بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٠

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة6%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 617

  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 82308 / تحميل: 3985
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٠

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

على المنبر : فهذا صريخ محمد بن أبي بكر و إخوانكم من أهل مصر قد سار إليهم ابن النابغة إلى أن قال فقال عليه السّلام : الحمد للّه على ما قضى و قدر من فعل ،

و ابتلائي بكم أيّتها الفرقة التي لا تطيع إذا أمرتها و لا تجيب إذا دعوتها ، لا أبا لغيركم ما تنتظرون بنصركم و الجهاد على حقكم ؟ الموت خير من الذل في هذه الدنيا بغير الحق ، و اللّه إن جاءني الموت و ليأتينّي و يفرّقن بيني و بينكم و إنّي لصحبتكم لقال ، ألا دين يجمعكم ؟ ألا حمية تغيظكم ؟ ألا تسمعون بعدوكم ينتقض بلادكم و يشن الغارة عليكم ؟ أو ليس عجبا أنّ معاوية يدعو الجفاة الطغاة الظلمة ، فيتّبعونه على غير عطاء و لا معونة ، فيجيبونه في السنة المرّة و المرتين و الثلاث إلى أي وجه شاء ، ثم أنا أدعوكم و أنتم اولو النهى و بقية الناس تختلفون و تفترقون عنّي و تعصونني و تخالفون عليّ . . . .

قول المصنف : « و من خطبة له عليه السّلام » هكذا في ( المصرية ) ١ و الصواب :

( و من كلام له عليه السّلام ) كما في ( ابن أبي الحديد ٢ و ابن ميثم ٣ و الخطية ) .

« الحمد للّه على ما قضى من أمر و قدّر من فعل » لأنّه يجب حمده في الضرّاء كما في السرّاء ، و المراد على ما قضى و قدر من فتح العدو لمصر و قتل عامله و شيعته .

« و على ابتلائي بكم ، أيّتها الفرقة التي إذا أمرت » بلفظة المتكلّم المعلوم .

« لم تطع ، و إذا دعوت لم تجب » عن ( غارات الثقفي ) ٤ : كان لعليّ عليه السّلام صديق يكنّى أبا مريم من أهل المدينة ، فلمّا سمع بتشتت الناس عليه أتاه ، فلمّا رآه قال عليه السّلام : أبو مريم ؟ قال : نعم . قال : ما جاء بك ؟ قال : لم آتك لحاجة ، و لكنّي

ــــــــــــ

( ١ ) الطبعة المصرية ٢ : ١٢١ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ١٦٧ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٣٧٥ .

( ٤ ) الغارات للثقفي ١ : ٦٨ .

٥٦١

أرى لو ولوك أمر هذه الامّة أجزأته . قال : يا أبا مريم ، أنا صاحبك الذي عهدت ،

و لكنّي منيت بأخبث قوم على وجه الأرض ، أدعوهم إلى الأمر فلا يتّبعوني ،

فإذا تابعتهم على ما يريدون تفرّقوا عنّي .

« إن امهلتم خضتم » الأصل في الخوض : الدخول في الماء ، و يأتي للدخول في حديث الناس .

« و إن حوربتم خرتم » من : خار يخور ، أي : ضعفتم و انكسرتم .

« و إن اجتمع النّاس على إمام طعنتم » و في نسخة ابن ميثم ١ : « ظعنتم » .

« و إن اجئتم » أي : جي‏ء بكم .

« إلى مشاقّة » أي : مغالظة العدو .

« نكصتم » أي : رجعتم على أعقابكم .

« لا أبا لغيركم » أي : الرداءة لغيركم .

« ما تنظرون » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( ما تنتظرون ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) .

« بنصركم ربّكم » هكذا في ( المصرية ) ، و كلمة ( ربّكم ) زائدة لعدم وجودها في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) .

« و الجهاد على حقكم » لأنّهم كانوا هم المسلمين دون معاوية و أصحابه ،

فبلاد الإسلام كان واجبا أن تكون تحت أيديهم ، يعني مع إمارته عليه السّلام .

« لئن جاء يومي » جاء عليه السّلام ب ( إن ) الموضوعة للشك لكون جوابه « ليفرّقن . . . » غير متحقق الوقوع دون شرطه ، و لذا جاء بالاستدراك و قال :

« و ليأتينّي » بالتشديد .

« ليفرّقن بيني و بنيكم و أنا » الواو للحالية .

ــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٣٧٥ .

٥٦٢

« لكم » هكذا في ( المصرية ) ١ ، و الصواب : ( لصحبتكم ) كما في ( ابن أبي الحديد ٢ و ابن ميثم ٣ و الخطية ) .

« قال » من القلى ، أي : مبغض .

« و بكم غير كثير » قال الكراجكي في ( كنزه ) : روى أنّ هذه الأبيات له عليه السّلام :

أخذتكم درعا حصينا لتدفعوا

سهام العدى عنّي فكنتم نصالها

فإن أنتم لم تحفظوا لمودّتي

ذماما فكونوا لا عليها و لا لها

قفوا موقف المعذور عنّي بجانب

و خلّوا بنا للعدى و نبالها

« للّه أنتم أما دين يجمعكم ، و لا حمية تشحذكم » من : شحذت السكين ، إذا حددته ، و مرّ في سابقه بلفظ « تحمشكم » .

« أ و ليس عجبا أنّ معاوية يدعو الجفاة » جمع الجافي ، أي : الغلاظ .

« الطغام » أرذال الناس و أوغادهم ، قال :

فما فضل اللبيب على الطغام

« فيتبعونه على غير معونة و لا عطاء » قال ابن أبي الحديد ٤ : المعونة للجند : شي‏ء يسير برسم ترميم أسلحتهم و إصلاح دوابّهم ، و يكون ذلك خارجا عن العطاء المفروض شهرا فشهرا .

قلت : العطاء أيضا أعمّ من فرض الشهر ، إنّما فرض الشهر يقال له :

الرزق ، و لازم ما قال من كون العطاء الشي‏ء المفروض أن يكون جند معاوية بدون أرزاق ، و هو غير ممكن ، و إنّما لم يكن يعطيهم عطايا زائدة و معونات زائدة .

ــــــــــــ

( ١ ) الطبعة المصرية ٢ : ١٢١ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ٦٧ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٣٧٥ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ٧١ .

٥٦٣

« و أنا أدعوكم و أنتم تريكة الإسلام » قال ابن أبي الحديد ١ : التريكة : بيضة النعام تتركها في مجتمها ، أي : أنتم خلف الإسلام و بقيّته كالبيضة التي يتركها النعامة .

و تبعه من تأخّر عنه و هو خطأ ، فبيضة النعامة رذيلة لا فضيلة ، فمن أمثال العرب : أرذل من بيضة النعامة . قال الكرماني في ( أمثاله ) تترك النعامة بيضتها في فلاة من الأرض فلا ترجع إليها . . . .

و الصواب : أنّها بمعنى البقيّة ، ففي ( النهاية ) ٢ في حديث الحسن : « ( إنّ للّه ترائك في خلقه ) أراد امورا أبقاها اللّه في العباد . . . » فيكون المعنى : أنتم الذين ترككم الإسلام من أفراده و ملّته .

« و بقية الناس » قال ابن أبي الحديد ٣ : هذا الكلام في غاية اللطف ، و معناه :

أنّ باقي الناس غير اتباعه لا يقال لهم : الناس ، لعدم وجود الإنسانية فيهم ،

فكأنّ الناس انقرضوا إلاّ أتباعه عليه السّلام فهم بقيّتهم التي بقوا منهم .

« إلى المعونة و طائفة من العطاء ، فتتفرقون عنّي و تختلفون عليّ » روى ( غارات الثقفي ) ٤ خطبته عليه السّلام في غارة بسر إلى أن قال إنّ من ذلّ المسلمين و هلاك الدين أنّ ابن أبي سفيان يدعو الأرذال و الأشرار فيجاب ،

و أدعوكم و أنتم الأفضلون الأخيار فتراوغون و تدافعون ، ما هذا بفعل المتّقين .

قال ابن أبي الحديد ٥ : كان معاوية يعطي الرؤساء و لا يعطي الأتباع ،

ــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ٧١ .

( ٢ ) النهاية ١ : ١٨٨ .

( ٣ ) لم نعثر على نص العبارة في الفصل .

( ٤ ) الغارات للثقفي ٢ : ٦٢٥ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ٧١ .

٥٦٤

و أمّا هو عليه السّلام فكان يقسم بين الرؤساء و الأتباع ، و لا يرى لشريف على مشروف فضلا .

قلت : روى الثقفي ١ : أنّ أشراف الكوفة كانوا غاشّين له عليه السّلام و كان هواهم مع معاوية لأنّه عليه السّلام كان لا يعطي أحدا من الفي‏ء أكثر من حقّه ، و كان معاوية جعل الشرف في العطاء ألفي درهم .

ثمّ كان عجبا كما قال عليه السّلام و فوق العجب أنّ معاوية و كان معدن كلّ فجور و كفر ، و منكرا للكتاب و السنّة لمّا أراد بالصورة و الخدعة أن يبايعه الناس على الكتاب و السنة يقول له مالك بن هبيرة الكندي من رجال الشام :

جعلت للسفهاء مقالا ، ابسط يدك ابايعك على ما أحببنا و كرهنا :

ألا كلّ ملك ضمّه الشرط هالك

و ينكر جمع منهم بيعة عدّة له عليه السّلام على أنّهم أولياء من و إلى و أعداء من عادى ، مع أنّه عليه السّلام كان مظهر الكتاب و السنّة قولا و عملا .

« إنّه لا يخرج إليكم من أمري رضا فترضونه ، و لا سخط فتجتمعون عليه » قال ابن أبي الحديد ٢ : يعني أنّكم لا تقبلون ممّا أقول لكم شيئا ، سواء كان ممّا يرضيكم أو يسخطكم .

قلت : بل يعني عليه السّلام أنّه كلّ ما خرج إليكم من أمري شي‏ء فيه رضاي ،

و كان الواجب عليكم الرضا به لا ترضونه ، و كلّ ما خرج إليكم من أمري شي‏ء فيه سخطي ، و كان الواجب عليكم أن تسخطوا منه جميعا لا تجتمعون على السخط منه ، و ما قاله من عدم رضاهم بما يرضيهم لا معنى له .

ــــــــــــ

( ١ ) الغارات للثقفي ١ : ٤٤ ٤٥ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد : ٧١ .

٥٦٥

و روى ( غارات الثقفي ) ١ في غارة الغامدي : أنّه عليه السّلام قال في خطبته : قد عاتبتكم في رشدكم حتى سئمت ، و راجعتموني بالهزء من قولكم حتى برمت ،

هزء من القول لا يعاذ به ، و خطل لا يعزّ أهله ، و لو وجدت بدّا من خطابكم و العتاب إليكم ما فعلت ، فردوا خيرا و افعلوه ، و ما أظن أن تفعلوا .

« و إنّ أحبّ ما أنا لاق إليّ الموت » هكذا في النسخ ، و كأنّه محرف : ( و إنّ أحب ما أنا لاقيه الموت ) .

و كيف كان ، ففي ( العقد ) قالت الحكماء : أشدّ من الموت ما إذا نزل بك أحببت له الموت ، و أطيب من العيش ما إذا فارقته أبغضت له العيش .

« قد دارستكم الكتاب » قال ابن أبي الحديد ٢ : أي دارسته عليكم . دارست الكتب و تدارستها و ادرستها و درستها بمعنى ، و هي من الألفاظ القرآنية .

قلت : لم نقف على من ذكر ( ادرس ) و إنّما في القرآن مجردة : ( درست و درسوا و تدرسون ) ثم الظاهر أنّ المراد : علّمتكم درس القرآن و تفسيره ، فإنّ الأصل في تفسيره هو عليه السّلام .

