• البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 76147 / تحميل: 3387
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 10

مؤلف:
العربية

على المنبر : فهذا صريخ محمد بن أبي بكر و إخوانكم من أهل مصر قد سار إليهم ابن النابغة إلى أن قال فقال عليه السّلام : الحمد للّه على ما قضى و قدر من فعل ،

و ابتلائي بكم أيّتها الفرقة التي لا تطيع إذا أمرتها و لا تجيب إذا دعوتها ، لا أبا لغيركم ما تنتظرون بنصركم و الجهاد على حقكم ؟ الموت خير من الذل في هذه الدنيا بغير الحق ، و اللّه إن جاءني الموت و ليأتينّي و يفرّقن بيني و بينكم و إنّي لصحبتكم لقال ، ألا دين يجمعكم ؟ ألا حمية تغيظكم ؟ ألا تسمعون بعدوكم ينتقض بلادكم و يشن الغارة عليكم ؟ أو ليس عجبا أنّ معاوية يدعو الجفاة الطغاة الظلمة ، فيتّبعونه على غير عطاء و لا معونة ، فيجيبونه في السنة المرّة و المرتين و الثلاث إلى أي وجه شاء ، ثم أنا أدعوكم و أنتم اولو النهى و بقية الناس تختلفون و تفترقون عنّي و تعصونني و تخالفون عليّ . . . .

قول المصنف : « و من خطبة له عليه السّلام » هكذا في ( المصرية ) ١ و الصواب :

( و من كلام له عليه السّلام ) كما في ( ابن أبي الحديد ٢ و ابن ميثم ٣ و الخطية ) .

« الحمد للّه على ما قضى من أمر و قدّر من فعل » لأنّه يجب حمده في الضرّاء كما في السرّاء ، و المراد على ما قضى و قدر من فتح العدو لمصر و قتل عامله و شيعته .

« و على ابتلائي بكم ، أيّتها الفرقة التي إذا أمرت » بلفظة المتكلّم المعلوم .

« لم تطع ، و إذا دعوت لم تجب » عن ( غارات الثقفي ) ٤ : كان لعليّ عليه السّلام صديق يكنّى أبا مريم من أهل المدينة ، فلمّا سمع بتشتت الناس عليه أتاه ، فلمّا رآه قال عليه السّلام : أبو مريم ؟ قال : نعم . قال : ما جاء بك ؟ قال : لم آتك لحاجة ، و لكنّي

ــــــــــــ

( ١ ) الطبعة المصرية ٢ : ١٢١ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ١٦٧ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٣٧٥ .

( ٤ ) الغارات للثقفي ١ : ٦٨ .

٥٦١

أرى لو ولوك أمر هذه الامّة أجزأته . قال : يا أبا مريم ، أنا صاحبك الذي عهدت ،

و لكنّي منيت بأخبث قوم على وجه الأرض ، أدعوهم إلى الأمر فلا يتّبعوني ،

فإذا تابعتهم على ما يريدون تفرّقوا عنّي .

« إن امهلتم خضتم » الأصل في الخوض : الدخول في الماء ، و يأتي للدخول في حديث الناس .

« و إن حوربتم خرتم » من : خار يخور ، أي : ضعفتم و انكسرتم .

« و إن اجتمع النّاس على إمام طعنتم » و في نسخة ابن ميثم ١ : « ظعنتم » .

« و إن اجئتم » أي : جي‏ء بكم .

« إلى مشاقّة » أي : مغالظة العدو .

« نكصتم » أي : رجعتم على أعقابكم .

« لا أبا لغيركم » أي : الرداءة لغيركم .

« ما تنظرون » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( ما تنتظرون ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) .

« بنصركم ربّكم » هكذا في ( المصرية ) ، و كلمة ( ربّكم ) زائدة لعدم وجودها في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) .

« و الجهاد على حقكم » لأنّهم كانوا هم المسلمين دون معاوية و أصحابه ،

فبلاد الإسلام كان واجبا أن تكون تحت أيديهم ، يعني مع إمارته عليه السّلام .

« لئن جاء يومي » جاء عليه السّلام ب ( إن ) الموضوعة للشك لكون جوابه « ليفرّقن . . . » غير متحقق الوقوع دون شرطه ، و لذا جاء بالاستدراك و قال :

« و ليأتينّي » بالتشديد .

« ليفرّقن بيني و بنيكم و أنا » الواو للحالية .

ــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٣٧٥ .

٥٦٢

« لكم » هكذا في ( المصرية ) ١ ، و الصواب : ( لصحبتكم ) كما في ( ابن أبي الحديد ٢ و ابن ميثم ٣ و الخطية ) .

« قال » من القلى ، أي : مبغض .

« و بكم غير كثير » قال الكراجكي في ( كنزه ) : روى أنّ هذه الأبيات له عليه السّلام :

أخذتكم درعا حصينا لتدفعوا

سهام العدى عنّي فكنتم نصالها

فإن أنتم لم تحفظوا لمودّتي

ذماما فكونوا لا عليها و لا لها

قفوا موقف المعذور عنّي بجانب

و خلّوا بنا للعدى و نبالها

« للّه أنتم أما دين يجمعكم ، و لا حمية تشحذكم » من : شحذت السكين ، إذا حددته ، و مرّ في سابقه بلفظ « تحمشكم » .

« أ و ليس عجبا أنّ معاوية يدعو الجفاة » جمع الجافي ، أي : الغلاظ .

« الطغام » أرذال الناس و أوغادهم ، قال :

فما فضل اللبيب على الطغام

« فيتبعونه على غير معونة و لا عطاء » قال ابن أبي الحديد ٤ : المعونة للجند : شي‏ء يسير برسم ترميم أسلحتهم و إصلاح دوابّهم ، و يكون ذلك خارجا عن العطاء المفروض شهرا فشهرا .

