حقائق الاصول الجزء ١

حقائق الاصول10%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 571

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 571 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 211891 / تحميل: 5757
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

ضرورة أن الامر في: جاء زيد لامر كذا، ما استعمل في معنى الغرض بل اللام قد دلت على الغرض. نعم يكون مدخوله مصداقه (فافهم) وهكذا الحال في قوله تعالى: (فلما جاء أمرنا) يكون مصداقا للتعجيب لا مستعملا في مفهومه وكذا في الحادثة والشأن، وبذلك ظهر ما في دعوى الفصول من كون لفظ الامر حقيقة في المعنيين الاولين ولا يبعد دعوى كونه حقيقة

______________________________

*

لو على قدر ما يحاول قلبي

طلبي لم يقر في الغمد عضبي

ولم يستعمل في الكتاب المجيد الا في ذلك فلا يبعد أن يكون المصحح لاستعماله في الامر كون الامر نحوا من السعي نحو المأمور به، وعليه فعد الطلب من معاني الامر يكون من قبيل اشتباه المفهوم بالمصداق، اللهم الا أن يكون الاستعمال فيه بلغ حد الحقيقة التعينية فتأمل. ثم انه يشكل جعل الطلب من معاني الامر من جهة اختلاف المتعلقات الكاشف عن اختلاف المعنى فيقال -: طلب منه كذا، ولا يقال -: أمر منه كذا، ويقال: أمرته بكذا، ولا يقال: طلبته بكذا (قوله: ضرورة أن الامر) تعليل لكون عد المعاني المذكورة من اشتباه المصداق بالمفهوم وحاصل مراده ان عد الشئ معنى للفظ يقتضي كون اللفظ مستعملا فيه، وليس الحال في المعاني المذكورة كذلك فان لفظ الامر لم يستعمل في مفهوم الغرض أو الفعل العجيب أو غيرهما وانما هو مستعمل في معنى واحد يكون مصداقا للغرض تارة وللفعل العجيب أخرى... وهكذا، كما أن معنى زيد تارة يكون مصداقا لمفهوم العالم، واخرى مصداقا لمفهوم العادل... وهكذا، ولا يصح عد العالم والعادل من معاني زيد (قوله: مصداقه فافهم) يمكن أن يكون اشارة إلى أن اللام قد تدخل على نفس المصداق وقد تدخل على نفس المفهوم المضاف إلى مصداقه كما تقول: جئتك لغرض كذا، فالامر في المقام مستعمل استعمال لفظ الغرض بقرينة اضافته إلى (كذا) نعم قولك: جئتك لامر، مستعمل في المصداق. فتأمل (قوله: في الحادثة والشأن) كان الانسب عطف الفعل عليهما لوحدة الجميع

١٤١

في الطلب في الجملة والشئ. هذا بحسب العرف واللغة، وأما بحسب الاصطلاح فقد نقل الاتفاق على أنه حقيقة في القول المخصوص ومجاز في غيره ولا يخفى انه عليه لا يمكن منه الاشتقاق فان معناه حينئذ لا يكون معنى حدثيا - مع أن الاشتقاقات منه ظاهرا تكون بذلك المعنى المصطلح عليه بينهم لا بالمعنى الآخر (فتدبر) ويمكن ان يكون مرادهم به هو الطلب بالقول لا نفسه تعبيرا عنه بما يدل عليه. نعم القول المخصوص أي صيغة الامر إذا أراد العالي بها الطلب يكون من مصاديق الامر لكنه بما هو طلب مطلق أو مخصوص (وكيف كان) فالامر سهل لو ثبت النقل ولا مشاحة في الاصطلاح، وإنما المهم بيان ما هو معناه عرفا ولغة ليحمل عليه فيما إذا ورد بلا قرينة، وقد استعمل في غير واحد من المعاني في الكتاب والسنة ولا حجة على أنه على نحو الاشتراك اللفظي أو المعنوي أو الحقيقة والمجاز، وما ذكر في الترجيح عند تعارض هذه الاحوال - لو سلم ولم يعارض بمثله - فلا دليل على الترجيح به فلا بد مع التعارض من الرجوع إلى الاصل في مقام العمل. نعم لو علم ظهوره في أحد معانيه - ولو احتمل انه كان للانسباق من الاطلاق - فليحمل عليه وان لم يعلم انه

______________________________

(قوله: في الطلب في الجملة) يعني المخصوص بالخصوصيات المبحوث عنها في الجهات الآتية (قوله: لا يمكن منه الاشتقاق) قال في الفصول: لو ارادوا بالقول المخصوص نفس اللفظ أعني الملفوظ كما هو الظاهر من كلماتهم لكان بمنزلة الاسم والفعل والحرف في مصطلح علماء العربية فكان اللازم عدم صحة الاشتقاق منه لعدم دلالته حينئذ على معنى حدثي... الخ " أقول ": الظاهر منهم ارادة نفس اللفظ بمعناه المصدري وهو التلفظ بالقول المخصوص فلا اشكال، ولعله أشار إليه بقوله: فتدبر (قوله: هو الطلب) كما أصر عليه في الفصول (قوله: بما هو طلب) يعني لا بما هو قول مخصوص والا رجع إلى المعنى الاول (قوله: لو ثبت النقل) يعني إلى القول المخصوص (قوله: فليحمل عليه) عملا

١٤٢

حقيقة فيه بالخصوص أو فيما يعمه كما لا يبعد أن يكون كذلك في المعنى الاول، (الجهة الثانية) الظاهر اعتبار العلو في معنى الامر فلا يكون الطلب من السافل أو المساوى أمرا، ولو أطلق عليه كان بنحو من العناية، كما أن الظاهر عدم اعتبار الاستعلاء فيكون الطلب من العالي أمرا ولو كان مستخفضا لجناحه، وأما احتمال اعتبار أحدهما فضعيف وتقبيح الطالب السافل من العالي المستعلي عليه وتوبيخه بمثل انك لم تأمره ؟ إنما هو على استعلائه لا على أمره حقيقة بعد استعلائه وانما يكون اطلاق الامر على طلبه بحسب ما هو قضية استعلائه (وكيف كان) ففى صحة سلب الامر عن طلب السافل ولو كان مستعليا كفاية (الجهة الثالثة) لا يبعد كون لفظ الامر حقيقة في الوجوب لانسباقه عنه عند اطلاقه، ويؤيده قوله تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره) وقوله - صلى الله عليه وآله -: (لولا أن أشق على امتى لامرتهم بالسواك) وقوله - صلى الله عليه وآله - لبريرة بعد قوله:

______________________________

*

باصالة الظهور التي استقر عليها بناء العقلاء (قوله: كما لا يبعد ان يكون) قد تقدم منه انه لا يبعد كون لفظ الامر حقيقة في الطلب وفى الشئ، وحينئذ فدعوى ظهوره في الاول غير ظاهرة الوجه، والذي يهون الخطب ندرة فرض التردد على نحو يترتب عليه الاثر لاختلاف المعنيين في كيفية الاستعمال من حيث الاشتقاق والجمود والاحتياج إلى المتعلقات وعدمه، فان الامر بمعنى الطلب يتعلق به المطلوب والمطلوب منه وليس كذلك ما كان بمعنى الشئ، وفي الجمع حيث أن جمع الاول أوامر وجمع الثاني أمور فهذا الاختلاف يرفع التردد غالبا (قوله: اعتبار أحدهما) بحيث يكفي في صدق الامر أحد الامرين من كون الطالب عاليا وكونه مستعليا (قوله: وتقبيح الطالب) يعني تقبيح طلب الطالب. ثم إن التقبيح والتوبيخ انما يتعلقان باستحقاق اللوم والعقاب لا باثبات كون الامر حقيقة في طلب المستعلى غير العالي. نعم يثبت ذلك باستعمال الامر فيه في قوله: لم تأمره، لولا أن الاستعمال أعم (قوله: المستعلي) صفة للطالب (قوله: ويؤيده قوله تعالى)

١٤٣

أتأمرني يارسول الله ؟: (لا بل إنما أنا شافع)... إلى غير ذلك، وصحة الاحتجاج على العبد، ومؤاخذته بمجرد مخالفة أمره، وتوبيخه على مجرد مخالفته كما في قوله تعالى: (ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك) وتقسيمه إلى الايجاب والاستحباب إنما يكون قرينة على ارادة المعنى الاعم منه في مقام تقسيمه، وصحة الاستعمال في معنى أعم من كونه على نحو الحقيقة كما لا يخفى (وأما) ما أفيد من أن الاستعمال فيهما ثابت فلو لم يكن موضوعا للقدر المشترك بينهما لزم الاشتراك أو المجاز فهو غير مفيد، لما مرت الاشارة إليه في الجهة الاولى وفي تعارض الاحوال فراجع، والاستدلال بأن فعل المندوب طاعة وكل طاعة فهو فعل المأمور به، فيه ما لا يخفى من منع الكبرى - لو أريد من المأمور به معناه الحقيقي - وإلا لا يفيد المدعى (الجهة الرابعة) الظاهر أن الطلب الذى يكون هو

______________________________

جعل المذكورات مؤيدات لا أدلة لعله من جهة عدم صلاحيتها للاثبات إذ ليس الا استعمال الامر في الوجوب والاستعمال أعم من الحقيقة، ولعل فهمه في الاول مستند إلى مادة الحذر، والثاني إلى المشقة، وفي الثالث إلى مقابلته بالشفاعة. فتأمل (قوله: وصحة الاحتجاج) معطوف على الانسباق، (قوله: وتقسيمه) هذا دليل للقول بالاعم من الوجوب والاستحباب كما تقدم نظيره في الصحيح والاعم (قوله: أعم من كونه) إلا أن يكون التقسيم بلا تصرف ولا عناية كما هو الظاهر في المقام فيكون حقيقة في الاستحباب ايضا نعم الوجوب مقتضى اطلاقه من دون ترخيص في خلافه، كما سيأتي انشاء الله تعالى

الطلب والارادة

(قوله: الظاهر أن الطلب الذي) يعني ان مفهوم الطلب مقول بالاشتراك بين نوعين (أحدهما) الطلب الذي يكون صفة قائمة بالنفس (وثانيهما) الطلب الانشائي المنتزع من مقام اظهار الارادة بالقول كافعل أو بغيره كالاشارة إلى

١٤٤

معنى الامر ليس هو الطلب الحقيقي الذي يكون طلبا بالحمل الشايع الصناعي بل الطلب الانشائي الذي لا يكون بهذا الحمل طلبا مطلقا بل طلبا انشائيا سواء انشئ بصيغة إفعل أو بمادة الطلب، أو بمادة الامر، أو بغيرهما. ولو أبيت إلا عن كونه موضوعا للطلب فلا أقل من كونه منصرفا إلى الانشائي منه عند اطلاقه كما هو الحال في لفظ الطلب ايضا، وذلك لكثرة الاستعمال في الطلب الانشائي، كما أن الامر في لفظ الارادة على عكس لفظ الطلب والمنصرف عنها عند اطلاقها هو

