بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٠

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة6%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 617

  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 82153 / تحميل: 3978
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٠

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

قلت : و هما كما ترى ، أما قول ابن أبي الحديد : فلم يقل أحد ان مستمع اللدم كناية عن الضبع ، و إنّما قالوا : إنّ الضبع تسمع اللدم ، أي : الصوت فتخرج فتصاد .

ففي ( الصحاح ) قال الأصمعي : اللدم صوت الحجر ، أو الشي‏ء يقع بالأرض و ليس بالصوت الشديد .

و في الحديث : و اللّه لا أكون مثل الضبع تسمع اللدم حتى تخرج فتصاد . . . ١ ، و أين هو ممّا قال و إنّما اللدم هنا ضرب المرأة وجهها و صدرها في النياحة كما مر ، و يشهد له قوله : « يسمع الناعي و يحضر الباكي » . و أيّ ربط لسماع الناعي و حضور الباكي بالضبع ؟ كما أنّ تفسيره ( يسمع الناعي ) بسماعه خبر قتل عسكر الجمل حكيم بن جبلة ٢ من أين قاله ؟ مع أنّ الأصل في ( الخطية ) كما عرفت من رواية أبي مخنف و المفيد كان عند شخوص أصحاب الجمل من مكة قبل وصولهم إلى البصرة ، و قتلهم لحكيم كان بعد وصولهم إلى البصرة ، اللهمّ إلاّ أن يقال إنّ قوله عليه السّلام « و اللّه . . . » لم يكن من الروايتين ، و إنّما أخذه الرضي من موضع آخر ،

حيث إنّ دأبه الجمع بين مختلفات موضوع من مواضع ، و لعلّه لذا قال في عنوانه : « في ذكر أهل البصرة » .

و أيضا قوله : « يسمع الناعي و يحضر الباكي » على سياق واحد ، فكيف فسّرهما بما قال من إنّه يسمع الناعي بقتل أصحابه ، فلا يكون عنده إنكار إلاّ أن يحضر الباكي ٣ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الصحاح ٥ : ٢٠٢٨ ، مادة : ( لدم ) .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١١٠ .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٠٩ ١١٠ ، و النقل بتصرّف .

٢١

و أمّا ما ذكره ابن ميثم : فاللفظ أيضا قاصر عن إفادته مع أنّه غير السياق أيضا .

« ثم لا يعتبر » هكذا في ( المصرية ) ١ ، و ليس هذا الكلام في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٢ رأسا ، و الظاهر أنّه كان حاشية اخذت من قول ابن أبي الحديد في ما مرّ في تفسيره ما قبله : « فلا يكون عندي من التغير . . . » و خلطت بالمتن .

٣

الخطبة ( ٦ ) و من كلام له عليه السّلام لمّا اشير عليه بألاّ يتبع طلحة و الزبير و لا يرصد لهما القتال :

وَ اَللَّهِ لاَ أَكُونُ كَالضَّبُعِ تَنَامُ عَلَى طُولِ اَللَّدْمِ حَتَّى يَصِلَ إِلَيْهَا طَالِبُهَا وَ يَخْتِلَهَا رَاصِدُهَا وَ لَكِنِّي أَضْرِبُ بِالْمُقْبِلِ إِلَى اَلْحَقِّ اَلْمُدْبِرَ عَنْهُ وَ بِالسَّامِعِ اَلْمُطِيعِ اَلْعَاصِيَ اَلْمُرِيبَ أَبَداً حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيَّ يَوْمِي قول المصنف : « لمّا اشير عليه عليه السّلام بألاّ يتبع طلحة و الزبير و لا يرصد لهما القتال » اختلف في المشير عليه بذلك ، فروت العامّة كونه ابنه الحسن عليه السّلام ، و روت الخاصّة كونه اسامة .

أما الأوّل ، فقال ابن أبي الحديد : خرج طارق بن شهاب الأحمسي يستقبل عليّا عليه السّلام و قد صار بالربذة طالبا عايشة و أصحابها . قال طارق فقلت في نفسي : أفاقاتل امّ المؤمنين و حواري النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إنّ هذا لعظيم ؟ ثم قلت :

أدع عليّا عليه السّلام و هو أوّل المؤمنين إيمانا باللّه و ابن عمّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و وصيّه هذا

ــــــــــــ

 ( ١ ) نهج البلاغة ٢ : ٤٤ .

 ( ٢ ) كذا في شرح ابن ميثم ٣ : ٢٠٥ و لكن في شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٠٩ « ثمّ لا يعتبر » أيضا.

٢٢

عظيم ثمّ أتيته فسلّمت عليه ، ثم جلست إليه ، فقص عليّ قصّة القوم و قصّته ،

فجاء الحسن ابنه فبكى بين يديه . قال : ما بالك ؟ قال : أبكي لقتلك غدا بمضيعة و لا ناصر لك ، أمّا إنّي أمرتك فعصيتني ، ثمّ أمرتك فعصيتني . فقال له عليّ عليه السّلام : لا تزال تحنّ حنين الأمة ، ما الذي أمرتني به فعصيتك ؟ قال : أمرتك حين أحاط النّاس بعثمان أن تعتزل ، فإنّ النّاس إذا قتلوه طلبوك أينما كنت حتّى يبايعوك فلم تفعل ، ثم أمرتك لمّا قتل عثمان ألاّ توافقهم على البيعة حتّى يجتمع النّاس و يأتيك و فود العرب فلم تفعل ، ثم خالفك هؤلاء القوم فأمرتك ألاّ تخرج من المدينة و أن تدعهم و شأنهم ، فإن اجتمعت عليك الامّة فذاك و إلاّ رضيت بقضائه .

فقال عليّ عليه السّلام : و اللّه لا أكون كالضبع تنام على اللدم حتى يدخل إليها طالبا فيعلق الحبل برجلها و يقول لها دباب دباب حتى يقطع عرقوبها الى آخر الفصل ١ .

و كان طارق يبكي إذا ذكر هذا الحديث . و نسب إلى ( أمالي المفيد ) روايته عن طارق الخبر و لكن لم أتحققه ٢ .

و رواه سيف كما في ( الطبري ) عن طارق مثله ، لكن فيه فقال عليّ : أي بني أما قولك لو خرجت من المدينة حين احيط بعثمان ، فو اللّه لقد احيط بنا كما احيط به ، و أما قولك لا تبايع حتّى يأتي بيعة الأمصار ، فإن الأمر أمر أهل المدينة و كرهنا أن يضيع هذا الأمر ، و أمّا قولك حين خرج طلحة و الزبير فإن ذلك كان وهنا على أهل الإسلام ، و و اللّه ما زلت مقهورا مذ ولّيت منقوصا لا أصل إلى شي‏ء ممّا ينبغي ، و أما قولك اجلس في بيتك ، فكيف لي بما قد لزمني ،

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٢٦ ٢٢٧ .

 ( ٢ ) ما وجدت هذا الحديث في الأمالي .

٢٣

أو من تريدني ؟ أ تريد أن أكون مثل الضبع التي يحاط بها و يقال دباب دباب ليست هاهنا حتّى يحلّ عرقوباها ثم تخرج . و إذا لم أنظر فيما لزمني من هذا الأمر و يعنيني فمن ينظر فيه ١ ؟

و روى الطبري عن العرني صاحب جمل عايشة بعد بيعة الجمل من أصحاب عايشة و سيره معهم إلى الحوأب و نبح كلابها عليها ، و قولها : ردّوني أنا و اللّه صاحبة كلاب الحوأب . ثم انصرافه عنهم و مجيئه معه عليه السّلام إلى ذى قار قال فقال عليه السّلام : قد رأيتم ما صنع هؤلاء القوم و هذه المرأة ، فقام إليه الحسن فبكى ، فقال له عليّ : قد جئت تحن حنين الجارية . فقال : أجل أمرتك فعصيتني ، فأنت اليوم تقتل بمضيعة لا ناصر لك . قال : حدّث القوم بما أمرتني به . قال : أمرتك حين سار النّاس إلى عثمان ألاّ تبسط يدك ببيعة حتّى تجول جائلة العرب فإنّهم لن يقطعوا أمرا دونك فأبيت عليّ ، و أمرتك حين سارت هذه المرأة و صنع هؤلاء القوم ما صنعوا أن تلزم المدينة و ترسل إلى من استجاب لك من شيعتك . قال عليّ : صدق و اللّه ، و لكن و اللّه يا بني ما كنت لأكون كالضبع و تستمع للدم ، إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قبض و ما أرى أحدا أحقّ بهذا الأمر مني ،

فبايع النّاس أبا بكر فبايعت كما بايعوا ، ثمّ إنّه هلك و ما أرى أحدا أحقّ بهذا الأمر مني فبايع النّاس عمر فبايعت كما بايعوا ، ثمّ إنّ عمر هلك و ما أرى أحدا أحقّ بهذا الأمر منّي ، فجعلني سهما من ستّة أسهم ، فبايع النّاس عثمان فبايعت كما بايعوا ، ثمّ سار النّاس إلى عثمان فقتلوه ثم أتوني فبايعوني طائعين غير مكرهين ، فأنا مقاتل من خالفني بمن اتّبعني حتّى يحكم اللّه بيني و بينهم ٢ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبريّ ٤ : ٤٥٥ ٤٥٦ ، سنة ٣٦ .

 ( ٢ ) تاريخ الطبريّ ٤ : ٤٥٦ ٤٥٨ ، سنة ٣٦ .

٢٤

و أما الثاني : فروى المفيد في ( جمله ) : أنّه لمّا جاء كتاب إلى أمير المؤمنين عليه السّلام يخبره بخبر طلحة و الزبير و عايشة ، دعا عليه السّلام ابن عبّاس و محمّد بن أبي بكر و عمارا و سهل بن حنيف ، و أخبرهم بما عليه القوم من المسير ، فقال محمّد بن أبي بكر : ما يريدون ؟ فتبسّم عليه السّلام و قال : يطلبون بدم عثمان . فقال محمّد : و اللّه ما قتله غيرهم .

ثم قال عليه السّلام : أشيروا عليّ بما أسمع منكم القول فيه . فقال عمّار : الرأي أن نسير إلى الكوفة فإن أهلها لنا شيعة و قد انطلق هؤلاء القوم إلى البصرة . و قال ابن عبّاس : الرأي عندي أن تقدم رجالا إلى الكوفة فيبايعوا لك إلى أن قال :

فبيناهم في ذلك إذ دخل اسامة بن زيد و قال له عليه السّلام : فداك أبي و امي لا تسر، و خلّف على المدينة رجلا ، و أقم بمالك ، فإنّ العرب لهم جولة ثم يصيرون إليك.

فقال ابن عبّاس : يا اسامة إنّ هذا القول منك ، إن كان على غير دغل في صدرك ، فقد أخطأت وجه الرأي ، فبه نكون و اللّه كهيئة الضبع في مغارتها .

فقال له اسامة : فما الرأي ؟ قال : ما أشرت به و ما رأى أمير المؤمنين لنفسه . ثم نادى عليه السّلام في النّاس : تجهزوا ١ .

و الصواب هذا الذي يشهد له الاعتبار ، و أمّا خبرا طارق و العرفي فخلاف العقل ، فمع قطع النظر عن كون الحسن عليه السّلام معصوما لا يعترض على المعصوم ، إتباع طلحة و الزبير و عدمه لم يكن أمرا مشتبها مختلف الظاهر و الباطن حتّى يشتبه على الحسن عليه السّلام ، فمع إتباعه عليه السّلام لهما أفسدا تلك الإفسادات العظيمة ، فكيف كان لو خلاهما .

