• البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 76149 / تحميل: 3387
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 10

مؤلف:
العربية

أهل الشام أصحابه إلى حكم القرآن ، ففي ( صفين نصر ) ١ : لما رفع أهل الشام المصاحف يدعون إلى حكم القرآن ، قال عليّ عليه السّلام عباد اللّه أنا أحقّ من أجاب إلى كتاب اللّه ، و لكنّ معاوية و عمرو بن العاص و ابن أبي معيط و حبيب بن مسلمة و ابن أبي سرح ليسوا بأصحاب دين و لا قرآن ، إنّي أعرف بهم منكم ،

صحبتهم أطفالا و صحبتهم رجالا ، فكانوا شرّ أطفال و شرّ رجال ، إنّها كلمة حق يراد بها باطل ، إنّهم و اللّه ما رفعوها لكم إلاّ خديعة و مكيدة ، أعيروني سواعدكم و جماجمكم ساعة واحدة ف ، قد بلغ الحق مقطعه و لم يبق إلاّ أن يقطع دابر الذين ظلموا . فجاءته زهاء عشرين ألفا مقنعين في الحديد ، شاكي السلاح ، سيوفهم على عواتقهم ، و قد أسودت وجوههم من السجود ، فنادوه باسمه : أجب القوم إلى كتاب اللّه إذا دعيت إليه ، و إلاّ قتلناك كما قتلنا ابن عفان .

هذا ، و في ( كامل المبرد ) ٢ : خطب الحجاج ، فلمّا توسّط كلامه سمع تكبيرا عاليا من ناحية السوق ، فقطع خطبته ثمّ قال : يا أهل العراق ، يا أهل الشقاق ، يا بني اللكيعة، و عبيد العصا ، و بني الإماء ، إنّي لأسمع تكبيرا ما يراد به اللّه ، و إنّما يراد به الشيطان.

هذا ، و قالوا : إنّ علي بن هارون المنجم كانت له جارية صفراء و كان معجبا بها ، فصار مريضا فراجع الطبيب ، فقال له : غلبك الصّفراء . فقال :

جسّ الطبيب يدي و قال مخبّرا :

هذا الفتى أودت به الصفراء

فعجبت منه اذ أصاب و ما درى قولا و ظاهر ما أراد خطاء و قريب منه قول الوزير المهلبي :

و قالوا للطبيب : أشر فإنّا

نعدّك للعظيم من الامور

ــــــــــــ

( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٤٨٩ .

( ٢ ) الكامل للمبرد ١ : ٢٢٢ .

٤٠١

فقال : شفاؤه الرمّان مما

تضمّنه حشاه من السعير

فقلت لهم : أصاب بغير قصد

و لكن ذاك رمان الصدور

« نعم إنّه لا حكم إلاّ للّه » فهو كلمة حق ، و كلام صدق .

« و لكن هؤلاء يقولون : لا إمرة إلاّ للّه » لم أقف على من روى أنّه عليه السّلام قال: إنّ الخوارج أرادوا بقولهم : « لا حكم إلاّ للّه » : « لا إمرة إلاّ للّه » سوى المبرّد في ( كامله ) ١ مرفوعا ، و تبعه ابن عبد ربه في ( عقده ) ، فقال الأوّل : لما سمع عليّ عليه السّلام نداءهم : لا حكم إلاّ للّه . قال : كلمة عادلة يراد بها جور ، إنّما يقولون : لا إمارة ، و لا بدّ من إمارة برّة أو فاجرة .

و قال الثاني : لمّا سمع عليّ عليه السّلام نداءهم قال : كلمة حق يراد بها باطل ،

و إنّما مذهبهم ألاّ يكون أمير ، و لا بدّ من أمير ، برّا كان أو فاجرا .

و مرّ أيضا عن البلاذري .

و الذي رواه غيرهم و معلوم بالدراية أنّهم أرادوا بقولهم : « لا حكم إلاّ للّه » عدم صحّة حكمية أبي موسى و عمرو بن العاص ، لا عدم إمارة أمير ، ففي ( المروج ) ٢ قال يحيى بن معين : حدّثنا وهب بن جابر ، عن الصلت بن بهرام قال : لما قدم عليّ عليه السّلام الكوفة جعلت الحرورية تناديه و هو على المنبر : جزعت من البلية ، و رضيت بالقضية ، و قبلت الدنية ، لا حكم إلاّ للّه . فيقول عليه السّلام : « حكم اللّه أنتظر فيكم » . فيقولون : و لقد اوحي إليك و إلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك و لتكونن من الخاسرين ٣ .

و في ( صفين نصر ) ٤ عن شقيق بن سلمة : أنّ الأشعث خرج في الناس

ــــــــــــ

( ١ ) الكامل للمبرد ٢ : ١٧٢ .

( ٢ ) مروج الذهب ٢ : ٤٠٦ .

( ٣ ) الزمر : ٦٥ .

( ٤ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٥١٢ .

٤٠٢

بكتاب الصلح يعرضه على الناس ، و يمرّ به على صفوف أهل الشام فرضوا به ، ثم مرّ به على صفوف أهل العراق و راياتهم ، حتى مرّ برايات عنزة و كان معه عليه السّلام منهم بصفّين أربعة آلاف مجفف فلمّا مرّ بهم الأشعث فقرأه عليهم ،

قال فتيان منهم : لا حكم إلاّ للّه . ثم حملا على أهل الشام بسيوفهما حتى قتلا على باب رواق معاوية ، و هما أوّل من حكم ، و كانا أخوين ، ثم مرّ الأشعث بالصحيفة على مراد ، فقال صالح بن شقيق و كان من رؤسائهم :