______________________________

المخاطب بأن يفعل، والاول هو الطلب الحقيقي الذي يكون له وجود عيني في النفس، والثاني هو الطلب الانشائي فقولنا: الامر معناه الطلب يراد منه ان الامر معناه الطلب الانشائي الايقاعي لا الطلب الحقيقي، فإذا قال المولى لعبده: افعل، ولم يكن في نفسه طلب للفعل كما في الاوامر الامتحانية صدق ان المولى آمر ولا يتوقف صدق ذلك على كون المولى طالبا في نفسه للفعل (قوله: معنى الامر) يعني معنى مادة الامر (قوله: الذي يكون) كان الاولى أن يقول: المعبر عنه بلفظ الطلب مطلقا مقابل الطلب الاعتباري المعبر عنه بلفظ الطلب الانشائي، لما عرفت من أن لفظ الطلب مشترك بين نحوي الطلب فالطلب الحقيقي عين الطلب لا انه يحمل عليه بالحمل الشايع وانما الذي يحمل عليه الطلب بالحمل الشايع هو الطلب الخارجي الحقيقي، وهكذا الحال في قوله: الذي لا يكون... الخ، إذ الفرق بين الطلب الحقيقي والانشائي الاعتباري هو الفرق بين الماء المطلق والمضاف، لكن ظاهر العبارة كون لفظ الطلب موضوعا للجامع بين النحوين فيكون مشتركا معنويا لا لفظيا وهو غير ظاهر. هذا بناء على كون الطلب الانشائي نحوا آخر من انحاء الطلب في قبال الطلب الحقيقي أما لو كان هو الطلب الحقيقي إنشاء ادعاء فلفظ الطلب ليس موضوعا الا للطلب الحقيقي لا غير إذ ليس هناك نحو آخر للطلب سواه، (قوله: سواء انشئ) سيأتي أن الظاهر ان صيغة افعل موضوعة لانشاء المادة لا انشاء الطلب (قوله: موضوعا للطلب) يعني الجامع بين الحقيقي

١٤٥

الارادة الحقيقية، واختلافهما في ذلك ألجأ بعض أصحابنا إلى الميل إلى ما ذهب إليه الاشاعرة من المغايرة بين الطلب والارادة خلافا لقاطبة أهل الحق والمعتزلة من اتحادهما، فلا بأس بصرف عنان الكلام إلى بيان ما هو الحق في المقام وان حققناه في بعض فوائدنا إلا أن الحوالة لما لم تكن عن المحذور خالية والاعادة بلا فائدة ولا إفادة كان المناسب هو التعرض هاهنا أيضا " فاعلم " أن الحق - كما عليه اهله وفاقا للمعتزلة وخلافا للاشاعرة هو اتحاد الطلب والارادة بمعنى أن لفظيهما موضوعان بازاء مفهوم واحد وما بازاء أحدهما في الخارج يكون بازاء الآخر والطلب المنشأ بلفظه أو بغيره عين الارادة الانشائية (وبالجملة): هما متحدان مفهوما وانشاء وخارجا لا ان الطلب الانشائي الذى هو المنصرف إليه باطلاقه - كما عرفت - متحد مع الارادة الحقيقية التي ينصرف إليها اطلاقها ايضا ضرورة أن المغايرة بينهما أظهر من الشمس وأبين من الامس، فإذا عرفت المراد من حديث العينية والاتحاد ففي مراجعة

______________________________

والانشائي (قوله: الارادة الحقيقية) يعني التي هي صفة قائمة بالنفس، (قوله: والاعادة) معطوف بلحاظ المعنى على اسم تكن وبلحاظ قواعد التركيب على الحوالة إلا انه فاسد المعنى (قوله: هو اتحاد الطلب والارادة) قد عرفت الاشكال في كون الطلب من الصفات النفسانية وان المستفاد من ملاحظة موارد استعماله: انه السعي نحو المطلوب وأن البناء على كونه موضوعا ايضا لغير هذا المعنى يقتضي كونه مفهوما منتزعا عن مقام اظهار الارادة وابرازها ولا يرتبط بالارادة وليس قائما بالنفس قيام الارادة بها، فالبناء على مغايرته للارادة حينئذ لا يشد عضد الاشعري القائل بانه صفة في النفس غير الارادة مدلول للكلام اللفظي ليثبت مدعاه من قدم الكلام النفسي الذي هو مدلول الكلام اللفظي كما لا يخفى، (قوله: مفهوم واحد) فهما مترادفان (قوله: وما بازاء أحدهما) يعني الفرد الخارجي لاحدهما هو الفرد الخارجي للآخر (قوله: لا أن الطلب) معطوف على قوله: ان لفظيهما... الخ (قوله: اظهر من الشمس) إذ

١٤٦

الوجدان عند طلب شئ والامر به حقيقة كفاية فلا يحتاج إلى مزيد بيان واقامة برهان، فان الانسان لا يجد غير الارادة القائمة بالنفس صفة أخرى قائمة بها يكون هو الطلب غيرها سوى ما هو مقدمة تحققها عند خطور الشئ، والميل وهيجان الرغبة إليه، والتصديق بفائدته، وهو الجزم بدفع ما يوجب توقفه عن طلبه لاجلها (وبالجملة) لا يكاد يكون غير الصفات المعروفة والارادة هناك صفة اخرى قائمة بها يكون هو الطلب فلا محيص عن اتحاد الارادة والطلب وان يكون ذاك الشوق المؤكد المستتبع لتحريك العضلات في ارادة فعله بالمباشرة، أو المستتبع لامره عبيده به فيما لو اراده لا كذلك مسمى بالطلب والارادة كما يعبر به تارة وبها اخرى كما لا يخفى. وكذا الحال في سائر الصيغ الانشائية والجمل الخبرية فانه لا يكون غير الصفات المعروفة القائمة بالنفس من الترجي والتمني والعلم... إلى غير ذلك صفة أخرى كانت قائمة بالنفس وقد دل اللفظ عليها كما قيل:

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما

جعل اللسان على الفؤاد دليلا

وقد انقدح مما حققناه

______________________________

الارادة الحقيقة كما ذكر صفة في النفس والطلب الانشائي اعتبار محض منتزع عن مقام اظهار الارادة فكيف يشتبه أحدهما بالآخر (قوله: فان الانسان) بيان للوجدان (قوله: هو الطلب) يعني كما يدعيه الاشاعرة (قوله: وهو الجزم) بيان لما هو، يعني ان الجزم بدفع ما يمنع عن طلب الشئ لاجل الفائدة وان كان من صفات النفس الا انه مقدمة للارادة لا انه الطلب النفسي الذي يدعيه الاشعري " أقول ": كون الجزم مقدمة للارادة غير ظاهر بل الظاهر كونه معلولا لها. نعم هو مقدمة لطلبه من الغير. فتأمل (قوله: في ارادة فعله) وهي الارادة التكوينية (قوله: لو اراده لا كذلك) وهي الارادة التشريعية (قوله: به تارة) قد عرفت انه محل اشكال (قوله: صفة اخرى) اسم يكون (قوله: كما قيل) هذا البيت استشهد به الاشاعرة على مدعاهم

١٤٧

ما في استدلال الاشاعرة على المغايرة بالامر مع عدم الارادة كما في صورتي الاختبار والاعتذار: من الخلل، فانه كما لا إرادة حقيقية في الصورتين لا طلب كذلك فيهما، والذى يكون فيهما إنما هو الطلب الانشائي الايقاعى الذى هو مدلول الصيغة أو المادة ولم يكن بينا ولا مبينا في الاستدلال مغايرته مع الارادة الانشائية، (وبالجملة): الذى يتكفله الدليل ليس الا الانفكاك بين الارادة الحقيقية والطلب المنشأ بالصيغة الكاشف عن مغايرتهما وهو مما لا محيص عن الالتزام به - كما عرفت - ولكنه لا يضر بدعوى الاتحاد أصلا لمكان هذه المغايرة والانفكاك بين الطلب الحقيقي والانشائي كما لا يخفى (ثم) إنه يمكن مما حققناه ان يقع الصلح بين الطرفين ولم يكن نزاع في البين بان يكون المراد بحديث الاتحاد ما عرفت من العينية مفهوما ووجودا حقيقيا وانشائيا ويكون المراد بالمغايرة والاثنينية هو اثنينية الانشائي من الطلب - كما هو كثيرا ما يراد من إطلاق لفظه - والحقيقي من الارادة - كما هو المراد غالبا منها حين اطلاقها -

______________________________

وحمله القوشجي على اعتقاد الشاعر ثبوت كلام نفسي تقليدا أو على كون المقصود الاصلى من الكلام هو الدلالة على ما في الضمير، وبهذا الاعتبار يسمى كلاما فاطلق اسم الدال على المدلول وحصره تنبيها على انه آلة يتوصل بها إليه فكأنه هو المستحق لاسم تلك الآلة... الخ (قوله: ما في استدلال الاشاعرة) يعني أن الاشاعرة ادعوا ان الطلب غير الارادة واستدلوا عليه بانه قد يأمر الرجل بما لا يريده كالمختبر لعبده انه يطيعه أو لا وكمن يريد أن يعتذر عن ضرب عبده فانه يأمر عبده فيعصيه العبد فيضربه معتذرا بانه عصاه إذ الامر في هذين المقامين ليس عن ارادة نفسية (قوله: من الخلل) بيان لما في قوله: مافى الاستدلال (قوله: فانه كما لا إرادة) بيان لوجه الخلل (قال) القوشجي: واعترض عليه بان الموجود في هاتين الصورتين صيغة الامر لا حقيقته إذ لا طلب فيهما أصلا كما لا ارادة قطعا (قوله: بين الطلب)

١٤٨

فيرجع النزاع لفظيا. فافهم (دفع وهم) لا يخفى انه ليس غرض الاصحاب والمعتزلة من نفي غير الصفات المشهورة وأنه ليس صفة أخرى قائمة بالنفس كانت كلاما نفسيا مدلولا للكلام اللفظى كما يقول به الاشاعرة أن هذه الصفات المشهورة مدلولات للكلام " فان قلت ": فماذا يكون مدلولا عليه عند الاصحاب والمعتزلة " قلت ": أما الجمل الخبرية فهى دالة على ثبوت النسبة بين طرفيها أو نفيها في نفس الامر من ذهن أو خارج

