• البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 76106 / تحميل: 3382
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 10

مؤلف:
العربية

في المقام فينا مؤنة و لا إكراه . فاشتدّ على أهل المدينة الأمر فتثاقلوا ، فبعثت إلى عبد اللّه بن عمر كميلا النخعي فجاء به إلى أن قال : فرجع ابن عمر إلى المدينة و هم يقولون : لا و اللّه ما ندري كيف نصنع ، فإنّ هذا الأمر مشتبه علينا ،

و نحن مقيمون حتّى يضي‏ء لنا و يسفر . فخرج تحت ليلته و أخبر ام كلثوم بنت علي بالذي سمع من أهل المدينة ، و إنّه يخرج معتمرا مقيما على طاعة عليّ ما خلا النهوض ، و كان صدوقا ، فاستقرّ عندها ، و أصبح عليّ فقيل له : حدث البارحة حدث هو أشدّ عليك من طلحة و الزبير و ام المؤمنين و معاوية . قال :

و ما ذلك ؟ قال : خرج ابن عمر إلى الشام ، فأتى على السوق و دعا بالظهر ، فحمل الرجال و أعد لكل طريق طلابا و ماج أهل المدينة ، و سمعت ام كلثوم بالذي هو فيه فدعت ببغلتها فركبتها في رحل ثم أتت عليّا و هو واقف في السوق يفرّق الرجال في طلبه ، فقالت : مالك لا تزند من هذا الرجل ؟ إنّ الأمر على خلاف ما بلغته و حدثته ، أنا ضامنة له . فطابت نفسه و قال : انصرفوا ، لا و اللّه ما كذبت و لا كذب ، و إنّه عندي ثقة ١ .

فمن أكاذيبه : أنّه عليه السّلام لم يولّ أحدا ممّن خرج على عثمان ، ألم يولّ محمّد بن أبي بكر و الأشتر و هما ممّن خرج عليه قطعا .

و منها قوله : إنّ الحسن دخل عليه و دعاه إلى القعود ، فقد عرفت كون ما نسب إليه عليه السّلام خلاف العقل .

و منها قوله : كتب إلى قيس و عثمان بن حنيف و أبي موسى أن يندبوا النّاس إلى الشام ، و إنّ ابن حنيف كان مبتلى بطلحة و الزبير ، و أبو موسى إنّما كتب إليه بندب أهل الكوفة إلى البصرة ، و كان عليه السّلام يومئذ مشغولا بالبصرة فما يكتب إلى قيس .

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٤٤٤ ٤٤٦ ، سنة ٣٦ ، و النقل بتصرّف و تلخيص .

٤١

و منها : ما نسبه إليه عليه السّلام « ان اللّه جعل لظالم هذه الامّة العفو و المغفرة » ،

هل اللّه ابن عمّ ظلمة هذه الامّة حتى يجعل لهم العفو و المغفرة ؟ و سيجزي اللّه المفترين . إلا أن أئمته و أشياعهم لمّا كانوا ظلمة ، لا بد أن يقول ذلك حتّى يصحّ ايتمامه بهم .

و منها : قوله و هو مضحك انّه عليه السّلام قال : إنّ طلحة و الزبير و امهم دعوا النّاس إلى الإصلاح . فيقال له : الإصلاح بين من و من ؟ و إذا كانوا أرادوا الاصلاح فلا بد أنّه عليه السّلام أراد الإفساد قبّح اللّه هذا الرجل ما يدري ما يقول و كذلك قوله : « ثمّ أتاه أنّهم يريدون البصرة لمشاهدة النّاس و الإصلاح » . فهل كان أهل المدينة نسناسا فأرادوا أن يخرجوا إلى البصرة حتّى يروا النّاس ؟ و منها قوله : « إنّ أهل المدينة قالوا إنّ الأمر مشتبه علينا و نحن مقيمون حتى يضي‏ء لنا » . فإنّه إنّما تخلّف عنه باتفاق السير سعد و ابن عمر و محمّد بن مسلمة و المغيرة معتذرين أنّ الأمر مشتبه علينا ، و أمّا باقي النّاس فبايعوه شوقا و عاونوه طوعا .

و منها : قوله « قيل له عليه السّلام حدث حادث أشدّ عليك من طلحة و الزبير و عايشة و معاوية » فأي سفيه كان يتوهم ذلك ؟ فإنّ الرجل لم يكن له قابلية أصلا ، و لذا زجر عمر من قال له : لم لا تجعله ولي عهدك ؟ و إنّما قال عليه السّلام لعمّار ،

لمّا دعاه و اعتذر : « دعه فإنّه ضعيف » .

و أين هو من طلحة و الزبير و كانا يعدّان أنفسهما فوق عمر ؟ و أين وجاهته عند النّاس من عايشة ؟ و أين هو من معاوية الذي كان في الدهاء آية و كان ذا سلطان ، كان بيده الشام و كانوا يعبدونه ؟ و من المضحك أنه بدل قوله عليه السّلام في ابن عمر بكونه ضعيفا بقوله ثقة .

و منها : قوله إنّ امّ كلثوم دعت ببغلتها ، فوضع هذا في مقابل ركوب

٤٢

عايشة بغلتها لمنع دفن الحسن عليه السّلام عند جدّه . و حينئذ فأي عبرة تبقى بما فيه ؟ و الكذّاب لا يصدق ، إلاّ إذا كان شاهد على صدقه ، و الدخيل لا يروج إلاّ أن يستخرج غشّه . و الرضي رضى اللّه عنه فعل ذلك هنا فأسقط قوله : « إنّ اللّه جعل لظالم هذه الامّة العفو و المغفرة » . و أسقط قوله : « و دعوا النّاس إلى الإصلاح » .

قوله : « و إنّ المبدعات المشبهات » أي : بالسنن .

« من المهلكات » لأنّ الإنسان يغتر بها .

