• البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 76109 / تحميل: 3382
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 10

مؤلف:
العربية

« و ملكت عليكم الأوطان » و منها مصر .

« و هذا » هكذا في ( المصرية ) و لكن في ( ابن ميثم و الخطية ) : « هذا » و في ( ابن أبي الحديد ) : « فهذا » .

« أخو » بيان لهذا لا خبر .

« غامد » قد عرفت من رواية ( العقد ) أنّ الغامدي ذاك سفيان بن عوف ،

و قال المبرد ١ : كان سفيان من بني غامد بن نصر بن الأزد ، و في هذه القبيلة يقول القائل :

ألا هل أتاها على نايها

بما فضحت قومها غامد

تمنيتم مائتي فارس

فردكم فارس واحد

فليت لها بارتباط الخيول

ضانا لها حالب قاعد

و في ( الجمهرة ) اختلفوا في اشتقاق غامد ، فقال ابن الكلبي سمّي به لأنّه تغمّد أمرا كان في عشيرته ، فسمّاه ملك من ملوك حمير : غامدا . فقال غامد :

تغمّدت أمرا كان بين عشيرتي

فاسمّاني القيل الحضوري غامدا

و قال الأصمعي : سمّي غامد من قولهم : غمدت البئر ، إذا كثر ماؤها ،

و غمدت ليلتنا : إذا اظلمت ، و انشد :

و ليلة غامدة غمودا

ظلماء تغشي النجم و الفرقودا

يعني : الفرقد .

« و قد وردت » هكذا في ( المصرية ) ٢ و الصواب : ( قد وردت ) كما في ( ابن أبي الحديد ٣ و ابن ميثم ٤ و الخطية ) و لأنّه خبر : « و هذا اخو غامد » .

ــــــــــــ

( ١ ) المبرد ١ : ٢٦ .

( ٢ ) الطبعة المصرية ١ : ٦٤ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٧٤ .

( ٤ ) شرح ابن ميثم ٢ : ٢٩ .

٥٠١

« خيله الأنبار » في ( المعجم ) : الأنبار : مدينة في غربي بغداد بعشرة فراسخ ، و كان أول من عمّرها سابور ذو الإكتاف ثم جددها السفاح ، فتحت أيام أبي بكر على يد خالد ، قال البلاذري : مرّ عليّ عليه السّلام بالأنبار فخرج إليه أهلها بالهدايا إلى معكسره فقال : اجمعوا الهدايا و اجعلوها باجا واحدا . ففعلوا فسمي موضع معسكره بالأنبار الباج إلى الآن .

و في ( الصحاح ) : باجا واحدا ، أي : ضربا واحدا و لونا واحدا .

« و قد قتل حسّان بن حسّان البكري » قال ابن أبي الحديد ١ : قال إبراهيم الثقفي ٢: كان اسم عامل عليّ عليه السّلام على مسلحة الأنبار أشرس بن حسّان .

قلت : لا خلاف في أنّ اسم أبيه حسّان ، و أمّا اسمّه فاختلف فيه بحسّان و أشرس ، فخبر الثقفي الذي نقله ابن أبي الحديد ٣ و خبر عوانة الآتي و أنساب البلاذري و تاريخ أعثم كلها تضمن ( أشرس ) .

و خبر ابن عايشة المروي في ( كامل المبرد ) و ( معاني الصدوق ) و خبر ( الأغاني ) و رواية ( الكافي ) كلها مثل النهج بلفظ حسّان بن حسّان ، و كذا ( الإرشاد ) و ( العقد ) سمّياه حسانا ، و ( الأخبار الطوال ) عبر عنه بابن حسّان ،

و ( بيان الجاحظ ) تردد فقال : حسّان أو ابن حسّان ، و ( الصحيح ) : أشرس ، و أنّ الناقلين ( حسّان ) رأوا ابن حسّان فقرؤه ( حسّان ) .

« و أزال خيلكم عن مسالحها » في ( الصحاح ) : المسلحة : قوم ذوو سلاح ،

و المسلحة كالثغر و المرقب ، و في الحديث : كان أدنى مسالح فارس إلى العرب العذيب .

ــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٨٥ .

( ٢ ) الغارات للثقفي ٢ : ٤٦٤ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٨٥ .

٥٠٢

« و لقد بلغني أنّ الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة و الاخرى المعاهدة فينتزع حجلها » أي : خلخالها .

« و قلبها » بالضم السوار ، قال خالد بن يزيد :

تجول خلاخيل النساء و لا أرى

لرملة خلخالا يجول و لا قلبا

« و قلائدها » جمع القلادة .

« و رعاثها » جمع رعثة : القرط ، و كان بشار الشاعر يلقب بالمرعث ، لرعثة كانت له في صغره .

« ما تمنع » هكذا في ( المصرية ) ١ و الصواب : ( ما تمتنع ) كما في ( ابن أبي الحديد ٢ و ابن ميثم ٣ و الخطية ) .

« إلاّ بالاسترجاع » أي : قول . . . إنّا للّه و إنا إليه راجعون ٤ .

« و الإسترحام » أي : طلب الترحم عليها ، و قال ابن أبي الحديد ٥ و ابن ميثم:

أي مناشدة الرحم . و هو كما ترى فلم يعلم رحم بين نساء الأنبار و رجال الشام حتى يناشدهم به .

« ثم انصرفوا و افرين ما نال رجلا منهم كلم » أي : جراحة .

« و لا اريق لهم » هكذا في ( المصرية ) ٦ و الصواب : ( له ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) دم .

ــــــــــــ

( ١ ) الطبعة المصرية ١ : ٦٤ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٧٤ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٢ : ٢٩ .

( ٤ ) البقرة : ١٥٦ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٧٨ .

( ٦ ) الطبعة المصرية ١ : ٦٥ .