و كذلك قبوله عليه السّلام بيعة النّاس ، و أي معنى لقوله للعرب جولة ، فالعرب أين كانوا يوم السقيفة و يوم الدار ؟ و كيف يعبّر الحسن عليه السّلام مع أبيه بقوله :

ــــــــــــ

 ( ١ ) الجمل للمفيد : ٢٣٩ ٢٤٠ .

٢٥

« أمرتك فعصيتني » ألم يدر يقول : « أشرت عليك فما قبلت رأيي » ؟

و الخبر الأوّل و إن كان دخيلا كالثاني ، إلاّ انّ سيفا زاد في غشه كما هو دأبه إشارته على أبيه بخروجه من المدينة حين احيط بعثمان ، و انّ أباه قال له : لقد احيط بنا كما احيط بعثمان ، فإنّه كذب محض و افتراء واضح .

و لقد أغرب ( خلفاء ابن قتيبة ) و أتى بالمضحك من الكذب ، و الطبري و إن كان ينقل الروايات المتضادة هو يفتي بالمتناقض و المتضاد .

فقال : لمّا أتى كتاب معاوية ليس بيني و بين قيس عتاب غير طعن الكلى و ضرب الرقاب إلى علي دخل عليه ابنه الحسن فقال له : قد كنت أمرتك فعصيتني . فقال له عليّ: و ما أمرتني به فعصيتك ؟ قال : أمرتك يوم عثمان أن تركب رواحلك فتلحق بمكة فلا تتهم به ، و أمرتك حين دعيت إلى البيعة ألاّ تبسط يدك إلاّ على بيعة جماعة فعصيتني، و أمرتك حين خالف عليك طلحة و الزبير ألاّ تكرههما على البيعة و تخلي بينهما و بين وجههما و تدع النّاس يتشاورون عاما كاملا ، فو اللّه لو تشاوروا عاما ما زويت عنك ، و لا وجدوا منك بدا ، و أنا آمرك اليوم أن تقيلهما بيعتهما و تردّ إلى النّاس أمرهم ، فإن رفضوك رفضتهم و إن قبلوك قبلتهم ، فإنّي قد رأيت الغدر في رؤوسهم ، و الكراهية في وجوههم . فقال له علي : أنا إذن مثلك يا بني ، و لكن اقاتل من عصاني بمن أطاعني ، و ايم اللّه ما زلت مبغيّا عليّ منذ هلك جدّك .

فقال له الحسن : يا أبة ليظهرن عليك معاوية ، لأنّه من قتل مظلوما فقد جعلنا لوليّه سلطانا .

فقال عليّ : يا بني و ما علينا ، ما ظلمناه و لا أمرنا و لا نصرنا عليه ، و لا كتبت فيه إلى أحد سوادا في بياض ، و إنّك لتعلم إنّ أباك أبرأ النّاس من دمه .

فقال له الحسن : دع عنك هذا ، انّي لا أظن ، بل لا أشك أنّ ما في المدينة

٢٦

عاتق و لا عذراء و لا صبيّ إلاّ و عليه كفل من دمه . فقال : يا بني إنّك لتعلم أنّ أباك قد ردّ عنه النّاس مرارا ، و قد أرسلتكما جميعا بسيفيكما لتنصراه و تموتا دونه ، فنهاكما عن القتال و نهى أهل الدار أجمعين ، و لو أمرني بالقتال لقاتلت دونه أو أموت بين يديه . قال الحسن : دع عنك هذا حتّى يحكم اللّه بين عباده .

فهل أراد المخذول أن يصنع قصّة و يجعل معاوية الحسن ، و لقد أراد المفتري أن يجعل قتل عثمان ظلما ، فأخزاه اللّه حتى جعل أمير المؤمنين عليه السّلام و جميع أهل المدينة صغيرهم و كبيرهم ذكرهم و انثاهم داخلين في دمه ، فإن كان الأمر كما ذكر فهذا إجماع لا إجماع فوقه ، و لن تجمع امّة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله على ضلال .

و بالجملة ، الأصل في العنوان أحد تلك الأخبار ، لكن عرفت أنّ الصحيح منها خبر ( جمل المفيد ) و المفهوم منه كون العنوان و إن لفظه أخصر لابن عبّاس لاله عليه السّلام فإن كان المصنّف وقف على مستند آخر فلعل .

« و اللّه لا اكون كالضّبع » سبع معروف ، و قال الجوهري في قول الشاعر :

فانّ قومي لم تأكلهم الضبع المراد بالضبع فيه : السنة المجدبة ١ ، لكن إرادة السبع المعروف الذي يأكل الجيف و أشلاء القتلى و الموتى غير بعيدة .

و المشهور أنّ الضبع الانثى و الذكر ضبعان ٢ . و عن ابن الانباري يطلق على الذكر و الانثى .

و في كتاب الدميري : و من أسماء الضبع جيل و جعار و جفصة ، و من كناها ام خنور و ام طريق و ام عامر و ام القبور و ام نوفل ، و الذكر أبو عامر

ــــــــــــ

 ( ١ ) الصحاح ٣ : ١٢٤٨ ، مادة : ( ضبع ) .

 ( ٢ ) المصدر نفسه .

٢٧

و أبو كلدة و أبو الهنبر ١ .

و من عجيب أمرها أنّها كالأرنب ، تكون سنة ذكرا و سنة انثى ، فتلقح في حال الذكورة و تلد في حال الانوثة نقله الجاحظ ٢ .

« تنام على طول اللدم » قال الجوهريّ : قال الأصمعيّ : اللدم : صوت الحجر أو الشي‏ء يقع بالأرض ، و ليس بالصوت الشديد ٣ .

و قال ابن دريد : اللدم : ضربك الحجر بحجر أو غيره ، و كل ضرب لدم ،

و النساء يلتدمن في المأتم . و في حديث عليّ رضى اللّه عنه : « لا أكون كالضبع تسمع اللدم » ٤ .

« حتى يصل إليها طالبها و يختلها » أي : يخدعها .

« راصدها » قال ابن أبي الحديد : قال أبو عبيدة : يأتي الصائد فيضرب بعقبه الأرض عند باب مغارها ضربا خفيفا ، و ذلك هو اللدم ، و يقول : « خامري ام عامر » مرارا بصوت ليس بشديد فينام على ذلك ٥ .

و قال : تزعم العرب أنّ الصائد يدخل عليها و جارها فيقول لها : اطرقي أم طريق ، خامري ام عامر . فتلجأ إلى أقصى مغارها و تنقبض . فيقول : ام عامر ليست في وجارها ، ام عامر نائمة . فتمد يديها و رجليها و تستلقي ، فيدخل عليها فيوثقها و يقول لها : أبشري ام عامر بكمر الرجال ، ابشري ام عامر بشاة هزلى و جراد عظلى ، فيشدّ عراقيبها و لا تتحرك ، و لو شاءت أن تقتله لأمكنها .

قال الكميت :

ــــــــــــ

 ( ١ ) الدميري : حياة الحيوان ١ : ٦٤١ منشورات الحلبي ، مصر .

 ( ٢ ) كتاب الحيوان ٧ : ١٦٨ .

 ( ٣ ) الصحاح ٥ : ٢٠٢٨ ، مادة : ( لدم ) .

 ( ٤ ) الجمهرة ٢ : ٦٨١ .

 ( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٢٥ .

٢٨

فعل المقرّة للمقالة

خامري يا امّ عامر

و قال الشنفري :

لا تقبروني إنّ قبري محرّم

عليكم و لكن خامري امّ عامر ١

و في كتاب الدميري : إنّ الصياد إذا أراد أن يصيدها رمى في جحرها بحجر فتحسبه شيئا تصيده ، فتخرج لتأخذه فتصاد . و يقال لها و هي في جحرها : اطرقي ام طريق خامري أم عامر أبشري بجراد عظلى و شاة هزلى .

فلا يزال يقال لها ذلك حتّى يدخل عليها الصائد فيربط يديها و رجليها ثم يجرها .

قال : و الجاحظ يرى هذا من خرافات العرب ٢ .

و في رواية سيف المتقدمة : مثل الضبع التي يحاط بها و يقال : « دباب دباب ليست هاهنا ، حتّى يحل عرقوبها ثم تخرج » . و مثل ذلك مثلهم : « اطرق كرا إنّ النعام في القرى » . أو « اطرق كرا يحلب لك » . أو « اطرق كرا إنّك لن ترى » .

و قال الخليل كما في ( أمثال الميداني ) : الكرا : الذكر من الكروان ،

يصيدونه بهذه الكلمة ، فإذا سمعها تلبد بالأرض ، فيلقى عليه ثوب فيصاد .

و هو معنى : « انّ النعام بالقرى » أي : يأتيك فيدوسك بأخفافها ٣ .

« و لكني اضرب بالمقبل إلى الحقّ المدبر عنه » هكذا في ( المصرية ) ٤ و مثلها ( ابن أبي الحديد ) ٥ ، و لكن في ( ابن ميثم ) : « وجه المدبر عنه » ٦ . و لا يبعد

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٢٤ .

 ( ٢ ) الدميري حياة الحيوان ١ : ٦٤٣ منشورات الحلبي ، مصر .

 ( ٣ ) مجمع الأمثال ٢ : ٢٨٥ تحت الرقم ٢٢٧٢ .

 ( ٤ ) نهج البلاغة ١ : ٣٧ .

 ( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٢٣ .

 ( ٦ ) في شرح ابن ميثم المطبوع ١ : ٢٨٠ « الحقّ المدبر عنه » أيضا .

٢٩

أصحيته حيث أنّ نسخته بخط مصنّفه .

« و بالسامع المطيع العاصي المريب أبدا حتّى يأتي عليّ يومي » حيث إنّ الجهاد واجب أبدا مع شرائطه .

هذا و العجب أنّ سيفا الذي يضع في كلّ شي‏ء قال : لمّا دخل طلحة و الزبير البصرة و اصطلحا مع عثمان بن حنيف عامل عليّ على أن يبعثوا كعب بن سور إلى المدينة يستخبرهم في بيعتهما ، فإن أخبروه بأنّ عليّا أكرههما فالأمر أمرهما ، و إن بايعاه طوعا فالأمر أمره . و لمّا جاء كعب و سألهم ، سكت جميع النّاس خوفا من سهل عامل عليّ إلاّ اسامة ، فوثب سهل عليه ، فأفلته صهيب و قال له : قد علمت أنّ ام عامر حامقة ، أما وسعك ما وسعنا من السكوت ١ .

فإنّه وضعه في مقابل رواية ( جمل المفيد ) ٢ المتقدّمة في أصل العنوان .

٤

الخطبة ( ٣١ ) و من كلام له عليه السّلام لابن عباس لمّا أرسله إلى الزبير يستفيئه إلى طاعته قبل حرب الجمل :

لاَ تَلْقَيَنَّ ؟ طَلْحَةَ ؟ فَإِنَّكَ إِنْ تَلْقَهُ تَجِدْهُ كَالثَّوْرِ عَاقِصاً قَرْنَهُ يَرْكَبُ اَلصَّعْبَ وَ يَقُولُ هُوَ اَلذَّلُولُ وَ لَكِنِ اِلْقَ ؟ اَلزُّبَيْرَ ؟ فَإِنَّهُ أَلْيَنُ عَرِيكَةً فَقُلْ لَهُ يَقُولُ لَكَ اِبْنُ خَالِكَ عَرَفْتَنِي ؟ بِالْحِجَازِ ؟ وَ أَنْكَرْتَنِي ؟ بِالْعِرَاقِ ؟ فَمَا عَدَا مِمَّا بَدَا قال الشريف أقول : هو أوّل من سمعت منه هذه الكلمة ، أعني « فما عدا ممّا بدا » ٣ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبريّ ٤ : ٤٦٧ ٤٦٨ ، سنة ٣٦ .