« إلاّ ما حفظ اللّه منها » هكذا في ( المصرية ) ١ ، و لفظة ( منها ) زائدة لعدم وجودها في ( ابن ميثم ) ٢ ، و كذا في ( المستند ) ، و منه يظهر أنّ وجودها في نسخة من ( ابن أبي الحديد ) غير صحيحة ٣ .

« و إن في سلطان اللّه عصمة » أي : حفظ .

« لأمركم فأعطوه طاعتكم غير ملوّمة » هكذا في ( المصرية ) ٤ ، و قال ( ابن ميثم ) و في نسخة ( ملوية ) ٥ ، و هو الأنسب مع أنّه كذا في ( المستند ) .

« و اللّه لتفعلن أو لينقلن عنكم سلطان الإسلام ، ثم لا ينقله إليكم أبدا حتّى يأرز الأمر » أي : يجتمع و ينضمّ ، يقال : « أرزت الحيّة إلى حجرها » .

و قال الشاعر :

و قد أرزت من بردهنّ الأنامل

« إلى غيركم » قال ابن أبي الحديد : فإن قيل : كيف لم يعد إليهم و قد عاد بالخلافة العباسية ؟ قلت : لأن الشرط و هو عدم الطاعة لم يقع . و قال قوم :

ــــــــــــ

 ( ١ ) نهج البلاغة ٢ : ٩٩ .

 ( ٢ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٣٢٤ عند شرح فقرات الخطبة .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٢٩٥ .

 ( ٤ ) نهج البلاغة ٢ : ٩٩ .

 ( ٥ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٣٢٥ .

٤٣

خاطب الشيعة الطالبيّة فقال : إن لم تعطوني الطاعة المحضة نقل الخلافة عن هذا البيت حتّى ينضمّ إلى بيت آخر البيت العباسي ١ .

قلت : عنده عليه السّلام العبّاسية مع الاموية سواء كالتيميّة و العدوية ، و الظاهر من السياق نقل سلطان الإسلام إلى غير المسلمين لقوله : « أو لينقلنّ سلطان الإسلام عنكم ثم لا ينقله إليكم أبدا » .

فالظاهر كونه إشارة إلى الدولة الهلاكوية استأصلت الخلافة العباسية ،

و ختم اسم الخلافة من العامّة ، فإنّهم قبلها يدّعون كون سلطنتهم الخلافة الإسلاميّة .

كما أنّ الظاهر أنّ المراد من قوله عليه السّلام : « حتّى يأرز الأمر إلى غيركم » قيام المهديّ عليه السّلام و دولة أهل بيته ، فإنّ أهل بيته عليهم السّلام كانوا من غير المخاطبين لاختلاف عقيدتهم معهم بأنّهم لمّا كانوا أهل بيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يجب أن يكونوا خلفاءه ، كما هو مقتضى العقل و جرت عليه الشرايع ذريّة بعضها من بعض . . . ٢ .

هذا و من روايات سيف المجعولة : أنّ عليّا خرج من المدينة في تعبيته التي تعبّا بها إلى الشام ، لمّا بلغه إرادة طلحة و الزبير الخروج إلى البصرة ،

يرجو أن يدركهم فيحول بينهم و بين الخروج ، فلقيه عبد اللّه بن سلام فأخذ بعنانه و قال : لا تخرج منها فو اللّه لئن خرجت منها لا ترجع إليها و لا يعود إليها سلطان المسلمين أبدا . فسبّوه ، فقال : دعوا الرجل ، فنعم الرجل من أصحاب محمّد ٣ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٢٩٦ ٢٩٧ .

 ( ٢ ) آل عمران : ٣٤ .

 ( ٣ ) تاريخ الطبريّ ٤ : ٤٥٥ ، سنة ٣٦ .

٤٤

٦

الخطبة ( ١٧٢ ) منها في ذكر أصحاب الجمل :

فَخَرَجُوا يَجُرُّونَ حُرْمَةَ ؟ رَسُولِ اَللَّهِ ص ؟ كَمَا تُجَرُّ اَلْأَمَةُ عِنْدَ شِرَائِهَا مُتَوَجِّهِينَ بِهَا إِلَى ؟ اَلْبَصْرَةِ ؟ فَحَبَسَا نِسَاءَهُمَا فِي بُيُوتِهِمَا وَ أَبْرَزَا حَبِيسَ ؟ رَسُولِ اَللَّهِ ص ؟ لَهُمَا وَ لِغَيْرِهِمَا فِي جَيْشٍ مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلاَّ وَ قَدْ أَعْطَانِي اَلطَّاعَةَ وَ سَمَحَ لِي بِالْبَيْعَةِ طَائِعاً غَيْرَ مُكْرَهٍ فَقَدِمُوا عَلَى عَامِلِي بِهَا وَ خُزَّانِ بَيْتِ مَالِ اَلْمُسْلِمِينَ وَ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِهَا فَقَتَلُوا طَائِفَةً صَبْراً وَ طَائِفَةً غَدْراً فَوَاللَّهِ لَوْ لَمْ يُصِيبُوا مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ إِلاَّ رَجُلاً وَاحِداً مُتَعَمِّدِينَ لِقَتْلِهِ بِلاَ جُرْمٍ جَرَّهُ لَحَلَّ لِي قَتْلُ ذَلِكَ اَلْجَيْشِ كُلِّهِ إِذْ حَضَرُوهُ فَلَمْ يُنْكِرُوا وَ لَمْ يَدْفَعُوا عَنْهُ بِلِسَانٍ وَ لاَ بِيَدٍ دَعْ مَا إِنَّهُمْ قَدْ قَتَلُوا مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ مِثْلَ اَلْعِدَّةِ اَلَّتِي دَخَلُوا بِهَا عَلَيْهِمْ و الخطبة ( ٢١٨ ) و من كلام له عليه السّلام في ذكر السائرين إلى البصرة لحربه عليه السّلام :