______________________________

متعلق بالمغايرة والانفكاك (قوله: فيرجع النزاع لفظيا فافهم) لعله اشارة إلى امتناع كون النزاع لفظيا وتوضيحه: انه لا خلاف ظاهرا في انه سبحانه متكلم وانما الخلاف في المراد من كلامه وفى انه حادث أو قديم فالمحكي عن المعتزلة والحنابلة والكرامية ان كلامه أصوات وحروف وان اختلفوا في انه قائم بغيره لا بذاته كما يقول المعتزلة أو بذاته كما يقول الحنابلة والكرامية، وعن الاشاعرة ان كلامه ليس من جنس الاصوات والحروف بل معنى قائم بذاته يسمى الكلام النفسي، ثم المحكي عن المعتزلة والكرامية أنه حادث وعن الاشاعرة والحنابلة أنه قديم فمذهب الاشاعرة في الكلام انه معنى قائم بذاته تعالى قديم وحيث تعذر عليهم تفسيره بالعلم والارادة والكراهة ونحوها ضرورة انها ليست كلاما اضطروا إلى تفسيره في الخبر بالنسبة وفي الانشاء بالطلب والمنع ونحوهما فالطلب عندهم صفة قائمة بذاته سبحانه قديم فلا مجال لان يريدوا به الطلب الانشائي إذ ليس هو من صفات النفس ولا هو قديم (قوله: المشهورة) وهي العلم والارادة واخواتهما مما تقدمت إليه الاشارة (قوله: ان هذه الصفات) خبر ليس الاولى (قوله: اما الجمل الخبرية فهي دالة) قد تقدم سابقا انه لا اختلاف بين الخبر والانشاء في المعنى فالمعنى المدلول عليه بالخبر هو المعنى المدلول عليه بالانشاء وانما الاختلاف بينهما في كيفية الاستعمال، فالخبر يستعمل في معناه بقصد حكايته عنه والانشاء يستعمل في معناه بقصد ايجاده فمعنى زيد حر خبرا وانشاء واحد فما يدل

١٤٩

كالانسان نوع أو كاتب. وأما الصيغ الانشائية فهي - على ما حققناه في بعض فوائدنا - موجدة لمعانيها في نفس الامر، أي (قصد ثبوت معانيها وتحققها بها) وهذا نحو من الوجود وربما يكون هذا منشأ لانتزاع اعتبار مترتب عليه شرعا وعرفا آثار كما هو الحال في صيغ العقود والايقاعات (نعم) لا مضايقة في دلالة مثل صيغة الطلب والاستفهام والترجى والتمنى بالدلالة الالتزامية على ثبوت هذه الصفات حقيقة إما لاجل وضعها لايقاعها فيما إذا كان الداعي إليه ثبوت هذه الصفات أو انصراف إطلاقها إلى هذه الصورة، فلو لم تكن هناك قرينة كان إنشاء الطلب أو الاستفهام أو غيرهما بصيغتهما لاجل قيام الطلب والاستفهام وغيرهما بالنفس وضعا أو اطلاقا

*

(اشكال ودفع) أما الاشكال فهو انه يلزم - بناء على اتحاد الطلب والارادة - في تكليف الكفار بالايمان بل مطلق أهل العصيان في العمل بالاركان إما أن لا يكون هناك تكليف

______________________________

عليه من المعنى حال كونه خبرا هو الذي يدل عليه حال كونه انشاء وصدوره في مقام الحكاية دال على كون المتكلم قاصدا به ثبوت النسبة كما ان صدوره في مقام الانشاء دال على كون المتكلم به قاصدا به ايجاد مضمونه ومعناه فالدلالة اللفظية الكلامية للخبر والانشاء واحدة لاتحاد المعنى والمدلول وانما الاختلاف في الدلالة غير اللفظية، ومنه يظهر ان الاولى عدم التفصيل بين الجمل الخبرية والصيغ الانشائية في مدلول الكلام اللفظي (قوله: كالانسان نوع) مثال لما كان ظرف الحمل هو الذهن لان النوعية ظرفها الذهن بخلاف الكتابة فان ظرفها الخارج (قوله: موجدة لمعانيها) قد عرفت ان هذا ليس مدلولا للكلام اللفظي (قوله: نحو من الوجود) لانه وجود انشائي في قبال الوجود الحقيقي في الذهن أو في الخارج (قوله: يكون هذا) يعني الانشاء وقصد ثبوت المعنى (قوله: كما في صيغ العقود) فانها يترتب عليها انتزاع عنوان مثل الملكية والزوجية والحرية وغيرها التي يترتب عليها آثار شرعية وعرفية (قوله: نعم لا مضايقة) يعنى

١٥٠

جدي إن لم يكن هناك ارادة حيث انه لا يكون حينئذ طلب حقيقي، واعتباره في الطلب الجدي ربما يكون من البديهي، وإن كان هناك ارادة

______________________________

ان ما تقدم كان في بيان المدلول المطابقي للانشاء والا فيمكن دعوى دلالة الصيغ الانشائية بالدلالة الالتزامية على الصفات المذكورة، اما باللزوم العقلي نظير دلالة العمى على البصر بان كانت الصفة مأخوذة قيدا في الموضوع له بأن تكون (لعل) مثلا موضوعة لانشاء الترجي المقيد بكونه عن ترج نفساني وهكذا حال الباقيات، واما باللزوم العرفي الناشئ من كثرة الاستعمال المؤدية إلى انصراف الذهن إلى صورة وجود الصفة فتكون الصفات الحقيقية المذكورة مدلولا عليها بالصيغ المستعملة في انشائها وايقاعها دلالة التزامية عقلية وضعية أو عرفية اطلاقية

تنبيه

حيث عرفت ان الانشاء مستعمل في معنى الخبر بقصد ايجاده اعتبارا الذي هو نحو آخر من الوجود يعبر عنه بالوجود الانشائي كما هو ظاهر المصنف (ره) أو ايجاده ادعاء بما له من الوجود نقول: تارة يكون المقصود بالانشاء جعل محض النسبة بين المنتسبين الحاصل بجعل احدهما للآخر كما في قولك: عبدي حر وهند طالق، فان المقصود جعل الحرية للعبد والطلاق لهند، واخرى يكون المقصود جعل نسبة خاصة مثل: أزيد حر، وهل هند طالق، فان المتكلم لم يقصد جعل محض النسبة بين الحرية والطلاق لزيد وهند وإنما قصد جعل نسبة خاصة بينهما وخصوصيتها انها نسبة مجهولة الثبوت يراد العلم بتحققها بطرفيها، وهكذا الحال في مثل لعل زيدا قائم فان المقصود جعل نسبة خاصة بين القيام وزيد وخصوصيتها انها متوقعة عند المتكلم وقس عليه نظائره، فمفاد الهيئة دائما نسبة قد يتقوم انشاؤها بانشاء المادة وقد لا يتقوم بذلك (قوله: جدى) يعني فيكون التكليف صوريا نظير الامر الامتحاني (قوله: واعتباره) يعني الطلب الحقيقي

١٥١

فكيف تتخلف عن المراد ؟ ولا يكاد يتخلف (إذا اراد الله شيئا يقول له كن فيكون) (واما الدفع) فهو ان استحالة التخلف إنما يكون في الارادة التكوينية

______________________________

*

الذي هو عين الارادة (قوله: تتخلف عن) لكون المفروض عدم تحقق المراد (قوله: في الارادة التكوينية) الارادة التكوينية والتشريعية من سنخ واحد وانما الاختلاف في كيفية التعلق بالمراد (وتوضيح ذلك): ان الوجود إذا كان له مقدمات يتوقف على كل واحدة منها فكل واحدة من المقدمات لها دخل في جهة من جهات ذلك الوجود ولو كانت دخيلة في جهة واحدة امتنع ان تكون مقدمات متعددة بل كانت مقدمة واحدة، ثم المصلحة الداعية إلى ارادة الوجود المذكورة قد تكون بحيث تقتضي حفظ الوجود من جميع الجهات وبلحاظ جميع المقدمات وقد تكون بحيث تقتضي حفظه بلحاظ جهة دون جهة، فان كانت المصلحة على النحو الاول اقتضت تعلق الارادة به من جميع الجهات بحيث ينشأ من تلك الارادة النفسية ارادة غيرية بعدد المقدمات تتعلق كل واحدة من الارادات بواحدة من المقدمات، وان كانت على النحو الثاني اقتضت تعلق الارادة به من الجهة الخاصة دون غيرها فينشأ من تلك الارادة النفسية ارادة غيرية تتعلق بالمقدمة الحافظة للوجود من تلك الجهة لا غير، وحيث ان صدور الفعل من المكلف في فرض عدم الداعي النفسي إليه يتوقف على امور: (منها) تشريع الحكم الشرعي وجعله، (ومنها) علم المكلف به الموجب لحدوث الداعي العقلي إلى فعله، (ومنها) عدم مزاحمة الداعي العقلي بالداوعي الشهوية إلى خلافه، كان تشريع الحكم من مقدمات وجود الفعل من المكلف ووجوده حافظ لبعض جهات وجود الفعل وكانت ارادة الشارع المتعلقة بالفعل بلحاظ جهة وجوده من حيث التشريع ارادة له تشريعية، فالارادة التشريعية هي ارادة الشئ بلحاظ وجوده من حيث التشريع وتقابلها الارادة التكوينية وهي المتعلقة بالفعل من جميع جهات وجوده وكونه، ومنه يظهر أن امتناع تخلف المراد عن الارادة إنما هو في المراد بالارادة التكوينية لا التشريعية إذ الثانية لم تتعلق بالمراد من جميع جهات وجوده وإنما تعلقت به من

١٥٢

وهو العلم بالنظام على النحو الكامل التام دون الارادة التشريعية وهو العلم بالمصلحة في فعل المكلف، وما لا محيص عنه في التكليف إنما هو هذه الارادة التشريعية لا التكوينية فإذا توافقتا فلا بد من الطاعة والايمان وإذا تخالفتا فلا محيص عن ان يختار الكفر والعصيان (ان قلت): إذا كان الكفر والعصيان والطاعة والايمان بارادته تعالى التي لا تكاد تتخلف عن المراد فلا يصح ان يتعلق بها التكليف لكونها خارجة عن الاختيار المعتبر فيه عقلا (قلت): إنما يخرج بذلك عن الاختيار لو لم