ما لعليّ في الدماء قد حكم

لو قاتل الأحزاب يوما ما ظلم

لا حكم إلاّ للّه و لو كره المشركون . ثم مرّ على رايات بني راسب فقرأها عليهم ، فقالوا : لا حكم إلاّ للّه ، لا نرضى و لا نحكّم الرجال في دين اللّه . ثم مرّ على رايات بني تميم فقرأها عليهم ، فقال رجل منهم : لا حكم إلاّ للّه ، تقضي بالحق و أنت خير الفاصلين . و خرج عروة بن أديه أخو مرداس ، فقال : أتحكّمون الرجال في أمر اللّه ، لا حكم إلاّ للّه ، فأين قتلانا يا أشعث ؟ ثم شدّ بسيفه ليضرب به الأشعث فأخطأه ، فانطلق إلى عليّ عليه السّلام فقال له : قد عرضت الحكومة عليهم فقالوا جميعا : قد رضينا ، حتى مررت برايات بني راسب ، و نبذ سواهم ، قالوا :

لا نرضى إلاّ حكم اللّه . قال : دعهم . فما راعه إلاّ نداء الناس من كلّ جهة : لا حكم إلاّ للّه لا لك يا عليّ ، لا نرضى بأن يحكم الرجال في دين اللّه ، إنّ اللّه قد أمضى حكمه في معاوية و أصحابه : أن يقتلوا أو يدخلوا في حكمنا عليهم ، و قد كانت زلّة منّا حين رضينا بالحكمين ، فرجعنا و تبنا ، فارجع أنت كما رجعنا ، و إلاّ برئنا منك . فقال عليه السّلام : و يحكم أبعد الرضا و العهد نرجع ؟ أو ليس اللّه تعالى قال : أوفوا بالعقود ١ ، و قال : و أوفوا بعهد اللّه إذا عاهدتم و لا تنقضوا

ــــــــــــ

( ١ ) المائدة : ١ .

٤٠٣

الايمان بعد توكيدها و قد جعلتم اللّه عليكم كفيلا إنّ اللّه يعلم ما تفعلون ١ .

فأبى عليّ عليه السّلام أن يرجع ، و أبت الخوارج إلاّ تضليل التحكيم .

مع أنّ نصب الناس أميرا لهم أمر فطري للبشر لا ينكره أحد : مبتدع و غيره ، و كيف ، و الخوارج أنفسهم من أوّلهم إلى آخرهم كانوا يجعلون امراء لأنفسهم حتى يجمع كلمتهم ؟

ففي ( الطبري ) ٢ : أنّ عليّا لما بعث أبا موسى لإنفاذ الحكومة ، لقيت الخوارج بعضها بعضا ، فقال عبد اللّه بن وهب الراسبي : اخرجوا بنا من هذه القرية الظالم أهلها ٣ . فقال حمزة بن سنان الأسدي : الرأي ما رأيتم ، فولوا أمركم رجلا منكم ، فإنّه لا بدّ لكم من عماد و سناد و راية تحفون بها ، فبايعوا عبد اللّه بن وهب و سار إلى النهروان ، فقالوا : إن هلك ولّينا الأمر زيد بن حصين أو حرقوص بن زهير . و أمّا خوارج البصرة فاجتمعوا في خمسمائة رجل ، و جعلوا عليهم مسعر بن فدكي التميمي ، و أقبل يعترض الناس و على مقدمته الأشرس بن عوف الشيباني حتى لحق عبد اللّه بالنهر .

« و إنّه لا بد للناس من أمير برّ أو فاجر ، يعمل في إمرته المؤمن و يستمتع فيها الكافر و يبلغ اللّه فيها الأجل و يجمع به الفي‏ء و يقاتل به العدو و تأمن به السبيل و يؤخذ به للضعيف من القوي » هذا كلام في نفسه صحيح ، و كيف لا ، و به قوام الدنيا و نظام العالم و مقتضى الحكمة ؟ فلعلّه عليه السّلام كان هذا الكلام منه عليه السّلام ، مع كلامه في الخوارج مذكورين في كتاب متواليين ، فحصل الخلط بينهما ،

و الأصل في الخلط المتقدم ، و تبعه من تأخّر ، و يستأنس لكونهما غير

ــــــــــــ

( ١ ) النحل : ٩١ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٥ : ٧٤ .

( ٣ ) النساء : ٧٥ .

٤٠٤

مربوطين قوله في الرواية الثانية : « إنّه عليه السّلام لما سمع تحكيمهم قال : حكم اللّه أنتظر فيكم . و قال : إمّا الإمرة البرّة فيعمل فيها التقي . . . » .

و كيف كان ، ففي ( صفين نصر ) ١ قال عليّ عليه السّلام لنرسا الذي أسند أهل السواد أمرهم إليه : أخبرني عن ملوك فارس ، كم كانوا ؟ قال : كانت ملوكهم في هذه المملكة الأخيرة اثنين و ثلاثين ملكا . قال : فكيف كانت سيرتهم ؟ قال : ما زلت سيرتهم في عظم أمرهم واحدة حتى ملكنا كسرى بن هرمز ، فاستأثر بالمال و الأعمال ، و خالف أولينا ، و أخرب الذي للناس و عمر الذي له ، و استخفّ بالناس فأوغر نفوس فارس حتى ثاروا إليه فقتلوه . فقال عليه السّلام : يا نرسا إنّ اللّه تعالى خلق الخلق بالحق و لا يرضى من أحد إلاّ بالحق ، و في سلطان اللّه تذكرة مما خول اللّه ، و إنّها لا تقوم مملكة إلاّ بتدبير ، و لا بد من امارة . . . .

و عنه عليه السّلام : أسد خطوم خير من سلطان ظلوم ، و سلطان ظلوم خير من فتن تدوم .

و عن الصادق عليه السّلام في قصة إبراهيم عليه السّلام : لما خرج سائرا بجميع ما معه خرج الملك القبطي يمشي خلف إبراهيم عليه السّلام اعظاما له ، فأوحى اللّه تعالى:

ألاّ تمش قدام الجبار المتسلّط و امش خلفه ، و عظّمه و هيّبه ، و لا بد للناس من إمرة في الأرض ، برّة أو فاجرة .

