• البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 76107 / تحميل: 3382
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 10

مؤلف:
العربية

في ( تاريخ أعثم ) : لمّا أنّبهم عليه السّلام فلم يجيبوه قال لهم : إنّي و إيّاكم كنوح و قومه كما حكى تعالى عنه : . . . ربّ إنّي دعوت قومي ليلا و نهارا . فلم يزدهم دعائي إلاّ فرارا ١ . ما لكم صموت كالحوت إن شرّ الدوابّ عند اللّه الصمّ البكم الذين لا يعقلون ٢ .

« قال الشريف » هكذا في ( المصرية ) ٣ ، و في ( ابن أبي الحديد ) ٤ : « قال الرضي » و في ( ابن ميثم ٥ و الخطية ) : « قال السيد » و هو دليل على أنّ أصل الكلام ليس من المصنف .

« أقول » هكذا في ( المصرية ) و هو زائد ، فليس في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) .

« الأرمية جمع رمي و هو السحاب » و في ( الجمهرة ) : رمي : ضرب من سحاب الخريف سود ، قال أبو ذؤيب الهذلي :

يمانية احيالها مظّ مائد

و آل قراس صوب ارمية كحل

و قال الجوهري : الرّمي : السقيّ و هي السحابة العظيمة القطر ، الشديدة الوقع من سحائب الحميم و الخريف ، قال أبو ذؤيب يصف عسلا يمانية :

و نقل بيت ( الجمهرة ) .

و في ( الأساس ) : الرّمي : السحاب الخريفي العظيم القطر و نقل بيت العنوان و بيتا آخر :

حنين اليماني هاجه بعد سلوه

و ميض رميّ آخر الليل يبرق

ــــــــــــ

( ١ ) نوح : ٥ ٦ .

( ٢ ) الأنفال : ٢٢ .

( ٣ ) الطبعة المصرية ١ : ٦١ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٣٣ .

( ٥ ) شرح ابن ميثم ٢ : ١٨ .

٤٨١

« و الحميم هاهنا » ليس ( هاهنا ) في نسخة ابن ميثم .

« وقت الصيف » و يأتي بمعنى الماء الحار ، كما في قوله تعالى :

يطوفون بينها و بين حميم آن ١ ، و الصديق الصميمي ، كما في قوله تعالى :

و لا يسأل حميم حميما ٢ .

« و إنّما خصّ الشاعر سحاب الصيف بالذكر لانه أشد جفولا » أي :

إسراعا .

« و أسرع خفوفا » أي : قلة .

« لأنّه لا ماء فيه » لكن عرفت أنّ الجوهري و الزمخشري جعلا ( الأرمية ) سحابا عظيم القطر ، و الأصح ما قاله المصنّف ، و لا ينافيه كلام ابن دريد .

« و إنّما يكون السحاب ثقيل السير » هكذا في ( المصرية ) ٣ و لكن في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) : « ثقيلا » و إنّما نسب الأول « ثقيل السير » إلى نسخة .

« لامتلائه بالماء ، و ذلك لا يكون في الأكثر إلاّ زمان الشتاء » هكذا في ( المصرية ) ٤ و لكن في ( ابن أبي الحديد و الخطية ) : « إلاّ في أزمان الشتاء » و في ( ابن ميثم ) : « إلاّ في الشتاء » .

« و إنّما أراد الشاعر وصفهم بالسرعة إذا دعوا و الإغاثة إذا استغيثوا ، و الدليل على ذلك قوله ( هنالك لو دعوت أتاك منهم ) » ليس في ( ابن ميثم ) ٥ قوله :

« و الدليل . . . » رأسا .

ــــــــــــ

( ١ ) الرحمن : ٤٤ .

( ٢ ) المعارج : ١٠ .

( ٣ ) الطبعة المصرية ١ : ٦٢ .

( ٤ ) المصدر نفسه .

( ٥ ) شرح ابن ميثم ٢ : ١٨ .

٤٨٢

٢

الخطبة ( ١١٧ ) و من كلام له عليه السّلام و قد جمع الناس و حضّهم على الجهاد فسكتوا مليّا ، فقال عليه السّلام :

أَ مُخْرَسُونَ أَنْتُمْ فَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمْ يَا ؟ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ ؟ إِنْ سِرْتَ سِرْنَا مَعَكَ فَقَالَ ع مَا بَالُكُمْ لاَ سُدِّدْتُمْ لِرُشْدٍ وَ لاَ هُدِيتُمْ لِقَصْدٍ أَ فِي مِثْلِ هَذَا يَنْبَغِي أَنْ أَخْرُجَ وَ إِنَّمَا يَخْرُجُ فِي مِثْلِ هَذَا رَجُلٌ مِمَّنْ أَرْضَاهُ مِنْ شُجْعَانِكُمْ وَ ذَوِي بَأْسِكُمْ وَ لاَ يَنْبَغِي لِي أَنْ أَدَعَ اَلْمِصْرَ وَ اَلْجُنْدَ وَ بَيْتَ اَلْمَالِ وَ جِبَايَةَ اَلْأَرْضِ وَ اَلْقَضَاءَ بَيْنَ اَلْمُسْلِمِينَ وَ اَلنَّظَرَ فِي حُقُوقِ اَلْمُطَالِبِينَ ثُمَّ أَخْرُجَ فِي كَتِيبَةٍ أَتْبَعُ أُخْرَى أَتَقَلْقَلُ تَقَلْقُلَ اَلْقِدْحِ فِي اَلْجَفِيرِ اَلْفَارِغِ وَ إِنَّمَا أَنَا قُطْبُ اَلرَّحَى تَدُورُ عَلَيَّ وَ أَنَا بِمَكَانِي فَإِذَا فَارَقْتُهَا اِسْتَحَارَ مَدَارُهَا وَ اِضْطَرَبَ ثِفَالُهَا هَذَا لَعَمْرُ اَللَّهِ اَلرَّأْيُ اَلسُّوءُ وَ اَللَّهِ لَوْ لاَ رَجَائِي اَلشَّهَادَةَ عِنْدَ لِقَائِي اَلْعَدُوَّ لَوْ قَدْ حُمَّ لِي لِقَاؤُهُ لَقَرَّبْتُ رِكَابِي ثُمَّ شَخَصْتُ عَنْكُمْ فَلاَ أَطْلُبُكُمْ مَا اِخْتَلَفَ جَنُوبٌ وَ شَمَالٌ إِنَّهُ لاَ غَنَاءَ فِي كَثْرَةِ عَدَدِكُمْ مَعَ قِلَّةِ اِجْتِمَاعِ قُلُوبِكُمْ لَقَدْ حَمَلْتُكُمْ عَلَى اَلطَّرِيقِ اَلْوَاضِحِ اَلَّتِي لاَ يَهْلِكُ عَلَيْهَا إِلاَّ هَالِكٌ مَنِ اِسْتَقَامَ فَإِلَى اَلْجَنَّةِ وَ مَنْ زَلَّ فَإِلَى اَلنَّارِ أقول : لم يتفطّن الشراح ابن أبي الحديد و غيره أنّ هذا العنوان في أيّ غارة صدر ، فقالوا : « قاله عليه السّلام في بعض غارات أهل الشام على اطراف اعماله بالعراق » ، و إنّما قاله عليه السّلام في غارة بسر على الحجاز .