______________________________

*

جهة تشريع حكمه فكيف يكون عدم وجود المراد تخلفا له عن الارادة بل يكون وجوده تخلفا للارادة عنه وهو ممتنع كتخلف المراد عن الارادة نعم لو لم يحفظ وجود المراد من قبل التشريع يلزم تخلف المراد عن الارادة لكن المفروض حفظه كذلك بتحقق التشريع كما هو ظاهر (قوله: وهو العلم بالنظام) سيأتي أن اتحاد الارادة مع العلم خارجي لا مفهومي (قوله: بالمصلحة في فعل) يعني الداعية إلى إرادته من حيث تشريع حكمه لا مطلقا وإلا كانت تكوينية كما عرفت (قوله: في التكليف) يعني في كون التكليف جديا حقيقيا لا صوريا (قوله: فإذا توافقتا) يعني إذا توافقت الارادة التكوينية مع الارادة التشريعية في المتعلق بأن كان الواجب الشرعي مرادا بالارادة التكوينية فلا بد من تحقق الواجب لامتناع تخلف المراد عن الارادة (قوله: وإذا تخالفتا) يعني بأن تعلقت الارادة التكوينية بالكفر والعصيان فلابد من تحققهما لامتناع تخلف المراد بها عنها. ثم ان الكفر والعصيان إذا كانا عدميين لم يتوقف تحققهما على تعلق الارادة التكوينية بهما بل يكفي فيه عدم ارادة الطاعة والايمان فالتخالف يكون بمجرد عدم تعلق الارادة التكوينية بما تتعلق به الارادة التشريعية لا بتعلقها بغيره (قوله: خارجة عن الاختيار) لكون الفعل الاختياري ما يكون ناشئا عن ارادة الفاعل والمفروض أنها صادرة عن إرادة الله سبحانه التكوينية (قوله: قلت: انما يخرج بذلك) يعني أن تعلق الارادة التكوينية بالعناوين المذكورة

١٥٣

يكن تعلق الارادة بها مسبوقة بمقدماتها الاختيارية، وإلا فلا بد من صدورها بالاختيار والا لزم تخلف ارادته عن مراده تعالى عن ذلك علوا كبيرا (ان قلت): إن الكفر والعصيان من الكافر والعاصي ولو كانا مسبوقين بارادتهما الا انهما منتهيان إلى مالا بالاختيار كيف وقد سبقهما الارادة الازلية والمشية الآلهية ؟ ومعه كيف تصح المؤاخذة على ما يكون بالاخرة بلا اختيار ؟ (قلت): العقاب إنما يستتبعه الكفر والعصيان التابعان للاختيار الناشئ عن مقدماته الناشئة عن شقاوتهما الذاتية اللازمة لخصوص ذاتهما، فان السعيد سعيد في بطن أمه والشقي شقي في بطن أمه

______________________________

*

يكون على نحوين: (أحدهما) أن تتعلق بها بلا توسط إرادة العبد كتعلقها بسائر الممكنات الموجودة، (وثانيهما) أن تتعلق بها بتوسط إرادة العبد، مثلا يكون خصوص الكفر الصادر عن إرادة الكافر متعلقا للارادة التكوينية الالاهية لا مطلق الكفر، فان كان التعلق على النحو الاول أوجب كون صدور العناوين المذكورة من العباد بلا اختيار منهم - كما ذكر في الاشكال - أما لو كان التعلق على النحو الثاني وجب أن يكون صدورها عن إرادة العبد واختياره لئلا يلزم تخلف المراد عن الارادة وهو ممتنع، ومنه يظهر فساد ما زعمه الجبري من عدم صدور فعل العبد عن ارادته بعد تسليم وجود الارادة له (قوله: مسبوقة) حال من الضمير في (بها) (قوله: بمقدماتها الاختيارية) كان الاولى ان يقول: بمقدماتها الموجبة لكونها اختيارية، إذ مقدمات الفعل ليست اختيارية بل نفس الفعل اختياري (قوله: منتهيان إلى مالا بالاختيار كيف) يعني أن ارادة العبد للكفر والعصيان وإن كانت هي المؤثرة فيهما إلا أنها لما كانت من الممكنات كانت بالآخرة مستندة إلى إرادة الواجب سبحانه التي هي واجبة لانها عين ذاته سبحانه فتكون واجبة بوجوب ذاته، وإذا كانت ارادة العبد كذلك كانت غير اختيارية، وحينئذ لا يصح العقاب على الكفر والعصيان لانه بالآخرة يكون بلا اختيار (قوله: قلت العقاب إنما يستتبعه) حاصله: ان العقاب في

١٥٤

والناس معادن كمعادن الذهب والفضة - كما في الخبر - والذاتى لا يعلل فانقطع سؤال انه لم جعل السعيد سعيدا والشقي شقيا، فان السعيد سعيد بنفسه والشقي شقي كذلك، وإنما أوجدهما الله تعالى (قلم اينجا رسيد وسر بشكست) قد انتهى الكلام في المقام إلى ما ربما لا يسعه كثير من الافهام ومن الله الرشد والهداية وبه الاعتصام (وهم ودفع) لعلك تقول إذا كانت الارادة التشريعية منه تعالى عين علمه بصلاح الفعل لزم - بناء على أن تكون عين الطلب - كون المنشأ بالصيغة في الخطابات الآلهية هو العلم وهو بمكان من البطلان، لكنك غفلت

______________________________

*

الآخرة على المعصية ليس ناشئا عن الاستحقاق حتى يتوجه الاشكال المذكور من عدم الاستحقاق على ما لا يكون بالاختيار بل هو من اللوازم الذاتية لها، وحينئذ فيكون وجودها علة وجوده فيترتب عليها ترتب المعلول على علته (أقول): الاشكال المذكور ان تم كان مانعا عن حسن التكليف أيضا ولا يختص منعه بحسن العقاب إذ التكليف والعقاب توأمان لا يحسن أحدهما في ظرف قبح الآخر فإذا كان مجرد كون الفعل اختياريا موجبا لحسن التكليف كان موجبا لحسن العقاب. مضافا إلى ان اندفاع الاشكال بما ذكره (قدس سره) يوجب ثبوت الاشكال في حسن العقاب بالنسبة إلى الموالي العرفية إذ لا مجال لدعوى كون عقابهم للعبد كان من جهة الملازمة الذاتية بينه وبين المعصية كما هو ظاهر إذ لا ريب في كونه فعلا اختياريا للموالي ناشئا عن ترجيح وجوده على عدمه، مع ان دعوى كون العقاب في الآخرة كذلك خلاف ظاهر الآيات والروايات بل لعله خلاف المرتكزات الضرورية الاسلامية (فالاولى) ان يقال: إن ارادة العبد لو كانت مخلوقة فيه بلا توسط العقل والقدرة تم الاشكال، بل لم يحسن التكليف أيضا كما هو الحال في افعال الصبيان والمجانين والحيوانات كافة أما لو كانت بتوسط العقل والقدرة فلا مانع عقلا من حسن التكليف، ولا من حسن العقاب على مخالفته والرجوع إلى العقلاء أوضح شاهد بما ذكرناه (قوله: هو العلم) لان المنشأ فيها هو الطلب وهو عين العلم بمقتضى قياس المساوات

١٥٥

عن أن اتحاد الارادة مع العلم بالصلاح إنما يكون خارجا لا مفهوما، وقد عرفت أن المنشأ ليس الا المفهوم لا الطلب الخارجي ولا غر واصلا في اتحاد الارادة والعلم عينا وخارجا، بل لا محيص عنه في جميع صفاته تعالى لرجوع الصفات إلى ذاته المقدسة قال (أمير المؤمنين) صلوات الله وسلامه عليه: (وكمال توحيده الاخلاص له، وكمال الاخلاص له نفى الصفات عنه)

الفصل الثاني

فيما يتعلق بصيغة الامر وفيه مباحث (الاول) أنه ربما يذكر للصيغة معان قد استعملت فيها وقد عد منها الترجي والتمني والتهديد والانذار والاهانة والاحتقار

______________________________

(قوله: أن اتحاد الارادة) يعني اتحاد الارادة والعلم إنما يكون في الخارج لان صفاته تعالى عين ذاته، لا ان مفهوم الارادة عين مفهوم العلم وان كان المحكي عن كثير من المعتزلة ذلك، بل هو ظاهر المحقق الطوسي (ره) في التجريد حيث قال: ومنها - أي الكيفيات النفسانية - الارادة والكراهة وهما نوعان من العلم. انتهى، لكن المحكي عن بعض المعتزلة انها الميل المتعقب لاعتقاد النفع وهو المراد من الشوق في كلام المصنف (ره) فيما تقدم كما ان المحكي عن بعض الاشاعرة أنها غير العلم والميل، بل قد تتحقق بدونهما فضلا عن ان تكون عين أحدهما (قوله: الا المفهوم) يعني وهو غير مفهوم العلم

صيغة الامر

(قوله: التمني) نحو ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي (قوله: التهديد) نحو قوله تعالى: اعملوا ما شئتم (قوله: الانذار) نحو قوله تعالى: تمتعوا في داركم (قوله: الاهانة) نحو قوله تعالى: ذق إنك أنت العزيز الكريم (قوله: الاحتقار) نحو قوله تعالى: بل ألقوا ما أنتم ملقون

١٥٦

والتعجيز والتسخير... إلى غير ذلك. وهذا كما ترى ضرورة ان الصيغة ما استعملت في واحد منها، بل لم تستعمل إلا في إنشاء الطلب إلا أن الداعي إلى ذلك كما يكون تارة هو البعث والتحريك نحو المطلوب الواقعي يكون أخرى أحد هذه الامور كما لا يخفى، وقصارى ما يمكن أن يدعى أن تكون الصيغة موضوعة لانشاء الطلب فيما إذا كان بداعي البعث والتحريك لا بداع آخر منها فيكون إنشاء الطلب بها بعثا حقيقة وإنشاؤه بها

______________________________

(قوله: والتعجيز) نحو قوله تعالى: فأتوا بسورة من مثله (قوله: والتسخير) نحو قوله تعالى: كونوا قردة خاسئين (قوله: إلى غير ذلك) كالارشاد، والتكوين والامتنان، والتسوية، والاباحة (قوله: إلا في إنشاء الطلب) قد تقدمت الاشارة إلى أن هيئة (إفعل) موضوعة وضع الحروف للنسب والاضافات، فالمراد من كونها موضوعة للطلب مستعملة فيه أنها موضوعة للنسبة الطلبية القائمة بين الطالب والمطلوب، فهي حاكية عن تلك النسبة ومستعملة فيها، إلا أن في كونها كذلك تأملا، بل الظاهر أنها موضوعة للنسبة التكوينية القائمة بين المكون والمكون فمعنى (اضرب): كن ضاربا، ومعنى: كن ضاربا، جعله ضاربا فهي لانشاء المادة المنتسبة إلى المتكلم نسبة التكوين، واستفادة الطلب منها من جهة ملازمة التكوين لتحقق إرادته في نفس المكون فهى تحكي عن الطلب النفسي بالالتزام على النحو المذكور وهي في جميع الموارد مستعملة في التكوين حقيقة كما في قوله تعالى: (إن الله إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) أو ادعاء كما في سائر موارد استعمالها، لا في إنشاء النسبة الطلبية كما قد يظهر بالتأمل (قوله: هو البعث والتحريك) يعني الاعتبار بين الادعائيين المترتبين على إظهار الارادة بالصيغة لدلالتها عليها كما عرفت (قوله: هذه الامور) يعني التي عدت معاني للصيغة فان الظاهر أنها دواع إلى تكوين المادة وإنشائها (قوله: بداعي البحث والتحريك) فيكون الداعي المذكور قيدا في الموضوع