و عن ابن مقفع : السلطان و ما للناس من كثرة المنافع و كثرة المضار ،

كالشمس في النهار ، و فساد الرعية بلا سلطان ، كفاسد الجسم بلا روح .

و قال الافوه الأودي :

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم

و لا سراة إذا جهّالهم سادوا

تهد الامور بأهل الرأي ما صلحت

فان تولت فبالأشرار تنقاد

ــــــــــــ

( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ١٤ .

٤٠٥

و البيت لا يبتني إلاّ له عمد

و لا عماد إذا لم ترش أوتاد

فإن تجمع أوتاد و أعمدة

فقد بلغوا الأمر الذي كادوا

هذا ، و في ( المروج ) ١ عن يحيى بن أكثم : دخل بعض الصوفية على المأمون فقال له : هذا المجلس الذي قد جلسته : أ باجتماع من المسلمين عليك ،

أم بالمغالبة لهم بسلطانك ؟ قال : لا بأحدهما ، و إنّما كان يتولى أمر المسلمين سلطان قبلي أحمده المسلمون ، إمّا على رضا و إمّا على كره ، فعقد لي و لآخر معي ولاية هذا الأمر بعده في أعناق من حضر ، فأعطوا ذلك إمّا طائعين أو كارهين ، فمضى الذي عقد له معي ، فلما صار إلي علمت أنّي أحتاج إلى اجتماع كلمة المسلمين في مشارق الأرض و مغاربها على الرضا ، ثم نظرت فرأيت أنّي متى تخلّيت عن المسلمين ، اضطرب حبل الاسلام و انتقضت أطرافه ،

و غلب الهرج و الفتنة و وقع التنازع ، فتعطلت أحكام اللّه سبحانه ، و لم يحجّ أحد بيته و لم يجاهد في سبيله و لم يكن له سلطان يجمعهم و يسوسهم ، و انقطعت السبل و لم يؤخذ لمظلوم من ظالم ، فقمت بهذا الأمر حياطة للمسلمين و مجاهدا لعدوّهم ، و ضابطا لسبلهم ، و آخذا على أيديهم إلى أن يجتمع المسلمون على رجل ، تتفق كلمتهم عليه على الرضا به فاسلّم الأمر إليه و أكون كرجل من المسلمين ، و أنت أيها الرجل رسولي إلى جماعة المسلمين ،

فمتى اجتمعوا على رجل و رضوا به خرجت إليه من هذا الأمر . فقال ذاك الرجل : السلام عليكم . و قام فذهب ، فبعث المأمون في أثره فانتهى الرسول إلى مسجد فيه خمسة عشر رجلا مثله ، فقالوا له : لقيته ؟ قال : نعم ، ذكر أنّه ناظر في امور المسلمين إلى أن تأمن سبلهم و لا يعطل الأحكام ، فإذا رضي المسلمون برجل يسلم الأمر إليه . فقالوا : ما نرى بهذا بأسا . فقال المأمون :

كفينا مؤنتهم بأيسر الخطب .

ــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب ٤ : ١٩ ٢٠ .

٤٠٦

« حتى يستريح بر » عن المدائني : قدم قادم على معاوية فقال له : من مغربة خبر ؟ قال : نعم ، نزلت بماء من مياه الأعراب ، فبينا أنا عليه إذ أورد أعرابي إبله ، فلمّا شربت ضرب على جنوبها و قال : عليك زيادا . فقلت له : ما أردت بهذا ؟ قال : هي سدى ما قام لي بها راع مذ ولى زياد .

« و يستراح من فاجر » عن الشعبي ١ : قال الحجاج : دلّوني على رجل للشرط : دائم العبوس ، طويل الجلوس ، سمين الأمانة ، أعجف الخيانة ، لا يحنق في الحق على جره ، يهون عليه سبال الأشراف في الشفاعة . فقيل له : عليك بعبد الرحمن بن عبيد التميمي . فأرسل إليه فقال له : لست أقبلها إلاّ أن تكفيني ولدك و حاشيتك . قال : يا غلام ناد في الناس : من طلب إليه من لدي و حاشيتي حاجة فقد برئت منه الذمة . قال الشعبي : فو اللّه ما رأيت صاحب شرطة قطّ مثله ، كان لا يحبس إلاّ في دين ، و كان إذا اتى برجل قد نقب على قوم وضع منقبة في بطنه حتى يخرج من ظهره ، و إذا اتي بنبّاش حفر له قبرا فدفنه فيه ،

و إذا اتي برجل قاتل بحديدة أو شهر سلاحا قطع يده ، و إذا اتي برجل قد أحرق على قوم منزلهم أحرقه ، و إذا اتي برجل يشكّ فيه ضربه ثلاثمائة سوط . قال الشعبي : فكان ربما أقام اربعين ليلة لا يؤتى باحد ، فضمّ إليه الحجاج شرطة البصرة مع شرطة الكوفة .

قول المصنف : « و في رواية اخرى أنّه عليه السّلام لمّا سمع تحكيمهم قال : حكم اللّه انتظر فيكم » قد عرفت أنّ المسعودي ٢ رواه عن الصلت بن بهرام ، و رواه الطبري ٣ عن أبي كريب باسناده قال : جعل عليّ عليه السّلام يقلب بيديه يقول هكذا

ــــــــــــ

( ١ ) العقد الفريد ١ : ١٦ .

( ٢ ) المسعودي ٢ : ٣٩٥ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٥ : ٧٤ .

٤٠٧

و هو على المنبر ، فقال : حكم اللّه عزّ و جلّ ينتظر فيكم مرّتين ان لكم عندنا ثلاثا لا نمنعكم : صلاة في هذا المسجد . . .

