• البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 76153 / تحميل: 3387
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 10

مؤلف:
العربية

إنّ حراما قبول مدحتنا

و ترك ما يرتجى من الصفد

كما الدنانير و الدراهم في

الصرف حرام إلاّ يدا بيد

فأمر بتوفير حبائه و تعجيل عطائه .

« كلامكم يوهي » أي : يوهن .

« الصمّ الصلاب » أي : الصخر الغلاظ الصلاب ، أو الجبال الغلاط الصلاب .

« و فعلكم يطمع فيكم الأعداء » في ( عيون القتيبي ) ١ : كان لأبي حيّة النميري سيف ليس بينه و بين الخشبة فرق ، و كان يسمّيه لعاب المنيّة ، قال جار له : أشرفت عليه ليلة و قد انتضاه و شمّر و هو يقول : أيّها المغترّ بنا و المجتري علينا ، بئس و اللّه ما اخترت لنفسك ، خير قليل و سيف صقيل ، لعاب المنيّة الذي سمعت به مشهور ضربته ، و لا تخاف نبوته ، أخرج بالعفو عنك و إلاّ دخلت بالعقوبة عليك ، إنّي و اللّه إن أدع قيسا تملأ الأرض خيلا و رجلا ، يا سبحان اللّه ما أكثرها و أطيبها ثم فتح الباب فاذا كلب قد خرج ، فقال : الحمد للّه الذي مسخك كلبا و كفاني حربا .

و كان بالبصرة شيخ من بني نهشل يقال له : عروة بن مرثد ، و يكنّى أبا الأغر ، ينزل ببني اخت له في سكّة بني مازن ، و بنو اخته من قريش ، فخرج رجالهم إلى ضياعهم في شهر رمضان ، و خرج النساء يصلين في مسجدهم فلم يبق في الدار إلاّ الاماء ، فدخل كلب يعتس فرأى بيتا فدخله و انصفق الباب ،

فسمع الحركة بعض الاماء فظنّوا أنّ لصا دخل الدار ، فذهبت احداهن إلى أبي الأغر فأخبرته ، فقال أبو الأغر : ما يبتغي اللص ؟ ثم أخذ عصاه فجاء فوقف على باب البيت و قال : إيه يا ملامان أما و اللّه إنّك بي لعارف ، فهل أنت إلاّ من لصوص بني مازن ، شربت حامضا خبيثا حتى إذا دارت القدوح في رأسك

ــــــــــــ

( ١ ) العيون للقتيبي ١ : ١٦٨ .

٥٤١

منتك نفسك الأماني و قلت : أطرق ديار بني عمرو و الرجال خلوف و النساء يصلين في مسجدهن فأسرقهم . سوأة لك ، و اللّه ما يفعل هذا ولد الأحرار ، و ايم اللّه لتخرجنّ أو لأهتفن هتفة مشؤمة يلتقي فيها الحيان : عمرو و حنظلة ،

و تجي‏ء سعد بعدد الحصى و تسيل عليك الرجال من هاهنا و هاهنا ، و لئن فعلت لتكونن أشأم مولود . فلمّا رأى أنّه لا يجيبه أحد أخذ باللين فقال : أخرج بأبي و امي ، أنت مستور ، إنّي و اللّه ما أراك تعرفني و لو عرفتني لقنعت بقولي و اطمأننت إليّ أنا فديتك أبو الأغر النهشلي ، و أنا خال القوم و جلدة بين أعينهم لا يعصونني ، و لن تضار الليلة فأخرج فأنت في ذمّتي ، و عندي قوصرتان أهداهما إليّ ابن اختي البار الوصول ، فخذ إحداهما فانتبذها حلالا من اللّه و رسوله . و كان الكلب إذا سمع الكلام أطرق ، و إذا سكت وثب يزيغ المخرج ، فتهاتف أبو الأغر ثم تضاحك و قال : يا ألأم الناس و أوضعهم ، لا أرى إلاّ أني لك الليلة في واد و أنت في واد ، أقلب السوداء و البيضاء فتصيح و تطرق و إذا سكتّ عنك و ثبت تزيغ المخرج ، و اللّه لتخرج أو لأولجن عليك البيت . فلمّا طال وقوفه جاءت إحدى الإماء فقالت : أعرابي مجنون و اللّه ما أرى في البيت شيئا . فدفعت الباب فخرج الكلب شدا ، و حاد عنه أبو الأغر ساقطا على قفاه .

« تقولون في المجالس : كيت و كيت » قال الجوهري : قال أبو عبيدة : كان من الأمر كيت و كيت ، بالفتح و الكسر ، و التاء فيهما هاء في الأصل ، فصارت تاء في الوصل . و في ( القاموس ) معناهما كذا و كذا .

« فاذا جاء القتال قلتم : حيدي حياد » أي : مل عني مل عني ، و قال الجوهري:

حيدي حياد : كقولهم : فيحي فياح .

و لا بدّ أنّه أراد في الوزن و إلاّ فحيدي حياد يقوله المدبر عن الشي‏ء ، فقال نفسه : فياح مثل قطام : اسم للغارة ، و كان أهل الجاهلية يقولون : فيحي فياح ،

٥٤٢

أي : اتسعي . قال :

دفعنا الخيل سائلة عليهم

و قلنا بالضحى فيحي فياح

و توهّم ابن ميثم ١ أنّ مراده أنّه بمعناه ، فقال : معنى حيدي حياد : اعدلي عن الغارة أيّتها الحرب .

في ( الأغاني ) ٢ هجا دعبل المطلب بن عبد اللّه و كان واليا على المصر ،

فقال :

تعلّق مصر بك المخزيات

و تبصق في وجهك الموصل

و عاديت قوما فما ضرّهم

و شرّفت قوما فلم ينبلوا

شعارك عند الحروب النجا

و صاحبك الأخور الأفشل

فأنت إذا ما التقوا آخر

و أنت إذا ما انهربوا أوّل

و لبعضهم : ما فيهم إلاّ مشغول بنفسه ، منكب على مجلس انسه ، يرى السلامة غنيمة ، و إذا عنّ له وصف الحرب لم يسأل إلاّ عن طرق الهزيمة ، أموال تنهب و ممالك تذهب ، لا يبالون بما سلبوا ، و هو كما قيل : إن قاتلوا قتلوا أو طاردوا طردوا أو حاربوا حربوا أو غالبوا غلبوا .