« و فاتحتكم الحجاج » أي : فتحت لكم أبواب المحاجّة في الدين ، و هو عليه السّلام أوّل من علّم الناس الاحتجاج في دين اللّه ، و قال ابن أبي الحديد ٣ : أي حاكمتكم بالمحاجّة ، و هو كما ترى .

« و عرّفتكم ما أنكرتم » ممّا لبسه المتقدّمون عليه ، على الناس .

« و سوغتكم » الأصل فيه : ساغ الشراب : سهل مدخله في الحلق .

« ما مججتم » و الأصل في المج : مج الشراب من فيه ، إذا رمى به ، و المراد :

ــــــــــــ

( ١ ) الغارات للثقفي ٢ : ٤٧٤ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ٧٢ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ٧٢ .

٥٦٦

ردّهم إلى السنن من بدع المتقدّمين عليه .

« لو كان الأعمى يلحظ » أي : يبصر .

« و النائم يستيقظ » أي : يسمع و يفهم ، أي : كما أنّ لحظ الأعمى و تيقّظ النائم محال ، كذلك محال أن تفهموا بعد أن دارستكم الكتاب ، و فاتحتكم الحجاج و عرّفتكم ما أنكرتم و سوّغتكم ما مججتم مقامي و أنّي من جعله اللّه إماما للناس ، و أنّ المتقدّمين عليه كانوا ضالّين . . . أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتّبع أمّن لا يهدّي إلاّ أن يهدى فما لكم كيف تحكمون ١ .

و قال ابن أبي الحديد ٢ : أيضا : معنى الكلام قد فعلت معكم ما يقتضي حصول الاعتقادات الحقيقية في أذهانكم ، لو أزلتم عن قلوبكم ما يمنع من حصولها ، من الهوى و العصبية و الإصرار على اللجاج ، و محبّة نصرة عقيدة قد سبقت إلى القلب ، و زرعها فيه التعصّب و مشقّة مفارقة الاسلاف الذين قد انغرس في النفس تعظيمهم ، و مالت القلوب إلى تقليدهم لحسن الظن بهم .

« و أقرب بقوم من الجهل باللّه قائدهم معويه ، و مؤدّبهم ابن النابغة » أي :

عمرو بن العاص ، و في ( الطبري ) ٣ عن زيد بن وهب : مرّ عليّ عليه السّلام في صفّين على جماعة من أهل الشام فيهم الوليد بن عقبة و هم يشتمونه ، فخبر بذلك فوقف في من يليهم من أصحابه فقال : انهدوا إليهم و عليكم السكينة و وقار الإسلام و سيماء الصالحين ، فو اللّه لأقرب قوم من الجهل قوم قائدهم و مؤدبهم معاوية و ابن النابغة و أبو أعور السلمي ، و ابن أبي معط شارب الخمر المجلود حدّا في الإسلام ، و هم أوّل من يقومون فينقصونني .

ــــــــــــ

( ١ ) يونس : ٣٥ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ٧٢ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٥ : ٤٥ .

٥٦٧

و في ( طرائف ابن طاووس ) عن بعضهم في معاوية و عمرو في تغييرهما السنّة في التختم من اليمين إلى الشمال :

سنّ التختّم في اليمين محمّد

للقائلين بدعوة الإخلاص

فسعى ابن هند في إزالة رسمه

و أعانه في ذلك ابن العاص

هذا ، و لابن أبي نعيم في يحيى بن أكثم القاضي و الخليفة العباسي و امرائهم :

أميرنا يرتشي و حاكمنا

يلوط و الراس شرّ ما راس

قاض يرى الحدّ في الزنا و لا

يرى على من يلوط من باس

ما أحسب الجور ينقضي و على

الامّة وال من بني العبّاس

٨

الخطبة ( ٦٦ ) و من كلام له عليه السّلام لمّا قلّد محمّد بن أبي بكر مصر فملكت عليه فقتل :

وَ قَدْ أَرَدْتُ تَوْلِيَةَ ؟ مِصْرَ ؟ ؟ هَاشِمَ بْنَ عُتْبَةَ ؟ وَ لَوْ وَلَّيْتُهُ إِيَّاهَا لَمَّا خَلَّى لَهُمُ اَلْعَرْصَةَ وَ لاَ أَنْهَزَهُمُ اَلْفُرْصَةَ بِلاَ ذَمٍّ ؟ لِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ؟ فَلَقَدْ كَانَ إِلَيَّ حَبِيباً وَ كَانَ لِي رَبِيباً أقول : قال ابن أبي الحديد ١ : روى المدائني : أنّ عليّا عليه السّلام قال : رحم اللّه محمدا ، كان غلاما حدثا ، لقد كنت أردت أن اولّي المرقال هاشم بن عتبة مصرا ، فإنّه و اللّه لو وليها ما خلّى لابن العاص و أعوانه العرصة ، و لا قتل إلاّ و سيفه في يده ، بلا ذمّ لمحمّد ، فلقد أحمد نفسه و قضى ما عليه .

قلت : و روى الطبري ٢ عن أبي مخنف مثله ، لكن فيه : « و أعوانه الفجرة » ،

ــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٦ : ٩٣ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٥ : ١١٠ .

٥٦٨

و فيه : « فقد اجتهد نفسه » .

قول المصنف : « و من كلام له عليه السّلام لمّا قلّد » قال الجوهري : « قلّدت المرأة فتقلدت هي » . و منه التقليد في الدين ، و تقليد الولاة الأعمال .

« محمد بن أبي بكر مصر فملكت عليه فقتل » هكذا في ( المصرية ) ١ و الصواب : ( و قتل ) كما في ( ابن أبي الحديد ٢ و ابن ميثم ٣ و الخطية ) .

ثمّ إنّ ابن أبي الحديد ٤ نقل مقتله من ( غارات الثقفي ) ٥ ، و أنقله من ( تاريخ الطبري ) ٦ ، فروى عن أبي مخنف : أنّ أهل الشام لمّا انصرفوا من صفّين كانوا ينتظرون ما يأتي به الحكمان ، فلمّا انصرفا و تفرّقا بايع أهل الشام معاوية بالخلافة و لم يزدد إلاّ قوّة ، و اختلف الناس بالعراق على عليّ عليه السّلام ، فما كان لمعاوية هم إلاّ مصر ، و كان لأهلها خائفا لقربهم منه و شدّتهم على من كان على رأي عثمان ، و قد كان على ذلك علم أنّ بها قوما ساءهم قتل عثمان و خالفوا عليّا عليه السّلام ، و كان يرجو أن يكون إذا ظهر عليها ظهر على حرب عليّ لعظم خراجها ، فدعا من كان معه من قريش : عمرو بن العاص و حبيب بن مسلمة و بسر بن أبي أرطاة و الضحّاك بن قيس و عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، و من غيرهم : أبا الأعور السلمي و حمزة بن مالك الهمداني و شرحبيل الكندي ، فقال لهم : أتدرون لم دعوتكم ؟ فقال عمرو : أهمّك أمر هذه البلاد الكثير خراجها و الكثير عددها ، فاعزم و اقدم ، و نعم الرأي رأيت .

ــــــــــــ

( ١ ) الطبعة المصرية ١ : ١١٣ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٦ : ٥٣ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٢ : ١٨٦ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٦ : ٨٤ ٨٧ .

( ٥ ) الغارات للثقفي ١ : ٢٧٠ .

( ٦ ) تاريخ الطبري ٥ : ٩٧ .

٥٦٩

فقال معاوية : رأيتم كيف صنع اللّه بكم ؟ جاءكم عدوّكم و هم لا يرون إلاّ أنّهم سيقيضون بيضتكم و يخرّبون بلادكم . فكتب عند ذلك معاوية إلى مسلمة بن مخلد الأنصاري و إلى معاوية بن حديج الكندي و كانا خالفا عليّا عليه السّلام :

فاصبروا و صابروا عدوّكما ، و ادعوا المدبر هداكما و كأن الجيش قد أظل عليكما ، فانقشع كلّ ما تكرهان و كان كلّ ما تهويان إلى أن قال في جواب مسلمة لمعاوية عجّل علينا خيلك و رجلك فإنّ عدوّنا قد كان علينا حربا و كنّا فيهم قليلا ، فقد أصبحوا لنا هائبين و أصبحنا لهم مقرنين ، فإن يأتنا اللّه بمدد من قبلك يفتح اللّه عليكم إلى أن قال فبعث معاوية عمرا في ستة آلاف رجل فخرج يسير حتى نزل أدنى أرض مصر ، فاجتمعت العثمانية إليه فأقام بهم و كتب إلى محمّد بن أبي بكر : تنحّ عنّي بدمك يا بن أبي بكر فإنّي لا احب أن يصيبك منّي ظفر ، إنّ النّاس بهذه البلاد قد اجتمعوا على خلافك و رفض أمرك و ندموا على اتباعك ، فهم مسلّموك لو قد التقت حلقتا البطان فاخرج منها فإنّي لك من الناصحين . و بعث عمرو كتابه مع كتاب معاوية إلى محمّد ، و في كتاب معاوية : إنّ غب البغي و الظلم عظيم الوبال ، و إنّ سفك الدم الحرام لا يسلم صاحبه من النقمة في الدنيا و من التبعة الموبقة في الآخرة ، و إنّا لا نعلم أحدا كان على عثمان أعظم بغيا و لا أسوأ له عيبا و لا أشدّ خلافا عليه منك ، سعيت عليه في الساعين و سكفت دمه في السافكين ، ثمّ تظنّ أنّي عنّك نائم أو ناس لك ، حتى تؤمّر فتأمر على بلاد أنت فيها جاري و جلّ أهلها أنصاري ، يرون رأيي و يرقبون قولي و يستصرخوني عليك ؟ و قد بعثت إليك أقواما خناقا عليك ، يستسقون دمك و قد أعطوا اللّه عهدا ليمثّلن بك ، و لو لم يكن منهم إليك ما عدا قتلك ما حذّرتك و لا أنذرتك و لا أحببت أن يقتلوك بظلمك و قطيعتك و عدوك على عثمان ، يوم تطعن بمشاقصك بين خششائه و أوداجه ، و لكن

٥٧٠

أكره أن امثّل بقرشي ، و لن يسلّمك اللّه من القصاص أبدا أينما كنت . فطوى محمد بن أبي بكر كتابيهما و بعث بهما إلى عليّ عليه السّلام و كتب معهما : إنّ ابن العاص قد نزل أدنى أرض مصر في لجب من جيش خرب ، و إنّ من كان بها على مثل رأيه خرج إليه ، و قد رأيت ممّن قبلي بعض الفشل ، فإن كان لك في أرض مصر حاجة فأمدني بالرجال و الأموال . فكتب إليه عليّ عليه السّلام : جاءني كتابك تذكر أنّ ابن العاص نزل بأدنى أرض مصر ، و أنّ من كان بها على مثل رأيه خرج إليه ، و خروج من يرى رأيه إليه خير لك من إقامتهم عندك ، و ذكرت أنّك قد رأيت في بعض ممّن قبلك فشلا ، فلا تفشل و إن فشلوا ، حصّن قريتك و اضمم إليك شيعتك ، و اندب إلى القوم كنانة بن بشر المعروف بالنّصيحة و النجدة و البأس ، فإنّي نادب إليك النّاس على الصعب و الذلول ، فاصبر لعدوّك و امض على بصيرتك ، و قاتلهم على نيّتك و جاهدهم صابرا محتسبا ، و إن كانت فئتك أقل الفئتين فإنّ اللّه قد يعزّ القليل و يخذل الكثير . و قد قرأت كتاب الفاجر ابن الفاجر معاوية و الفاجر ابن الكافر عمرو ، المتحابّين في عمل المعصية و المتوافقين المرتشين في الحكومة ، المنكرين في الدنيا ( قد استمتعوا بخلاقهم كما استمتع الذين من قبلهم بخلاقهم ) ١ ، فلا يهلك إرعادهما و إبراقهما و أجبهما ، إن كنت لم تجبهما بما هما أهله فإنّك تجد مقالا ما شئت .