٤٨٣

ففي ( غارات الثقفي ) ١ : من حديث الكوفيين عن نمير بن وعلة عن أبي الوداك قال : قدم زرارة بن قيس فخبر عليا عليه السّلام بالعدّة التي خرج فيها بسر ،

فصعد المنبر إلى أن قال « إنّ بسر بن أرطاة وجّه إلى الحجاز ، و ما بسر لينتدب إليه منكم عصابة حتى تردوه عن شننه ، فإنّما خرج في ستمائة أو يزيدون . فسكت الناس مليّا لا ينطقون ، فقال عليه السّلام : « ما لكم أ مخرسون أنتم لا تتكلمون ؟ » فذكر عن الحرث بن حضيرة عن مسافر بن عفيف قال : قام أبو بردة بن عوف الأزدي فقال له : إن سرت سرنا معك . فقال : « ما لكم لا سدّدتم لمقال الرشد ؟ أ في مثل هذا ينبغي لي أن أخرج ؟ إنّما يخرج في مثل ذلك رجل ممّن ترضون من فرسانكم و شجعانكم ، و لا ينبغي لي أن أدع الجند و المصر و بيت المال و جباية الأرض و القضاء بين المسلمين و النظر في حقوق الناس ،

ثم أخرج في كتيبة أتبع اخرى في الفلوات و شعف الجبال ، هذا و اللّه الرأي السوء ، و اللّه لو لا رجائي ( الشهادة ظ ) عند لقائهم لو قد حمّ لقاؤهم لضربت ركابي ثم لشخصت عنكم ، فلا أطلبكم ما اختلف جنوب و شمال ، و اللّه إنّ فراقكم لراحة للنفس و البدن » . فقام إليه جارية بن قدامة السعدي فقال له عليه السّلام :

لا أعدمنا اللّه نفسك و لا أرانا فراقك ، أنا لهؤلاء القوم فسرحني إليهم . قال :

فتجهّز فإنّك ما علمت : ميمون النقيبة . و قام إليه وهب بن مسعود الخثعمي فقال له عليه السّلام : أنا انتدب إليهم . فقال عليه السّلام : فانتدب بارك اللّه فيك . فنزل و دعا جارية فأمره أن يسير إلى البصرة و يخرج منها في الفين ، و ندب مع الخثعمي من الكوفة ألفين و قال لهما : أخرجا في طلب بسر حتى تلحقاه ، و أينما لحقتماه فناجزاه ، فإذا التقيتما فجارية على الناس .

نقله في عنوان : « مسير جارية بن قدامة » في خبره الثاني ، و رواه في

ــــــــــــ

( ١ ) الغارات للثقفي ٢ : ٦٢٤ .

٤٨٤

خبره الأوّل عن الكلبي و أبي مخنف بلفظ أخصر ، فروى عنهما : أنّه عليه السّلام ندب الناس فتثاقلوا عنه فقال : « ا تريدون أن أخرج بنفسي في كتيبة تتبع كتيبة في الفيافي و الجبال ؟ ذهب و اللّه اولو النهى و الفضل الذين كانوا يدعون فيجيبون و يؤمرون فيطيعون ، لقد هممت أن أخرج عنكم فلا أطلب بنصركم ما اختلف الجديدان ».

قول المصنف : « و من كلام له عليه السّلام و قد جمع الناس و حضهم » أي :

رغبهم .

« على الجهاد » مع سرايا معاوية في سرية بسر .

« فسكتوا مليا » أي : زمنا طويلا ، قال تعالى : . . . و اهجرني مليّا ١ .

« فقال عليه السّلام » توكيد بعد قوله : « و من كلام له عليه السّلام » .

قوله عليه السّلام : « أ مخرسون أنتم » أي : صرتم أخرسين ، حيث لم يجيبوه عليه السّلام بشي‏ء .

« فقال قوم منهم : يا أمير المؤمنين إن سرت سرنا معك » قد عرفت من رواية الثقفي أنّ القائل له عليه السّلام : « ان سرت سرنا معك » إنّما هو أبو بردة بن عوف الأزدي ، و كان منافقا يكاتب باخباره عليه السّلام إلى معاوية كما في ( صفين نصر بن مزاحم ) ٢.

« فقال عليه السّلام : ما بالكم » و في ( ابن ميثم ) ٣ : « ما لكم » و هو لفظ مستنده .

« لا سدّدتم لرشد و لا هديتم لقصد » حيث تشيرون عليّ هكذا .

« أ في مثل هذا » خروج بسر من قبل معاوية .

ــــــــــــ

( ١ ) مريم : ٤٦ .

( ٢ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٤ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٣ : ١١٠ .

٤٨٥

« ينبغي » و زاد ابن أبي الحديد ١ و ( الخطية ) : « لي » و هو الموافق مستنده.