 ( ٢ ) الجمل للمفيد : ٢٣٩ ٢٤٠ .

 ( ٣ ) نهج البلاغة ١ : ٧٣ .

٣٠

قول المصنف « و من كلام له عليه السّلام لابن عبّاس لمّا أرسله إلى الزبير يستفيئه إلى طاعته قبل حرب الجمل » هكذا في ( المصرية ) ١ ، و الصواب : ما في ( ابن ميثم ) : « و من كلام له عليه السّلام لمّا أنفذ عبد اللّه بن العبّاس إلى الزبير قبل وقوع حرب الجمل يستفيئه إلى طاعته » ٢ ، و مثله ( ابن أبي الحديد ) لكن فيه بدل « وقوع حرب الجمل » : « وقوع الحرب يوم الجمل » ٣ .

و أما العنوان فقال ابن أبي الحديد : روى الزبير بن بكار في ( موفقياته ) :

انّ عليّا عليه السّلام لمّا سار إلى البصرة بعث ابن عبّاس فقال : ايت الزبير فاقرأ عليه السّلام و قل له : يا عبد اللّه كيف عرفتنا بالمدينة و أنكرتنا بالبصرة ؟ فقال ابن عبّاس : أفلا آتي طلحة ؟ قال : لا ، إذن تجده عاقصا قرنه في حزن يقول هذا سهل . قال : فأتيت الزبير فوجدته في بيت يتروح في يوم حار و عبد اللّه ابنه عنده ، فقال : مرحبا بك يابن لبابة ، أجئت زائرا أم سفيرا ؟ قلت : كلاّ ، إنّ ابن خالك يقرأ عليك السلام و يقول لك يا أبا عبد اللّه كيف عرفتنا بالمدينة و أنكرتنا بالبصرة ؟ فقال :

علقهم أني خلقت عصبه

قتادة تعلقت بنشبه

لن أدعهم حتّى آلف بينهم . فأردت منه جوابا غير ذلك ، قال لي ابنه : « قل له بيننا و بينك دم خليفة و وصيّة خليفة و اجتماع اثنين و انفراد واحد ، و ام مبرورة و مشاورة العشيرة » . فعلمت انّه ليس وراء هذا الكلام إلاّ الحرب ،

فرجعت إلى عليّ عليه السّلام فأخبرته .

قال ابن بكار : هذا الحديث كان يرويه عمي مصعب ثم تركه ، و قال : إنّي

ــــــــــــ

 ( ١ ) نهج البلاغة ١ : ٧٢ .

 ( ٢ ) في شرح ابن ميثم ٢ : ٥٩ ما في العنوان في نهج البلاغة .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٦٢ .

٣١

رأيت جدّي الزبير في المنام و هو يعتذر من يوم الجمل ، فقلت له : كيف تعتذر منه و أنت القائل : « علقتهم إلى آلف بينهم » ؟ فقال : لم أقله ١ .

و قال ابن أبي الحديد أيضا : و روى جعفر بن محمّد الصادق عن أبيه عن جدّه قال : سألت ابن عبّاس عن ذلك فقال : إنّي أتيت الزبير فقلت له . . . فقال : قل له إنّي اريد ما تريد كأنه يقول : الملك لم يزد على ذلك . فرجعت إلى عليّ عليه السّلام فأخبرته.

و روى محمّد بن إسحاق الكلبيّ عن ابن عبّاس قال : قلت الكلمة للزبير ،

فلم يزدني على ان قال : قل له :

إنّا مع الخوف الشديد لنطمع

و سئل ابن عبّاس عمّا يعني بقوله هذا ، فقال : يقول : إنّا على الخوف لنطمع أن نلي من الأمر ما وليتم .

و قال قوم : أراد أنّا مع الخوف من اللّه لنطمع أن يغفر لنا هذا الذنب ٢ .

قلت : و رواه الجاحظ في ( بيانه ) و ابن قتيبة في ( عيونه ) و ابن عبد ربه في ( عقده ) ، قال الأوّل : قال عبد اللّه بن مصعب : أرسل عليّ كرم اللّه وجهه لمّا قدم البصرة ابن عبّاس و قال له : ايت الزبير و لا تأت طلحة ، فإن الزبير ألين ، و انّك تجد طلحة كالثور عاقصا قرنه يركب الصعوبة و يقول هي السهل ، فأقرئه السلام و قل له : يقول لك ابن خالك : عرفتني بالحجاز و أنكرتني بالعراق ، فما عدا ممّا بدا لك قال : فأتيت الزبير ، فقال : مرحبا بابن لبابة ، أزائرا جئت أم سفيرا ؟ قلت : كل ذلك . و أبلغته ما قال عليّ عليه السّلام ، فقال الزبير : أبلغه السلام و قل له : بيننا و بينك عهد خليفة و دم خليفة و اجتماع ثلاثة و انفراد واحد و ام

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٦٩ ١٧٠ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٦٦ ١٦٧ .

٣٢

مبرورة و مشاورة العشيرة و نشر المصاحف ، فنحلّ ما أحلّت و نحرّم ما حرّمت ١ .

و مثله الثاني : و الثاني بدون النسبة إلى ابن مصعب ٢ .

قوله عليه السّلام : « لا تلقين طلحة » عن مثالب هشام الكلبي كما في ( الطرائف ):

كانت لامّه صعبة راية بمكة و استبضعت بأبي سفيان فوقع عليها و تزوجها عبيد اللّه بن عثمان بن عمر بن كعب بن سعد بن تيم ، فجاءت بطلحة لستّة أشهر ، فاختصم أبو سفيان و عبيد اللّه في طلحة ، فجعل أمرهما إلى امه فألحقته بعبيد اللّه ، فقيل لها : كيف تركت أبا سفيان ؟ فقالت : يد عبيد اللّه طلقة و يد أبي سفيان كزّة .

فقال حسّان :

فيا عجبا من عبد شمس و تركها

أخاها زنا بابعد ريش القوادم

و كان أبوه يلعب به و يتخنّث ٣ .

« فإنّك إن تلقه تجده كالثور عاقصا قرنه » في ( الجمهرة ) : شاة عقصاء إذا كانت منقلبة القرن ٤ . و في ( الأساس ) : ( في قرن الشاة عقص ) أي التواء ، و هي عقصاء القرن ٥ . هذا و في ( ميزان الذهبي ) في ثور بن يزيد الذي كان يرى القدر : حكي عن ابن أبي رواد أنّه كان يقول إذا أتاه من يريد الشام : « إنّ بها ثورا فاحذر لا ينطحك بقرنيه » . و سئل سفيان عنه فقال : خذوا عنه و اتقوا قرنيه ٦ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) العقد الفريد ٥ : ٦٤ .

 ( ٢ ) عيون الأخبار ١ : ١٩٥ .

 ( ٣ ) الطرائف ٢ : ٤٩٥ ٤٩٦ .

 ( ٤ ) جمهرة اللّغة ٢ : ١١٧٢ .

 ( ٥ ) أساس البلاغة : ٣٠٩ ، مادة : ( عقص ) .

 ( ٦ ) ميزان الاعتدال في نقد الرجال ، ١ : ٣٧٤ دار المعرفة بيروت .

٣٣

« يركب الصعب و يقول هو الذلول » قال ابن قتيبة : كلّم عليّ طلحة و الزبير قبل القتال ، فقال لهما : استحلفا عايشة بحقّ اللّه و بحقّ رسوله عليها أربع خصال أن تصدق فيها : هل تعلم رجلا من قريش أولى منّي باللّه و رسوله ؟

و إسلامي قبل كافّة النّاس أجمعين ، و كفايتي رسول اللّه كفّار العرب بسيفي و رمحي ؟ و على أنّي لم استكره أحدا على بيعة ؟ و على أنّي ألم أكن أحسن قولا منكما في عثمان ؟

فأجابه طلحة جوابا غليظا ، و رقّ له الزبير . ثم رجع عليّ عليه السّلام إلى أصحابه فقالوا : بم كلمت الرجلين ؟ فقال عليه السّلام : إنّ شأنهما لمختلف ، أما الزبير فقاده اللجاج و لن يقاتلكم ، و أما طلحة فسألته عن الحقّ فأجابني بالباطل ،

و لقيته باليقين و لقيني بالشك ، فو اللّه ما نفعه حقّي و لا ضرّني باطله ، مقتول غدا في الرعيل الأوّل ١ .

و قد وصفه عمر لمّا عينه للشورى مع عيبه فقال : أما إنّي أعرفك منذ اصيبت إصبعك يوم احد بالبأو الذي حدث لك ، و لقد بات النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ساخطا عليك للكلمة التي قلتها يوم انزلت آية الحجاب ٢ .

قال الجاحظ : أشار عمر إلى أنّ طلحة لمّا انزلت آية الحجاب ، قال بمحضر ممّن نقل إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله : ما الذي يغنيه حجابهنّ اليوم و سيموت غدا فننكحهنّ ٣ .

و في ( المروج ) : سار أهل الجمل في ستمائة راكب نحو البصرة ، فانتهوا في الليل إلى ماء لبني كلاب يعرف بالحوأب ، فنبحت كلابهم على الركب ، فقالت

ــــــــــــ

 ( ١ ) الإمامة و السياسة ١ : ٧١ ٧٢ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ١٨٥ ١٨٦ .

 ( ٣ ) المصدر نفسه ١ : ١٨٦ .

٣٤

عايشة : ما اسم هذا الموضع ؟ فقال سائق جملها : الحوأب ، فاسترجعت و ذكرت ما قيل لها في ذلك ، فقالت : ردّوني . فقال ابن الزبير : و اللّه ما هذا بحوأب ،

و لقد غلط فيما أخبرك به . و كان طلحة في ساقة النّاس فلحقها فأقسم أن ذلك ليس بالحوأب ، و شهد معهما خمسون ، فكان ذلك أوّل شهادة زور اقيمت في الإسلام ١ .

« و لكن الق الزبير فانّه ألين عريكة » أي : طبيعة ، في ( الطبري ) : قال قتادة:

سار عليّ عليه السّلام من الزاوية يريد طلحة و الزبير و عايشة ، و ساروا من الفرضة يريدون عليّا عليه السّلام ، فالتقوا عند موضع قصر عبيد اللّه بن زياد في النصف من جمادى الآخرة سنة ( ٣٦ ) ، فلمّا تراءى الجمعان خرج الزبير على فرس عليه سلاح ، فقيل لعلي عليه السّلام : هذا الزبير ، أما إنّه أحرى الرجلين إن ذكر باللّه أن يذكر ،

و خرج طلحة فخرج إليهما عليّ عليه السّلام فدنا منهم حتّى اختلفت أعناق دوابهم فقال عليّ عليه السّلام لهما : لعمري لقد أعددتما سلاحا و خيلا و رجالا ، إن كنتما أعددتما عند اللّه عذرا فاتّقيا اللّه سبحانه و لا تكونا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا ٢ ، ألم أكن أخاكما في دينكما تحرمان دمي و احرم دماءكما فهل من حدث أحل لكما دمي ؟ قال طلحة : ألّبت النّاس على عثمان . فقال له عليّ عليه السّلام :

يومئذ يوفيهم اللّه دينهم الحقّ و يعلمون أنّ اللّه هو الحقّ المبين ٣ ، يا طلحة تطلب بدم عثمان ؟ فلعن اللّه قتلة عثمان . يا زبير أتذكر يوم مررت مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في بني غنم فنظر إليّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و ضحك و ضحكت إليه ، فقلت أنت :

لا يدع ابن أبي طالب زهوه . فقال لك النبيّ صلّى اللّه عليه و آله : صه ، إنّه ليس به زهو ، و لتقاتلنّه

ــــــــــــ

 ( ١ ) مروج الذهب ٢ : ٣٥٧ .