فَقَدِمُوا عَلَى عُمَّالِي بِهَا وَ خُزَّانِ بَيْتِ مَالِ اَلْمُسْلِمِينَ اَلَّذِي فِي يَدَيَّ وَ عَلَى أَهْلِ ؟ مِصْرٍ ؟ كُلُّهُمْ فِي طَاعَتِي وَ عَلَى بَيْعَتِي فَشَتَّتُوا كَلِمَتَهُمْ وَ أَفْسَدُوا عَلَيَّ جَمَاعَتَهُمْ وَ وَثَبُوا عَلَى شِيعَتِي فَقَتَلُوا طَاِئفَةً مِنْهُمْ غَدْراً وَ طَاِئفَةً مِنْهُمْ عَضُّوا عَلَى أَسْيَافِهِمْ فَضَارَبُوا بِهَا حَتَّى لَقُوا اَللَّهَ صَادِقِينَ أقول : قد ترى أن الثاني تكرار جزء من الأوّل ، و إنّما زيد فيه فقرات ، و الأصل فيهما كتاب كتبه عليه السّلام للناس ليقرأ عليهم لمّا سألوه عن الثلاثة بعد فتح معاوية لمصر ، رواه ( خلفاء ابن قتيبة ) و ( غارات إبراهيم الثقفي ) و ( رسائل

٤٥

الكليني ) و ( مسترشد ابن رستم الطبري ) .

ففي الأوّل : « فأوّل من بايعني طلحة و الزبير ، و لو أبيا ما أكرهتهما كما لم أكره غيرهما ، فما لبثا إلاّ يسيرا حتّى قيل لي قد خرجا متوجهين إلى البصرة في جيش ، ما منهم رجل إلاّ و قد أعطاني الطاعة و سمح لي بالبيعة ،

فقدما على عمّالي و خزّان بيت مالي و على أهل مصر كلّهم في طاعتي و على بيعتي ، فشتّتوا كلمتهم و أفسدوا جماعتهم ، ثم و ثبوا على شيعتي فقتلوا طائفة صبرا و طائفة غدرا .

و منهم طائفة غضبوا للّه فشهروا سيوفهم و ضربوا بها ، حتّى لقوا اللّه عزّ و جلّ صادقين ، و اللّه لو لم يصيبوا منهم إلاّ رجلا واحدا متعمّدين لقتله لحل لي بذلك قتل الجيش كلّه ، مع أنّهم قد قتلوا من المسلمين أكثر من العدّة التي دخلوا بها عليهم ، و قد أدال اللّه منهم فبعدا للقوم الظالمين ١ . و مثله الثاني ٢ .

و في الثالث : فأي خطيئة أعظم ممّا أتيا ؟ إخراجهما زوجة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من بيتها فكشفا عنها حجابا ستره اللّه عليها ، وصانا حلائلهما في بيوتهما إلى أن قال : ثمّ أتوا البصرة و أهلها مجتمعون على بيعتي و طاعتي ،

و بها شيعتي خزّان بيت مال اللّه و مال المسلمين إلى أن قال : و قتلوا شيعتي ،

طائفة صبرا و طائفة غدرا و طائفة عضوا بأسيافهم حتّى لقوا اللّه ، فو اللّه لو لم يقتلوا إلاّ رجلا و أحدا لحلّ لي به دماؤهم و دماء ذلك الجيش لرضائهم بقتل من قتل ، دع مع أنهم قد قتلوا أكثر من العدة التي قد دخلوا بها عليهم ، و قد أدال اللّه منهم فبعدا للقوم الظالمين .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الإمامة و السياسة ١ : ١٥٦ و الآية ٤١ من سورة المؤمنون .

 ( ٢ ) الغارات ١ : ٣١١ .

٤٦

فأما طلحة فرماه مروان بسهم فقتله . . . ١ و مثله الرابع ٢ .

قول المصنّف في الأوّل : « منها في ذكر أصحاب الجمل » قال ابن أبي الحديد : قال أبو مخنف : حدّثني الكلبي عن أبي صالح عن ابن عبّاس : أن الزبير و طلحة أغذّا السير بعايشة حتّى انتهوا إلى حفر أبي موسى قريب البصرة فكتبا إلى عثمان بن حنيف عامل عليّ عليه السّلام أن أخل لنا دار الامارة . فلمّا وصل كتابهما إليه ، بعث إلى الأحنف فقال له : إنّ هؤلاء القوم قدموا علينا و معهم زوجة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و النّاس إليها سراع .

فقال الأحنف انّهم جاؤوك بها للطلب بدم عثمان ، و هم الذين ألّبوا على عثمان النّاس و سفكوا دمه ، و أراهم و اللّه لا يزالونا حتّى يلقوا العداوة بيننا و يسفكوا دماءنا . و أظنهم و اللّه سيركبون منك خاصة ما لا قبل لك به إن لم تتأهب لهم بالنهوض إليهم فيمن معك من أهل البصرة ، فإنّك اليوم الوالي عليها و أنت فيهم مطاع ، فسر إليهم بالناس و بادرهم قبل أن يكونوا معك في دار واحدة ، فيكون النّاس لهم أطوع منك لك . فقال عثمان بن حنيف : الرأي ما رأيت لكني أكره أن أبدأهم و أرجو العافية و السلامة ، إلى أن يأتيني كتاب أمير المؤمنين عليه السّلام و رأيه فأعمل به .

ثم أتاه بعد الأحنف حكيم بن جبلة من بني عمرو بن وديعة فأقرأه كتاب طلحة و الزبير ، فقال له حكيم مثل قول الأحنف و أجابه بمثل جوابه للأحنف ، فقال له حكيم : فائذن لي حتّى أسير إليهم بالناس ، فإن دخلوا في طاعة أمير المؤمنين عليه السّلام و إلاّ فأنابذهم على سواء . فقال له : لو كان ذلك رأيي لسرت إليهم بنفسي .