« أن أخرج » كما خرج عليه السّلام في قبال طلحة و الزبير ، و في قبال معاوية.

« إنّما يخرج في مثل هذا رجل ممّن أرضاه من شجعانكم » كجارية السعدي و وهب الخثعمي اللذين أجاباه إلى الخروج ، و نظرائهما .

« و لا ينبغي لي أن أدع المصر و الجند » هكذا في ( المصرية ) ٢ و الصواب :

( الجند و المصر ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ٣ و الخطية ) و كما في مستنده . و المراد بالمصر : الكوفة .

« و بيت المال » فيكون في معرض النّهب .

« و جباية الأرض » فتكون في معرض التّعطيل .

« و القضاء بين المسلمين و النظر في حقوق المطالبين » فتصير امور الناس مختلّة ، أدع جميع ذلك ؟

« ثم أخرج في كتيبة » في ( القاموس ) : الكتيبة : الجيش أو الجماعة المستخيرة من الخيل ، أو جماعة الخيل إذا أغارت من المائة إلى الألف .

« أتبع اخرى » أي : كتيبة اخرى من العدو .

« أ تقلقل » أي : اضطرب .

« تقلقل القدح » بالكسر : السهم قبل أن يراش و يركّب عليه نصله .

« في الجفير » في ( القاموس ) : الجفير : جعبة من جلود لا خشب فيها ، أو من خشب لا جلود فيها .

« الفارغ » أي : الخالي .

ــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ٢٨٥ .

( ٢ ) الطبعة المصرية ١ : ٢٣١ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٣ : ١١١ .

٤٨٦

« و إنّما أنا قطب الرحى » استعارة عن كون مدار امور الناس عليه .

« تدور علي و أنا بمكاني » فما دام الوالي في المركز تكون امور المملكة منظمة .

« فإذا فارقتها » هكذا في ( المصرية ) ١ و هو غلط ، و الصواب : ( فارقته ) كما في ( ابن أبي الحديد ٢ و ابن ميثم ٣ و الخطية ) أي : فارقت الرحى القطب .

« استحار » أي : صار حائرا .

« مدارها و اضطرب ثفالها » بالكسر ، أي : الحجر الأسفل من الرحى الذي يصبّ عليه الدّقيق .

« هذا لعمر اللّه الرأي السوء » رأيتموه لي .

« و اللّه لو لا رجائي الشهادة عند لقائي العدو » و كان عدوّه يومئذ معاوية .

« لو قد حمّ » أي : قدّر .

« لي لقاؤه » لكن لم يكن مقدّرا ، فأراد عليه السّلام الشخوص إليه و خرج عسكره إلى ظاهر البلاد ، فضربه اللعين ابن ملجم .

« لقرّبت ركابي » الركاب : الإبل التي يسار عليها .

« ثم شخصت » أي : ارتحلت .

« عنكم » إلى غيركم .

« فلا أطلبكم ما اختلف جنوب و شمال » أي : أبد الآبدين .

ثم الغريب أنّ ابن ميثم اقتصر من العنوان إلى هنا ، و أنّ ابن أبي الحديد ٤ زاد على العنوان بعد ما مرّ : « طعّانين عيّابين حيّادين روّاغين » .

ــــــــــــ

( ١ ) الطبعة المصرية ١ : ٢٣١ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ٢٨٦ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٣ : ١١١ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ٢٨٥ .

٤٨٧

و نسخة ابن ميثم و إن كانت بخط المصنّف كما صرح به مرارا لكن لا يبعد أنّها كانت النسخة الاولى ، و أنّ ابن أبي الحديد نقل من نسخة ثانية كتبها المصنّف و زاد و نقّص .

و عليه فما زاده ابن أبي الحديد زيادة بيان لعلّة شخوصه عليه السّلام عنهم و عدم طلبه عليه السّلام لهم ، بكونهم ذوي هذه الرذائل الأربع ، مضافا إلى ما يأتي من قوله عليه السّلام .

« إنّه لا غناء في كثرة عددكم مع قلّة اجتماع قلوبكم » فرجلان متّفقان قلبا أكثر غناء من ألف مختلفين .

« لقد حملتكم على الطريق الواضح التي لا يهلك عليها » أي : على مخالفتها و مجاوزتها .

« إلاّ هالك » كونه عليه السّلام كذلك لا يحتاج إلى بيان ، و قد أقرّ به عمر يوم شوراه .

و روى الخطيب ١ في ( يوسف بن محمد بن علي ) عن أبي ثابت مولى أبي ذر قال : دخلت على امّ سلمة فرأيتها تبكي و تذكر عليا عليه السّلام و قالت : سمعت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يقول : « عليّ مع الحقّ و الحقّ مع عليّ ، و لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض يوم القيامة » .

« من استقام فإلى الجنّة ، و من زلّ فإلى النار » فأمّا من طغى . و آثر الحياة الدنيا . فإنّ الجحيم هي المأوى . و أمّا من خاف مقام ربه و نهى النفس عن الهوى . فإنّ الجنّة هي المأوى ٢ .

ــــــــــــ

( ١ ) الخطيب ١٤ : ٣٢١ .

( ٢ ) النازعات : ٣٧ ٤١ .