٥٠٣

في ( الطبري ) ١ قال عوانة : وجّه معاوية سنة ( ٣٩ ) سفيان بن عوف في ستة آلاف رجل ، و أمره أن يأتي هيت فيقطعها و أن يغير عليها ، ثم يمضي حتى يأتي الأنبار و المدائن فيوقع بأهلها ، فسار حتى اتى هيت فلم يجد بها أحدا ، ثم أتى الأنبار و بها مسلحة لعليّ عليه السّلام تكون خمسمائة رجل و قد تفرقوا فلم يبق منهم إلاّ مائة رجل ، فقاتلهم فصبر لهم أصحاب عليّ عليه السّلام مع قلّتهم ، ثم حملت عليهم الخيل و الرجّالة فقتلوا صاحب المسلحة ، و هو أشرس بن حسّان البكري في ثلاثين رجلا ، و احتملوا ما كان في الأنبار من الأموال و احتملوا ،

أموال أهلها و رجعوا إلى أن قال و سرّح عليّ عليه السّلام سعيد بن قيس في أثر القوم ، فخرج في طلبهم فلم يلحقهم فرجع .

و روى ( غارات الثقفي ) ٢ عن سفيان بن عوف الغامدي قال : دعاني معاوية فقال : إنّي باعثك في جيش كثيف ذي أداة و جلادة ، فالزم جانب الفرات حتى تمرّ بهيت فتقطعها ، فإن وجدت جندا فأغر عليهم ، و إلاّ فامض حتّى تغير على الأنبار ، فإن لم تجد بها جندا فامض حتّى توغل المدائن ، ثم أقبل إلي واتق أن تقرب الكوفة ، و اعلم أنّك إن أغرت على الأنبار و أهل المدائن فكأنّك أغرت على الكوفة ، إنّ هذه الغارات يا سفيان على أهل العراق ترعب قلوبهم و تفرح كلّ من له فينا هوى ، و يدعو إلينا كلّ من له فينا هوى و خاف الدوائر ، فاقتل من لقيته ممّن ليس هو على مثل رأيك ، و أخرب كلّ ما مررت به من القرى و احرب الأموال ، فإنّ حرب الأموال شبيه بالقتل و هو أوجع للقلب . قال سفيان :

فخرجت من عنده فعسكرت ، و قام معاوية في الناس فخطبهم فقال : انتدبوا مع سفيان فإنّه وجه فيه أجر عظيم و سريعة أو بتكم . ثم نزل فما مرّت ثالثة حتى

ــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٥ : ١٣٤ .

( ٢ ) الغارات للثقفي ٢ : ٤٦٤ .

٥٠٤

خرجت في ستة آلاف ، ثم لزمت شاطى‏ء الفرات فأغذذت السير حتى أمرّ بهيت،

فبلغهم أنّي قد غشيتهم فقطعوا الفرات ، فمررت بها و ما بها غريب كأنها لم تحلل قط ، فوطئتها حتى أمرّ بصدوداء ففروا فلم ألق بها أحدا ، فأمضي حتى أفتتح الأنبار و قد انذروا بي فخرج صاحب المسلحة إليّ فوقف لي فلم أقدم عليه ، حتى أخذت غلمانا من أهل القرية فقلت لهم : أخبروني كم بالأنبار من أصحاب عليّ ؟ قالوا : عدة رجال المسلحة خمسمائة و لكنهم قد تبددوا و رجعوا إلى الكوفة ، و لا ندري الذي يكون فيها قد يكون مائتي رجل . فنزلت فكتّبت أصحابي كتائب ثم أخذت أبعثهم إليه كتيبة بعد كتيبة ، فنقاتلهم و نطاردهم و يطاردون في الأزقة ، فلمّا رأيت ذلك أنزلت إليهم نحوا من مائتين و أتبعتهم الخيل ، فلمّا حملت عليهم الخيل و أمامها الرجالة تمشي لم يكن شي‏ء حتى تفرّقوا ، و قتل صاحبهم في نحو من ثلاثين رجلا ، و حملنا ما كان من الأنبار من الأموال ثم انصرفت ، فو اللّه ما غزوت غزاة كانت أقرّ للعيون منها ،

و بلغني أنّها رعبت الناس ، فلمّا عدت إلى معاوية حدّثته الحديث على وجهه ،

فقال : كنت عند ظنّي بك ، لا تنزل في بلد من بلداني إلاّ قضيت فيه ما يقضي أميره ، و إن أحببت أن تولاّه وليتك . فما لبثنا إلاّ يسيرا حتى رأيت رجال أهل العراق يأتوننا على الإبل هربا من عسكر علي .

« فلو أنّ امرأ مسلما مات من بعد هذا أسفا ما كان به ملوما ، بل كان به عندي » و في ( ابن ميثم ) ١ : « بل كان عندي به » .

« جديرا » و مرّ في سابقه أنّ أباذر أخبر بسبي نساء مسلمات في غارات بسر ، و استعاذ باللّه من إدراكه ذاك الزمان .

و ممّن مات أسفا مروان بن عبد الملك بن مروان ، ففي ( نسب قريش

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن ميثم ٢ : ٢٩ .

٥٠٥

مصعب الزبيري ) حج مروان مع أخيه الوليد و هو خليفة فلمّا كانا بوادي القرى جرى بينهما محاورة فغضب الوليد فامصه ، فتفوّه مروان بالردّ عليه فأمسك عمر بن عبد العزيز على فيه فمنعه من ذلك ، فقال مروان لعمر : قتلتني رددت غيظي في جوفي . فما راحوا من وادي القرى حتى دفنوه ١ .

« فيا عجبا و اللّه يميت القلب و يجلب الهمّ اجتماع هؤلاء القوم » هكذا في ( المصرية ) ٢ و فيها زيادة و نقيصة ، ففي ( ابن أبي الحديد ٣ و ابن ميثم ) ٤ :

« فيا عجبا عجبا و اللّه يميت القلب و يجلب الهمّ من اجتماع هؤلاء » .

