• البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 76146 / تحميل: 3387
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 10

مؤلف:
العربية

في قتل سيد ، فقال عزّ و جلّ : يحكم به ذوا عدل منكم ١ فكيف في إمامة قد أشكلت على المسلمين ؟ فقالوا : إنّه قد حكم عليه فلم يرض . فقال : إنّ الحكومة كالإمامة و متى فسق الإمام وجبت معصيته ، و كذلك الحكمان لمّا خالفا نبذت أقاويلهما . فقال بعضهم لبعض : لا تجعلوا احتجاج قريش حجة عليكم فإنّ هذا من القوم الذين قال تعالى فيهم : بل هم قوم خصمون ٢ ، و قال و تنذر به قوما لدا ٣ .

و فيه ٤ : وجه عليّ عليه السّلام إليهم ابن العباس فرحبوا به و قالوا : ما جاء بك ؟

قال : جئتكم من عند صهر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و ابن عمه و أعلمنا بربّه و سنّة نبيه ، و من عند المهاجرين و الأنصار . فقالوا : إنّا أتينا عظيما حين حكّمنا الرجال في دين اللّه فإن تاب كما تبنا رجعنا . فقال لهم : نشدتكم اللّه أما علمتم أنّ اللّه أمر بتحكيم الرجال في أرنب يساوي درهما ، و في شقاق رجل و امرأته ، و أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمسك عن القتال للهدنة بينه و بين أهل الحديبية ؟ قالوا : نعم و لكن محا نفسه من الإمارة . فقال لهم : و قد محا النبيّ صلّى اللّه عليه و آله اسمه من النبوة ، و قد أخذ عليّ عليه السّلام على الحكمين ألاّ يجورا . . . .

و روى ( مسترشد محمد بن جرير الطبري ) : أنّه عليه السّلام لمّا بعث ابن العباس قالوا له : نقمنا على صاحبك خصالا : محا اسمه من إمارة المؤمنين ،

و شكّ في نفسه حيث قال للحكمين : « انظرا ان كان معاوية أحق بها منّي فأثبتاه » ، و جعل الحكم إليه غيره و قد كان عندنا من أحكم الناس ، و حكّم الرجال في دين اللّه و لم يكن ذاك إليه ، و قسّم بيننا الكراع و السلاح يوم البصرة

ــــــــــــ

( ١ ) المائدة : ٩٥ .

( ٢ ) الزخرف : ٥٨ .

( ٣ ) مريم : ٩٧ .

( ٤ ) الكامل للمبرد ٢ : ١٧٥ .

٤٢١

و منعنا النساء و الذرية ، و أنّه كان وصيّا فضيع الوصية . فقال ابن عباس له عليه السّلام : سمعت مقالتهم و أنت أحقّ بالجواب . فقال عليه السّلام له : قل لهم : ألستم ترضون بحكم اللّه و حكم رسوله ؟ قالوا : نعم . فقال : ابدأ على ما بدأتم : كنت أكتب للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله يوم صالح ابا سفيان و سهل بن عمرو ، فكتبت : « بسم اللّه الرحمن الرحيم . هذا ما صالح عليه محمّد رسول اللّه و سهيل بن عمرو و صخر بن حرب » فقال سهيل : إنّا لا نعرف ( الرحمن الرحيم ) و لا نقرّ أنّك رسول اللّه .

فأمرني النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فمحوت ( الرحمن الرحيم ) و كتبت : « باسمك اللهم » و محوت ( رسول اللّه ) و كتبت : « محمد بن عبد اللّه » فقال لي : يا عليّ إنّك تدعى إلى مثلها فتجيب و أنت مكره . فقالوا : هذه لك قد خرجت منها . فقال : و أمّا قولكم :

إنّي شككت في نفسي حيث قلت للحكمين : انظرا فان كان معاوية أحق بها مني ، فإنّ ذلك لم يكن شكا و لكنّه نصفا من القول ، و قد قال تعالى : و انا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ١ ، و قد علم اللّه أنّ نبيّه كان على الحق .

قالوا : و هذه لك أيضا . قال : و أمّا قولكم : إنّي جعلت الحكم إلى غيري و قد كنت من احكم الناس ، فهذا النبيّ صلّى اللّه عليه و آله جعل الحكم إلى سعد بن معاذ يوم بني قريظة و قد كان أحكم الناس ، و قد قال تعالى : و لكم في رسول اللّه اسوة حسنة . . . ٢ فتأسيت به صلّى اللّه عليه و آله . قالوا و هذه لك أيضا إلى أن قال و أمّا قولكم :

إنّي قسّمت يوم البصرة الكراع و السلاح و منعتكم النساء و الذرية ، فإنّي مننت على أهل البصرة كما منّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله على أهل مكة و قد عدوا علينا ، فأخذناهم بذنوبهم و لم نأخذ صغيرا بكبير ، و بعد فأيّكم يأخذ عايشة في سهمه ؟ قالوا:

و هذه قد خرجت منها أيضا . قال : و أمّا قولكم : إنّي كنت وصيا فضيعت

ــــــــــــ

( ١ ) سبأ : ٢٤ .

( ٢ ) الأحزاب : ٢١ .

٤٢٢

الوصاية ، فأنتم كفرتم بي و قدّمتم عليّ غيري و لم أك أنا كفرت بكم ، و ليس على الأوصياء الدعاء إلى انفسهم و إنّما تدعو الأنبياء إلى انفسهم ، و الوصي مدلول عليه مستغن عن الدعاء إلى نفسه ، ذلك لمن آمن باللّه و رسوله ، و قد قال تعالى : . . . و للّه على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا . . . ١ ، فلو ترك الناس الحج لم يكن البيت يكفر بتركهم إيّاه ، و لكن يكفرون بتركه لأنّ اللّه تعالى قد نصبه لهم علما ، و كذلك نصّبني النبيّ صلّى اللّه عليه و آله علما حيث قال : أنت بمنزلة الكعبة . فخرج معه منهم أربعة آلاف .