فكتب محمد بن أبي بكر إلى معاوية جواب كتابه : أتاني كتابك تذكّرني من أمر عثمان أمرا لا أعتذر إليك منه ، و تأمرني بالتنحّي عنك كأنّك لي ناصح ،

و تخوّفني المثلة كأنّك شفيق ، و أنا أرجو أن تكون لي الدائرة عليكم فأجتاحكم في الوقعة ، و أن تؤتوا النصر و يكن لكم الأمر في الدنيا ، فكم لعمري ما من

ــــــــــــ

( ١ ) اقتباس من سورة التوبة : ٦٩ .

٥٧١

ظالم قد نصرتم ، و كم من مؤمن قد قتلتم و مثّلتم به ، و إلى اللّه مصيركم و مصيرهم ، و إلى اللّه مرد الامور و هو أرحم الراحمين و هو المستعان على ما تصفون .

و كتب إلى عمرو : زعمت أنّك تكره أن يصيبني منك ظفر ، و أشهد أنّك من المبطلين ، و تزعم انّك لي نصيح ، و اقسم أنك عندي ظنين ، و تزعم أنّ أهل البلد قد رفضوا رأيي و ندموا على اتباعي ، فاولئك لك و للشيطان الرجيم أولياء ، و حسبنا اللّه رب العالمين .

فأقبل عمرو حتى قصد مصر ، فقام محمد في الناس فقال : معاشر المسلمين و المؤمنين ، إنّ القوم الذين كانوا ينتهكون الحرمة و ينعشون الضلال ، و يشبّون نار الفتنة و يتسلّطون بالجبرية ، قد نصبوا لكم العداوة و ساروا إليكم بالجنود . عباد اللّه ، فمن أراد الجنّة و المغفرة فليخرج إلى هؤلاء القوم فليجاهدهم . فلمّا دنا عمرو من كنانة سرّح الكتائب كتيبة بعد كتيبة ،

فجعل كنانة لا تأتيه كتيبة إلاّ شدّ عليها بمن معه حتى يقربها بعمرو ، فعل ذلك مرارا ، فلمّا رأى عمرو ذلك بعث إلى معاوية بن حديج فأتاه في مثل الدّهم ،

فأحاط بكنانة و أصحابه و اجتمع أهل الشام عليهم من كلّ جانب ، فلمّا رأى ذلك كنانة نزل عن فرسه و نزل أصحابه و كنانة يقول : و ما كان لنفس أن تموت إلاّ بإذن اللّه كتابا مؤجّلا و من يرد ثواب الدنيا نؤته منها و من يرد ثواب الآخرة نؤته منها و سنجزي الشاكرين ١ . فضاربهم بسيفه حتى استشهد .

و أقبل عمرو نحو محمّد و قد تفرّق عنه أصحابه لمّا بلغهم قتل كنانة حتى بقي و ما معه أحد من أصحابه ، فلمّا رأى ذلك خرج يمشي في الطريق حتى انتهى إلى خربة في ناحية الطريق فأوى إليها ، و جاء عمرو حتى دخل

ــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ١٤٥ .

٥٧٢

الفسطاط ، و خرج معاوية بن حديج في طلب محمد حتى انتهى إلى علوج في قارعة الطريق ، فسألهم : هل مرّ بكم أحد تنكرونه ؟ فقال أحدهم : إنّي دخلت تلك الخربة فإذا أنا برجل فيها جالس . فقال ابن حديج : هو و ربّ الكعبة . فانطلقوا يركضون حتى دخلوا عليه فاستخرجوه و قد كاد يموت عطشا ، فأقبلوا به نحو فسطاط مصر ، و وثب أخوه عبد الرحمن بن أبي بكر إلى عمرو و كان في جنده فقال : أتقتل أخي صبرا ؟ ابعث إلى ابن حديج فانهه . فبعث إليه عمرو يأمره أن يأتيه بمحمد ، فقال : قتلتم كنانة و اخلّي أنا عن محمد ؟ هيهات أ كفاركم خير من اولئكم أم لكم براءة في الزبر ١ ؟ فقال لهم محمد :

اسقوني . فقال ابن حديج : لا سقاه اللّه ان سقاك قطرة أبدا ، إنّكم منعتم عثمان أن يشرب الماء حتى قتلتموه صائما محرما ، فتلقاه اللّه بالرحيق المختوم ، و اللّه لأقتلنّك يا بن أبي بكر فيسقيك اللّه الحميم و الغسّاق . فقال له محمد : يابن اليهودية النسّاجة ، ليس ذلك إليك و لا إلى من ذكرت ، إنّما ذلك إلى اللّه عز و جل ،

يسقي أولياءه و يظمى‏ء أعداءه أنت و ضرباؤك و من تولاه ، أما و اللّه لو كان سيفي في يدي ما بلغتم منّي هذا . قال له ابن حديج : أتدري ما أصنع بك ؟ ادخلك في جوف حمار ثم احرقه عليك بالنار . فقال له محمد : إن فعلتم ذلك بي فطالما فعل ذلك بأولياء اللّه ، و إنّي لأرجو هذه النار التي تحرقني بها ، أن يجعلها اللّه عليّ بردا و سلاما كما جعلها على خليله إبراهيم عليه السّلام ، و إن يجعلها عليك و على أوليائك كما جعلها على نمرود و أوليائه ، إنّ اللّه يحرقك و من ذكرته قبل يعني : عثمان و امامك يعني : معاوية و هذا و أشار إلى عمرو بنار تلظى عليكم كلّما خبت زادها اللّه سعيرا . قال له ابن حديج : إنّي إنّما أقتلك بعثمان . قال له محمد . و ما أنت و عثمان ؟ إنّ عثمان عمل بالجور و نبذ حكم القرآن ، و قد قال

ــــــــــــ

 ( ١ ) القمر : ٤٣ .

٥٧٣

تعالى : و من لم يحكم بما أنزل اللّه فاولئك هم الفاسقون ١ فنقمنا عليه ذلك ،

و حسنت أنت و نظراؤك له ذلك ، فقد برّأنا اللّه تعالى من ذنبه ، و أنت شريكه في إثمه و عظم ذنبه و جاعلك على مثاله . فغضب ابن حديج فقدمه فقتله ، ثمّ ألقاه في جيفة حمار ثم أحرقه بالنار .

قوله عليه السّلام : « و قد أردت تولية مصر هاشم بن عتبة » إنّ هاشما و إن كان قتل في صفّين سنة ( ٣٧ ) و قتل محمّد بن أبي بكر في مصر كان في سنة ( ٣٨ ) إلاّ أنّ توليته عليه السّلام لمحمّد كان قبل صفّين بعد عزل قيس بن سعد بن عبادة عنها ،

و أراد عليه السّلام تولية هاشم فطلب منه عليه السّلام ابن أخيه عبد اللّه بن جعفر أخو محمّد لامّه تولية محمّد .

« و لو ولّيته » أي : هاشما .

« إيّاها » يعني : مصر .

« لما خلّى لهم العرصة » قال ابن دريد : عرصة الدار : ما لا بناء فيه . و مثله الجوهري ، و في ( الأساس ) : قال النضر : لو جلست في بيت من بيوت الدار كنت جالسا في العرصة ، بعد ألاّ تكون في العلو .

و كيف كان ، فعدم تخلية العرصة كناية عن عدم اعطائهم المهلة .

« و لا أنهزهم الفرصة » يعني : لا يعطيهم فرصة يغتنمونها ، هذا ، و قد عرفت أنّ الطبري و المدائني رويا بدل « و لا أنهزهم الفرصة » : « و لمّا قتل إلاّ و سيفه في يده » .

هذا ، و هاشم ابن أخي سعد بن أبي وقاص و في ( الاستيعاب ) ٢ كانت راية عليّ عليه السّلام على الرجّالة يوم صفّين بيده ، و هو القائل يوم صفّين :

ــــــــــــ

( ١ ) المائدة : ٤٧ .

( ٢ ) الاستيعاب ٣ : ٦١٩ ٦٢٠ .

٥٧٤

أعور يبغي أهله محلاّ

قد عالج الحياة حتى ملاّ

لا بد أن يفلّ أو يفلاّ

و قطعت رجله يومئذ ، فجعل يقاتل من دنا منه و هو بارك و يقول :

الفحل يحمي شوله معقولا

و قاتل حتى قتل .

و في ( صفّين نصر ) ١ : و لمّا سقط هاشم من طعنة شقّت بطنه رفع رأسه فاذا هو بعبيد اللّه بن عمر بن الخطاب قتيلا إلى جانبه ، فجثا حتى دنا منه فعضّ على ثديه حتى تبيّنت فيه أنيابه ، ثمّ مات و هو على صدر عبيد اللّه .

و فيه ٢ : كان عليّ عليه السّلام قال لهاشم كهيئة المازح : أبا هاشم ، أما تخشى من نفسك أن تكون أعور جبانا ؟ فقال : ستعلم يا أمير المؤمنين ، و اللّه لألفنّ بين جماجم القوم لفّ رجل ينوي الآخرة . . . .

و فيه ٣ : مرّ عليّ عليه السّلام يوم صفّين على هاشم و على عصابة من أسلم من القراء اصيبوا معه فقال :

جزى اللّه خيرا عصبة أسلمية

صباح الوجوه صرّعوا حول هاشم

و في ( الاستيعاب ) ٤ : فقئت عينه يوم اليرموك ، و افتتح جلولاء الذي يقال له : فتح الفتوح ، و كان سبب الفتح على المسلمين في القادسية .

« بلا ذم لمحمّد » لأنّه جاهد حتى لم يبق معه أحد .

« فلقد كان إليّ حبيبا و كان لي ربيبا » هكذا رواية المصنّف ، و قد عرفت أنّ المدائني و الطبري رويا بدل هذا الكلام : « فلقد اجتهد نفسه و قضى ما عليه »

ــــــــــــ

( ١ ) صفّين لنصر بن مزاحم : ٣٥٥ .

( ٢ ) صفّين لنصر بن مزاحم : ٣٢٧ .

( ٣ ) صفّين لنصر بن مزاحم : ٣٥٦ .

( ٤ ) الاستيعاب ٣ : ٦١٧ .

٥٧٥

و هو الأنسب بقوله : « بلا ذم لمحمّد » دون ما نقله المصنّف ، فحبيب الإنسان كربيبه قد يكون مذموما ، قال تعالى لنبيه صلّى اللّه عليه و آله : إنّك لا تهدي من أحببت . . . ١ .

و الظاهر أنّه عليه السّلام قال هذا الكلام ، غير متصل بذلك الكلام فقال المدائني:

قيل لعليّ عليه السّلام : لقد جزعت على محمّد بن أبي بكر ؟ فقال : و ما يمنعني ؟ إنّه كان لي ربيبا ، و كان لي أخا ، و كنت له والدا . أعدّه ولدا و مثله المسعودي ٢ فقال :

قال عليه السّلام : ما جزعت على هالك منذ دخلت هذه الحرب جزعي عليه ، كان لي ربيبا و كنت أعدّه ولدا ، كان بي برّا . . . .

و كيف كان ، كان محمّد ربيبه عليه السّلام لأنّه تزوّج بامّه أسماء بنت عميس و ربّاه عليه السّلام لأنّه كان يوم موت أبيه ابن ثلاث ، و في ( الكشي ) : كانت نجابته من قبل امّه أسماء .

