بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٠

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة6%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 617

  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 82966 / تحميل: 4044
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٠

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

قوله عليه السّلام في الثاني : « و طائفة منهم » هكذا في ( المصرية ) ١ ، و كلمة ( منهم ) زائدة لعدم وجودها في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٢ .

« عضوا على أسيافهم فضاربوا بها حتّى لقوا اللّه صادقين » المراد بهم من قتل يوم الجمل الأصغر ، خروج حكيم بن جبلة مع ثلاثة إخوة له و ثلاثمائة أكثرهم من عشيرته عبد القيس و جهادهم معهم حتّى قتلوا عن آخرهم .

قوله عليه السّلام في الأوّل : « فو اللّه لو لم يصيبوا من المسلمين إلاّ رجلا واحدا معتمّدين » أي : قاصدين لقتله .

« بلا جرم جرّه لحل لي قتل ذلك الجيش كله » فإنّ جميع النّاس لو اشتركوا في قتل واحد جاز قتل الجميع ، و الجيش و إن لم يشترك جميعهم في قتل من قتل ، بل ابن الزبير و عدّة أو هو وحده ، إلاّ انّه لمّا كان ذلك بقوّة باقي الجيش مع عدم إنكارهم و دفاعهم كما قال عليه السّلام :

« إذ حضروه فلم ينكروه و لم يدفعوا عنه بلسان و لا بيد » هكذا في ( المصرية ) ٣ ، و الصواب : « و لا يد » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٤ كان كاشتراكهم .

« دع ما انهم قد قتلوا من المسلمين مثل العدّة التي دخلوا بها عليهم » يعني إذا كان قتل جميع الجيش حلالا لقتل واحد عمدا ، كيف لا يحل قتلهم لمثل تلك العدّة التي قتلوها، خزّان بيت المال كانوا أربعمائة على رواية أبي مخنف عن الصقعب ، و أصحاب حكيم بن جبلة كانوا ثلاثمائة .

و في رواية ( رسائل الكليني ) : فدعوا النّاس إلى معصيتي و نقض بيعتي ،

ــــــــــــ

 ( ١ ) نهج البلاغة ٢ : ٢٢٨ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ١٢١ ، و لكن في شرح ابن ميثم ٤ : ٥٠ : طائفة منهم أيضا .

 ( ٣ ) نهج البلاغة ٢ : ١٠٤ .

 ( ٤ ) في شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٣٠٩ و شرح ابن ميثم ٣ : ٣٣١ : و لا بيد أيضا .

٦١

فمن أطاعهم أكفروه و من عصاهم قتلوه ، فناجزهم حكيم بن جبلة فقتلوه في سبعين رجلا من عبّاد أهل البصرة و مخبتيهم يسمّون المثفنين ، كأنّ راح أكفّهم ثفنات الإبل . و أبى أن يبايعهم يزيد بن حارث اليشكري فقال : اتقيا اللّه ،

إن أوّلكم قادنا إلى الجنّة ، فلا يقودنا آخركم إلى النار ، فلا تكلفونا أن نصدق المدعي و نقضي على الغائب . أما يميني فشغلها عليّ بن أبي طالب عليه السّلام ، و هذه شمالي فارغة فخذاها إن شئتما . فخنق حتّى مات .

و قام عبد اللّه بن حكيم التميمي فقال : يا طلحة هل تعرف هذا الكتاب ،

ألك ؟ قال : نعم فإذا فيه عيب عثمان و الدعاء إلى قتله فسيّره من البصرة ،

و أخذوا عاملي عثمان بن حنيف الأنصاري غدرا فمثلوا به كل مثلة و نتفوا كلّ شعرة في رأسه و وجه . . . ١ .

و أمّا عدّة طلحة و الزبير و عايشة التي دخلوا بها البصرة ، ففي ( الطبري ) : في اسناد عن الزهري أنّهم خرجوا من مكّة في سبعمائة رجل من أهل المدينة و مكة ، ثمّ لحقهم النّاس حتّى كانوا ثلاثة آلاف ٢ .

هذا و في ( صفين نصر ) : أنّه عليه السّلام لمّا ورد الكوفة بعد فتح البصرة قام إليه أبو بردة بن عوف الأزدي و كان ممّن تخلّف عنه عليه السّلام فقال : أرأيت القتلى حول عايشة و طلحة و الزبير بم قتلوا ؟ فقال عليه السّلام : قتلوا شيعتي و عمّالي ،

و قتلوا أخا ربيعة العبدي رحمة اللّه عليه في عصابة من المسلمين ، قالوا لهم لا ننكث كما نكثتم و لا نغدر كما غدرتم ، فوثبوا عليهم فقتلوهم ، فسألتهم أن يدفعوا إليّ قتلة إخواني أقتلهم بهم ، ثم كتاب اللّه حكم بيني و بينهم ، فأبوا عليّ فقاتلوني و في أعناقهم بيعتي ، و دماء قريب من ألف رجل من شيعتي فقتلتهم

ــــــــــــ

 ( ١ ) رسائل الكليني .

 ( ٢ ) تاريخ الطبري ٤ : ٤٥٢ ، سنة ٣٦ .

٦٢

بهم . أفي شكّ أنت من ذلك ؟ فقال : قد كنت في شك ، فأمّا الآن فقد استبان لي خطؤهم ، و إنّك أنت المهدي المصيب ١ .

٧

الكتاب ( ٥٧ ) و من كتاب له عليه السّلام إلى أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلى البصرة :

أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي خَرَجْتُ مِنْ حَيِّي هَذَا إِمَّا ظَالِماً وَ إِمَّا مَظْلُوماً وَ إِمَّا بَاغِياً وَ إِمَّا مَبْغِيّاً عَلَيْهِ وَ إِنِّي أُذَكِّرُ اَللَّهَ مَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي هَذَا لَمَّا نَفَرَ إِلَيَّ فَإِنْ كُنْتُ مُحْسِناً أَعَانَنِي وَ إِنْ كُنْتُ مُسِيئاً اِسْتَعْتَبَنِي أقول : روى هذا الكتاب أبو مخنف في ( جمله ) ، و قد نقله ( ابن أبي الحديد ) في شرح كتابه الأوّل ، روى : أنّه عليه السّلام لمّا نزل الربذة بعث هاشم بن عتبة إلى أبي موسى ، فتوعده أبو موسى ، فكتب هاشم إليه عليه السّلام بذلك ، فبعث عليه السّلام ابن عبّاس و محمّد بن أبي بكر إلى أبي موسى فأبطآ عنه عليه السّلام ، فرحل عن الربذة إلى ذي قار و بعث منها الحسن عليه السّلام و عمّارا و زيد بن صوحان و قيس بن سعد بن عبادة ، و كتب معهم هذا الكتاب . و لقد حكى مضمونه الحسن عليه السّلام و عمّار لأهل الكوفة ٢ .

ففي ( الطبري ) : أنّه عليه السّلام كتب مع الحسن و عمّار إلى أبي موسى باعتزاله ، و ولاية قرظة بن كعب مكانه ، و لمّا دخل الحسن عليه السّلام و عمّار مسجد الكوفة قالا: أيّها النّاس إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام يقول : إنّي خرجت مخرجي هذا ظالما أو مظلوما، و إنّي اذكّر اللّه رجلا دعي للّه حقا إلاّ نفر ، فإن كنت مظلوما

ــــــــــــ

 ( ١ ) وقعة صفّين : ٤ ٥ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٤ : ٩ ١١ .

٦٣

أعانني ، و إن كنت ظالما أخذ منّي . و اللّه إن طلحة و الزبير لأول من بايعني و أوّل من غدر ، فهل استأثرت بمال أو بدلت حكما ؟ فانفروا ، فمروا بمعروف ، و انهوا عن منكر ١ .

و إنّما كتب عليه السّلام إلى أهل الكوفة هذا الكتاب لأن أبا موسى كان يأمرهم بالتقاعد ، و يقول لهم : « هذه فتنة صماء ، النائم فيها خير من اليقظان ، و اليقظان خير من القاعد ، و القاعد خير من القائم ، و القائم خير من الراكب . اغمدوا سيوفكم و انصلوا أسنّتكم ، و اقطعوا أوتار قسيّكم حتّى يلتئم هذا الأمر ،

و تنجلي هذه الفتنة . و إنّي سمعت ذلك من النّبيّ » ٢ .

قول المصنّف : « و من كتاب له عليه السّلام إلى أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلى البصرة » قد عرفت من خبر أبي مخنف أنّه كان من ذي قار .

قوله : « أمّا بعد فإنّي خرجت من حيي هذا » هكذا في ( المصرية ) ٣ و في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٤ : « عن حيي هذا » . ثم « حيي » في كل النسخ ، قال ابن أبي الحديد : معناه منزلي ٥ . و قال ابن ميثم : قبيلتي ٦ .

و أقول : « من حيي » أو « عن حيي » تصحيف من الرضي رضي اللّه عنه ، و الأصل ( مخرجي ) . فمستنده ، و هو كتاب أبي مخنف « فاني خرجت مخرجي هذا » ٧ .

و مرّ أيضا : نقل الحسن عليه السّلام و عمّار رضى اللّه عنه كلامه عليه السّلام لأهل الكوفة بلفظ

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٥٠٠ ، سنة ٣٦ .

 ( ٢ ) المصدر نفسه ٤ : ٤٨٦ ٤٨٧ ، سنة ٣٦ .

 ( ٣ ) نهج البلاغة ٣ : ١٢٥ .

 ( ٤ ) هكذا في شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ١٤٠ ، و لكن في شرح ابن ميثم ٥ : ١٩٣ : من حيّي أيضا.

 ( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ١٤٠ .

 ( ٦ ) شرح ابن ميثم ٥ : ١٩٣ .

 ( ٧ ) شرح ابن أبي الحديد ١٤ : ١١ .

٦٤

( مخرجي ) و لا يخفى قربهما خطأ فاشتبه عليه .

« امّا ظالما و امّا مظلوما ، و امّا باغيا و امّا مبغيا عليه » فإن من خرج لقتال لا بد أن يكون من أحدهما .

« و إنّي » هكذا في ( المصرية ) ١ ، و الصواب : ( و انا ) ، كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ٢ و الخطية ) .

« اذكّر اللّه » اللّه مفعول ثان قدّم للأهميّة .

« من » مفعول أوّل .

« بلغه كتابي هذا لما » قال ابن أبي الحديد : « لمّا » بمعنى إلاّ كقوله تعالى :

إن كل نفس لمّا عليها حافظ ٣ ، و قال ٤ ابن ميثم : لمّا مشددة بمعنى إلاّ و مخففة ، و ( ما ) زائدة دخل عليها لام التأكيد أي : لينفرن إليّ ٥ .

قلت : كون لمّا بمعنى إلاّ إن ثبت ، شرطه تقدّم ( ان ) نفي و ليس في كلامه عليه السّلام فتعيّن الثاني .

« نفر » أي : شخص .

« إليّ فإن كنت محسنا أعانني » و روى الطبري عن محمّد بن الحنفية قال :

أقبلنا من المدينة بسبعمائة رجل ، و خرج إلينا من الكوفة سبعة آلاف ، و انضمّ إلينا من حولنا ألفان ، أكثرهم بكر بن وائل و يقال ستة آلاف ٦ .

و عن أبي الطفيل قال عليّ عليه السّلام : يأتيكم من الكوفة اثنا عشر ألف رجل

ــــــــــــ

 ( ١ ) نهج البلاغة ٣ : ١٢٥ .

 ( ٢ ) هكذا في شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ١٤٠ ، و لكن في شرح ابن ميثم ٥ : ١٩٣ : و إنّي أيضا .

 ( ٣ ) الطارق : ٤ .

 ( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ١٤٠ .