ــــــــــــ

 ( ١ ) رسائل الكليني .

 ( ٢ ) مسترشد الطبريّ .

٤٧

قال حكيم : أما و اللّه إن دخلوا عليك هذا المصر لتنقلن قلوب كثير من النّاس إليهم ، و ليزيلنك عن مجلسك هذا و أنت أعلم . فأبى عليه عثمان ، و كتب عليّ عليه السّلام إلى عثمان لمّا بلغه مشارفة القوم البصرة : « إنّ البغاة عاهدوا اللّه ثم نكثوا و توجهوا إلى مصرك و ساقهم الشيطان لطلب ما لا يرضى اللّه به ، و اللّه أشد بأسا و أشد تنكيلا ، فان أقدموا عليك فادعهم إلى الطاعة و الرجوع إلى الوفاء بالعهد و الميثاق الذي فارقونا عليه ، فإن أجابوا فأحسن جوارهم ما داموا عندك ، و إن أبوا إلاّ التمسك بحبل النكث و الخلاف فناجزهم حتّى يحكم اللّه بينك و بينهم و هو خير الحاكمين . و كتبت إليك كتابي هذا من الربذة و أنا معجل المسير إليك إن شاء اللّه .

فلمّا وصل الكتاب إلى عثمان أرسل إلى أبي الأسود و عمران بن حصين الخزاعي فأمرهما أن يسيرا حتّى يأتياه بعلم القوم ، فانطلقا حتّى إذا أتيا حفر أبي موسى و به معسكر القوم ، فدخلا على عايشة فسألاها و وعظاها ، فقالت لهما : القيا طلحة و الزبير . فقاما من عندها و لقيا الزبير فكلّماه ، فقال لهما : إنّا جئنا للطلب بدم عثمان ، و ندعو النّاس إلى أن يردوا أمر الخلافة شورى ليختار النّاس لأنفسهم . فقالا له : إنّ عثمان لم يقتل بالبصرة ليطلب دمه فيها ، و أنت تعلم قتلة عثمان من هم و أين هم و إنّك و صاحبك و عايشة كنتم أشد النّاس عليه و أعظمهم إغراء بدمه ، فأقيدوا من أنفسكم .

و أمّا إعادة أمر الخلافة شورى ، فكيف و قد بايعتم عليّا عليه السّلام طائعين غير مكرهين ، و أنت لم تبعد العهد بقيامك دون هذا الرجل يوم مات النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ،

و أنت آخذ قائم سيفك تقول : ما أحد أحقّ بالخلافة منه و لا أولى بها منه ،

امتنعت من بيعة أبي بكر ، فأين ذلك الفعل من هذا القول ؟ فقال لهما : اذهبا فالقيا طلحة ، فقاما إلى طلحة فوجداه خشن اللمس شديد العريكة ، قوي العزم

٤٨

في إثارة الفتنة و اضرام نار الحرب . فانصرفا إلى عثمان بن حنيف فأخبراه .

و قال له أبو الأسود :

يابن حنيف قد أتيت فانفر

و طاعن القوم و اجلد و اصبر

و ابرز لهم مستلئما و شمّر

فقال ابن حنيف : أي و الحرمين لأفعلنّ . و أمر مناديه فنادى في النّاس :

السلاح السلاح . فاجتمعوا إليه .

و قال أبو الأسود :

أتينا الزبير فدانى الكلا

م و طلحة كالنجم أو أبعد

و أحسن قوليهما فادح

يضيق به الخطب مستنكد

و قد أوعدونا بجهد الوعي

د فأهون علينا بما أوعدوا

فقلنا ركضتم و لن ترملوا

و أصدرتم قبل أن توردوا

و إن تلقحوا الحرب بين الرجا

ل فملقحها حدّه الأنكد

و إنّ عليّا لكم مصحر

ألاّ إنّه الأسد الأسود

أما إنّه ثالث العابدي

ن بمكّة و اللّه لا يعبد

فرخّوا الخناق و لا تعجلوا

فإنّ غدا لكم موعد

و أقبل القوم ، فلمّا انتهوا إلى المربد ، قام رجل من بني جشم فقال : أيّها النّاس إن كان هؤلاء أتوكم خائفين لقد أتوكم من المكان الذي يأمن فيه الطير و الوحش و السباع ، و إن كانوا أتوكم بطلب دم عثمان فغير وليّ قتله فأطيعوني .

٤٩

أيّها النّاس ردّوهم من حيث أقبلوا ، فإنّكم إن لم تفعلوا لم تسلموا من الحرب الضروس و الفتنة الصماء التي لا تبقي و لا تذر . فحصبه ناس من أهل البصرة فأمسك ، و اجتمع أهل البصرة بالمربد حتّى ملؤوه مشاة و ركبانا ،

٥٠

فقام طلحة فأشار إلى النّاس بالسكوت ليخطب فسكتوا بعد جهد ، فقال : أما بعد ، فإن عثمان كان من أهل السابقة و الفضيلة ، و من المهاجرين الأوّلين الذين رضي اللّه عنهم و رضوا عنه ، و نزل القرآن ناطقا بفضلهم ، و أحد أئمّة المسلمين الوالين عليكم بعد أبي بكر و عمر صاحبي النّبيّ ، و قد كان أحدث أحداثا نقمناها عليه ، فأتيناه فاستعتبناه فأعتبنا ، فعدا عليه امرؤ ابتز هذه الامّة أمرها غصبا بغير رضى منها و لا مشورة ، فقتله و ساعده على ذلك قوم غير أتقياء و لا أبراء ، فقتل محرما بريئا تائبا . و قد جئناكم أيّها النّاس نطلب بدم عثمان ، و ندعوكم إلى الطلب بدمه ، فإن نحن أمكننا اللّه من قتلته قتلناهم به و جعلنا هذا الأمر شورى بين المسلمين ، و كانت خلافة رحمة للامّة جميعا ،

فإن كلّ من أخذ الأمر من غير رضى من العامة و لا مشورة منها ابتز . كان ملكه ملكا عضوضا و حدثا كبيرا .