و في ( المروج ) ٣ : لمّا وصل محمّد إلى مصر بعد قيس كتب إلى معاوية بعد ذكر بعث اللّه تعالى لنبيه صلّى اللّه عليه و آله : فكان أوّل من أجاب و أناب و آمن و صدّق و أسلم و سلّم : أخوه و ابن عمّه عليّ بن أبي طالب ، صدّقه بالغيب المكتوم و آثره على كلّ حميم ، و وقاه بنفسه كلّ هول و حارب حربه و سالم سلمه ، فلم يبرح مبتذلا لنفسه في ساعات الليل و النهار و الخوف و الجوع ، حتى برز سابقا لا نظير له في من اتّبعه و لا مقارب له في فعله ، و قد رأيتك تساميه و أنت أنت و هو هو ، أصدق الناس نيّة و أفضل الناس ذرية ، و خير الناس زوجة و أفضل الناس ابن عمّ و أخوه الشاري بنفسه يوم موته ، و عمّه سيد الشهداء

ــــــــــــ

( ١ ) القصص : ٥٦ .

( ٢ ) المسعودي ٢ : ٤٠٩ .

( ٣ ) مروج الذهب ٣ : ١١ .

٥٧٦

يوم احد و أبوه الذابّ عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و عن حوزته ، و أنت اللعين ابن اللعين لم تزل أنت و أبوك تبغيان للنبي صلّى اللّه عليه و آله الغوائل ، و تجهدان في إطفاء نور اللّه ،

تجمعان على ذلك الجموع و تبذلان فيه المال و تؤلّبان عليه القبائل ، على ذلك مات أبوك و عليه خلفته ، و الشهيد عليك من يدنى و يلجأ إليك من بقية الأحزاب و رؤساء النفاق ، و الشاهد لعليّ عليه السّلام مع فضله المبين القديم انصاره الذين معه ، الذين ذكرهم اللّه بفضلهم و أثنى عليهم من المهاجرين و الأنصار ، فكيف يا لك الويل تعدل نفسك بعليّ عليه السّلام و هو وارث النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و وصيّه و أبو ولده ، أوّل الناس له اتباعا و أقربهم به عهدا ، يخبره بسرّه و يطلعه على أمره ،

 أنت عدوّه ؟ فتمتّع في دنياك ما استطعت بباطلك و ليمددك ابن العاص في غوايتك ، فكأنّ أجلك قد انقضى إلى أن قال فكتب : من معاوية بن صخر إلى الزاري على أبيه محمّد بن أبي بكر : أتاني كتابك و لأبيك فيه تعنيف ، ذكرت فيه فضل ابن أبي طالب و قديم سوابقه و قرابته إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و مواساته إيّاه في كلّ هول و خوف ، فقد كنّا و أبوك فينا نعرف فضل ابن أبي طالب و حقّه لازما لنا مبرورا علينا ، فلمّا قبض اللّه نبيّه كان أبوك و فاروقه أوّل من ابتزه حقّه و خالفه على أمره ، على ذلك اتّفقا و اتّسقا ثم إنّهما دعواه إلى بيعتهما ، فأبطأ عنهما و تلكأ عليهما ، فهمّا به الهموم و أرادا به العظيم ، ثم إنّه بايع لهما و سلّم لهما ، و أقاما لا يشركانه في أمرهما و لا يطلعانه على سرّهما حتى قبضا ، ثم قام ثالثهما عثمان فهدى بهديهما و سار بسيرهما إلى أن قال و قس شبرك بفترك تقصر أن توازن من يزن الجبال بحلمه ، أبوك مهّد مهاده و بنى له ملكه و شاده ، فإن يك ما نحن فيه صوابا فأبوك استبد به و نحن شركاؤه ، و لو لا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب و لسلّمنا إليه ، و لكنّا رأينا أباك فعل ذلك به من قبلنا فأخذنا بمثاله ، فعب أباك بما بدا لك ، أو دع ذلك .

٥٧٧

٩

الكتاب ( ٣٥ ) و من كتاب له عليه السّلام إلى عبد اللّه بن العباس بعد مقتل محمّد بن أبي بكر :

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ ؟ مِصْرَ ؟ قَدِ اِفْتُتِحَتْ وَ ؟ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ؟ رَحِمَهُ اَللَّهُ قَدِ اُسْتُشْهِدَ فَعِنْدَ اَللَّهِ نَحْتَسِبُهُ وَلَداً نَاصِحاً وَ عَامِلاً كَادِحاً وَ سَيْفاً قَاطِعاً وَ رُكْناً دَافِعاً وَ قَدْ كُنْتُ حَثَثْتُ اَلنَّاسَ عَلَى لَحَاقِهِ وَ أَمَرْتُهُمْ بِغِيَاثِهِ قَبْلَ اَلْوَقْعَةِ وَ دَعَوْتُهُمْ سِرّاً وَ جَهْراً وَ عَوْداً وَ بَدْءاً فَمِنْهُمُ اَلْآتِي كَارِهاً وَ مِنْهُمُ اَلْمُعْتَلُّ كَاذِباً وَ مِنْهُمُ اَلْقَاعِدُ خَاذِلاً وَ أَسْأَلُ اَللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ مِنْهُمْ فَرَجاً عَاجِلاً فَوَاللَّهِ لَوْ لاَ طَمَعِي عِنْدَ لِقَائِي عَدُوِّي فِي اَلشَّهَادَةِ وَ تَوْطِينِي نَفْسِي عَلَى اَلْمَنِيَّةِ لَأَحْبَبْتُ أَلاَّ أَبْقَى مَعَ هَؤُلاَءِ يَوْماً وَاحِداً وَ لاَ أَلْتَقِيَ بِهِمْ أَبَداً أقول : رواه الطبري في ( تاريخه ) ١ و الثقفي في ( غاراته ) ٢ بدون قوله :

« ولدا ناصحا و عاملا كادحا و سيفا قاطعا و ركنا دافعا » .

و رويا ٣ أيضا جواب ابن عباس لكتابه عليه السّلام : رحم اللّه محمّد بن أبي بكر و آجرك فيه ، و قد سألت اللّه أن يجعل لك من رعيتك التي ابتليت بها فرجا و مخرجا ، و أن يعزّك بالملائكة عاجلا بالنصرة ، فإنّ اللّه صانع لك ذلك و معزّك و مجيب دعوتك و كابت عدوّك ، اخبرك يا أمير المؤمنين أنّ الناس ربّما تثاقلوا ثم ينشطون ، فارفق بهم . قال الثاني و روي أنّ ابن عباس قدم

ــــــــــــ

( ١ ) التاريخ للطبري ٥ : ١٠٩ .

( ٢ ) الغارات للثقفي ١ : ٢٩٩ .

( ٣ ) الغارات للثقفي ١ : ٣٠٠ .

٥٧٨

من البصرة عليه عليه السّلام فعزّاه به .

و رويا ١ أيضا : أنّه عليه السّلام قام في الناس خطيبا و قال : ألا إنّ مصر قد افتتحها الفجرة اولو الجور و الظلم ، الذين صدوا عن سبيل الإسلام و بغوا الإسلام عوجا ، ألا و إنّ محمّد بن أبي بكر قد استشهد رحمه اللّه فعند اللّه نحتسبه ، أما و اللّه أن كان ما علمت : لممّن ينتظر القضاء و يعمل للجزاء و يبغض شكل الفاجر و يحب هدى المؤمن .

و روى الكليني في ( رسائله ) : أنّ الناس سألوه عن أبي بكر و عمر و عثمان فغضب عليه السّلام و قال : قد تفرغتم للسؤال عمّا لا يعنيكم ، و هذه مصر قد افتتحت و قتل معاوية بن حديج محمّد بن أبي بكر ، فيالها من مصيبة ما أعظمها فو اللّه ما كان إلاّ كبعض بني . و قريب منه في ( خلفاء القتيبي ) .

قول المصنف : « و من كتاب له عليه السّلام إلى عبد اللّه بن العباس » هكذا في ( المصرية ) ٢ و زاد ابن أبي الحديد ٣ و ابن ميثم ٤ بعده : « رحمه اللّه » .

« بعد مقتل محمّد بن أبي بكر » هكذا في ( المصرية ) و فيها سقط فزاد ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) بعده : « بمصر » .

قوله عليه السّلام : « أمّا بعد ، فإنّ مصر قد افتتحت » و كان فتحها في سنة ( ٣٨ ) .

« و محمّد بن أبي بكر قد استشهد » قتل صبرا ثم احرق ، و إنّما قتلوه هكذا لكونه شيعته ، و ما دافع عنه أخوه لأبيه عبد الرحمن بن أبي بكر لذلك ، و إنّما قال لفظا لابن العاص : أتقتلون أخي صبرا . و لو لم يكن شيعته عليه السّلام لمّا قتلوه لكونه ابن أبي بكر و لأخيه عبد الرحمن و لاخته عايشة .

ــــــــــــ

( ١ ) الغارات للثقفي ١ : ٢٩٥ .

( ٢ ) الطبعة المصرية ٣ : ٦٧ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٦ : ١٤٥ .

( ٤ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٧٦ .

٥٧٩

« فعند اللّه نحتسبه » فقد عرفت أنّ مصيبته كانت عليه عليه السّلام عظيمة حتى رؤي ذلك في وجهه .

« ولدا ناصحا » فإنّ الربيب كالولد .

« و عاملا كادحا » أي : مجدّا .

« و سيفا قاطعا و ركنا دافعا » كما عرفت في سابقه من كتابه إلى معاوية في شأنه .

« و قد كنت حثثت النّاس على لحاقه » و دركه .

« و أمرتهم بغياثه قبل الوقعة » أي : إيقاع العدوّ به .

« و دعوتهم سرّا و جهرا و عودا و بدءا » فقال عليه السّلام لهم لمّا جاءه صريخ محمّد:

أخرجوا إلى الجرعة و هي قرية بين الحيرة و الكوفة فوافوني بها هناك غدا .

ثم خرج عليه السّلام يمشي من الغد بكرة إلى الجرعة فأقام بها حتى انتصف النهار فلم يوافه أحد ، فرجع بالعشي إلى أشرافهم و أنّبهم ، فقام مالك بن كعب الأرحبي و قال : اندب الناس معي . فأمر مناديه أن ينتدبوا فخرج معه قليل نحو ألفي رجل ، فقال عليه السّلام له : سر فو اللّه ما أخا لك تدركوا القوم حتى ينقضي أمرهم . و قال عليه السّلام في خطبته بعد شهادة محمّد و أصحابه : و قد دعوتكم إلى غياث إخوانكم منذ بضع و خمسين ليلة ، فتجرجرتم جرجرة الجمل الأشدق .

« فمنهم الآتي كارها و منهم المعتل » أي : الآتي بالعلّة لتخلّفه كاذبا .

« و منهم القاعد خاذلا و أسأل اللّه » هكذا في ( المصرية ) ١ و الصواب : ( اسأل اللّه ) كما في ( ابن أبي الحديد ٢ و ابن ميثم ) ٣ .

ــــــــــــ

( ١ ) الطبعة المصرية ٣ : ٦٧ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٦ : ١٤٥ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٧٦ .

٥٨٠

« أن يجعل منهم » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( أن يجعل لي منهم ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) .

« فرجا عاجلا ، فو اللّه لو لا طمعي عند لقائي عدوّي في الشهادة و توطيني نفسي على المنية » أي : الموت .