 ( ٥ ) شرح ابن ميثم ٥ : ١٩٣ .

 ( ٦ ) تاريخ الطبري ٤ : ٥٠٦ ، سنة ٣٦ .

٦٥

و رجل ، فقعدت على نجفة ذي قار ، فأحصيتهم فما زادوا رجلا و لا نقصوا رجلا١.

« و إن كنت مسيئا استعتبني » أي : طلب رجوعي .

في ( خلفاء ابن قتيبة ) : قال عمّار لأهل الكوفة : أيّها النّاس إنّ أبا موسى ينهاكم عن الشخوص إلى هاتين الجماعتين ، و ما صدق فيما قال و ما رضي اللّه عن عباده بما قال ، قال عزّ و جل : و إن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتّى تفي‏ء إلى أمر اللّه فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل و أقسطوا إنّ اللّه يحب المقسطين ٢ . و قال تعالى : و قاتلوهم حتّى لا تكون فتنة و يكون الدين كلّه للّه . . . ٣ ، فلم يرض من عباده بما ذكره أبو موسى ، من أن يجلسوا في بيوتهم و يخلّوا النّاس فيسفك بعضهم دماء بعض ، فسيروا معنا إلى هاتين الجماعتين و اسمعوا من حججهم و انظروا من أولى بالنصر فاتّبعوه ، فإن أصلح اللّه أمرهم رجعتم مأجورين ، و قد قضيتم حق اللّه ، و إن بغى بعضهم على بعض ،

نظرتم إلى الفئة الباغية فقاتلتموها حتّى تفي‏ء إلى أمر اللّه كما أمركم اللّه و افترض عليكم ٤ .

و روى ( جمل أبي مخنف ) : أنّ عمّارا قال لأبي موسى : أما إنّي أشهد أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمر عليّا بقتال النّاس ، و سمّى له فيهم من سمّى ، و أمرهم بقتال القاسطين و إن شئت لأقيمن لك شهودا يشهدون أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله إنّما نهاك

ــــــــــــ

 ( ١ ) المصدر نفسه ٤ : ٥٠٠ ، سنة ٣٦ .

 ( ٢ ) الحجرات : ٩ .

 ( ٣ ) الأنفال : ٣٩ .

 ( ٤ ) الإمامة و السياسة ١ : ٦٦ .

٦٦

وحدك و حذّرك من الدخول في الفتنة ١ .

قلت : و نهي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لأبي موسى وحده ، كما نقله عمّار من آيات نبوّته ، فأبو موسى صار منشأ لفتنتين ، الاولى فتنة تثبيطه النّاس عن أمير المؤمنين عليه السّلام ، فهو كان متفرّدا في ذلك ، فعبد اللّه بن عمر و سعد بن أبي وقاص و محمّد بن مسلمة و المغيرة بن شعبة اعتزلوه عليه السّلام و اعتزلوا غيره و لم يثبطوا النّاس مثل أبي موسى عنه عليه السّلام .

و قد أشار إلى ذلك زيد بن صوحان و كان من الجلال بمكان اعترفت به عايشة مع كونها مبغضة لشيعة أمير المؤمنين عليه السّلام مثله ٢ .

ففي ( الطبري ) : لمّا أمر أبو موسى النّاس بالتثبيط ، قام إليه زيد بن صوحان و شال يده المقطوعة و أومى إلى أبي موسى و تلا : ألم أحسب النّاس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا و هم لا يفتنون و لقد فتنّا الذين من قبلهم فليعلمنّ اللّه الذين صدقوا و ليعلمنّ الكاذبين ٣ ثم نادى : سيروا إلى أمير المؤمنين صراط سيّد المرسلين ، و انفروا إليه أجمعين ٤ .

و الثانية : فتنة حكميته و خبطه في ذلك أيضا واضح لا يحتاج إلى بيان .

و قد رد على أبي موسى غير عمّار و زيد عبد خير الخيواني ، ففي ( الطبري ) : أنّه قال لأبي موسى : أخبرني عن هذين الرجلين ألم يبايعا عليّا عليه السّلام ؟ قال : بلى . قال : أفأحدث عليّ عليه السّلام حدثا يحل به نقض بيعته ؟ قال : لا أدري ، قال : لا دريت و لا أتيت ، إذا كنت لا تدري فنحن تاركوك حتّى تدري ،

أخبرني هل تعلم أحدا خارجا عن هذه الفرق الأربع عليّ بظهر الكوفة و طلحة

ــــــــــــ

 ( ١ ) نقله عنه ابن أبي الحديد في شرح النهج ١٤ : ١٥ .

 ( ٢ ) انظر الجمل للمفيد : ٥١ ، ٢٤٨ ، ٢٥١ ، ٤٣١ ، و أماليه : ٢١٧ ٢١٨ .

 ( ٣ ) العنكبوت : ١ ٣ .

 ( ٤ ) تاريخ الطبري ٤ : ٤٨٤ ، سنة ٣٦ .

٦٧

و الزبير . البصرة و معاوية بالشام و فرقة رابعة بالحجاز قعود لا يجبى بهم في‏ء و لا يقاتل بهم عدوّ ؟ قال أبو موسى : أولئك خير النّاس ، فقال له عبد خير :

اسكت يا أبا موسى فقد غلب عليك غشّك ١ .

٨

الكتاب ( ٦٣ ) و من كتاب له عليه السّلام إلى أبي موسى الأشعريّ و هو عامله على الكوفة و قد بلغه عنه تثبيطه الناس عن الخروج إليه لما ندبهم لحرب أصحاب الجمل :

مِنْ عَبْدِ اَللَّهِ ؟ عَلِيٍّ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ ؟ إِلَى ؟ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ؟ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ قَوْلٌ هُوَ لَكَ وَ عَلَيْكَ فَإِذَا قَدِمَ رَسُولِي عَلَيْكَ فَارْفَعْ ذَيْلَكَ وَ اُشْدُدْ مِئْزَرَكَ وَ اُخْرُجْ مِنْ جُحْرِكَ وَ اُنْدُبْ مَنْ مَعَكَ فَإِنْ تَحَقَّقْتَ فَانْفُذْ وَ إِنْ تَفَشَّلْتَ فَابْعُدْ وَ اَيْمُ اَللَّهِ لَتُؤْتَيَنَّ مِنْ حَيْثُ أَنْتَ وَ لاَ تُتْرَكُ حَتَّى يُخْلَطَ زُبْدُكَ بِخَاثِرِكَ وَ ذَائِبُكَ بِجَامِدِكَ وَ حَتَّى تُعْجَلُ عَنْ قِعْدَتِكَ وَ تَحْذَرَ مِنْ أَمَامِكَ كَحَذَرِكَ مِنْ خَلْفِكَ وَ مَا هِيَ بِالْهُوَيْنَى اَلَّتِي تَرْجُو وَ لَكِنَّهَا اَلدَّاهِيَةُ اَلْكُبْرَى يُرْكَبُ جَمَلُهَا وَ يُذَلُّ صَعْبُهَا وَ يُسَهَّلُ جَبَلُهَا فَاعْقِلْ عَقْلَكَ وَ اِمْلِكْ أَمْرَكَ وَ خُذْ نَصِيبَكَ وَ حَظَّكَ فَإِنْ كَرِهْتَ فَتَنَحَّ إِلَى غَيْرِ رَحْبٍ وَ لاَ فِي نَجَاةٍ فَبِالْحَرِيِّ لَتُكْفَيَنَّ وَ أَنْتَ نَائِمٌ حَتَّى لاَ يُقَالَ أَيْنَ فُلاَنٌ وَ اَللَّهِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مَعَ مُحِقٍّ وَ مَا أُبَالِي مَا صَنَعَ اَلْمُلْحِدُونَ وَ اَلسَّلاَمُ قول الصنّف « و من كتاب له عليه السّلام إلى أبي موسى الأشعري و هو عامله على الكوفة » في ( تاريخ اليعقوبي ) : عزل عليّ عليه السّلام عمّال عثمان عن البلدان خلا

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٤٨٦ ، سنة ٣٦ .

٦٨

أبي موسى و هو الأشعريّ كلّمه الأشتر ، فأقرّه ١ .

« و قد بلغه عنه تثبيطه » أي : توقيفه .

« النّاس عن » و في ( المصرية ) : ( على ) ٢ غلط .

« و الخروج إليه لمّا ندبهم لحرب الجمل » هكذا في ( المصرية و ابن أبي الحديد ) ٣ و لكن ليس في ( ابن ميثم ) : جملة ( لمّا ندبهم ) ٤ و لعلّه سقط من النسخة .

و كيف كان ففي ( المروج ) : لمّا كاتب عليّ عليه السّلام أبا موسى فثبّطهم و قال :

إنّما هي فتنة ، فنمى ذلك إليه عليه السّلام ولّى على الكوفة قرظة بن كعب الأنصاري و كتب إلى أبي موسى : « اعتزل عملنا يابن الحائك مذؤوما مدحورا ، فما هذا أوّل يومنا منك ، و إن لك فيها لهنات و هنيات » ٥ .

و عن محمّد بن إسحاق : قدم محمّد بن جعفر و محمّد بن أبي بكر الكوفة لاستنفار النّاس ، فدخل قوم منهم على أبي موسى ليلا فقالوا له : أشر علينا برأيك في الخروج مع هذين الرجلين إلى عليّ ، فقال لهم : أمّا سبيل الآخرة فالزموا بيوتكم ، و أمّا سبيل الدّنيا فاشخصوا معهما . فمنع بذلك أهل الكوفة من الخروج ، و بلغهما ذلك فأغلظا له ، فقال لهما : إنّ بيعة عثمان لفي عنق عليّ و عنقي و أعناقكما . . . ٦ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٧٩ .

 ( ٢ ) نهج البلاغة ٣ : ١٣٣ .

 ( ٣ ) نهج البلاغة ٣ : ١٣٣ ، شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ٢٤٦ .

 ( ٤ ) في شرح ابن ميثم ٥ : ٢٠٤ : لمّا ندبهم لحرب أصحاب الجمل أيضا .

 ( ٥ ) مروج الذهب ٢ : ٣٦٨ ٣٦٩ .

 ( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ١٤ : ٩ .

٦٩

و مثله ( خلفاء ابن قتيبة ) إلاّ أنّه قال : بعث عمّارا و محمّد بن أبي بكر ١ .

و عن أبي مخنف : أنّ عليّا عليه السّلام بعث من الربذة هاشم بن عتبة إلى أبي موسى ، و كتب إليه : أنّي قد بعثت إليك هاشما لتشخص إلى من قبلك من المسلمين ليتوجهوا إلى قوم نكثوا بيعتي و قتلوا شيعتي و أحدثوا في الإسلام هذا الحدث العظيم ، فاشخص بالناس إليّ معه حين يقدم إليك ، فاني لم أولك المصر الذي أنت فيه ، و لم اقرّك عليه إلاّ لتكون من أعواني على الحقّ ،

و أنصاري على هذا الأمر ٢ .

و رواه الطبريّ مع اختصار ٣ .

و عن أبي مخنف : فبعث هاشم بن عتبة من الكوفة المحل بن خليفة إلى عليّ عليه السّلام بالربذة ، و كتب معه إليه عليه السّلام : « إنّي قدمت بكتابك على امرى‏ء مشاق بعيد الود ، ظاهر الغل و الشنآن ، فتهددني بالسجن و خوفني بالقتل .