قلت : العطاء أيضا أعمّ من فرض الشهر ، إنّما فرض الشهر يقال له :

الرزق ، و لازم ما قال من كون العطاء الشي‏ء المفروض أن يكون جند معاوية بدون أرزاق ، و هو غير ممكن ، و إنّما لم يكن يعطيهم عطايا زائدة و معونات زائدة .

ــــــــــــ

( ١ ) الطبعة المصرية ٢ : ١٢١ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ٦٧ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٣٧٥ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ٧١ .

٥٦٣

« و أنا أدعوكم و أنتم تريكة الإسلام » قال ابن أبي الحديد ١ : التريكة : بيضة النعام تتركها في مجتمها ، أي : أنتم خلف الإسلام و بقيّته كالبيضة التي يتركها النعامة .

و تبعه من تأخّر عنه و هو خطأ ، فبيضة النعامة رذيلة لا فضيلة ، فمن أمثال العرب : أرذل من بيضة النعامة . قال الكرماني في ( أمثاله ) تترك النعامة بيضتها في فلاة من الأرض فلا ترجع إليها . . . .

و الصواب : أنّها بمعنى البقيّة ، ففي ( النهاية ) ٢ في حديث الحسن : « ( إنّ للّه ترائك في خلقه ) أراد امورا أبقاها اللّه في العباد . . . » فيكون المعنى : أنتم الذين ترككم الإسلام من أفراده و ملّته .

« و بقية الناس » قال ابن أبي الحديد ٣ : هذا الكلام في غاية اللطف ، و معناه :

أنّ باقي الناس غير اتباعه لا يقال لهم : الناس ، لعدم وجود الإنسانية فيهم ،

فكأنّ الناس انقرضوا إلاّ أتباعه عليه السّلام فهم بقيّتهم التي بقوا منهم .

« إلى المعونة و طائفة من العطاء ، فتتفرقون عنّي و تختلفون عليّ » روى ( غارات الثقفي ) ٤ خطبته عليه السّلام في غارة بسر إلى أن قال إنّ من ذلّ المسلمين و هلاك الدين أنّ ابن أبي سفيان يدعو الأرذال و الأشرار فيجاب ،

و أدعوكم و أنتم الأفضلون الأخيار فتراوغون و تدافعون ، ما هذا بفعل المتّقين .

قال ابن أبي الحديد ٥ : كان معاوية يعطي الرؤساء و لا يعطي الأتباع ،

ــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ٧١ .

( ٢ ) النهاية ١ : ١٨٨ .

( ٣ ) لم نعثر على نص العبارة في الفصل .

( ٤ ) الغارات للثقفي ٢ : ٦٢٥ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ٧١ .

٥٦٤

و أمّا هو عليه السّلام فكان يقسم بين الرؤساء و الأتباع ، و لا يرى لشريف على مشروف فضلا .

قلت : روى الثقفي ١ : أنّ أشراف الكوفة كانوا غاشّين له عليه السّلام و كان هواهم مع معاوية لأنّه عليه السّلام كان لا يعطي أحدا من الفي‏ء أكثر من حقّه ، و كان معاوية جعل الشرف في العطاء ألفي درهم .

ثمّ كان عجبا كما قال عليه السّلام و فوق العجب أنّ معاوية و كان معدن كلّ فجور و كفر ، و منكرا للكتاب و السنّة لمّا أراد بالصورة و الخدعة أن يبايعه الناس على الكتاب و السنة يقول له مالك بن هبيرة الكندي من رجال الشام :

جعلت للسفهاء مقالا ، ابسط يدك ابايعك على ما أحببنا و كرهنا :

ألا كلّ ملك ضمّه الشرط هالك

و ينكر جمع منهم بيعة عدّة له عليه السّلام على أنّهم أولياء من و إلى و أعداء من عادى ، مع أنّه عليه السّلام كان مظهر الكتاب و السنّة قولا و عملا .

« إنّه لا يخرج إليكم من أمري رضا فترضونه ، و لا سخط فتجتمعون عليه » قال ابن أبي الحديد ٢ : يعني أنّكم لا تقبلون ممّا أقول لكم شيئا ، سواء كان ممّا يرضيكم أو يسخطكم .

قلت : بل يعني عليه السّلام أنّه كلّ ما خرج إليكم من أمري شي‏ء فيه رضاي ،

و كان الواجب عليكم الرضا به لا ترضونه ، و كلّ ما خرج إليكم من أمري شي‏ء فيه سخطي ، و كان الواجب عليكم أن تسخطوا منه جميعا لا تجتمعون على السخط منه ، و ما قاله من عدم رضاهم بما يرضيهم لا معنى له .

ــــــــــــ

( ١ ) الغارات للثقفي ١ : ٤٤ ٤٥ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد : ٧١ .

٥٦٥

و روى ( غارات الثقفي ) ١ في غارة الغامدي : أنّه عليه السّلام قال في خطبته : قد عاتبتكم في رشدكم حتى سئمت ، و راجعتموني بالهزء من قولكم حتى برمت ،

هزء من القول لا يعاذ به ، و خطل لا يعزّ أهله ، و لو وجدت بدّا من خطابكم و العتاب إليكم ما فعلت ، فردوا خيرا و افعلوه ، و ما أظن أن تفعلوا .

« و إنّ أحبّ ما أنا لاق إليّ الموت » هكذا في النسخ ، و كأنّه محرف : ( و إنّ أحب ما أنا لاقيه الموت ) .

و كيف كان ، ففي ( العقد ) قالت الحكماء : أشدّ من الموت ما إذا نزل بك أحببت له الموت ، و أطيب من العيش ما إذا فارقته أبغضت له العيش .

« قد دارستكم الكتاب » قال ابن أبي الحديد ٢ : أي دارسته عليكم . دارست الكتب و تدارستها و ادرستها و درستها بمعنى ، و هي من الألفاظ القرآنية .