و رواه اليعقوبي ٢ مع زيادة و نقصان .

« إلى الخوارج » هكذا في ( المصرية ) ٣ و الصواب : ( على الخوارج ) كما في ( ابن أبي الحديد ٤ و ابن ميثم ٥ و الخطية ) و حينئذ فهو متعلق بالاحتجاج .

قوله عليه السّلام : « لا تخاصمهم بالقرآن فإنّ القرآن حمّال ذو وجوه ، تقول و يقولون » حاج منصور بن حازم و هو أحد أجلة أصحاب الصادق عليه السّلام مع الناس فقال لهم : من الحجّة على الخلق بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ؟ فقالوا له : القرآن . فقال لهم :

القرآن يخاصم به المرجي و القدري بل الزنديق الذي لا يؤمن به ، يخاصم به حتى يغلب الرجال بخصومته ، فلا بدّ أن القرآن لا يكون حجّة إلاّ بقيّم يكون كل شي‏ء قال فيه يكون حقا ، فمن قيّمه ؟ قالوا : ابن مسعود قد كان يعلم ،

و عمر قد يعلم ، و حذيفة قد يعلم . فقال لهم : يعلمون كلّه ؟ قالوا : لا . قال لهم : فليس أحد يعرف القرآن كلّه إلاّ عليّ عليه السّلام فلا بدّ أنّه قيم القرآن ،

ــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ٩٧ .

( ٢ ) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٩٢ .

( ٣ ) الطبعة المصرية ٣ : ١٥٠ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٧١ .

( ٥ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٢٣٤ .

٤٢٣

و أنّ طاعته مفروضة كالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله .

قال ابن أبي الحديد ١ قوله عليه السّلام : « القرآن حمّال ذو وجوه ، تقول و يقولون » كلام لا نظير له في شرفه و علو معناه ، و ذلك أنّ القرآن فيه مواضع يظن في الظاهر أنّها متناقضة نحو قوله : لا تدركه الأبصار . . . ٢ مع قوله إلى ربها ناظرة ٣ ، و قوله : و جعلنا من بين أيديهم سدّا و من خلفهم سدّا فأغشيناهم فهم لا يبصرون ٤ ، مع قوله : و أمّا ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى . . . ٥ و نظائرها ، و أمّا السنّة فليست كذلك إلى أن قال و قد كان في الصحابة من يسأل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن كلمة في القرآن يفسره له تفسيرا موجزا فلا يحصل له كلّ الفهم ، و لمّا نزلت آية الكلالة و في آخرها . . . يبيّن اللّه لكم أن تضلّوا . . . ٦ سأله عمر عن الكلالة : ما هو ؟ فقال له : يكفيك آية الصيف . لم يزد على ذلك ، فلم يراجعه عمر و انصرف و لم يفهم مراده ، و بقي عمر على ذلك إلى أن مات ، و كان يقول بعد ذلك : اللهم مهما بيّنت فإنّ عمر لم يتبين . يشير إلى قوله تعالى : يبيّن اللّه لكم ان تضلّوا . . .

بيان : آية الصيف ، أي : آية نزلت في الصّيف ، كما رواه ( التبيان ) .

قلت : إذا كان فاروقهم نفسه لم يفهم المراد من القرآن في آية قال تعالى فيها : بيّنها لكم لئلا تضلّوا ، و فسّرها النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ، له كيف منع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من الوصية و قال : حسبنا القرآن و لم نحتج إلى وصيّته ؟

ــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٧١ .

( ٢ ) الأنعام : ١٠٣ .

( ٣ ) القيامة : ٢٣ .

( ٤ ) يس : ٩ .

( ٥ ) فصّلت : ١٧ .

( ٦ ) النساء : ١٧٦ .

٤٢٤

ففي ( طبقات كاتب الواقدي ) و كان ناصبيا عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس ، قال : لمّا حضرت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الوفاة و في البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله : هلم أكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعده . فقال عمر : إنّ رسول اللّه قد غلبه الوجع ، و عندكم القرآن حسبنا كتاب اللّه .

فاختلف أهل البيت و اختصموا ، فمنهم من قال : قرّبوا يكتب لكم النبيّ ، و منهم من يقول ما قال عمر ، فلمّا كثر اللغط و الاختلاف و غمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال : قوموا عني . قال عبيد اللّه : فكان ابن عباس يقول : إنّ الرّزية كلّ الرّزية ما حال بين النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و بين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم و لغطهم .

و روى عن عكرمة عن ابن عباس : أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال في مرضه الذي مات فيه : إيتوني بدواة و صحيفة أكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعده أبدا . فقال عمر : من لفلانة و فلانة مدائن الروم إنّ النبيّ ليس بميّت حتى نفتتحها ، و لو مات لانتظرناه كما انتظرت بنو اسرائيل موسى . فقالت زينب زوج النبيّ صلّى اللّه عليه و آله : ألا تسمعون النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يعهد إليكم ؟ فلغطوا فقال : قوموا عنّي . فلمّا قاموا قبض النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مكانه .

و عن زيد بن اسلم عن أبيه عن عمر قال : كنا عند النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و بيننا و بين النساء حجاب فقال : غسّلوني بسبع قرب ، و ائتوني بصحيفة و دواة أكتب لكم كتابا لا تضلّوا بعده ابدا . فقال النسوة : إيتوا النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بحاجته . قال عمر :

فقلت : اسكتن فإنّكن صواحبه ، إذا مرض عصرتن أعينكن و إذ صح أخذتن بعنقه . فقال : هنّ خير منكم .

و عن سعيد بن جبير قال : إنّ ابن عباس كان يقول : يوم الخميس و ما يوم الخميس ؟ و كأنّي أنظر إلى دموعه كأنّها نظام اللؤلؤ قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله : إيتوني بالكتف و الدواة أكتب لكم كتابا لا تضلّوا بعده أبدا .

٤٢٥

فقالوا : إنّما يهجر رسول اللّه .