٤٨٨

٣

الخطبة ( ٢٧ ) و من خطبة له عليه السّلام :

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اَلْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ اَلْجَنَّةِ فَتَحَهُ اَللَّهُ لِخَاصَّةِ أَوْلِيَائِهِ وَ هُوَ لِبَاسُ اَلتَّقْوَى وَ دِرْعُ اَللَّهِ اَلْحَصِينَةُ وَ جُنَّتُهُ اَلْوَثِيقَةُ فَمَنْ تَرَكَهُ رَغْبَةً عَنْهُ أَلْبَسَهُ اَللَّهُ ثَوْبَ اَلذُّلِّ وَ شَمِلَتْهُ اَلْبَلاَءُ وَ دُيِّثَ بِالصَّغَارِ وَ اَلْقَمَاءِ وَ ضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ بِالْأَسْدَادِ وَ أُدِيلَ اَلْحَقُّ مِنْهُ بِتَضْيِيعِ اَلْجِهَادِ وَ سِيمَ اَلْخَسْفَ وَ مُنِعَ اَلنَّصَفَ أَلاَ وَ إِنِّي قَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى قِتَالِ هَؤُلاَءِ اَلْقَوْمِ لَيْلاً وَ نَهَاراً وَ سِرّاً وَ إِعْلاَناً وَ قُلْتُ لَكُمُ اُغْزُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَغْزُوكُمْ فَوَاللَّهِ مَا غُزِيَ قَوْمٌ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ إِلاَّ ذَلُّوا فَتَوَاكَلْتُمْ وَ تَخَاذَلْتُمْ حَتَّى شُنَّتْ اَلْغَارَاتُ عَلَيْكُمُ وَ مُلِكَتْ عَلَيْكُمُ اَلْأَوْطَانُ وَ هَذَا أَخُو ؟ غَامِدٍ ؟ وَ قَدْ وَرَدَتْ خَيْلُهُ ؟ اَلْأَنْبَارَ ؟ وَ قَدْ قَتَلَ ؟ حَسَّانَ بْنَ حَسَّانَ اَلْبَكْرِيَّ ؟ وَ أَزَالَ خَيْلَكُمْ عَنْ مَسَالِحِهَا وَ لَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ اَلرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى اَلْمَرْأَةِ اَلْمُسْلِمَةِ وَ اَلْأُخْرَى اَلْمُعَاهِدَةِ فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَ قُلُبَهَا وَ قَلاَئِدَهَا وَ رُعَاثَهَا مَا تَمْنِعُ مِنْهُ إِلاَّ بِالاِسْتِرْجَاعِ وَ اَلاِسْتِرْحَامِ ثُمَّ اِنْصَرَفُوا وَافِرِينَ مَا نَالَ رَجُلاً مِنْهُمْ كَلْمٌ وَ لاَ أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ فَلَوْ أَنَّ اِمْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً فَيَا عَجَباً وَ اَللَّهِ يُمِيتُ اَلْقَلْبَ وَ يَجْلِبُ اَلْهَمَّ اِجْتِمَاعُ هَؤُلاَءِ اَلْقَوْمِ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَ تَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ فَقُبْحاً لَكُمْ وَ تَرَحاً حِينَ صِرْتُمْ غَرَضاً يُرْمَى يُغَارُ عَلَيْكُمْ وَ لاَ تُغِيرُونَ وَ تُغْزَوْنَ وَ لاَ تَغْزُونَ وَ يُعْصَى اَللَّهُ وَ تَرْضَوْنَ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي أَيَّامِ اَلْصَّيْفِ قُلْتُمْ هَذِهِ حَمَارَّةُ اَلْقَيْظِ أَمْهِلْنَا يُسَبَّخْ عَنَّا اَلْحَرُّ وَ إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي اَلشِّتَاءِ قُلْتُمْ هَذِهِ صَبَارَّةُ اَلْقُرِّ

٤٨٩

أَمْهِلْنَا يَنْسَلِخْ عَنَّا اَلْبَرْدُ كُلُّ هَذَا فِرَاراً مِنَ اَلْحَرِّ وَ اَلْقُرِّ فَأَنْتُمْ وَ اَللَّهِ مِنَ اَلسَّيْفِ أَفَرُّ يَا أَشْبَاهَ اَلرِّجَالِ وَ لاَ رِجَالَ حُلُومُ الْأَطْفَالِ وَ عُقُولُ رَبَّاتِ اَلْحِجَالِ لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَرَكُمْ وَ لَمْ أَعْرِفْكُمْ مَعْرِفَةً وَ اَللَّهِ جَرَّتْ نَدَماً وَ أَعْقَبَتْ سَدَماً قَاتَلَكُمُ اَللَّهُ لَقَدْ مَلَأْتُمْ قَلْبِي قَيْحاً وَ شَحَنْتُمْ صَدْرِي غَيْظاً وَ جَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ اَلتَّهْمَامِ أَنْفَاساً وَ أَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالْعِصْيَانِ وَ اَلْخِذْلاَنِ حَتَّى قَالَتْ ؟ قُرَيْشٌ ؟ إِنَّ ؟ اِبْنَ أَبِي طَالِبٍ ؟ رَجُلٌ شُجَاعٌ وَ لَكِنْ لاَ عِلْمَ لَهُ بِالْحَرْبِ لِلَّهِ أَبُوهُمْ وَ هَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَشَدُّ لَهَا مِرَاساً وَ أَقْدَمُ فِيهَا مَقَاماً مِنِّي لَقَدْ نَهَضْتُ فِيهَا وَ مَا بَلَغْتُ اَلْعِشْرِينَ وَ هَا أَنَا قَدْ ذَرَّفْتُ عَلَى اَلسِّتِّينَ وَ لَكِنْ لاَ رَأْيَ لِمَنْ لاَ يُطَاعُ و الحكمة ( ٢٦١ ) بعد فصل غريبه : انقضى هذا الفصل و رجع إلى سنن الغرض الأول .

وَ قَالَ ع لَمَّا بَلَغَهُ إِغَارَةُ أَصْحَابِ ؟ مُعَاوِيَةَ ؟ عَلَى ؟ اَلْأَنْبَارِ ؟ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ مَاشِياً حَتَّى أَتَى ؟ اَلنُّخَيْلَةَ ؟ فَأَدْرَكَهُ اَلنَّاسُ وَ قَالُوا يَا ؟ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ ؟ نَحْنُ نَكْفِيكَهُمْ فَقَالَ :

مَا تَكْفُونَنِي أَنْفُسَكُمْ فَكَيْفَ تَكْفُونَنِي غَيْرَكُمْ إِنْ كَانَتِ اَلرَّعَايَا قَبْلِي لَتَشْكُو حَيْفَ رُعَاتِهَا وَ إِنَّنِي اَلْيَوْمَ لَأَشْكُو حَيْفَ رَعِيَّتِي كَأَنَّنِي اَلْمَقُودُ وَ هُمُ اَلْقَادَةُ أَوِ اَلْمَوْزُوعُ وَ هُمُ اَلْوَزَعَةُ فلمّا قال عليه السّلام هذا القول في كلام طويل قد ذكرنا مختاره في جملة الخطب تقدّم إليه رجلان من أصحابه ، فقال أحدهما : إنّي لا أملك إلاّ نفسي و أخي ١ فمرنا بأمرك يا أمير المؤمنين ننقد له .