سريع إلى ابن العم يشتم عرضه

و ليس إلى داعي الندى بسريع

و لقد أجاد من قال في وصف مثلهم بالفارسية :

ما همه شيريم ولى شير علم

حمله‏مان از باد باشد ني قدم

و بالعربية :

و لو أنّ حرقوصا على ظهر قملة

يكرّ على صفّي تميم لولّت

قالوا : الحرقوص دويبة أكبر من البرغوث أو عضّها أشدّ من عضّه ،

ــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن ميثم ٢ : ٥٠ .

( ٢ ) الأغاني ٢٠ : ١٦٠ .

٥٤٣

و أكثر ما يعض أحراح النساء و خصي الرجال .

في السير : لمّا توجه الخوارج إلى الكوفة و خالطوا سوادها في أيام القباع و كان جبانا تثاقل عن الخروج ، فذمره إبراهيم بن الأشتر و لامه الناس ، فخرج متحاملا حتى أتى النخيلة . ففي ذلك يقول الشاعر :

إنّ القباع سار سيرا نكرا

يسير يوما و يقيم شهرا

أيضا :

إنّ القباع سار سيرا ملسا

بين دباها و دبيري خمسا

و جعل يعد الناس بالخروج و لا يخرج ، و الخوارج يعيثون حتى أخذوا امرأة فقتلوا أباها بين يديها ثم أرادوا قتلها و كانت جميلة فقالت : أتقتلون . . . من ينشأ في الحلية و هو في الخصام غير مبين ١ . فقال أحدهم : دعوها .

فقالوا له : قد فتنتك . ثم قدّموها فقتلوها ثمّ قدّموا اخرى فقتلوها ، و هم بحذاء القباع و الجسر معقود بينهم ، و هو في ستة آلاف و المرأة تستغيث ، و الناس ينفلتون إلى الخوارج و القباع يمنعهم ، فلمّا خاف أن يعصوه أمر بقطع الجسر ،

و أقام بين دباها و دبيري خمسة أيام و الخوارج بقربه ، و هو يقول للناس في كلّ يوم : إذا لقيتم العدو غدا فأثبتوا أقدامكم و اصبروا فإنّ الحرب أوّلها الترامي ، ثم اشراع الرماح ثم سلّة السيوف ، فثكلت رجلا امّه فرّ من الزحف .

فقال بعضهم لمّا أكثر عليهم : أمّا الصفة فقد سمعناها ، و أمّا الفعل فمتى يقع ؟ فأخذت الخوارج حاجتهم و كان شأن البقاع التحصّن منهم ٢ .

و فيها : بعث المهلّب إلى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث أن يخندق و على أصحابه من الخوارج ، فأجابه : أنّهم أهون عليه من ضرطة الجمل ، فبيّته

ــــــــــــ

( ١ ) الزخرف : ١٨ .

( ٢ ) نهج البلاغة ٤ : ١٦٣ ١٦٤ .

٥٤٤

قطري فقتل من أصحابه خمسمائة و فرّ لا يلوي على أحد ، فقالوا فيه :

تركت ولداننا تدمى نحورهم

و جئت منهزما يا ضرطة الجمل ١

و فيها : فرّ اميّة بن عبد اللّه بن خالد بن اسيد من أبي فديك الخارجي ،

فسار من البحرين إلى البصرة في ثلاثة أيام ، فقال يوما : سرت على فرسي من البحرين إلى البصرة في المهرجان في ثلاثة أيّام . فقال له : بعضهم فلو ركبت في النيروز لسرت إليها في يوم واحد .

و أتى الحجاج بدواب من دواب اميّة هذا ، و قد وسم على أفخاذها : « عده » فأمر أن يكتب تحت « عده » « للفرار » . و قال الشاعر فيه :

إذا صوّت العصفور طار فؤاده

و ليث حديد النّاب عن الثرائد ٢

و في ( الأغاني ) ٣ في خروج عبد اللّه بن يحيى طالب الحق زمن مروان الحمار ، و توجيهه جيشا من مكة إلى المدينة ، قال رجل من قريش : لو شاء أهل الطائف لكفونا أمر هؤلاء لكنّهم داهنوا ، و اللّه ان ظفرنا لنسيرنّ إلى أهل الطائف فلنسبينّهم . ثم قال : من يشتري مني سبي أهل الطائف ؟ فلمّا انهزم الناس رجع ذاك القرشي في أول المنهزمين ، فدخل منزله و أراد أن يقول لجاريته : اغلقي الباب ، فقال لها : « غاق باق » . دهشا ، و لم تفهم الجارية قوله حتى أومأ إليها بيده فأغلقت الباب ، فلقّبه أهل المدينة بذلك : ( غاق باق ) .

و فيه : أنّ زيد بن علي لمّا خرج كتب إلى الكميت : أخرج معنا يا اعيمش ،

أ لست القائل :

ما ابالي إذا حفظت أبا القا

سم فيكم ملامة اللوام

ــــــــــــ

( ١ ) نهج البلاغة ٤ : ١٨٧ .

( ٢ ) نهج البلاغة ٦ : ١٠٧ .

( ٣ ) الأغاني ٢٣ : ٢٣١ .

٥٤٥

فكتب إليه الكميت :

تجود لكم نفسي بما دون وثبة

تظلّ لها الغربان حولي تحجل

و لقد قالت الشعراء في هذا المعنى فأكثروا ، منها :

تمنيتم مائتي فارس

فردكم فارس واحد

يشمّر للج عن ساقه

و يغمره الموج في الساحل

و أنت أخو السلام و كيف أنتم

و لست أخا الملمات الشداد

أي : أنت أخو السلام اللفظي ، و سؤال كيف أنتم ؟ في المقال دون الفعال .