كان فاروقهم يعلم أنّ القرآن لا يكفي الناس ، و كيف لا ، و هو الذي كان فاروقهم لا يفهم شيئا من معارفه إلاّ أنّه صد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن الوصية في تلك الساعة ، لأنّه علم أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أراد أن يعيّن أمير المؤمنين عليه السّلام في الكتابة كما عيّنه في مقالاته يوم غدير خم و غيره ، فلا يمكنه التشكيك فيها لأنّ الكتابة أمر ثابت ، فروى أحمد بن أبي طاهر صاحب ( تاريخ بغداد ) في كتابه مسندا عن ابن عباس قال : دخلت على عمر في أوّل خلافته فقال : هل بقي في نفس ابن عمك شي‏ء من أمر الخلافة ؟ قلت : نعم . قال : أيزعم أنّ النبي نصّ عليه ؟ قلت :

نعم . قال : لقد أراد النبي في مرضه أن يصرح باسمه فمنعت من ذلك إشفاقا و حيطة على الإسلام ، لا و ربّ هذه البنية لا تجتمع عليه قريش أبدا ، و لو وليها لا نتقضت عليه العرب من أقطارها ، فعلم النبيّ أنّي علمت ما في نفسه فأمسك . . . .

إنّما منع منه إشفاقا و حيطة على سلطنته و سلطنة صاحبه ، و هل كان هو أشفق على الإسلام من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ؟ فكأنّ اللّه لا يعلم حيث يجعل رسالته ، إذا كان هو أشفق على الإسلام و لم يشفق نبيّه و قوله بعدم اجتماع قريش عليه كانتقاض العرب مغالطة ، فقريش كانوا أعداء النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و إنّما وصلوا إلى ما وصلوا بمساعدة و مساعدته صاحبه ،

و لو لا هما لكانوا يستسلمون له و يسرون كفرهم ، كما استسلموا للنبي و أسرّوا كفرهم ، و العرب إنّما انتقضت على صاحبه حيث لم يجعل هو سلطان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في أهل بيته ، و قيام أهل الجمل و صفين عليه إنّما كان من قريش بسببه و سبب صاحبه .

وهب أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يرد النصّ على أمير المؤمنين ، ألم يكن حدوث هذه الفرق الضالة في الإسلام و منها الخوارج من منع عمر للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن

٤٢٦

الوصية ؟ ألم يقل لهم : أكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعده أبدا ؟

ثم إنّه مع منعه له عن الوصية و هي الرّزية العظمى التي لو بكي الدم منها كان قليلا لم نسب الهجر إليه ؟ أليس اللّه تعالى قال في نبيه : و ما ينطق عن الهوى . إن هو إلاّ وحي يوحى ١ ؟

و لم قال : « إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لا يموت و لو أنّه مات يرجع » ، فيصير سببا لتولّد مذاهب فاسدة ، كالكيسانية و الناوسية و الواقفية و الإسماعيلية و غيرها،

فليس منشأ شبهات المذاهب الفاسدة التي تولّدت بعده إلاّ شبهات مثله ، كما اعترف به الشهرستاني ٢ منهم .

و لم يقول لنسائه : « اسكتن ، إذا مرض عصرتن أعينكن ، و إذا صحّ أخذتن بعنقه » بمعنى أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ليس له قابلية ، و أنّه رجل زيري ، و النساء غالبات عليهن .

و ما نسبه إلى نسائه إنّما كان عمل بنته و بنت صاحبه اللتين قال تعالى فيهما : . . . و إن تظاهر عليه فإنّ اللّه هو مولاه و جبريل و صالح المؤمنين . . . ٣ دون النسوة التي قلن كزينب و امّ سلمة : إيتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بحاجته . لكن يكفيه شرفا أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال له : هنّ خير منك .

هذا و ممّا يناسب قوله عليه السّلام : « حمال ذو وجوه » ما ورد : أنّ رجلا قال لهشام القوطي : كم تعدّ ؟ قال : من واحد إلى ألف ألف و أكثر . قال : لم ارد هذا ، كم تعدّ من السنّ ؟ قال : اثنتين و ثلاثين ، ست عشرة من أعلى و ست عشرة من أسفل . قال : لم ارد هذا ، كم لك ؟ من السنين قال : و اللّه مالي فيها شي‏ء السنون

ــــــــــــ

( ١ ) النجم : ٣ ٤ .

( ٢ ) الملل و النحل للشهرستاني ١ : ١٨ ٢١ .

( ٣ ) التحريم : ٤ .

٤٢٧

كلّها للّه تعالى . قال : يا هذا ما سنّك ؟ قال : عظم . قال : ابن كم أنت ؟ قال: ابن اثنين :

رجل و امرأة . قال : كم أتى عليك ؟ قال : لو أتى علي شي‏ء لقتلني . قال : فكيف أقول ؟ قال : تقول : كم مضى من عمرك ؟

« و لكن حاججهم بالسنّة ، فإنّهم لن يجدوا عنها محيصا » قال ابن أبي الحديد ١ لم يعمل ابن عباس بما أوصاه فلم يحاجّهم بالسنّة بل بالقرآن ،

و لذلك لم يرجعوا .

قلت : بل حاجّهم بالكتاب و السنة كما عرفت من رواياته ، بل حاجّهم مرّتين : في أوّل خروجهم إلى حروراء ، و بعد رجوعهم و خروجهم ثانيا ، كما يظهر من خبر المبرد الثاني ، بل قال المبرّد ٢ : إنّه عليه السّلام بعثه إلى خوارج النخيلة أيضا بعد النهروان و قالوا له : إذا كان عليّ على حق لم يشكّ و حكم مضطرا ،

فما باله حيث ظفر في الجمل لم يسب ؟ فقال لهم ابن عباس : سمعتم الجواب في التحكيم ، فأمّا قولكم في السباء ، أفكنتم سابين امّكم عايشة ؟ فوضعوا أصابعهم في آذانهم و قالوا أمسك عنّا غرّب لسانك يا بن عباس ، فإنّه طلق زلق غوّاص على موضع الحجة . و حاجّهم بالسنّة بتعليم أمير المؤمنين عليه السّلام له في تحكيم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله سعد بن معاذ يوم بني قريظة ، و غير ذلك ممّا مرّ في تلك الأخبار .