 ( ٢ ) النحل : ٩٢ .

 ( ٣ ) النور : ٢٥ .

٣٥

و أنت له ظالم ؟ فقال : اللّهمّ نعم ، و لو ذكرت ما سرت مسيري هذا ، و اللّه لا اقاتلك أبدا .

فانصرف عليّ عليه السّلام إلى أصحابه فقال : امّا الزبير فقد أعطى اللّه عهدا ألاّ يقاتلكم ، فرجع الزبير إلى عايشة فقال : ما كنت في موطن منذ عقلت إلاّ و أنا أعرف فيه أمري غير موطني هذا . قالت : فما تريد أن تصنع ؟ قال : اريد أن أدعهم و أذهب . فقال له ابنه : جمعت بين هذين الغارين ، حتّى إذا حدد بعضهم لبعض أردت أن تتركهم و تذهب ، أحسست رايات ابن أبي طالب ، و علمت أنّها تحملها فتية أنجاد . قال : إنّي حلفت ألاّ اقاتله و أحفظه ما قال ابنه له فقال : كفّر عن يمينك و قاتل . فدعا بغلام يقال له مكحول فأعتقه .

فقال عبد الرحمن التميمي :

لم أر كاليوم أخا إخوان

أعجب من مكفّر الأيمان

بالعتق في معصية الرحمن ١

قلت : قوله عليه السّلام في الخبر : يا طلحة تطلب بدم عثمان فلعن اللّه قتلة عثمان أراد : ( منّي و منكم يا طلحة و الزبير و عايشة ) فلعنهم اللّه بما لا يستطعون إنكارا و لا اعتراضا ، لا إنّه لعن جميع قتلته ، كما لا يخفى .

و قد وصفه عمر يوم الشورى بقوله له : « أما أنت يا زبير فوعق لقس ،

مؤمن الرضا ، كافر الغضب ، يوما إنسان ، و يوما شيطان ، و لعلّها لو أفضت إليك ظلت يومك تلاطم بالبطحاء على مد من شعير . أفرأيت إن أفضت إليك ،

فليت شعري من يكون للناس يوم تكون شيطانا إماما ، و من يكون للناس يوم تغضب إماما ٢ ؟

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبريّ ٤ : ٥٠١ ٥٠٢ ، سنة ٣٦ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ١٨٥ .

٣٦

« يقول لك ابن خالك » كان عليه السّلام كالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله ابن خال الزبير لأبيه ، فكانت صفيّة ام الزبير من ام حمزة دون أبي طالب و عبد اللّه ، و كان الزبير يعدّ أوّلا من الهاشميين من قبل امّه و إن كان أسديا أبا لكونه معه عليه السّلام يوم السقيفة حتّى نشأ ابنه عبد اللّه المبغض له عليه السّلام من قبل امّه أسماء بنت أبي بكر .

و روى أبو مخنف : أنّ أبا الأسود أتى الزبير في الجمل فقال له : عهد النّاس بك يوم بويع أبو بكر آخذ بقائم سيفك تقول : لا أحد أولى بهذا الأمر من أبن أبي طالب ، و أين هذا المقام من ذاك ؟ فذكر له الزبير دم عثمان ، فقال له أبو الأسود : أنت و صاحبك و ليتماه فيما بلغنا . فقال له : فاذهب إلى طلحة فاسمع ما يقول لك . فذهب إليه فوجدوه سادرا في غيّه مصرّا على الحرب و الفتنة ١ .

عبّر عليه السّلام بقوله : « ابن خالك » استعطافا ، فقالوا نظير قول هارون « يابن امّ » .

« عرفتني بالحجاز و أنكرتني بالعراق » حيث بايعه بالحجاز و نصب له الحرب بالعراق .

هذا و قال البحتري في عتاب ابن بسطام :

فكنّا بالشآم أخال خيرا

لرعي الودّ منّا بالعراق

و هجا بعض الشعراء المازني فقال :

و فتى من مازن

ساد أهل البصره

امّه معرفة

و أبوه نكره

و في ( الأغاني ) : استأذن أبو العتاهية على عمرو بن مسعدة فحجب ،

فكتب إليه أبياتا منها :

ــــــــــــ

 ( ١ ) نقله عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ٦ : ٢٢٦ .

٣٧

قد كان وجهي لديك معرفة

فاليوم أضحى حرفا من النكرة ١

« فما عدا » أي : جاوز .

« ممّا بدا » أي : ابتدأت به ان كان الأصل فيه الهمز ، أو ظهر لك أوّلا إن كان معتلا.

و روى ( جمل المفيد ) : أنّه عليه السّلام أرسل ابن عبّاس إلى عايشة و قال له قل لها : « إنّك كنت أشدّ النّاس على عثمان ، فما عدا ممّا بدا » ٢ .

و روى ( عيون القتيبي ) : أنّ عرار بن أدهم الشامي لمّا دعا في صفين العبّاس بن ربيعة الهاشمي إلى البراز ، فبرز إليه و ضربه ضربة خر لوجهه و كبّر النّاس تكبيرة ارتجت لها الأرض ، سأل عليه السّلام عن المبارز فقيل له : العبّاس بن ربيعة ابن أخيكم . فقال عليه السّلام له : ألم أنهك و ابن عبّاس أن تخلا بمركز كما أو تباشرا حربا ؟ فما عدا ممّا بدا . قال العبّاس : فادعى إلى البراز فما اجيب ٣ .

قول المصنّف : قال الشريف أقول : هو أوّل من سمعت منه هذه الكلمة ،

أعني « فما عدا ممّا بدا » ، هكذا في ( المصرية ) ٤ ، و الصواب ما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٥ : « و قال الرضي رحمه اللّه : و هو عليه السّلام أوّل من قالها » . و قد عرفت أنّه عليه السّلام قالها مرارا .

و عن ( أوائل أبي هلال العسكري ) : أنّه عليه السّلام أوّل من قال : « جعلت فداك » .

قاله للنبي صلّى اللّه عليه و آله يوم عمرو بن عبدود ٦ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأغاني ٤ : ٢١ ٢٢ .

 ( ٢ ) الجمل للمفيد : ٣١٦ .

 ( ٣ ) عيون الأخبار ١ : ١٧٩ ١٨٠ .

 ( ٤ ) نهج البلاغة ١ : ٧٣ .

 ( ٥ ) في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٦٢ و شرح ابن ميثم ٢ : ٥٩ « و هو عليه السّلام أوّل من سمعت . . . » أيضا .

 ( ٦ ) الأوائل لأبي هلال العسكري : ٢٩٦ دار الكتب العلمية .

٣٨

و في ( طبقات كاتب الواقدي ) : أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان أوّل من قال : « لا ينتطح فيها عنزان » . قاله صلّى اللّه عليه و آله في قتل عمير بن عدي عصماء بنت مروان اليهودي التي كانت تؤذي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ١ .

٥

الخطبة ( ١٦٩ ) و من خطبة له عليه السّلام عند مسير أهل الجمل إلى البصرة :

إِنَّ اَللَّهَ بَعَثَ رَسُولاً هَادِياً بِكِتَابٍ نَاطِقٍ وَ أَمْرٍ قَائِمٍ لاَ يَهْلِكُ عَنْهُ إِلاَّ هَالِكٌ وَ إِنَّ اَلْمُبْتَدَعَاتِ اَلْمُشَبَّهَاتِ مِنَ اَلْمُهْلِكَاتُ إِلاَّ مَا حَفِظَ اَللَّهُ مِنْهَا وَ إِنَّ فِي سُلْطَانِ اَللَّهِ عِصْمَةً لِأَمْرِكُمْ فَأَعْطُوهُ طَاعَتَكُمْ غَيْرَ مُلَوَّمَةٍ وَ لاَ مُسْتَكْرَهَةٍ بِهَا وَ اَللَّهِ لَتَفْعَلُنَّ أَوْ لَيَنْقُلَنَّ اَللَّهُ عَنْكُمْ سُلْطَانَ اَلْإِسْلاَمِ ثُمَّ لاَ يَنْقُلُهُ إِلَيْكُمْ أَبَداً حَتَّى يَأْرِزَ اَلْأَمْرُ إِلَى غَيْرِكُمْ إِنَّ هَؤُلاَءِ قَدْ تَمَالَئُوا عَلَى سَخْطَةِ إِمَارَتِي وَ سَأَصْبِرُ مَا لَمْ أَخَفْ عَلَى جَمَاعَتِكُمْ فَإِنَّهُمْ إِنْ تَمَّمُوا عَلَى فَيَالَةِ هَذَا اَلرَّأْيِ اِنْقَطَعَ نِظَامُ اَلْمُسْلِمِينَ أقول : العنوان كلّه مأخوذ من ( الطبري ) ٢ في رواية سيفه ، التي إمّا مصنوعة كلا و إمّا مدخولة منه ، كما أخذ منه عنوان قبله « قيل له عليه السّلام : لو عاقبت قوما ممّن اجلب على عثمان » كما مر في فصل عثمان ، و مر ثمة شرح مقدار من افتعالاته و تصرفاته ، و مر بعضها في ٣ من هذا الفصل .

و روايته هنا هكذا : « استأذن طلحة و الزبير عليّا في العمرة فأذن لهما ،

ــــــــــــ

 ( ١ ) الطبقات الكبرى ٢ : ٢٧ ٢٨ .

 ( ٢ ) تاريخ الطبريّ ٤ : ٤٤٤ ، سنة ٣٦ .

٣٩

فلحقا بمكّة ، و أحبّ أهل المدينة أن يعلموا ما رأي عليّ في معاوية و انتقاضه ،

ليعرفوا بذلك رأيه في قتال أهل القبلة ، أ يجسر عليه أو ينكل عنه ؟ و قد بلغهم أنّ الحسن دخل عليه و دعاه إلى القعود و ترك النّاس إلى أن قال و دعا عليّ ابن الحنفية فدفع إليه اللواء ، و ولّى ابن عبّاس ميمنته و عمر بن أبي سلمة أو عمرو بن سفيان ميسرته ، و أبا ليلى ابن أخي ابن عبيدة مقدمته ، و استخلف على المدينة قثم بن عبّاس ، و لم يولّ ممّن خرج على عثمان أحدا ، و كتب إلى قيس بن سعد و إلى عثمان بن حنيف و إلى أبي موسى أن يندبوا النّاس إلى الشام ،

و دعا أهل المدينة إلى قتال أهل الفرقة ، و قال : « إنّ اللّه بعث رسولا هاديا مهديا ،

بكتاب ناطق ، و أمر قائم واضح ، لا يهلك عنه إلاّ هالك . و إنّ المبتدعات و الشبهات هنّ المهلكات إلاّ من حفظ اللّه ، و إنّ في سلطان اللّه عصمة أمركم ،

فأعطوه طاعتكم غير ملوية و لا مستكره بها ، و اللّه لتفعلن أو لينقلن اللّه عنكم سلطان الإسلام ، ثم لا ينقله إليكم أبدا حتّى يأرز الأمر إليها . انهضوا إلى هؤلاء القوم الذين يفرّقون جماعتكم ، لعل اللّه يصلح بكم ما أفسد أهل الافاق ،

و تقضون الذي عليكم » .