فقال عليه السّلام :

ــــــــــــ

( ١ ) المائدة : ٢٥ .

٤٩٠

وَ أَيْنَ تَقَعَانِ مما أُرِيدُ أقول : رواه الخطيب في ( تاريخ بغداده ) ١ في عنوان ( ربيعة بن ناجذ الأسدي ) ، و رواه البلاذري في ( أنسابه ) في عنوان ( أمر الغارات بين علي و معاوية ) ، فذكر الأوّل غارة الضحّاك بن قيس الفهري ، و جعل غارة الغامدي هذا الثاني منها فقال : قالوا : و دعا معاوية سفيان بن عوف الأزدي ثم الغامدي ،

فسرّحه في ستة آلاف من أهل الشام ذوي بأس ، و أمره أن يلزم جانب الفرات الغربي حتى يأتي هيت ، فيغير على مسالح عليّ عليه السّلام و أصحابه بها و بنواحيها ،

ثم يأتي الأنبار فيفعل بها مثل ذلك حتى ينتهى إلى المدائن ، و حذّره أن يقرب الكوفة و قال له : إنّ الغارة تنخب قلوبهم و تكسر حدهم و تقوّي أنفس أوليائنا و منتهم . فشخص سفيان في الستة آلاف المضمومين إليه ، فلمّا بلغ أهل هيت قربه قطعوا الفرات إلى العبر الشرقي ، فلم يجد بها أحدا ، و أتى الأنبار فأغار عليها فقاتله من بها من قبل عليّ عليه السّلام فأتى على كثير منهم و أخذ أموال الناس ،

و قتل أشرس بن حسان البكري عامل عليّ عليه السّلام ثم انصرف ، و أتى عليّا عليه السّلام علج فأخبره الخبر ، و كان عليلا لا يمكنه الخطبة فكتب كتابا قرى‏ء على الناس ،

و قد أدنى عليّ عليه السّلام من السدة التي كان يخرج منها ليسمع القراءة ، و كانت نسخة الكتاب : أمّا بعد ، فإنّ الجهاد باب من أبواب الجنة . . .

و ذكره ( الأغاني ) ٢ في عنوان ( ذكر الخبر في مقتل ابني عبيد اللّه بن العباس ) في جزئه الخامس عشر ، و روى مسندا عن أبي عمر الوقاصي : أنّ معاوية بعث إلى بسر بن أرطاة بعد تحكيم الحكمين و بعث معه جيشا ،

و وجه برجل آخر من غامد ضم إليه جيشا آخر ، و وجه الضحّاك بن قيس

ــــــــــــ

( ١ ) تاريخ بغداد للخطيب ٨ : ٤٢٠ .

( ٢ ) الأغاني ١٦ : ٢٦٦ .

٤٩١

الفهري في جيش آخر ، و أمرهم : أن يسيروا في البلاد فيقتلوا كل من وجدوا من شيعة عليّ عليه السّلام و أصحابه ، و أن يغيروا على ساير أعماله و يقتلوا أصحابه ، و لا يكفوا أيديهم عن النساء و الصبيان ، فمرّ بسر لذلك على وجهه إلى أن قال و فعل مثل ذلك ساير من بعث ، فقصد الغامدي إلى الأنبار إلى أن روى مسندا عن أبي صادقة قال : أغارت خيل لمعاوية على الأنبار فقتلوا عاملا لعليّ عليه السّلام يقال له : حسّان بن حسّان ، و قتلوا رجالا كثيرا و نساء ، فبلغ ذلك عليا عليه السّلام فخرج حتى أتى المنبر فرقيه إلى أن قال بعد ذكر خطبته عليه السّلام فقام إليه رجل و قال : أنا كما قال تعالى : . . . لا أملك إلاّ نفسي و أخي . . . ١ فمرنا بأمرك ، فلنطيعنّك و لو حال بيننا و بينك جمر الغضى و شوك القتاد . قال :

و أين تبلغان ممّا اريد ؟

و رواه المبرّد في أوائل ( كامله ) ٢ بعد ذكر كلمات عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ثم عن الثلاثة ، فقال : و تحدّث ابن عايشة في اسناد ذكره : أنّ عليّا رضى اللّه عنه انتهى إليه أنّ خيلا لمعاوية وردت الأنبار فقتلوا عاملا له ، يقال له : حسّان بن حسّان ، فخرج مغضبا يجر ثوبه حتى أتى النّخيلة و اتّبعه الناس ، فرقى رباوة من الأرض إلى أن قال : و لكن لا رأي لمن لا يطاع . يقولها ثلاثا فقام إليه رجل و معه أخوه الرجل و أخوه يعرفان بابني عفيف من الأنصار فقال : أنا و أخي هذا كما قال تعالى : . . . رب إنّي لا أملك إلاّ نفسي و أخي . . . فمرنا بأمرك ، فو اللّه لننتهين إليه و لو حال بيننا و بينه جمر الغضى و شوك القتاد . فدعا لهما بخير ثم قال لهما : و أين تقعان . . .

ــــــــــــ

( ١ ) المائدة : ٢٥ .

( ٢ ) الكامل للمبرد ١ : ٢٢ ٢٥ .

٤٩٢

و رواه إبراهيم الثقفي في ( غاراته ) ١ في عنوان : « غارة سفيان بن عوف الغامدي على الأنبار ، و لقيه أشرس بن حسّان البكري و سعيد بن قيس » .