فبعث عليه السّلام ابن عبّاس و محمّد بن أبي بكر إليه و كتب معهما إليه : أما بعد يابن الحائك يا عاضّ اير أبيه ، فو اللّه إنّي كنت لأرى أنّ بعدك من هذا الأمر الذي لم يجعلك اللّه له أهلا ، و لا جعل لك فيه نصيبا ، سيمنعك من ردّ أمري و الابتزاز عليّ ، و قد بعثت إليك ابن عبّاس و ابن أبي بكر فخلّهما و المصر و أهله ، و اعتزل عملنا مذؤوما مدحورا ، فإن فعلت و إلاّ فإنّي قد أمرتهما على أن ينابذاك على سواء ، . . . إنّ اللّه لا يهدي كيد الخائنين ٤ ، فإذا ظهرا عليك قطعاك إربا إربا ،

و السلام على من شكر النعمة و وفى بالبيعة و عمل برجاء العاقبة ٥ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الإمامة و السياسة ١ : ٦٥ ٦٦ .

 ( ٢ ) نقله عنه المفيد في الجمل : ٢٤٢ و ابن أبي الحديد في شرح النهج ١٤ : ٩ .

 ( ٣ ) تاريخ الطبري ٤ : ٤٩٩ ، سنة ٣٦ .

 ( ٤ ) يوسف : ٥٢ .

 ( ٥ ) نقله عنه المفيد في الجمل : ٢٤٢ ٢٤٣ و ابن أبي الحديد في شرح النهج ١٤ : ٩ ١٠ .

٧٠

و رواه الطبري إلاّ أنّه قال : بعث الحسن عليه السّلام و عمّارا يستنفران النّاس ،

و بعث قرظة أميرا و كتب معه إلى أبي موسى : فقد كنت أرى أنّ عزوبك عن هذا الأمر الذي لم يجعل اللّه تعالى لك منه نصيبا ، سيمنعك من ردّ أمري ، و قد بعثت الحسن و عمّارا يستنفران النّاس ، و بعثت قرظة واليا على المصر ، فاعتزل عملنا مذؤوما مدحورا، فإن لم تفعل فإنّي قد أمرته أن ينابذك فإن نابذته فظفر بك ان يقطعك آرابا ١ .

قوله عليه السّلام « من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين » هكذا في ( المصرية و ابن أبي الحديد ) ٢ و لكن ليس في ( ابن ميثم ) : كلمة ( عليّ ) ٣ .

« إلى عبد اللّه بن قيس » و هو أبو موسى الأشعريّ .

« اما بعد فقد بلغني عنك قول هو لك و عليك » .

قال ابن أبي الحديد : أراد به أنّ أبا موسى كان يقول لأهل الكوفة : إنّ عليّا إمام هدى و بيعته صحيحة ، إلاّ أنّه لا يجوز القتال معه مع أهل القبلة ، و هذا القول بعضه حقّ و بعضه باطل ٤ .

قلت : كون المراد ما ذكر غير معلوم ، فلم يعلم أوّلا أنّ أبا موسى قال ما نسب إليه ، و إنّما روى المفيد في ( جمله ) : أنّ ابن عبّاس خدعه بأنّ أمير المؤمنين عليه السّلام يقرّه على حكومته ، فأخذ البيعة له من النّاس .

فروى أنّ ابن عبّاس قال له عليه السّلام : ابعث إلى الكوفة ابنك الحسن عليه السّلام و عمّارا و أنا أخرج معهما ، فلمّا وصلوا قال لهما : إنّ أبا موسى عاق ، فإذا رفقنا به أدركنا حاجتنا ، فقالا له : افعل ما شئت .

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٤٩٩ ٥٠٠ ، سنة ٣٦ .

 ( ٢ ) نهج البلاغة ٣ : ١٣٣ : شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ٢٤٦ .

 ( ٣ ) في شرح ابن ميثم ٥ : ٢٠٤ : عليّ أمير المؤمنين أيضا .

 ( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ٢٤٦ .

٧١

فقال لأبي موسى : إنّ عليّا عليه السّلام أرسلنا إليك لما يظن من سرعتك إلى طاعة اللّه و رسوله ، و مصيرك إلى ما أحبنا أهل البيت ، و قد علمت فضله و سابقته في الإسلام و يقول لك : أن تبايع النّاس يقرّك على عملك و يرضى عنك . فانخدع و صعد المنبر فبايع له عليه السّلام ثم نزل ١ .

و ثانيا : إنّه لو ثبت ما نسب إليه ، لم يعلم صحّة التعبير عنه بأنه ( قول لك و عليك ) ، و لعل في الرواية تحريفا ، و أنّ الأصل : ( قول هو عليك لا لك ) .

فروى ابن قتيبة و أبو مخنف : إنّ أبا موسى قال لرسوليه عليه السّلام محمّد بن أبي بكر و عمّارا و محمّد بن جعفر : بأنّا لو أردنا قتالا ما كنّا نبدأ بأحد من قتلة عثمان ٢ .

و لازمه نصره له عليه السّلام في حربه مع طلحة و الزبير و عايشة لاعترافه بدخالتهم في قتل عثمان ، و اعتزاله عليه السّلام عنه فيكون قوله عليه لا له .

و يمكن أيضا بأن يقال : بأنّ قوله ذاك عليه لا له ، بأن قوله يستلزم حلية قتل عمّار ، مع ان من المتواتر قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله : « عمّار تقتله الفئة الباغية » ،

فضلا عن كونه مجمعا على جلاله .

و في ( خلفاء ابن قتيبة ) : انّ عمّارا قال : يا أهل الكوفة إن كان غابت عنكم امورنا فقد انتهت إليكم أنباؤنا ، إن قتلة عثمان لا يعتذرون من قتله إلى النّاس ، و لا ينكرون ذلك ، و قد جعلوا كتاب اللّه بينهم و بين محاجّيهم ،

فبه أحيى اللّه من أحيى و أمات من أمات ، و إنّ طلحة و الزبير كانا أوّل من طعن و آخر من أمر ، و كانا أوّل من بايع عليّا عليه السّلام ، فلمّا أخطأهما ما أمّلاه

ــــــــــــ

 ( ١ ) الجمل للمفيد : ٢٦١ .

 ( ٢ ) الإمامة و السياسة ١ : ٦٦ ، شرح ابن أبي الحديد ١٤ : ٩ .

٧٢

نكثا بيعتهما من غير حدث ١ .

و أي قول كان من أبي موسى له و قد بيّن عمّار كون قوله كلّه عليه .

ففي ( خلفاء ابن قتيبة ) : لمّا صعد أبو موسى المنبر و قال : أيّها النّاس إنّ أصحاب محمّد الذين صحبوه في المواطن أعلم باللّه و رسوله ممّن لم يصحبه ، و إنّ لكم حقّا عليّ أن اؤديه إليكم ، إنّ هذه الفتنة النائم فيها خير من اليقظان ، و القاعد خير من القائم ، و القائم فيها خير من الساعي ، و الساعي خير من الراكب ، فاغمدوا سيوفكم حتّى تنجلي هذه الفتنة ، قام عمّار و قال : أيّها النّاس إنّ أبا موسى ينهاكم عن الشخوص إلى هاتين الجماعتين و ما صدق فيما قال و لا رضي اللّه من عباده بما قال قال عزّ و جل : و ان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتّى تفي‏ء إلى أمر اللّه فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل و أقسطوا . . . ٢ و قال تعالى : و قاتلوهم حتّى لا تكون فتنة و يكون الدين كلّه للّه . . . ٣ ، فلم يرض من عباده بما ذكر أبو موسى من أن يجلسوا في بيوتهم و يخلوا النّاس فيسفك بعضهم دماء بعض فسيروا معنا إلى هاتين الجماعتين و اسمعوا من حججهم ، و انظروا من أولى بالنصرة فاتبعوه ، فإن أصلح اللّه أمرهم رجعتم مأجورين و قد قضيتم حق اللّه تعالى ، و إن بغى بعضهم على بعض نظرتم إلى الفئة الباغية ، فقاتلوهم حتّى تفي‏ء إلى أمر اللّه كما امرتم و افترض عليكم ٤ .

و كذلك ردّ على أبي موسى قوله كلّه عبد خير الخيواني كما مر في العنوان السابق .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الإمامة و السياسة ١ : ٦٧ .

 ( ٢ ) الحجرات : ٩ .

 ( ٣ ) الأنفال : ٣٩ .

 ( ٤ ) الإمامة و السياسة ١ : ٦٦ .

٧٣

و لو صحّت رواية المصنّف : ( قول هو لك و عليك ) ، فمحمول على أنّ ما نقله أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال له : إنّ هذه الفتنة النائم فيها خير من اليقظان ، قاله له خاصة لعلمه صلّى اللّه عليه و آله بانحرافه عنه ، فقال صلّى اللّه عليه و آله له : من كان في فتنة الناكثين نائما كسعد و ابن عمرو لم يخذلا النّاس عنه عليه السّلام كما لم ينصراه ، خير من أبي موسى الذي كان قائما بخذل النّاس عنه عليه السّلام .

و يشهد له رواية أبي مخنف : ( لمّا صعد أبو موسى المنبر و قال : كأني أسمع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بالأمس يذكر الفتن فيقول : أنت فيها نائما خير منك قاعدا إلى أن قال قام عمّار و قال له : إن كنت صادقا فإنّما عناك بذلك وحدك و اتخذ عليك الحجّة ، فالزم بيتك و لا تدخلن في الفتنة ، أما إنّي أشهد أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر عليّا بقتال الناكثين و سمّى له فيهم من سمّى و أمره بقتال القاسطين ، و إن شئت لأقيمن لك شهودا أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله إنّما نهاك وحدك و حذّرك من الدخول في الفتنة ثم قال له : اعطني يدك على ما سمعت فمد يده إليه فقال له عمّار :

غلب اللّه من غالبه و جاحده ثم جذبه فنزل ١ .

و رواه الطبريّ مختصرا ٢ .

« فاذا قدم رسولي » و لعل المراد به قرظة بن كعب الأنصاري كما مر عن ( المروج ) ٣ .

« عليك فارفع ذيلك » ( ارفع ذيلك ) كقولك شمّر ذيلك .

« و اشدد مئزرك » كقولك : ( اشدد حيازيمك ) .

« و اخرج من جحرك » قال ابن أبي الحديد : كناية غض عن أبي موسى

ــــــــــــ

 ( ١ ) نقله عنه المفيد في الجمل : ٢٥٢ .

 ( ٢ ) تاريخ الطبري ٤ : ٤٨٦ ٤٨٧ ، سنة ٣٦ .

 ( ٣ ) مروج الذهب ٢ : ٣٦٨ ٣٦٩ .

٧٤

جعله ثعلبا أو ضبا ١ .

قلت : فيه أوّلا : أنّ الجحر لم يأت للثعلب بل للضب و الحيّة ، و إنّما يأتي للثعلب كالأرنب المكو كما صرح به الثعالبي في ( فقه لغته ) ٢ .

و قال الشاعر :

و لا ترى الضب بها ينجحر

و في كلامه عليه السّلام : أو انجحر انجحار الضبة في جحرها ٣ و ثانيا : من أين أنّه كناية غض و ليس من قبيل قولهم : « دخلوا في مجاحرهم » أي : في مكامنهم ، و يشهد له كونه في سياق ( ارفع ذيلك و اشدد مئزرك ) ، فيكون الكل في معنى الأمر بالجد في الأمر و إنّ بعده .

« فاندب » أي : إلى حرب أهل البصرة .

« من معك » أي : من أهل الكوفة .

« فان تحققت » هكذا في ( المصرية ) ٤ ، و الصواب : ( فان حققت ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٥ .

« فانفذ » أي : إذا تبيّن لك ان حرب الناكثين حق فأجر الندب إليهم .

« و إن تفشلت » أي : خفت و جبنت من أن يكون حقّا .

« فابعد » من امرنا و عملنا .

« و ايم اللّه لتؤتين من حيث » هكذا في ( المصرية و ابن أبي الحديد ) ٦ ، و لكن

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ٢٤٧ .