فبيناهم كذلك إذ جاء الخبر عن أهل مكّة بنحو آخر و تمام على خلاف ،

فقام فيهم بذلك ، فقال : « إنّ اللّه جعل لظالم هذه الأمّة العفو و المغفرة ، و جعل لمن لزم الأمر و استقام الفوز و النجاة ، فمن لم يسعه الحقّ أخذ بالباطل . ألا و إنّ طلحة و الزبير و امّ المؤمنين قد تمالؤوا على سخط إمارتي ، و دعوا النّاس إلى الاصلاح ، و سأصبر ما لم أخف على جماعتكم . و أكفّ إن كفّوا و أقتصر على ما بلغني منهم » .

ثمّ أتاه أنّهم يريدون البصرة لمشاهدة النّاس و الإصلاح ، فتعبّى للخروج إليهم و قال : إن فعلوا هذا فقد انقطع نظام المسلمين ، و ما كان عليهم

٤٠

في المقام فينا مؤنة و لا إكراه . فاشتدّ على أهل المدينة الأمر فتثاقلوا ، فبعثت إلى عبد اللّه بن عمر كميلا النخعي فجاء به إلى أن قال : فرجع ابن عمر إلى المدينة و هم يقولون : لا و اللّه ما ندري كيف نصنع ، فإنّ هذا الأمر مشتبه علينا ،

و نحن مقيمون حتّى يضي‏ء لنا و يسفر . فخرج تحت ليلته و أخبر ام كلثوم بنت علي بالذي سمع من أهل المدينة ، و إنّه يخرج معتمرا مقيما على طاعة عليّ ما خلا النهوض ، و كان صدوقا ، فاستقرّ عندها ، و أصبح عليّ فقيل له : حدث البارحة حدث هو أشدّ عليك من طلحة و الزبير و ام المؤمنين و معاوية . قال :

و ما ذلك ؟ قال : خرج ابن عمر إلى الشام ، فأتى على السوق و دعا بالظهر ، فحمل الرجال و أعد لكل طريق طلابا و ماج أهل المدينة ، و سمعت ام كلثوم بالذي هو فيه فدعت ببغلتها فركبتها في رحل ثم أتت عليّا و هو واقف في السوق يفرّق الرجال في طلبه ، فقالت : مالك لا تزند من هذا الرجل ؟ إنّ الأمر على خلاف ما بلغته و حدثته ، أنا ضامنة له . فطابت نفسه و قال : انصرفوا ، لا و اللّه ما كذبت و لا كذب ، و إنّه عندي ثقة ١ .

فمن أكاذيبه : أنّه عليه السّلام لم يولّ أحدا ممّن خرج على عثمان ، ألم يولّ محمّد بن أبي بكر و الأشتر و هما ممّن خرج عليه قطعا .

و منها قوله : إنّ الحسن دخل عليه و دعاه إلى القعود ، فقد عرفت كون ما نسب إليه عليه السّلام خلاف العقل .

و منها قوله : كتب إلى قيس و عثمان بن حنيف و أبي موسى أن يندبوا النّاس إلى الشام ، و إنّ ابن حنيف كان مبتلى بطلحة و الزبير ، و أبو موسى إنّما كتب إليه بندب أهل الكوفة إلى البصرة ، و كان عليه السّلام يومئذ مشغولا بالبصرة فما يكتب إلى قيس .

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٤٤٤ ٤٤٦ ، سنة ٣٦ ، و النقل بتصرّف و تلخيص .

٤١

و منها : ما نسبه إليه عليه السّلام « ان اللّه جعل لظالم هذه الامّة العفو و المغفرة » ،

هل اللّه ابن عمّ ظلمة هذه الامّة حتى يجعل لهم العفو و المغفرة ؟ و سيجزي اللّه المفترين . إلا أن أئمته و أشياعهم لمّا كانوا ظلمة ، لا بد أن يقول ذلك حتّى يصحّ ايتمامه بهم .

و منها : قوله و هو مضحك انّه عليه السّلام قال : إنّ طلحة و الزبير و امهم دعوا النّاس إلى الإصلاح . فيقال له : الإصلاح بين من و من ؟ و إذا كانوا أرادوا الاصلاح فلا بد أنّه عليه السّلام أراد الإفساد قبّح اللّه هذا الرجل ما يدري ما يقول و كذلك قوله : « ثمّ أتاه أنّهم يريدون البصرة لمشاهدة النّاس و الإصلاح » . فهل كان أهل المدينة نسناسا فأرادوا أن يخرجوا إلى البصرة حتّى يروا النّاس ؟ و منها قوله : « إنّ أهل المدينة قالوا إنّ الأمر مشتبه علينا و نحن مقيمون حتى يضي‏ء لنا » . فإنّه إنّما تخلّف عنه باتفاق السير سعد و ابن عمر و محمّد بن مسلمة و المغيرة معتذرين أنّ الأمر مشتبه علينا ، و أمّا باقي النّاس فبايعوه شوقا و عاونوه طوعا .

و منها : قوله « قيل له عليه السّلام حدث حادث أشدّ عليك من طلحة و الزبير و عايشة و معاوية » فأي سفيه كان يتوهم ذلك ؟ فإنّ الرجل لم يكن له قابلية أصلا ، و لذا زجر عمر من قال له : لم لا تجعله ولي عهدك ؟ و إنّما قال عليه السّلام لعمّار ،

لمّا دعاه و اعتذر : « دعه فإنّه ضعيف » .

و أين هو من طلحة و الزبير و كانا يعدّان أنفسهما فوق عمر ؟ و أين وجاهته عند النّاس من عايشة ؟ و أين هو من معاوية الذي كان في الدهاء آية و كان ذا سلطان ، كان بيده الشام و كانوا يعبدونه ؟ و من المضحك أنه بدل قوله عليه السّلام في ابن عمر بكونه ضعيفا بقوله ثقة .

و منها : قوله إنّ امّ كلثوم دعت ببغلتها ، فوضع هذا في مقابل ركوب

٤٢

عايشة بغلتها لمنع دفن الحسن عليه السّلام عند جدّه . و حينئذ فأي عبرة تبقى بما فيه ؟ و الكذّاب لا يصدق ، إلاّ إذا كان شاهد على صدقه ، و الدخيل لا يروج إلاّ أن يستخرج غشّه . و الرضي رضى اللّه عنه فعل ذلك هنا فأسقط قوله : « إنّ اللّه جعل لظالم هذه الامّة العفو و المغفرة » . و أسقط قوله : « و دعوا النّاس إلى الإصلاح » .

قوله : « و إنّ المبدعات المشبهات » أي : بالسنن .

« من المهلكات » لأنّ الإنسان يغتر بها .

« إلاّ ما حفظ اللّه منها » هكذا في ( المصرية ) ١ ، و لفظة ( منها ) زائدة لعدم وجودها في ( ابن ميثم ) ٢ ، و كذا في ( المستند ) ، و منه يظهر أنّ وجودها في نسخة من ( ابن أبي الحديد ) غير صحيحة ٣ .

« و إن في سلطان اللّه عصمة » أي : حفظ .

« لأمركم فأعطوه طاعتكم غير ملوّمة » هكذا في ( المصرية ) ٤ ، و قال ( ابن ميثم ) و في نسخة ( ملوية ) ٥ ، و هو الأنسب مع أنّه كذا في ( المستند ) .

« و اللّه لتفعلن أو لينقلن عنكم سلطان الإسلام ، ثم لا ينقله إليكم أبدا حتّى يأرز الأمر » أي : يجتمع و ينضمّ ، يقال : « أرزت الحيّة إلى حجرها » .

و قال الشاعر :

و قد أرزت من بردهنّ الأنامل

« إلى غيركم » قال ابن أبي الحديد : فإن قيل : كيف لم يعد إليهم و قد عاد بالخلافة العباسية ؟ قلت : لأن الشرط و هو عدم الطاعة لم يقع . و قال قوم :

ــــــــــــ

 ( ١ ) نهج البلاغة ٢ : ٩٩ .

 ( ٢ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٣٢٤ عند شرح فقرات الخطبة .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٢٩٥ .

 ( ٤ ) نهج البلاغة ٢ : ٩٩ .

 ( ٥ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٣٢٥ .

٤٣

خاطب الشيعة الطالبيّة فقال : إن لم تعطوني الطاعة المحضة نقل الخلافة عن هذا البيت حتّى ينضمّ إلى بيت آخر البيت العباسي ١ .

قلت : عنده عليه السّلام العبّاسية مع الاموية سواء كالتيميّة و العدوية ، و الظاهر من السياق نقل سلطان الإسلام إلى غير المسلمين لقوله : « أو لينقلنّ سلطان الإسلام عنكم ثم لا ينقله إليكم أبدا » .

فالظاهر كونه إشارة إلى الدولة الهلاكوية استأصلت الخلافة العباسية ،

و ختم اسم الخلافة من العامّة ، فإنّهم قبلها يدّعون كون سلطنتهم الخلافة الإسلاميّة .

كما أنّ الظاهر أنّ المراد من قوله عليه السّلام : « حتّى يأرز الأمر إلى غيركم » قيام المهديّ عليه السّلام و دولة أهل بيته ، فإنّ أهل بيته عليهم السّلام كانوا من غير المخاطبين لاختلاف عقيدتهم معهم بأنّهم لمّا كانوا أهل بيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يجب أن يكونوا خلفاءه ، كما هو مقتضى العقل و جرت عليه الشرايع ذريّة بعضها من بعض . . . ٢ .

هذا و من روايات سيف المجعولة : أنّ عليّا خرج من المدينة في تعبيته التي تعبّا بها إلى الشام ، لمّا بلغه إرادة طلحة و الزبير الخروج إلى البصرة ،

يرجو أن يدركهم فيحول بينهم و بين الخروج ، فلقيه عبد اللّه بن سلام فأخذ بعنانه و قال : لا تخرج منها فو اللّه لئن خرجت منها لا ترجع إليها و لا يعود إليها سلطان المسلمين أبدا . فسبّوه ، فقال : دعوا الرجل ، فنعم الرجل من أصحاب محمّد ٣ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٢٩٦ ٢٩٧ .

 ( ٢ ) آل عمران : ٣٤ .

 ( ٣ ) تاريخ الطبريّ ٤ : ٤٥٥ ، سنة ٣٦ .