قال ابن أبي الحديد ٣ إن قيل ما السنّة التي أمر عليه السّلام ابن عباس أن يحاجّ الخوارج ؟ قلت : كان له عليه السّلام في ذلك غرض صحيح و إليه أشار و حوله كان يطوف و يحرم ، و ذلك أنّه أراد أن يقول لهم : قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله : « علي مع الحقّ

ــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٧٦ .

( ٢ ) المبرد ٢ : ١٩٤ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٧٢ ٧٣ .

٤٢٨

و الحقّ مع عليّ يدور معه حيثما دار » ، و قوله عليه السّلام : « اللهم وال من والاه ، و عاد من عاداه ، و انصر من نصره ، و اخذل من خذله » و نحو ذلك من الأخبار التي كانت الصحابة قد سمعتها من فلق فيه صلّى اللّه عليه و آله و قد بقي ممّن سمعها جماعة تقوم بهم الحجة و تثبت بنقلهم ، و لو احتجّ بها على الخوارج في أنّه لا يحل مخالفته و العدول عنه بحال لحصل من ذلك غرض أمير المؤمنين عليه السّلام في محاجّتهم ، و أغراض اخرى أرفع و أعلا منهم ، فلم يقع بموجب ما أراد و قضى عليهم بالحرب حتى أكلتهم عن آخرهم . . . و كان أمر اللّه مفعولا ١ .

قلت : لو كان عليه السّلام حاجّهم بأقوال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فيه لصار أمر صديقهم و فاروقهم باطلا ، كما أنّ محمد بن أبي بكر لمّا حاج معاوية بذلك ناقضه معاوية بذلك .

و لم يدر الإنسان أيّ شي‏ء يقول في مثل هذه الامور ؟

ألم يكن أمير المؤمنين عليه السّلام أتمّ الحجّة عليهم بنفسه : بأنّى ما حكّمت الرجال بل حكّمت القرآن ، و لكنّ القرآن خط مسطور لا ينطق ، ينطق عنه الرجال ، فان حكما بما فيه يقبل و إلاّ فيضرب حكمهما على رأسهما ، و لم يجعلا حكما مطلقا يحكمان بما يريدان ، و أنّه و إن تبيّن للخوارج كما كان متبيّنا له عليه السّلام و لعار في أصحابه أنّه كان مكيدة إلاّ أنّه لمّا كان كتب كتاب عهد وجب العمل به بمقتضى الكتاب و السنّة ، بل وجوب الوفاء بالعهد يحكم به العقل ،

و كان جميع ملل الدنيا عملهم عليه ؟

ثم أيّ شي‏ء تصوّروا في قول معاوية لمّا أمر برفع المصاحف :

« بيننا و بينكم كتاب اللّه » ؟

أ لم يعرفوا أنّ كتاب اللّه يقول في قوله تعالى : . . . فقاتلوا التي تبغي حتى

ــــــــــــ

( ١ ) الأحزاب : ٣٧ .

٤٢٩

تفي‏ء إلى امر اللّه . . . ١ بوجوب قتال معاوية حتى يفي‏ء إلى أمر اللّه و يصير تسليما لأمير المؤمنين عليه السّلام كما قالوا ذلك لمّا أنكروا الحكمية ؟

ألم يعلموا أنّ معاوية من الفئة الباغية مع قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله : « عمّار تقتله الفئة الباغية » و قد كان قتل قبيل رفع المصاحف ؟

و كيف هم لم يتفطّنوا و قد تفطّن كثير من أهل الشام ، إلاّ أغبياء قال لهم معاوية : « إنّا ما قتلناه و إنّما قتله عليّ الذي جاء به لحربنا » ؟ و لحق به عليه السّلام بعضهم كعبد اللّه بن عمر العنسي لذلك ، و قال :

قد كنت أسمع و الأنباء شائعة

هذا الحديث فقلت : الكذب و الزور

حتى تلقّيته من أهل عيبته

فاليوم أرجع و المغرور مغرور

و اليوم أبرأ من عمرو و شيعته

و من معاوية المحدو به العير

أ لم يعلموا أنّ معاوية كان عدو النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ، و قاتله حتى صار أسيرا فجعله من الطلقاء ؟

أ لم يعلموا أنّ معاوية كان لعين النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في غير موطن ، و أنّه كان مظهر كلّ كفر و فجور ؟

أ لم يعلموا أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان المتصدي لجميع حروب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و شريكه في شدائده في سبيل الإسلام ، و أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يجعله بمنزلة نفسه ، و أنّه كان مظهر الإيمان و العدالة و الورع و التقوى ، و أنّه كان أعلم الناس بالكتاب و السنة و شريعة الإسلام باجماع الامّة حتى من صدّيقهم و فاروقهم ؟

و أ لم يكن من العجب ألاّ يقبلوا منه عليه السّلام حكمية ابن عباس و الأشتر و الأحنف ، و يجبروه على أبي موسى ، و يقبلوا من معاوية حكمية عمرو ؟

ــــــــــــ

( ١ ) الحجرات : ٩ .