« على باطلهم و تفرّقكم عن حقكم » في ( خلفاء ابن قتيبة ) ٥ بعد ذكر هزيمة زحر ابن قيس من قبله عليه السّلام للضحاك بن قيس من قبل معاوية : أنّ معاوية جمع الناس و قال لهم : أتاني خبر من ناحية من نواحي أمر شديد . فقالوا : لسنا في شي‏ء ممّا أتاك ، إنّما علينا السمع و الطاعة . و بلغ عليّا عليه السّلام قول معاوية و قول أهل الشام ، فأراد أن يعلم ما رأي أهل العراق ؟ فجمعهم فقال : أيّها الناس أتاني خبر من ناحية من نواحي . فقال ابن الكواء و أصحابه : إنّ لنا في كل أمر رأيا في ما أتاك ، فأطلعنا عليه حتى نشير عليك . فبكى عليه السّلام ثم قال : ظفر و اللّه ابن هند باجتماع أهل الشام له و اختلافكم عليّ ، و اللّه ليغلبنّ باطله حقكم ، إنّما أتاني أنّ زحر بن قيس ظفر بالضحاك و قطع الميرة ، و أتى معاوية هزيمة صاحبه فقال : يا أهل الشام ، إنّه أتاني أمر شديد . فقلّدوه أمرهم و اختلفتم عليّ .

ــــــــــــ

( ١ ) نسب قريش لمصعب الزبيري : ١٦٢ .

( ٢ ) الطبعة المصرية ١ : ٦٥ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٧٤ .

( ٤ ) شرح ابن ميثم ٢ : ٣٠ .

( ٥ ) الخلفاء لأبن قتيبة : ١٠٧ .

٥٠٦

و في ( صفين نصر ) ١ قال النجاشي :

كفى حزنا أنّا عصينا إمامنا

عليّا و أنّ القوم طاعوا معاويه

و أنّ لأهل الشام في ذلك فضلهم

علينا بما قالوه فالعين باكيه

أ يعصى إمام أوجب اللّه حقّه

علينا و أهل الشام طوع لطاغيه

« قبحا لكم و ترحا » أي : بعدا لكم و حزنا .

« حين صرتم غرضا » أي : هدفا .

« يرمى ، يغار عليكم و لا تغيرون ، و تغزون و لا تغزون ، و يعصى اللّه و ترضون ،

فإذا أمرتكم بالسير إليهم في أيّام الصيف » هكذا في ( المصرية ) ٢ ، و الصواب:

( الحر ) كما في ( ابن أبي الحديد ٣ و ابن ميثم ٤ و الخطية ) .

« قلتم : هذه حمارة » بتشديد الراء : شدة حر الصيف ، و أمّا بتشديد الميم فبمعنى أصحاب الحمير في السّفر .

« القيظ » أي : الصيف .

« أمهلنا يسبّخ » أي : يخف و يفتر .

« عنا الحر . و إذا أمرتكم بالسير إليهم في الشتاء قلتم : هذه صبارّة » بتشديد الراء : شدة البرد .

« القرّ » أي : البرد .

« أمهلنا ينسلخ » أي : ينقضي .

« عنّا البرد . كل هذا » و في ( ابن ميثم ) : « أ كلّ هذا » .

« فرارا » مفعول له .

ــــــــــــ

( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٤٥٣ .

( ٢ ) الطبعة المصرية ١ : ٦٥ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٧٤ .

( ٤ ) شرح ابن ميثم ٢ : ٣٠ .

٥٠٧

« من الحرّ و القر » بالفتح .

« فأنتم و اللّه من السّيف أفر » هكذا في ( المصرية ) و فيه سقط ، ففي ( ابن أبي الحديد ١ و ابن ميثم ) : « فإذا كنتم من الحرّ و القرّ تفرون ، فأنتم و اللّه من السيف أفرّ » .

في ( غارات الثقفي ) ٢ عن المنهال بن عمرو قال : سمعت عليّا عليه السّلام و نحن بمسكن يقول : « يا معشر المهاجرين ادخلوا الأرض المقدّسة التي كتب اللّه لكم و لا ترتدّوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين ٣ . فبكوا و قالوا :

البرد شديد . و كان غزاتهم في البرد ، فقال : إنّ القوم يجدون البرد كما تجدون.

فلم يفعلوا و أبوا فلمّا رأى ذلك منهم قال : أفّ لكم إنّها سنّة جرت عليكم .

و عن فرقد البجلي عنه عليه السّلام في كلام له عليه السّلام : إن قلت لكم : انفروا إلى عدوّكم . قلتم : القرّ يمنعنا . أفترون عدوّكم لا يجدون القرّ كما تجدونه ؟ و لكنّكم أشبهتم قوما قال لهم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله : « انفروا في سبيل اللّه » . فقال كبراؤهم: « لا تنفروا في الحر » فقال تعالى لنبيه : . . . قل نار جهنم أشد حرّا لو كانوا يفقهون ٤ .

« يا أشباه الرجال و لا رجال » في ( كامل المبرد ) : يروى أنّ رجلا من الخوارج يوم سلى ، حمل على رجل من أصحاب المهلب فطعنه ، فلمّا خالطه الرمح صاح : يا أمّاه . فصاح به المهلب : لا كثّر اللّه بمثلك المسلمين . فضحك الخارجي و قال :

ــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٧٥ .

( ٢ ) الغارات للثقفي ١ : ٢٦ ٢٧ .

( ٣ ) المائدة : ٢١ .

( ٤ ) التوبة : ٨١ .

٥٠٨

امّك خير لك مني صاحبا

تسقيك محضا و تعل رائبا ١

و في ( تفسير القمي ) : كانت هند بنت عتبة يوم احد في وسط العسكر ،

فكلّما انهزم رجل من قريش رفعت إليه ميلا و مكحلة و قالت له : إنّما أنت امرأة فاكتحل بهذا ٢ .