ثمّ قام الزبير فتكلّم بمثل كلام طلحة ، فقام إليهما ناس من أهل البصرة ،

فقالوا لهما : ألم تبايعا عليّا فيمن بايعه ، ففيم بايعتما ثم نكثتما ؟ فقالا : ما بايعناه و لا لأحد في أعناقنا بيعة ، و إنّما استكرهنا على بيعته . فقال ناس : قد صدقا و أحسنا القول و قطعا بالصواب .

و قال ناس : ما صدقا و لا أصابا . حتّى ارتفعت الأصوات ، ثم أقبلت عايشة على جملها فنادت بصوت مرتفع : أيّها النّاس أقلّوا الكلام و اسكتوا .

فأسكت النّاس لها ، فقالت : إن أمير المؤمنين عثمان غيّر و بدّل ، ثم لم يزل يغسل ذلك بالتوبة حتى قتل مظلوما تائبا ، و إنّما نقموا عليه ضربه بالسوط و تأميره الشبّان و حمايته موضع الغمامة فقتلوه محرما ، في حرمة الشهر و حرمة البلد ذبحا كما يذبح الجمل . ألا و إن قريشا رمت غرضها بنبالها و أدمت أفواهها بأيديهما ، و ما نالت بقتلها إيّاه شيئا ، و لا سلك به سبيلا قاصدا .

٥١

أما و اللّه ليرونها بلايا عقيمة تنبه النائم و تقيم الجالس ، و ليسلّطنّ عليهم قوم لا يرحمونهم يسومونهم سوء العذاب .

أيّها النّاس ما بلغ من ذنب عثمان ما يستحلّ به دمه مصصتموه كما يماص الثوب الرخيص ، ثم عدوتم عليه قتلتموه بعد توبة و خروجه من ذنبه ،

و بايعتم ابن أبي طالب بغير مشورة من الجماعة ، ابتزازا و غصبا ، أتراني أغضب لكم من سوط عثمان و لسانه و لا أغضب لعثمان من سيوفكم ، ألا إنّ عثمان قتل مظلوما فاطلبوا قتلته ، فإذا ظفرتم بهم فاقتلوهم ، ثم اجعلوا الأمر شورى بين الرهط الذين اختارهم أمير المؤمنين عمر ، و لا يدخل فيهم من شرك في دم عثمان .

فماج النّاس و اختلطوا ، فمن قائل يقول : القول ما قالت . و من قائل يقول :

و ما هي و هذا الأمر ؟ إنّما هي امرأة مأمورة بلزوم بيتها . و ارتفعت الأصوات و كثر اللغط حتّى تضاربوا بالنعال و تراموا بالحصباء .

ثمّ إن النّاس تمايزوا فصاروا فريقين ، فريق مع عثمان بن حنيف ،

و فريق مع عايشة و أصحابها . فلمّا أقبل طلحة و الزبير من المربد يريدان ابن حنيف و جداه و أصحابه قد أخذوا بأفواه السكك ، فمضوا حتّى انتهوا إلى موضع الدبّاغين ، فاستقبلهم أصحاب ابن حنيف ، فشجرهم طلحة و الزبير و أصحابهما بالرماح ، فحمل عليهم حكيم بن جبلة فلم يزل و أصحابه يقاتلونهم حتّى أخرجوهم من جميع السكك ، و رماهم النساء من فوق البيوت بالحجارة ، فأخذوا إلى مقبرة بني مازن فوقفوا بها مليّا حتّى ثابت إليهم خيلهم ، ثم أخذوا على مسناة البصرة حتّى انتهوا إلى الرابوقة ، ثم أتو سبخة دار الرزق فنزلوها ، و أتاهما عبد اللّه بن حكيم التهمي لمّا نزلا السبخة بكتب كانا كتباها إليه ، فقال لطلحة : أما هذه كتبك إلينا ؟ قال بلى . قال : فكتبت أمس

٥٢

تدعونا إلى خلع عثمان و قتله ، حتّى إذا قتلته أتيتنا ثائرا بدمه ، فلعمري ما هذا رأيك، لا تريد إلاّ هذه الدّنيا ، مهلا إذا كان هذا رأيك فلم قبلت من عليّ عليه السّلام ما عرض عليك من البيعة فبايعته طائعا راضيا ثم نكثت بيعته ، ثم جئت لتدخلنا في فتنتك ؟ فقال : إن عليّا دعاني إلى بيعته بعد ما بايعه النّاس ، فعلمت أنّي لو لم أقبل ما عرضه عليّ لم يتم لي ، ثم يغرى بي من معه .

ثم أصبحا من غد فصفّا للحرب ، و خرج ابن حنيف إليهما فناشدهما اللّه و الإسلام و أذكرهما بيعتهما عليّا عليه السّلام ، فقالا : نحن نطلب بدم عثمان . فقال لهما : و ما أنتما و ذاك ، أين بنو عمّه الذين هم أحقّ به منكم ؟ كلا و اللّه و لكنّكما حسدتماه حيث اجتمع النّاس عليه ، و كنتما ترجوان هذا الأمر و تعملان له ،

و هل كان أحد أشد على عثمان قولا منكما ؟ فشتماه شتما قبيحا و ذكرا امّه .