« لأحببت ألاّ أبقى مع هؤلاء يوما واحدا ، و لا التقي بهم أبدا » و كان عليه السّلام غير مسرور من الناس بعد عملهم معه يوم السقيفة و لو كانوا مجدين معه ،

فقال عليه السّلام : « لو لا ما أخذ اللّه على العلماء ألاّ يقارّوا على كظّة ظالم و لا سغب مظلوم ، لألقيت حبلها على غاربها و لسقيت آخرها بكأس أوّلها » و كيف و قد عاملوه عليه السّلام تلك المعاملة ، و كان عملهم جزاء من اللّه تعالى لهم بعملهم في السقيفة و في يوم الدار . . . و ما ربك بظلام للعبيد ١ فأبدلهم اللّه به و بأهل بيته أهل بيت الرحمة بني اميّة الشجرة الملعونة في القرآن .

١٠

الخطبة ( ٦٧ ) و من كلام له عليه السّلام :

كَمْ أُدَارِيكُمْ كَمَا تُدَارَى اَلْبِكَارُ اَلْعَمِدَةُ وَ اَلثِّيَابُ اَلْمُتَدَاعِيَةُ كُلَّمَا حِيصَتْ مِنْ جَانِبٍ تَهَتَّكَتْ مِنْ آخَرَ أَ كُلَّمَا أَطَلَّ عَلَيْكُمْ مَنْسِرٌ مِنْ مَنَاسِرِ أَهْلِ ؟ اَلشَّامِ ؟ أَغْلَقَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بَابَهُ وَ اِنْجَحَرَ اِنْجِحَارَ اَلضَّبَّةِ فِي جُحْرِهَا وَ اَلضَّبُعِ فِي وِجَارِهَا اَلذَّلِيلُ وَ اَللَّهِ مَنْ نَصَرْتُمُوهُ وَ مَنْ رُمِيَ بِكُمْ فَقَدْ رُمِيَ بِأَفْوَقَ نَاصِلٍ إِنَّكُمْ وَ اَللَّهِ لَكَثِيرٌ فِي اَلْبَاحَاتِ قَلِيلٌ تَحْتَ اَلرَّايَاتِ وَ إِنِّي لَعَالِمٌ بِمَا يُصْلِحُكُمْ وَ يُقِيمُ أَوَدَكُمْ وَ لَكِنِّي لاَ أَرَى إِصْلاَحَكُمْ بِإِفْسَادِ نَفْسِي أَضْرَعَ اَللَّهُ خُدُودَكُمْ وَ أَتْعَسَ جُدُودَكُمْ لاَ

ــــــــــــ

 ( ١ ) فصّلت : ٤٦ .

٥٨١

تَعْرِفُونَ اَلْحَقَّ كَمَعْرِفَتِكُمُ اَلْبَاطِلَ وَ لاَ تُبْطِلُونَ اَلْبَاطِلَ كَإِبْطَالِكُمُ اَلْحَقَّ أقول : لم يهتد أحد من الشرّاح إلى الأصل في هذه الخطبة ، و قد عرفت في السادس أنّ الأصل فيها في غارة النّعمان بن بشير على عين التمر ، و أنّ ابن أبي الحديد توهّم أنّ تلك الخطبة كانت في غارة النّعمان ، مع أنّ تلك كانت في مقتل محمّد بن أبي بكر في فتح مصر .

روى اليعقوبي في ( تاريخه ) ١ : أنّ معاوية وجّه النّعمان بن بشير فأغار على مالك بن كعب الأرحبي ، و كان عامل عليّ عليه السّلام على مسلحة عين التمر ،

فندب عليّ عليه السّلام الناس فقال : يا أهل الكوفة انتدبوا إلى أخيكم مالك بن كعب، فإنّ النّعمان بن بشير قد نزل به في جمع ليس بكثير ، لعلّ اللّه أن يقطع من الظالمين طرفا . فأبطؤوا و لم يخرجوا فصعد المنبر فتكلّم كلاما خفيّا لم يسمع ، فظنّ الناس أنّه عليه السّلام يدعو اللّه ، ثم رفع صوته فقال : أما بعد ، يا أهل الكوفة ، أكلّما أقبل منسر من مناسر أهل الشام أغلق كلّ امرى‏ء منكم بابه ،

و انجحر في بيته انجحار الضب و الضبع في و جاره ؟ افّ لكم لقد لقيت منكم برحا ، يوما اناجيكم و يوما اناديكم ، فلا إخوان عند النجاء و لا أحرار عند النداء .

ثم دخل بيته فقام عدي بن حاتم و قال للناس : هذا و اللّه الخذلان القبيح .

و روى الطبري ٢ مسندا عن شيخ من بني فزارة قال : بعث معاوية النّعمان بن بشير في ألفين فأتوا عين التمر إلى أن قال فانتهيت إلى عليّ عليه السّلام على المنبر ، و قد سبقني بالتشهد و هو يقول : يا أهل الكوفة ، كلّما سمعتم بمنسر من مناسر أهل الشام أظلكم الجحر كلّ امرى‏ء منكم في بيته و أغلق بابه ، انجحار الضب في جحره و الضبع في وجارها ، المغرور من غررتموه

ــــــــــــ

( ١ ) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٩٥ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٥ : ١٣٣ .

٥٨٢

و من فاز بكم فاز بالسهم الأخيب ، لا أحرار عند اللقاء و لا إخوان ثقة عند النجاء ، ما ذا منيت به منكم ؟ عمى لا تبصرون و بكم لا تنطقون و صمّ لا تستمعون ، إنّا للّه و إنّا إليه راجعون .

لكنّ المستندين خاليان من صدر العنوان إلى « تهتكت من آخر » و إنّما ذكره ( الإرشاد ) ١ في غارة الضحّاك لا هنا .

« و من كلام له عليه السّلام » هكذا في ( المصرية ) ٢ و فيها سقط ، فبعده « في ذمّ أصحابه » كما يشهد له ابن أبي الحديد ٣ و ابن ميثم ٤ و ( الخطية ) .

قوله عليه السّلام : « كم اداريكم كما تدارى البكار » بالكسر : جمع البكر ، بالفتح:

الفتي من الإبل .

« العمدة » أي : المنفضخ داخل سنامها من الركوب و ظاهره صحيح ،

خص عليه السّلام من الإبل البكار المريضة لأن مداراتها أشدّ من مداراة المسنّة المريضة ، و قد شبّههم عليه السّلام في موضع آخر بالآبال من حيث آخر فقال : يا أشباه الإبل غاب عنها رعاؤها ، كلّما اجتمعت من جانب تفرّقت من جانب .

« و الثياب المتداعية » أي : ثياب تدعو كلّ قطعة منها الاخرى إلى الخرق .

« كلّما حيصت » أي : خيطت .

« من جانب تهتكت » أي : تخرّقت .

« من آخر » أي : من جانب آخر ، و للحمدوني في وصف طيلسان خرق منعق .

طيلسان لابن حرب

يتداعى لا مساسا

ــــــــــــ

( ١ ) الإرشاد ١ : ٢٧١ .

( ٢ ) الطبعة المصرية ١ : ١١٣ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٦ : ١٠٢ .

( ٤ ) شرح ابن ميثم ٢ : ١٨٨ .

٥٨٣

قد طوى قرنا فقرنا

و اناسا فاناسا

كبس الأيّام حتى

لم يدع فيه لباسا

و لمّا خاف نصر بن مسلم عامل مروان بن محمّد على خراسان خروج أبي مسلم كتب إلى مروان يستنصره ، فأبطأ فأعاد عليه :

و الثوب إن أنهج فيه البلى

أعيى على ذي الحيلة الصانع

كنّا نداريها فقد مزّقت

و اتسع الخرق على الراقع

« كلّما أطل » بالمهملة ، أي : أشرف ، قال الشاعر :

انا البازي المطل على نمير

« عليكم منسر » بالكسر : قطعة من الجيش يمرّ قدام الجيش الكثير ، قاله الجوهري . و قال ابن دريد : المنسر : ما بين الأربعين إلى الخمسين من الخيل .

« من مناسر أهل الشام أغلق كلّ رجل منكم بابه » و في ( الأغاني ) ١ في وقعة ذي قار : أقبلت الأعاجم يسيرون على تعبيد ، فلمّا رأتهم بنو قيس بن ثعلبة انصرفوا فلحقوا بالحي ، فاستخفوا فسمّي حي بني قيس بن ثعلبة : خفيا .

« و انجحر » بتقديم الجيم ، أي : اختفى .

« انجحار الضبة في جحرها » بتقديم الجيم : ثقبتها في الأرض التي تأوي إليها .

« و الضبع في وجارها » بالكسر و الفتح : سرب الضبع في الأرض ، و في ( أنساب البلاذري ) خرج الياس بن مضر منتجعا و معه أهله و ماله ، فدخلت بين إبله أرنب فنفرت الإبل ، فخرج عمرو بن الياس في طلبها فأدركها ، فسمّاه أبوه :

مدركة ، و خرجت ليلى خلف ابنها مهرولة فقال لها إلياس : إلى اين تخندفين ؟

فسمّيت : خندف ، و خرج عامر في طلب الأرنب فصادها و طبخها ، فقال له أبوه:

ــــــــــــ

( ١ ) الأغاني ٢٤ : ٦٨ .

٥٨٤

أنت طابخة ، و رأى عميرا قد انقمع في المظلّة فهو يخرج رأسه منها ، فقال له :

أنت قمعة .

« و الذليل و اللّه من نصرتموه ، و من رمي بكم فقد رمي بأفوق ناصل » و مرّ في العنوان الخامس : « المغرور و اللّه من غررتموه ، و من فاز بكم فقد فاز و اللّه بالسّهم الأخيب ، و من رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل » و مرّ أنّ معنى أفوق ناصل : سهم منكسر لا نصل فيه .

في ( الأغاني ) : قال الحجاج يوما لجلسائه : ما حرّض عليّ أحد في خروج ابن الأشعث عليّ كما حرض أبو كلدة ، فإنّه نزل عن سرجه في وسط عسكر ابن الأشعث ثم نزع سراويله فوضعه و سلح فوقه و الناس ينظرون إليه ، فقالوا له ويلك أجننت ؟ ما هذا الفعل ؟ قال : كلكم قد فعلتم مثل هذا إلاّ أنّكم سترتموه و أظهرته . فشتموه و حملوا عليّ ، فما أنساهم و هو يقدمهم و يقول :

نحن جلبنا الخيل من زرنجا

مالك يا حجاج منّا منجى

لتبعجنّ بالسيوف بعجا

أو لنفرقن بذاك أحجى

فلقد كاد أهل الشام يومئذ يتضعضعون .

« و إنكم » هكذا في ( المصرية ) ١ و الصواب : ( إنّكم ) كما في ( ابن أبي الحديد ٢ و ابن ميثم ٣ و الخطية ) .

« و اللّه لكثير في الباحات » أي : ساحات الديار .

« قليل تحت الرايات » قال ابن أبي الحديد ٤ : نظيره قول عويف القوافي :

أ لستم أقلّ الناس عند لوائهم

و أكثرهم عند الذبيحة و القدر

ــــــــــــ

( ١ ) الطبعة المصرية ١ : ١١٤ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٦ : ١٠٢ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٢ : ١٨٨ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٦ : ١٠٦ .