إذا كان صلح تبخترت فيه

و إن كان هيج دخلت الثقب

أ في السلم أعيارا جفاء و غلظة

و في الحرب أشباه النساء العوارك

أي : الحائضات .

أ في الولائم أولاد الواحدة

و في العبادة أولاد العلات

هذا ، و في ( القاموس ) في ( عروس ) : مات زوج أسماء العذرية و اسمه عروس عنها ، فتزوّجها رجل أعسر أبخر بخيل دميم ، فلمّا أراد أن يظعن بها قالت : لو أذنت لي رثيت ابن عمي . فقال : افعلي . فقالت :

أبكيك يا عروس الأعراس

يا ثعلبا في أهله و أسدا عند الباس

مع أشياء ليس يعلمها الناس

قال : و ما تلك الأشياء ؟ قالت :

كان عن الهمة غير نعاس

و يعمل السيف صبيحات الباس

ثم قالت :

يا عروس الأغر الأزهر

الطيب الخيم الكريم المخصر

مع أشياء له لا تذكر .

٥٤٦

قال : و ما تلك الأشياء ؟ قالت :

كان عيوفا للخنا و المنكر

طيب النكهة غير أبخر

أيسر غير أعسر

فعرف أنّها تعرض له ، فلمّا رحل بها قال : ضمّي إليك عطرك . و قد نظر قشوة عطرها مطروحة فقالت : « لا عطر بعد عروس » .

و في ( محاسن الجاحظ ) في الشجاعة الضدّ قيل : هو أجبن من المنزوف ضرطا ، و كان من حديثه أنّ نسوة من العرب لم يكن لهنّ رجل ، فتزوجت واحدة منهن برجل كان ينام إلى الضحى ، فإذا انتبه ضربنه و قلن له : قم فاصطبح . فيقول : « لو لعادية نبهتنني » . أي : خيل عادية عليكن مغيرة ،

فأدحضها عنكن . ففرحن و قلن : إنّ صاحبنا لشجاع . ثم قلن : تعالين نجرّبه .

فأتينه كما كنّ يأتينه فأيقظنه فقال : لو لعادية نبهتنني . فقلن له : نواصي الخيل معك . فجعل يقول : الخيل الخيل . و يضرط حتى مات .

و فيه : قال الحجاج لحميد الأرقط و قد أنشده قصيدة يصف فيها الحرب : يا حميد هل قاتلت قط ؟ قال : لا أيّها الأمير إلاّ في النوم . قال : و كيف كانت وقعتك ؟ قال : انتبهت و أنا منهزم .

« ما عزّت » أي : لا صارت عزيزة .

« دعوة من دعاكم ، و لا استراح قلب من قاساكم » يمكن أن يكون هو ، و ( ما عزت ) دعاء و ان يكونا اخبارا .

« أعاليل بأضاليل » أي : تعتلّون بعلل هي ضلال و باطل ، يقال للباطل : ضلّ بتضلال . كان عليه السّلام لمّا فرغ من أهل النهروان قال لهم : إنّ اللّه قد أحسن بكم و أعزّ نصركم ، فتوجّهوا من فوركم هذا إلى عدوّكم . فقالوا : نفدت نبالنا وكلّت سيوفنا و نصلت أسنة رماحنا .

٥٤٧

« دفاع » مفعول مطلق لعامل مدلول عليه بالمقام .

« ذي الدين » أي : المديون .

« المطول » أي : المماطل . ( المطول ) فعول من : مطل الدين . و الأصل في ( مطل الدين ) : مطل الحديدة ، إذا ضربها لتطول ، و مواعيد عرقوب معروفة . كان عرقوب من العماليق فأتاه أخوه يسأله ، فقال : إذا طلعت هذه النخلة فلك طلعها .

فأتاه للعدة ، فقال له : دعها حتى تصير بلحا . فلمّا أبلحت قال له : حتى تصير رطبا . فلمّا أرطبت قال له : حتى تصير تمرا . فلمّا أتمرت عمد إليها فجزّها و لم يعطه شيئا .

« لا يمنع الضيم » مفعول مقدم ، أي : الذلّة .

« الذليل و لا يدرك الحق إلاّ بالجدّ » في الأمر ، قال الشاعر :

متى تجمع القلب الذّكي و صارما

و أنفا حميّا تجتنبك المظالم

و باه بقيس في الرّخاء و لا تكن

أخاها إذا ما المشرفيّة سلّت

« أي دار بعد داركم تمنعون ؟ و مع أيّ إمام بعدي تقاتلون » كتب عدي بن ارطاة عمر بن عبد العزيز يخبره بسوء طاعة أهل الكوفة ، فوقع في كتابه : لا تطلب طاعة من خذل عليّا عليه السّلام و كان اماما مرضيّا .

و شكا عامل الكوفة إلى الحجاج من أهلها ، فوقع : ما ظنّك بقوم قتلوا من كانوا يعبدونه ؟

« المغرور » الحقيقي .

« و اللّه من غررتموه » في ( فتوح البلاذري ) : لمّا مات المنذر بن ساوي بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بقليل ، ارتدّ من بالبحرين من قيس بن ثعلبة ، و ارتدّ ربيعة و أمّروا عليهم ابنا للنعمان بن المنذر ، و كان يسمّى الغرور ، فلمّا ظهر المسلمون عليهم قال : لست بالغرور و لكنّي المغرور .

٥٤٨

« و من فاز بكم فقد فاز بالسّهم الأخيب » الفوز بالسّهم الأخيب أحسن استعارة ، كقوله تعالى : . . . فبشّرهم بعذاب اليم ١ . و السّهم الأخيب من سهام الميسر الذي فيه الغرم ، و هو شرّ السّهام ، ففي بعضها الغنم و في بعضها لا غنم و لا غرم .

« و من رمى بكم فقد رمى بافوق ناصل » أي : بسهم منكسر لا نصل فيه .

« أصبحت و اللّه لا أصدق قولكم » بعد أن رأيت منكم عدم الفعل كرارا .