٤٤

٦

الخطبة ( ١٧٢ ) منها في ذكر أصحاب الجمل :

فَخَرَجُوا يَجُرُّونَ حُرْمَةَ ؟ رَسُولِ اَللَّهِ ص ؟ كَمَا تُجَرُّ اَلْأَمَةُ عِنْدَ شِرَائِهَا مُتَوَجِّهِينَ بِهَا إِلَى ؟ اَلْبَصْرَةِ ؟ فَحَبَسَا نِسَاءَهُمَا فِي بُيُوتِهِمَا وَ أَبْرَزَا حَبِيسَ ؟ رَسُولِ اَللَّهِ ص ؟ لَهُمَا وَ لِغَيْرِهِمَا فِي جَيْشٍ مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلاَّ وَ قَدْ أَعْطَانِي اَلطَّاعَةَ وَ سَمَحَ لِي بِالْبَيْعَةِ طَائِعاً غَيْرَ مُكْرَهٍ فَقَدِمُوا عَلَى عَامِلِي بِهَا وَ خُزَّانِ بَيْتِ مَالِ اَلْمُسْلِمِينَ وَ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِهَا فَقَتَلُوا طَائِفَةً صَبْراً وَ طَائِفَةً غَدْراً فَوَاللَّهِ لَوْ لَمْ يُصِيبُوا مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ إِلاَّ رَجُلاً وَاحِداً مُتَعَمِّدِينَ لِقَتْلِهِ بِلاَ جُرْمٍ جَرَّهُ لَحَلَّ لِي قَتْلُ ذَلِكَ اَلْجَيْشِ كُلِّهِ إِذْ حَضَرُوهُ فَلَمْ يُنْكِرُوا وَ لَمْ يَدْفَعُوا عَنْهُ بِلِسَانٍ وَ لاَ بِيَدٍ دَعْ مَا إِنَّهُمْ قَدْ قَتَلُوا مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ مِثْلَ اَلْعِدَّةِ اَلَّتِي دَخَلُوا بِهَا عَلَيْهِمْ و الخطبة ( ٢١٨ ) و من كلام له عليه السّلام في ذكر السائرين إلى البصرة لحربه عليه السّلام :

فَقَدِمُوا عَلَى عُمَّالِي بِهَا وَ خُزَّانِ بَيْتِ مَالِ اَلْمُسْلِمِينَ اَلَّذِي فِي يَدَيَّ وَ عَلَى أَهْلِ ؟ مِصْرٍ ؟ كُلُّهُمْ فِي طَاعَتِي وَ عَلَى بَيْعَتِي فَشَتَّتُوا كَلِمَتَهُمْ وَ أَفْسَدُوا عَلَيَّ جَمَاعَتَهُمْ وَ وَثَبُوا عَلَى شِيعَتِي فَقَتَلُوا طَاِئفَةً مِنْهُمْ غَدْراً وَ طَاِئفَةً مِنْهُمْ عَضُّوا عَلَى أَسْيَافِهِمْ فَضَارَبُوا بِهَا حَتَّى لَقُوا اَللَّهَ صَادِقِينَ أقول : قد ترى أن الثاني تكرار جزء من الأوّل ، و إنّما زيد فيه فقرات ، و الأصل فيهما كتاب كتبه عليه السّلام للناس ليقرأ عليهم لمّا سألوه عن الثلاثة بعد فتح معاوية لمصر ، رواه ( خلفاء ابن قتيبة ) و ( غارات إبراهيم الثقفي ) و ( رسائل

٤٥

الكليني ) و ( مسترشد ابن رستم الطبري ) .

ففي الأوّل : « فأوّل من بايعني طلحة و الزبير ، و لو أبيا ما أكرهتهما كما لم أكره غيرهما ، فما لبثا إلاّ يسيرا حتّى قيل لي قد خرجا متوجهين إلى البصرة في جيش ، ما منهم رجل إلاّ و قد أعطاني الطاعة و سمح لي بالبيعة ،

فقدما على عمّالي و خزّان بيت مالي و على أهل مصر كلّهم في طاعتي و على بيعتي ، فشتّتوا كلمتهم و أفسدوا جماعتهم ، ثم و ثبوا على شيعتي فقتلوا طائفة صبرا و طائفة غدرا .

و منهم طائفة غضبوا للّه فشهروا سيوفهم و ضربوا بها ، حتّى لقوا اللّه عزّ و جلّ صادقين ، و اللّه لو لم يصيبوا منهم إلاّ رجلا واحدا متعمّدين لقتله لحل لي بذلك قتل الجيش كلّه ، مع أنّهم قد قتلوا من المسلمين أكثر من العدّة التي دخلوا بها عليهم ، و قد أدال اللّه منهم فبعدا للقوم الظالمين ١ . و مثله الثاني ٢ .

و في الثالث : فأي خطيئة أعظم ممّا أتيا ؟ إخراجهما زوجة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من بيتها فكشفا عنها حجابا ستره اللّه عليها ، وصانا حلائلهما في بيوتهما إلى أن قال : ثمّ أتوا البصرة و أهلها مجتمعون على بيعتي و طاعتي ،

و بها شيعتي خزّان بيت مال اللّه و مال المسلمين إلى أن قال : و قتلوا شيعتي ،

طائفة صبرا و طائفة غدرا و طائفة عضوا بأسيافهم حتّى لقوا اللّه ، فو اللّه لو لم يقتلوا إلاّ رجلا و أحدا لحلّ لي به دماؤهم و دماء ذلك الجيش لرضائهم بقتل من قتل ، دع مع أنهم قد قتلوا أكثر من العدة التي قد دخلوا بها عليهم ، و قد أدال اللّه منهم فبعدا للقوم الظالمين .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الإمامة و السياسة ١ : ١٥٦ و الآية ٤١ من سورة المؤمنون .

 ( ٢ ) الغارات ١ : ٣١١ .

٤٦

فأما طلحة فرماه مروان بسهم فقتله . . . ١ و مثله الرابع ٢ .

قول المصنّف في الأوّل : « منها في ذكر أصحاب الجمل » قال ابن أبي الحديد : قال أبو مخنف : حدّثني الكلبي عن أبي صالح عن ابن عبّاس : أن الزبير و طلحة أغذّا السير بعايشة حتّى انتهوا إلى حفر أبي موسى قريب البصرة فكتبا إلى عثمان بن حنيف عامل عليّ عليه السّلام أن أخل لنا دار الامارة . فلمّا وصل كتابهما إليه ، بعث إلى الأحنف فقال له : إنّ هؤلاء القوم قدموا علينا و معهم زوجة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و النّاس إليها سراع .

فقال الأحنف انّهم جاؤوك بها للطلب بدم عثمان ، و هم الذين ألّبوا على عثمان النّاس و سفكوا دمه ، و أراهم و اللّه لا يزالونا حتّى يلقوا العداوة بيننا و يسفكوا دماءنا . و أظنهم و اللّه سيركبون منك خاصة ما لا قبل لك به إن لم تتأهب لهم بالنهوض إليهم فيمن معك من أهل البصرة ، فإنّك اليوم الوالي عليها و أنت فيهم مطاع ، فسر إليهم بالناس و بادرهم قبل أن يكونوا معك في دار واحدة ، فيكون النّاس لهم أطوع منك لك . فقال عثمان بن حنيف : الرأي ما رأيت لكني أكره أن أبدأهم و أرجو العافية و السلامة ، إلى أن يأتيني كتاب أمير المؤمنين عليه السّلام و رأيه فأعمل به .

ثم أتاه بعد الأحنف حكيم بن جبلة من بني عمرو بن وديعة فأقرأه كتاب طلحة و الزبير ، فقال له حكيم مثل قول الأحنف و أجابه بمثل جوابه للأحنف ، فقال له حكيم : فائذن لي حتّى أسير إليهم بالناس ، فإن دخلوا في طاعة أمير المؤمنين عليه السّلام و إلاّ فأنابذهم على سواء . فقال له : لو كان ذلك رأيي لسرت إليهم بنفسي .

ــــــــــــ

 ( ١ ) رسائل الكليني .

 ( ٢ ) مسترشد الطبريّ .

٤٧

قال حكيم : أما و اللّه إن دخلوا عليك هذا المصر لتنقلن قلوب كثير من النّاس إليهم ، و ليزيلنك عن مجلسك هذا و أنت أعلم . فأبى عليه عثمان ، و كتب عليّ عليه السّلام إلى عثمان لمّا بلغه مشارفة القوم البصرة : « إنّ البغاة عاهدوا اللّه ثم نكثوا و توجهوا إلى مصرك و ساقهم الشيطان لطلب ما لا يرضى اللّه به ، و اللّه أشد بأسا و أشد تنكيلا ، فان أقدموا عليك فادعهم إلى الطاعة و الرجوع إلى الوفاء بالعهد و الميثاق الذي فارقونا عليه ، فإن أجابوا فأحسن جوارهم ما داموا عندك ، و إن أبوا إلاّ التمسك بحبل النكث و الخلاف فناجزهم حتّى يحكم اللّه بينك و بينهم و هو خير الحاكمين . و كتبت إليك كتابي هذا من الربذة و أنا معجل المسير إليك إن شاء اللّه .

فلمّا وصل الكتاب إلى عثمان أرسل إلى أبي الأسود و عمران بن حصين الخزاعي فأمرهما أن يسيرا حتّى يأتياه بعلم القوم ، فانطلقا حتّى إذا أتيا حفر أبي موسى و به معسكر القوم ، فدخلا على عايشة فسألاها و وعظاها ، فقالت لهما : القيا طلحة و الزبير . فقاما من عندها و لقيا الزبير فكلّماه ، فقال لهما : إنّا جئنا للطلب بدم عثمان ، و ندعو النّاس إلى أن يردوا أمر الخلافة شورى ليختار النّاس لأنفسهم . فقالا له : إنّ عثمان لم يقتل بالبصرة ليطلب دمه فيها ، و أنت تعلم قتلة عثمان من هم و أين هم و إنّك و صاحبك و عايشة كنتم أشد النّاس عليه و أعظمهم إغراء بدمه ، فأقيدوا من أنفسكم .

و أمّا إعادة أمر الخلافة شورى ، فكيف و قد بايعتم عليّا عليه السّلام طائعين غير مكرهين ، و أنت لم تبعد العهد بقيامك دون هذا الرجل يوم مات النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ،

و أنت آخذ قائم سيفك تقول : ما أحد أحقّ بالخلافة منه و لا أولى بها منه ،

امتنعت من بيعة أبي بكر ، فأين ذلك الفعل من هذا القول ؟ فقال لهما : اذهبا فالقيا طلحة ، فقاما إلى طلحة فوجداه خشن اللمس شديد العريكة ، قوي العزم

٤٨

في إثارة الفتنة و اضرام نار الحرب . فانصرفا إلى عثمان بن حنيف فأخبراه .

و قال له أبو الأسود :

يابن حنيف قد أتيت فانفر

و طاعن القوم و اجلد و اصبر

و ابرز لهم مستلئما و شمّر

فقال ابن حنيف : أي و الحرمين لأفعلنّ . و أمر مناديه فنادى في النّاس :

السلاح السلاح . فاجتمعوا إليه .

و قال أبو الأسود :

أتينا الزبير فدانى الكلا

م و طلحة كالنجم أو أبعد

و أحسن قوليهما فادح

يضيق به الخطب مستنكد

و قد أوعدونا بجهد الوعي

د فأهون علينا بما أوعدوا

فقلنا ركضتم و لن ترملوا

و أصدرتم قبل أن توردوا

و إن تلقحوا الحرب بين الرجا

ل فملقحها حدّه الأنكد

و إنّ عليّا لكم مصحر

ألاّ إنّه الأسد الأسود

أما إنّه ثالث العابدي

ن بمكّة و اللّه لا يعبد

فرخّوا الخناق و لا تعجلوا

فإنّ غدا لكم موعد

و أقبل القوم ، فلمّا انتهوا إلى المربد ، قام رجل من بني جشم فقال : أيّها النّاس إن كان هؤلاء أتوكم خائفين لقد أتوكم من المكان الذي يأمن فيه الطير و الوحش و السباع ، و إن كانوا أتوكم بطلب دم عثمان فغير وليّ قتله فأطيعوني .

٤٩

أيّها النّاس ردّوهم من حيث أقبلوا ، فإنّكم إن لم تفعلوا لم تسلموا من الحرب الضروس و الفتنة الصماء التي لا تبقي و لا تذر . فحصبه ناس من أهل البصرة فأمسك ، و اجتمع أهل البصرة بالمربد حتّى ملؤوه مشاة و ركبانا ،

٥٠

فقام طلحة فأشار إلى النّاس بالسكوت ليخطب فسكتوا بعد جهد ، فقال : أما بعد ، فإن عثمان كان من أهل السابقة و الفضيلة ، و من المهاجرين الأوّلين الذين رضي اللّه عنهم و رضوا عنه ، و نزل القرآن ناطقا بفضلهم ، و أحد أئمّة المسلمين الوالين عليكم بعد أبي بكر و عمر صاحبي النّبيّ ، و قد كان أحدث أحداثا نقمناها عليه ، فأتيناه فاستعتبناه فأعتبنا ، فعدا عليه امرؤ ابتز هذه الامّة أمرها غصبا بغير رضى منها و لا مشورة ، فقتله و ساعده على ذلك قوم غير أتقياء و لا أبراء ، فقتل محرما بريئا تائبا . و قد جئناكم أيّها النّاس نطلب بدم عثمان ، و ندعوكم إلى الطلب بدمه ، فإن نحن أمكننا اللّه من قتلته قتلناهم به و جعلنا هذا الأمر شورى بين المسلمين ، و كانت خلافة رحمة للامّة جميعا ،

فإن كلّ من أخذ الأمر من غير رضى من العامة و لا مشورة منها ابتز . كان ملكه ملكا عضوضا و حدثا كبيرا .