و رواه ابن ديزيل في ( صفينه ) ، هكذا قال : لمّا رجع عليّ عليه السّلام من صفّين إلى الكوفة خرجوا إلى صحراء بالكوفة تسمى حروراء ، فنادوا : لا حكم إلاّ للّه و لو كره المشركون ، ألا إنّ عليا و معاوية اشركا في حكم اللّه . فأرسل عليّ عليه السّلام إليهم : ما هذا الذي احدثتم ، و ما تريدون ؟ قالوا : نريد أن نخرج نحن و انت و من كان منا بصفين ثلاث ليال ، و نتوب إلى اللّه من أمر الحكمين ، ثم نسير إلى معاوية فنقاتله حتى يحكم اللّه بيننا و بينه ، فقال عليّ عليه السّلام : هذا حيث بعثنا الحكمين و اخذنا منهم العهد و أعطيناهموه ، هلا قلتم هذا قبل ؟ قالوا : كنا قد طالت الحرب علينا و اشتد البأس و كثر الجراح و حلا الكراع و السلاح . فقال لهم : افحين اشتد البأس عليكم عاهدتم ، فلمّا وجدتم الحمام قلتم : ننقض العهد ،

ان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يفي للمشركين ، أفتأمرونني بنقضه ؟ فمكثوا مكانهم لا يزال الواحد منهم يرجع إلى عليّ عليه السّلام ، و لا يزال الآخر يخرج من عند عليّ عليه السّلام ،

فدخل واحد منهم عليه بالمسجد و الناس حوله فصاح : لا حكم إلاّ للّه و لو كره المشركون ، فتلفت الناس فنادى : لا حكم إلاّ للّه و لو كره المتلفتون . فرفع عليّ عليه السّلام رأسه إليه فقال : لا اله إلاّ اللّه و لو كره أبو حسن . فقال : ان أبا حسن لا يكره أن يكون الحكم إلاّ للّه . ثم قال : حكم اللّه أنتظر فيكم .

« و قال » هكذا في ( المصرية و ابن أبي الحديد ) ١ و لكن في ( ابن ميثم ) ٢ :

« ثم قال » .

« أمّا الامرة البرّة فيعمل فيها التّقي ، و أمّا الإمرة الفاجرة فيتمتع فيها الشّقي

ــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٨٧ .

( ٢ ) شرح ابن ميثم ٢ : ١٠١ .

٤٠٨

إلى أن تنقطع مدته و تدركه منيته » قد عرفت خلو رواية المسعودي و الطبري و ابن ديزيل عن هذه الفقرات ، ثم ان كان لقوله : « و لكن هؤلاء يقولون : لا إمرة الا للّه . . . » في الرواية الاولى ربط لفظي بقوله : « كلمة حق يراد بها باطل » فهنا ليس للفقرات ربط لفظي أيضا بقوله : « حكم اللّه انتظر فيكم » كما لا يخفى . نعم هي في نفسها صحيحة كما عرفت .

و في ( صفين نصر ) ١ : لمّا أراد عمرو اللحوق بمعاوية قال لغلامه وردان : أرحل أحط يا وردان ؟ فقال له وردان : ان شئت انبأتك بما في نفسك :

اعتركت الدنيا و الآخرة على قلبك ، فقلت : عليّ معه الآخرة في غير دنيا ، و في الآخرة عوض الدنيا ، و معاوية معه الدنيا بغير آخرة ، و ليس في الدنيا عوض من الآخرة ، فأنت واقف بينهما . قال عمرو : ما أخطأت ، فما ترى ؟ قال : أرى أن تقيم في بيتك ، فإن ظهر أهل الدين عشت في عفو دينهم ، و إن ظهر أهل الدنيا لم يستغنوا عنك . فقال عمرو : الان و قد شهدت العرب مسيري إلى معاوية ؟

فارتحل .

ثم الغريب أنّ ابن أبي الحديد ٢ قال بعد ذكر : العنوان « هذا نصّ صريح منه عليه السّلام بان الإمامة واجبة . . . » فإنّه ليس فيه تلويح إلى ما قال ، فضلا عن تصريح ، فإنّ كلامه عليه السّلام في الإمارة الدنيوية ، سواء كان الناس أهل دين أو غير أهل دين .

قوله عليه السّلام في الثالث : « السلطان وزعة اللّه في أرضه » هو نظير قوله عليه السّلام :

« لا بد للناس من أمير » فقالوا : لا بد للناس من وزعة ، أي : من يكف أهل الفساد عنهم . و في ( الجمهرة ) : الوازع : الذي يتقدم الصف في الحرب فيصلحه ، و يرد

ــــــــــــ

( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٣٥ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٣٠٧ ٣٠٨ .

٤٠٩

المتقدم إلى مركزه . و يسمى الكلب وازعا لأنّه يكف الذئب عن الغنم .

و في ( النهاية ) : الوزعة : جمع الوازع .

و في ( عيون القتيبي ) ١ قال كسرى : لا ننزل ببلد ليس فيه خمسة أشياء :

سلطان قاهر ، و قاض عادل ، و سوق قائمة ، و طبيب عالم ، و نهر جار .

و مثل ٢ مضار السلطان في جنب منافعه ، مثل الغيث الذي هو سقيا اللّه و بركات السماء و حياة الأرض و من عليها ، و قد يتأذّى به السفر و يتداعى له البنيان .

هذا ، و كسر المغيرة أنف رجل أغلظ لأبي بكر و أدماه ، فقال عمر لأبي بكر كما في ( النهاية ) ٣ : اقص هذا من هذا بأنفه . فقال : أنا لا اقص من وزعة اللّه فأمسك .

قلت : هو نظير عمله مع خالد بن الوليد لمّا قتل مالك بن نويرة ظلما ، فقال له عمر : اقد من خالد . فقال : لا أغمد سيفا سلّه اللّه .