 ( ٢ ) فقه اللغة للثعالبي : ٤٣٦ المكتبة التجارية ، مصر ، ١٩٣٨ م . و في نسخة ( كموء ) بدل ( مكو ) و هو قلب مكاني .

 ( ٣ ) نهج البلاغة ١ : ١١٣ ، الخطبة ٦٩ .

 ( ٤ ) في نهج البلاغة ٣ : ١٣٣ : فإن حقّقت .

 ( ٥ ) في شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ٢٤٦ : فإن تحقّقت ، و في شرح ابن ميثم ٥ : ٢٠٤ : فان حقّقت.

 ( ٦ ) نهج البلاغة ٣ : ١٣٣ ، شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ٢٤٦ .

٧٥

في ( ابن ميثم ) : ( حيث ) ١ .

« أنت و لا تترك حتّى يخلط زبدك » و الزبد : خلاصة اللبن التي تحصل مخضه .

« بخاثرك » و الخاثر : بقيّة اللبن الدون ، في ( الصحاح ) في المثل : « اخلط الخاثر بالزباد » و زباد اللبن بالضم و التشديد ما لا خير فيه ٢ .

و هو كما ترى فإنّ الظاهر أنّ الزباد بمعنى الزبد و أنّه أحسن اللبن ،

و الخاثر أدونه .

« و ذائبك بجامدك » في ( الصحاح ) : في المثل : « ما يدري أيخثر أم يذيب » ٣ .

« و حتّى تعجل عن » و في ( المصرية ) : ( في ) ٤ غلط .

« قعدتك » اي : لا تمهل حتّى تقعد ، فبعث عليه السّلام إليه الأشتر و كان على المنبر فلم يمهله يتم كلامه .

ففي الطبري : إنّ الأشتر استأذن عليا عليه السّلام في إتيان الكوفة بعد الحسن عليه السّلام و عمّار ، فأذن له فأقبل حتّى دخل الكوفة ، و قد اجتمع النّاس في المسجد الأعظم ، فجعل لا يمر بقبيلة يرى فيها جماعة في مجلس أو مسجد إلاّ دعاهم و يقول : اتبعوني إلى القصر ، فانتهى إلى القصر في جماعة من النّاس فاقتحم القصر و أبو موسى قائم في المسجد يخطب النّاس و يثبطهم إلى أن قال قال أبو مريم الثقفي : و اللّه إنّي لفي المسجد و عمّار يخاطب النّاس إذ خرج علينا غلمان أبي موسى يشتدون ينادون يا أبا موسى هذا الأشتر دخل القصر و ضربنا و أخرجنا فنزل أبو موسى فدخل القصر و صاح به الأشتر : اخرج

ــــــــــــ

 ( ١ ) في شرح ابن ميثم ٥ : ٢٠٤ : « من حيث » أيضا .

 ( ٢ ) الصحاح ٢ : ٤٨٠ ، مادة : ( زبد ) .

 ( ٣ ) الصحاح ١ : ١٢٩ ، مادة : ( ذوب ) .

 ( ٤ ) نهج البلاغة ٣ : ١٣٣ .

٧٦

من قصرنا ، أخرج اللّه نفسك ، فو اللّه إنّك لمن المنافقين قديما و دخل النّاس ينتهبون متاع أبي موسى ، فمنعهم الأشتر و قال : إنّي قد أخرجته فكفّ النّاس عنه ١ .

« و تحذّر من أمامك كحذرك من خلفك » و هو كناية عن كمال توجّه أسباب الخطر ، فإنّ الإنسان غالبا يحذر من خلفه الذي لا يراه ، لا من أمامه الذي نصب عينيه .

ثمّ الظاهر كونه إشارة إلى أنّه إن أدام برأيه في الخذلان عنه ، لم ينحصر خوفه بمن يأتيه من عنده ، بل يحصل له الخوف من بلد هو فيه ، فقد عرفت أنّه لمّا جاءه الأشتر و هدّده نهب النّاس متاعه .

« و ما هي » أي : خصلته التي تخلق بها من خذلان النّاس عنه عليه السّلام .

« بالهوينا » تصغير الهون ، و من الغريب عدم تعرّض كتب اللغة حتّى ( القاموس ) له.

« الّتي ترجو » رجا أبو موسى لما هوّن عمر أمره عليه السّلام بتفويض الأمر إلى بني اميّة بنصب عثمان أن يكون أمره عليه السّلام هيّنا حتّى يقدر هو على مخالفته عليه السّلام.

« و لكنّها الداهية الكبرى » أي : أمر عظيم و شدّة شديدة .

« يركب جملها » فيهزم الناكثين و أهل الجمل .

« و يذلّ صعبها و يسهل جبلها » في القاسطين ، فيقتل عليه السّلام منهم حتّى أرادوا الفرار .

هذا و قال ابن أبي الحديد : معنى قوله عليه السّلام : « و ايم اللّه لتؤتين من حيث أنت » إن أقمت على تثبيط أهل الكوفة ، ليأتينكم و أنتم في منازلكم أهل البصرة

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٤٨٦ ٤٨٧ ، سنة ٣٦ .

٧٧

مع طلحة ، و نأتينّكم نحن بأهل المدينة فيجتمع عليكم سيفان من أمامكم و خلفكم .

قال : و معنى قوله عليه السّلام : « و تحذّر من أمامك كحذرك من خلفك » إن أقمت على منع النّاس عن الحرب معنا و معهم ، يأتيك أهل البصرة و أهل المدينة فتكون كما قال تعالى : إذ جاؤكم من فوقكم و من أسفل منكم . . . ١ .

قال : و معنى قوله عليه السّلام : « يركب جملها و يذل صعبها و يسهل جبلها » لا تقل إنّ هذا أي قصد الجيوش من الجانبين الكوفة أمر صعب فإنّه إن دام الأمر على ما أشرت إلى أهل الكوفة من التخاذل ، ليرتكبن أهل المدينة و أهل البصرة هذا المستصعب فنطلب نحن و أهل البصرة ان نملك الكوفة فيجتمع عليها الفريقان ٢ .

قلت : و كلامه كما ترى بمراحل فأي وجه لأن يوعد عليه السّلام أهل الكوفة فلم يكونوا كأهل البصرة منابذين له عليه السّلام ؟ و إنّما كان أبو موسى شخصه منابذا له عليه السّلام ، و لم يكن سلطان الكوفة حتّى يحتاج إلى جمع جيشه عليه السّلام و جيش طلحة و الزبير عليه ، فقد عرفت أنّه عليه السّلام لمّا بعث الأشتر وحده إليه فر ، و إمارته إنّما كانت من قبله عليه السّلام بطلب الأشتر أوّلا ذلك منه ، و بعزله كان يصير نفرا من عرض النّاس ، و من ولاّه بدله كان يقدر على عقوبته كل العقوبة .

فمرّ رواية أبي مخنف في بعثه عليه السّلام ابن عبّاس و محمّد بن أبي بكر إليه و كتابه عليه السّلام إليه : فإذا ظهرا عليك قطعاك اربا ٣ .

و مرّ رواية الطبري في بعثه عليه السّلام قرظة إليه ، و كتابه إليه : فإذا نابذته

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأحزاب : ١٠ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ٢٤٧ ٢٤٨ .

 ( ٣ ) نقله ابن أبي الحديد في شرح النهج ١٤ : ٩ ١٠ .

٧٨

فظفر أمرته أن يقطّعك آرابا ١ .

مع أنّ أبا موسى انّما كان يثبّط النّاس عنه عليه السّلام ، لأنّه كان يعلم أنّه عليه السّلام لا يستعمل مثله منافقا ، و أما طلحة و الزبير فإن كانا غلبا لم يخش منهما عدم توليته لكونهم جميعا على رأي واحد ، و إنّما أمر أهل الكوفة بملازمة بيوتهم لأنّه لم يتوقع منهم مساعدة طلحة و الزبير ، فإنّ ميلهم كان معه عليه السّلام لا معهما ،

و كان يقول لأهل الكوفة كما روى أبو مخنف : أنّ عليّا إنّما يستنفركم لجهاد امّكم عايشة و طلحة و الزبير حواري النّبيّ . و كان يقول لأهل الكوفة كما روى الواقدي : إنّ عايشة كتبت إليّ أن اكفني من قبلك ، و هذا عليّ قادم إليكم يريد أن يسفك بكم دماء المسلمين ٢ . و بالجملة تفسيره في غاية السقوط .

« فاعقل عقلك » أي : احبس عقلك عن الخطأ .

« و املك أمرك » بأن لا تتبع هواك .

« و خذ نصيبك و حظّك » أي : من أمري .

« فإن كرهت » أمري .

« فتنحّ » أي : ابعد .

« إلى غير رحب » أي : سعة .

« و لا في نجاة » من بأس اللّه .

« فبالحري » أي : فبالجدير .

« لتكفين و أنت نائم حتّى لا يقال أين فلان » أي : يأخذ البيعة من أهل الكوفة رجال كثيرون ، و لا يحتاج ذلك إليك حتّى يسأل عنك و لا أثر لوجودك .

« و اللّه إنّه لحق مع محق » قال ابن أبي الحديد : إشارة إلى قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٥٠٠ ، سنة ٣٦ .

 ( ٢ ) الجمل للمفيد : ٢٥٧ .

٧٩

فيه عليه السّلام اللهمّ أدر الحق معه حيثما دار ١ .

قلت : و روى أبو مخنف : إنّ رجلا قام إليه عليه السّلام فقال : أي : فتنة أعظم من هذه ؟ إنّ البدرية تمشي بعضها إلى بعض بالسيف فقال عليه السّلام : ويحك أتكون فتنة أنا أميرها و قائدها ، و الذي بعث محمّدا بالحق و كرّم وجهه ما كذبت و لا كذبت ، و لا ظللت و لا ضلّ بي ، و لا زللت و لا زلّ بي ، و إنّي لعلى بيّنة من ربي بيّنها اللّه لرسوله و بيّنها رسوله لي ٢ .

و روى ابن ديزيل عن يحيى بن سليمان ، عن يحيى بن عبد الملك ، عن إسماعيل بن رجاء ، عن محمّد بن فضيل ، عن الأعمش عن أبي سعيد الخدري قال : كنّا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم فانقطع شسع نعله فألقاها إلى عليّ عليه السّلام يصلحها ثم قال : إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله . فقال أبو بكر :

أنا هو ؟ قال : لا فقال عمر : أنا هو ؟ قال : لا ، و لكنّه خاصف النعل و يد عليّ عليه السّلام على نعل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم يصلحها . قال أبو سعيد : فأتيت عليّا عليه السّلام فبشّرته بذلك ، فلم يحفل به كأنّه شي‏ء كان علمه من قبل ٣ .

و روى محمّد بن يعقوب عن حفص بن غياث عن جعفر بن محمّد عليه السّلام :

أنّ رجلا سأل أباه عن حروب جدّه عليّ عليه السّلام فقال له : بعث اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه و آله بخمسة أسياف ثلاثة منها شاهرة و سيف مكفوف إلى أن قال و أمّا السيف المكفوف فسيف على أهل البغي و التأويل ، قال تعالى : و إن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا إلى فقاتلوا التي تبغي حتّى تفي‏ء إلى أمر اللّه . . . ٤ . فلمّا نزلت هذه الآية قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله : إنّ منكم من يقاتل بعدي على التأويل ، كما

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ٢٤٩ .

 ( ٢ ) نقله عنه ابن أبي الحديد في شرح النهج ١ : ٢٦٥ .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٠٧ .

 ( ٤ ) الحجرات : ٩ .

٨٠

قاتلت على التنزيل ، فسئل من هو ؟ قال : خاصف النعل و كان عليّ عليه السّلام يخصف نعله . . . ١ .