٤٣٠

ثم من أين أنّهم لم يكونوا سمعوا ما قاله النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فيه ؟ بل رأوا ورووا جميع ذلك ، إلاّ أنّ تقدّم الرجلين عليه جعل جميع أقوال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فيه نسيا ،

منسيا روى محمد بن يعقوب في روضته ١ مسندا : أنّ عبد اللّه بن نافع الأزرق كان يقول : لو أنّي علمت أنّ بين قطريها أحدا تبلغني إليه المطايا ،

يخصمني : أنّ عليّا قتل أهل النهروان و هو لهم غير ظالم ، لرحلت إليه . فقيل له:

و لا ولده ؟ فقال : أ في ولده عالم ؟ فقيل له : هذا أوّل جهلك ، أو هم يخلون من عالم ؟ قال : فمن عالمهم اليوم ؟ قيل : محمد بن علي بن الحسين بن علي . فرحل إليه في صناديد أصحابه حتى أتى المدينة فاستأذن عليه عليه السّلام ، و بعث أبو جعفر عليه السّلام إلى جميع أبناء المهاجرين و الأنصار فجمعهم ، ثم خرج في ثوبين ممغرين كأنّه فلقة قمر و أقبل على الناس و قال بعد الحمد و الثناء : يا معشر أبناء المهاجرين و الأنصار من كانت عنده منقبة في عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه فليقم و ليحدّث . فقام الناس فسردوا تلك المناقب ، فقال عبد اللّه بن نافع :

أنا أروى لهذه المناقب من هؤلاء : و إنّما أحدث على الكفر بعد تحكيم الحكمين حتى انتهوا في المناقب إلى حديث خيبر : « لاعطين الرّاية غدا رجلا يحب اللّه و رسوله و يحبه اللّه و رسوله ، كرارا غير فرار ، لا يرجع حتى يفتح اللّه على يديه » فقال له أبو جعفر : ما تقول في هذا الحديث ؟ فقال : هو حق لا شك فيه ،

و لكن أحدث الكفر بعد . فقال أبو جعفر عليه السّلام له : ثكلتك امّك أخبرني عن اللّه تعالى : أحبّ عليّا يوم أحبّه و هو يعلم أنّه يقتل أهل النهروان أم لم يعلم ؟ قال ابن نافع : أعد عليّ . فاعاده ، فقال : إنّ قلت : لا ، فقد كفرت . قال : فقل : قد علم . فقال :

قد علم . قال فأحبّه اللّه على أن يعمل بطاعته أو يعمل بمعصيته ؟ فقال : بل بطاعته . فقال : قم مخصوما . فقام ابن نافع و هو يقول : حتّى يتبيّن لكم الخيط

ــــــــــــ

( ١ ) روضة الكافي لمحمّد بن يعقوب ٨ : ٣٤٩ ح ٥٤٨ .

٤٣١

الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ١ اللّه أعلم حيث يجعل رسالته ٢ .

هذا ، و قال عليه السّلام : حاجّوهم بسنة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله حتى تغلبوهم . و هم كانوا يريدون منه عليه السّلام سنّة أبي بكر و عمر فلا يقبلها منهم ، و في ( الطبري ) ٣ : لمّا خرجت الخوارج من الكوفة أتى عليا عليه السّلام أصحابه و شيعته فبايعوه و قالوا:

نحن أولياء من واليت و أعداء من عاديت . فشرط لهم فيه سنّة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ،

فجاءه ربيعة بن أبي شداد الخثعمي و كان شهد معه الجمل و صفين و معه راية خثعم فقال له بايع على كتاب اللّه و سنة رسوله صلّى اللّه عليه و آله . فقال ربيعة : على سنّة أبي بكر و عمر . فقل له عليّ عليه السّلام : ويلك لو أنّ أبا بكر و عمر عملا بغير كتاب اللّه و سنّة رسوله صلّى اللّه عليه و آله لم يكونا على شي‏ء من الحق . فبايعه ربيعة و نظر إليه عليّ عليه السّلام فقال : اما و اللّه لكأنّي بك و قد نفرت مع هذه الخوارج فقتلت و كأنّي بك و قد وطئتك الخيل بحوافرها . فقتل يوم النهر . . . .

و كان إخواننا السنّة يحاجّون الخوارج في احداث عثمان بعدم جناح فيها بسنة أبي بكر و عمر فيغلبونهم بذلك ، قال مصعب الزبيري في ( نسب قريشه ) : قال هشام بن عروة : قال عبد اللّه بن الزبير : لقيني ناس ممّن كان يطعن على عثمان ممّن يرى رأي الخوارج ، فراجعوني في رأيهم و حاجّوني بالقرآن ، فو اللّه ما قمت معهم و لا قعدت ، فرجعت إلى الزبير منكسرا فذكرت ذلك له فقال : إنّ القرآن تأوّله كلّ قوم على رأيهم و حملوه عليه ، و لعمر اللّه إنّ القرآن لمعتدل مستقيم و ما التقصير إلاّ من قبلهم ، و من طعنوا عليه من الناس فإنّهم لا يطعنون في أبي بكر و عمر ، فخذهم بسنّتهما و سيرتهما . قال عبد اللّه :

ــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ١٨٧ .

( ٢ ) الأنعام : ١٢٤ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٥ : ٧٦ .

٤٣٢

فكأنّما أيقظني بذلك ، فلقيتهم فحاججتهم بسنن أبي بكر ، فلمّا أخذتهم بذلك قهرتهم ، و ضعف قولهم حتى كأنهم صبيان يمغثون . . . .

و غرهم في دينهم ما كانوا يفترون ١ ، فذرهم في غمرتهم حتى حين ٢ فإخواننا ينكرون الامور الفطرية و القواعد العقلية ، فكون أحداث عثمان امورا منكرة فطري كل موحد و ملحد ، و بطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم ، فعليهم أن يقولوا ببطلان سنّة صدّيقهم و فاروقهم لبطلان سنّة ذي نوريهم ، لا أن يجعلوا سنّة ذي نوريهم حقّا بسنة صديقهم و فاروقهم فمن أعمال ذي نوريهم : نفي أبي ذر و كسر ضلع عمار ، و قد قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فيهما : أمرني اللّه تعالى بحبّهما ، و أنّ الجنة لمشتاقة إليهما .

و تولية الوليد الذي صلّى الصبح بالناس سكران أربعا و تغنى .

و تولية ابن أبي سرح الذي أهدر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله دمه .