فقال للزبير : أما و اللّه لو لا صفية و مكانها من النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فانّها أدنتك إلى الظل ، و إن الأمر بيني و بينك يا بن صعبة يعني طلحة أعظم من القول ،

لأعلمنكما من أمركما ما يسوؤكما ، اللهمّ إني قد أعذرت إلى هذين الرجلين . ثم حمل عليهم و اقتتل النّاس قتالا شديدا ، ثم تحاجزوا و اصطلحوا على أن يكتب بينهم كتاب صلح فكتب : هذا ما اصطلح عليه ابن حنيف و من معه من شيعة أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام و طلحة و الزبير و من معهما من المسلمين من شيعتهما ، إن لابن حنيف دار الامارة و الرحبة و المسجد و بيت المال و المنبر ،

و إن لطلحة و الزبير و من معهما أن ينزلوا حيث شاؤوا من البصرة ، لا يضار بعضهم بعضا في طريق و لا فرضة و لا سوق و لا شريعة و لا مرفق حتّى يقدم أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام ، فإن أحبوا دخلوا فيما دخلت فيه الامّة ، و إن أحبوا لحق كل قوم بهواهم من قتال و سلم و خروج و إقامة . و على الفريقين بما كتبوا

٥٣

عهد اللّه و ميثاقه و أشد ما أخذ اللّه على نبي من أنبيائه من عهد و ذمة .

و ختم الكتاب ، و رجع ابن حنيف حتّى دخل دار الامارة و قال لأصحابه :

الحقوا رحمكم اللّه بأهلكم وضعوا سلاحكم و داووا جرحاكم . فمكثوا كذلك أيّاما.

ثم انّ طلحة و الزبير قالا : إن قدم عليّ و نحن على هذه الحال من القلّة و الضعف بأعناقنا . فأجمعا على مراسلة القبائل و استمالة العرب ، فأرسلا إلى وجوه النّاس و أهل الرياسة و الشرف يدعونهم إلى الطلب بدم عثمان و خلع عليّ عليه السّلام و إخراج ابن حنيف من البصرة ، فبايعهم على ذلك الأزد و ضبة و قيس عيلان كلّها ، إلاّ الرجل و الرجلين في القبيلة كرهوا أمرهم فتواروا عنهم .

و أرسلوا إلى هلال بن وكيع التميمي فلم يأتهم ، فجاءه طلحة و الزبير إلى داره فتوارى عنهما ، فقالت له امّه : ما رأيت مثلك ، أتاك شيخا قريش فتواريت عنهما فلم تزل به حتّى ظهر لهما و بايعهما ، و معه بنو عمرو بن تميم كلّهم و بنو حنظلة ، إلاّ بني يربوع فإنّ عامّتهم كانوا شيعة لعليّ عليه السّلام ، و بايعهم بنو دارم كلّهم إلاّ نفرا من بني مجاشع ذوي دين و فضل . فلمّا استوسق لطلحة و الزبير أمرهما ، خرجا في ليلة مظلمة ذات ريح و مطر و معهما أصحابهما قد ألبسوهم الدروع و ظاهروا فوقها بالثياب، فانتهوا إلى المسجد وقت صلاة الفجر و قد سبقهم ابن حنيف و اقيمت الصلاة، فتقدّم ابن حنيف ليصلّي بهم فأخّره أصحاب طلحة و الزبير و قدموا الزبير ، فجاءت السبابجة ، و هم الشرط حرس بين المال فأخّروا الزبير و قدموا ابن حنيف ، فغلبهم أصحاب الزبير فقدّموه .

إلى أن قال : فلمّا انصرف الزبير من صلاته صاح بأصحابه المتسلحين أن خذوا ابن حنيف . فأخذوه بعد أن تضارب هو و مروان بسيفيهما ، فلمّا اسر ضرب ضرب الموت، و نتف حاجباه و أشفار عينيه و كل

٥٤

شعره في رأسه و وجهه و أخذوا السبابجة و هم سبعون رجلا فانطلقوا بهم و بابن حنيف إلى عايشة ، فقالت لأبان بن عثمان : اخرج إليه فاضرب عنقه ، فإن الأنصار قتلت أباك و أعانت على قتله . فنادى عثمان : يا عايشة و يا طلحة و يا زبير إنّ أخي سهل بن حنيف خليفة عليّ بن أبي طالب على المدينة ، و أقسم باللّه إن قتلتموني ليضعن السيف في بني أبيكم و أهليكم و رهطكم فلا يبقي منكم أحدا . فكفّوا عنه و خافوا أن يوقع سهل بعيالاتهم و أهاليهم بالمدينة ،

فتركوه . و أرسلت عايشة إلى الزبير أن اقتل السبابجة ، فإنّه قد بلغني الذي صنعوا بك ، فذبحهم الزبير و اللّه كما يذبح الغنم ، ولي ذلك ابنه عبد اللّه و هم سبعون رجلا و بقيت منهم طائفة متمسكين ببيت المال ، و قالوا : لا ندفعه إليكم حتّى يقدم أمير المؤمنين عليه السّلام ، فسار إليهم الزبير في جيش ليلا فأوقع بهم ، و أخذ منهم خمسين أسيرا فقتلهم صبرا .

و حدّثنا الصقعب قال : كانت السبابجة القتلى يومئذ أربعمائة رجل ،

فكان غدر طلحة و الزبير بابن حنيف أوّل غدر كان في الإسلام . و كان السبابجة أوّل قوم ضربت أعناقهم من المسلمين صبرا ، و خيّروا ابن حنيف بين أن يقيم أو يلحق بعليّ ، فاختار الرحيل ، فخلوا سبيله فلحق بعلي عليه السّلام ، فلمّا رآه بكى و قال له : فارقتك شيخا و جئتك أمرد . فقال عليّ عليه السّلام : إنّا للّه و إنّا إليه راجعون ثلاثا .