قلت : لم نقف على من ذكر ( ادرس ) و إنّما في القرآن مجردة : ( درست و درسوا و تدرسون ) ثم الظاهر أنّ المراد : علّمتكم درس القرآن و تفسيره ، فإنّ الأصل في تفسيره هو عليه السّلام .

« و فاتحتكم الحجاج » أي : فتحت لكم أبواب المحاجّة في الدين ، و هو عليه السّلام أوّل من علّم الناس الاحتجاج في دين اللّه ، و قال ابن أبي الحديد ٣ : أي حاكمتكم بالمحاجّة ، و هو كما ترى .

« و عرّفتكم ما أنكرتم » ممّا لبسه المتقدّمون عليه ، على الناس .

« و سوغتكم » الأصل فيه : ساغ الشراب : سهل مدخله في الحلق .

« ما مججتم » و الأصل في المج : مج الشراب من فيه ، إذا رمى به ، و المراد :

ــــــــــــ

( ١ ) الغارات للثقفي ٢ : ٤٧٤ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ٧٢ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ٧٢ .

٥٦٦

ردّهم إلى السنن من بدع المتقدّمين عليه .

« لو كان الأعمى يلحظ » أي : يبصر .

« و النائم يستيقظ » أي : يسمع و يفهم ، أي : كما أنّ لحظ الأعمى و تيقّظ النائم محال ، كذلك محال أن تفهموا بعد أن دارستكم الكتاب ، و فاتحتكم الحجاج و عرّفتكم ما أنكرتم و سوّغتكم ما مججتم مقامي و أنّي من جعله اللّه إماما للناس ، و أنّ المتقدّمين عليه كانوا ضالّين . . . أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتّبع أمّن لا يهدّي إلاّ أن يهدى فما لكم كيف تحكمون ١ .

و قال ابن أبي الحديد ٢ : أيضا : معنى الكلام قد فعلت معكم ما يقتضي حصول الاعتقادات الحقيقية في أذهانكم ، لو أزلتم عن قلوبكم ما يمنع من حصولها ، من الهوى و العصبية و الإصرار على اللجاج ، و محبّة نصرة عقيدة قد سبقت إلى القلب ، و زرعها فيه التعصّب و مشقّة مفارقة الاسلاف الذين قد انغرس في النفس تعظيمهم ، و مالت القلوب إلى تقليدهم لحسن الظن بهم .

« و أقرب بقوم من الجهل باللّه قائدهم معويه ، و مؤدّبهم ابن النابغة » أي :

عمرو بن العاص ، و في ( الطبري ) ٣ عن زيد بن وهب : مرّ عليّ عليه السّلام في صفّين على جماعة من أهل الشام فيهم الوليد بن عقبة و هم يشتمونه ، فخبر بذلك فوقف في من يليهم من أصحابه فقال : انهدوا إليهم و عليكم السكينة و وقار الإسلام و سيماء الصالحين ، فو اللّه لأقرب قوم من الجهل قوم قائدهم و مؤدبهم معاوية و ابن النابغة و أبو أعور السلمي ، و ابن أبي معط شارب الخمر المجلود حدّا في الإسلام ، و هم أوّل من يقومون فينقصونني .

ــــــــــــ

( ١ ) يونس : ٣٥ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ٧٢ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٥ : ٤٥ .

٥٦٧

و في ( طرائف ابن طاووس ) عن بعضهم في معاوية و عمرو في تغييرهما السنّة في التختم من اليمين إلى الشمال :

سنّ التختّم في اليمين محمّد

للقائلين بدعوة الإخلاص

فسعى ابن هند في إزالة رسمه

و أعانه في ذلك ابن العاص

هذا ، و لابن أبي نعيم في يحيى بن أكثم القاضي و الخليفة العباسي و امرائهم :

أميرنا يرتشي و حاكمنا

يلوط و الراس شرّ ما راس

قاض يرى الحدّ في الزنا و لا

يرى على من يلوط من باس

ما أحسب الجور ينقضي و على

الامّة وال من بني العبّاس

٨

الخطبة ( ٦٦ ) و من كلام له عليه السّلام لمّا قلّد محمّد بن أبي بكر مصر فملكت عليه فقتل :

وَ قَدْ أَرَدْتُ تَوْلِيَةَ ؟ مِصْرَ ؟ ؟ هَاشِمَ بْنَ عُتْبَةَ ؟ وَ لَوْ وَلَّيْتُهُ إِيَّاهَا لَمَّا خَلَّى لَهُمُ اَلْعَرْصَةَ وَ لاَ أَنْهَزَهُمُ اَلْفُرْصَةَ بِلاَ ذَمٍّ ؟ لِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ؟ فَلَقَدْ كَانَ إِلَيَّ حَبِيباً وَ كَانَ لِي رَبِيباً أقول : قال ابن أبي الحديد ١ : روى المدائني : أنّ عليّا عليه السّلام قال : رحم اللّه محمدا ، كان غلاما حدثا ، لقد كنت أردت أن اولّي المرقال هاشم بن عتبة مصرا ، فإنّه و اللّه لو وليها ما خلّى لابن العاص و أعوانه العرصة ، و لا قتل إلاّ و سيفه في يده ، بلا ذمّ لمحمّد ، فلقد أحمد نفسه و قضى ما عليه .

قلت : و روى الطبري ٢ عن أبي مخنف مثله ، لكن فيه : « و أعوانه الفجرة » ،

ــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٦ : ٩٣ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٥ : ١١٠ .

٥٦٨

و فيه : « فقد اجتهد نفسه » .

قول المصنف : « و من كلام له عليه السّلام لمّا قلّد » قال الجوهري : « قلّدت المرأة فتقلدت هي » . و منه التقليد في الدين ، و تقليد الولاة الأعمال .

« محمد بن أبي بكر مصر فملكت عليه فقتل » هكذا في ( المصرية ) ١ و الصواب : ( و قتل ) كما في ( ابن أبي الحديد ٢ و ابن ميثم ٣ و الخطية ) .