ثمّ قام الزبير فتكلّم بمثل كلام طلحة ، فقام إليهما ناس من أهل البصرة ،

فقالوا لهما : ألم تبايعا عليّا فيمن بايعه ، ففيم بايعتما ثم نكثتما ؟ فقالا : ما بايعناه و لا لأحد في أعناقنا بيعة ، و إنّما استكرهنا على بيعته . فقال ناس : قد صدقا و أحسنا القول و قطعا بالصواب .

و قال ناس : ما صدقا و لا أصابا . حتّى ارتفعت الأصوات ، ثم أقبلت عايشة على جملها فنادت بصوت مرتفع : أيّها النّاس أقلّوا الكلام و اسكتوا .

فأسكت النّاس لها ، فقالت : إن أمير المؤمنين عثمان غيّر و بدّل ، ثم لم يزل يغسل ذلك بالتوبة حتى قتل مظلوما تائبا ، و إنّما نقموا عليه ضربه بالسوط و تأميره الشبّان و حمايته موضع الغمامة فقتلوه محرما ، في حرمة الشهر و حرمة البلد ذبحا كما يذبح الجمل . ألا و إن قريشا رمت غرضها بنبالها و أدمت أفواهها بأيديهما ، و ما نالت بقتلها إيّاه شيئا ، و لا سلك به سبيلا قاصدا .

٥١

أما و اللّه ليرونها بلايا عقيمة تنبه النائم و تقيم الجالس ، و ليسلّطنّ عليهم قوم لا يرحمونهم يسومونهم سوء العذاب .

أيّها النّاس ما بلغ من ذنب عثمان ما يستحلّ به دمه مصصتموه كما يماص الثوب الرخيص ، ثم عدوتم عليه قتلتموه بعد توبة و خروجه من ذنبه ،

و بايعتم ابن أبي طالب بغير مشورة من الجماعة ، ابتزازا و غصبا ، أتراني أغضب لكم من سوط عثمان و لسانه و لا أغضب لعثمان من سيوفكم ، ألا إنّ عثمان قتل مظلوما فاطلبوا قتلته ، فإذا ظفرتم بهم فاقتلوهم ، ثم اجعلوا الأمر شورى بين الرهط الذين اختارهم أمير المؤمنين عمر ، و لا يدخل فيهم من شرك في دم عثمان .

فماج النّاس و اختلطوا ، فمن قائل يقول : القول ما قالت . و من قائل يقول :

و ما هي و هذا الأمر ؟ إنّما هي امرأة مأمورة بلزوم بيتها . و ارتفعت الأصوات و كثر اللغط حتّى تضاربوا بالنعال و تراموا بالحصباء .

ثمّ إن النّاس تمايزوا فصاروا فريقين ، فريق مع عثمان بن حنيف ،

و فريق مع عايشة و أصحابها . فلمّا أقبل طلحة و الزبير من المربد يريدان ابن حنيف و جداه و أصحابه قد أخذوا بأفواه السكك ، فمضوا حتّى انتهوا إلى موضع الدبّاغين ، فاستقبلهم أصحاب ابن حنيف ، فشجرهم طلحة و الزبير و أصحابهما بالرماح ، فحمل عليهم حكيم بن جبلة فلم يزل و أصحابه يقاتلونهم حتّى أخرجوهم من جميع السكك ، و رماهم النساء من فوق البيوت بالحجارة ، فأخذوا إلى مقبرة بني مازن فوقفوا بها مليّا حتّى ثابت إليهم خيلهم ، ثم أخذوا على مسناة البصرة حتّى انتهوا إلى الرابوقة ، ثم أتو سبخة دار الرزق فنزلوها ، و أتاهما عبد اللّه بن حكيم التهمي لمّا نزلا السبخة بكتب كانا كتباها إليه ، فقال لطلحة : أما هذه كتبك إلينا ؟ قال بلى . قال : فكتبت أمس

٥٢

تدعونا إلى خلع عثمان و قتله ، حتّى إذا قتلته أتيتنا ثائرا بدمه ، فلعمري ما هذا رأيك، لا تريد إلاّ هذه الدّنيا ، مهلا إذا كان هذا رأيك فلم قبلت من عليّ عليه السّلام ما عرض عليك من البيعة فبايعته طائعا راضيا ثم نكثت بيعته ، ثم جئت لتدخلنا في فتنتك ؟ فقال : إن عليّا دعاني إلى بيعته بعد ما بايعه النّاس ، فعلمت أنّي لو لم أقبل ما عرضه عليّ لم يتم لي ، ثم يغرى بي من معه .

ثم أصبحا من غد فصفّا للحرب ، و خرج ابن حنيف إليهما فناشدهما اللّه و الإسلام و أذكرهما بيعتهما عليّا عليه السّلام ، فقالا : نحن نطلب بدم عثمان . فقال لهما : و ما أنتما و ذاك ، أين بنو عمّه الذين هم أحقّ به منكم ؟ كلا و اللّه و لكنّكما حسدتماه حيث اجتمع النّاس عليه ، و كنتما ترجوان هذا الأمر و تعملان له ،

و هل كان أحد أشد على عثمان قولا منكما ؟ فشتماه شتما قبيحا و ذكرا امّه .

فقال للزبير : أما و اللّه لو لا صفية و مكانها من النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فانّها أدنتك إلى الظل ، و إن الأمر بيني و بينك يا بن صعبة يعني طلحة أعظم من القول ،

لأعلمنكما من أمركما ما يسوؤكما ، اللهمّ إني قد أعذرت إلى هذين الرجلين . ثم حمل عليهم و اقتتل النّاس قتالا شديدا ، ثم تحاجزوا و اصطلحوا على أن يكتب بينهم كتاب صلح فكتب : هذا ما اصطلح عليه ابن حنيف و من معه من شيعة أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام و طلحة و الزبير و من معهما من المسلمين من شيعتهما ، إن لابن حنيف دار الامارة و الرحبة و المسجد و بيت المال و المنبر ،

و إن لطلحة و الزبير و من معهما أن ينزلوا حيث شاؤوا من البصرة ، لا يضار بعضهم بعضا في طريق و لا فرضة و لا سوق و لا شريعة و لا مرفق حتّى يقدم أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام ، فإن أحبوا دخلوا فيما دخلت فيه الامّة ، و إن أحبوا لحق كل قوم بهواهم من قتال و سلم و خروج و إقامة . و على الفريقين بما كتبوا

٥٣

عهد اللّه و ميثاقه و أشد ما أخذ اللّه على نبي من أنبيائه من عهد و ذمة .

و ختم الكتاب ، و رجع ابن حنيف حتّى دخل دار الامارة و قال لأصحابه :

الحقوا رحمكم اللّه بأهلكم وضعوا سلاحكم و داووا جرحاكم . فمكثوا كذلك أيّاما.

ثم انّ طلحة و الزبير قالا : إن قدم عليّ و نحن على هذه الحال من القلّة و الضعف بأعناقنا . فأجمعا على مراسلة القبائل و استمالة العرب ، فأرسلا إلى وجوه النّاس و أهل الرياسة و الشرف يدعونهم إلى الطلب بدم عثمان و خلع عليّ عليه السّلام و إخراج ابن حنيف من البصرة ، فبايعهم على ذلك الأزد و ضبة و قيس عيلان كلّها ، إلاّ الرجل و الرجلين في القبيلة كرهوا أمرهم فتواروا عنهم .

و أرسلوا إلى هلال بن وكيع التميمي فلم يأتهم ، فجاءه طلحة و الزبير إلى داره فتوارى عنهما ، فقالت له امّه : ما رأيت مثلك ، أتاك شيخا قريش فتواريت عنهما فلم تزل به حتّى ظهر لهما و بايعهما ، و معه بنو عمرو بن تميم كلّهم و بنو حنظلة ، إلاّ بني يربوع فإنّ عامّتهم كانوا شيعة لعليّ عليه السّلام ، و بايعهم بنو دارم كلّهم إلاّ نفرا من بني مجاشع ذوي دين و فضل . فلمّا استوسق لطلحة و الزبير أمرهما ، خرجا في ليلة مظلمة ذات ريح و مطر و معهما أصحابهما قد ألبسوهم الدروع و ظاهروا فوقها بالثياب، فانتهوا إلى المسجد وقت صلاة الفجر و قد سبقهم ابن حنيف و اقيمت الصلاة، فتقدّم ابن حنيف ليصلّي بهم فأخّره أصحاب طلحة و الزبير و قدموا الزبير ، فجاءت السبابجة ، و هم الشرط حرس بين المال فأخّروا الزبير و قدموا ابن حنيف ، فغلبهم أصحاب الزبير فقدّموه .

إلى أن قال : فلمّا انصرف الزبير من صلاته صاح بأصحابه المتسلحين أن خذوا ابن حنيف . فأخذوه بعد أن تضارب هو و مروان بسيفيهما ، فلمّا اسر ضرب ضرب الموت، و نتف حاجباه و أشفار عينيه و كل

٥٤

شعره في رأسه و وجهه و أخذوا السبابجة و هم سبعون رجلا فانطلقوا بهم و بابن حنيف إلى عايشة ، فقالت لأبان بن عثمان : اخرج إليه فاضرب عنقه ، فإن الأنصار قتلت أباك و أعانت على قتله . فنادى عثمان : يا عايشة و يا طلحة و يا زبير إنّ أخي سهل بن حنيف خليفة عليّ بن أبي طالب على المدينة ، و أقسم باللّه إن قتلتموني ليضعن السيف في بني أبيكم و أهليكم و رهطكم فلا يبقي منكم أحدا . فكفّوا عنه و خافوا أن يوقع سهل بعيالاتهم و أهاليهم بالمدينة ،

فتركوه . و أرسلت عايشة إلى الزبير أن اقتل السبابجة ، فإنّه قد بلغني الذي صنعوا بك ، فذبحهم الزبير و اللّه كما يذبح الغنم ، ولي ذلك ابنه عبد اللّه و هم سبعون رجلا و بقيت منهم طائفة متمسكين ببيت المال ، و قالوا : لا ندفعه إليكم حتّى يقدم أمير المؤمنين عليه السّلام ، فسار إليهم الزبير في جيش ليلا فأوقع بهم ، و أخذ منهم خمسين أسيرا فقتلهم صبرا .

و حدّثنا الصقعب قال : كانت السبابجة القتلى يومئذ أربعمائة رجل ،

فكان غدر طلحة و الزبير بابن حنيف أوّل غدر كان في الإسلام . و كان السبابجة أوّل قوم ضربت أعناقهم من المسلمين صبرا ، و خيّروا ابن حنيف بين أن يقيم أو يلحق بعليّ ، فاختار الرحيل ، فخلوا سبيله فلحق بعلي عليه السّلام ، فلمّا رآه بكى و قال له : فارقتك شيخا و جئتك أمرد . فقال عليّ عليه السّلام : إنّا للّه و إنّا إليه راجعون ثلاثا .