و روى ابن ديزيل عن يحيى بن سليمان عن أبي فضيل عن إبراهيم الهجري عن أبي صادق قال : قدم علينا أبو أيوب الأنصاري العراق ، فأهدت له الأزد جزرا بعثوها معي ، فدخلت عليه و قلت له : يا أبا أيّوب قد كرّمك اللّه بصحبة نبيّه و نزوله عليك ، فمالي أراك تستقبل النّاس بسيفك تقاتل هؤلاء مرّة و هؤلاء مرّة ؟ فقال : إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عهد إلينا أن نقاتل مع عليّ عليه السّلام الناكثين فقد قاتلناهم و عهد إلينا أن نقاتل معه القاسطين فهذا وجهنا إليهم يعني معاوية و أصحابه و عهد إلينا نقاتل معه المارقين و لم أرهم بعد ٢ .

« و ما أبالي » هكذا في ( المصرية ) ٣ ، و الصواب : ( و ما يبالي ) بالياء ،

و الفاعل ضمير ( محق ) ، كما يشهد له ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٤ .

« ما صنع الملحدون » كأبي موسى و من تخلّف عنه ، و مر قول الأشتر لأبي موسى : فو اللّه إنّك لمن المنافقين قديما .

و في ( الاستيعاب ) : و لم يزل أبو موسى واجدا على عليّ عليه السّلام بعد عزله عن الكوفة حتّى جاء منه ما قال حذيفة ، فقد روى فيه حذيفة كلاما كرهت ذكره ٥ .

و نقل ذلك ابن أبي الحديد عن ( الاستيعاب ) في موضع آخر من الكتاب .

و قال : مراده بكلام حذيفة الذي كره ذكره ، أنّ أبا موسى ذكر عند حذيفة

ــــــــــــ

 ( ١ ) الكافي ٥ : ١٠ ١٢ ، و النقل بتصرّف و تلخيص .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٠٧ .

 ( ٣ ) نهج البلاغة ٣ : ١٣٤ .

 ( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ٢٤٦ ، شرح ابن ميثم ٥ : ٢٠٦ .

 ( ٥ ) الاستيعاب بهامش الإصابة ٢ : ٣٧٢ .

٨١

بالدين فقال : أمّا أنتم فتقولون ذلك ، و أمّا أنا فأشهد أنّه عدوّ للّه و لرسوله و حرب لهما في الحياة الدّنيا و يوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم و لهم سوء الدار ، و كان حذيفة عارفا بالمنافقين أسرّ إليه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمرهم و أعلمه أسماءهم ١.

و قال أيضا : و روي أنّ عمّارا سئل عن أبي موسى ، فقال : لقد سمعت فيه من حذيفة قولا عظيما يقول : « هو صاحب البرنس الأسود » ثم كلح منه كلوحا علمت منه انّه كان ليلة العقبة بين ذلك الرهط ٢ .

و روى الطبريّ في ( ذيله ) : أنّ أبا موسى لقي أبا ذرّ فجعل يلزمه ، و يقول له أبو ذرّ : إليك عنّي . و يقول له أبو موسى : مرحبا بأخي . و يقول له أبو ذرّ :

لست بأخيك ٣ .

و روى ( أمالي المفيد ) : أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال : تفترق امّتي ثلاث فرق إلى أن قال و فرقة مدهدهة على ملّة السامري لا يقول لا مساس و لكنّهم يقولون : لا قتال ، إمامهم أبو موسى ٤ .

و مرّ قوله عليه السّلام في سابقه في أبي موسى لمّا صار حكما : و إنّما عهدكم بأبي موسى بالأمس يقول : إنّها فتنة ، فإن كان صادقا فقد أخطأ بمسيره غير مستكره ، و إن كان كاذبا فقد لزمته التهمة .

و مر خبر سويد بن غفلة أنّ أبا موسى قال أيّام عثمان : قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إنّ بني إسرائيل اختلفوا فلم يزل الاختلاف بينهم حتّى بعثوا حكمين ضالّين ضلاّ و أضلاّ من اتّبعهما و لا ينفك أمر امتي حتّى يبعثوا حكمين يضلاّن

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٣ : ٣١٤ ٣١٥ .

 ( ٢ ) المصدر نفسه ١٣ : ٣١٥ .

 ( ٣ ) ذيل تاريخ الطبري ١١ : ٥٣٣ .

 ( ٤ ) الأمالي للمفيد : ٣٠ .

٨٢

و يضلاّن من تبعهما فقال له سويد : احذر يا أبا موسى أن تكون أحدهما .

فخلع قميصه و قال : أبرأ إلى اللّه من ذلك كما من قميصي هذا . . . ١ .

و كان عليه السّلام يقنت عليه في صلاته ، كما يقنت على معاوية و عمرو بن العاص ، و يقول : اللهمّ العن معاوية أوّلا ، و عمرا ثانيا ، و أبا الأعور ثالثا ، و أبا موسى رابعا ٢ .

و كطلحة و الزبير و غيرهما من المخالفين له عليه السّلام . روى الحميري في ( قرب إسناده ) عن محمّد بن عبد الحميد و عبد الصمد بن محمّد بن حنان بن سدير عن الصادق عليه السّلام قال : دخل عليّ اناس من أهل البصرة فسألوني عن طلحة و الزبير فقلت لهم: كانا من أئمّة الكفر ، إنّ عليّا عليه السّلام يوم البصرة لمّا صفّت الخيل قال لأصحابه : لا تعجلوا على القوم حتّى أعذر في ما بيني و بين اللّه تعالى ، فقام إليهم فقال : يا أهل البصرة هل تجدون عليّ جورا في حكم ؟

قالوا : لا ، قال : فحيفا في قسم ؟ قالوا : لا ، قال : فرغبة في دنيا أخذتها لي و لأهل بيتي دونكم فنقمتم عليّ ؟ قالوا : لا ، قال : فأقمت فيكم الحدود و عطّلتها عن غيركم ؟ قالوا : لا ، قال : فما لبيعتي تنكث و بيعة غيري لا تنكث ؟ إنّي ضربت الأمر أنفه و عينه، فلم أجد إلاّ الكفر أو السيف ، إنّ اللّه تعالى يقول في كتابه :

و إن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم و طعنوا في دينكم فقاتلوا أئمّة الكفر إنّهم لا أيمان لهم لعلّهم ينتهون ٣ ، و الذي فلق الحبة و برأ النسمة و اصطفى محمّدا صلّى اللّه عليه و آله بالنبوّة إنّهم لأصحاب هذه الآية و ما قوتلوا منذ نزلت ٤ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٣ : ٣١٥ .

 ( ٢ ) نقله العلاّمة المجلسي في البحار ، ط الكمباني ٨ : ٥٦٥ ٥٦٦ .

 ( ٣ ) التوبة : ١٢ .

 ( ٤ ) قرب الإسناد : ٩٦ ٩٧ ح ٣٢٧ ، تفسير العياشي ٢ : ٧٧ .

٨٣

« و السلام » هكذا في ( المصرية و ابن أبي الحديد ) ١ ، و ليس في ( ابن ميثم ) ٢ .

٩

الخطبة ( ١٧٠ ) و من كلام له عليه السّلام كلّم به بعض العرب ، و قد أرسله قوم من أهل البصرة ، لما قرب عليه السلام منها ، ليعلم لهم منه حقيقة حاله مع أصحاب الجمل لتزول الشبهة من نفوسهم ، فبيّن له عليه السّلام من أمره معهم ما علم به أنّه على الحقّ ، ثمّ قال له : بايع ، فقال : إنّي رسول قوم ،

و لا احدث حدثا حتى أرجع إليهم . فقال عليه السّلام :

أَ رَأَيْتَ لَوْ أَنَّ اَلَّذِينَ وَرَاءَكَ بَعَثُوكَ رَائِداً تَبْتَغِي لَهُمْ مَسَاقِطَ اَلْغَيْثِ فَرَجَعْتَ إِلَيْهِمْ وَ أَخْبَرْتَهُمْ عَنِ اَلْكَلَإِ وَ اَلْمَاءِ فَخَالَفُوا إِلَى اَلْمَعَاطِشِ وَ اَلْمَجَادِبِ مَا كُنْتَ صَانِعاً قَالَ كُنْتُ تَارِكَهُمْ وَ مُخَالِفَهُمْ إِلَى اَلْكَلَإِ وَ اَلْمَاءِ فَقَالَ ع فَامْدُدْ إِذاً يَدَكَ فَقَالَ اَلرَّجُلُ فَوَاللَّهِ مَا اِسْتَطَعْتُ أَنْ أَمْتَنِعَ عِنْدَ قِيَامِ اَلْحُجَّةِ عَلَيَّ فَبَايَعْتُهُ ع وَ اَلرَّجُلُ يُعْرَفُ ؟ بِكُلَيْبٍ اَلْجَرْمِيِّ ؟ أقول : الأصل فيه رواية الطبريّ و رواية الواقدي ففي الأوّل : أخرج زياد بن أيّوب إليّ كتابا فيه أحاديث عن شيوخ منها : حدّثنا مصعب بن سلام التميميّ ، عن محمّد بن سوقة ، عن عاصم بن كليب الجرمي عن أبيه قال :

ــــــــــــ

 ( ١ ) نهج البلاغة ٣ : ١٣٤ ، شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ٢٤٦ .

 ( ٢ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٢٠٤ .

٨٤

رأيت فيما يرى النّائم أنّ رجلا يلي امور النّاس مريضا على فراشه و عند رأسه امرأة ، و النّاس يريدونه و يبهشون إليه ، فلو نهتهم المرأة لانتهوا ، و لكنّها لم تفعل فأخذوه فقتلوه ، فكنت أقص رؤياي على النّاس في السفر و الحضر فيعجبون و لا يدرون ما تأويلها ، فلمّا قتل عثمان و أتانا الخبر و نحن راجعون من غزاتنا ، فقال أصحابنا : رؤياك يا كليب . فانتهينا إلى البصرة فلم نلبث إلاّ قليلا حتّى قيل هذا طلحة و الزبير معهما امّ المؤمنين فراع النّاس و تعجبوا ، فإذا هم يزعمون للناس أنّهم خرجوا غضبا لعثمان و توبة مما صنعوا من خذلانه .

و إنّ امّ المؤمنين تقول : غضبنا لكم على عثمان في ثلاث : امارة الفتى و موقع الغمامة و ضربة السوط و العصا ، فما أنصفنا إن لم نغضب له عليكم في ثلاث جررتموها إليه حرمة الشهر و البلد و الدم .

فقال النّاس : أفلم تبايعوا عليّا و تدخلوا في أمره ؟ فقالوا : دخلنا و اللج على أعناقنا إذ قيل هذا عليّ عليه السّلام قد أظلّكم فقال قومنا لي و لرجلين معي :

انطلقوا حتّى تأتوا عليّا عليه السّلام و أصحابه فسلوهم عن هذا الأمر الذي قد اختلط علينا . فخرجنا حتّى إذا دنونا من العسكر طلع علينا رجل جميل على بغلة ،

فقلت لصاحبيّ : أرأيتم المرأة التي كنت احدثكم عنها ؟ إنّها كانت عند رأس الوالي ، فإنّها أشبه النّاس بهذا . ففطن أنّا نخوض فيه ، فلمّا انتهى قال : قفوا ما الذي قلتم حين رأيتموني ؟ فأبينا عليه ، و قال : و اللّه لا تبرحون حتّى تخبروني .