٧

الخطبة ( ١٨٢ ) و من كلام له عليه السّلام قاله للبرج بن مسهر الطائيّ و قد قال له بحيث يسمعه : لا حكم إلاّ اللّه و كان من الخوارج :

اُسْكُتْ قَبَحَكَ اَللَّهُ يَا أَثْرَمُ فَوَاللَّهِ لَقَدْ ظَهَرَ اَلْحَقُّ فَكُنْتَ فِيهِ ضَئِيلاً شَخْصُكَ خَفِيّاً صَوْتُكَ حَتَّى إِذَا نَعَرَ اَلْبَاطِلُ نَجَمْتَ نُجُومَ قَرْنِ اَلْمَاعِزِ قول المصنف : « و من كلام له عليه السّلام قاله للبرج بن مسهر الطائي » الذي

ــــــــــــ

( ١ ) العيون للقتيبي ١ : ٦ .

( ٢ ) العيون للقتيبي ١ : ٣ .

( ٣ ) النهاية ٥ : ١٨٠ .

٤١٠

وقفت عليه في الخوارج : زرعة بن برج الطائي ، ففي ( الطبري ) ١ عن عون بن أبي جحيفة : أنّ عليا لمّا أراد أن يبعث أبا موسى للحكومة أتاه رجلان من الخوارج : زرعة بن برج الطائي و حرقوص بن زهير السعدي ، فدخلا عليه فقالا له : « لا حكم إلاّ للّه » فقال عليّ عليه السّلام : « لا حكم إلاّ للّه » فقال حرقوص : تب من خطيئتك و ارجع عن قضيتك ، و أخرج بنا إلى عدونا نقاتلهم حتى نلقى ربنا .

فقال لهم عليّ عليه السّلام : قد أردتكم على ذلك فعصيتموني ، و قد كتبنا بيننا و بينهم كتابا و شرطنا شروطا و أعطينا عليها عهودنا و مواثيقنا ، و قد قال عزّ و جلّ :

و أوفوا بعهد اللّه إذا عاهدتم و لا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها و قد جعلتم اللّه عليكم كفيلا إنّ اللّه يعلم ما تفعلون ٢ . فقال له حرقوص ذلك ذنب ينبغي أن نتوب منه . فقال عليّ عليه السّلام : ما هو ذنب و لكنّه عجز من الرأي و ضعف من الفعل ،

و قد تقدّمت إليه منكم في ما كان منه و نهيتكم عنه . فقال له زرعة بن البرج : اما و اللّه يا علي ، لئن لم تدع تحكيم الرجال في كتاب اللّه عزّ و جلّ قاتلتك أطلب بذلك وجه اللّه و رضوانه . فقال له عليّ عليه السّلام : بؤسالك ما اشقاك كأنّي بك قتيلا تسفي عليك الريح . قال : وددت أن كان ذلك . فقال له عليّ عليه السّلام : لو كنت محقا كان في الموت على الحق تعزية عن الدنيا ، إنّ الشيطان قد استهواكم فاتقوا اللّه عزّ و جلّ ، إنّه لا خير لكم في دنيا تقاتلون عليها . فخرجا من عنده عليه السّلام يحكمان . . .

و لعلّ من ذكره المصنّف أبو من في خبر الطبري ، وقف عليه في خبر آخر ، و يؤيده اختلاف مكالمتهما .

ــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٥ : ٧٢ .

( ٢ ) النحل : ٩١ .

٤١١

و ذكر ( الأغاني ) ١ في الحصين بن حمام المري الذي كان قبيل الاسلام :

أنّ برج الجلاس الطائي كان نديما له ، فشرب البرج معه يوما فسكر ، فانصرف إلى اخته فافتضّها ، فلمّا أفاق قال لقومه : إن علم بذلك أحد ركبت رأسي فلا تروني أبدا . لكن أخبر الحصين بذلك أمة من طي ، فقال الحصين له :

لا تحسبن أخا العفاطة أنّني

رجل بخبرك لست كالعلاّم

فاستنزلوك و قد بللت نطاقها

من بيت امك و الذيول دوام

و العفاطة اسم اخته فقال لقومه : فضحتموني . فلحق ببلاد الروم فلم يعرف له خبر .

« و قد قال له » هكذا في طبعة ( المصرية ٢ و ابن أبي الحديد ) ٣ و ليس ( له ) في ( ابن ميثم ) ٤ ( و الخطية ) و قوله :

« بحيث يسمعه » ينفيه و في ( ابن ميثم ) ٥ : « يسمع » .

« لا حكم إلاّ للّه و كان من الخوارج » قوله : « و كان من الخوارج » بعد ذكر قوله : « لا حكم إلاّ للّه » واضح ، فذاك كان شعار الخوارج ، و لو كان ذكره بعد قوله : « للبرج بن مسهر الطائي » كان وجيها .

« اسكت قبحك اللّه » يجوز فيه التخفيف و التشديد ، أي : نحّاك اللّه عن الخير.

« يا أثرم » و الأثرم من سقطت ثنيته .

« فو اللّه لقد ظهر الحق » قبل وقوع الإختلاف و جدّ الناس في الجهاد .

« فكنت فيه » أي : في ظهور الحق .

« ضئيلا » أي : نحيفا .

ــــــــــــ

( ١ ) الأغاني ١٤ : ١٠ .

( ٢ ) الطبعة المصرية ٢ : ١٣٧ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ١٣٠ .

( ٤ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٤٠٨ .

( ٥ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٤٠٨ .

٤١٢

« شخصك » لم يظهر منك عمل .

« خفيا صوتك » لم يسمع منك كلام و قول ، كالغائبين و الأموات .

« حتى إذا نعر الباطل » شبّه عليه السّلام الباطل بدخول الشبهات و الفتن فيه بحمار دخل في أنفه نعرة ، قال الجوهري : النعرة كهمزة : ذباب ضخم أزرق العين أخضر ، له ابرة في طرف ذنبه يلسع بها ذوات الحوافر خاصة ، و ربما دخل في أنف الحمار ، فيركب في رأسه و لا يرده شي‏ء تقول : منه نعر الحمار .

بالكسر .

« نجمت » أي : طلعت و ظهرت .