و في ( تنبيه البكرى ) : قتل رجل من مازن سعد العشيرة أخا عمرو بن معديكرب ، و طلبوا من عمرو قبول الدية لكون القاتل سكران ، فقبل عمرو فقالت اخته كبشة :

فإن أنتم لم تقتلوا و اتديتمو

فمشّوا باذان النعام المصلم

و لا تشربوا إلاّ فضول نسائكم

إذا أنهلت اعقابهن من الدم

فأكب عمرو بالغارة عليهم فأوجع فيهم ٣ .

و في ( الأغاني ) ٤ : كان عمليق الطمسي أمر ألاّ تزوج بكر من جديس حتى يفترعها هو قبل زوجها ليلة زفافها . فلمّا تزوّجت الشموس و هي عفيرة بنت عباد ، اخت الأسود الذي وقع إلى جبل طي ، فقتله طي و سكنوا الجبل من بعده انطلقوا بها إلى عمليق فافترعها ، فخرجت إلى قومها في دماء شاقة درعها من قبل و من دبر و الدم يسيل ، و هي في أقبح منظر ، و هي تقول :

أ يجمل ما يؤتى إلى فتياتكم

و أنتم رجال فيكم عدد النمل

و لو أنّنا كنا رجالا و كنتم

نساء لكنّا لا نقرّ بذا الفعل

و إن أنتم لم تغضبوا بعد هذه

فكونوا نساء لا تعاب من الكحل

و دونكم طيب العروس فإنّما

خلقتم لأثواب العروس و للنسل

ــــــــــــ

( ١ ) الكامل للمبرد ٢ : ٢٣٧ مؤسسة المعارف بيروت .

( ٢ ) تفسير القمّي ١ : ١١٦ .

( ٣ ) ذيل الأمالي للقالي : ١٩٠ دار الآفاق الجديدة بيروت .

( ٤ ) الأغاني ١١ : ١٦٥ دار إحياء التراث العربي بيروت .

٥٠٩

فبعدا و سحقا للذي ليس دافعا

و يختال يمشي بيننا مشية الفحل

« حلوم الأطفال » أي : لهم عقول كعقول الأطفال ، قال الشاعر :

ترى الفتيان كالنخل

و ما يدريك ما الدخل

و قال حسّان :

إنّي رأيت من المكارم حسبكم

أن تلبسوا حر الثّياب و تشبعوا

و قال آخر :

الا طعان الا فرسان عادية

الا تجشؤكم حول التنانير

« و عقول ربات الحجال » في ( الصحاح ) : الحجلة بالتحريك : واحدة حجال العروس ، و هي بيت بالثياب و الاسرة و الستور .

و في ( الجزري ) : قال عبيد اللّه بن الحر الجعفي في قصيدة له :

أ لم تر قيسا قيس عيلان برقعت

لحاها و باعت نبلها بالمغازل

و قالوا : قال أبو العتاهية في ابن معن بن زائدة :

فما تصنع بالسّيف

إذا لم تك قتّالا

فكسّر حلية السّيف

وضعها لك خلخالا

فكان ابن معن إذا تقلّد السيف و رمقه واحد تبيّن الخجل عليه .

و قال المبرّد ١ : نسبهم عليه السّلام في قوله هذا إلى ضعف النساء ، قال تعالى :

أو من ينشأ في الحلية و هو في الخصام غير مبين ٢ .

و قال الشاعر :

متى ترعيني مالك و جرانه

و جنبيه تعلم أنّه غير ثائر

حضج كامّ التوأمين توكّأت

على مرفقيها مستهلة عاشر

ــــــــــــ

( ١ ) المبرد ١ : ٢٨ .

( ٢ ) الزخرف : ١٨ .

٥١٠

« لوددت أنّي لم أركم و لم أعرفكم معرفة و اللّه جرّت ندما و أعقبت سدما » أي :

حزنا ، قالوا : نادم سادم ، و في ( الجمهرة ) : قال قوم : السّادم مأخوذ من المياه الاسدام ، و هي المندفنة التي تغيرت لطول المكث ، يقال : ماء أسدام و مياه أسدام . و هو ما وصف واحده بصفة الجمع .

و في ( الطبري ) ١ بعد ذكر إعطاء محمد بن الأشعث الأمان لمسلم و تسليمه : قال مسلم له : إنّي أراك ستعجز عن أماني ، فهل تستطيع أن تبعث رجلا إلى الحسين عليه السّلام يقول له : « ارجع بأهل بيتك و لا يغررك أهل الكوفة ،

فإنّهم أصحاب أبيك الذي كان يتمني فراقهم بالموت أو القتل ، إنّ أهل الكوفة كذّبوك و كذّبوني و ليس لمكذوب رأي » ؟

« قاتلكم اللّه لقد ملأتم قلبي قيحا » بالفتح : ماء يخرج من الجرح بدون الدم ،

و في ( الجمهرة ) : قاح الجرح ، يقيح و يقوح ، و أقاح يقيح .

« و شحنتم » أي : ملأتم صدري .

« غيظا ، و جرّعتموني نغب » جمع النغبة بالضم ، أي : جرع .

« التهام » أي : الهم ، قال ابن أبي الحديد ٢ التّهمام بفتح التاء ، و كذلك كلّ تفعال ، كالترداد و التكرار و التجوال ، إلاّ التّبيان و التّلقاء فإنّهما بالكسر .

قلت : أخذه من ( الصحاح ) في ( بين ) فقال : « تبيان مصدر و هو شاذ ، لإنّ المصادر إنّما تجي‏ء على تفعال » بفتح التاء ، مثل التّذكار و التّكرار و التوكاف و لم يجى‏ء بالكسر إلاّ التّبيان و التّلقاء و لكنّه كما ترى قال : كلّ مصدر على تفعال إنّما هو بالفتح سوى حرفين لا كلّ تفعال بالفتح كما قال و ان لم يكن مصدرا ، فعن أبي عمرو: « تفعال بالفتح مصدر ، و تفعال بالكسر اسم » و في

ــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٥ : ٣٧٤ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٨٠ .