فدخلتنا منه هيبة ، فأخبرناه فجاوزنا و هو يقول : و اللّه رأيت عجبا . فقلنا لأدنى أهل العسكر إلينا : من هذا ؟ فقال : محمّد بن أبي بكر . فعرفنا أنّ تلك المرأة عايشة ، فازددنا لأمرها كراهية و انتهينا إلى عليّ عليه السّلام فسلّمنا عليه ثم سألناه عن هذا الأمر ، فقال : عدا النّاس على هذا الرجل و أنا معتزل فقتلوه ، ثم ولّوني و أنا كاره ، و لو لا خشية على الدين لم أجبهم ، ثمّ طفق هذان في النكث فأخذت

٨٥

عليهما و أخذت عهودهما عند ذلك و أذنت لهما في العمرة ، فقدما على امّهما فرضيا لهما ما رغبا لنسائهما عنه ، و عرضاها لما لا يحل و لا يصلح ، فاتبعتهما لكيلا يفتقوا في الإسلام فتقا و لا يفرّقوا جماعة . فصاح بنا أصحاب عليّ عليه السّلام :

« بايعوا بايعوا » فبايع صاحباي ، و أمّا أنا فأمسكت و قلت : بعثني قومي لأمر و لا احدث شيئا حتّى أرجع إليهم . فقال عليّ عليه السّلام : فإن لم يفعلوا ؟ فقلت : لم أفعل ، فقال : أرأيت لو أنّهم بعثوك رائدا فرجعت إليهم فأخبرتهم عن الكلأ و الماء فمالوا إلى المعاطش و الجدوبة ما كنت صانعا ؟ قلت : كنت تاركهم و مخالفهم إلى الكلأ و الماء قال : « فمدّ يدك » ، فو اللّه ما استطعت أن امتنع فبسطت يدي فبايعت . و كان يقول : عليّ عليه السّلام من أدهى العرب ١ .

و في الثاني كما في ( جمل المفيد ) شيبان بن عبد الرحمن عن عاصم بن كليب عن أبيه قال : لمّا قتل عثمان ما لبثنا إلاّ قليلا ، حتّى قدم طلحة و الزبير البصرة ، ثم ما لبثنا إلاّ يسيرا حتّى أقبل عليّ عليه السّلام بذي قار ، فقال شيخان من الحي : اذهب بنا إلى هذا الرجل ننظر ما يدعو إليه ، فلمّا أتينا بذي قار قدمنا إلى أذكى العرب فو اللّه لدخل علي نسب قومي فجعلت أقول : هو أعلم به منّي و أطوع فيهم ، إلى أن قال : فقال : أفلا تبايعوني ؟ فبايعه الشيخان اللذان كانا معي و توقفت عن بيعته ، فجعل رجال عنده قد أكل السجود وجوههم يقولون :

بايع بايع .

فقال عليه السّلام : دعوا الرجل . فقلت : إنّما بعثني قومي رائدا و سأنهي إليهم ما رأيت ، فإن بايعوا بايعت . فقال : أرأيت لو أنّ قومك بعثوك رائدا فرأيت روضة و غديرا فقلت يا قومي النجعة النجعة فأبوا ما كنت بمستنجع بنفسك ، فأخذت بإصبع من أصابعه ، فقلت : ابايع على أن اطيعك ما أطعت اللّه ، فإذا عصيته فلا

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٤٩٠ ٤٩١ ، سنة ٣٦ .

٨٦

طاعة لك عليّ ، فقال : نعم . و طوّل صوته . . . ١ .

قول المصنّف « و من كلام له عليه السّلام كلّم به بعض العرب » هو كليب بن شهاب الجرمي .

« و قد أرسله قوم من أهل البصرة » قد عرفت من رواية الطبري أنّ أولئك القوم قومه ( جرم ) .

« لمّا قرب عليه السّلام منها » قد عرفت من رواية الواقدي أنّه عليه السّلام كان نزل ذاقار .

« ليعلم لهم منه حقيقة حاله مع أصحاب الجمل » لأنّهم كانوا قالوا لهم :

خرجنا غضبا لعثمان و كانت بيعتنا لعليّ مكرها .

« لتزول الشبهة من نفوسهم فبيّن له عليه السّلام » هكذا في ( المصرية و ابن أبي الحديد ) ٢ ، و هو و إن كان صحيحا ، إلاّ أنّ الأوضح أن يقال : « فبيّن عليه السّلام له » كما لا يخفى .

« من أمره معهم ما علم به أنّه على الحق » و هو أنّه عليه السّلام كان معتزلا عن أمر عثمان ، و لم يجبر أحدا على البيعة ، و إنّما أكرهه النّاس على قبوله البيعة .

« ثم قال له بايع » قد عرفت من رواية الطبري أنّ أصحابه عليه السّلام بعد مشاهدة إتمام الحجّة عليه قالوا له و لصاحبيه : بايعوا .

« فقال إنّي رسول قوم و لا احدث حدثا حتّى أرجع إليهم » قد عرفت من رواية الطبري : أنّه عليه السّلام قال له : فإن لم يفعلوا ؟ فأجاب : إنّي أيضا لا أفعل .

فرد عليه السّلام عليه بالعنوان .

« فقال عليه السّلام » هو تأكيد و إلاّ فهو زائد بعد قوله : ( و من كلام له عليه السّلام ) .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الجمل للمفيد : ٢٩٠ ٢٩٢ .

 ( ٢ ) نهج البلاغة ٢ : ١٠٠ ، شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٢٩٩ .

٨٧

ثم إنّ ما نقلنا من قول المصنّف هو في ( المصرية و ابن أبي الحديد ) ١ ،

و أمّا ( ابن ميثم ) فبدّله بقوله : ( و من كلام له عليه السّلام ) لمّا قال لكليب الجرمي قبل وقعة الجمل : بايع . فقال : إنّي رسول قوم و لا احدث حدثا دونهم حتّى أرجع إليهم فقال ٢ ، و نسخة ( ابن ميثم ) بخط المصنّف ، فمن المحتمل ان المصنّف استنسخه ثانيا فزاد و نقص و غيّر فطول و اختصر .

قوله عليه السّلام « أ رأيت » في ( الصحاح ) : قد يحذف همز رأيت قال : صاح هل ريت أو سمعت براع ردّ في الضرع ما فرى في الحلاب ٣ .

« لو أنّ الذين من ورائك » و هم قومه جرم .

« بعثوك رائدا » في ( الصحاح ) : الرائد الذي يرسل في طلب الكلاء ( راد الكلاء يروده رودا و ريادا و ارتاده ارتيادا ) بمعنى ، أي : طلبه ٤ .

« تبتغي » أي : تطلب .

« لهم مساقط الغيث » مواضع نزول المطر فاخضرت و حصل كلاء .

« فرجعت إليهم و أخبرتهم عن الكلاء » أي : العشب .

« و الماء فخالفوا » من الكلاء و الماء .

« إلى المعاطش » مواضع العطش التي لا ماء فيها .

« و المجاذب » أي : محال المحل و القحط .

« ما كنت صانعا » توافقهم أو تخالفهم .

« قال كنت تاركهم و مخالفهم إلى الكلاء و الماء » فان كل عاقل يفعل ذلك .

« فقال عليه السّلام فامدد إذن يدك » يعني كما يحكم العقل ثمة بوجوب مخالفتهم

ــــــــــــ

 ( ١ ) نهج البلاغة ٢ : ١٠٠ ، شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٢٩٩ .

 ( ٢ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٣٢٦ .

 ( ٣ ) الصحاح ٦ : ٢٣٤٨ ، مادة : ( رأى ) و البيت لإسماعيل بن بشّار .

 ( ٤ ) المصدر نفسه ٢ : ٤٧٨ ، مادة : ( رود ) .

٨٨

كذلك هنا بل هنا أولى ، لأن ثمة يحصل إلاّ من الهلكة موقتا و هنا أبدا .

ثم ( إذن يدك ) في ( المصرية و ابن أبي الحديد ) ١ ، و لكن في ( ابن ميثم ) :

( يدك إذن ) ٢ .

« فقال الرجل : فو اللّه ما استطعت أن أمتنع عند قيام الحجّة عليّ فبايعته » و نظير بعث جرم رجلا منهم إليه عليه السّلام فرآه على الحق فأقرّ به عليه السّلام ، بعث طلحة و الزبير و بعث عايشة رجلا فاهتدى به .

روى الكافي في ( باب ما يفصل به بين دعوى المحقّ و المبطل في أمر الإمامة ) : أنّ طلحة و الزبير بعثا رجلا من عبد القيس يقال له ( خداش ) إلى أمير المؤمنين عليه السّلام ، و قالا له : إنّا نبعثك إلى رجل طال ما نعرفه و أهل بيته بالسحر و الكهانة ، و أنت أوثق من بحضرتنا من أنفسنا أن تحاجّه لنا ، و اعلم أنّه أعظم النّاس دعوى فلا يكسرنك ذلك عنه و من الأبواب التي يخدع بها النّاس الطعام و الشراب و العسل و الدهن ، فلا تأكل له طعاما و لا تشرب له شرابا ، و لا تمس له عسلا و لا دهنا و لا تخل معه . و احذر هذا كلّه منه فإذا رأيته فاقرأ آية السخرة ،

و تعوّذ باللّه من كيده و كيد الشيطان ، فإذا جلست إليه فلا تمكّنه من بصرك كلّه و لا تستأنس به . ثم قل له : إنّ أخويك في الدين و ابني عمّك في القرابة يناشدانك القطيعة ، و يقولان لك : أما تعلم انّا تركنا النّاس لك و خالفنا عشائرنا فيك منذ قبض اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه و آله ، فلمّا نلت أدنى مناك ، ضيّعت حرمتنا و قطعت رجاءنا ، ثم قد رأيت أفعالنا فيك و قدرتنا على النّاس ، و إنّ من كان يصرفك عنّا و عن صلتنا كان أقل نفعا لك و أضعف دفعا منا ، و قد وضح الصبح لذي عينين و قد بلغنا انتهاك منك لنا و دعاء علينا ، فما الذي يحملك على ذلك ؟ فقد كنّا نرى

ــــــــــــ

 ( ١ ) نهج البلاغة ٢ : ١٠١ ، شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٢٩٩ .

 ( ٢ ) في شرح ابن ميثم ٣ : ٣٢٦ : إذا يدك أيضا .

٨٩

أنّك أشجع فرسان العرب ، أتتخذ اللعن دينا و ترى أنّ ذلك يكسرنا عنك ؟ . فلما أتى خداش إليه عليه السّلام صنع ما أمراه به ، فلمّا نظر عليه السّلام إليه و هو يناجي نفسه ضحك ، و أشار له إلى مجلس قريب منه : ادن هاهنا . فقال : ما أوسع المكان ،

اريد أن اؤدي إليك رسالة . فقال عليه السّلام له : بل تطعم و تشرب و تحل ثيابك و تدهن ثم تؤدي رسالتك . قم يا قنبر فأنزله .

قال : مالي إلى شي‏ء ممّا ذكرت حاجة .

قال : فأخلو بك .

قال : كل سر لي علانية .