١٥٧

تهديدا مجازا وهذا غير كونها مستعملة في التهديد وغيره فلا تغفل (إيقاظ) لا يخفى أن ما ذكرناه في صيغة الامر جار في سائر الصيغ الانشائية فكما يكون الداعي إلى انشاء التمنى أو الترجي أو الاستفهام بصيغها (تارة) هو ثبوت هذه الصفات حقيقة يكون الداعي غيرها (أخرى) فلا وجه للالتزام بانسلاخ صيغها عنها واستعمالها في غيرها إذا وقعت في كلامه تعالى لاستحالة مثل هذه المعاني في حقه تبارك وتعالى مما لازمه العجز أو الجهل، وأنه لا وجه له فان المستحيل إنما هو الحقيقي منها لا الانشائى الايقاعى الذى يكون بمجرد قصد حصوله بالصيغة كما عرفت، ففى كلامه تعالى قد استعملت في معانيها الايقاعية الانشائية ايضا لا لاظهار ثبوتها حقيقة بل لامر آخر - حسبما يقتضيه الحال - من إظهار المحبة أو الانكار أو التقرير... إلى غير ذلك (ومنه) ظهر أن ما ذكر من المعاني الكثيرة لصيغة الاستفهام ليس كما ينبغي ايضا (المبحث الثاني) في ان الصيغة

______________________________

*

(قوله: تهديدا مجازا) لانه غير الموضوع له (قوله: في سائر الصيغ) قد عرفت أن سائر الصيغ الانشائية إنما تكون موضوعة للنسب والاضافات الخاصة أعني النسبة القائمة بين المتمنى والمتمني والمترجى والمترجي والمستفهم عنه والمستفهم أو غير ذلك فالمراد من إنشائها ينبغي أن يكون إنشاء النسب المخصوصة (قوله: لاستحالة) متعلق بالالتزام (قوله: العجز أو الجهل) الاول في الترجي والتمني والثاني في الاستفهام (قوله: وانه لا وجه له) تأكيد لقوله: لا وجه للالتزام، (قوله: فان المستحيل) يعني أن المستحيل عليه تعالى هو الحقيقي من التمني والترجي والاستفهام لا الانشائي الذي هو ايجاد النسب الخاصة (قوله: لا لاظهار ثبوتها) وإن كان إظهار ثبوتها غير ممتنع عليه سبحانه بل الممتنع نفس ثبوتها إلا أن الكلام المشتمل على أدواتها ليس مما قصد منه إظهار ثبوتها بل قصد منه أمر آخر (قوله: ومنه ظهر) لا يبعد ان يكون مقصودهم ما ذكره المصنف (ره)

١٥٨

حقيقة في الوجوب أو في الندب أو فيهما أو في المشترك بينهما " وجوه " بل " أقوال " لا يبعد تبادر الوجوب عند استعماله بلا قرينة، ويؤيده عدم صحة الاعتذار عن المخالفة باحتمال ارادة الندب مع الاعتراف بعدم دلالته عليه بحال أو مقال وكثرة الاستعمال فيه في الكتاب والسنة وغيرهما لا يوجب نقله إليه أو حمله عليه لكثرة استعماله في الوجوب أيضا - مع ان الاستعمال وإن كثر فيه إلا أنه كان مع القرينة المصحوبة، وكثرة الاستعمال

______________________________

*

وان كانت كلماتهم غير وافية به (قوله: حقيقة في الوجوب) الوجوب الحقيقي (أعني الثبوت) ليس معنى الصيغة ضرورة وكذا الوجوب الادعائي الاعتباري فالمراد من كون الصيغة حقيقة في الوجوب أنها حقيقة في معنى يكون منشأ لاعتبار الوجوب وادعائه وذلك المعنى هو النسبة الطلبية - حسبما هو المشهور - أو التكوينية - حسبما عرفت - وحيث أن الوجوب ينتزع من مقام إظهار الارادة مع عدم الترخيص في ترك المراد بشهادة عدم اعتباره من الامر بالشئ مع الترخيص في تركه مع أن الامر المذكور لا قصور فيه من حيث كونه مظهرا للارادة فدعوى كونها حقيقة في الوجوب تتوقف على دلالتها على الارادة وعلى عدم الترخيص في ترك المراد كان اللازم القول بعدم كونها حقيقة في الوجوب فاستعمالها في موارد الترخيص في ترك المراد لا يكون مجازا نعم مع الشك في الترخيص يبنى على عدمه عند العقلاء، فيكفي الشك فيه في اعتبار الوجوب عقلا ولا يحتاج إلى ثبوت عدم الترخيص فهي من حيث هي مشتركة بين الوجوب والاستحباب لكن ما لم يثبت الترخيص يحكم بالوجوب (قوله: لا يبعد تبادر) قد عرفت أن دعوى تبادر الوجوب مساوقة لدعوى دلالة الصيغة على عدم الترخيص في ترك المادة وهو غير ظاهر بل ممنوع (قوله: باحتمال ارادة) قد عرفت أن مجرد عدم ثبوت الترخيص كاف في اعتبار الوجوب عند العقل (قوله: دلالته عليه) يعني على الندب (قوله: مع القرينة المصحوبة) ولا ينافيه كون

١٥٩

كذلك في المعنى المجازى لا يوجب صيرورته مشهورا فيه ليرجح أو يتوقف - على الخلاف في المجاز المشهور - كيف وقد كثر استعمال العام في الخاص حتى قيل: ما من عام إلا وقد خص، ولم ينثلم به ظهوره في العموم، بل يحمل عليه ما لم تقم قرينة بالخصوص على ارادة الخصوص (المبحث الثالث) هل الجمل الخبرية التى تستعمل في مقام الطلب والبعث مثل يغتسل ويتوضأ ويعيد ظاهرة في الوجوب ؟ أولا لتعدد المجازات فيها وليس الوجوب بأقواها بعد تعذر حملها

______________________________

اكثر المستحبات قد استفيد استحبابها من الجمع العرفي بين دليلي الالتزام والترخيص كما يظهر بأدنى ملاحظة للكتب الفقهية الاستدلالية، فان دليل الترخيص يكشف عن ثبوت القرينة الصارفة المتصلة لا أنه بنفسه قرينة حتى تكون القرينة مصحوبة بل هو حجة على القرينة لا أقل من احتمال ذلك فتأمل (قوله: كذلك) يعني مع القرينة المصحوبة (قوله: صيرورته مشهورا) لان المناسبة لا تكون بين اللفظ مطلقا والمعنى بل بين اللفظ المصحوب للقرينة وبين المعنى فلا موجب للانتقال إلى المعنى المجازي من مجرد اللفظ حتى يحصل الاجمال أو الظهور في غير المعنى الحقيقي (قوله: كيف وقد) استشهاد لما ذكره يعني أن العمومات على اختلافها من المعرف باللام، وكل، وجميع، وغيرها قد كثر استعمالها في الخصوص حتى قيل: ما من عام إلا وقد خص، ولم تمنع هذه الكثرة عن حملها على العموم إذا لم تكن قرينة على الخصوص " أقول ": التخصيص في قولهم: ما من عام... الخ يراد به التخصيص بالمنفصل بقرينة فرض العام، ولاجل ذلك أيضا لا مجال لما تقدم من كون الخاص حجة على القرينة المصحوبة لان القرينة مانعة عن كونه عاما ويظهر منه (ره) الاعتراف بذلك في فصل تعيين الظاهر من مبحث التعارض وعليه فلا يكون نظيرا لما نحن فيه بل قد يشكل في الحمل على العموم لان الاستعمال بالخصوص كان بلا قرينة مصحوبة - مضافا إلى أن اقتضاء التخصيص للتجوز بالعام محل الكلام كما يأتي فلا يشبه المقام فتأمل (قوله: قرينة بالخصوص) بل

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

٢٠٥ ـ رواية الحسن بن كثير :

وقد روى الحسن بن كثير وعبد خير ، قالا : لما وصل عليعليه‌السلام إلى كربلا وقف وبكى ، وقال : بأبي أغيلمة يقتلون ههنا. هذا مناخ ركابهم ، هذا موضع رحالهم ، هذا مصرع الرجل.

ـ رواية أخرى :(شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٣ ص ١٧١)

عن الحسن بن كثير ، عن أبيه ، أن علياعليه‌السلام أتى كربلاء ، فوقف بها ، فقيل له :

يا أمير المؤمنين ، هذه كربلاء. فقال : ذات كرب وبلاء. ثم أومأ بيده إلى المكان ، فقال : ههنا موضع رحالهم ومناخ ركابهم.

ثم أومأ بيده إلى مكان آخر ، فقال : ههنا مهراق دمائهم. ثم مضى إلى ساباط.

٢٠٦ ـ شهداء كربلاء مثل شهداء بدر (رض):

(أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين ، ج ٤ ص ١٤٣)

في منتخب كنز العمال عن الطبراني في الكبير ما لفظه عن شيبان بن محرم ، قال :إني لمع عليعليه‌السلام إذ أتى كربلاء ، فقال : يقتل في هذا الموضع شهداء ليس مثلهم إلا شهداء بدر.

ـ شهداء كربلاء لا يسبقهم سابق :(المنتخب للطريحي ، ص ٨٧)

عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : مر أمير المؤمنينعليه‌السلام بكربلاء ، فبكى حتى اغرورقت عيناه بالدموع ، وقال : هذا مناخ ركابهم ، هذا ملقى رحالهم ، ههنا تراق دماؤهم. طوبى لك من تربة عليها يراق دم الأحبة. مناخ ركاب ومنازل شهداء ، لا يسبقهم من كان قبلهم ولا يلحقهم من كان بعدهم.

٢٠٧ ـ إخبار عليعليه‌السلام أن الحسينعليه‌السلام يقتل وموضع ذلك ، وما في ذلك من معجزات :(مدينة المعاجز لهاشم البحراني ، ص ١٢٠)

روى الشيخ الصدوق بسنده عن ابن عباس ، قال : كنت مع عليعليه‌السلام في خروجه من صفين. فلما نزلنا نينوى ـ وهي بشط الفرات ـ قال بأعلى صوته : يابن عباس أتعرف هذا الموضع؟ قلت : لا أعرفه يا أمير المؤمنين. فقال عليعليه‌السلام : لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتى تبكي لبكائي. قال فبكىعليه‌السلام طويلا حتى اخضلت لحيته وسالت الدموع على صدره ، وبكينا معه ، وهو يقول : أوه أوه ، مالي

٢٢١

ولآل أبي سفيان مالي ولآل حزب الشيطان وأولياء الكفر. صبرا صبرا يا أبا عبد الله ، فقد لقي أبوك مثل الذي تلقى منهم. ثم دعا بماء فتوضأ وضوء الصلاة ، فصلى ما شاء الله أن يصلي.