و روى عن عبد اللّه بن يزيد عن أبي الكنود عن سفيان الغامدي قال : دعاني معاوية إلى أن قال و قتل صاحبهم في رجال من أصحابه .

ثم روى ٢ عن جندب بن عفيف قال : و اللّه إنّي لفي جند الأنبار مع أشرس ابن حسّان البكري إذ صبحنا سفيان بن عوف إلى أن قال ثم نزل صاحبنا و هو يتلو . . . فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدّلوا تبديلا ٣ . ثم قال لنا : من كان لا يريد لقاء اللّه و لا يطيب نفسا بالموت ، فليخرج عن القرية مادمنا نقاتلهم ، فإنّ قتالنا إيّاهم شاغل لهم عن طلب هارب ، و من أراد ما عند اللّه فما عند اللّه خير للابرار . ثمّ نزل في ثلاثين رجلا . قال : فهممت و اللّه بالنزول ثم إنّ نفسي أبت . . .

ثمّ روى ٤ عن محمد بن مخنف : أنّ سفيان بن عوف لمّا أغار على الأنبار قدم علج من أهلها على عليّ عليه السّلام فأخبره الخبر فصعد المنبر فقال : أيّها الناس إنّ أخاكم البكري قد اصيب بالأنبار و هو معتز لا يخاف ما كان ، فاختار ما عند اللّه على الدنيا ، فانتدبوا إليهم حتى تلاقوهم إلى أن قال فلمّا رأى صمتهم نزل فخرج يمشي راجلا حتّى أتى النّخيلة ، و الناس يمشون خلفه حتى أحاط به قوم من أشرافهم فقالوا : ارجع نحن نكفيك . فقال : ما تكفونني و لا تكفون أنفسكم . فلم يزالوا به حتى صرفوه إلى منزله و هو واجم كئيب ، و دعا سعيد بن قيس الهمداني فبعثه من النّخيلة بثمانية آلاف إلى أن قال فلبث

ــــــــــــ

( ١ ) الغارات لإبراهيم الثقفي ٢ : ٤٦٤ ٤٦٨ .

( ٢ ) الغارات لإبراهيم الثقفي ٢ : ٤٦٩ .

( ٣ ) الأحزاب : ٢٣ .

( ٤ ) الغارات لإبراهيم الثقفي ٢ : ٤٧٠ .

٤٩٣

عليّ عليه السّلام ترى فيه الكآبة و الحزن حتى قدم عليه سعيد بن قيس ، فكتب كتابا، و كان في تلك الأيّام عليلا فلم يطق على القيام في الناس بكل ما أراد من القول،

فجلس بباب السدة التي تصل إلى المسجد و معه الحسنان عليهما السّلام و عبد اللّه بن جعفر ، فدعا سعدا مولاه فدفع الكتاب إليه فأمره أن يقرأه ، فقام سعد بحيث يسمع عليّ عليه السّلام قراءته و ما يردّ عليه الناس إلى أن قال فيه أمّا بعد ، فإنّي قد عاتبتكم في رشدكم حتى سئمت ( و ظ ) . ارجعتموني بالهزء من قولكم حتى برمت ، هزء من القول لا يعاديه ، و خطل لا يعز أهله ، و لو وجدت بدّا من خطابكم و العتاب إليكم ما فعلت ، و هذا كتابي يقرأ عليكم فردّوا خيرا و افعلوه ، و ما أظنّ أن تفعلوا ، فاللّه المستعان ، أيّها الناس إنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة فتحه اللّه لخاصة أوليائه إلى أن قال و هذا أخو غامد قد وردت خيله الأنبار فقتل بها أشرس بن حسّان إلى أن قال فأنتم و اللّه من حرّ السيوف أفرّ ، لا و الذي نفس ابن أبي طالب بيده السيف تحيدون ، فحتّى متى ؟ و إلى متى يا أشباه الرجال و لا رجال و يا طغام الأحلام أحلام الأطفال إلى أن قال فقام إليه رجل من الأزد يقال له : حبيب بن عفيف ، آخذا بيد ابن أخ له يقال له : عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عفيف ، فأقبل يمشي حتى استقبل أمير المؤمنين عليه السّلام بباب السدة و قال : ها أنذا لا أملك إلاّ نفسي و أخي فمرنا بأمرك . . . .

و رواه الجاحظ في ( بيانه ) ١ في جزئه الثاني فقال : و من خطب عليّ أيضا رضى اللّه عنه : قالوا : أغار سفيان بن عوف الأزدي ثم الغامدي على الأنبار ،

و عليها ابن حسّان أو حسّان البكري فقتله ، و أزال تلك الخيل عن مسالحها ،

فخرج علي حتى جلس على باب السدّة ثم قال : أمّا بعد ، فإنّ الجهاد باب من أبواب الجنة إلى و قتل حسّان أو ابن حسّان البكري و أزال خيلكم عن

ــــــــــــ

( ١ ) البيان للجاحظ ٢ : ٥١ .

٤٩٤

مسالحها ، و قتل منكم رجالا صالحين إلى أن قال فقام رجل من الأزد يقال له فلان بن عفيف ثم أخذ بيد أخ له . . .

و ذكره ابن قتيبة في ( عيونه ) ١ فقال : خطب عليه السّلام حين قتل عامله بالأنبار فقال : يا عجبا من جدّ هؤلاء في باطلهم و فشلكم عن حقكم فقبحا لكم و ترحا حين صرتم غرضا يرمي . . .

و ذكره أبو حنيفة الدينوري في ( طواله ) ٢ فقال و لمّا رأى عليّ عليه السّلام تثاقل أهل الكوفة عن المسير معه إلى قتال أهل الشّام ، و انتهى إليه ورود خيل معاوية الأنبار و قتلهم مسلحته بها و الغارة عليها ، كتب و دفع ما كتب إلى رجل يقرؤه يوم الجمعة إذا فرغوا من الصلاة : أمّا بعد ، فإنّ الجهاد باب من أبواب الجنة إلى أن قال و قتل ابن حسّان البكري . . .