فلمّا بلغ حكيم بن جبلة ما صنع القوم بعثمان بن حنيف ، خرج في ثلاثمائة من عبد القيس مخالفا لهم و منابذا ، فخرجوا إليه و حملوا عايشة على جمل ، فسمّي ذلك اليوم يوم الجمل الأصغر ، و يوم عليّ عليه السّلام يوم الجمل الأكبر ، و تجالد الفريقان بالسيوف ، فشدّ رجل من الأزد من عسكر عايشة على حكيم بن جبلة فضرب رجله فقطعها ، و وقع الأزدي عن فرسه فجثا حكيم

٥٥

فأخذ رجله فرمى بها الأزدي فصرعه ، ثم دب إليه فقتله متكئا عليه حتّى زهقت نفسه ، فمر رجل بحكيم و هو يجود بنفسه فقال : من فعل بك كذا ، قال : و سادي ،

فنظر فإذا الأزدي تحته .

و كان حكيم شجاعا مذكورا ، و قتل مع حكيم إخوة له ثلاثة ، و قتل أصحابه كلّهم و هم ثلاثمائة من عبد القيس و القليل منهم من بكر بن وائل ، فلمّا صفت البصرة لطلحة و الزبير بعد قتل حكيم و أصحابه و طرد ابن حنيف ،

اختلفا في الصلاة و أراد كلّ واحد منهما أن يؤم بالناس ، و خاف أن تكون صلاته خلف صاحبه تسليما أو رضى بتقدمه ، فأصلحت بينهما عايشة بأن جعلت عبد اللّه بن الزبير و محمّد بن طلحة يصلّيان بالنّاس هذا يوما و هذا يوما .

ثم دخلا بيت مال البصرة ، فلمّا رأوا ما فيه من الأموال قال الزبير : وعدكم اللّه مغانم كثيرة تأخذونها فعجّل لكم هذه . . . ١ ، فنحن أحقّ بها من أهل البصرة .

فأخذوا ذلك المال ، فلمّا غلب عليّ عليه السّلام رد تلك الأموال إلى بيت المال و قسّمها في المسلمين ٢ .

قلت : و روى قريبا منه مع زيادة و نقصان المفيد في ( جملة ) عن أبي مخنف و ابن دأب و الواقدي و المدائني ٣ .

و قال ابن أبي الحديد أيضا : كان القسم بن محمّد بن يحيى بن طلحة الملقّب أبا بعرة ولى شرطة الكوفة لعيسى بن موسى العبّاسي ، و كان كلّم إسماعيل بن جعفر الصادق بكلام خرجا فيه إلى المنافرة ، فقال القسم : لم يزل فضلنا و إحساننا سابغا عليكم يا بني هاشم خاصّة و على بني عبد مناف كافّة .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الفتح : ٢٠ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٣١١ ٣٢٣ ، و النقل بتصرّف و تلخيص .

 ( ٣ ) الجمل للمفيد : ٢٧٣ ٢٨٦ .

٥٦

فقال إسماعيل : أي فضل و إحسان أسديتموه إلى بني عبد مناف ؟ أغضب أبوك جدّي بقوله : « ليموتن محمّد و لنجولن بين خلاخيل نسائه كما جال بين خلاخيل نسائنا » فأنزل اللّه تعالى مراغمة لأبيك : و ما كان لكم أن تؤذوا رسول اللّه و لا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا ١ ، و منع ابن عمّك امّي حقّها من فدك و غيرها من ميراث أبيها ، و أجلب أبوك على عثمان و حصره حتّى قتل ،

و نكث بيعة عليّ عليه السّلام و شام السيف في وجهه ، و أفسد قلوب المسلمين عليه، فإن كان لبني عبد مناف قوم غير هؤلاء أسديتم إليهم إحسانا فعرّفني من هم جعلت فداك ٢ .

قلت : و في ( تاريخ بغداد ) : دخل أبو بكر بن عيّاش على موسى بن عيسى و هو على الكوفة و عنده عبد اللّه بن مصعب الزبيري ، فأدناه و دعا له بتكاء فاتكأ و بسط رجله ، فقال عبد اللّه بن مصعب لموسى : من هذا الذي دخل و لم نستأذن له ثم اتكأته و بسطته ؟ قال : هذا فقيه الفقهاء ، و الرأس عند أهل البصرة ، أبو بكر بن عيّاش . فقال : فلا كثير و لا طيب و لا مستحق لكل ما فعلته به .

فقال ابن عيّاش : أيّها الأمير من هذا الذي سأل عنّي بجهل ثم تتابع في جهله بسوء قول و فعل ؟ فنسبه له ، فقال له ابن عيّاش : اسكت مسكتا ، فبأبيك غدر ببيعتنا ، و بقول الزور خرجت امّنا ، و بابنه هدّمت كعبتنا ، و بك أخرى ان يخرج الدجال فينا .

فضحك موسى حتّى فحص برجله ، و قال للزبيري : أنا و اللّه أعلم أنّه يحوط أهلك و أباك و يتولاّه و لكنّك مشؤوم على آبائك ٣ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأحزاب : ٥٣ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٣٢٣ ٣٢٤ .

 ( ٣ ) تاريخ بغداد ١٤ : ٣٧٥ ٣٧٦ .

٥٧

قوله عليه السّلام في الأوّل : « فخرجوا يجرّون حرمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كما تجرّ الأمة عند شرائها ، متوجهين بها إلى البصرة فحبسا نساءهما في بيوتهما و أبرزا حبيس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لهما و لغيرهما » في ( الطبري ) : أقبل جارية بن قدامة السعدي إلى عايشة يوم الجمل فقال لها : لقتل عثمان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح ، إنّه قد كان لك من اللّه ستر و حرمة فهتكت سترك و أبحت حرمتك ، إنّه من رأى قتالك يرى قتلك ، إن كنت أتيتنا طائعة فارجعي إلى منزلك ، و إن كنت أتيتنا مستكرهة فاستعيني بالناس .