وذكر نحو كلامه ، إلا أنه نعس عند انقضاء صلاته وكلامه ساعة ، ثم انتبه فقال :يابن عباس. قلت : ها أنذا. فقال : ألا أحدثك عما رأيت في منامي آنفا عند رقدتي؟ فقلت : نامت عينك ورأيت خيرا يا أمير المؤمنين. قالعليه‌السلام : رأيت كأني برجال قد نزلوا من السماء ، معهم أعلام بيض ، قد تقلدوا سيوفهم ، وهي بيض تلمع ، وقد خطّوا حول هذه الأرض خطة. ثم رأيت كأن النخيل قد ضربت بأغصانها الأرض ، تضرب بدم عبيط (أي طري) ، وكأني بالحسين سخلي وفرخي ومضغتي ومخي ، قد غرق فيه ، يستغيث فلا يغاث. وكأن الرجال البيض (الذين) نزلوا من السماء ، ينادونه ويقولون : صبرا آل الرسول ، فإنكم تقتلون على يدي شرار الناس ، وهذه الجنة يا أبا عبد الله مشتاقة إليك. ثم يعزّونني ويقولون : يا أبا الحسن أبشروا فقد أقرّ الله عينك يوم يقوم الناس لرب العالمين. ثم انتبهت هكذا.

والذي نفس علي بيده ، لقد حدثني الصادق المصدق أبو القاسمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أني سأمر بها في خروجي إلى أهل البغي علينا. وهي أرض كرب وبلاء ، يدفن فيها الحسينعليه‌السلام وسبعة عشر رجلا من ولدي وولد فاطمةعليها‌السلام . وإنها لفي السموات معروفة تذكر أرض كرب وبلاء ، كما تذكر بقعة الحرمين وبقعة بيت المقدس. ثم قال : يا بن عباس ، اطلب حولها بعر الظباء ، فو الله ما كذبت ولا كذبت ، وهي مصفرة ، لونها لون الزعفران. فطلبتها فوجدتها مجتمعة. فناديته : يا أمير المؤمنين قد أصبتها على الصفة التي وصفتها لي. فقال عليعليه‌السلام : صدق الله ورسوله.

ـ قصة مرور عيسىعليه‌السلام بكربلاء :

ثم قام عليعليه‌السلام يهرول حتى جاء إليها فحملها وشمها ، وقال : هي هي ، أتعلم يابن عباس ما هذه الأبعار؟ هذه قد شمها عيسى بن مريم ، وذلك أنه مرّ بها ومعه الحواريون ، فرأى ههنا ظباء مجتمعة وهي تبكي ، فجلس عيسىعليه‌السلام وجلس الحواريون. فبكى وبكى الحواريون ، وهم لا يدرون لم جلس ولم بكى. فقالوا : يا روح الله وكلمته ما يبكيك؟ قال : أتعلمون أي أرض هذه ، هذه أرض من يقتل فيها

٢٢٢

فرخ رسول الله أحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفرخ الحرة الطاهرة البتول ، شبيهة أمي ، ويلحد فيها أطيب من المسك ، لأنها طينة الفرخ المستشهد ، وهكذا تكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء. فهذه الظباء تكلمني وتقول : انها ترعى هذه الأرض شوقا إلى تربة الفرخ المبارك ، وزعمت أنها آمنة في هذه الأرض.

ثم ضرب بيده البعيرات فشمها ، وقال : هذه بعر الظباء على هذا الطيب لمكان حشيشها. اللهم فأبقها أبدا حتى يشمها أبوه ، فتكون له عزاء وسلوة. فبقيت إلى يومنا هذا وقد اصفرت لطول زمنها ، وهذه أرض كرب وبلاء.

ثم قال بأعلى صوته : يا رب عيسى بن مريم ، لا تبارك في قتلته والمعين لهم والخاذل له. ثم بكى طويلا وبكينا معه حتى سقط لوجهه وغشي عليه طويلا. ثم أفاق فأخذ البعر فصّره في ردائه وأمرني أن أصرها كذلك.

ثم قال : يابن عباس ، إذا رأيتها تتفجر دماء عبيطا ويسيل منها دم عبيط ، فاعلم أن أبا عبد اللهعليه‌السلام قد قتل بها ودفن.

قال ابن عباس : فوالله لقد كنت أحفظها أشد من حفظي لما افترض اللهعزوجل علي ، وأنا لا أحلها من طرف كمي. فبينا أنا نائم في البيت فإذا هي تسيل دما عبيطا ، وان كمي قد امتلأ دما عبيطا. فجلست وأنا باك ، وقلت : قتل والله الحسين ، والله ما كذبني قط في حديث ، ولا أخبر بشيء أن يكون إلا كان كذلك ، لأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخبره بأشياء لا يخبر بها غيره. ففزعت وخرجت وذلك عند الفجر ، فرأيت والله المدينة كأنها ضباب لا يستبين منها أثر عين. ثم طلعت الشمس فرأيت كأنها منكسفة ، ورأيت كأن حيطان المدينة عليها دم عبيط. فجلست وأنا باك ، وقلت قتل والله الحسينعليه‌السلام .

وسمعت صوتا من ناحية البيت ، وهو يقول : اصبروا آل الرسول قتل الفرخ النحول ، نزل الروح الأمين ببكاء وعويل. ثم بكى بأعلى صوته وبكيت. فأثبتّ عندي تلك الساعة ، وكان شهر محرم يوم عاشور لعشر مضين منه ، فوجدته قتل يوم ورد علينا خبره ، وتاريخه كذلك. فحدثت بهذا الحديث الذين كانوا معه فقالوا :والله لقد سمعنا ما سمعت ونحن في المعركة ، ولا ندري ما هو. قلت : أترى أنه الخضرعليه‌السلام .

٢٢٣

٢٠٨ ـ إخبار الإمام عليعليه‌السلام حين مر بكربلاء وهو سائر إلى صفين :

(وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص ١٤٠ ط ٢)

قال نصر بن مزاحم : حدثني مصعب بن سلام عن هرثمة بن سليم ، قال :غزونا مع علي بن أبي طالبعليه‌السلام غزوة صفين. فسار حتى انتهى إلى كربلاء ، فنزل إلى شجرة فصلى إليها ، فلما سلم رفع إليه من تربتها فشمها ، ثم قال : واها لك أيتها التربة ، ليحشرن منك (وفي رواية : ليقتلن بك) قوم يدخلون الجنة بغير حساب.

فلما رجع هرثمة من غزوته إلى امرأته ـ وهي جرداء بنت سمير ، وكانت شيعة لعليعليه‌السلام ـ فقال لها زوجها هرثمة : ألا أعجّبك من صديقك أبي الحسن؟ لما نزلنا كربلا رفع إليه من تربتها فشمها ، وقال : «واها لك يا تربة ، ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب». وما علمه بالغيب؟! فقالت : دعنا منك أيها الرجل ، فإن أمير المؤمنين لم يقل إلا حقا.

فلما بعث عبيد الله بن زياد البعث الذي بعثه إلى الحسين بن عليعليه‌السلام وأصحابه ، قال هرثمة : كنت فيهم في الخيل التي بعث إليهم ، فلما انتهيت إلى القوم وحسين وأصحابه ، نظرت إلى الشجرة ، فذكرت الحديث وعرفت المنزل الذي نزلنا فيه مع عليعليه‌السلام ، والبقعة التي رفع إليه من ترابها ، والقول الذي قاله ، فكرهت مسيري. فأقبلت على فرسي حتى وقفت على الحسينعليه‌السلام ، فسلمت عليه وحدثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل.

فقال الحسينعليه‌السلام : فأنت معنا أم علينا؟ فقلت : يابن رسول الله لا معك ولا عليك. تركت أهلي وولدي وعيالي ، أخاف عليهم من ابن زياد.

فقال الحسينعليه‌السلام : فولّ في الأرض هربا حتى لا ترى لنا مقتلا ، فو الذي نفس محمد بيده لا يرى مقتلنا اليوم رجل ولا يغيثنا إلا أدخله الله النار. قال هرثمة :فأقبلت في الأرض هاربا حتى خفي علي مقتله.

ملاحظة : هذه الفقرة هي جمع عدة روايات مع بعض ، إحداها وردت في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج ٣ ص ١٦٩ ط مصر ـ تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم.

٢٠٩ ـ إخبار الإمام عليعليه‌السلام بما سيحدث في كربلاء :

(المصدر السابق ، ص ١٤١)

حدّث نصر بن مزاحم عن مصعب بن سلام عن سعيد بن وهب ، قال : بعثني

٢٢٤

مخنف بن سليم إلى عليعليه‌السلام عند توجهه إلى صفين. فأتيته بكربلاء ، فوجدته يشير بيده ويقول : ههنا! فقال له رجل : وما ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال : ثقل آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينزل ههنا ، فويل لهم منكم ، وويل لكم منهم!.

فقال له الرجل : ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين؟ قال (ويل لهم منكم) تقتلونهم ، (وويل لكم منهم) يدخلكم الله بقتلهم إلى النار.

٢١٠ ـ حديث الإمام الحسنعليه‌السلام عن مصرع أخيه الحسينعليه‌السلام :

(مناقب ابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٣٨ ط نجف)

روى الإمام الصادق عن آبائهعليهم‌السلام قال : دخل الحسين على أخيه الحسنعليهما‌السلام يوما ، فلما نظر إليه بكى. فقال له الحسنعليه‌السلام : ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ قال :أبكي لما يصنع بك. فقال له الحسنعليه‌السلام : إن الذي يؤتى إليّ سم يدس إلي فأقتل به(١) ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله. يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدّعون أنهم من أمة جدك محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وينتحلون بك الإسلام ، فيجتمعون على قتلك وسفك دمك ، وانتهاك حرمتك ، وسبي ذراريك ونسائك ، وانتهاب ثقلك ، فعندها تحلّ ببني أمية اللعنة ، وتمطر السماء دما ورمادا ، ويبكي عليك كل شيء ، حتى الوحوش في الفلوات ، والحيتان في البحار.

٢١١ ـ إخبار الحسينعليه‌السلام بمقتله :

عن معاوية بن قرة قال : قال الحسينعليه‌السلام : والله ليعتدن عليّ كما اعتدت بنو اسرائيل في السبت.

قال : وأنبأنا علي بن محمد ، عن جعفر بن سليمان الضبعي ، (قال) قال الحسينعليه‌السلام : والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فإذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من فرم الأمة.

__________________

(١) اللهوف على قتلى الطفوف ، ص ١٤.

٢٢٥

أخبار أخرى

٢١٢ ـ ورود سلمان (رض) كربلاء :

(وسيلة الدارين في أنصار الحسين للسيد إبراهيم الزنجاني ، ص ٧١)

في الخبر عن المسيب بن نجبة الفزاري ، قال : خرجت أستقبل سلمان الفارسي حين أقبل من المدينة إلى المدائن. فلما وصل إلى كربلاء تغير حاله وبكى ، وقال :هذه مصارع إخواني. هذا موضع رحالهم ، وهذا مناخ ركابهم ، وهذا مهراق دمائهم. يقتل بها خير الأولين وابن خير الآخرين.