ثمّ إنّ ابن أبي الحديد ٤ نقل مقتله من ( غارات الثقفي ) ٥ ، و أنقله من ( تاريخ الطبري ) ٦ ، فروى عن أبي مخنف : أنّ أهل الشام لمّا انصرفوا من صفّين كانوا ينتظرون ما يأتي به الحكمان ، فلمّا انصرفا و تفرّقا بايع أهل الشام معاوية بالخلافة و لم يزدد إلاّ قوّة ، و اختلف الناس بالعراق على عليّ عليه السّلام ، فما كان لمعاوية هم إلاّ مصر ، و كان لأهلها خائفا لقربهم منه و شدّتهم على من كان على رأي عثمان ، و قد كان على ذلك علم أنّ بها قوما ساءهم قتل عثمان و خالفوا عليّا عليه السّلام ، و كان يرجو أن يكون إذا ظهر عليها ظهر على حرب عليّ لعظم خراجها ، فدعا من كان معه من قريش : عمرو بن العاص و حبيب بن مسلمة و بسر بن أبي أرطاة و الضحّاك بن قيس و عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، و من غيرهم : أبا الأعور السلمي و حمزة بن مالك الهمداني و شرحبيل الكندي ، فقال لهم : أتدرون لم دعوتكم ؟ فقال عمرو : أهمّك أمر هذه البلاد الكثير خراجها و الكثير عددها ، فاعزم و اقدم ، و نعم الرأي رأيت .

ــــــــــــ

( ١ ) الطبعة المصرية ١ : ١١٣ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٦ : ٥٣ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٢ : ١٨٦ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٦ : ٨٤ ٨٧ .

( ٥ ) الغارات للثقفي ١ : ٢٧٠ .

( ٦ ) تاريخ الطبري ٥ : ٩٧ .

٥٦٩

فقال معاوية : رأيتم كيف صنع اللّه بكم ؟ جاءكم عدوّكم و هم لا يرون إلاّ أنّهم سيقيضون بيضتكم و يخرّبون بلادكم . فكتب عند ذلك معاوية إلى مسلمة بن مخلد الأنصاري و إلى معاوية بن حديج الكندي و كانا خالفا عليّا عليه السّلام :

فاصبروا و صابروا عدوّكما ، و ادعوا المدبر هداكما و كأن الجيش قد أظل عليكما ، فانقشع كلّ ما تكرهان و كان كلّ ما تهويان إلى أن قال في جواب مسلمة لمعاوية عجّل علينا خيلك و رجلك فإنّ عدوّنا قد كان علينا حربا و كنّا فيهم قليلا ، فقد أصبحوا لنا هائبين و أصبحنا لهم مقرنين ، فإن يأتنا اللّه بمدد من قبلك يفتح اللّه عليكم إلى أن قال فبعث معاوية عمرا في ستة آلاف رجل فخرج يسير حتى نزل أدنى أرض مصر ، فاجتمعت العثمانية إليه فأقام بهم و كتب إلى محمّد بن أبي بكر : تنحّ عنّي بدمك يا بن أبي بكر فإنّي لا احب أن يصيبك منّي ظفر ، إنّ النّاس بهذه البلاد قد اجتمعوا على خلافك و رفض أمرك و ندموا على اتباعك ، فهم مسلّموك لو قد التقت حلقتا البطان فاخرج منها فإنّي لك من الناصحين . و بعث عمرو كتابه مع كتاب معاوية إلى محمّد ، و في كتاب معاوية : إنّ غب البغي و الظلم عظيم الوبال ، و إنّ سفك الدم الحرام لا يسلم صاحبه من النقمة في الدنيا و من التبعة الموبقة في الآخرة ، و إنّا لا نعلم أحدا كان على عثمان أعظم بغيا و لا أسوأ له عيبا و لا أشدّ خلافا عليه منك ، سعيت عليه في الساعين و سكفت دمه في السافكين ، ثمّ تظنّ أنّي عنّك نائم أو ناس لك ، حتى تؤمّر فتأمر على بلاد أنت فيها جاري و جلّ أهلها أنصاري ، يرون رأيي و يرقبون قولي و يستصرخوني عليك ؟ و قد بعثت إليك أقواما خناقا عليك ، يستسقون دمك و قد أعطوا اللّه عهدا ليمثّلن بك ، و لو لم يكن منهم إليك ما عدا قتلك ما حذّرتك و لا أنذرتك و لا أحببت أن يقتلوك بظلمك و قطيعتك و عدوك على عثمان ، يوم تطعن بمشاقصك بين خششائه و أوداجه ، و لكن

٥٧٠

أكره أن امثّل بقرشي ، و لن يسلّمك اللّه من القصاص أبدا أينما كنت . فطوى محمد بن أبي بكر كتابيهما و بعث بهما إلى عليّ عليه السّلام و كتب معهما : إنّ ابن العاص قد نزل أدنى أرض مصر في لجب من جيش خرب ، و إنّ من كان بها على مثل رأيه خرج إليه ، و قد رأيت ممّن قبلي بعض الفشل ، فإن كان لك في أرض مصر حاجة فأمدني بالرجال و الأموال . فكتب إليه عليّ عليه السّلام : جاءني كتابك تذكر أنّ ابن العاص نزل بأدنى أرض مصر ، و أنّ من كان بها على مثل رأيه خرج إليه ، و خروج من يرى رأيه إليه خير لك من إقامتهم عندك ، و ذكرت أنّك قد رأيت في بعض ممّن قبلك فشلا ، فلا تفشل و إن فشلوا ، حصّن قريتك و اضمم إليك شيعتك ، و اندب إلى القوم كنانة بن بشر المعروف بالنّصيحة و النجدة و البأس ، فإنّي نادب إليك النّاس على الصعب و الذلول ، فاصبر لعدوّك و امض على بصيرتك ، و قاتلهم على نيّتك و جاهدهم صابرا محتسبا ، و إن كانت فئتك أقل الفئتين فإنّ اللّه قد يعزّ القليل و يخذل الكثير . و قد قرأت كتاب الفاجر ابن الفاجر معاوية و الفاجر ابن الكافر عمرو ، المتحابّين في عمل المعصية و المتوافقين المرتشين في الحكومة ، المنكرين في الدنيا ( قد استمتعوا بخلاقهم كما استمتع الذين من قبلهم بخلاقهم ) ١ ، فلا يهلك إرعادهما و إبراقهما و أجبهما ، إن كنت لم تجبهما بما هما أهله فإنّك تجد مقالا ما شئت .