« و لا أطمع في نصركم » بعد أن شاهدت منكم الخذلان مرارا .

« و لا أوعد بكم العدو » بعد أن ما وفّيتم بوعدكم لوليّكم ، قال الشاعر :

و لقد طويتكم على بللاتكم

و عرفت ما فيكم من الأذراب

« ما بالكم » أي : نفسكم و حالكم .

« ما دواؤكم » من مرضكم المزمن .

« ما طبّكم » أي : علاجكم ، و الأصل في الطب الكسر ، و يجوز فيه الفتح و الضم.

« القوم رجال أمثالكم » لمّا كان المغلوب يتوهم من ضعف نفسه أنّ الغالب جنس آخر رد عليه السّلام عليهم هذا الوهم ، و كانت الفرس في قتال العرب يظنّون أنّهم ما يموتون ، كما أنّ العرب في قتال التتر كانوا كذلك ، حتى رأى بعضهم موت بعضهم فتعجّب .

« أ قولا بغير علم و غفلة من غير ورع و طمعا في غير حقّ » و في ( الإرشاد ) ٢ :

قال عليه السّلام لهم : حتى إذا تفرّقتم تسألون عن الأشعار جهلة من غير علم ، و غفلة من غير ورع ، و تثبطا من غير خوف ، نسيتم الحرب و الاستعداد لها . . . .

ــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ٢١ ، و التوبة : ٣٤ ، و الانشقاق : ٢٤ .

( ٢ ) الإرشاد ١ : ٢٧٨ .

٥٤٩

٦

الخطبة ( ٣٩ ) و من خطبة له عليه السّلام :

مُنِيتُ بِمَنْ لاَ يُطِيعُ إِذَا أَمَرْتُ وَ لاَ يُجِيبُ إِذَا دَعَوْتُ لاَ أَبَا لَكُمْ مَا تَنْتَظِرُونَ بِنَصْرِكُمْ رَبَّكُمْ أَ مَا دِينٌ يَجْمَعُكُمْ وَ لاَ حَمِيَّةَ تُحْمِشُكُمْ أَقُومُ فِيكُمْ مُسْتَصْرِخاً وَ أُنَادِيكُمْ مُتَغَوِّثاً فَلاَ تَسْمَعُونَ لِي قَوْلاً وَ لاَ تُطِيعُونَ لِي أَمْراً حَتَّى تَكَشَّفَ اَلْأُمُورُ عَنْ عَوَاقِبِ اَلْمَسَاءَةِ فَمَا يُدْرَكُ بِكُمْ ثَارٌ وَ لاَ يُبْلَغُ بِكُمْ مَرَامٌ دَعَوْتُكُمْ إِلَى نَصْرِ إِخْوَانِكُمْ فَجَرْجَرْتُمْ جَرْجَرَةَ اَلْجَمَلِ اَلْأَسَرِّ وَ تَثَاقَلْتُمْ تَثَاقُلَ اَلنِّضْوِ اَلْأَدْبَرِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ مِنْكُمْ جُنَيْدٌ مُتَذَائِبٌ ضَعِيفٌ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى اَلْمَوْتِ وَ هُمْ يَنْظُرُونَ ٧ ١٣ ٨ : ٦ « قال الشريف : أقول : قوله عليه السّلام ( متذائب ) أي : مضطرب من قولهم :

( تذاءبت الريح ) أي : اضطرب هبوبها ، و منه يسمّى الذئب ذئبا لاضطراب مشيته » .

أقول : هذه الخطبة خطب عليه السّلام بها في فتح مصر و قتل محمد بن أبي بكر ،

روى الطبري ٢ عن أبي مخنف عن جندب عن عبد اللّه بن فقيم عن الحارث بن كعب : أنّ عليّا عليه السّلام قام في الناس فقال : أمّا بعد ، فإنّ هذا صريخ محمد بن أبي بكر و إخوانكم من أهل مصر ، و قد سار إليهم ابن النابغة عدوّ اللّه و ولي من عادى اللّه ، فلا يكونن أهل الضلال إلى باطلهم ، و الركون إلى سبيل الطاغوت ،

أشدّ اجتماعا منكم على حقّكم هذا ، فإنّهم قد بدؤكم و إخوانكم بالغزو فاعجلوا إليهم بالمواساة و النصر ، عباد اللّه إنّ مصر أعظم من الشام و أكثر خيرا و خير

ــــــــــــ

( ١ ) الأنفال : ٦ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٥ : ١٠٦ .

٥٥٠

أهلا ، فلا تغلبوا على أهل مصر فإنّ بقاء مصر في أيدكم عزّ لكم و كبت لعدوّكم ، أخرجوا إلى الجرعة بين الحيرة و الكوفة فوافوني بها هناك غدا .

فلمّا كان من الغد خرج يمشي فنزلها بكرة ، فأقام بها حتى انتصف النهار فلم يوافه منهم واحد فرجع ، فلمّا كان من العشي بعث إلى أشراف الناس ، فدخلوا عليه القصر و هو حزين كئيب فقال : الحمد للّه على ما قضى من أمري و قدّر من فعلي ، و ابتلاني بكم أيّتها الفرقة ممّن لا يطيع إذا أمرت ، و لا يجيب إذا دعوت ، لا أبا لغيركم ما تنتظرون بنصركم و الجهاد على حقّكم ؟ الموت و الذلّ لكم في هذه الدنيا على غير الحق؟ فو اللّه لئن جاء الموت و ليأتين ليفرقنّ بيني و بينكم و أنا لصحبتكم قال و بكم غير ضنين ، للّه أنتم لا دين يجمعكم و لا حمية تحميكم إذا أنتم سمعتم بعدوّكم يرد بلادكم و يشنّ الغارة عليكم ،