٢١٣ ـ إخبار أبي ذر الغفاري بمقتل الحسينعليه‌السلام ونتائج ذلك :

(الإرشاد للشيخ المفيد ، ص ٢٣٦)

في (كامل الزيارة) عن عروة بن الزبير ، قال : سمعت أبا ذر ، وهو يومئذ قد أخرجه عثمان إلى الربذة ، فقال له الناس : يا أبا ذر أبشر ، فهذا قليل في الله. فقال ما أيسر هذا ، ولكن كيف أنتم إذا قتل الحسين بن عليعليه‌السلام قتلا (أو قال : ذبح ذبحا)؟. والله لا يكون في الإسلام بعد قتل الخليفة (يعني علي بن أبي طالب) أعظم قتيلا منه. وإن الله سيسل سيفه على هذه الأمة لا يغمده أبدا. ويبعث ناقما من ذريته فينتقم من الناس. وإنكم لو تعلمون ما يدخل على أهل البحار ، وسكان الجبال في الغياض والآكام ، وأهل السماء من قتله ، لبكيتم والله حتى تزهق أنفسكم. وما من سماء يمر بها روح الحسينعليه‌السلام إلا فزع له سبعون ألف ملك ، يقومون قياما ترعد مفاصلهم إلى يوم القيامة. وما من سحابة تمر وترعد وتبرق إلا لعنت قاتله. وما من يوم إلا وتعرض روحه على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيلتقيان.

٢١٤ ـ ملازمة رجل من بني أسد أرض كربلاء :

(تاريخ ابن عساكر ـ الجزء الخاص بالحسين ، ص ٢١٢)

قال العريان بن الهيثم : كان أبي يتبدى فينزل قريبا من الموضع الذي كانت فيه معركة الحسينعليه‌السلام . فكنا لا نبدو إلا وجدنا رجلا من بني أسد هناك. فقال له أبي : أراك ملازما هذا المكان!. قال : بلغني أن حسيناعليه‌السلام يقتل ههنا ، فأنا أخرج إلى هذا المكان ، لعلي أصادفه فأقتل معه.

قال ابن الهيثم : فلما قتل الحسينعليه‌السلام قال أبي : انطلقوا بنا ننظر ، هل الأسدي فيمن قتل مع الحسينعليه‌السلام . فأتينا المعركة وطوّقنا ، فإذا الأسدي مقتول.

٢٢٦

(أقول) لعل هذا الشهيد هو أنس بن الحرثرحمه‌الله . وهذا درس يعلمنا أن المؤمن النبيه يسعى نحو الحق حتى يدركه ، فينال أعلى درجات السعادة والكرامة ، كما فعل أنس بن الحرث الأسدي.

٤ ـ أخبار بمن يقتل الحسينعليه‌السلام

٢١٥ ـ الحسينعليه‌السلام يخبر بأن عمر بن سعد سيقتله :

(كشف الغمة ٢ / ٩ وإرشاد المفيد ص ٢٨٢ والبحار ٤٤ / ٢٦٣)

روى سالم بن أبي حفصة ، (قال) قال عمر بن سعد للحسينعليه‌السلام : يا أبا عبد الله ، إن قبلنا أناسا سفهاء يزعمون أني أقتلك. فقال له الحسينعليه‌السلام : إنهم ليسوا سفهاء ، ولكنهم حلماء. أما إنه يقر عيني أن لا تأكل من برّ العراق بعدي إلا قليلا.

٢١٦ ـ إخبار الإمام عليعليه‌السلام بأن عمر بن سعد يقتل ابنه الحسينعليه‌السلام :

عن الأصبغ بن نباتة ، قال : بينا أمير المؤمنينعليه‌السلام يخطب الناس ، وهو يقول :سلوني قبل أن تفقدوني ، فو الله لا تسألوني عن شيء مضى ولا شيء يكون إلا أنبأتكم به. فقام إليه سعد بن أبي وقاص ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرني كم في رأسي ولحيتي من شعرة. فقال : أما والله لقد سألتني عن مسألة حدثني خليلي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنك ستسألني عنها. وما في رأسك ولحيتك من شعرة إلا وفي أصلها شيطان جالس ، وإن في بيتك لسخلا يقتل ابني الحسينعليه‌السلام . وكان عمر بن سعد يومئذ يدرج بين يديه.

(أقول) : فلما كان من أمر الحسينعليه‌السلام ما كان ، تولى عمر بن سعد قتل الحسينعليه‌السلام ، وكان الأمر كما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وفي رواية (الإرشاد) للمفيد ص ٢٠ قال له عليعليه‌السلام :

وآية ذلك مصداق ما خبّرتك به. ولو لا أن الذي سألت عنه يعسر برهانه لأخبرتك به ، ولكن آية ذلك ما أنبأتك به من لعنتك وسخلك الملعون.

قال ابن سيرين : وقد ظهرت كرامات علي بن أبي طالبعليه‌السلام في هذا ، فإنه لقي قاتل الحسينعليه‌السلام وهو شاب ، فقال : ويحك ، كيف بك إذا قمت مقاما تخير فيه بين الجنة والنار ، فتختار النار؟

وسيرد هذا الخبر عند الحديث عن عمر بن سعد ، الذي تولى قيادة الجيش لقتال

٢٢٧

الحسينعليه‌السلام ، وقد نصحه الحسينعليه‌السلام كثيرا ، ولكن حب الدنيا أعمى قلبه.

تنبيه حول السائل :ذكر فخر الدين الطريحي في (المنتخب) ص ١٦٦ : أن الذي سأل الإمامعليه‌السلام : كم شعرة في رأسي ، هو يزيد والد خولي بن يزيد الأصبحي.ولعل بعض الروايات تشير إلى أنه سنان بن أنس ، والله أعلم.

يقول العلامة المجلسي في البحار ، ج ٤٤ ص ٢٥٧ : لا يخفى ما في الحديث من تسمية الرجل السائل المتعنت بأنه سعد بن أبي وقاص ، حيث أن سعد بن أبي وقاص اعتزل عن الجماعة وامتنع عن بيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فاشترى أرضا واشتغل بها ، فلم يكن ليجيء إلى الكوفة ويجلس إلى خطبة الإمام عليعليه‌السلام .ومن جهة أخرى إن عمر بن سعد قد ولد في السنة التي مات فيها عمر بن الخطاب وهي سنة ٢٣ ه‍ فكان عمره حين خطب الإمامعليه‌السلام هذه الخطبة بالكوفة غلاما بالغا أشرف على العشرين ، لا أنه سخل في بيته.

ولما كان أصل القصة مسلمة مشهورة ، عدل الشيخ المفيد في (الإرشاد) عن تسمية الرجل ، وتبعه الطبرسي في (إعلام الورى) ص ١٨٦. ولعل الصحيح ما ذكره ابن أبي الحديد ، حيث ذكر الخطبة في شرحه على النهج ، ج ١ ص ٢٥٣ عن كتاب (الغارات) لابن هلال الثقفي عن زكريا بن يحيى العطار عن فضيل عن محمد الباقرعليه‌السلام وقال في آخره : والرجل هو سنان بن أنس النخعي.

٢١٧ ـ إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يزيد هو قاتل الحسينعليه‌السلام :

أخرج الطبراني عن معاذ بن جبل ، أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يزيد ، لا بارك الله في يزيد. نعي إليّ الحسينعليه‌السلام وأتيت بتربته ، وأخبرت بقاتله. والذي نفسي بيده لا يقتل بين ظهراني قوم لا يمنعونه ، إلا خالف الله بين صدورهم وقلوبهم ، وسلط عليهم شرارهم وألبسهم شيعا (أي جماعات متفرقين).

وأخرجه ابن عساكر عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا بلفظ : يزيد ، لا بارك الله في يزيد ، الطّعان اللعّان ، أما إنه نعي إلي حبيبي وسخلي حسين ، أتيت بتربته ورأيت قاتله. أما إنه لا يقتل بين ظهراني قوم فلا ينصرونه ، إلا عمّهم الله بعقاب.

وأخرج أبو يعلى عن أبي عبيدة (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يزال أمر أمتي قائما بالقسط حتى يكون أول من يثلمه رجل من بني أمية ، يقال له : يزيد.

وأخرج ابن أبي شيبة وأبو يعلى والروياني والحافظ أبوبكر محمد بن اسحق ابن

٢٢٨

خزيمة السلمي النيسابوري والبيهقي وابن عساكر والضياء ، عن أبي ذر ، أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية. وزاد الروياني : يقال له يزيد.

٢١٨ ـ رواية أخرى :

(معجم الطبراني ص ١٣٠ ومقتل الخوارزمي ص ١٦٠ وكنز العمال ١٣ / ١١٣ وأمالي الشجري ص ١٦٩)

في معجم الطبراني عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن معاذ بن جبل أخبره قال :خرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متغير اللون ، فقال : أنا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوتيت فواتح الكلام وخواتمه ، فأطيعوني ما دمت بين أظهركم ، فإذا ذهب بي فعليكم بكتاب اللهعزوجل ، أحلوا حلاله وحرموا حرامه ، (فإذا) أتتكم الموتة أتتكم بالروح والراحة.كتاب الله من الله سبق ، أتتكم فتن كقطع الليل المظلم ، كلما ذهب رسل جاء رسل ، تناسخت النبوة فصارت ملكا. رحم الله من أخذها بحقها ، وخرج منها كما دخلها.

أمسك يا معاذ واحص!. قال : فلما بلغت خمسة ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يزيد ، لا بارك الله في يزيد. ثم ذرفت عيناه. ثم قال : نعي إلي حسين ، وأوتيت بتربته ، وأخبرت بقاتله. والذي نفسي بيده لا يقتل بين ظهراني قوم لا يمنعونه ، إلا خالف الله بين صدورهم وقلوبهم ، وسلط عليهم شرارهم وألبسهم شيعا.

ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : واها لفراخ آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خليفة مستخلف مترف ، يقتل خلفي وخلف الخلف.

أمسك يا معاذ. فلما بلغت عشرة ، قال : الوليد(١) اسم فرعون ، هادم شرائع الاسلام ، يبوء بدمه رجل من أهل بيته ، يسل الله سيفه فلا غماد له ، ويختلف الناس فكانوا هكذا ، وشبك بين أصابعه.

ثم قال : وبعد العشرين والمائة موت سريع وقتل ذريع ، فيه هلاكهم ، ويلي عليهم رجل من ولد العباس.