و ردّه الحكم الذي نفاه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله .

و أمره بقتل جمع من المؤمنين حتى أجمع المهاجرون و الأنصار على قتله ، و حتى إنّ أمير المؤمنين اباح قتله ، فلمّا قال شرحبيل الذي أرسله معاوية إليه عليه السّلام له : أتشهد أنّ عثمان قتل مظلوما ؟ فقال : لا أشهد . فقال شرحبيل : فمن لم يزعم أنّ عثمان قتل مظلوما فنحن منه برآء و انصرف فقال عليه السّلام : انك لا تسمع الموتى و لا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين و ما أنت بهادي العُمي عن ضلالتهم ان تسمع إلاّ من يؤمن باياتنا فهم مسلمون ٣ . و حتى قال هاشم بن عتبة المرقال للشامي الذي قال له: « إنّ

ــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ٢٤ .

( ٢ ) المؤمنون : ٥٤ .

( ٣ ) النمل : ٨٠ ٨١ .

٤٣٣

صاحبكم قتل خليفتنا » ما أنت و ابن عفان ؟ إنّما قتله أصحاب محمّد و أبناء أصحابه و قرّاء الناس ، حين احدث الأحداث و خالف حكم الكتاب . و حتى إنّ عمّارا لمّا قال له عمرو بن العاص : « لم قتلتم عثمان » قال : لأنّه أراد أن يغيّر ديننا ، و أنّ اللّه قتله و عليّ معه . و عمر يعرف عثمان حتى قال له : كأنّي أراك تولّي بني أبيك على رقاب الناس حتى يضطرّ الناس إلى ضرب رقبتك . و مع ذلك دبّر الأمر له بجعل صهره ابن عوف حكما من الستة هذا و السنّة و إن كانت أوضح من الكتاب ، إلاّ أنّه لمّا كان ما بيّن فيها محدودا مثل ما بيّن في ظاهر الكتاب كانا غير كافيين في رفع اختلاف الناس ،

فكان واجبا على اللّه الحكيم أن يجعل معهما للناس حجة يكون كالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله ذا اتصال به تعالى ، لا يقول ما يقول إلاّ عنه تعالى ، و أن يجعل عليه دلالة و آية ،

قال يونس بن يعقوب كما في ( الكافي ) ١ كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فورد عليه رجل من أهل الشام و قال له عليه السّلام : إنّي رجل صاحب كلام و فقه و فرائض و قد جئت لمناظرة أصحابك . فقال عليه السّلام : كلّم هذا الغلام يعني هشام بن الحكم . فقال له : يا غلام سلني في امامة هذا يعني أبا عبد اللّه عليه السّلام : فغضب هشام حتى ارتعد ، ثمّ قال له : أخبرني يا هذا أربّك أنظر لخلقه أم هم لأنفسهم ؟

فقال : بل ربي أنظر لخلقه . قال : ففعل بنظره لهم في دينهم ماذا ؟ قال : كلّفهم و أقام لهم حجة و دليلا على ما كلّفهم ، و أزاح في ذلك عللهم . فقال له هشام : فما هذا الدليل الذي نصبه لهم ؟ قال : هو النبيّ صلّى اللّه عليه و آله . قال : فمن بعده ؟ قال : الكتاب و السنّة . قال : فهل ينفعنا اليوم الكتاب و السنّة في ما اختلفنا فيه ، حتى يرفع عنّا الاختلاف و يمكّننا من الإتفاق ؟ قال : نعم . قال : فلم اختلفنا نحن و أنت و جئتنا من الشام تخالفنا ، و تزعم أنّ الرأي طريق الدين و أنت تقرّ بأنّ الرأي لا يجمع

ــــــــــــ

( ١ ) الكافي ١ : ١٧١ ح ٤ .

٤٣٤

المختلفين على القول الواحد ؟ فسكت كالمفكر فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام: مالك لا تتكلم ؟ قال : إن قلت : إنّا ما اختلفنا كابرت ، و إن قلت : إنّ الكتاب و السنّة يرفعان الإختلاف أبطلت لانّهما يحتملان الوجوه ، و لكن لي عليه مثل ذلك . فقال عليه السّلام له : سله تجده مليا . فقال الشامي لهشام : من أنظر للخلق ربهم أم أنفسهم ؟ قال هشام : بل ربّهم . فقال : فهل أقام لهم من يجمع كلمتهم و يرفع اختلافهم و يبيّن لهم حقهم من باطلهم ؟ قال : نعم . قال : من هو ؟ قال : أمّا في ابتداء الشريعة فالنبي ، و أمّا بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فغيره . قال : و من غيره ؟ قال : في وقتنا هذا أم قبله؟

قال : بل في وقتنا هذا . قال هشام : هذا الجالس يعني أبا عبد اللّه الذي يشدّ إليه الرحال و يخبرنا بأخبار السماء وراثة عن أب و جد . قال الشامي : و كيف لي بعلم ذلك ؟ قال : سله عمّا بدا لك . قال الشامي : قطعت عذري فعليّ السؤال . قال له أبو عبد اللّه عليه السّلام : أنا أكفيك المسألة يا شامي ، اخبرك عن مسيرك و سفرك :

خرجت يوم كذا و كان طريقك كذا و مررت على كذا و مرّ بك كذا . و أقبل الشامي كلما وصف عليه السّلام له شيئا من أمره يقول : صدقت و اللّه . ثم قال الشامي : أسلمت للّه الساعة . فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام : بل آمنت به الساعة ، إنّ الإسلام قبل الإيمان و عليه يتوارثون و يتناكحون ، و على الإيمان يثابون . قال الشامي : صدقت ، فأنا الساعة أشهد ألاّ إله إلاّ اللّه و أنّ محمدا صلّى اللّه عليه و آله رسوله و أنّك وصيّ الأوصياء .