أو ليس عجبا أنّ معاوية يدعو الجفاة الطغام فيتبعونه على غير عطاء و لا معونة ، و يجيبونه في السنة مرتين و الثلاث إلى أي وجه شاء ، و أنا أدعوكم و أنتم اولو النهى و بقية الناس على المعونة فتقومون عني و تعصونني و تختلفون عليّ ؟ إلى أن قال عليه السّلام بعد ذكر مجي‏ء الخبر بقتل محمد بن أبي بكر و فتح مصر و خطبته الناس و اخبارهم بذلك: إنّي و اللّه ما ألوم نفسي على التقصير و إنّي لمقاساة الحرب مجدّ خبير ، و إنّي لأقدم على الأمر و أعرف وجه الحزم و أقوم فيكم بالرأي المصيب ، فأستصرخكم معلنا و اناديكم نداء المستغيث معربا ، فلا تسمعون لي قولا و لا تطيعون لي أمرا حتى تصير بي الامور إلى عواقب المساءة ، فأنتم القوم لا يدرك بكم الثأر و لا ينقض بكم الأوتار ، دعوتكم إلى غياث إخوانكم منذ بضع و خمسين ليلة ، فتجرجرتم جرجرة الجمل الأشدق ، و تثاقلتم إلى الأرض تثاقل من ليس له نيّة في جهاد العدو و لا اكتساب الأجر ، ثم خرج اليّ منكم جنيد متذائب كأنّما يساقون إلى

٥٥١

الموت و هم ينظرون ١ فافّ لكم . . . .

و مثله الثقفي في ( غاراته ) ٢ و رواه ابن بكار في ( موفقياته ) عن محمد بن الضحّاك عن أبيه : أنّ ابن غزية الأنصاري ثم النجاري قدم على عليّ عليه السّلام من مصر ، و قدم عليه عبد الرحمن بن شبيب الفزاري من الشام و كان عينا لعليّ عليه السّلام بها ، فأمّا الأنصاري فكان مع محمد بن أبي بكر ، و حدّثه الفزاري : إنّه لم يخرج من الشام حتى قدمت الرسل و البشرى من قبل عمرو بن العاص تترى ، يتبع بعضها بعضا بفتح مصر و قتل محمد بن أبي بكر ، حتى آذن معاوية بقتله على المنبر . و قال له عليه السّلام : ما رأيت سرور قوم قط أظهر من سرور رأيته بالشام حين أتاهم قتل محمد بن أبي بكر . فقال له عليه السّلام : حزننا على قتله على قدر سرورهم بقتله ، لا بل يزيد أضعافا . و حزن على قتله حزنا شديدا حتى رئي في وجهه و تبيّن فيه ، و قام على المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال عليه السّلام :

ألا و إنّ محمد بن أبي بكر اصيب رحمه اللّه و عند اللّه نحتسبه ، أما و اللّه أن كان ممّن ينتظر القضاء و يعمل للجزاء و يبغض شكل الفاجر و يحب هدى المؤمنين ، ألا و اللّه لا ألوم نفسي في تقصير و لا عجز ، إنّي بمقاساة الحرب لجدّ خبير ، و إنّي لأتقدم في الأمر فأعرف وجه الحزم ، فأقوم فيكم بالرأي المصيب معلنا و أناديكم نداء المستغيث ، فلا تسمعون لي قولا و لا تطيعون لي أمرا حتى تصير بي الامور عواقب الفساد ، و أنتم لا يدرك بكم الأوتار و لا يشفى بكم الغل ، دعوتكم إلى غياث إخوتكم منذ بضع و خمسين ليلة ، فخرجتم جرجرة الجمل الاسر ، و تثاقلتم إلى الأرض تثاقل من ليس له نيّة في جهاد

ــــــــــــ

( ١ ) الأنفال : ٦ .

( ٢ ) الغارات للثقفي ١ : ٢٩٥ ٢٩٦ .

٥٥٢

العدو و لا احتساب الأجر ، ثم خرج منكم جنيد ضعيف كأنّما يساقون إلى الموت و هم ينظرون فافّ لكم . ثم نزل فدخل رحله .

و قال ابن أبي الحديد : خطب عليه السّلام بها في غارة النعمان بن بشير الأنصاري على عين التمر و تبعه ابن ميثم ١ و الخوئي .

قال ابن أبي الحديد ٢ : ذكر صاحب ( الغارات ) ٣ أنّ النعمان قدم هو و أبو هريرة على عليّ عليه السّلام من عند معاوية بعد أبي مسلم الخولاني ، يسألانه :

أن يدفع قتلة عثمان إلى معاوية ليقيدهم بعثمان لعلّ الحرب أن يطفأ . و إنّما أراد معاوية أن يرجع مثل النّعمان و أبي هريرة من عند عليّ عليه السّلام إلى الناس و هم لمعاوية عاذرون و لعليّ عليه السّلام لائمون ، و قد علم معاوية أنّ عليّا عليه السّلام لا يدفع قتلة عثمان إليه فأراد أن يكون هذان يشهدان له عند أهل الشام بذلك ،

فقال لهما : ائتيا عليّا . فأتياه عليه السّلام فقال له أبو هريرة : إنّ اللّه قد جعل لك في الإسلام فضلا و شرفا إلى أن قال عليه السّلام فقال لهما دعا الكلام : في هذا ، حدّثني عنك يا نعمان أنت أهدى قومك يعني الأنصار سبيلا ؟ قال : لا . قال : فكلّ قومك اتّبعني إلاّ شذاذا منهم ثلاثة أو أربعة فتكون أنت من الشذاذ ؟ فقال : إنّما جئت لأن أكون معك و ألزمك و قد كان معاوية سألني أن اؤدي هذا الكلام .

و لحق أبو هريرة بالشام و أقام النعمان ثم خرج فارّا ، حتى إذا مرّ بعين التّمر أخذه مالك بن كعب الأرحبي و هو عامله عليه السّلام على عين التمر فقال له ما مرّ بك هاهنا ؟ قال : إنّما أنا رسول بلّغت رسالة صاحبي ثم انصرفت . فحبسه و قال له : كن حتى أكتب فيك إلى عليّ عليه السّلام . فأرسل النّعمان إلى قرظة بن كعب

ــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن ميثم ٢ : ٩٩ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٣٠١ .