فكتب محمد بن أبي بكر إلى معاوية جواب كتابه : أتاني كتابك تذكّرني من أمر عثمان أمرا لا أعتذر إليك منه ، و تأمرني بالتنحّي عنك كأنّك لي ناصح ،

و تخوّفني المثلة كأنّك شفيق ، و أنا أرجو أن تكون لي الدائرة عليكم فأجتاحكم في الوقعة ، و أن تؤتوا النصر و يكن لكم الأمر في الدنيا ، فكم لعمري ما من

ــــــــــــ

( ١ ) اقتباس من سورة التوبة : ٦٩ .

٥٧١

ظالم قد نصرتم ، و كم من مؤمن قد قتلتم و مثّلتم به ، و إلى اللّه مصيركم و مصيرهم ، و إلى اللّه مرد الامور و هو أرحم الراحمين و هو المستعان على ما تصفون .

و كتب إلى عمرو : زعمت أنّك تكره أن يصيبني منك ظفر ، و أشهد أنّك من المبطلين ، و تزعم انّك لي نصيح ، و اقسم أنك عندي ظنين ، و تزعم أنّ أهل البلد قد رفضوا رأيي و ندموا على اتباعي ، فاولئك لك و للشيطان الرجيم أولياء ، و حسبنا اللّه رب العالمين .

فأقبل عمرو حتى قصد مصر ، فقام محمد في الناس فقال : معاشر المسلمين و المؤمنين ، إنّ القوم الذين كانوا ينتهكون الحرمة و ينعشون الضلال ، و يشبّون نار الفتنة و يتسلّطون بالجبرية ، قد نصبوا لكم العداوة و ساروا إليكم بالجنود . عباد اللّه ، فمن أراد الجنّة و المغفرة فليخرج إلى هؤلاء القوم فليجاهدهم . فلمّا دنا عمرو من كنانة سرّح الكتائب كتيبة بعد كتيبة ،

فجعل كنانة لا تأتيه كتيبة إلاّ شدّ عليها بمن معه حتى يقربها بعمرو ، فعل ذلك مرارا ، فلمّا رأى عمرو ذلك بعث إلى معاوية بن حديج فأتاه في مثل الدّهم ،

فأحاط بكنانة و أصحابه و اجتمع أهل الشام عليهم من كلّ جانب ، فلمّا رأى ذلك كنانة نزل عن فرسه و نزل أصحابه و كنانة يقول : و ما كان لنفس أن تموت إلاّ بإذن اللّه كتابا مؤجّلا و من يرد ثواب الدنيا نؤته منها و من يرد ثواب الآخرة نؤته منها و سنجزي الشاكرين ١ . فضاربهم بسيفه حتى استشهد .

و أقبل عمرو نحو محمّد و قد تفرّق عنه أصحابه لمّا بلغهم قتل كنانة حتى بقي و ما معه أحد من أصحابه ، فلمّا رأى ذلك خرج يمشي في الطريق حتى انتهى إلى خربة في ناحية الطريق فأوى إليها ، و جاء عمرو حتى دخل

ــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ١٤٥ .

٥٧٢

الفسطاط ، و خرج معاوية بن حديج في طلب محمد حتى انتهى إلى علوج في قارعة الطريق ، فسألهم : هل مرّ بكم أحد تنكرونه ؟ فقال أحدهم : إنّي دخلت تلك الخربة فإذا أنا برجل فيها جالس . فقال ابن حديج : هو و ربّ الكعبة . فانطلقوا يركضون حتى دخلوا عليه فاستخرجوه و قد كاد يموت عطشا ، فأقبلوا به نحو فسطاط مصر ، و وثب أخوه عبد الرحمن بن أبي بكر إلى عمرو و كان في جنده فقال : أتقتل أخي صبرا ؟ ابعث إلى ابن حديج فانهه . فبعث إليه عمرو يأمره أن يأتيه بمحمد ، فقال : قتلتم كنانة و اخلّي أنا عن محمد ؟ هيهات أ كفاركم خير من اولئكم أم لكم براءة في الزبر ١ ؟ فقال لهم محمد :

اسقوني . فقال ابن حديج : لا سقاه اللّه ان سقاك قطرة أبدا ، إنّكم منعتم عثمان أن يشرب الماء حتى قتلتموه صائما محرما ، فتلقاه اللّه بالرحيق المختوم ، و اللّه لأقتلنّك يا بن أبي بكر فيسقيك اللّه الحميم و الغسّاق . فقال له محمد : يابن اليهودية النسّاجة ، ليس ذلك إليك و لا إلى من ذكرت ، إنّما ذلك إلى اللّه عز و جل ،

يسقي أولياءه و يظمى‏ء أعداءه أنت و ضرباؤك و من تولاه ، أما و اللّه لو كان سيفي في يدي ما بلغتم منّي هذا . قال له ابن حديج : أتدري ما أصنع بك ؟ ادخلك في جوف حمار ثم احرقه عليك بالنار . فقال له محمد : إن فعلتم ذلك بي فطالما فعل ذلك بأولياء اللّه ، و إنّي لأرجو هذه النار التي تحرقني بها ، أن يجعلها اللّه عليّ بردا و سلاما كما جعلها على خليله إبراهيم عليه السّلام ، و إن يجعلها عليك و على أوليائك كما جعلها على نمرود و أوليائه ، إنّ اللّه يحرقك و من ذكرته قبل يعني : عثمان و امامك يعني : معاوية و هذا و أشار إلى عمرو بنار تلظى عليكم كلّما خبت زادها اللّه سعيرا . قال له ابن حديج : إنّي إنّما أقتلك بعثمان . قال له محمد . و ما أنت و عثمان ؟ إنّ عثمان عمل بالجور و نبذ حكم القرآن ، و قد قال

ــــــــــــ

 ( ١ ) القمر : ٤٣ .