و خرج غلام شاب من بني سعد إلى طلحة و الزبير و قال : أمّا أنت يا زبير فحواري النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ، و أما أنت يا طلحة فوقيت النّبيّ بيدك ، و أرى امّكما معكما فهل جئتما بنسائكما ؟ قالا : لا ، قال : فما أنا منكما في شي‏ء ، و اعتزل و قال :

صنتم حلائلكم و قد تم امّكم

هذا لعمرك قلّة الإنصاف

أمرت بجز ذيولها في بيتها

فهوت تشق البيد بالايجاف

غرضا يقاتل دونها أبناؤها

بالنبل و الخطّيّ و الأسياف

هتكت بطلحة و الزبير ستورها

هذا المخبر عنهم و الكافي ١

هذا ، و في ( الأغاني ) : كانت بالمدينة قينة لآل نفيس يقال لها بصيص ،

و كان مولاها صاحب قصر نفيس الذي يقول فيه الشاعر :

شاقني الزائرات قصر نفيس

مثقلات الأعجاز قبّ البطون

و كان تأتيها فتيان من قريش فيستمعون منها ، و يأتيها عبد اللّه بن مصعب بن ثابت بن عبد اللّه بن الزبير ، و حجّ المنصور و مر بالمدينة في منصرفه ، فقال عبد اللّه بن مصعب :

أ راحل أنت أبا جعفر

من قبل أن تسمع من بصبصا

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٤٦٥ ، سنة ٣٦ .

٥٨

هيهات أن تسمع منها إذا

جاوزت العيس بك الأعوصا

فخذ عليها مجلسي لذّة

و مجلسا من قبل أن تشخصا

أحلف باللّه يمينا و من

يحلف باللّه فقد أخلصا

لو أنّها تدعو إلى بيعة

بايعتها ثمّ شققت العصا

فبلغ ذلك المنصور فغضب ، و دعا به و قال له : أمّا إنّكم يا آل الزبير قديما قادتكم النساء و شققتم معهنّ العصا حتّى صرت أنت آخر الحمقى تبايع المغنّيات ، فدونكم آل الزبير و هذا المرتع الوخيم ١ .

« في جيش ما منهم رجل إلاّ و قد أعطاني الطاعة و سمح » أي : جاد .

« لي بالبيعة طائعا غير مكره » حتّى مروان بن الحكم ، و جيشهما و إن كان مقدار منهم من مكّة و مقدار منهم من البصرة ، و هم لم يحضروا بيعته عليه السّلام ،

إلاّ أنّ عمّاله عليه السّلام كانوا أخذوا منهم البيعة .

قوله عليه السّلام في الأوّل : « فقدموا على عاملي بها و خزّان بيت مال المسلمين و غيرهم من أهلها » و في الثاني : « فقدموا على عمّالي و خزّان بيت مال المسلمين الذي في يدي و على أهل مصر كلّهم في طاعتي و على بيعتي » في ( فتوح البلاذري ) :

كانت جماعة من السبابجة موكلين بيت مال البصرة ، يقال إنّهم أربعون ،

و يقال أربعمائة ، فلمّا قدم طلحة و الزبير البصرة و عليها من قبل عليّ عليه السّلام عثمان بن حنيف ، فأبوا أن يسلموا بيت المال إلى قدوم عليّ عليه السّلام ، فأتوهم في السحر فقتلوهم ، و كان عبد اللّه بن الزبير المتولّي لأمرهم في جماعة تسرعوا إليهم معه ، و كان على السبابجة يومئذ أبو سالمة الزطي و كان رجلا صالحا ٢ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأغاني ١٥ : ٢٨ ٢٩ .

 ( ٢ ) فتوح البلدان : ٣٦٩ في ذكر أمر الأساوة و الزط .

٥٩

و قد عرفت من رواية أبي مخنف أنّ قتل ابن الزبير كان بطلب امّ مؤمنيهم ذلك .

هذا ، و في ( الصحاح ) : السبابجة قوم من السند كانوا بالبصرة جلاوزة و حرّاس السجن ١ .

و هو كما ترى فإنهم كانوا خزّان بيت المال لا حرّاس السجن .

قوله عليه السّلام فيه : « فشتّتوا كلمتهم و أفسدوا عليّ جماعتهم ، و وثبوا على شيعتي فقتلوا طائفة منهم غدرا » و في الأوّل : « فقتلوا طائفة صبرا و طائفة غدرا » أمّا الذين قتلوا غدرا فهم على رواية أبي مخنف المتقدّمة السبعون من السبابجة ،

كانوا نصروا ابن حنيف فغدروا بهم في غدرهم بابن حنيف ، فذبحهم ابن الزبير من قبل أبيه بطلب امّهم كما يذبح الغنم ، و أمّا الذين قتلوهم صبرا فهم الذين أبوا تسليم بيت المال و هم خمسون في قول و أربعمائة في آخر .

و مرّ خبر أبي مخنف في أن غدر طلحة و الزبير كان أوّل غدر في الإسلام ، و قتل أولئك صبرا أول قتل في الإسلام صبرا .

قلت : و غدرهم كان مترتبا على أوّل غدر في الإسلام ، و هو غدرهم بصاحب الغدير ، و قد أخبره النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بذلك في قوله : إنّ الامّة ستغدر بك بعدي.

قول المصنّف في الثاني : « و من كلام له » هكذا في ( المصرية ) ٢ و ( ابن أبي الحديد ) ٣ ، و لكن في ( ابن ميثم ) : « و من هذا الكلام » ٤ و في ( الخطيّة ) :

« و منه » .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الصحاح ١ : ٣٢١ ، مادة : ( سبج ) .

 ( ٢ ) نهج البلاغة ٢ : ٢٢٨ .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ١٢١ .

 ( ٤ ) في شرح ابن ميثم ٤ : ٥٠ : و من كلام له عليه السّلام أيضا .

٦٠