١٠

من الخطبة ( ١٩٠ ) أَلاَ وَ قَدْ أَمَرَنِيَ اَللَّهُ بِقِتَالِ أَهْلِ اَلْبَغْيِ وَ اَلنَّكْثِ وَ اَلْفَسَادِ فِي اَلْأَرْضِ فَأَمَّا ؟ اَلنَّاكِثُونَ ؟ فَقَدْ قَاتَلْتُ وَ أَمَّا ؟ اَلْقَاسِطُونَ ؟ فَقَدْ جَاهَدْتُ وَ أَمَّا ؟ اَلْمَارِقَةُ ؟ فَقَدْ دَوَّخْتُ وَ أَمَّا شَيْطَانُ اَلرَّدْهَةِ فَقَدْ كُفِيتُهُ بِصَعْقَةٍ سُمِعَتْ لَهَا وَجْبَةُ قَلْبِهِ وَ رَجَّةُ صَدْرِهِ وَ بَقِيَتْ بَقِيَّةٌ مِنْ أَهْلِ اَلْبَغْيِ وَ لَئِنْ أَذِنَ اَللَّهُ فِي اَلْكَرَّةِ

٤٣٥

عَلَيْهِمْ لَأُدِيلَنَّ مِنْهُمْ إِلاَّ مَا يَتَشَذَّرُ فِي أَطْرَافِ اَلْبِلاَدِ تَشَذُّراً « ألا و قد أمرني اللّه » في قوله تعالى : يا أيّها النبي جاهد الكفار و المنافقين و أغلظ عليهم و مأواهم جهنّم و بئس المصير ١ ذكره في سورة التوبة و سورة التحريم ، و لم يجاهد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلاّ الكفّار على تنزيل القرآن ، و حيث إنّه عليه السّلام كان بمنزلة نفس النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بمقتضى قوله تعالى : . . . و انفسنا . . . ٢ لا بد أنّه عليه السّلام كان المكلف بجهاد المنافقين على تأويل القرآن .

و يشهد له ما رواه ( الاسد ) ٣ . مسندا عن أبي سعيد الخدري قال : كنّا مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فانقطع شسعه فأخذها عليّ عليه السّلام يصلحه فمضى ، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله :

إنّ منكم رجلا يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله . فاستشرف لها القوم فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله : لكنّه خاصف النعل . فجاء فبشّرناه بذلك ، فلم يرفع به رأسا كأنّه شي‏ء قد سمعه من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله .

و ما رواه أحمد بن حنبل في ( فضائله ) و الترمذي في ( سننه ) و اللفظ للاول أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال : لينتهين بنو وليعة أو لأبعثن إليهم رجلا كنفسي ،

يمضي فيهم أمري ، يقتل المقاتلة و يسبي الذرية . قال أبو ذر : فما راعني إلاّ برد كفّ عمر من خلفي ، فقال : من تراه يعني ؟ قلت : ما يعنيك و إنّما يعني خاصف النعل على بن أبي طالب إلى أن قال فالتفت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلى عليّ عليه السّلام و انتثل بيده و قال : هذا هو هذا هو مرّتين .

و كذلك قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لقريش ففي ( تاريخ بغداد ) ٤ : أنّ سهيل بن عمرو لمّا قال للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله : خرج إليك ناس من أرقائنا فارددهم علينا . و قال : أبو بكر

ــــــــــــ

( ١ ) التوبة : ٧٣ ، و التحريم : ٩ .

( ٢ ) آل عمران : ٦١ .

( ٣ ) الاسد للجزري ٤ : ٣٢ .

( ٤ ) تاريخ بغداد ١ : ١٣٣ .

٤٣٦

و عمر للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله : صدق سهيل . قال النبي : لن تنتهوا يا معشر قريش حتى يبعث اللّه عليكم رجلا امتحن اللّه قلبه بالايمان ، يضرب أعناقكم و أنتم مجفلون عنه اجفال النعم . فقال أبو بكر : أنا هو ؟ قال : لا . و قال عمر : أنا هو ؟ قال : لا ، و لكنّه خاصف النعل .

و روى ( التهذيب ) ١ عن حفص بن غياث عن الصادق عليه السّلام : سأل رجل أبي عن حروب أمير المؤمنين عليه السّلام فقال له : بعث اللّه محمدا صلّى اللّه عليه و آله بخمسة أسياف : ثلاثة منها شاهرة لا تغمد إلى أن قال و أمّا السيف المكفوف فسيف أهل البغي و التأويل ، قال تعالى : و إن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا . . . ٢ فلمّا نزلت قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله : إنّ منكم من يقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التنزيل . فسئل : من هو ؟ فقال : هو خاصف النعل . يعني أمير المؤمنين عليه السّلام . . . .

« بقتال أهل البغي » و هم معاوية و أصحابه .

« و النّكث » و هم طلحة و الزبير و أصحابهما .

« و الفساد في الأرض » و هم الخوارج يقتلون من يرون : الكبار و الصغار و الرجال و النساء .

و يشهد أيضا لكونه مأمورا من اللّه تعالى بقتال الفرق الثلاث ما رواه الكنجي الشافعي مسندا عن ابن عباس : أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال لامّ سلمة : هذا عليّ بن أبي طالب لحمه من لحمي و دمه من دمي ، و هو منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي ، يا امّ سلمة هذا عليّ أمير المؤمنين و سيد المرسلين و وعاء علمي و وصيي و بابي الذي اوتى منه و أخي في الدنيا و الآخرة و معي في المقام إلاّ على ، يقتل الناكثين و القاسطين و المارقين .

ــــــــــــ

( ١ ) التهذيب ٦ : ١٣٦ .

( ٢ ) الحجرات : ٩ .

٤٣٧

و روى ( الاسد ) ١ عن علي بن ربيعة قال : سمعت عليّا على منبركم هذا يقول: عهد إليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن اقاتل الناكثين و القاسطين و المارقين .

قال ابن أبي الحديد ٢ : ثبت عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال له عليه السّلام: ستقاتل بعدي الناكثين و القاسطين و المارقين .