٥٧٣

تعالى : و من لم يحكم بما أنزل اللّه فاولئك هم الفاسقون ١ فنقمنا عليه ذلك ،

و حسنت أنت و نظراؤك له ذلك ، فقد برّأنا اللّه تعالى من ذنبه ، و أنت شريكه في إثمه و عظم ذنبه و جاعلك على مثاله . فغضب ابن حديج فقدمه فقتله ، ثمّ ألقاه في جيفة حمار ثم أحرقه بالنار .

قوله عليه السّلام : « و قد أردت تولية مصر هاشم بن عتبة » إنّ هاشما و إن كان قتل في صفّين سنة ( ٣٧ ) و قتل محمّد بن أبي بكر في مصر كان في سنة ( ٣٨ ) إلاّ أنّ توليته عليه السّلام لمحمّد كان قبل صفّين بعد عزل قيس بن سعد بن عبادة عنها ،

و أراد عليه السّلام تولية هاشم فطلب منه عليه السّلام ابن أخيه عبد اللّه بن جعفر أخو محمّد لامّه تولية محمّد .

« و لو ولّيته » أي : هاشما .

« إيّاها » يعني : مصر .

« لما خلّى لهم العرصة » قال ابن دريد : عرصة الدار : ما لا بناء فيه . و مثله الجوهري ، و في ( الأساس ) : قال النضر : لو جلست في بيت من بيوت الدار كنت جالسا في العرصة ، بعد ألاّ تكون في العلو .

و كيف كان ، فعدم تخلية العرصة كناية عن عدم اعطائهم المهلة .

« و لا أنهزهم الفرصة » يعني : لا يعطيهم فرصة يغتنمونها ، هذا ، و قد عرفت أنّ الطبري و المدائني رويا بدل « و لا أنهزهم الفرصة » : « و لمّا قتل إلاّ و سيفه في يده » .

هذا ، و هاشم ابن أخي سعد بن أبي وقاص و في ( الاستيعاب ) ٢ كانت راية عليّ عليه السّلام على الرجّالة يوم صفّين بيده ، و هو القائل يوم صفّين :

ــــــــــــ

( ١ ) المائدة : ٤٧ .

( ٢ ) الاستيعاب ٣ : ٦١٩ ٦٢٠ .

٥٧٤

أعور يبغي أهله محلاّ

قد عالج الحياة حتى ملاّ

لا بد أن يفلّ أو يفلاّ

و قطعت رجله يومئذ ، فجعل يقاتل من دنا منه و هو بارك و يقول :

الفحل يحمي شوله معقولا

و قاتل حتى قتل .

و في ( صفّين نصر ) ١ : و لمّا سقط هاشم من طعنة شقّت بطنه رفع رأسه فاذا هو بعبيد اللّه بن عمر بن الخطاب قتيلا إلى جانبه ، فجثا حتى دنا منه فعضّ على ثديه حتى تبيّنت فيه أنيابه ، ثمّ مات و هو على صدر عبيد اللّه .

و فيه ٢ : كان عليّ عليه السّلام قال لهاشم كهيئة المازح : أبا هاشم ، أما تخشى من نفسك أن تكون أعور جبانا ؟ فقال : ستعلم يا أمير المؤمنين ، و اللّه لألفنّ بين جماجم القوم لفّ رجل ينوي الآخرة . . . .

و فيه ٣ : مرّ عليّ عليه السّلام يوم صفّين على هاشم و على عصابة من أسلم من القراء اصيبوا معه فقال :

جزى اللّه خيرا عصبة أسلمية

صباح الوجوه صرّعوا حول هاشم

و في ( الاستيعاب ) ٤ : فقئت عينه يوم اليرموك ، و افتتح جلولاء الذي يقال له : فتح الفتوح ، و كان سبب الفتح على المسلمين في القادسية .

« بلا ذم لمحمّد » لأنّه جاهد حتى لم يبق معه أحد .

« فلقد كان إليّ حبيبا و كان لي ربيبا » هكذا رواية المصنّف ، و قد عرفت أنّ المدائني و الطبري رويا بدل هذا الكلام : « فلقد اجتهد نفسه و قضى ما عليه »

ــــــــــــ

( ١ ) صفّين لنصر بن مزاحم : ٣٥٥ .

( ٢ ) صفّين لنصر بن مزاحم : ٣٢٧ .

( ٣ ) صفّين لنصر بن مزاحم : ٣٥٦ .

( ٤ ) الاستيعاب ٣ : ٦١٧ .

٥٧٥

و هو الأنسب بقوله : « بلا ذم لمحمّد » دون ما نقله المصنّف ، فحبيب الإنسان كربيبه قد يكون مذموما ، قال تعالى لنبيه صلّى اللّه عليه و آله : إنّك لا تهدي من أحببت . . . ١ .

و الظاهر أنّه عليه السّلام قال هذا الكلام ، غير متصل بذلك الكلام فقال المدائني:

قيل لعليّ عليه السّلام : لقد جزعت على محمّد بن أبي بكر ؟ فقال : و ما يمنعني ؟ إنّه كان لي ربيبا ، و كان لي أخا ، و كنت له والدا . أعدّه ولدا و مثله المسعودي ٢ فقال :

قال عليه السّلام : ما جزعت على هالك منذ دخلت هذه الحرب جزعي عليه ، كان لي ربيبا و كنت أعدّه ولدا ، كان بي برّا . . . .