« نجوم » مصدر نجم .

« قرن الماعز » في ( بديع ابن المعتز ) عنه عليه السّلام لبعض الخوارج : « و اللّه ما عرفت حتى نعر الباطل ، فنجمت نجوم قرن الماعز » الماعز : واحد المعز مثل صاحب و صحب و الأشخاص اللئام ، كما وصف عليه السّلام هذا الرجل : في الحق ابترون و في الباطل ذوو قرن طويل .

قال الحطيئة في أبيه :

لنعم الشيخ أنت لدى المخازي

و بئس الشيخ أنت لدى المعالي

و قال الوزير المغربي :

إذا ما الامور اضطر بن اعتلى

سفيه يضام العلى باعتلائه

و سأل سليمان بن عبد الملك ابن الاهتم عمن يصلح لخراسان ، فكل من سمّاه ذكر سليمان له عيبا ، إلى أن ذكر وكيع بن أبي الأسود فقال له سليمان :

إنّ وكيعا لم يجتمع له مائة عنان قط إلاّ حدّث نفسه بغدرة ، هو خامل في الجماعة ، ثابت في الفتنة .

و في رسالة الجاحظ إلى الفتح بن خاقان في ذكر أصناف الناس : و من

٤١٣

صاحب للفتنة ، خامل في الجماعة ، رئيس في الفرقة ، نعّاق في الهرج .

و في ( معارف ابن قتيبة ) قال الحزين الدئلي في عمرو بن عمرو بن الزبير :

لو أنّ اللؤم مع الثريا

تناول رأسه عمرو بن عمرو

و في قصار الكتاب : و أتي عليه السّلام بجان و معه غوغاء : فقال عليه السّلام : لا مرحبا بوجوه لا ترى إلاّ عند كل سوأة .

هذا ، و قد عرفت من خبر الطبري أنّه كان من الخوارج غير الطائي حرقوص السعدي ، و منهم حكيم البكالي ، و في ( الطبري ) ١ : أنّه أتى إليه عليه السّلام و هو يخطب فقال و لقد أوحى إليك و إلى الذين من قبلك لئن اشركت ليحبطن عملك و لتكونن من الخاسرين ٢ . فقال عليّ عليه السّلام : فاصبر إنّ وعد اللّه حق و لا يستخفنك الذين لا يوقنون ٣ .

هذا و قال المسعودي في ( مروجه ) ٤ : ظهر من فعل صاحب الزنج تصديق ما رمي به من كونه على رأي الخوارج ، من قتله النساء و الأطفال و الشيخ الفاني ، و قال في خطبته : اللّه أكبر اللّه أكبر ، لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر ، لا حكم إلاّ اللّه .

٨

الحكمة ( ٩٧ ) و قد سمع رجلا من الحروريّة يتهجّد و يقرأ فقال :

نَوْمٌ عَلَى يَقِينٍ خَيْرٌ مِنْ صَلاَةٍ فِي شَكٍّ

ــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٥ : ٧٤ ٧٣ .

( ٢ ) الزمر : ٦٥ .

( ٣ ) الروم : ٦٠ .

( ٤ ) مروج الذهب للمسعودي ٤ : ١٩٤ .

٤١٤

أقول : رواه سبط ابن الجوزي في ( تذكرته ) عن ابن عباس عنه عليه السّلام .

قول المصنف : « و قد سمع » هكذا في ( المصرية ) ١ و لكن في ( ابن أبي الحديد ٢ و الخطية ) : « و سمع » و في نسخة ابن ميثم ٣ : « و قال عليه السّلام : و قد سمع » .

« رجلا من الحرورية » في ( كامل المبرد ) ٤ : ناظر عليّ عليه السّلام الخوارج فرجع معه منهم الفان من حروراء و كانوا تجمعوا بها فقال لهم : ما نسميكم ؟ ثم قال : أنتم الحرورية لاجتماعكم بحروراء .

و في ( الكشي ) عن المسيب بن نجبة : لمّا أتانا سلمان قادما تلقيناه إلى أن قال ثم سار حتى انتهى إلى حروراء ، فقال : ما تسمون هذه الأرض ؟ قالوا :

حروراء . فقال : خرج بحروراء شرّ الأولين ، و يخرج بها شرّ الآخرين .

« يتهجد » أي : يصلي صلاة الليل . و في ( الصحاح ) : هجد و تهجد ، أي : نام ليلا ، و هجد و تهجد ، أي : سهر ، و هو من الأضداد ، و منه قيل لصلاة الليل :

التهجد .

في ( كامل المبرد ) ٥ : لمّا صار ابن عباس إلى الخوارج رأى منهم جباها قرحة بطول السجود ، و أيديا كثفنات الإبل ، عليهم قمص مرحضة ، و هم مشمرون .

و في ( الطبري ) ٦ : أنّ القرّاء الذين أجبروا الأشتر على ترك القتال ثم صاروا خوارج ، قال الأشتر لهم لمّا رجع من الحرب : يا أصحاب الجباه

ــــــــــــ

( ١ ) الطبعة المصرية ٣ : ١٧٢ .

( ٢ ) ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٥٣ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٢٨٩ .

( ٤ ) الكامل للمبرد ٢ : ١٥٥ .

( ٥ ) الكامل للمبرد ٢ : ١٧٥ .

( ٦ ) تاريخ الطبري ٥ : ٥٠ .

٤١٥

السود كنا نظن صلاتكم زهادة في الدنيا و شوقا إلى لقائه تعالى ، فلا أرى فراركم إلاّ إلى الدنيا من الموت ، يا اشباه النيب الجلاّلة ، قبحا لكم ما انتم برائين بعدها عزا ابدا ، فابعدوا كما بعد القوم الظالمون .

« و يقرأ » أي : القرآن ، و في ( ذيل الطبري ) ١ عن أبي ذر قال : قال النبي :

سيكون من امّتي قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حلوقهم ، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية ثم لا يعودون ، فيه شرار الخلق و الخليقة . . . .

