين ، و لطاعته ناكثين ، إن قام قعدتم ، و إن قعد قمتم ، و إن تقدّم تأخرتم ، و إن تأخر تقدمتم خلافا عليه ، و عصيانا لأمره ، حتى سبقت فيكم دعوته ، و خذلكم اللّه بخذلانكم إيّاه ، أي عذر لكم في الهرب عن عدوّكم ، و النكول عمّن لقيتم و قد عبروا

ــــــــــــ

( ١ ) الطبعة المصرية ١ : ٨١ .

( ٢ ) شرح نهج ابن أبي الحديد ٢ : ٢٠٤ .

( ٣ ) المقاتل لأبي الفرج : ٣٦٣ .

٣٣٢

خندقكم ، و علوا قبائلكم ، ينتهبون أموالكم و يستباحون حريمكم ؟ هيهات لا عذر لكم إلاّ العجز و المهانة و الرضا بالصغار و الذلة ، إنّما أنتم كفي‏ء الظل ،

و تهزمكم الطبول بأصواتها ، و يملأ قلوبكم الخرق بسوادها . أما و اللّه لأستبدلن بكم قوما يعرفون اللّه حق معرفته ، و يحفظون محمّدا صلّى اللّه عليه و آله في عترته . قال:

و مارست أقطار البلاد فلم أجد

لكم شبها في ما وطئت من الأرض

خلافا و جهلا و انتشار عزيمة

و وهنا و عجزا في الشدائد و الخفض

لقد سبقت فيكم إلى الحشر دعوة

فلا فيكم راض و لا فيكم مرضي

سأبعد داري عن قلى من دياركم

فذوقوا إذا ولّيت عاقبة النقض

« حتى ارتاب الناصح » بأن نصحه لعلّه خطأ ، حيث لا يقبلونه .

« و ضنّ » أي : بخل .

« الزند » في ( الصحاح ) الزند : العود الذي تقدح به النار ، و هو الأعلى ،

و الزندة السفلى فيها ثقب ، و هي الانثى و هما زندان . . . و من ضنة الزند قالوا :

فلان مزند . أي : بخيل ، و عطاء مزند . أي : قليل ، و ثوب مزند ، أي : ضيّق ، و مزادة مزندة : قليلة الماء .

« بقدحه » أي : اشتعاله .

« فكنت و إياكم كما قال أخو هوازن » و هوازن ابن منصور بن عكرمة بن حفصة ابن قيس عيلان ، و المراد بأخي هوازن : دريد بن الصمة .

« أمرتكم أمري بمنعرج اللوى

فلم تستبينوا النصح الا ضحى الغد »

و الأصل في قول أخي هوازن ما رواه أبو الفرج في ( أغانيه ) ١ : أنّ عبد اللّه بن الصمّة أخا دريد غزا غطفان فظفر بهم و ساق أموالهم في يوم

ــــــــــــ

( ١ ) الأغاني لأبي الفرج ١٠ : ٥ .

٣٣٣

يقال له : يوم اللوى ، و مضى بها ، و لما كان منهم غير بعيد قال : انزلوا بنا . فقال أخوه دريد : نشدتك اللّه ألاّ تنزل ، فإنّ غطفان ليست بغافلة عن أموالها . فأقسم لا يريم حتى يأخذ مرباعه ، و ينقع نقيعة ، فيأكل و يطعم و يقسم البقية بين أصحابه . فبينا هم في ذلك و قد سطعت الدواخن ، إذا بغبار قد ارتفع اشدّ من دخانهم ، و إذا عبس و فزارة و أشجع قد أقبلت ، فقالوا لربيئتهم : انظر ماذا ترى ؟