٥٨٥

و خرج ١ ابن سعيد العجلي في ثلاثين رجلا بظهر الكوفة فعطعطوا ،

و خالد القسري أمير العراق يخطب على المنبر ففرق و جعل يقول : اطعموني ماء. فقال ابن نوفل :

أخالد لا جزاك اللّه خيرا

و اير في حرامك من أمير

تروم الفخر في أعراب قسر

كأنّك من سراة بني جرير

جرير من ذوي يمن أصيل

كريم الأصل ذو خطر كثير

و امّك علجة و أبوك و غد

و ما الأذناب عدل للصدور

و كنت لدى المغيرة عبد سوء

تبول من المخافة للسرير

لا علاج ثمانية و شيخ

كبير السن ليس بذي ضرير

صرخت من المخافة اطعموني

شرابا ثم بلت على السرير

قلت : و قال الفرزدق كما في ( الأساس ) :

يستيقظون إلى نهاق حميرهم

و تنام أعينهم عن الأوتار

و قال ابن حرثان في اميّة بن خالد بن عبد اللّه بن اسيد :

إذا هتف العصفور طار فؤاده

و ليث حديد النّاب عند الثّرائد

و قال ثابت قطنة كما في ( الأغاني ) ٢ في من فر عن يزيد بن المهلب حتى قتل :

عصافير تنزو في الفساد و في الوغى

إذا راعها روع جماميح بروق

فأنتم على الأدنى اسود مخيفة

و أنتم على الأعداء خزان سملق

ــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ١١١ .

( ٢ ) الأغاني ١٤ : ٢٨٠ .

٥٨٦

و في ( كامل المبرد ) ١ : يروى أنّ أسديا و هذليا تفاخرا فرضيا برجل فقال : إنّي ما أقضي بينكما إلاّ أن تجعلا لي عقدا وثيقا : ألا تشتماني و لا تضرباني ، فإنّي لست في بلاد قومي . ففعلا فقال : أمّا أنت يا أخا بني أسد فكيف تفاخر العرب و أنت تعلم أنّه ليس حي أحبّ إلى الجيش و لا أبغض إلى الضيف و لا أقلّ تحت الرايات منكم ؟ و أمّا أنت يا أخا هذيل فكيف تكلّم الناس و فيكم خلال ثلاث : كان منكم دليل الحبشة على الكعبة ، و منكم خولة ذات النحيين ،

و سألتم النبي صلّى اللّه عليه و آله أن يحل لكم الزّنا ؟ و لكن إن أردتما بيتي مضر فعليكما بهذين الحيين من تميم و قيس ، قوما في غير حفظ اللّه .

هذا ، و وصف النبي صلّى اللّه عليه و آله كما في الخبر الأنصار بضد ما وصف عليه السّلام أهل الكوفة ، فقال لهم : إنّكم لتكثرون عند الفزع ، و تقلّون عند الطمع .

« و إنّي لعالم بما يصلحكم و يقيم أودكم » أي : عوجكم ، قالوا : كان عمرو من بعده إلى زياد إذا أخذوا العصاة نزعوا عمائمهم و أقاموهم للناس ، و أمّا زياد فيضربهم بالسياط ، فجاء بعده مصعب فحلق مع الضرب بالسياط ، فجاء بعده بشر بن مروان فكان يصلب تحت الإبطين و يضرب الأكفّ بالمسامير ،

فأخرج بشر رجلا إلى الرّي فكتب أهله إليه يتشوّقونه ، فأجابهم :

لو لا مخافة بشر أو عقوبته

أو أن يرى شانئي كفي بمسمار

إذن لعطّلت ثغري ثم زرتكم

إنّ المحبّ المعنّى جدّ زوار ٢

فلمّا جاء الحجاج قال : كلّ هذا لعب . فقتل العصاة بالسيف ، فلمّا ولي في سنة ( ٧٥ ) العراق دخل الكوفة قبل البصرة فخطبهم و تهددهم ، ثم قال : ما كانت الولاة تفعل بالعصاة قبلي ؟ فقالوا : كانت تضرب و تحبس . فقال : و لكن ليس

ــــــــــــ

( ١ ) الكامل للمبرد ١ : ٤٠٧ .

( ٢ ) نهج البلاغة ١٢ : ٤٥ .

٥٨٧

لهم عندي إلاّ السيف ، إنّ المسلمين لو لم يغزوا المشركين لغزاهم المشركون ،

و لو ساغت المعصية لأهلها ما كان قوتل عدو و لا جبي في‏ء . ثم جلس لتوجيه الناس فقال : قد أجّلتكم ثلاثا و اقسم باللّه لا يتخلّف أحد من أصحاب المهلب بعدها و لا من أهل الثغور إلاّ قتلته . ثم قال لصاحب حرسه و صاحب شرطته :

إذا مضت ثلاثة أيام فاتخذا سيوفكما . فجاءه عمير بن صابى‏ء البرجميّ بابنه فقال : إنّ هذا أنفع لكم منّي ، هو أشدّ بني تميم أيدا و أجمعهم سلاحا و أربطهم جأشا ، و أنا شيخ كبير عليل . و استشهد جلساءه ، فقال الحجاج : عذرك لواضح ،

و إنّ ضعفك لبيّن و لكنّي أكره أن يجترى‏ء بك الناس عليّ ، و بعد فأنت ابن صاحب عثمان . ثم أمر به فقتل ، فاحتمل الناس و أنّ أحدهم ليتبع بزاده و سلاحه ، و أتى الحجاج البصرة فكان عليهم أشدّ إلحاحا و قد كان أتاهم خبره بالكوفة فتحمّل الناس قبل قدومه فأتاه رجل من بني يشكر و قد كان شيخا كبيرا أعور ، و كان يجعل على عينه العوراء صوفة ، فكان يلقّب ذا الكرسفة فقال للحجاج : إنّ بي فتقا و قد عذرني بشر ، و قد رددت العطاء . فقال :

إنّك عندي لصادق . ثم أمر به فضربت عنقه ، ففي ذلك قال الشاعر :

لقد ضرب الحجاج بالمصر ضربة

تقرقر منها بطن كلّ عريف ١

و عن ابن سبرة قال : إنّا لنتغدّى مع الحجاج إذ جاءه رجل من سليم برجل يقوده ، فقال له : إنّ هذا لعاص . فقال : أنشدك اللّه في دمي ، فو اللّه ما قبضت ديوانا قط و لا شهدت عسكرا ، و إنّي لحائك اخذت من تحت الخف . فقال الحجاج : اضربوا عنقه . فلمّا أحسّ بالسّيف سجد فلحقه السّيف و هو ساجد ،

فامسكنا عن الطعام فأقبل علينا فقال : ما لي صفرت أيديكم و اصفرت

ــــــــــــ

( ١ ) نهج البلاغة ٤ : ١٨٤ .

٥٨٨

وجوهكم و حدّ نظركم من قتل رجل واحد ١ .

« و لكنّي » هكذا في ( المصرية ) ٢ و لكن في ( ابن ميثم و الخطية ) : « و لكني و اللّه » .

« لا أرى إصلاحكم بإفساد نفسي » و في ( الإرشاد ) ٣ قال عليه السّلام : و ما كنت متحرّيا صلاحكم بإفساد نفسي ، و لكن سيسلّط عليكم بعدي سلطان صعب ،

لا يوقر كبيركم و لا يرحم صغيركم و لا يكرم عالمكم و لا يقسم الفي‏ء بالسوية بينكم ، و ليضربنّكم و ليذلنّكم و يجهزنّكم في المغازي و ليقطعنّ سبيلكم ،

و ليحجبنكم على بابه حتى يأكل قويكم ضعيفكم ، ثم لا يبعد اللّه إلاّ من ظلم منكم ، و لقلمّا أدبر شي‏ء ثم أقبل ، و إنّي لأظنّكم في فترة و ما عليّ إلاّ النصح لكم .

و روى ( غارات الثقفي ) ٤ عن فرقد البجلي قال : سمعت عليّا عليه السّلام يقول :

يا معاشر أهل الكوفة ، و اللّه لقد ضربتكم بالدرّة التي أعظ بها السفهاء فما أراكم تنتهون ، و لقد ضربتكم بالسياط التي اقيم بها الحدود فما أراكم ترعوون ، فما بقي إلاّ سيفي ، و إنّي لأعلم الذي يقوّمكم بإذن اللّه ، و لكنّي لا احب أن آتي تلك منكم .

و روى ( روضة الكافي ) ٥ عن الأصبغ قال أتى ابن عمرو ولد أبي بكر و سعد بن أبي وقاص إلى عليّ عليه السّلام و طلبوا منه التفضيل لهم ، فصعد المنبر و قال في خطبته : فلا يقولنّ رجال غمرتهم الدنيا إلى أن قال و قد عاتبتكم بدرّتي التي اعاتب بها أهلي فلم تتالوا، و ضربتكم بسوطي الذي اقيم به حدود

ــــــــــــ

( ١ ) المصدر نفسه .

( ٢ ) الطبعة المصرية ١ : ١١٤ .

( ٣ ) الإرشاد ١ : ٢٨١ .

( ٤ ) الغارات للثقفي ١ : ٤٢ .

( ٥ ) روضة الكافي ٨ : ٣٦٠ ح ٥٥١ .

٥٨٩

ربي فلم ترعووا ، و تريدون أن أضربكم بسيفي ، أما إنّي أعلم الذي تريدون و يقيم أودكم ، و لكن لا أشتري صلاحكم بفساد نفسي ، بل يسلّط اللّه عليكم قوما فينتقم لي منكم ، فلا دنيا استمتعتم بها و لا آخرة صرتم إليها ، فبعدا و سحقا لأصحاب السعير .

و روى الثقفي ١ عن زيد بن عليّ قال : قال عليّ عليه السّلام : إنّي دعوتكم إلى الحقّ فتولّيتم عني ، و ضربتكم بالدرّة فأعييتموني ، أما إنّه سيليكم بعدي ولاة لا يرضون منكم بذلك حتى يعذبوكم بالسياط و بالحديد ، فأمّا انا فلا اعذّبكم بهما ، إنّه من عذّب النّاس في الدنيا عذّبه اللّه في الآخرة ، و آية ذلك أن يأتيكم صاحب اليمن حتى يحلّ بين أظهركم فيأخذ العمال و عمال العمال رجل يقال له يوسف بن عمر ، و يقوم عند ذلك رجل منّا أهل البيت . . . .

« أضرع اللّه » أي : أذلّ اللّه .

« خدودكم » الخدّ : يمين الوجه و شماله .

« و أتعس جدودكم » هكذا في ( المصرية ) ٢ و ليست الفقرة في ( ابن أبي الحديد ٣ و ابن ميثم ) ٤ رأسا .

و كيف كان ، فمعناها أهلك اللّه حظوظكم . و أصل التعس : الكب ضد الانتعاش ، قال مجمع :

تقول و قد أفردتها من حليلها

تعست كما أتعستني يا مجمع

« لا تعرفون الحقّ كمعرفتكم الباطل ، و لا تبطلون الباطل كابطالكم الحق » هذا الكلام لا قيمة له و لا يعادله كلام ، فإنّ أهل الدنيا يكونون في كلّ عصر كذلك ،

ــــــــــــ

( ١ ) الغارات للثقفي ٢ : ٤٥٨ .

( ٢ ) الطبعة المصرية ١ : ١١٤ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٦ : ١٠٢ .

( ٤ ) شرح ابن ميثم ٢ : ١٨٨ .

٥٩٠

و لهذه العلّة يتقدّم أهل الباطل و يتأخّر أهل الحق ، ففرعون كان يقول للناس :

أنا ربّكم الأعلى ١ . فقبلوا منه ، و قال لهم موسى : إنّي رسول ربكم . و أراهم تسع آيات بيّنات فلم يقبلوا منه ، و الثلاثة المتقدمون على أمير المؤمنين عليه السّلام جاؤوا بتلك البدع المذكورة في مطاعنهم ، و لم ينكروا عليهم .

و أمّا إنكارهم على ثالثهم أخيرا فإنّما كان لأنّه خص الأموال و الولايات بأقاربه و بني اميّة ، و إلاّ فلو كان فعل أضعاف ما فعل ، و كان يشرك النّاس معهم فيهما لمّا أنكروا عليه أصلا ، كما أنّهم اليوم مع تواتر تلك الشنايع التي يتورّع عنها الفجّار و الكفّار يقبلون إمامته .