٥١١

كلامه عليه السّلام ليس بمصدر بل اسما كالهم ، مع أنّ ( الجمهرة ) لم يذكر تفعال بالفتح بل بالكسر ، و عدّ في صيغه التّكلام و التّلقام و التّمساح و التّضراب و التّمراد و التّلفاق و التّجفاف و التّمثال و التّهواء و التّعشار و التّبراك و التّنبال و التّلعاب و التّقصار و التّعمار ، كما عدّ التّبيان و التّلقاء .

« أنفاسا » أي : نفسا نفسا .

« أفسدتم علي رأيي بالعصيان و الخذلان حتى قالت قريش : إنّ ابن أبي طالب رجل شجاع و لكن لا علم له بالحرب » في ( المروج ) ١ : بلغ عليّا عليه السّلام عن اناس من قريش ممّن قعد عن بيعته و نافق في خلافته كلام كثير ، فقال عليه السّلام : « و قد زعمت قريش أنّ ابن أبي طالب شجاع و لكن لا علم له بالحروب . تربت أيديهم و هل فيهم أشدّ مراسا لها منّي ؟ لقد نهضت فيها و ما بلغت الثلاثين ، و ها أناذا قد أربيت على نيف و ستين » .

« للّه أبوه و هل أحد منهم أشدّ لها مراسا » أي : ممارسة .

« و أقدم فيها مقاما مني » و كيف لا علم له عليه السّلام بالحرب و قد بيّن عليه السّلام آداب الحرب للناس ؟

« لقد نهضت » أي : قمت .

« فيها و ما بلغت العشرين » قد عرفت أنّ الكليني و الصدوق و المفيد و الجاحظ أيضا رووه كذلك ، و لكن المسعودي رواه : « و ما بلغت الثلاثين » و الظّاهر صحّته ، فأوّل حروبه عليه السّلام الرّسمية حرب بدر ، و كانت في السّنة الثانية من الهجرة و كان عليه السّلام وقت البعثة ابن عشر على الأصح ، و كان مقام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بمكة قبل الهجرة ثلاث عشرة سنة .

« و ها أنا اليوم قد ذرّفت » بالتشديد ، أي : زدت .

ــــــــــــ

 ( ١ ) مروج الذهب ٢ : ٤١٤ .

٥١٢

« على الستين » و قد عرفت أنّ الدينوري رواه : « جنفت الستين » ،

و المسعودي : « قد أربيت على نيف و ستين » .

« و لكن » هكذا في ( المصرية ) و نسخة ابن ميثم ١ ، و لكن في ابن أبي الحديد ٢ و الخطية ) : « و لكنه » .

« لا رأي لمن لا يطاع » لإنّه يذهب رأيه هدرا .

قول المصنف في العنوان الثاني « و قال عليه السّلام لمّا بلغه إغارة أصحاب معاوية » بقيادة سفيان بن عوف الغامدي .

« على الأنبار فخرج بنفسه ماشيا » لمّا ندبهم إلى الخروج إليه و دفعه و لم يجيبوه.

« حتى أتى النّخيلة » و نزلها عليه السّلام في طريقه إلى صفّين أيضا ، و دلّهم على قبر يهودا و قبر هود كما رواه نصر بن مزاحم في ( صفينه ) ٣ .

« فأدركه الناس و قالوا : يا أمير المؤمنين نحن نكفيكهم . فقال عليه السّلام : ما تكفونني » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( و اللّه ما تكفونني ) كما في ( ابن أبي الحديد ٤ و ابن ميثم ٥ و الخطية ) .

« أنفسكم فكيف تكفونني غيركم ؟ » قالوا : إنّ قوما اغير عليهم فاستصرخوا بني عمّهم ، فأبطأوا عنهم حتى اسروا و ذهب بهم ثم جاؤوا يسألون عنهم ،

فقيل لهم : « أ سائر اليوم و قد زال الظهر » فصار مثلا ، أي : أتطمع و قد بان اليأس ؟

ــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن ميثم ٢ : ٣٠ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٧٥ .

( ٣ ) صفين لنصر بن مزاحم : ١٢٦ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٨٨ .

( ٥ ) شرح ابن ميثم ٢ : ٣١ .

٥١٣

« إن » مخففة من المثقلة .

« كانت الرّعايا قبلي لتشكو حيف » أي : ظلم .

« رعاتها » جمع الراعي .

« و إنّني اليوم لأشكو حيف رعيّتي كأنني المقود و هم القادة أو الموزوع » أي :

المكفوف .

« و هم الوزعة » أي : الكافة ، قال الحسن البصري : لا بد للناس من وزاع . أي :

سلطان يكفهم .

« فلمّا قال عليه السّلام هذا القول في كلام طويل قد ذكرنا مختاره في جملة الخطب » في ( ٢٦ ) منها .

« تقدم إليه رجلان من أصحابه » قد عرفت من رواية المبرد و الجاحظ أنّ الرجلين كانا اخوين ، و في ( الكامل ) للمبرد : الرجل و أخوه يعرفان بابني عفيف من الأنصار ، و في ( بيان الجاحظ ) : « فلان بن عفيف ، ثم اخذ بيد أخ له » :

و من رواية الثقفي أنّهما كانا عمّا و ابن أخ ، اسم الأوّل حبيب بن عفيف ، و الثاني عبد الرحمن بن عبد اللّه .

« فقال أحدهما : اني ( لا أملك إلاّ نفسي و أخي ) فمرنا بأمرك ننقد » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( ننفذ ) . كما في غيرها : « له » . و قالا : لنضربنّ دونك و إن حال جمر الغضا و شوك القتاد .