فقال : أرى قوما جادا كأنّ سرابيلهم قد غمست في الجادي . قال : تلك أشجع ليست بشي‏ء . ثم نظر ، فقال : أرى قوما كأنّهم الصبيان أسنتهم عند آذان خيلهم . قال : تلك فزارة . ثم نظر فقال : أرى قوما أدما كأنّهم يحملون الحبل بسوادهم ، يخدّون الأرض بأقدامهم خدّا ، و يجرّون رماحهم . قال : تلك عبس و الموت معهم ، فتلاحقوا بالمنعرج من رميلة اللوى ، فاقتتلوا فقتل عبد اللّه بن الصمة ، فتنادوا : قتل أبو دفافة . فعطف دريد فذبّ عنه فلم يغن شيئا ، و جرح دريد فسقط فكفّوا عنه و هم يرون أنّه قد قتل ، و استنقذوا المال . قال دريد :

فأمهلت حتى إذا كان الليل ، مشيت و أنا ضعيف قد نزفني الدم حتى ما أكاد أبصر ، فجزت بجماعة تسير فدخلت فيهم ، فوقعت بين عرقوبي بعير ظعينة ،

فنفر البعير فنادت : نعوذ باللّه منك . فانتسبت لها ، فاعلمت الحي بمكاني فغسل عني الدم و زودت زادا و سقاء فنجوت . و قال يرثي أخاه :

أ عاذلتي كلّ امرى‏ء و ابن امّه

متاع كزاد الراكب المتزوّد

أعاذل إنّ الرزء أمثال خالد

و لا رزء ممّا أهلك المرء عن يد

نصحت لعارض و أصحاب عارض

و رهط بني السوداء و القوم شهّد

فقلت لهم ظنّوا بألفي مدجج

سراتهم في الفارسي المسرد

أمرتهم أمري بمنعرج اللّوى

فلم يستبينوا الرّشد إلاّ ضحى الغد

فلمّا عصوني كنت منهم و قد أرى

غوايتهم أو أنّني غير مهتد

٣٣٤

و هل أنا إلاّ من غزية إن غوت

غويت و إن ترشد غزية أرشد

دعاني أخي و الخيل بيني و بينه

فلمّا دعاني لم يجدني بقعدد

تنادوا فقالوا أردت الخيل فارسا

فقلت أ عبد اللّه ذلكم الردي

فإن يك عبد اللّه خلّى مكانه

فلم يك وقّافا و لا طائش اليد

و لا برما إذا ما الرياح تناوحت

برطب العضاة و الهشيم المعضد

نظرت إليه و الرّماح تنوشه

كوقع الصياصي في النسيج الممدد

فطاعنت عنه الخيل حتى تبددت

و حتى عداني أشقر اللون مزبد

فما رمت حتى خرقتني رماحهم

و غودرت أكبو في القفا المتقصد

قتال امرى‏ء واسى أخاه بنفسه

و أيقن أنّ المرء غير مخلّد

صبور على وقع المصائب حافظ

من اليوم أعقاب الأحاديث في الغد

و تمثّل عليه السّلام أيضا ببيته ، لمّا ندمت الخوارج عن التحكيم ، و طلبوا منه عليه السّلام الرجوع ، فروى ( الأغاني ) أيضا ١ عن أبي مخنف عن رجاله : أنّ عليّا عليه السّلام لما اختلفت كلمة أصحابه في أمر الحكمين و تفرّقت الخوارج ، و قالوا له : ارجع عن أمر الحكمين ، و تب و اعترف بأنّك كفرت إذ حكّمت ، فلم يقبل ذلك منهم و فارقوه ، تمثّل بقول دريد :

أمرتهم أمري بمنعرج اللوى

فلم يستبينوا الرشد إلاّ ضحى الغد

هذا و قد عرفت أنّ ( المروج ) ٢ بدل قوله : « أخو هوازن » بقوله : « اخو بني خثعم » و لا تنافي حيث إنّ جشما بطن من هوازن ، فجشم ابن معاوية بن بكر بن هوازن ، كما أنّ جشما أيضا بطون ، منها غزية بن جشم ، و كان دريد منهم ،

و لذا قال :

« و هل أنا إلاّ من غزية إن غوت . . . »

ــــــــــــ

( ١ ) الأغاني لأبي الفرج ١٠ : ١٠ .

( ٢ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٤١٣ .