« فقال : نوم على يقين خير من صلاة في شك » هو نظير قوله عليه السّلام المذكور في الحكمة ( ١٤٥ ) : « كم من صائم ليس له من صيامه إلاّ الظمأ ، و كم قائم ليس له من قيامه إلاّ السهر ، حبّذا نوم الأكياس و إفطارهم » .

و مرّ في سابقه قوله عليه السّلام لزرعة بن برج الطائي : « لو كنت محقا كان في الموت على الحق تعزية عن الدنيا » .

و في ( المروج ) ٢ ضرب أبو أيوب عبد اللّه بن وهب الراسبي يوم النهر على كتفه فأبان يده ، و ضربه صعصعة ضربة أبان بها رجله ، و أدركه باخرى في بطنه ، ثم احتز رأسه و اتيابه عليا عليه السّلام و قالا : هذا رأس الفاسق المارق عبد اللّه بن وهب . فنظر عليه السّلام إليه و قال : شاه هذا الوجه حتى خيّل إلينا أنّه يبكي ثم قال : قد كان أخو راسب حافظا لكتاب اللّه ، تاركا لحدود اللّه .

و في ( كامل المبرد ) ٣ : حمل رجل من الخوارج على صف عليّ عليه السّلام و كان عليه السّلام قال : لا ابتدائهم فقتل من أصحابه ثلاثة و هو يقول :

أقتلهم و لا أرى عليا

و لو بدا أو جرته الخطيا

ــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ١١ : ٥٦٧ .

( ٢ ) المروج الذهب ٣ : ٥٦ .

( ٣ ) الكامل للمبرد ٢ : ١٥٩ .

٤١٦

فخرج إليه عليّ عليه السّلام فقتله ، فلمّا خالطه السيف قال : حبّذا الروحة إلى الجنة . فقال عبد اللّه بن وهب : ما ادري أ إلى الجنة أم إلى النار ؟ فقال رجل من سعد : إنّما حضرت اغترارا بهذا و أراه قد شكّ . فانخزل بجماعة من أصحابه .

و في ( ادباء الحموي ) في ترجمته عليه السّلام : و كان الخوارج أربعة آلاف عليهم عبد اللّه بن وهب الراسبي من الازد ، و ليس براسب بن جرم بن ريان و ليس في العرب غيرهما ، فلمّا نزل عليّ عليه السّلام بنهروان تفرقوا فبقي منهم ألف و ثمانمائة ، و قتل ألف و خمسمائة ، و كان سبب تفرّقهم أنّهم عند الإحاطة بهم قالوا : أسرعوا الرواح إلى الجنة. فقال عبد اللّه بن وهب : و لعلها إلى النار . فقال من فارقه : نرانا نقاتل مع رجل شاكّ.

و في ( الطبري ) ١ : لمّا خرج عليّ عليه السّلام إلى النهروان رفع رايات أمان مع أبي أيوب فنادى أبو أيوب الخوارج : من جاء منكم ممّن لم يقتل و لم يستعرض فهو آمن ، و من انصرف منكم إلى الكوفة أو المدائن ، و خرج من هذه الجماعة فهو آمن . فقال فروة بن نوفل الأشجعي : و اللّه ما أدري على أي شي‏ء نقاتل عليّا ؟ إلاّ أن انصرف حتى تنفذ بصيرتي في قتاله أو أتباعه . فانصرف في خمسمائة فارس حتى نزل البندنيجين و الدسكره ، و خرجت طائفة اخرى متفرقين فنزلت الكوفة ، و خرج إلى عليّ عليه السّلام منهم نحو من مائة ، و كانوا أربعة آلاف ، فكان الذين بقوا مع عبد اللّه بن وهب منهم ألفين و ثمانمائة ، زحفوا إلى عليّ عليه السّلام . . .

و روى ( التهذيب ) ٢ في باب قتال أهل البغي ، عن جميل بن دراج ، قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام : الخوارج شكاك ؟ فقال : نعم . فقال له بعض أصحابه : كيف

ــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٥ : ٨٦ .

( ٢ ) التهذيب ٦ : ١٤٥ ح ٢٥١ .

٤١٧

و هم يدعون إلى البراز ؟ قال : ذلك ممّا يجدون في أنفسهم .

هذا ، و في ( بيان الجاحظ ) : كان مرّة الهمداني يقول : لمّا قتل عثمان حمدت اللّه ألاّ أكون دخلت في شي‏ء من قتله فصليت مائة ركعة ، فلمّا وقع الجمل و صفين حمدت إلاّ اكون دخلت في شي‏ء وزدت مائتي ركعة ، فلمّا كانت وقعة النهروان حمدت اللّه إذ لم أشهدها و زدت مائة ركعة ، فلمّا كانت فتنة ابن الزبير حمدت اللّه إذ لم أشهدها و زدت مائة ركعة . قال الجاحظ : لا نعرف فقيها من أهل الجماعة لا يستحل قتال الخوارج ، كما لا نعرف أحدا منهم لا يستحل قتال اللصوص .

و في ( تذكرة سبط ابن الجوزي ) : لمّا قتل عمّار عطش قاتله ، قال ابن سعد : فاتي بقدح من زجاج و قال غيره من فضّة فأبى الشرب فيه ، فقال بعضهم : انظروا إلى هذا الأحمق ، يمتنع من الشرب في هذا الإناء و ينسى أنّه قتل عمّارا ، و قد قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله له : تقتلك الفئة الباغية ( و فيه ) : لمّا لام ابن الزبير يوم الجمل أباه في تركه قتال عليّ عليه السّلام ، و قال له : لقد فضحتنا فضيحة لا نغسل منها رؤوسنا أبدا . قال له : حلفت ألاّ اقاتله .