« فقال عليه السّلام : و أين تقعان ممّا اريد ؟ » بعد أن أثنى عليهما و دعا لهما .

٤

الخطبة ( ٣٤ ) و من خطبة له عليه السّلام في استنفار الناس إلى أهل الشّام :

أُفٍّ لَكُمْ لَقَدْ سَئِمْتُ عِتَابَكُمْ أَ رَضِيتُمْ بِالْحَياةِ اَلدُّنْيا مِنَ اَلْآخِرَةِ ١٧ ٢٢ ٩ : ٣٨ ١

ــــــــــــ

( ١ ) التوبة : ٣٨ .

٥١٤

عِوَضاً وَ بِالذُّلِّ مِنَ اَلْعِزِّ خَلَفاً إِذَا دَعَوْتُكُمْ إِلَى جِهَادِ عَدُوِّكُمْ دَارَتْ أَعْيُنُكُمْ كَأَنَّكُمْ مِنَ اَلْمَوْتِ فِي غَمْرَةٍ وَ مِنَ اَلذُّهُولِ فِي سَكْرَةٍ يُرْتَجُ عَلَيْكُمْ حَوَارِي فَتَعْمَهُونَ فَكَأَنَّ قُلُوبَكُمْ مَأْلُوسَةٌ فَأَنْتُمْ لاَ تَعْقِلُونَ مَا أَنْتُمْ لِي بِثِقَةٍ سَجِيسَ اَللَّيَالِي وَ مَا أَنْتُمْ بِرُكْنٍ يُمَالُ بِكُمْ وَ لاَ زَوَافِرُ عِزٍّ يُفْتَقَرُ إِلَيْكُمْ مَا أَنْتُمْ إِلاَّ كَإِبِلٍ ضَلَّ رُعَاتُهَا فَكُلَّمَا جُمِعَتْ مِنْ جَانِبٍ اِنْتَشَرَتْ مِنْ آخَرَ لَبِئْسَ لَعَمْرُ اَللَّهِ سُعْرُ نَارِ اَلْحَرْبِ أَنْتُمْ تُكَادُونَ وَ لاَ تَكِيدُونَ وَ تُنْتَقَصُ أَطْرَافُكُمْ فَلاَ تَمْتَعِضُونَ لاَ يُنَامُ عَنْكُمْ وَ أَنْتُمْ فِي غَفْلَةٍ سَاهُونَ غُلِبَ وَ اَللَّهِ اَلْمُتَخَاذِلُونَ وَ اَيْمُ اَللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّ بِكُمْ أَنْ لَوْ حَمِسَ اَلْوَغَى وَ اِسْتَحَرَّ اَلْمَوْتُ قَدِ اِنْفَرَجْتُمْ عَنِ ؟ اِبْنِ أَبِي طَالِبٍ ؟ اِنْفِرَاجَ اَلرَّأْسِ وَ اَللَّهِ إِنَّ اِمْرَأً يُمَكِّنُ عَدُوَّهُ مِنْ نَفْسِهِ يَعْرُقُ لَحْمَهُ وَ يَهْشِمُ عَظْمَهُ وَ يَفْرِي جِلْدَهُ لَعَظِيمٌ عَجْزُهُ ضَعِيفٌ مَا ضُمَّتْ عَلَيْهِ جَوَانِحُ صَدْرِهِ أَنْتَ فَكُنْ ذَاكَ إِنْ شِئْتَ فَأَمَّا أَنَا فَوَاللَّهِ دُونَ أَنْ أُعْطِيَ ذَلِكَ ضَرْبٌ بِالْمَشْرَفِيَّةِ تَطِيرُ مِنْهُ فَرَاشُ اَلْهَامِ وَ تَطِيحُ اَلسَّوَاعِدُ وَ اَلْأَقْدَامُ وَ يَفْعَلُ اَللَّهُ ١٧ ١٩ ١٤ : ٢٧ بَعْدَ ذَلِكَ ما يَشاءُ ٢٠ ٢١ ١٤ : ٢٧ أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنَّ لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً وَ لَكُمْ عَلَيَّ حَقٌّ فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَيَّ فَالنَّصِيحَةُ لَكُمْ وَ تَوْفِيرُ فَيْئِكُمْ عَلَيْكُمْ وَ تَعْلِيمُكُمْ كَيْلاَ تَجْهَلُوا وَ تَأْدِيبُكُمْ كَيْمَا تَعْلَمُوا وَ أَمَّا حَقِّي عَلَيْكُمْ فَالْوَفَاءُ بِالْبَيْعَةِ وَ اَلنَّصِيحَةُ فِي اَلْمَشْهَدِ وَ اَلْمَغِيبِ وَ اَلْإِجَابَةُ حِينَ أَدْعُوكُمْ وَ اَلطَّاعَةُ حِينَ آمُرُكُمْ أقول : قال ابن أبي الحديد ١ : خطب عليه السّلام بها بعد فراغه من الخوارج ، و قد كان قام بالنهروان و قال : إنّ اللّه قد أحسن نصركم ، فتوجّهوا من فوركم هذا إلى عدوكم من أهل الشام . فقالوا : نفدت نبالنا و كلّت سيوفنا و انصلت أسنّة

ــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١١٩ .

٥١٥

رماحنا ، ارجع بنا إلى مصرنا نستعد بأحسن عدتنا ، و لعلّ يزيد في عددنا مثل من هلك منا ، فإنّه أقوى لنا على عدونا .