٣٣٥

و تمثّل عليه السّلام بذاك البيت أيضا على ما روى أبو مخنف كما في ( الطبري ) ١ ، ففيه : قيل لعلي عليه السّلام بعد ما كتب الصحيفة : إنّ الأشتر لا يقرّ بما في الصحيفة ، و لا يرى إلاّ قتال القوم . قال علي عليه السّلام : و أنا و اللّه ما رضيت ، و لا أحببت أن ترضوا ، فإذا أبيتم إلا أن ترضوا فقد رضيت ، فإذا رضيت فلا يصلح الرجوع بعد الرضا ، و لا التبديل بعد الإقرار ، إلاّ أن يعصى اللّه عز و جل و يتعدّى كتابه ، فقاتلوا من ترك أمر اللّه عز و جل ، و أمّا الذي ذكرتم من تركه أمري و ما أنا عليه ، فليس مالك من اولئك ، و لست أخافه على ذلك ، يا ليت فيكم مثله اثنين ،

يا ليت فيكم مثله واحدا يرى في عدوّي ما أرى ، إذن لخفّت عليّ مؤنتكم و رجوت أن يستقيم لي بعض أودكم ، و قد نهيتكم عمّا أتيتم فعصيتموني ،

فكنت أنا و أنتم كما قال أخو هوازن :

و هل أنا إلاّ من غزية إن غوت

غويت و إن ترشد غزية أرشد

٢

من الخطبة ( ١٢٣ ) و من كلام له عليه السّلام :

فَإِنْ أَبَيْتُمْ أَنْ تَزْعُمُوا إِلاَّ أَنِّي أَخْطَأْتُ وَ ضَلَلْتُ فَلِمَ تُضَلُّونَ عَامَّةَ أُمَّةِ ؟ مُحَمَّدٍ ص ؟ بِضَلاَلِي وَ تَأْخُذُونَهُمْ بِخَطَائِي وَ تُكَفِّرُونَهُمْ بِذُنُوبِي سُيُوفُكُمْ عَلَى عَوَاتِقِكُمْ تَضَعُونَهَا مَوَاضِعَ اَلْبُرْءِ وَ اَلسُّقْمِ وَ تَخْلِطُونَ مَنْ أَذْنَبَ بِمَنْ لَمْ يُذْنِبْ وَ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ ؟ رَسُولَ اَللَّهِ ص ؟ رَجَمَ اَلزَّانِيَ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ وَرَّثَهُ أَهْلَهُ وَ قَتَلَ اَلْقَاتِلَ وَ وَرَّثَ مِيرَاثَهُ أَهْلَهُ وَ قَطَعَ اَلسَّارِقَ وَ جَلَدَ اَلزَّانِيَ غَيْرَ اَلْمُحْصَنِ ثُمَّ قَسَمَ عَلَيْهِمَا مِنَ اَلْفَيْ‏ءِ وَ نَكَحَا اَلْمُسْلِمَاتِ فَأَخَذَهُمْ ؟ رَسُولُ اَللَّهِ ص ؟ بِذُنُوبِهِمْ وَ أَقَامَ حَقَّ اَللَّهِ فِيهِمْ

ــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٥ : ٥٩ .