قلت : و كذلك ثبت أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال لشيعته : إنّهم يقاتلون معه عليه السّلام الفرق الثلاث ، كأبي أيوب الأنصاري و عمّار و أبي سعيد الخدري ، روى الكنجي الشافعي في ( مناقبه ) مسندا عن أبي سعيد الخدري قال : أمرنا النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بقتال الناكثين و القاسطين و المارقين فقلنا له صلّى اللّه عليه و آله : أمرتنا بقتال هؤلاء فمع من ؟ قال : مع عليّ بن أبي طالب ، معه يقتل عمّار .

و رواه الجزري في ( اسده ) ٣ .

و روى هو و ابن ديزيل في ( صفينه ) مسندا عن مخنف بن سليم قال :

قدم علينا أبو أيوب الأنصاري فنزل ضيعتنا يعلف خيلا له ، فأتيناه فاهدينا له و قعدنا عنده فقلنا : يا أبا أيوب قاتلت المشركين بسيفك هذا مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ثم جئت تقاتل المسلمين ؟ فقال : إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمرني بقتال القاسطين و المارقين و الناكثين ، فقد قاتلت الناكثين و قاتلت القاسطين ، و أنا مقاتل إن شاء اللّه المارقين بالسعفات بالطرفات بالنهروات ، و ما أدري أين هي ؟

و في ( صفين نصر ) ٤ في حديث جمع ذي الكلاع بين عمّار و عمرو بن العاص ، لأنّه سمع عمرا في إمارة عمر : أنّ عمّارا تقتله الفئة الباغية فقال عمرو لعمّار : علام تقاتلنا ، أو لسنا نعبد إلها واحدا ؟ فقال له عمّار : ساخبرك

ــــــــــــ

( ١ ) اسد الغابة ٤ : ٣٣ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ١٨٣ .

( ٣ ) الاسد للجزري ٤ : ٣٣ .

( ٤ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٣٣٨ .

٤٣٨

علام اقاتلك : أمرني النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن اقاتل الناكثين فقد فعلت و أمرني أن اقاتل القاسطين فأنتم هم ، و أمّا المارقون فما أدري أدركهم أم لا ؟ ألم تعلم أيها الأبتر أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال لعليّ عليه السّلام : « من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه و عاد من عاداه » ؟ و أنا مولى اللّه و رسوله ، و عليّ بعده و ليس لك مولى . . . .

قال ابن أبي الحديد ١ : قال تعالى في الناكثين : . . . و من نكث فإنّما ينكث على نفسه . . . ٢ أو في القاسطين : و أمّا القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ٣ .

و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في المارقين : يخرج من ضئضي هذا قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، ينظر أحدكم في النصل فلا يجد شيئا ،

فينظر في الفوق فلا يجد شيئا . و هذا الخبر من اعلام نبوته صلّى اللّه عليه و آله و من اخباره المفصلة بالغيوب .

قلت : و كذا خبر كلاب الحوأب في الناكثين ، و خبر قتل عمار في القاسطين من اعلام نبوة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الكلّ من أعلام إمامة أمير المؤمنين عليه السّلام أيضا ، و لم يذكر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لأحد من المتقدّمين على أمير المؤمنين عليه السّلام شيئا ، مع وقوع فتوح كثيرة منهم و قتالهم مع الكفار ، و إنّما قال إجمالا إنّ امّته تفتح فارس و الروم ، حتى ظن عمر أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يفتتحها بنفسه ، فاستند في منعه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن الوصية بأنّه قال لنا : يفتح فارس و الروم ، و ما فتحهما بعد ، فروى كاتب الواقدي في ( طبقاته ) عن الواقدي عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن عكرمه عن ابن عباس : أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال في مرضه الذي مات فيه : إيتوني بدواة و صحيفة

ــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ١٨٣ .

( ٢ ) الفتح : ١٠ .

( ٣ ) الجنّ : ١٥ .

٤٣٩

أكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعده أبدا . فقال عمر : من لفلانة و فلانة مدائن الروم إنّ النبي ليس بميت حتى نفتتحها ، و لو مات لانتظرناه كما انتظرت بنو اسرائيل موسى . . . .

« فأمّا الناكثون فقد قاتلت » و في ( الطبري ) ١ عن ابن أبي يعقوب : قتل عليّ عليه السّلام يوم الجمل ألفين و خمسمائة : من الأزد ألف و ثلاثمائة و خمسون ،

و من بني ضبّة ثمانمائة ، و من ساير الناس ثلاثمائة و خمسون .

« و أمّا القاسطون فقد جاهدت » في ( صفين نصر ) ٢ عن جابر الأنصاري قال : و اللّه لكأنّي أسمع عليّا يوم الهرير يقول : حتى متى نخلّي بين هذين الحيين أي : مذحج من أصحابه و الأشعريين من أصحاب معويه قد فنيا و أنتم وقوف تنظرون إليهم ، أما تخافون مقت اللّه إلى أن قال قال جابر : لا و الذي بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله بالحق نبيا ، ما سمعنا برئيس قوم منذ خلق اللّه السماوات و الأرض أصاب بيده في يوم واحد ما أصاب عليه السّلام ، إنّه قتل في ما ذكر العادّون زيادة على خمسمائة من أعلام العرب يخرج بسيفه منحنيا فيقول :

« معذرة إلى اللّه تعالى و إليكم من هذا ، لقد هممت أن أفلقه و لكن حجزني عنه أنّي سمعت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يقول كثيرا :

لا سيف إلاّ ذو الفقار

و لا فتى إلاّ عليّ

و أنا اقاتل به دونه » فكنا نأخذه فنقومه ، ثم يتناوله من أيدينا فيقتحم به في عرض الصف . . . .

« و أمّا المارقة فقد دوّخت » أي : ذللتها ، في ( الطبري ) ٣ زحف الخوارج و هم

ــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٥٤٥ .

( ٢ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٤٧٧ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٥ : ٨٦ .

٤٤٠