فقال له : كفّر عن يمينك . فاعتق غلامه مكحولا ، فقال بعضهم :

يعتق مكحولا لصون دينه

كفارة للّه عن يمينه

و النكث قد لاح على جبينه

٩

الكتاب ( ٧٧ ) و من وصيّة له عليه السّلام لعبد اللّه بن العباس لمّا بعثه للاحتجاج إلى الخوارج :

لاَ تُخَاصِمْهُمْ ؟ بِالْقُرْآنِ ؟ فَإِنَّ ؟ اَلْقُرْآنَ ؟ حَمَّالٌ ذُو وُجُوهٍ تَقُولُ وَ يَقُولُونَ

٤١٨

وَ لَكِنْ حَاجِجْهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنَّهُمْ لَنْ يَجِدُوا عَنْهَا مَحِيصاً قول المصنف : « و من وصيّته له عليه السّلام لعبد اللّه بن العباس لمّا بعثه للاحتجاج » الروايات في بعثه عليه السّلام لابن عباس إلى الخوارج مختلفة ، فروى الطبري ١ عن أبي رزين : أنّ عليّا عليه السّلام لمّا رجع من صفّين و دخل الكوفة و نزلت الخوارج بحروراء بعث إليهم ابن عباس ، فرجع و لم يصنع شيئا . . . .

و عن ٢ عمارة بن ربيعة : بعث عليّ عليه السّلام ابن عباس إليهم ، و قال : لا تعجل إلى جوابهم و خصومتهم حتى آتيك . فخرج إليهم حتى أتاهم فأقبلوا يكلّمونه فلم يصبر حتى راجعهم ، فقال : ما نقمتم من الحكمين و قد قال تعالى : إن يريدا إصلاحا يوفق اللّه بينهما ٣ فكيف بامّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله ؟ فقالت الخوارج :

قلنا : أمّا ما جعل حكمه إلى الناس و أمر بالنظر فيه و الإصلاح له ، فهو إليهم كما أمر به ، و ما حكم فامضاه فليس للعباد أن ينظروا فيه ، حكم في الزاني مائة جلدة و في السارق بقطع يده ، فليس للعباد أن ينظروا فيه . قال : فإنّه تعالى يقول : . . . يحكم به ذوا عدل منكم . . . ٤ . فقالوا : أو تجعل الحكم في الصيد ،

و الحدث يكون بين المرأة و زوجها كالحكم في دماء المسلمين ؟ فهذه الآية بيننا و بينك ، أعدل عندك ابن العاص و هو بالامس يقاتلنا و يسفك دماءنا ؟ فان كان عدلا فلسنا بعدول و نحن أهل حربه ، و قد حكّمتم في أمر اللّه الرجال ، و قد أمضى اللّه عزّ و جلّ حكمه في معاوية و حزبه أن يقتلوا أو يرجعوا ، و قبل ذلك دعوناهم إلى كتاب اللّه فأبوه ، ثم كتبتم بينكم و بينه كتابا و جعلتم بينكم و بينه الموادعة ، و لا موادعة بين المسلمين و أهل الحرب منذ نزلت ( براءة ) إلاّ من أقرّ

ــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٥ : ٧٣ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٥ : ٦٤ .

( ٣ ) النساء : ٣٥ .

( ٤ ) المائدة : ٩٥ .

٤١٩

بالجزية إلى أن قال ثم خرج عليّ عليه السّلام حتى انتهى إليهم و هم يخاصمون ابن عباس ، فقال : انته عن كلامهم ، ألم أنهك رحمك اللّه ؟ ثم قال : قال لهم : من زعيمكم ؟ قالوا : ابن الكواء . فقال عليه السّلام : فما أخرجكم علينا ؟ قالوا : حكومتكم يوم صفين . قال : أنشدكم باللّه أتعلمون حيث رفعوا المصاحف فقلتم : نجيبهم إلى كتاب اللّه . قلت لكم : إنّي أعلم بالقوم منكم ، إنّهم ليسوا بأصحاب دين و لا قرآن ، إنّي صحبتهم و عرفتهم أطفالا و رجالا ، فكانوا شرّ أطفال و شرّ رجال ،

امضوا على حقكم و صدقكم ، فإنّما رفع القوم هذه المصاحف خديعة و دهنا و مكيدة . فرددتم على رأيي و قلتم : لا بل نقبل منهم . فقلت لكم : إذكروا قولي لكم و معصيتكم إياي . فلمّا أبيتم إلاّ الكتاب اشترطت على الحكمين : أن يحييا ما أحيا القرآن و أن يميتا ما أمات القرآن ، فإن حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف حكما يحكم بما في القرآن ، و إن أبيا فنحن من حكمهما برآء قالوا له :

أترى عدلا تحكيم الرجال في الدماء ؟ فقال : انا لسنا حكّمنا الرجال إنّما حكمنا القرآن ، و هذا القرآن فإنّما هو خط مسطور بين الدفتين لا ينطق ، إنّما يتكلّم به الرجال . قالوا : فخبّرنا عن الأجل : لم جعلته في ما بينك و بينهم ؟ قال : ليعلم الجاهل و يتثبّت العالم ، و لعل اللّه عزّ و جلّ يصلح في هذه الهدنة هذه الامّة . . . .

و في ( كامل المبرد ) ١ : ذكر أهل العلم من غير وجه : أنّ عليا لمّا وجّه إليهم ابن عباس ليناظرهم قال لهم : ما الذي نقمتم على أمير المؤمنين عليه السّلام ؟

قالوا : قد كان للمؤمنين أميرا فلمّا حكم في دين اللّه خرج من الإيمان ، فليتب بعد إقراره بالكفر نعد له . فقال ابن عباس : لا ينبغي لمؤمن لم يشب إيمانه شك بأن يقر على نفسه بالكفر . قالوا : إنّه قد حكم . قال : إنّ اللّه عزّ و جلّ قد أمرنا بالتحكيم

ــــــــــــ

( ١ ) الكامل للمبرد ٢ : ١٤٢ .

٤٢٠