٣٣٦

وَ لَمْ يَمْنَعْهُمْ سَهْمَهُمْ مِنَ اَلْإِسْلاَمِ وَ لَمْ يُخْرِجْ أَسْمَاءَهُمْ مِنْ بَيْنِ أَهْلِهِ ثُمَّ أَنْتُمْ شِرَارُ اَلنَّاسِ وَ مَنْ رَمَى بِهِ اَلشَّيْطَانُ مَرَامِيَهُ وَ ضَرَبَ بِهِ تِيهَهُ وَ سَيَهْلِكُ فِيَّ صِنْفَانِ مُحِبٌّ مُفْرِطٌ يَذْهَبُ بِهِ اَلْحُبُّ إِلَى غَيْرِ اَلْحَقِّ وَ مُبْغِضٌ مُفْرِطٌ يَذْهَبُ بِهِ اَلْبُغْضُ إِلَى غَيْرِ اَلْحَقِّ وَ خَيْرُ اَلنَّاسِ فِيَّ حَالاً اَلنَّمَطُ اَلْأَوْسَطُ فَالْزَمُوهُ وَ اِلْزَمُوا اَلسَّوَادَ اَلْأَعْظَمَ فَإِنَّ يَدَ اَللَّهِ عَلَى اَلْجَمَاعَةِ وَ إِيَّاكُمْ وَ اَلْفُرْقَةَ فَإِنَّ اَلشَّاذَّ مِنَ اَلنَّاسِ لِلشَّيْطَانِ كَمَا أَنَّ اَلشَّاذَّ مِنَ اَلْغَنَمِ لِلذِّئْبِ أَلاَ مَنْ دَعَا إِلَى هَذَا اَلشِّعَارِ فَاقْتُلُوهُ وَ لَوْ كَانَ تَحْتَ عِمَامَتِي هَذِهِ فَإِنَّمَا حُكِّمَ اَلْحَكَمَانِ لِيُحْيِيَا مَا أَحْيَا ؟ اَلْقُرْآنُ ؟ وَ يُمِيتَا مَا أَمَاتَ ؟ اَلْقُرْآنُ ؟ وَ إِحْيَاؤُهُ اَلاِجْتِمَاعُ عَلَيْهِ وَ إِمَاتَتُهُ اَلاِفْتِرَاقُ عَنْهُ فَإِنْ جَرَّنَا ؟ اَلْقُرْآنُ ؟ إِلَيْهِمُ اِتَّبَعْنَاهُمْ وَ إِنْ جَرَّهُمْ إِلَيْنَا اِتَّبَعُونَا فَلَمْ آتِ لاَ أَبَا لَكُمْ بُجْراً وَ لاَ خَتَلْتُكُمْ عَنْ أَمْرِكُمْ وَ لاَ لَبَّسْتُهُ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا اِجْتَمَعَ رَأْيُ مَلَئِكُمْ عَلَى اِخْتِيَارِ رَجُلَيْنِ أَخَذْنَا عَلَيْهِمَا أَلاَّ يَتَعَدَّيَا ؟ اَلْقُرْآنَ ؟ فَتَاهَا عَنْهُ وَ تَرَكَا اَلْحَقَّ وَ هُمَا يُبْصِرَانِهِ وَ كَانَ اَلْجَوْرُ هَوَاهُمَا فَمَضَيَا عَلَيْهِ وَ قَدْ سَبَقَ اِسْتِثْنَاؤُنَا عَلَيْهِمَا فِي اَلْحُكُومَةِ بِالْعَدْلِ وَ اَلصَّمْدِ لِلْحَقِّ سُوءَ رَأْيِهِمَا وَ جَوْرَ حُكْمِهِمَا الخطبة ( ١٧٥ ) و من كلام له عليه السّلام في معنى الحكمين :

فَأَجْمَعَ رَأْيُ مَلَئِكُمْ عَلَى أَنِ اِخْتَارُوا رَجُلَيْنِ فَأَخَذْنَا عَلَيْهِمَا أَنْ يُجَعْجِعَا عِنْدَ ؟ اَلْقُرْآنِ ؟ وَ لاَ يُجَاوِزَاهُ وَ تَكُونُ أَلْسِنَتُهُمَا مَعَهُ وَ قُلُوبُهُمَا تَبَعَهُ فَتَاهَا عَنْهُ وَ تَرَكَا اَلْحَقَّ وَ هُمَا يُبْصِرَانِهِ وَ كَانَ اَلْجَوْرُ هَوَاهُمَا وَ اَلاِعْوِجَاجُ رَأْيَهُمَا وَ قَدْ سَبَقَ اِسْتِثْنَاؤُنَا عَلَيْهِمَا فِي اَلْحُكْمِ بِالْعَدْلِ وَ اَلْعَمَلِ بِالْحَقِّ سُوءَ رَأْيِهِمَا وَ جَوْرَ حُكْمِهِمَا وَ اَلثِّقَةُ فِي أَيْدِينَا