و كيف كان ، كان محمّد ربيبه عليه السّلام لأنّه تزوّج بامّه أسماء بنت عميس و ربّاه عليه السّلام لأنّه كان يوم موت أبيه ابن ثلاث ، و في ( الكشي ) : كانت نجابته من قبل امّه أسماء .

و في ( المروج ) ٣ : لمّا وصل محمّد إلى مصر بعد قيس كتب إلى معاوية بعد ذكر بعث اللّه تعالى لنبيه صلّى اللّه عليه و آله : فكان أوّل من أجاب و أناب و آمن و صدّق و أسلم و سلّم : أخوه و ابن عمّه عليّ بن أبي طالب ، صدّقه بالغيب المكتوم و آثره على كلّ حميم ، و وقاه بنفسه كلّ هول و حارب حربه و سالم سلمه ، فلم يبرح مبتذلا لنفسه في ساعات الليل و النهار و الخوف و الجوع ، حتى برز سابقا لا نظير له في من اتّبعه و لا مقارب له في فعله ، و قد رأيتك تساميه و أنت أنت و هو هو ، أصدق الناس نيّة و أفضل الناس ذرية ، و خير الناس زوجة و أفضل الناس ابن عمّ و أخوه الشاري بنفسه يوم موته ، و عمّه سيد الشهداء

ــــــــــــ

( ١ ) القصص : ٥٦ .

( ٢ ) المسعودي ٢ : ٤٠٩ .

( ٣ ) مروج الذهب ٣ : ١١ .

٥٧٦

يوم احد و أبوه الذابّ عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و عن حوزته ، و أنت اللعين ابن اللعين لم تزل أنت و أبوك تبغيان للنبي صلّى اللّه عليه و آله الغوائل ، و تجهدان في إطفاء نور اللّه ،

تجمعان على ذلك الجموع و تبذلان فيه المال و تؤلّبان عليه القبائل ، على ذلك مات أبوك و عليه خلفته ، و الشهيد عليك من يدنى و يلجأ إليك من بقية الأحزاب و رؤساء النفاق ، و الشاهد لعليّ عليه السّلام مع فضله المبين القديم انصاره الذين معه ، الذين ذكرهم اللّه بفضلهم و أثنى عليهم من المهاجرين و الأنصار ، فكيف يا لك الويل تعدل نفسك بعليّ عليه السّلام و هو وارث النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و وصيّه و أبو ولده ، أوّل الناس له اتباعا و أقربهم به عهدا ، يخبره بسرّه و يطلعه على أمره ،

 أنت عدوّه ؟ فتمتّع في دنياك ما استطعت بباطلك و ليمددك ابن العاص في غوايتك ، فكأنّ أجلك قد انقضى إلى أن قال فكتب : من معاوية بن صخر إلى الزاري على أبيه محمّد بن أبي بكر : أتاني كتابك و لأبيك فيه تعنيف ، ذكرت فيه فضل ابن أبي طالب و قديم سوابقه و قرابته إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و مواساته إيّاه في كلّ هول و خوف ، فقد كنّا و أبوك فينا نعرف فضل ابن أبي طالب و حقّه لازما لنا مبرورا علينا ، فلمّا قبض اللّه نبيّه كان أبوك و فاروقه أوّل من ابتزه حقّه و خالفه على أمره ، على ذلك اتّفقا و اتّسقا ثم إنّهما دعواه إلى بيعتهما ، فأبطأ عنهما و تلكأ عليهما ، فهمّا به الهموم و أرادا به العظيم ، ثم إنّه بايع لهما و سلّم لهما ، و أقاما لا يشركانه في أمرهما و لا يطلعانه على سرّهما حتى قبضا ، ثم قام ثالثهما عثمان فهدى بهديهما و سار بسيرهما إلى أن قال و قس شبرك بفترك تقصر أن توازن من يزن الجبال بحلمه ، أبوك مهّد مهاده و بنى له ملكه و شاده ، فإن يك ما نحن فيه صوابا فأبوك استبد به و نحن شركاؤه ، و لو لا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب و لسلّمنا إليه ، و لكنّا رأينا أباك فعل ذلك به من قبلنا فأخذنا بمثاله ، فعب أباك بما بدا لك ، أو دع ذلك .

٥٧٧

٩

الكتاب ( ٣٥ ) و من كتاب له عليه السّلام إلى عبد اللّه بن العباس بعد مقتل محمّد بن أبي بكر :

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ ؟ مِصْرَ ؟ قَدِ اِفْتُتِحَتْ وَ ؟ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ؟ رَحِمَهُ اَللَّهُ قَدِ اُسْتُشْهِدَ فَعِنْدَ اَللَّهِ نَحْتَسِبُهُ وَلَداً نَاصِحاً وَ عَامِلاً كَادِحاً وَ سَيْفاً قَاطِعاً وَ رُكْناً دَافِعاً وَ قَدْ كُنْتُ حَثَثْتُ اَلنَّاسَ عَلَى لَحَاقِهِ وَ أَمَرْتُهُمْ بِغِيَاثِهِ قَبْلَ اَلْوَقْعَةِ وَ دَعَوْتُهُمْ سِرّاً وَ جَهْراً وَ عَوْداً وَ بَدْءاً فَمِنْهُمُ اَلْآتِي كَارِهاً وَ مِنْهُمُ اَلْمُعْتَلُّ كَاذِباً وَ مِنْهُمُ اَلْقَاعِدُ خَاذِلاً وَ أَسْأَلُ اَللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ مِنْهُمْ فَرَجاً عَاجِلاً فَوَاللَّهِ لَوْ لاَ طَمَعِي عِنْدَ لِقَائِي عَدُوِّي فِي اَلشَّهَادَةِ وَ تَوْطِينِي نَفْسِي عَلَى اَلْمَنِيَّةِ لَأَحْبَبْتُ أَلاَّ أَبْقَى مَعَ هَؤُلاَءِ يَوْماً وَاحِداً وَ لاَ أَلْتَقِيَ بِهِمْ أَبَداً أقول : رواه الطبري في ( تاريخه ) ١ و الثقفي في ( غاراته ) ٢ بدون قوله :

« ولدا ناصحا و عاملا كادحا و سيفا قاطعا و ركنا دافعا » .