و ذكره ابن عبد ربه في ( عقده ) ٣ فقال : لمّا أغار سفيان بن عوف على الأنبار، و عليها حسّان البكري فقتله و أزال الخيل عن مسالحها ، خرج عليّ عليه السّلام حتى جلس على باب السدة ثم قال بعد الحمد : أمّا بعد ، فإنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة . ..

و رواه ( الكافي ) ٤ في الباب الأوّل من كتاب جهاده مسندا عن أبي عبد الرحمن السّلمي ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام : أمّا بعد ، فإنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة إلى أن قال و قتل حسّان بن حسّان الكبري . . . .

و رواه ( معاني أخبار الصدوق ) ٥ في بابه ( ١٦١ ) مسندا عن ابن عايشة

ــــــــــــ

( ١ ) العيون لأبن قتيبة ٢ : ٢٣٦ .

( ٢ ) الطوال للدينوري : ٢١١ .

( ٣ ) العقد لأبن عبد ربه ٤ : ١٦٠ .

( ٤ ) الكافي ٥ : ٤ ح ٦ .

( ٥ ) معاني الأخبار للصدوق : ٣٠٩ .

٤٩٥

باسناد ذكره : أنّ عليّا عليه السّلام انهي إليه أنّ خيلا لمعاوية وردت الأنبار ، فقتلوا عاملا له يقال له : حسّان بن حسّان ، فخرج مغضبا يجر ثوبه حتى أتى النّخيلة و اتّبعه الناس فرقى رباوة من الأرض ثم قال بعد الحمد : إنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة . . . .

و روى ( إرشاد المفيد ) ١ كلاما طويلا عنه عليه السّلام في عنوان : « فصل و من كلامه عليه السّلام في مقام آخر » . و فيه : فقبحا لكم يا أشباه الرّجال و لا رجال حلوم الأطفال و عقول ربات الحجال إلى أن قال و اللّه لوددت أنّي لم أعرفكم و لم تعرفوني ، فإنّها معرفة جرّت ندما ، لقد وزئتم صدري غيظا ، و أفسدتم عليّ أمري بالخذلان و العصيان حتى لقد قالت قريش : إنّ عليّا رجل شجاع لكن لا علم له بالحرب . للّه أبوهم هل كان فيهم أحد أطول لها مراسا منّي ، و أشدّ لها مقاساة ؟ لقد نهضت فيها و ما بلغت العشرين ، و ها أناذا قد ذرفت على الستين و لكن لا أمر لمن لا يطاع ، أما و اللّه لوددت أنّ ربي قد أخرجني من بين أظهركم إلى رضوانه ، و أنّ المنيّة لترصدني فما يمنع أشقاها أن يخضبها و ترك يده على رأسه و لحيته عهدا عهده إلي النبي الامّي . . . و قد خاب من افترى ٢ و نجا من اتّقى و صدّق بالحسنى .

يا أهل الكوفة دعوتكم إلى جهاد هؤلاء القوم ليلا و نهارا ، و سرّا و إعلانا و قلت لكم : اغزوهم قبل أن يغزوكم ، فإنّه ما غزي قوم قطّ في عقر دارهم إلاّ ذلّوا ، فتواكلتم و تخاذلتم و ثقل عليكم قولي و استصعب عليكم أمري ،

و اتخذتموه وراءكم ظهريّا حتى شنت عليكم الغارات ، و ظهرت فيكم الفواحش و المنكرات ، تمسيكم و تصبحكم كما فعل بأهل المثلات من قبلكم ، حيث أخبر

ــــــــــــ

( ١ ) الإرشاد للمفيد : ٢٧٩ .

( ٢ ) طه : ٦١ .

٤٩٦

اللّه عن الجبابرة العتاة الطغاة ، و المستضعفين من الغواة في قوله عزّ و جلّ :

يذبّحون أبناءكم و يستحيون نساءكم و في ذلكم بلاء من ربّكم عظيم ١ إلى أن قال إذا قلت لكم : انفروا في الشتاء . قلتم : هذا أو ان قر و صرد . و إن قلت لكم : انفروا في الصيف . قلتم : هذا حمارّة القيظ انظرنا ينصرم عنا الحرّ . كل ذلك فرارا عن الجنّة ، إذا كنتم عن الحرّ و البرد تعجزون فأنتم و اللّه عن حرارة السيف أعجز و أعجز ، فإنّا للّه و إنّا إليه راجعون ، قد أتاني الصريخ يخبرني : أنّ أخا غامد قد نزل الأنبار على أهلها ليلا في أربعة آلاف ، فأغار عليهم كما يغار على الروم و الخزر ، فقتل بها عاملي حسّان و قتل معه رجالا صالحين ذوي فضل و عبادة و نجدة ، بوّأ اللّه لهم جنات النعيم ، و أنّه أباحها ،

و لقد بلغني أنّ العصبة من أهل الشام كانوا يدخلون على المرأة المسلمة و الاخرى المعاهدة ، فيهتكون سترها و يأخذون القناع من رأسها و الخرص من أذنها و الاوضاح من يديها و رجليها و عضديها و الخلخال و الميزر عن سوقها ، فما تمتنع إلاّ بالاسترجاع و النداء : يا للمسلمين فلا يغيثها مغيث و لا ينصرها ناصر ، فلو أنّ مؤمنا مات من دون هذا أسفا ما كان عندي ملوما ، بل كان عندي بارّا محسنا ، و اعجبا كلّ العجب من تظافر هؤلاء القوم على باطلهم ، و فشلكم عن حقكم قد صرتم غرضا يرمى و لا ترمون و تغزون و لا تغزون ، و يعصى اللّه و ترضون ، تربت أيديكم ، أشباه الإبل غاب عنها رعاتها ،

كلّما اجتمعت من جانب تفرّقت من جانب .

« أمّا بعد فان الجهاد باب من أبواب الجنه فتحه اللّه لخاصة اوليائه » روى ( باب فضل جهاد الكافي ) ٢ : أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال : للجنة باب يقال له : باب

ــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ٤٩ .