٣٣٧

لِأَنْفُسِنَا حِينَ خَالَفَا سَبِيلَ اَلْحَقِّ وَ أَتَيَا بِمَا لاَ يُعْرَفُ مِنْ مَعْكُوسِ اَلْحُكْمِ أقول : العنوان الثاني تكرار لذيل العنوان الأوّل من قوله : « انما اجتمع رأي ملئكم على اختيار رجلين . . . » مع أدنى اختلاف و زيادة كما ترى ، و عذره ما قاله في أول الكتاب : « و ربما بعد العهد بما اختير أولا ، فأعيد بعضه سهوا أو نسيانا ، لا قصدا و اعتمادا » و لم يتفطّن الشرّاح أيضا لتكراره .

و كيف كان ، فالأصل فيهما ما رواه الطبري ١ عن أبي مخنف ، عن أبي سلمة الزهري ابن بنت أنس بن مالك : أنّ عليّا عليه السّلام قال لأهل النهر : « يا هؤلاء إنّ أنفسكم قد سوّلت لكم فراق هذه الحكومة ، التي ابتدأتموها و سألتموها و أنا لها كاره ، و أنبأتكم أنّ القوم سألكموها مكيدة و دهنا ، فأبيتم عليّ إباء المخالفين ، و عدلتم عنّي عدول النكداء العاصين ، حتى صرفت رأيي إلى رأيكم ، و أنتم و اللّه معاشر أخفاء الهام سفهاء الأحلام ، فلم آت لا أبا لكم حراما ، و اللّه ما اختلتكم عن اموركم ، و لا أخفيت شيئا من هذا الأمر عنكم ، و لا أو طأتكم عشوة ، و لا دببت لكم الضرّاء ، و إن كان أمرنا لأمر المسلمين ظاهرا ،

فأجمع ملؤكم على أن اختاروا رجلين ، فأخذنا عليهما أن يحكما بما في القرآن و لا يعدواه ، فتاها و تركا الحقّ و هما يبصرانه ، و كان الجوهر هواهما ، و قد سبق استيثاقنا عليهما في الحكم بالعدل و الصمد للحقّ سوء رأيهما و جور حكمهما ، و الثقة في أيدينا لأنفسنا حين خالفا سبيل الحقّ و أتيا بما لا يعرف ،

فبيّنوا لنا بماذا تستحلّون قتالنا و الخروج عن جماعتنا ؟ ان اختار الناس رجلين ، أن تضعوا أسيافكم على عواتقكم ، ثمّ تستعرضوا الناس تضربون رقابهم و تسفكون دماءهم، انّ هذا لهو الخسران المبين . و اللّه لو قتلتم على هذا

ــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٥ : ٨٤ .

٣٣٨

دجاجة لعظم عند اللّه قتلها ، فكيف بالنفس التي قتلها عند اللّه حرام ؟ قال أبو سلمة : فتنادوا لا تخاطبوهم و تهيؤوا للقاء الرّبّ ، الرواح الرواح إلى الجنّة .

و خرج عليّ فعبّأ الناس . . .

قول المصنّف في العنوان الأول : « و من كلام له عليه السّلام » هكذا في ( المصرية ) ١ ، و الصواب : ما في ( ابن أبي الحديد ) ٢ ، و كذا ( ابن ميثم ) ٣ : « و من كلام له عليه السّلام قاله للخوارج أيضا » . و لكن في ( ابن ميثم ) « و من كلام له عليه السّلام أيضا للخوارج » . و أشار بقوله : « أيضا » . إلى أن قبله في ( ١٢١ ) : « و من كلام له عليه السّلام في التحكيم » . لكن توسط بينهما : « و من كلام له عليه السّلام لمّا عوتب على التسوية في العطاء » و كأنّه غفل عن فصله .

قوله عليه السّلام : « فان أبيتم أن تزعموا إلاّ انّي أخطأت و ضللت » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( فان أبيتم إلاّ أن تزعموا أنّي أخطأت و ضللت ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٤ .