و رويا ٣ أيضا جواب ابن عباس لكتابه عليه السّلام : رحم اللّه محمّد بن أبي بكر و آجرك فيه ، و قد سألت اللّه أن يجعل لك من رعيتك التي ابتليت بها فرجا و مخرجا ، و أن يعزّك بالملائكة عاجلا بالنصرة ، فإنّ اللّه صانع لك ذلك و معزّك و مجيب دعوتك و كابت عدوّك ، اخبرك يا أمير المؤمنين أنّ الناس ربّما تثاقلوا ثم ينشطون ، فارفق بهم . قال الثاني و روي أنّ ابن عباس قدم

ــــــــــــ

( ١ ) التاريخ للطبري ٥ : ١٠٩ .

( ٢ ) الغارات للثقفي ١ : ٢٩٩ .

( ٣ ) الغارات للثقفي ١ : ٣٠٠ .

٥٧٨

من البصرة عليه عليه السّلام فعزّاه به .

و رويا ١ أيضا : أنّه عليه السّلام قام في الناس خطيبا و قال : ألا إنّ مصر قد افتتحها الفجرة اولو الجور و الظلم ، الذين صدوا عن سبيل الإسلام و بغوا الإسلام عوجا ، ألا و إنّ محمّد بن أبي بكر قد استشهد رحمه اللّه فعند اللّه نحتسبه ، أما و اللّه أن كان ما علمت : لممّن ينتظر القضاء و يعمل للجزاء و يبغض شكل الفاجر و يحب هدى المؤمن .

و روى الكليني في ( رسائله ) : أنّ الناس سألوه عن أبي بكر و عمر و عثمان فغضب عليه السّلام و قال : قد تفرغتم للسؤال عمّا لا يعنيكم ، و هذه مصر قد افتتحت و قتل معاوية بن حديج محمّد بن أبي بكر ، فيالها من مصيبة ما أعظمها فو اللّه ما كان إلاّ كبعض بني . و قريب منه في ( خلفاء القتيبي ) .

قول المصنف : « و من كتاب له عليه السّلام إلى عبد اللّه بن العباس » هكذا في ( المصرية ) ٢ و زاد ابن أبي الحديد ٣ و ابن ميثم ٤ بعده : « رحمه اللّه » .

« بعد مقتل محمّد بن أبي بكر » هكذا في ( المصرية ) و فيها سقط فزاد ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) بعده : « بمصر » .

قوله عليه السّلام : « أمّا بعد ، فإنّ مصر قد افتتحت » و كان فتحها في سنة ( ٣٨ ) .

« و محمّد بن أبي بكر قد استشهد » قتل صبرا ثم احرق ، و إنّما قتلوه هكذا لكونه شيعته ، و ما دافع عنه أخوه لأبيه عبد الرحمن بن أبي بكر لذلك ، و إنّما قال لفظا لابن العاص : أتقتلون أخي صبرا . و لو لم يكن شيعته عليه السّلام لمّا قتلوه لكونه ابن أبي بكر و لأخيه عبد الرحمن و لاخته عايشة .

ــــــــــــ

( ١ ) الغارات للثقفي ١ : ٢٩٥ .

( ٢ ) الطبعة المصرية ٣ : ٦٧ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٦ : ١٤٥ .

( ٤ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٧٦ .

٥٧٩

« فعند اللّه نحتسبه » فقد عرفت أنّ مصيبته كانت عليه عليه السّلام عظيمة حتى رؤي ذلك في وجهه .

« ولدا ناصحا » فإنّ الربيب كالولد .

« و عاملا كادحا » أي : مجدّا .

« و سيفا قاطعا و ركنا دافعا » كما عرفت في سابقه من كتابه إلى معاوية في شأنه .

« و قد كنت حثثت النّاس على لحاقه » و دركه .

« و أمرتهم بغياثه قبل الوقعة » أي : إيقاع العدوّ به .

« و دعوتهم سرّا و جهرا و عودا و بدءا » فقال عليه السّلام لهم لمّا جاءه صريخ محمّد:

أخرجوا إلى الجرعة و هي قرية بين الحيرة و الكوفة فوافوني بها هناك غدا .

ثم خرج عليه السّلام يمشي من الغد بكرة إلى الجرعة فأقام بها حتى انتصف النهار فلم يوافه أحد ، فرجع بالعشي إلى أشرافهم و أنّبهم ، فقام مالك بن كعب الأرحبي و قال : اندب الناس معي . فأمر مناديه أن ينتدبوا فخرج معه قليل نحو ألفي رجل ، فقال عليه السّلام له : سر فو اللّه ما أخا لك تدركوا القوم حتى ينقضي أمرهم . و قال عليه السّلام في خطبته بعد شهادة محمّد و أصحابه : و قد دعوتكم إلى غياث إخوانكم منذ بضع و خمسين ليلة ، فتجرجرتم جرجرة الجمل الأشدق .

« فمنهم الآتي كارها و منهم المعتل » أي : الآتي بالعلّة لتخلّفه كاذبا .

« و منهم القاعد خاذلا و أسأل اللّه » هكذا في ( المصرية ) ١ و الصواب : ( اسأل اللّه ) كما في ( ابن أبي الحديد ٢ و ابن ميثم ) ٣ .

ــــــــــــ

( ١ ) الطبعة المصرية ٣ : ٦٧ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٦ : ١٤٥ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٧٦ .

٥٨٠