( ٢ ) الكافي ٥ : ٢ ح ٢ .

٤٩٧

المجاهدين ، يمضون إليه ، فإذا هو مفتوح و هم متقلدون بسيوفهم و الجمع في الموقف ، و الملائكة ترحب بهم .

و الجهاد معاملة ثمنها الجنّة ، و قبالتها الكتب السماوية ، و مسجلها هو تعالى عزّ اسمه ، قال سبحانه إنّ اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأنّ لهم الجنّة يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون و يقتلون وعدا عليه حقا في التوراة و الإنجيل و القرآن و من أوفى بعهده من اللّه فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به و ذلك هو الفوز العظيم ١ .

« و هو لباس التقوى » في ( الكافي ) ٢ عن الصادق عليه السّلام : أنّ اللّه تعالى بعث رسوله بالإسلام إلى النّاس عشر سنين ، فأبوا أن يقبلوا حتى أمره بالقتال ،

فالخير بالسّيف و تحت السّيف ، و الأمر يعود كما بدأ .

« و درع اللّه الحصينة و جنّته الوثيقة » في ( الكافي ) عنه عليه السّلام : أنّ اللّه تعالى فرض الجهاد و عظّمه و جعله نصره و ناصره ، و اللّه ما صلحت دنيا و لا دين إلاّ به .

« فمن تركه رغبة عنه ألبسه اللّه ثوب الذّل ، و شملة » هكذا في ( المصرية ) ٣ و الصواب : ( و شمله ) بلفظ الفعل و المفعول كما في ( ابن أبي الحديد ٤ و ابن ميثم ٥ و الخطية ) .

« البلاء و ديث » أي : دلل .

« بالصغار و القماء » أي : الذلة ، في ( الأغاني ) : ذكر مؤرج السدوسي أنّ

ــــــــــــ

( ١ ) التوبة : ١١١ .

( ٢ ) الكافي ٥ : ٧ ح ٧ .

( ٣ ) الطبعة المصرية ١ : ٦٣ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٧٤ .

( ٥ ) شرح ابن ميثم ٢ : ٢٩ .

٤٩٨

أعشى همدان كان في حرب ابن الأشعث شديد التحرض على الحجاج ، فجال أهل العراق جولة ثم غاروا ، فنزل الأعشى عن سرجه و نزعه عن فرسه ، و نزع درعه فوضعها فوق السرج ، ثم جلس عليها فأحدث و الناس يرونه ، ثم أقبل عليهم فقال لهم : لعلّكم أنكرتم ما صنعت ؟ قالوا : أو ليس هذا موضع نكير ؟

فقال : كلكم سلح في سرجه و درعه خوفا و فرقا ، و لكنكم سترتموه و أظهرته.

و نسب بعضهم هذا العمل إلى ابن حلّزة اليشكري .

« و ضرب على قلبه بالاسداد » هكذا في ( المصرية ) و مثله رواية ( الكافي ) ١،

و لكن في المدرك ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) : « بالاسهاب » ، فلا بدّ كون النهج كذلك .

و في ( الجمهرة ) : أسهب الرجل من لدغ الحية ، و هو ذهاب العقل ، و ليس في كلامهم ( أفعل فهو مفعل ) أي : بالفتح إلاّ ثلاثة : أسهب هذا ، و أفلج ، و أحصن،

قال الراجز :

فمات عطشانا و عاش مسهبا .

« و اديل الحقّ منه » أي : يجعل الكرّة للحق عليه ، و في مثل : يدال من البقاع كما يدال من الرجال .

« بتضييع الجهاد » أي : بسبب تضييعه له .

« و سيم الخسف » في ( الصحاح ) : سامه الخسف ، أي : أولاه الذّل .

ثم قد عرقت أنّ الجاحظ و الدينوري نقلاه مثل المتن و كذا ( الكافي ) و رواه المبرد ٢ و الصدوق ٣ ، و اسنادهما واحد عن ابن عايشة بلفظ : « ألبسه

ــــــــــــ

( ١ ) الكافي ٥ : ٤ ح ٦ .

( ٢ ) المبرد ١ : ٢٣ .

( ٣ ) معاني الأخبار للصدوق : ٣٠٩ .

٤٩٩

اللّه الذل و سيماء الخسف » و عليه يكون ( سيماء ) عطفا على ( الذل ) كما أنّ ما كان بلفظ « و سيم » يكون عطفا على ( ألبسه ) .

و لذا قال المبرد : و سماعه سيماء ، و معناه العلامة ، و أظنّه سيم .

و قول ابن أبي الحديد : « سماع المبرد غير مرض » في غير محله ، فإنّ سماعه إنّما يكون غير مرض إذا كان بلفظ النهج و ليس في روايته أيضا بعده « و منع منه النصف » ، فاستدلاله لكونه ( سيم ) بافعال قبله و بعده كما ترى .

« و منع النصف » أي : لا يعمل معه بالانصاف .

« ألا و إنّي قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلا و نهارا و سرّا و إعلانا » هو نظير قول نوح عليه السّلام : . . . ربّ إنّي دعوت قومي ليلا و نهارا ١ .

« و قلت لكم : اغزوهم قبل أن يغزوكم » و من أمثالهم : تغد به قبل ان يتعشى بك.

« فو اللّه ما غزي قوم » و زاد ابن أبي الحديد ٢ و ابن ميثم ٣ و ( الخطية ) :

« قط » ففي ( المصرية ) ٤ سقط .

« في عقر » أي : أصل .

« دارهم إلاّ ذلّوا فتواكلتم » أي : و كل هذا إلى ذاك ، و ذاك إلى هذا ، فلم يتولّه أحد .

« و تخاذلتم حتى شنّت » أي : صبت ، و الأصل فيه : شن عليه الماء .

« الغارات عليكم » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( عليكم الغارات ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) .

ــــــــــــ

( ١ ) نوح : ٥ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٧٤ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٢ : ٢٩ .

( ٤ ) الطبعة المصرية ١ : ٦٤ .

٥٠٠