قال المبرد في ( كامله ) ٥ : يروى أنّ عليّا عليه السّلام في أوّل خروج القوم عليه دعا صعصعة بن صوحان العبدي و قد كان وجهه إليهم و زياد بن النضر الحارثي مع عبد اللّه بن العباس ، فقال : بأيّ القوم رأيتهم أشدّ إطافة ؟ فقال :

بيزيد ابن قيس الأرحبي . فركب علي عليه السّلام إليهم إلى حروراء ، فجعل يتخللهم حتى صار إلى مضرب يزيد ، فصلّى فيه ركعتين ثم خرج ، فاتكأ على قوسه و أقبل على الناس ، ثم قال : هذا مقام من فلج فيه فلج يوم القيامة ، أنشدكم اللّه

ــــــــــــ

( ١ ) الطبعة المصرية ٢ : ١١٧ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ٥٥ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٣٦٧ .

( ٤ ) شرح ابن ميثم ٣ : ١٣٣ .

( ٥ ) الكامل للمبرد ٢ : ١٧٥ .

٣٣٩

أعلمتم أحدا منكم كان أكره للحكومة مني ؟ قالوا : اللّهمّ لا . قال : أفعلمتم أنّكم أكرهتموني حتى قبلتها ؟ قالوا : اللّهمّ نعم . قال : فعلام خالفتموني و نابذتموني ؟ قالوا : إنّا أتينا ذنبا عظيما فتبنا إلى الله ، فتب إلى اللّه منه و استغفره ، نعد لك . فقال عليّ عليه السّلام : إنّي استغفر اللّه من كلّ ذنب . فرجعوا معه و هم ستة آلاف ، فلمّا استقرّوا بالكوفة أشاعوا : أنّ عليّا عليه السّلام رجع عن التحكيم و رآه ضلالا ، و قالوا : إنّما ينتظر أمير المؤمنين أن يسمّن الكراع ، و يجبي المال ،

فينهض إلى الشام . فأتى الأشعث بن قيس عليّا عليه السّلام و قال له : إنّ الناس قد تحدّثوا انّك رأيت الحكومة ضلالا ، و الاقامة عليها كفرا . فخطب عليه السّلام الناس فقال : من زعم أنّي رجعت عن الحكومة فقد كذب ، و من رآها ضلالا فهو أضلّ .

فخرجت الخوارج من المسجد ، فحكمت ، فقيل لعلي عليه السّلام : إنّهم خارجون عليك .

فقال : لا اقاتلهم حتى يقاتلوني ، و سيفعلون .

« فلم تضلون عامة امة محمّد صلّى اللّه عليه و آله بضلالي ، و تأخذونهم بخطائي،

و تكفرونهم بذنوبي » في ( كامل المبرد ) ١ : أصاب الخوارج مسلما و نصرانيا فقتلوا المسلم و أوصوا بالنصراني ، فقالوا : احفظوا ذمّة نبيّكم . و لقيهم عبد اللّه بن خباب و في عنقه مصحف ، و معه امرأته و هي حامل ، فقالوا : إنّ الذي في عنقك يأمرنا أن نقتلك . قال : ما أحيا القرآن فأحيوه ، و ما أماته فأميتوه . فوثب رجل منهم على رطبة فوضعها في فيه ، فصاحوا به فلفظها تورعا . و عرض لرجل منهم خنزير ، فضربه الرجل فقتله ، فقالوا : هذا فساد في الأرض . فقال عبد اللّه بن خباب : ما عليّ منكم بأس انّي لمسلم . قالوا له : حدّثنا عن أبيك . قال :

سمعت أبي يقول : سمعت النبي صلّى اللّه عليه و آله يقول : « تكون فتنة يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه ، يمسي مؤمنا و يصبح كافرا ، فكن عبد اللّه المقتول و لا تكن

ــــــــــــ

( ١ ) الكامل للمبرد ٢ : ١٧٦ ١٧٧ .

٣٤٠