( ٣ ) الغارات للثقفي ٢ : ٤٤٥ ٤٤٦ .

٥٥٣

الأنصاري و هو كاتب عين التمر فجاءه مسرعا فقال لمالك : خل سبيل ابن عمي . فقال له : اتّق اللّه و لا تتكلّم في هذا ، فإنّه لو كان من عبّاد الأنصار لمّا هرب من أمير المؤمنين إلى أمير المنافقين . فلم يزل يقسم عليه حتى خلّى سبيله و قال له : لك الأمان اليوم و الغد ، فإن أدركتك بعد لأضربنّ عنقك . فخرج لا يلوي على شي‏ء ، أين هو من الأرض ثلاثة أيام ، حتى سمع امرأة تطحن و تقول :

شربت مع الجوزاء كأسا ردية

و اخرى مع الشعرى إذا ما استقلت

معتقة كانت قريش تصونها

فلمّا استحلوا قتل عثمان حلّت

فعلم أنّه عند حي من أصحاب معاوية ، ثم قدم على معاوية فخبره بما لقي ، ثم غزا الضحّاك بن قيس أرض العراق ثم انصرف ، فقال معاوية : أما من رجل أبعث معه بجريدة خيل حتى يغير على شاطى‏ء الفرات ؟ فإنّ اللّه يرعب بها أهل العراق فقال له النّعمان : فابعثني . فندب معه ألفي رجل و أوصاه : أن يجتنب المدن و الجماعات ، و ألاّ يغير إلاّ على مسلحة ، و أن يعجل الرجوع .

فأقبل النّعمان حتى دنا من عين التمر ، و بها مالك بن كعب الأرحبي الذي جرى له معه ما ذكرنا ، و مع مالك ألف رجل و قد إذن لهم فرجعوا إلى الكوفة فلم يبق معه إلاّ مائة ، فكتب إلى عليّ عليه السّلام : إنّ النعمان نزل بي في جمع كثيف .

فصعد عليه السّلام المنبر و قال لهم : أخرجوا إلى مالك أخيك فإنّ النّعمان قد نزل به في جمع من أهل الشام ، فانهضوا لعلّ اللّه أن يقطع بكم من الكافرين طرفا . ثم نزل فلم يخرجوا فأرسل إلى وجوههم : أن ينهضوا و يحثّوا الناس على المسير . فلم يصنعوا شيئا و اجتمع نحو ثلاثمائة فارس أو دونها ، فقال عليه السّلام :

« ألا إنّي منيت بمن لا يطيع . . . » .

ثم نزل فدخل منزله فقام عدي بن حاتم فقال : هذا و اللّه الخذلان ، على هذا بايعنا أمير المؤمنين . ثم دخل إليه فقال له : إنّ معي من طيّ ألف رجل لا

٥٥٤

يعصونني فإن شئت سرت إليهم . فقال عليه السّلام : ما كنت لأعرض قبيلة واحدة للناس ، و لكن اخرج إلى النّخيلة و عسّكر بهم . و فرض عليه السّلام لكلّ رجل سبعمائة فاجتمع إليه ألف فارس عدا طيّ أصحاب عدي ، و ورد الخبر بهزيمة النّعمان و نصرة مالك ، فقرأ الكتاب ثمّ نظر إلى الناس و قال : هذا بحمد اللّه و ذمّ أكثركم .

فأمّا خبر مالك مع النّعمان فقال عبد اللّه بن حوزة الأزدي : كنت مع مالك حين نزل بنا النّعمان و هو في ألفين و ما نحن إلاّ مائة ، فقال لنا : قاتلوهم في الفقرية و اجعلوا الجدر في ظهوركم و لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ١ ،

و اعلموا أنّ اللّه تعالى ينصر العشرة على المائة ، و المائة على الألف ، و القليل على الكثير . ثم قال : إنّ من أقرب من هاهنا إلينا من شيعة أمير المؤمنين عليه السّلام و عمّاله قرظة بن كعب و مخنف بن سليم ، فاركض إليهما و اعلمهما حالنا .

فمررت بقرظة فقال : إنّما أنا صاحب خراج و ليس عندي من أعينه به . فمضيت إلى مخنف فأخبرته فسرّح معي عبد الرحمن بن مخنف في خمسين رجلا ،

و كان مالك قاتل النّعمان إلى العصر ، فأتيناه و قد كسر هو و أصحابه جفون سيوفهم و استسلموا للموت ، فما هو إلاّ أن رآنا أهل الشّام فأخذوا ينكصون ،

و رآنا مالك و أصحابه فشدّوا عليهم حتى دفعوهم عن القرية ، فاستعرضناهم فصرعنا منهم رجالا ثلاثة ، و ارتفعوا عنّا و ظنّوا أنّ وراءنا مددا ، و لو ظنّوا أنّه ليس غيرنا لأقبلوا علينا و أهلكونا ، و حال الليل بيننا فانصرفوا إلى منازلهم ،

و كتب مالك إلى عليّ عليه السّلام : أمّا بعد ، فإنّه نزل بنا النّعمان في جمع من أهل الشام كالظاهر علينا ، و كان عظم أصحابي متفرّقين ، و كنّا للذي كان منهم آمنين،

فخرجنا إليهم رجالا مصلتين فقاتلناهم حتى المساء ، و استصرخنا مخنف بن سليم فبعث إلينا رجالا من شيعة أمير المؤمنين و ولده ، فنعم الفتى و نعم

ــــــــــــ

 ( ١ ) البقرة : ١٩٥ .

٥٥٥

الأنصار كانوا ، فحملنا عليهم فأنزل اللّه تعالى علينا نصره و هزم عدوّه .