قلت : رواه الثقفي في ( غاراته ) ١ في عنوان : « قدوم عليّ عليه السّلام إلى الكوفة عن حرب الخوارج » مسندا عن أبي الوداك و زاد في آخره : « و كان الذي ولي كلام الناس الأشعث بن قيس » . و قال ابن أبي الحديد ٢ بعد ما مرّ : فكان جوابه عليه السّلام يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب لكم و لا ترتدوا على ادباركم فتنقلبوا خاسرين ٣ فتلكأوا عليه و قالوا : إنّ البرد شديد . فقال : إنّهم يجدونه كما تجدون . فابوا ، فقال : افّ لكم إنّها سنّة جرت . ثم تلا : قالوا يا موسى إنّ فيها قوما جبارين و إنّا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنّا داخلون ٤ . فقام منهم جمع فقالوا : الجراح فاش في الناس و كان الخوارج قد أكثروا الجراح في أصحابه عليه السّلام فارجع بنا إلى الكوفة فأقم أيّاما ثم أخرج بنا . فرجع عليه السّلام إلى الكوفة من غير رضا .

قلت : و رواه ( غارات الثقفي ) ٥ عن معلى بن السكن في خبرين و زاد الرواية عن طارق بن شهاب : أنّه عليه السّلام لمّا رجع إلى الكوفة و أقام أيّاما و تفرّق عنه ناس كثير ، فمنهم من أقام يرى رأي الخوارج ، و منهم من أقام شاكا في أمره . و روى عن أبي الوداك : أنّه عليه السّلام لمّا نزل النّخيلة أخذ النّاس يتسللون ، فلا من دخل الكوفة خرج إليه ، و لا من أقام معه صبر ، فلمّا رأى ذلك دخل الكوفة .

قال : و روى نصر بن مزاحم عن عمر بن سعد عن نمير بن وعلة عن أبي

ــــــــــــ

( ١ ) الغارات للثقفي ١ : ٢٣ ٢٥ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٩٣ .

( ٣ ) المائدة : ٢١ .

( ٤ ) المائدة : ٢٢ .

( ٥ ) الغارات للثقفي ١ : ٣٠ ٣١ .

٥١٦

وداك قال : لمّا كره القوم المسير إلى الشّام بعد النهروان أقبل عليه السّلام بهم فأنزلهم النّخيلة و أمر الناس أن يلزموا معسكرهم ، و يوطّنوا على الجهاد أنفسهم ، و أن يقلّوا زيارة نسائهم و أبنائهم حتى يسير بهم إلى عدوهم و كان ذلك هو الرأي لو فعلوه و أقبلوا يتسللون و يدخلون الكوفة فتركوه عليه السّلام و ما معه من الناس إلاّ رجالا من وجوههم قليل ، و بقي المعسكر خاليا فلا من دخل الكوفة خرج إليه و لا من أقام معه صبر ، فلمّا رأى ذلك دخل الكوفة فخطب الناس و هي أوّل خطبة خطبها بعد قدومه من حرب الخوارج فقال : أيّها النّاس استعدوا لقتال عدو في جهادهم القربة إلى اللّه عزّ و جلّ و درك الوسيلة عنده ، قوم حيارى عن الحق لا يبصرونه ، موزعين بالجور و الظلم لا يعدلون به ، جفاة عن الكتاب ، نكب عن الدين ، يعمهون في الطغيان ، و يتسكّعون في غمرة الضلال ، فأعدوا لهم ما استطعتم من قوة و من رباط الخيل ١ و توكلوا على اللّه و كفى باللّه وكيلا ٢ . فلم ينفروا فتركهم أيّاما ثم خطبهم فقال : « اف لكم لقد سئمت عتابكم أ رضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة ٣ عوضا » إلى آخر الفصل ، و زاد : أنتم اسود الشرى في الدّعة ، و ثعالب رواغة حين البأس . إنّ أخا الحرب اليقظان ، ألا إنّ المغلوب مقهور و مسلوب .

قال : و روى الأعمش عن الحكم بن عتيبة عن قيس بن أبي حازم قال :

سمعت عليّا عليه السّلام على منبر الكوفة و هو يقول : يا أبناء المهاجرين ، انفروا إلى أئمة الكفر و بقية الأحزاب و أولياء الشيطان ، انفروا إلى من يقاتل على دم حمّال الخطايا، فو اللّه الذي فلق الحبّة و برأ النسمة إنّه ليحمل خطاياهم إلى يوم

ــــــــــــ

( ١ ) الأنفال : ٦٠ .

( ٢ ) النساء : ٨١ .

( ٣ ) التوبة : ٣٨ .

٥١٧

القيامة و لا ينقص من أوزارهم شيئا .

و أوّله على أنّ المراد بمن يقاتل على دم حمال الخطايا : أهل الشام الذين يقاتلون على دم معاوية ، لا معاوية الذي يقاتل على دم عثمان .

قلت : و هو كما ترى ، ثم ما يفعل بقول عمّار يوم صفّين : اقصدوا بنا نحو هؤلاء القوم الذين يبغون دم عثمان و يزعمون أنّه قتل مظلوما ، و اللّه ان كان إلاّ ظالما لنفسه حاكما بغير ما أنزل اللّه . . . فإنّها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور ١ .

و رواه الثقفي في ( غاراته ) ٢ عن بكر بن عيسى عن الأعمش . . . مثله .

و كيف كان ، فروى الثقفي ٣ في ( غاراته ) كما في المجلس الثامن عشر من ( أمالي المفيد ) ٤ عن محمّد بن إسماعيل عن زيد بن المعدّل عن يحيى بن صالح عن الحرث بن حضيرة عن أبي صادق عن جندب بن عبد اللّه الأزدي قال : سمعت عليّا عليه السّلام يقول لأصحابه و قد استنفرهم أيّاما إلى الجهاد فلم ينفروا أيّها الناس ، إنّي قد استنفرتكم فلم تنفروا ، و نصحت لكم فلم تقبلوا ، أنتم شهود كاغياب ، و صم ذوو أسماع ، أتلو عليكم الحكمة و أعظكم بالموعظة الحسنة و أحثّكم على جهاد عدوّكم الباغين ، فما آتي على آخر منطقي حتى أراكم متفرقين أيادي سبأ ، فإذا أنا كففت عنكم عدتم إلى مجالسكم حلقا عزين ، تضربون الأمثال و تتناشدون الأشعار و تسألون عن الأخبار ، و قد نسيتم الاستعداد للحرب و شغلتم قلوبكم بالأباطيل ، تربت أيديكم اغزوا القوم قبل أن يغزوكم ، فو اللّه ما غزي قوم قط في عقر ديارهم إلاّ ذلوا ، و ايم اللّه ما

ــــــــــــ

( ١ ) الحج : ٤٦ .