و أمّا أمير المؤمنين عليه السّلام فمع كونه مظهر كلّ فضيلة كالنبي صلّى اللّه عليه و آله حتى إنّه لم ير أحد منه لفظة أو لحظة على خلاف الشريعة في حياة النبي صلّى اللّه عليه و آله و في أيّام الثلاثة و في أيّامه عليه السّلام ، و كيف و هو نفس النبي صلّى اللّه عليه و آله بنص القرآن ، و رأوا منه عليه السّلام آيات بيّنات ، لا سيّما في الجمل في قصة كلاب الحوأب ، و في صفّين في قصة عمار ، و في النهروان في قصة ذي الثدية ؟ فكانوا يعاملون معه عليه السّلام تلك المعاملة ، فذاك خوارجهم و هذا دواخلهم .

١١

من الخطبة ( ٩٥ ) و من خطبة له عليه السّلام :

وَ لَئِنْ أَمْهَلَ اَلظَّالِمَ فَلَنْ يَفُوتَ أَخْذُهُ وَ هُوَ لَهُ بِالْمِرْصَادِ عَلَى مَجَازِ طَرِيقِهِ وَ بِمَوْضِعِ اَلشَّجَا مِنْ مَسَاغِ رِيقِهِ أَمَا وَ اَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَظْهَرَنَّ هَؤُلاَءِ اَلْقَوْمُ عَلَيْكُمْ لَيْسَ لِأَنَّهُمْ أَوْلَى بِالْحَقِّ مِنْكُمْ وَ لَكِنْ لِإِسْرَاعِهِمْ إِلَى بَاطِلِ صَاحِبِهِمْ وَ إِبْطَائِكُمْ عَنْ حَقِّي وَ لَقَدْ أَصْبَحَتِ

ــــــــــــ

( ١ ) النازعات : ٢٤ .

٥٩١

اَلْأُمَمُ تَخَافُ ظُلْمَ رُعَاتِهَا وَ أَصْبَحْتُ أَخَافُ ظُلْمَ رَعِيَّتِي اِسْتَنْفَرْتُكُمْ لِلْجِهَادِ فَلَمْ تَنْفِرُوا وَ أَسْمَعْتُكُمْ فَلَمْ تَسْمَعُوا وَ دَعَوْتُكُمْ سِرّاً وَ جَهْراً فَلَمْ تَسْتَجِيبُوا وَ نَصَحْتُ لَكُمْ فَلَمْ تَقْبَلُوا أَ شُهُودٌ كَغُيَّابٍ وَ عَبِيدٌ كَأَرْبَابٍ أَتْلُو عَلَيْكُمْ اَلْحِكَمَ فَتَنْفِرُونَ مِنْهَا وَ أَعِظُكُمْ بِالْمَوْعِظَةِ اَلْبَالِغَةِ فَتَتَفَرَّقُونَ عَنْهَا وَ أَحُثُّكُمْ عَلَى جِهَادِ أَهْلِ اَلْبَغْيِ فَمَا آتِي عَلَى آخِرِ قَوْلِي حَتَّى أَرَاكُمْ مُتَفَرِّقِينَ أَيَادِيَ سَبَا تَرْجِعُونَ إِلَى مَجَالِسِكُمْ وَ تَتَخَادَعُونَ عَنْ مَوَاعِظِكُمْ أُقَوِّمُكُمْ غُدْوَةً وَ تَرْجِعُونَ إِلَيَّ عَشِيَّةً كَظَهْرِ اَلْحَيَّةِ عَجَزَ اَلْمُقَوِّمُ وَ أَعْضَلَ اَلْمُقَوَّمُ أَيُّهَا اَلشَّاهِدَةُ أَبْدَانُهُمْ اَلْغَائِبَةُ عَنْهُمْ عُقُولُهُمْ اَلْمُخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤُهُمْ اَلْمُبْتَلَى بِهِمْ أُمَرَاؤُهُمْ صَاحِبُكُمْ يُطِيعُ اَللَّهَ وَ أَنْتُمْ تَعْصُونَهُ وَ صَاحِبُ أَهْلِ ؟ اَلشَّامِ ؟ يَعْصِي اَللَّهَ وَ هُمْ يُطِيعُونَهُ لَوَدِدْتُ وَ اَللَّهِ أَنَّ ؟ مُعَاوِيَةَ ؟ صَارَفَنِي بِكُمْ صَرْفَ اَلدِّينَارِ بِالدِّرْهَمِ فَأَخَذَ مِنِّي عَشَرَةَ مِنْكُمْ وَ أَعْطَانِي رَجُلاً مِنْهُمْ يَا أَهْلَ ؟ اَلْكُوفَةِ ؟ مُنِيتُ مِنْكُمْ بِثَلاَثٍ وَ اِثْنَتَيْنِ صُمٌّ ذَوُو أَسْمَاعٍ وَ بُكْمٌ ذَوُو كَلاَمٍ وَ عُمْيٌ ذَوُو أَبْصَارٍ لاَ أَحْرَارُ صِدْقٍ عِنْدَ اَللِّقَاءِ وَ لاَ إِخْوَانُ ثِقَةٍ عِنْدَ اَلْبَلاَءِ تَرِبَتْ أَيْدِيكُمْ يَا أَشْبَاهَ اَلْإِبِلِ غَابَ عَنْهَا رُعَاتُهَا كُلَّمَا جُمِعَتْ مِنْ جَانِبٍ تَفَرَّقَتْ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ وَ اَللَّهِ لَكَأَنِّي بِكُمْ فِيمَا إِخَالُ أَنْ لَوْ حَمِسَ اَلْوَغَى وَ حَمِيَ اَلضِّرَابُ وَ قَدِ اِنْفَرَجْتُمْ عَنِ ؟ اِبْنِ أَبِي طَالِبٍ ؟ اِنْفِرَاجَ اَلْمَرْأَةِ عَنْ قُبُلِهَا وَ إِنِّي لَعَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَ مِنْهَاجٍ مِنْ نَبِيِّي وَ إِنِّي لَعَلَى اَلطَّرِيقِ اَلْوَاضِحِ أَلْقُطُهُ لَقْطاً قول المصنف : « و من خطبة له عليه السّلام » هكذا في ( المصرية ) ١ و الصواب :

ــــــــــــ

 ( ١ ) الطبعة المصرية ١ : ١٨٨ .

٥٩٢

( و من كلام له عليه السّلام ) كما في ( ابن أبي الحديد ١ و ابن ميثم ٢ و الخطية ) .

قوله عليه السّلام : « و لئن أمهل » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( و لئن أمهل اللّه ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) .

« الظالم فلن يفوت أخذه » و لا تحسبنّ اللّه غافلا عمّا يعمل الظالمون إنّما يؤخّرهم ليوم تشخص فيه الأبصار . مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتدّ إليهم طرفهم و أفئدتهم هواء ٣ .

و عن الصادق عليه السّلام : أنّ اللّه عز و جل أهبط ملكا إلى الأرض فلبث فيها دهرا ثم عرج ، فقيل له : ما رأيت ؟ فقال : رأيت عجائب و من أعجب ما رأيت : أنّي رأيت عبدا متقلّبا في نعمتك ، يأكل رزقك و ادّعى الربوبية ، فعجبت من جرأته عليك و من حلمك عنه فقال تعالى : فمن حلمي عجبت ؟ قد امهلته أربعمائة سنة ، لا يضرب عليه عرق و لا يريد شيئا من الدنيا إلاّ ناله ، و لا يتغيّر عليه فيها مطعم و لا مشرب ٤ .

« و هو له بالمرصاد » قال ابن دريد : فلان لفلان بمرصد و مرصاد ، أي :

حيث يرقبه و يرى فعله .

« على مجاز » أي : مسلك .

« طريقه و بموضع الشّجا » قال الجوهري : الشّجا ما ينشب في الحلق من عظم و غيره .

« من مساغ » قال الجوهري : ساغ الشراب : سهل مدخله في الحلق .

« ريقه » ماء فمه ، قال تعالى : . . . و لو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت

ــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ٧٠ .

( ٢ ) شرح ابن ميثم ٢ : ٤٠٢ .

( ٣ ) إبراهيم : ٤٢ ٤٣ .

( ٤ ) البحار ٧٣ : ٣٨١ .

٥٩٣

و الملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون . . . ١ .

و الأصل في العنوان إلى هنا ما رواه ( الإرشاد ) ٢ : أنّ معاوية لمّا نقض شرط الموادعة و أقبل يشنّ الغارات على أهل العراق قال عليه السّلام : قاتل اللّه معاوية ، لقد أرادني على أمر عظيم : أراد أن أفعل كما يفعل ، فأكون قد هتكت ذمتي و نقضت عهدي ، فيتّخذها عليّ حجّة فيكون عليّ شينا إلى يوم القيامة كلّما ذكرت ، فإن قيل له : أنت بدأت . قال : ما علمت و لا امرت . فمن قائل يقول :

صدق . و من قائل يقول : كذب . أم و اللّه إنّ اللّه لذو أناة و حلم عظيم ، لقد حلم عن كثير من فراعنة الأولين و عاقب فراعنة ، فإن يمهله اللّه فلن يفوته ، و هو له بالمرصاد على مجاز طريقه ، فليصنع ما بدا له ، فإنّا غير غادرين بذمّتنا و لا ناقضين لعهدنا ، و لا مروعين لمسلم و لا معاهد حتى ينقضي شرط الموادعة بيننا .

« أما و الذي نفسي بيده ليظهرن هؤلاء القوم عليكم ، ليس لأنهم أولى بالحق منكم و لكن لإسراعهم إلى باطل صاحبهم ، و إبطائكم عن حقي » روى أبو مخنف في قصة يوم الحرة : أنّ مسلم بن عقبة ركب فرسا فأخذ يسير في أهل الشام و يحرّضهم و يقول : يا أهل الشام إنّكم لستم بأفضل العرب في أحسابها و لا أنسابها ، و لا أكثرها عددا و لا أوسعها بلدا ، و لم يخصصكم اللّه بالذي خصّكم به من النصر على عدوّكم ، و حسن المنزلة عند أئمتكم إلاّ بطاعتكم و استقامتكم ، و إنّ هؤلاء القوم أشباههم من العرب غيّروا فغيّر اللّه بهم إلى أن قال قال ابن الغسيل لأهل المدينة : و اللّه ما أظن ربّكم أصبح عن أهل بلد من

ــــــــــــ

( ١ ) الأنعام : ٩٣ .

( ٢ ) الإرشاد ١ : ٢٧٥ .

٥٩٤

بلدان المسلمين بأرضى منه عنكم ، و لا على أهل بلد من بلدان العرب بأسخط من هؤلاء القوم الذين كانوا يقاتلونكم .

« و لقد أصبحت الامم تخاف ظلم رعاتها » جمع الراعي .

« و أصبحت أخاف ظلم رعيتي » في ( المروج ) ١ كان المعتمد أوّل خليفة قهر و حجر عليه ، و كان أخوه الموفق غلب على الامور ، و كان المعتمد هرب الموصل فبعث الموفق من رده و وكل به في فم الصلح .

« و استنفرتكم للجهاد فلم تنفروا ، و أسمعتكم فلم تسمعوا ، و دعوتكم سرّا و جهرا فلم تستجيبوا » هو نظير قول نوح عليه السّلام . . . ربّ إنّي دعوت قومي ليلا و نهارا . فلم يزدهم دعائي إلاّ فرارا ٢ .