فقال عليه السّلام له : هل علماك كلاما تقوله إذا أتيتني ؟ قال : اللهمّ نعم . قال عليه السّلام :

آية السخرة ؟ قال : نعم . قال : فاقرأها . و جعل عليه السّلام يكرّرها و يردّدها و يصحّح عليه إذا أخطأ ، حتّى قرأها سبعين مرّة . فقال الرجل : ما يرى أمير المؤمنين يرددها سبعين مرّة . قال : أتجد قلبك اطمأن ؟ قال : أي و الذي نفسي بيده . قال :

فما قالا لك ؟ فأخبره و قال : قل لهما كفى بنطقكما حجّة عليكما ، و لكن اللّه لا يهدي القوم الظالمين ، زعمتم أنّكم أخواي في الدين و أبناء عمّي في النسب ، أمّا النسب فلا انكره و إن كان النسب مقطوعا ، إلاّ ما وصله اللّه ، و أمّا قولكما إنّكما أخواي في الدين ، فإن كنتما صادقين فقد فارقتما كتاب اللّه و عصيتما أمره ،

بأفعالكما في أخيكما في الدين ، و إلاّ فقد كذبتما و افتريتما بادعائكما أنّكما أخواي في الدين . و أما مفارقتكما النّاس منذ قبض اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه و آله ، فإن كنتما فارقتما النّاس بحق فقد نقضتما ذلك الحق بفراقكما إيّاي أخيرا ، و إن فارقتماهم بباطل فقد وقع إثم ذلك الباطل عليكما مع الحدث الذي أحدثتما ، مع أنّ صفتكما بمفارقتكما النّاس لم يكن إلاّ لطمع الدّنيا ، زعمتما و ذلك قولكما فقطعت رجاءنا و أنتما لا تعيبان بحمد اللّه من ديني شيئا ، و أمّا الذي صرفني

٩٠

عن صلتكما فالذي صرفكما عن الحق و حملكما على خلعه من رقابكما ، كخلع الحرون لجامه هو اللّه ربي لا اشرك به شيئا فلا تقولا أقل نفعا و أضعف دفعا ،

فتستحقا اسم الشرك مع النفاق .

و أما قولكما إنّي اشجّع فرسان العرب و هربكما من لعني و دعائي ، فإن لكل موقف عملا ، فاذا اختلفت الأسنة و ماجت لبود الخيل و ملأ سحراكما أجوافكما فثم يكفيني اللّه بكمال القلب .

و أما إذ أبيتما بأنّي أدعو اللّه فلا تجرعا من أن يدعو عليكما رجل ساحر من قوم سحرة زعمتما ، اللهم اقعص الزبير بشرّ قتلة و اسفك دمه على ضلاله ، و عرف طلحة المذلّة ، و ادخر لهما في الآخرة شرّا من ذلك إن كانا ظلماني و افتريا عليّ و كتما شهادتهما و عصياك و عصيا رسولك فيّ قل آمين قال خداش : آمين .

ثم قال خداش لنفسه : و اللّه ما رأيت لحية قط أبين خطأ منك ، حامل حجّة ينقض بعضها بعضا لم يجعل اللّه لهما مساكا ، أنا بري‏ء إلى اللّه منهما و قال عليه السّلام له : ارجع إليهما و أعلمهما ما قلت . قال : لا و اللّه حتّى تسأل اللّه أن يردّني إليك عاجلا ، و أن يوفقني لرضاه فيك . ففعل فلم يلبث أن انصرف و قتل معه عليه السّلام يوم الجمل ١ .

و روى ( بصائر الصفار ) في ( باب أنّهم عليهم السّلام يخبرون شيعتهم بأفعالهم و أفعال غيرهم و هم غيب ) : أنّ عايشة قالت : التمسوا لي رجلا شديد العداوة لهذا الرجل ، حتّى أبعثه إليه . فأتيت به ، فمثل بين يديها ، فرفعت إليه رأسها فقالت له : ما بلغت من عداوتك لهذا الرجل ؟

فقال : كثيرا ما أتمنى على ربّي أنّه و أصحابه في وسطي فضربته

ــــــــــــ

 ( ١ ) الكافي ١ : ٣٤٣ ٣٤٥ بتصرّف و تلخيص من الشارح .

٩١

ضربة بالسيف يسبق السيف الدم . قالت : فأنت له اذهب بكتابي هذا فادفعه إليه ، ظاعنا رأيته أو مقيما ، أما إنّك إن رأيته ظاعنا رأيته راكبا على بلغة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله متنكبا قوسه ، معلقا كنانته على قربوس سرجه و أصحابه خلفه كأنّهم طير صواف فتعطيه كتابي هذا ، و إن عرض عليك طعامه و شرابه فلا تناولن منه شيئا فإن فيه السحر.

قال : فاستقبلت عليّا عليه السّلام فناولته الكتاب ، ففضّ خاتمه ثم قرأه فقال : تبلغ إلى منازلنا فتصيب من طعامنا و شرابنا ، فنكتب جواب كتابك . فقال : هذا ما لا يكون . فسار خلفه و أحدق به أصحابه .

ثم قال له : أسألك ؟ قال : نعم . قال : و تجيبني ؟ قال : نعم . قال : نشدتك اللّه هل قالت عايشة : التمسوا لي رجلا شديد العداوة لهذا الرجل ؟ فاتي بك ، فقالت لك : ما بلغ من عداوتك لهذا الرجل ؟ فقلت : كثيرا ما أتمنى على ربّي أنّه و أصحابه في وسطي ، و أنا ضربته ضربة سبق السيف الدم ؟ قال : اللهمّ نعم .

قال : فنشدتك اللّه أقالت لك : اذهب بكتابي هذا فادفعه إليه ظاعنا كان أو مقيما أما إنّك إن رأيته على بلغة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ، متنكبا قوسه ، معلقا كنانته بقربوس سرجه و أصحابه خلفه كأنّهم طير صواف ؟ قال : اللهم نعم .

قال عليه السّلام : فنشدتك اللّه هل قالت لك : إن عرض عليك طعامه و شرابه فلا تناولن منه شيئا فإنّ فيه السحر ؟ قال : اللهمّ نعم . قال : فتبلغ أنت عني ؟ فقال :

اللهمّ نعم ، فاني قد أتيتك و ما في الأرض خلق أبغض إليّ منك ، و أنا الساعة ما في الأرض خلق أحبّ إليّ منك ، فمرني بما شئت .

قال عليه السّلام : ارجع إليها بكتابي هذا ، و قل لها : ما أطعت اللّه حيث أمرك بلزوم بيتك فخرجت ترددين في العسكر .

و قل لهما : ما أنصفتما اللّه و رسوله حيث خلفتم حلائلكم في بيوتكم

٩٢

و أخرجتم حليلة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فجاء بكتابه فطرحه إليها و أبلغها مقالته ، ثم رجع إليه فاصيب بصفّين ، فقالت : ما نبعث إليه بأحد إلاّ أفسده علينا ١ .

قول المصنّف :

« و الرجل يعرف بكليب الجرمي » .

هكذا في ( المصرية و ابن أبي الحديد ) ٢ ، و ليس في ( ابن ميثم ) ٣ ، و كيف كان فكليب الجرمي عنونه ( الاستيعاب ) . و روى أنّه قال : خرجت مع أبي إلى جنازة شهدها النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أنا غلام أفهم و أعقل ، فقال صلّى اللّه عليه و آله : إنّ اللّه تعالى يحب من العاقل إذا عمل عملا أن يحسن ٤ .

قلت : الأصل في خبره كما روى ( الكافي ) : أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله رأى في قبر عثمان بن مظعون خللا فقال ذلك .

و الرجل و إن كان قال أنا في حال كوني غلاما أفهم و أعقل ، إلاّ أنّه بعد صيرورته شيخا ما كان يعقل ، فتوهم أنّه يجوز له تقليده قومه في أمر الدين كأمر الدّنيا ، حتّى ضرب عليه السّلام له المثل مع أن مثله فطري و لذا بايع صاحباه .

ثم إنّه بعد ما رأى منه عليه السّلام الآيات لم يعرف أنّه لا محل للشرط معه عليه السّلام، كما عرفته من خبر الواقدي .

هذا و ( جرم ) بالفتح و السكون ينصرف إلى جرم قضاعة ، و إن قالوا : إنّ في بجيلة و عامله وطي أيضا جرم .

ــــــــــــ

 ( ١ ) بصائر الدرجات : ٢٦٣ ٢٦٤ .

 ( ٢ ) نهج البلاغة ٢ : ١٠١ ، شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٢٩٩ .

 ( ٣ ) و العبارة موجودة في شرح ابن ميثم ٣ : ٣٢٦ أيضا .

 ( ٤ ) الاستيعاب بهامش الإصابة ٣ : ٣١٣ .

٩٣

١٠

الخطبة ( ١٥٦ ) و من كلام له عليه السّلام خاطب به أهل البصرة على جهة اقتصاص الملاحم :

فَمَنِ اِسْتَطَاعَ عِنْدَ ذَلِكَ أَنْ يَعْتَقِلَ نَفْسَهُ عَلَى اَللَّهِ فَلْيَفْعَلْ فَإِنْ أَطَعْتُمُونِي فَإِنِّي حَامِلُكُمْ إِنْ شَاءَ اَللَّهُ عَلَى سَبِيلِ اَلْجَنَّةِ وَ إِنْ كَانَ ذَا مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ وَ مَذَاقَةٍ مَرِيرَةٍ وَ أَمَّا فُلاَنَةُ فَأَدْرَكَهَا رَأْيُ اَلنِّسَاءِ وَ ضِغْنٌ غَلاَ فِي صَدْرِهَا كَمِرْجَلِ اَلْقَيْنِ وَ لَوْ دُعِيَتْ لِتَنَالَ مِنْ غَيْرِي مَا أَتَتْ إِلَيَّ لَمْ تَفْعَلْ وَ لَهَا بَعْدُ حُرْمَتُهَا اَلْأُولَى وَ اَلْحِسَابُ عَلَى اَللَّهِ قول المصنّف « و من كلام له عليه السّلام خاطب به » هكذا في ( المصرية و ابن أبي الحديد ) ١ ، و لكن في ( ابن ميثم ) : ( و من خطبة له عليه السّلام خاطب بها ) ٢ .

« أهل البصرة » بعد فتحها .

« و على جهة اقتصاص الملاحم » جمع الملحمة : الوقعة العظيمة في الفتن ، و يمكن أن يريد عليه السّلام ملاحم عصره من معاوية و أتباعه و ملاحم بعده .

قوله عليه السّلام :

« فمن استطاع عند ذلك » أي : وقوع ملحمة اقتصها عليه السّلام لهم .

« أن يعتقل » أي : يحبس .

« نفسه على اللّه فليفعل » فقد قال تعالى : . . . و من يتق اللّه يجعل له مخرجا ، و يرزقه من حيث لا يحتسب . . . ٣ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) نهج البلاغة ٢ : ٦٢ ، شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٨٩ .

 ( ٢ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٢٥٨ .

 ( ٣ ) الطلاق : ٢ ٣ .

٩٤

« فإن أطعمتوني فإنّي حاملكم إن شاء اللّه على سبيل الجنّة » سبيلها : العمل بالحق ، و معلوم من حاله عليه السّلام أيّام النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أيّام المتقدمين عليه و أيّامه التزامه بالعمل بالحق و حمل النّاس عليه .

و قد كان أعداؤه معترفين بذلك ، ففي ( الخلفاء ) : قال عمر يوم الشورى له عليه السّلام و إنّك أحرى القوم ، إن وليتها تقيم على الحق المبين و الصراط المستقيم .

و في ( الطبريّ ) : لمّا بلغ عمرو بن العاص و هو بوادي السباع قتل عثمان ،

قال : و إن يل الأمر بعده ابن أبي طالب فلا أراه إلاّ سيستنظف الحقّ ، و هو أكره من يليه إليّ ١ .

« و إن كان » أي : سبيل الجنّة .

« ذا مشقّة شديدة و مذاقة مريرة » أي : مرّة « لأنّ الجنّة حفّت بالمكاره ، كما أنّ النار حفّت بالشهوات » ٢ ، و أمّا من خاف مقام ربّه و نهى النفس عن الهوى . فإنّ الجنّة هي المأوى ٣ .

« و أمّا فلانة » هي بنت فلان الذي قال عليه السّلام فيه : « أما و اللّه لقد تقمصها فلان و إنّه ليعلم أنّ محلي منها محل القطب من الرحى » ٤ .

« فأدركها رأي النساء » و في ( ابن أبي الحديد ) ٥ : ضعف رأي النساء .