فلمّا بلغ حكيم بن جبلة ما صنع القوم بعثمان بن حنيف ، خرج في ثلاثمائة من عبد القيس مخالفا لهم و منابذا ، فخرجوا إليه و حملوا عايشة على جمل ، فسمّي ذلك اليوم يوم الجمل الأصغر ، و يوم عليّ عليه السّلام يوم الجمل الأكبر ، و تجالد الفريقان بالسيوف ، فشدّ رجل من الأزد من عسكر عايشة على حكيم بن جبلة فضرب رجله فقطعها ، و وقع الأزدي عن فرسه فجثا حكيم

٥٥

فأخذ رجله فرمى بها الأزدي فصرعه ، ثم دب إليه فقتله متكئا عليه حتّى زهقت نفسه ، فمر رجل بحكيم و هو يجود بنفسه فقال : من فعل بك كذا ، قال : و سادي ،

فنظر فإذا الأزدي تحته .

و كان حكيم شجاعا مذكورا ، و قتل مع حكيم إخوة له ثلاثة ، و قتل أصحابه كلّهم و هم ثلاثمائة من عبد القيس و القليل منهم من بكر بن وائل ، فلمّا صفت البصرة لطلحة و الزبير بعد قتل حكيم و أصحابه و طرد ابن حنيف ،

اختلفا في الصلاة و أراد كلّ واحد منهما أن يؤم بالناس ، و خاف أن تكون صلاته خلف صاحبه تسليما أو رضى بتقدمه ، فأصلحت بينهما عايشة بأن جعلت عبد اللّه بن الزبير و محمّد بن طلحة يصلّيان بالنّاس هذا يوما و هذا يوما .

ثم دخلا بيت مال البصرة ، فلمّا رأوا ما فيه من الأموال قال الزبير : وعدكم اللّه مغانم كثيرة تأخذونها فعجّل لكم هذه . . . ١ ، فنحن أحقّ بها من أهل البصرة .

فأخذوا ذلك المال ، فلمّا غلب عليّ عليه السّلام رد تلك الأموال إلى بيت المال و قسّمها في المسلمين ٢ .

قلت : و روى قريبا منه مع زيادة و نقصان المفيد في ( جملة ) عن أبي مخنف و ابن دأب و الواقدي و المدائني ٣ .

و قال ابن أبي الحديد أيضا : كان القسم بن محمّد بن يحيى بن طلحة الملقّب أبا بعرة ولى شرطة الكوفة لعيسى بن موسى العبّاسي ، و كان كلّم إسماعيل بن جعفر الصادق بكلام خرجا فيه إلى المنافرة ، فقال القسم : لم يزل فضلنا و إحساننا سابغا عليكم يا بني هاشم خاصّة و على بني عبد مناف كافّة .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الفتح : ٢٠ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٣١١ ٣٢٣ ، و النقل بتصرّف و تلخيص .

 ( ٣ ) الجمل للمفيد : ٢٧٣ ٢٨٦ .

٥٦

فقال إسماعيل : أي فضل و إحسان أسديتموه إلى بني عبد مناف ؟ أغضب أبوك جدّي بقوله : « ليموتن محمّد و لنجولن بين خلاخيل نسائه كما جال بين خلاخيل نسائنا » فأنزل اللّه تعالى مراغمة لأبيك : و ما كان لكم أن تؤذوا رسول اللّه و لا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا ١ ، و منع ابن عمّك امّي حقّها من فدك و غيرها من ميراث أبيها ، و أجلب أبوك على عثمان و حصره حتّى قتل ،

و نكث بيعة عليّ عليه السّلام و شام السيف في وجهه ، و أفسد قلوب المسلمين عليه، فإن كان لبني عبد مناف قوم غير هؤلاء أسديتم إليهم إحسانا فعرّفني من هم جعلت فداك ٢ .

قلت : و في ( تاريخ بغداد ) : دخل أبو بكر بن عيّاش على موسى بن عيسى و هو على الكوفة و عنده عبد اللّه بن مصعب الزبيري ، فأدناه و دعا له بتكاء فاتكأ و بسط رجله ، فقال عبد اللّه بن مصعب لموسى : من هذا الذي دخل و لم نستأذن له ثم اتكأته و بسطته ؟ قال : هذا فقيه الفقهاء ، و الرأس عند أهل البصرة ، أبو بكر بن عيّاش . فقال : فلا كثير و لا طيب و لا مستحق لكل ما فعلته به .

فقال ابن عيّاش : أيّها الأمير من هذا الذي سأل عنّي بجهل ثم تتابع في جهله بسوء قول و فعل ؟ فنسبه له ، فقال له ابن عيّاش : اسكت مسكتا ، فبأبيك غدر ببيعتنا ، و بقول الزور خرجت امّنا ، و بابنه هدّمت كعبتنا ، و بك أخرى ان يخرج الدجال فينا .

فضحك موسى حتّى فحص برجله ، و قال للزبيري : أنا و اللّه أعلم أنّه يحوط أهلك و أباك و يتولاّه و لكنّك مشؤوم على آبائك ٣ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأحزاب : ٥٣ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٣٢٣ ٣٢٤ .

 ( ٣ ) تاريخ بغداد ١٤ : ٣٧٥ ٣٧٦ .

٥٧

قوله عليه السّلام في الأوّل : « فخرجوا يجرّون حرمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كما تجرّ الأمة عند شرائها ، متوجهين بها إلى البصرة فحبسا نساءهما في بيوتهما و أبرزا حبيس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لهما و لغيرهما » في ( الطبري ) : أقبل جارية بن قدامة السعدي إلى عايشة يوم الجمل فقال لها : لقتل عثمان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح ، إنّه قد كان لك من اللّه ستر و حرمة فهتكت سترك و أبحت حرمتك ، إنّه من رأى قتالك يرى قتلك ، إن كنت أتيتنا طائعة فارجعي إلى منزلك ، و إن كنت أتيتنا مستكرهة فاستعيني بالناس .

و خرج غلام شاب من بني سعد إلى طلحة و الزبير و قال : أمّا أنت يا زبير فحواري النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ، و أما أنت يا طلحة فوقيت النّبيّ بيدك ، و أرى امّكما معكما فهل جئتما بنسائكما ؟ قالا : لا ، قال : فما أنا منكما في شي‏ء ، و اعتزل و قال :

صنتم حلائلكم و قد تم امّكم

هذا لعمرك قلّة الإنصاف

أمرت بجز ذيولها في بيتها

فهوت تشق البيد بالايجاف

غرضا يقاتل دونها أبناؤها

بالنبل و الخطّيّ و الأسياف

هتكت بطلحة و الزبير ستورها

هذا المخبر عنهم و الكافي ١

هذا ، و في ( الأغاني ) : كانت بالمدينة قينة لآل نفيس يقال لها بصيص ،

و كان مولاها صاحب قصر نفيس الذي يقول فيه الشاعر :

شاقني الزائرات قصر نفيس

مثقلات الأعجاز قبّ البطون

و كان تأتيها فتيان من قريش فيستمعون منها ، و يأتيها عبد اللّه بن مصعب بن ثابت بن عبد اللّه بن الزبير ، و حجّ المنصور و مر بالمدينة في منصرفه ، فقال عبد اللّه بن مصعب :

أ راحل أنت أبا جعفر

من قبل أن تسمع من بصبصا

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٤٦٥ ، سنة ٣٦ .

٥٨

هيهات أن تسمع منها إذا

جاوزت العيس بك الأعوصا

فخذ عليها مجلسي لذّة

و مجلسا من قبل أن تشخصا

أحلف باللّه يمينا و من

يحلف باللّه فقد أخلصا

لو أنّها تدعو إلى بيعة

بايعتها ثمّ شققت العصا

فبلغ ذلك المنصور فغضب ، و دعا به و قال له : أمّا إنّكم يا آل الزبير قديما قادتكم النساء و شققتم معهنّ العصا حتّى صرت أنت آخر الحمقى تبايع المغنّيات ، فدونكم آل الزبير و هذا المرتع الوخيم ١ .

« في جيش ما منهم رجل إلاّ و قد أعطاني الطاعة و سمح » أي : جاد .

« لي بالبيعة طائعا غير مكره » حتّى مروان بن الحكم ، و جيشهما و إن كان مقدار منهم من مكّة و مقدار منهم من البصرة ، و هم لم يحضروا بيعته عليه السّلام ،

إلاّ أنّ عمّاله عليه السّلام كانوا أخذوا منهم البيعة .

قوله عليه السّلام في الأوّل : « فقدموا على عاملي بها و خزّان بيت مال المسلمين و غيرهم من أهلها » و في الثاني : « فقدموا على عمّالي و خزّان بيت مال المسلمين الذي في يدي و على أهل مصر كلّهم في طاعتي و على بيعتي » في ( فتوح البلاذري ) :

كانت جماعة من السبابجة موكلين بيت مال البصرة ، يقال إنّهم أربعون ،

و يقال أربعمائة ، فلمّا قدم طلحة و الزبير البصرة و عليها من قبل عليّ عليه السّلام عثمان بن حنيف ، فأبوا أن يسلموا بيت المال إلى قدوم عليّ عليه السّلام ، فأتوهم في السحر فقتلوهم ، و كان عبد اللّه بن الزبير المتولّي لأمرهم في جماعة تسرعوا إليهم معه ، و كان على السبابجة يومئذ أبو سالمة الزطي و كان رجلا صالحا ٢ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأغاني ١٥ : ٢٨ ٢٩ .

 ( ٢ ) فتوح البلدان : ٣٦٩ في ذكر أمر الأساوة و الزط .

٥٩

و قد عرفت من رواية أبي مخنف أنّ قتل ابن الزبير كان بطلب امّ مؤمنيهم ذلك .

هذا ، و في ( الصحاح ) : السبابجة قوم من السند كانوا بالبصرة جلاوزة و حرّاس السجن ١ .

و هو كما ترى فإنهم كانوا خزّان بيت المال لا حرّاس السجن .

قوله عليه السّلام فيه : « فشتّتوا كلمتهم و أفسدوا عليّ جماعتهم ، و وثبوا على شيعتي فقتلوا طائفة منهم غدرا » و في الأوّل : « فقتلوا طائفة صبرا و طائفة غدرا » أمّا الذين قتلوا غدرا فهم على رواية أبي مخنف المتقدّمة السبعون من السبابجة ،

كانوا نصروا ابن حنيف فغدروا بهم في غدرهم بابن حنيف ، فذبحهم ابن الزبير من قبل أبيه بطلب امّهم كما يذبح الغنم ، و أمّا الذين قتلوهم صبرا فهم الذين أبوا تسليم بيت المال و هم خمسون في قول و أربعمائة في آخر .

و مرّ خبر أبي مخنف في أن غدر طلحة و الزبير كان أوّل غدر في الإسلام ، و قتل أولئك صبرا أول قتل في الإسلام صبرا .

قلت : و غدرهم كان مترتبا على أوّل غدر في الإسلام ، و هو غدرهم بصاحب الغدير ، و قد أخبره النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بذلك في قوله : إنّ الامّة ستغدر بك بعدي.

قول المصنّف في الثاني : « و من كلام له » هكذا في ( المصرية ) ٢ و ( ابن أبي الحديد ) ٣ ، و لكن في ( ابن ميثم ) : « و من هذا الكلام » ٤ و في ( الخطيّة ) :

« و منه » .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الصحاح ١ : ٣٢١ ، مادة : ( سبج ) .

 ( ٢ ) نهج البلاغة ٢ : ٢٢٨ .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ١٢١ .

 ( ٤ ) في شرح ابن ميثم ٤ : ٥٠ : و من كلام له عليه السّلام أيضا .

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617