و قال ابن أبي الحديد ١ : و روى محمد بن فرات الجرميّ عن زيد بن عليّ في هذه الخطبة : أيها النّاس ، إنّي دعوتكم إلى الحقّ فتوليتم عنّي ، و ضربتكم بالدرّة فأعييتموني ، أما إنّه سيليكم بعدي ولاة لا يرضون منكم بذلك حتى يعذّبوكم بالسياط و بالحديد ، فأمّا أنا فلا اعذّبكم بهما ، إنّه من عذّب النّاس في الدّنيا عذّبه اللّه في الآخرة ، و آية ذلك أن يأتيكم صاحب اليمن حتّى يحلّ بين أظهركم فيأخذ العمّال و عمّال ( ظ ) العمّال ، رجل يقال له : يوسف بن عمر ،

و يقوم عند ذلك رجل منّا أهل البيت فانصروه فإنّه داع إلى الحق . و كان الناس يتحدّثون : أنّ ذلك الرجل هو زيد .

قلت : و لا بد أنّ ابن أبي الحديد خلط و لم ينقل لفظ الثقفي في الخطبة ، بل قال : قال : « إنّي منيت بمن لا يطيع إلى آخر الفصل . و كيف ، و قد عرفت أنّ الثقفي روى العنوان في قتل محمد بن أبي بكر ، و قد نقله ابن أبي الحديد ثمة عنه هنا ،

و إن غفل عنه هنا ، و أيضا فقرات العنوان تشهد لعدم كونها في غارة النّعمان ،

فقوله : « دعوتكم إلى نصر إخوانكم . . . » يدل أنّه عليه السّلام كان قبل دعاهم ، فخرج منهم من لم يكن أثر فيه حتى وقع ما خافه ، و لم يكن ذاك إلاّ في قتل محمّد بن أبي بكر ، و أمّا في غارة النّعمان فبنقله : خرج جمع كثير برياسة عدي و أتاه الخبر بالفتح .

و بالجملة لا ريب في كون العنوان في قتل محمد بن أبي بكر ، و أنّ من قوله عليه السّلام : « منيت » إلى « و لا حميّة تحمشكم » مأخوذ من خطبته عليه السّلام في الدّعاء و الحثّ إلى الخروج إلى نصر محمّد بن أبي بكر ، و من قوله : « أقوم فيكم مستصرخا » إلى آخر العنوان ، مأخوذ من خطبته عليه السّلام بعد مجي‏ء الخبر بقتله

ــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٣٠٦ .

٥٥٦

و فتح مصر ، كما عرفته من رواية الطبري ، و المصنّف جمع بينهما كما هو دأبه في الكتاب ، و أمّا خطبته عليه السّلام في غارة النّعمان على عين التمر فشي‏ء آخر .

راجع الغارات صفحة ( ٤٥١ ) ١ .

« منيت » أي : ابتليت .

« بمن لا يطيع إذا أمرت » و ذلك بلاء عظيم ، و في ( حيوان الجاحظ ) ٢ قال يزيد بن الصعق لبني سليم حين صنعوا بسيّدهم العباس ما صنعوا و كانوا توّجوه و ملّكوه فلمّا خالفهم في بعض الأمر و ثبوا عليه لقلّة رهطه :

و إن اللّه ذاق حلوم قيس

فلمّا ذاق خفّتها قلاها

رآها لا تطيع لها أميرا

فخلاّها تردد في خلاها

« و لا يجيب إذا دعوت »

فما من تهتفين به لنصر

بأسرع إجابة لك من هذيل

و في ( أمثال الكرماني ) بعد ذكر البيت : زعمت العرب أنّ هذيلا كان فرخا على عهد نوح فصاده جارح ، فما من حمامة إلاّ و هي تبكيه و تدعوه فلا يجيبها .

« أما دين يجمعكم » فالدين يجمع بين العرب و العجم ، و أهل المشرق و المغرب .

« و لا حمية تحمشكم » أي : تغضبكم .

« أقوم فيكم إلى عن عواقب المساءة » لقتل مثل محمّد بن أبي بكر ،

و تصرّف العدوّ مثل مصر .

« فما يدرك بكم ثأر » لعدم حمية لكم .

ــــــــــــ

( ١ ) الغارات : ٢ : ٤٥١ .

( ٢ ) الحيوان للجاحظ ٥ : ٣٠ .

٥٥٧

« و لا يبلغ بكم مرام » أي : مقصد .

« دعوتكم إلى نصر إخوانكم » من أهل مصر .

« فجرجرتم » الجرجرة : صوت يردّده البعير في حنجرته .

« جرجرة الجمل الأسر » قال الجوهري : بعير أسر إذا كانت بكركرته دبرة ،

قال الشاعر :

إن جنبي عن الفراش لناب

كتجافي الأسر فوق الظراب

« و تثاقلتم تثاقل النّضو » البعير المهزول .

« الأدبر » كالدّبر ذو القرحة . قال : و هان على الأملس ما لاقى الدّبر .

« ثم خرج إليّ منكم جنيد » تصغير الجند .

« متذائب ضعيف » و في نسخة ابن ميثم ١ : « ضعيف متذائب » .

« كأنّما يساقون إلى الموت و هم ينظرون » اقتباس من قوله تعالى :

يجادلونك في الحقّ بعد ما تبيّن كأنّما يساقون إلى الموت و هم ينظرون ٢ .

في ( البلاذري ) سار القباع لقتال الخوارج من الكوفة إلى باجوا شهرا ،

فقال الشاعر :

سار بنا القباع سيرا نكرا

يسير يوما و يقيم شهرا

قول المصنف : « قال الشريف » هكذا في ( المصرية ) ٣ و في ( ابن أبي الحديد ) ٤ : « قال الرضي رضى اللّه عنه » ، و في ( الخطية ) : « قال السيد » .

« أقول » هكذا في ( المصرية ) و هو زائد لعدم وجوده في ( ابن أبي الحديد و الخطية ) .

ــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن ميثم ٢ : ٩٩ .

( ٢ ) الأنفال : ٦ .

( ٣ ) الطبعة المصرية ١ : ٨٦ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٣٠٠ .

٥٥٨

« قوله عليه السّلام ( متذائب ) أي : مضطرب من قولهم : ( تذاءبت الريح ) أي :

اضطرب هبوبها » و من قولهم : « تذاءبت الريح » أيضا سمّيت الذؤابة بالذؤابة،

كما صرّح به في ( الجمهرة ) .