في ( الخلفاء ) : أنكر عليّ عليه السّلام على طلحة إخراجه بعائشة ، فقال طلحة : إنّها إنّما جاءت للإصلاح . فقال عليّ عليه السّلام : هي لعمر اللّه إلى من يصلح

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٥٦٠ ، سنة ٣٦ .

 ( ٢ ) مأخوذ من نهج البلاغة ٢ : ١١٠ ، الخطبة ١٧٦ .

 ( ٣ ) النازعات : ٤٠ ٤١ .

 ( ٤ ) نهج البلاغة ١ : ٢٥ الخطبة ٣ .

 ( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٩٢ .

٩٥

لها أمرها أحوج ١ .

و في ( جمل المفيد ) : روى الواقدي عن الحسن البصريّ قال : أقبل أبو بكرة يريد أن يدخل مع طلحة و الزبير في أمرهما ، فلمّا رأى أنّ عايشة تدبرهما رجع عنهما فقيل له : مالك لم تدخل ؟ قال : رأيت امرأة تلي أمرهما ، و قد سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قد ذكر ملكة سبأ يقول : « لا أفلح قوم تدبر أمرهم امرأة » فكرهت الدخول معهما ٢ .

و قال ابن أبي الحديد في شرح ( و من كلام له عليه السّلام عند ذكر السائرين إلى البصرة ) : في ( غريب حديث ابن قتيبة ) : في حديث حذيفة ذكر خروج عائشة قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله : تقاتل معها مضر مضرها اللّه في النار و أزر عمان سلت اللّه أقدامها ، و إنّ قيسا لا تنفك تبغي دين اللّه شرّا حتى يركبها اللّه بالملائكة فلا يمحو ذنب تلعة .

و هذا الحديث من أعلام نبوّة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ، لأنّه إخبار عن غيب تلقاه حذيفة قبل الجمل ، و هذا الحديث يؤكد مذهب أصحابنا في فسق أهل الجمل ، إلاّ من ثبت توبته و هم الثلاثة ٣ .

قلت : لو كان قال بثبوت عدم توبتهم كان أقرب إلى الحقّ و الواقع .

و في ( العقد ) : دخلت امّ أو فى العبدية بعد الجمل على عائشة فقالت : يا امّ المؤمنين ما تقولين في امرأة قتلت ابنا لها صغيرا ؟ قالت : وجبت لها النار .

قالت : فما تقولين في امرأة قتلت من أولادها الأكابر عشرين ألفا في صعيد واحد . قالت : خذوا بيد عدوّة اللّه . و ماتت عايشة في أيّام معاوية ، و قد قاربت

ــــــــــــ

 ( ١ ) الإمامة و السياسة ١ : ٧٥ .

 ( ٢ ) الجمل للمفيد : ٢٩٧ .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ١٢١ ١٢٢ .

٩٦

السبعين و قيل لها تدفنين مع النّبيّ ، فقالت : إنّي أحدثت بعده حدثا فادفنوني مع إخوتي بالبقيع .

و قد كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال لها : يا حميرا كأنّي بك تنبحك كلاب الحوأب ،

تقاتلين عليّا و أنت له ظالمة .

و الحوأب : قرية في طريق المدينة إلى البصرة ، و بعض النّاس يسمّونها الحوب ، و قد زعموا أنّ الحوأب ماء في طريق البصرة ، قال في ذلك بعض الشيعة :

إنّي ادين بحبّ آل محمّد

و بني الوصيّ شهودهم و الغيّب

و أنا البري‏ء من الزبير و طلحة

و من التي نبحت كلاب الحوأب ١

و في ( فصول المرتضى ) المنتخبة من ( محاسن المفيد ) : مرّ فضّال بن الحسن بن فضّال الكوفي بأبي حنيفة و هو في جمع كثير يملي عليهم شيئا من فقهه و حديثه فقال فضّال لصاحب كان معه : و اللّه لا أبرح أو اخجل أبا حنيفة .

فقال صاحبه : إنّ أبا حنيفة ممّن قد علت حاله و ظهرت حجّته . فقال : مه هل رأيت حجّة كافر علت على مؤمن . ثم دنا منه فسلّم عليه و قال له : إنّ لي أخا يقول خير النّاس بعد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عليّ ، و أنا أقول : أبو بكر ثم عمر ، فما تقول أنت ؟ فأطرق مليا ، ثمّ رفع رأسه و قال : كفى بمكانهما من النّبيّ كرما و فخرا ،

أما علمت انّهما ضجيعاه في قبره ، فأي حجّة أوضح لك من هذا ؟ فقال فضال:

قد قلت ذلك لأخي ، فقال : و اللّه إن كان الموضع للنّبي صلّى اللّه عليه و آله دونهما فقد ظلما بدفنهما في موضع ليس لهما فيه حقّ ، و إن كان الموضع لهما فوهباه للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله لقد أساءا و ما أحسنا إذ رجعا في هبتهما و نكثا عهدهما فأطرق

ــــــــــــ

 ( ١ ) العقد الفريد ٥ : ٧٩ .

٩٧

أبو حنيفة ساعة . ثم قال : قل له لم يكن لهما و لا له خاصّة ، و لكنّهما نظرا في حق عايشة و حفصة فاستحقا الدفن في ذلك الموضع بحقوق ابنتيهما .

فقال له فضال : قد قلت ذلك له ، فقال : أنت تعلم أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله مات عن تسع حشايا فإذا لكل واحدة منهن تسع الثمن ، ثم نظرنا في تسع الثمن فإذا هو شبر في شبر ، فكيف يستحق الرجلان أكثر من ذلك ؟ و بعد فما بال عايشة و حفصة ترثان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و فاطمة ابنته عليها السّلام تمنع الميراث ؟ فقال أبو حنيفة:

يا قوم نحّوه فإنّه رافضيّ خبيث ١ .

قلت : و الغريب « أنّ عمر لمّا طعن بعث إلى عايشة يستأذن منها في دفنه مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ٢ ، فلم لم يستأذن ابنته حفصة كما قال أبو حنيفة ؟ لكنّه أراد أن يجرئها و يعرّفها مالكة للبيت ، حتّى تمنع دفن بني هاشم فيه ، كما منعت من دفن الحسن عليه السّلام فيه .

ففي ( مقاتل أبي الفرج ) : قال يحيى بن الحسن : سمعت عليّ بن طاهر بن زيد يقول لمّا أرادوا دفن الحسن بن عليّ عليه السّلام : ركبت عايشة بغلا و استعونت بني اميّة و مروان و من كان هناك منهم و من حشمهم ، و هو قول القائل :

فيوما على بغل و يوما على جمل ٣

و في ( تاريخ اليعقوبي ) : في دفن الحسن عليه السّلام قيل : أنّ عايشة ركبت بغلة شهباء و قالت : بيتي لا آذن فيه لأحد ، فأتاها القاسم بن محمّد بن أبي بكر فقال لها : يا عمّة ما غسلنا رؤوسنا من يوم الجمل الأحمر ، أتريدين أن يقال يوم البغلة الشهباء ٤ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) فصول المرتضى : ٧٤ ، الاحتجاج ٢ : ٣٨٢ .

 ( ٢ ) نقله ابن سعد في الطبقات ٣ : ٣٦٣ .

 ( ٣ ) مقاتل الطالبيين : ٤٩ .

 ( ٤ ) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٢٥ .

٩٨

و في ( الكافي ) بأسانيد عن أبي جعفر عليه السّلام : لمّا احتضر الحسن عليه السّلام قال لأخيه عليه السّلام : اوصيك بوصيّة فأحفظها ، إذا مت هيئني ثم وجّهني إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لأحدث به عهدا ، ثم اصرفني إلى امّي ، ثم ردني فادفنّي بالبقيع،

و اعلم أنّه سيصيبني من الحمراء ما يعلم النّاس من ضغنها و عداوتها للّه و رسوله و عداوتها لنا أهل البيت .

فلمّا قبض الحسن عليه السّلام وضع على سريره ، و انطلقوا به إلى مصلّى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله الذي كان يصلّي فيه على الجنائز ، فصلّوا على الحسن عليه السّلام ، ثمّ حمل فلمّا أوقف على قبر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بلغ عايشة الخبر ، و قيل لها : إنّهم أقبلوا به ليدفن مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فخرجت مبادرة على بغل بسرج . فكانت أوّل امرأة ركبت في الإسلام سرجا ، فوقفت و قالت : نحّوا ابنكم عن بيتي ، فإنّه لا يدفن فيه و لا يهتك على النّبيّ حجابه . فقال لها الحسين عليه السّلام : قديما هتكت أنت و أبوك حجاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ، و أدخلت بيته من لا يحبّ قربه و إنّ اللّه يسألك عن ذلك ، يا عائشة إنّ أخي أمرني أن اقرّبه من أبيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ليحدث به عهدا ،

و اعلمي أنّ أخي أعلم النّاس باللّه و رسوله ، و أعلم بتأويل كتابه من أن يهتك على النّبيّ سرّه و إنّ اللّه تعالى يقول :

يا أيّها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النّبيّ إلاّ أن يؤذن لكم . . . ١ ، و قد أدخلت أنت بيت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله الرجال بغير إذنه ، و قد قال تعالى : يا أيّها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النّبيّ . . . ٢ ، و لعمري لقد ضربت أنت لأبيك و فاروقه عند اذن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله المعاول . و قال تعالى : إنّ الذين يغضون

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأحزاب : ٥٣ .

 ( ٢ ) الحجرات : ٢ .

٩٩

أصواتهم عند رسول اللّه اولئك الذين امتحن اللّه قلوبهم للتقوى . . . ١ و لعمري لقد أدخل أبوك و فاروقه على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بقربهما منه الأذى و ما رعيا من حقّه ما أمرهما اللّه به على لسان رسوله ان اللّه حرّم من المؤمنين امواتا ، ما حرّم منهم أحياء . و تاللّه يا عايشة لو كان هذا الذي كرهته من دفن الحسن عليه السّلام عند أبيه جائزا فيما بيننا و بين اللّه تعالى ، لعلمت أنّه سيدفن و إن رغم معطسك .

ثم تكلم محمّد بن الحنفية و قال : يا عايشة يوما على بغل و يوما على جمل ، فما تملكين نفسك عداوة لبني هاشم . . . ٢ .

و في ( أمالي الشيخ ) بأسانيد عن ابن عبّاس في وصية الحسن عليه السّلام و دفنه إلى أن قال قال ابن عبّاس : فإذا أنا بعايشة في أربعين راكبا على بغل مرحل تقدمهم و تأمرهم بالقتال ، فلمّا رأتني قالت : إليّ إليّ يا بن عبّاس ، لقد اجترأتم عليّ في الدّنيا تؤذونني مرّة بعد اخرى ، تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أهوى و لا احبّ . فقلت : و اسوأتاه يوم على بغل و يوم على جمل ، تريدين أن تطفئي نور اللّه و تقاتلي أولياء اللّه ، و تحولي بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و بين حبيبه أن يدفن معه ارجعي فقد كفى اللّه المؤونة ، و دفن الحسن إلى جنب امّه ، فلم يزدد من اللّه إلاّ قربا و ما ازددتم منه و اللّه إلاّ بعدا . يا سوأتاه انصرفي فقد رأيت ما سرّك .

فقطبت في وجهي و نادت بأعلى صوتها : ما نسيتم الجمل يا بن عبّاس إنّكم لذووا أحقاد فقلت : أم و اللّه ما نسيه أهل السماء فكيف ينساه أهل الأرض .

فانصرفت و هي تقول :

ــــــــــــ

 ( ١ ) الحجرات : ٣ .

 ( ٢ ) الكافي ١ : ٣٠٢ ٣٠٣ ، الإرشاد ٢ : ١٧ ١٩ ، شرح ابن أبي الحديد ١٦ : ٤٩ .

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617