« و نصحت لكم فلم تقبلوا » كان عليه السّلام ناصحا للناس كالأنبياء ، قال نوح عليه السّلام لقومه : و لا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم . . . ٣ .

« أشهود كغياب » حيث لا يحصل منكم جواب .

« و عبيد كأرباب » حيث لا تبالون العتاب و لا تخافون العقاب .

« أتلو عليكم الحكم » بالكسر فالفتح : جمع الحكمة .

« فتنفرون منها » قال تعالى : كأنّهم حمر مستنفرة . فرّت من قسورة ٤ .

« و أعظكم بالموعظة البالغة فتتفرقون عنها » قال تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله:

وعظهم و قل لهم في أنفسهم قولا بليغا ٥ .

ــــــــــــ

( ١ ) المروج ٤ : ٢١١ .

( ٢ ) نوح : ٥ ٦ .

( ٣ ) هود : ٣٤ .

( ٤ ) المدّثر : ٥٠ ٥١ .

( ٥ ) النساء : ٦٣ .

٥٩٥

« و أحثّكم » أي : ارغّبكم .

« على جهاد أهل البغي » كما أمر اللّه تعالى به : . . . فقاتلوا التي تبغي حتى تفي‏ء إلى أمر اللّه . . . ١ .

« فما آتي على آخر القول » هكذا في ( المصرية ) ٢ ، و الصواب : ( قولي ) كما في ( ابن أبي الحديد ٣ و ابن ميثم ٤ و الخطية ) .

« حتى أراكم متفرّقين أيادي سبأ » قال الجوهري : سبأ : اسم رجل ولد عامة قبائل اليمن ، يصرف و لا يصرف ، و قولهم : ذهبوا أيدي سبأ ، و أيادي سبأ ، أي :

متفرّقين اسمان جعلا واحدا .

و في ( الميداني ) ، روى عن النبي صلّى اللّه عليه و آله : ولد سبأ عشرة ، تيامن منهم ستة و تشاءم منهم أربعة ، فأمّا الذين تيامنوا : فالأزد و كندة و مذحج و الأشعرون و انمار منهم بجيلة ، و أمّا الذين تشاءموا : فعاملة و غسان و لخم و جذام و هم الذين أرسل عليهم سيل العرم ، و ذلك أنّ الماء كان يأتي أرض سبأ من الشجر و أودية اليمن ، فردموا ردما بين جبلين و حبسوا الماء ، و جعلوا في ذلك الردم ثلاثة أبواب بعضها فوق بعض ، فكانوا يسقون من الباب الأعلى ثم من الثاني ثم الثالث ، فأخصبوا و كثرت أموالهم ، فلمّا كذّبوا رسولهم بعث اللّه جرذا نقبت ذلك الردم حتى انتقض ، فدخل الماء جنّتيهم فغرقهم و دفن السيل بيوتهم ،

فذلك قوله تعالى : . . . فأرسلنا عليهم سيل العرم . . . ٥ .

و روى عن أبي صالح قال : ألقت طريفة الكاهنة إلى عمرو بن عامر

ــــــــــــ

( ١ ) الحجرات : ٩ .

( ٢ ) الطبعة المصرية ١ : ١٨٨ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ٧٠ .

( ٤ ) شرح ابن ميثم ٢ : ٤٠٣ .

( ٥ ) سبأ : ١٦ .

٥٩٦

الذي يقال له : مزيقيا بن ماء السماء أنّ سد مأرب سيخرب ، و أنّه سيأتي سيل العرم فيخرّب الجنّتين ، فباع عمرو بن عامر أمواله و سار هو و قومه حتى انتهوا إلى مكة ، فأقاموا بمكة و ما حولها ، فأصابتهم الحمّى و كانوا ببلد لا يدرون فيه ما الحمى ؟ فدعوا طريفة فشكوا إليها الذي أصابهم ، فقالت لهم : قد أصابني الذي تشكون و هو مفرّق بيننا . قالوا : فماذا تأمرين ؟ قالت : من كان منكم ذا همّ بعيد و حمل شديد و مزاد حديد فليلحق بقصر عمان المشيد فكانت أزد عمان ثم قالت : من منكم ذا جلد و قسر و صبر على أزمات الدهر فعليه بالاراك من بطن مرّ فكانت خزاعة ثم قالت : من كان منكم يريد الراسيات في الوحل المطعمات في المحل فليلحق بيثرب ذات النخل فكانت الأوس و الخزرج ثم قالت : من كان منكم يريد الخمر و الخمير و الملك و التأمير و يلبس الديباج و الحرير فليلحق ببصرى و غوير و هما من أرض الشام ، و كان الذي سكنوها آل جفنة من غسان ثم قالت : من كان منكم يريد الثياب الرقاق و النخيل العتاق و كنوز الأرزاق و الدم المهراق فليلحق بأرض العراق . فكان الذين سكنوها آل جذيمة الأبرش و من كان بالحيرة و آل محرق .

« ترجعون إلى مجالسكم و تتخادعون عن مواعظكم » و تجعلونها أساطير .

« اقوّمكم » أي : أجعلكم مستقيما .

« غدوة » أي : صباحا .

« و ترجعون إليّ عشية » أي : مساء .

« كظهر الحية » هكذا في ( المصرية ) ١ و الصواب : ( الحنية ) أي : القوس ،

كما في ( ابن أبي الحديد ٢ و ابن ميثم ٣ و الخطية ) .

ــــــــــــ

( ١ ) الطبعة المصرية ١ : ١٨٨ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ٧٠ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٢ : ٤٠٣ .

٥٩٧

« عجز المقوّم » و المراد نفسه عليه السّلام عن التقويم .

« و أعضل » أي : أشكل .

« المقوّم » و المراد أصحابه عن قبول التقويم ، في ( العقد ) ١ قال نافع بن كليب : دخلت الكوفة للتسليم على عليّ عليه السّلام فإنّي لجالس تحت منبره و عليه عمامة سوداء إلى أن قال ثم نزل عليه السّلام تدمع عيناه فقال : إنّا للّه و إنّا إليه راجعون ٢ أقوّمهم و اللّه غدوة و يرجعون إليّ عشية مثل ظهر الحنية ، حتى متى ، و إلى متى ؟

« أيّها الشاهدة أبدانهم ، الغائبة عقولهم ، المختلفة أهواؤهم ، المبتلى بهم امراؤهم » مرّ في العنوان ( ٥ ) : « أيّها الناس المجتمعة أبدانهم ، المختلفة أهواؤهم » .

« صاحبكم يطيع اللّه و أنتم تعصونه ، و صاحب أهل الشّام يعصي اللّه و هم يطيعونه » و مرّ في الأوّل : « و بمعصيتكم إمامكم في الحقّ ، و طاعتهم إمامهم في الباطل » .

« لوددت و اللّه أنّ معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم ، فأخذ منّي عشرة منكم و أعطاني رجلا منهم » فكان الصرف بين الدينار و الدرهم في عصره عليه السّلام كذلك ، ثم صعد الدينار ، و في ( البلدان ) ٣ في الجعفري : كان في أيّام المتوكل كلّ خمسة و عشرين درهما بدينار .

و مرّ في الأول قوله عليه السّلام : لوددت أنّ لي بكم ألف فارس من بني فراس بن غنم.

ــــــــــــ

( ١ ) العقد ٤ : ١٦٢ .

( ٢ ) البقرة : ١٥٦ .

( ٣ ) البلدان ٢ : ١٤٣ .

٥٩٨

هنالك لو دعوت أتاك منهم

فوارس مثل أرمية الحميم

و قال ابن أبي الحديد ١ أخذ ابن الزبير لفظه عليه السّلام هنا ، فلمّا وفد أهل البصرة و فيهم الأحنف تكلّم منهم أبو حاضر الأسدي و كان خطيبا جميلا فقال له ابن الزبير : اسكت ، فو اللّه لوددت أنّ لي بكلّ عشرة من أهل العراق واحدا من أهل الشام ، صرف الدينار بالدرهم . فقال له : إنّ لنا و لك مثلا قول الأعشى :

علقتها عرضا و علقت رجلا

غيري و علق اخرى غيرها الرجل

أحبّك أهل العراق ، و أحببت أهل الشام ، و أحبّ أهل الشام عبد الملك .

هذا ، و في ( الأذكياء ) : سئل أبو العيناء عن حماد بن زيد بن درهم ، و حمّاد بن سلمة بن دينار ، فقال : بينهما في القدر ما بين آبائهما في الصرف .

قلت : أي : ما بين جديهما درهم و دينار .

و في ( المعجم ) كان الحسن بن الرجاء و أحمد بن هشام و عليّ بن هشام و دينار بن عبد اللّه و يحيى بن أكثم ينزلون المخرم محلّة ببغداد فقال دعبل الخزاعي يهجوهم:

ألا فاشتروا منّي دروب المخرم

أبع حسنا و ابني هشام بدرهم

و اعطي رجاء بعد ذاك زيادة

و أدفع دينارا بغير تندم

فإن ردّ من عيب عليّ جميعهم

فليس يرد العيب يحيى بن أكثم

قلت : و لا بد أنّه هجا أبا الحسن بن رجاء أيضا لقوله : « و اعطي رجاء » و لم يذكره الحموي .

« يا أهل الكوفة منيت منكم بثلاث و اثنتين : صم ذوو أسماع ، و بكم ذوو كلام ،

و عمي ذوو أبصار ، لا أحرار صدق عند اللقاء ، و لا إخوان ثقة عند البلاء » قال ابن أبي

ــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ٧٥ .

٥٩٩

الحديد ١ : لم يقل عليه السّلام : بخمس ، لأنّ الثلاث إيجابية و الاثنتين سلبية ، فأحبّ أن يفرّق بين الإثبات و النفي .

قلت : ليس التفريق من حيث الإثبات و النفي ، بل من حيث إنّ الثلاث من واد و الاثنتين من آخر ، و في مثله مقتضى البلاغة أن يفرّق بينهما .

روى الكليني ٢ و الصدوق ٣ في أسانيد : أنّ عمر لمّا استخلف أقبل يهودي فسأله عن مسائل عجز عن جوابها ، فارشد إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فقال له عليه السّلام : أخبرني عن ثلاث و ثلاث و واحدة : أخبرني عن أوّل حجر وضع في الأرض ، و أوّل شجرة غرست على وجه الأرض ، و أوّل عين نبعت على وجه الأرض ، و أخبرني كم لهذه الامّة من إمام هدى ؟ و أين منزل نبيّكم في الجنّة ؟ و من معه في منزله ؟ و أخبرني عن وصيّ : محمّد كم يعيش بعده ؟ . . .

فكلّها إيجابية إلاّ أنّها لاختلاف ثلاث منها مع اخرى ، و اختلاف واحدة منها معهما ، فرّق بينهما بما فيه .

« تربت أيديكم » سقطت هذه الفقرة من ( المصرية ) ٤ بدليل ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية و الخوئي ) .

هذا ، و في ( الطبري ) ٥ : رفع إلى المنصور أنّ أهل الكوفة لا تزال الجماعة منهم يطعنون على عاملهم ، و يتظلّمون من أميرهم ، و يتكلّمون في سلطانهم .

فقال للربيع : أخرج إلى من بالباب من أهل الكوفة فقل لهم : إنّ الخليفة يقول لكم :

لئن اجتمع اثنان منكم في موضع لأحلقن رؤوسهما و لحاهما و لأضربن

ــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ٧٦ .

( ٢ ) الكليني ١ : ٥٣١ ح ٨ .

( ٣ ) الخصال للصدوق ٢ : ٤٧٦ ح ٤٠ .

( ٤ ) الطبعة المصرية ١ : ١٨٩ .

( ٥ ) تاريخ الطبري ٨ : ٧٩ .

٦٠٠

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617