« و منه يسمّى » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( سمّى ) كما في ( ابن أبي الحديد و الخطية ) .

« الذئب ذئبا » هكذا في ( المصرية ) و ليس ( ذئبا ) في ( الخطية ) و في ( أصل ابن أبي الحديد ) و إنّما كتب في الحاشية .

« لاضطراب مشيته » و الأصمعي عكس . قال الجوهري : تذاءبت الريح أى : اختلفت و جاءت مرّة كذا و مرّة كذا . قال الأصمعي أخذ من فعل ( الذئب ) لأنّه يأتي كذلك .

هذا ، و ليس في ( ابن ميثم ) بيان الرضي هنا رأسا ، كما في الشقشقية ،

هذا و يأتي في الآتي أنّ الأصل في هذا و ذاك واحد .

٧

الخطبة ( ١٧٨ ) و من خطبة له عليه السّلام في ذم أصحابه :

أَحْمَدُ اَللَّهَ عَلَى مَا قَضَى مِنْ أَمْرٍ وَ قَدَّرَ مِنْ فِعْلٍ وَ عَلَى اِبْتِلاَئِي بِكُمْ أَيَّتُهَا اَلْفِرْقَةُ اَلَّتِي إِذَا أَمَرْتُ لَمْ تُطِعْ وَ إِذَا دَعَوْتُ لَمْ تُجِبْ إِنْ أُمْهِلْتُمْ خُضْتُمْ وَ إِنْ حُورِبْتُمْ خُرْتُمْ وَ إِنِ اِجْتَمَعَ اَلنَّاسُ عَلَى إِمَامٍ طَعَنْتُمْ وَ إِنْ أُجِئْتُمْ إِلَى مُشَاقَّةٍ نَكَصْتُمْ . لاَ أَبَا لِغَيْرِكُمْ مَا تَنْتَظِرُونَ بِنَصْرِكُمْ وَ اَلْجِهَادِ عَلَى حَقِّكُمْ اَلْمَوْتَ أَوِ اَلذُّلَّ لَكُمْ فَوَاللَّهِ لَئِنْ جَاءَ يَومِي وَ لَيَأْتِيَنِّي لَيُفَرِّقَنَّ بَيْنِي وَ بَيْنِكُمْ وَ أَنَا لَكُمْ قَالٍ وَ بِكُمْ غَيْرُ كَثِيرٍ لِلَّهِ أَنْتُمْ أَ مَا دِينٌ يَجْمَعُكُمْ وَ لاَ حَمِيَّةٌ تَشْحَذُكُمْ أَ وَ لَيْسَ عَجَباً أَنَّ ؟ مُعَاوِيَةَ ؟

٥٥٩

يَدْعُو اَلْجُفَاةَ اَلطَّغَامَ فَيَتَّبِعُونَهُ عَلَى غَيْرِ مَعُونَةٍ وَ لاَ عَطَاءٍ وَ أَنَا أَدْعُوكُمْ وَ أَنْتُمْ تَرِيكَةُ اَلْإِسْلاَمِ وَ بَقِيَّةُ اَلنَّاسِ إِلَى اَلْمَعُونَةِ وَ طَائِفَةٍ مِنَ اَلْعَطَاءِ فَتَتَفَرَّقُونَ عَنِّي وَ تَخْتَلِفُونَ عَلَيَّ إِنَّهُ لاَ يَخْرُجُ إِلَيْكُمْ مِنْ أَمْرِي رِضًا فَتَرْضَوْنَهُ وَ لاَ سُخْطٌ فَتَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ وَ إِنَّ أَحَبَّ مَا أَنَا لاَقٍ إِلَيَّ اَلْمَوْتُ قَدْ دَارَسْتُكُمُ اَلْكِتَابَ وَ فَاتَحْتُكُمُ اَلْحِجَاجَ وَ عَرَّفْتُكُمْ مَا أَنْكَرْتُمْ وَ سَوَّغْتُكُمْ مَا مَجَجْتُمْ لَوْ كَانَ اَلْأَعْمَى يَلْحَظُ أَوِ اَلنَّائِمُ يَسْتَيْقِظُ وَ أَقْرِبْ بِقَوْمٍ مِنَ اَلْجَهْلِ بِاللَّهِ قَائِدُهُمْ ؟ مُعَاوِيَةُ ؟ وَ مُؤَدِّبُهُمُ ؟ اِبْنُ اَلنَّابِغَةِ ؟ أقول : الأصل فيه و في سابقه واحد ، لكنّه لمّا اختلفت الرواية في نقل كلامه عليه السّلام اختلفا .

قال المصنّف في أول الكتاب : « إنّ روايات كلامه عليه السّلام تختلف اختلافا شديدا » و هو و ان قال : « إنّه قد يعيد كلامه عليه السّلام استظهارا للاختيار و غيرة على عقايل الكلام » إلاّ أنه لم يتفطّن هنا و غفل ، كما قال : « و ربّما بعد العهد بما اختير أو لا فاعيد بعضه سهوا و نسيانا » . و لم يتفطّن الشرّاح أيضا ، و إنّما زاد المصنّف ثمة كلامه عليه السّلام بعد مجي‏ء الخبر بقتل محمد بن أبي بكر و أصحابه ،

من قوله : « دعوتكم إلى نصر إخوانكم فجرجرتم جرجرة الجمل الأسر ،

و تثاقلتم تثاقل النضو الادبر ، ثم خرج إليّ منكم جنيد متذائب . . . » و هنا زاد امورا اخر .

و نقلنا الأصل في العنوان ثمة من خبر الطبري ، و ننقله هنا من خبر الثقفي ، و الأصل في الخبرين واحد ، روى الثقفي ١ عن المدائني عن الحرث بن كعب عن جندب بن عبد اللّه قال : و اللّه إنّي لعند عليّ عليه السّلام إلى أن قال قال عليه السّلام

ــــــــــــ

( ١ ) الغارات للثقفي ١ : ٢٩٠ .

٥٦٠