( ٢ ) الغارات للثقفي ١ : ٤٠ .

( ٣ ) الغارات للثقفي ٢ : ٤٩٣ ٤٩٤ .

( ٤ ) الأمالي للمفيد : ١٤٥ ١٤٦ ، المجلس ١٨ .

٥١٨

أراكم تفعلون حتى يفعلوا ، و لوددت أنّي لقيتهم على نيّتي و بصيرتي فاسترحت من مقاساتكم ، فما أنتم إلاّ كأبل جمّة ضلّ راعيها ، فكلّما ضمّت من جانب انتشرت من جانب آخر ، و اللّه لكأنّي بكم لو حمى الوغى و حم البأس قد انفرجتم عن علي بن أبي طالب ( انفراج الرأس و ظ ) انفراج المرأة عن قبلها .

فقام إليه الأشعث بن قيس الكندي فقال له : فهلاّ فعلت كما فعل ابن عفان ؟ فقال عليه السّلام له : يا عرف النار ويلك إنّ فعل ابن عفان لمخزاة على من لا دين له و لا حجّة معه ، فكيف و أنا على بيّنة من ربي و الحق في يدي ؟ و اللّه إنّ امرأ يمكّن عدوّه من نفسه يجدع لحمه و يهشم عظمه و يفري جلده و يسفك دمه ، لضعيف ما ضمّت عليه جوارح صدره . أنت فكن كذلك إن أحببت ، أمّا أنا فدون أن اعطي ذلك ضربا بالمشرفي ، و تطيح منه الأكفّ و المعاصم ، و يفعل اللّه بعد ما يشاء .

فقام أبو أيوب الأنصاري صاحب منزل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال : أيّها الناس ،

إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قد أسمع من كانت له اذن واعية و قلب حفيظ ، إنّ اللّه قد أكرمكم بكرامة لم تقبلوها حقّ قبولها : إنّه نزّل بين أظهركم ابن عمّ نبيّكم و سيّد المسلمين من بعده ، يفقّهكم في الدين و يدعوكم إلى جهاد الملحدين ،

فكأنّكم صمّ لا تسمعون ، أو على قلوبكم غلف مطبوع عليها فأنتم لا تعقلون ،

أفلا تستحيون ؟ عباد اللّه ، أليس إنّما عهدكم بالجور و العدوان أمس قد شمل البلاء و شاع في البلاد ، فذو حق محروم و ملطوم وجهه ، و موطوء بطنه و ملقى بالعراء يسفى عليه الأعاصير ، لا يكنه من الحرّ و القرّ و صهر الشمس و الضح إلاّ الأثواب الهامدة و بيوت الشعر البالية ، حتّى جاءكم اللّه بأمير المؤمنين عليه السّلام فصدع بالحقّ و نشر العدل و عمل بما في الكتاب ، يا قوم فاشكروا نعمة اللّه عليكم و لا تولوا مدبرين و لا تكونوا كالذين قالوا سمعنا و هم لا

٥١٩

يسمعون ١ اشحذوا السيوف و استعدوا لجهاد عدوّكم ، و إذا دعيتم فأجيبوا و إذا أمرتم فاسمعوا و اطيعوا . . . .

و في ( الطبري ) ٢ : قال أبو مخنف عمّن ذكره عن زيد بن وهب : إنّ عليّا عليه السّلام قال للناس و هو أوّل كلام قاله لهم بعد النهر :

أيّها الناس ، استعدوا للمسير إلى عدوّ في جهاده القربة إلى اللّه و درك الوسيلة عنده ، حيارى في الحق ، جفاة عن الكتاب ، نكب عن الدين ، يعمهون في الطغيان و يتسكعون في غمرة الضلال ، فأعدوا لهم ما استطعتم من قوّة و من رباط الخيل ٣ و توكلوا على اللّه و كفى باللّه وليّا و كفى باللّه نصيرا ٤ . فلا هم نفروا و لا تيسروا ، فتركهم أيّاما حتى إذا أيس من أن يفعلوا ، دعا رؤساءهم فسألهم عن رأيهم و ما الذي ينظرهم ، فمنهم المعتل و منهم المكره و أقلّهم من نشط ، فقام فيهم خطيبا فقال : عباد اللّه ما لكم إذا أمرتكم أن تنفروا اثّاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة ٥ ،

و بالذلّ و الهوان من العزّ ؟ أو كلّما ندبتكم إلى الجهاد دارت أعينكم كأنّكم من الموت في سكرة ، و كأنّ قلوبكم مألوسة فأنتم لا تعقلون ، و كأنّ أبصاركم أكمه فأنتم لا تبصرون ؟ للّه أنتم ما أنتم إلاّ اسود الشرى في الدّعة و ثعالب روّاغة حين تدعون إلى الناس ، ما أنتم لي بثقة سجيس الليالي ، ما أنتم بركب يصال بكم و لا ذي عز يعتصم اليه ، لعمر اللّه لبئس حشاش الحرب أنتم إنّكم تكادون و لا تكيدون ، ينتقض أطرافكم و لا تتحاشون ، و لا ينام عنكم و أنتم في

ــــــــــــ

( ١ ) الأنفال : ٢١ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٥ : ٩٠ .

( ٣ ) الأنفال : ٦٠ .

( ٤ ) النساء : ٤٥ .

( ٥ ) التوبة : ٣٨ .

٥٢٠