__________________

(١) لعل المقصود به الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، وهو الذي مزّق القرآن وقال :

تهددني بجبار عنيد

فها أنا ذاك جبار عنيد

إذا ما جئت ربك يوم حشر

فقل : يا ربّ مزّقني الوليد

٢٢٩
٢٣٠

الفصل السادس

المآتم الحسينيّة

١ ـ إقامة ذكرى الحسينعليه‌السلام والحزن عليه

ـ إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام

٢ ـ فضل البكاء والحزن على الحسينعليه‌السلام

٣ ـ إقامة ذكرى الحسينعليه‌السلام ومراسم الحزن يوم عاشوراء

ـ اتخاذ بني أمية يوم عاشوراء يوم عيد وفرح

ـ أحاديث موضوعة في فضل يوم عاشوراء وأنه عيد

ـ هل يجوز صيام يوم عاشوراء؟

٤ ـ فلسفة المآتم الحسينية

٢٣١
٢٣٢

الفصل السادس

المآتم الحسينيّة

* مقدمة الفصل :

لا يخفى أن مصيبة الحسينعليه‌السلام الكبيرة قد أقضّت مضجع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستحوذت عليه كل اهتمامه. فلا عجب إذا رأيناه يقيم المأتم على الحسينعليه‌السلام منذ مولده ، وفي عدة مناسبات من حياته. وعلى ذلك سار الأئمة الأطهار ودعوا كل من شايع الحسينعليه‌السلام إلى إقامة الحزن والعزاء عليه في كل مكان وزمان ، ولا سيما يوم العاشر من المحرم ، حتّى صار شعارهم :

«كل أرض كربلا ، وكل يوم عاشورا»

في حين كان بعض المسلمين عمدا أو جهلا يقيمون الفرح في ذلك اليوم ، جريا على السنّة التي اختطها لهم بنو أمية من غابر الزمان.

وسوف نتكلم في هذا الفصل حول إقامة المآتم الحسينية ، ثم فضل الحزن والبكاء على الحسينعليه‌السلام ، ثم إقامة مراسم العزاء والحزن والحداد يوم العاشر من المحرم كل عام. ونتعرض إلى بعض خصوصيات يوم عاشوراء ، والمحاولات المغرضة لتغيير مفهومه وصرفه عن حقيقته. ثم ننهي الفصل بفلسفة المآتم الحسينية ، وتتضمن أهداف ذكرى الحسينعليه‌السلام والفوائد التي تحققها المجالس الحسينية ، وأن هدفها ليس فقط الحزن والبكاء ، وإنما العظة واليقظة والاعتبار ، وتبديل السلوك وتعديل المسار ، والخروج من مستنقع الخطايا والأوزار ، إلى رياض الأخيار وجنان الأبرار.

١ ـ مآتم الحسينعليه‌السلام

مرت في الفصل السابق روايات مستفيضة حول إخبار جبرئيل للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنبأ استشهاد الحسينعليه‌السلام ، ثم إخبار محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهله وأصحابه بذلك. وكان في

٢٣٣

تلك الأحوال يضع الحسين الطفل في حضنه ، ويبكي بكاء شديدا ، ويقبّله من فمه ونحره ، ويشمّه ويضمه إلى صدره ، فكانت تلك المشاهد أول المآتم المقامة على الحسينعليه‌السلام في حياته وقبل مماته. وعلى هذا الهدي المحمدي سار شيعة الحسينعليه‌السلام من بعده ، يقيمون المآتم والعزاء عليه ، بعد موته واستشهاده ، اقتداء بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومشاركة له في محنته ومصيبته.

٢١٩ ـ مأتم الحسينعليه‌السلام في دار فاطمةعليها‌السلام :

(قادتنا : كيف نعرفهم؟ ، ج ٦ ص ١٢٠)

روى الخوارزمي عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال : زارنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعملنا له حريرة ، وأهدت لنا أم أيمن قعبا من لبن وزبدا وصفحة من تمر. فأكل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأكلنا معه. ثم وضّأت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقام فاستقبل القبلة ، فدعا الله ما شاء. ثم أكبّ على الأرض بدموع غزيرة مثل المطر. فهبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن نسأله!.

فوثب الحسينعليه‌السلام فقال : يا أبتي رأيتك تصنع ما لم أرك تصنع مثله!.فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا بني إني سررت بكم اليوم سرورا لم أسرّ بكم مثله. وإن حبيبي جبرئيل أتاني فأخبرني أنكم قتلى ، وأن مصارعكم شتى ، فدعوت الله لكم ، وأحزنني ذلك.

فقال الحسينعليه‌السلام : يا رسول الله ، فمن يزورنا على تشتّتنا ، ويتعاهد قبورنا؟.قال : طائفة من أمتي ، يريدون برّي وصلتي. فإذا كان يوم القيامة شهدتها بالموقف ، وأخذت بأعضادها ، فأنجيتها والله من أهواله وشدائده.

٢٢٠ ـ في دار أم سلمة :

(تاريخ ابن عساكر ـ الجزء الخاص بالحسين ، ص ١٧٦)

وروى ابن عساكر بإسناده عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند ، عن أبيه (قال) قالت أم سلمة : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نائما في بيتي ، فجاء الحسينعليه‌السلام . قالت : فقصد الباب ، فسبقته على الباب مخافة أن يدخل فيوقظه. قالت : ثم غفلت في شيء ، فدبّ فدخل ، فقعد على بطنه.

قالت : فسمعت نحيب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فجئت فقلت : يا رسول الله ، والله ما علمت به. فقال : إنما جاءني جبرئيلعليه‌السلام وهو على بطني قاعد ، فقال لي :

٢٣٤

أتحبّه؟. فقلت : نعم. قال : إن أمتك ستقتله. ألا أريك التربة التي يقتل بها؟.(قال) فقلت : بلى. قال : فضرب بجناحه فأتى بهذه التربة. قالت : فإذا في يده تربة حمراء ، وهو يبكي ويقول : يا ليت شعري من يقتلك بعدي؟!.

وفي رواية أخرى للخوارزمي : (قادتنا ـ ج ٦ ص ١٢٦)

قال : ثم أخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تلك القبضة التي أتاه بها الملك ، فجعل يشمّها ويبكي ، ويقول في بكائه : الله م لا تبارك في قاتل ولدي ، وأصله نار جهنم.

ثم دفع تلك القبضة إلى أم سلمة ، وأخبرها بقتل الحسينعليه‌السلام بشاطئ الفرات ، وقال : يا أم سلمة خذي هذه التربة إليك ، فإنها إذا تغيرت وتحولت دما عبيطا ، فعند ذلك يقتل ولدي الحسينعليه‌السلام .

إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام

٢٢١ ـ إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٩٣)

يقول الفاضل الدربندي : اعلم أن من تأمل في الأخبار المروية من طرق العامة في فضل الحسن والحسينعليه‌السلام ومناقبهما ، علم أن البكاء على الحسينعليه‌السلام وإقامة تعزيته في كل سنة ، بل في كل شهر ، بل في كل أسبوع ، بل في كل ليلة ، من أفضل العبادات وأشرف الطاعات والقربات. فلعنة الله على كل متعصب من المخالفين ، الذين يأخذون يوم عاشوراء عيدا ، ويسمّون الاجتماع للعزاء والبكاء على سيد الشهداء بدعة ، وذلك كابن حجر العسقلاني ومن مثله.

٢٢٢ ـ ثواب إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام :

(المنتخب للطريحي ، ص ٢٨ ط ٢)

روي أنه لما أخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابنته فاطمة بقتل ولدها الحسينعليه‌السلام وما يجري عليه من المحن ، بكت فاطمةعليه‌السلام بكاء شديدا ، وقالت : يا أبتي متى يكون ذلك؟. قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : في زمان خال مني ومنك ومن عليعليه‌السلام . فاشتد بكاؤها ، وقالت : يا أبة فمن يبكي عليه؟. ومن يلتزم بإقامة العزاء له؟. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :يا فاطمة إن نساء أمتي يبكون على نساء أهل بيتي ، ورجالهم يبكون على رجال

٢٣٥

أهل بيتي ، ويجددون العزاء جيلا بعد جيل في كل سنة. فإذا كان يوم القيامة تشفعين أنت للنساء ، وأنا أشفع للرجال. وكل من بكى على مصاب الحسينعليه‌السلام أخذنا بيده وأدخلناه الجنة.

يا فاطمة ، كل عين باكية يوم القيامة ، إلا عين بكت على مصاب الحسينعليه‌السلام ، فإنها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة.

٢ ـ فضل البكاء والحزن على الحسينعليه‌السلام

٢٢٣ ـ البكاء على أمناء الرحمن :

(المنتخب للطريحي ، ص ١٦ ط ٢)

يقول فخر الدين الطريحي : فيا إخواني ، كيف لا نبكي على أمناء الرحمن ، وسادات أهل الزمان؟. وكيف لا نجدد النوح والأحزان ، في كل آن ومكان؟. على الشهيد العطشان ، النائي عن الأهل والأوطان ، المدفون بلا غسل ولا أكفان؟.فعلى الأطائب من أهل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فليبك الباكون ، وإياهم فليندب النادبون ، ولمثلهم تذرف الدموع من العيون.

٢٢٤ ـ فضيلة البكاء من خشية الله :

(أخبار الدول للقرماني ص ١١١)

قال الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام : ما اغرورقت عين بمائها من خشية الله ، إلا وحرّم اللهعزوجل وجه صاحبها على النار. فإن سالت على الخدين دموعه ، لم يرهق وجهه قتر ولا ذلّة. وما من شيء إلا له جزاء إلا الدمعة ، فإن الله تعالى يكفّر بها بحور الخطايا. ولو أن باكيا بكى في أمة ، لحرّم الله تلك الأمّة على النار.

(أقول) : ومن هذا القبيل بكاء المؤمن على الإمام الحسينعليه‌السلام .

٢٢٥ ـ البكاء من خوف الله وخشيته :

(أسرار الشهادة ، ص ٤٨)

يقول الفاضل الدربندي : ومنها أن البيت المبني من الطين إذا انهدم أمكن إصلاحه بقرب من الماء ، فكذلك الإنسان المخلوق أصله من الطين ، إذا فسد أمره بارتكاب المعصية ، أمكنه تداركه بإرسال العبرات على الحسرات. كما قال أمير

٢٣٦

المؤمنين ، وسيد الموحدين ، وتاج رؤوس البكّائينعليه‌السلام : أمحوا المثبّتات من العثرات بالمرسلات من العبرات.

٢٢٦ ـ البكاء على الحسينعليه‌السلام هو من خشية الله :

(المصدر السابق ، ص ٤٩)

ويقول الفاضل الدربندي : واعلم أن البكاء على مصاب أهل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا سيما على مصاب سيد الشهداء روحي له الفداء ، ليس أمرا مغايرا للبكاء من خوف الله تعالى. حتّى يتمشّى سؤال : أهل البكاء من خوف الله تعالى أفضل ، أم البكاء على سيد الشهداءعليه‌السلام ؟. بل إن البكاء عليه هو البكاء في محبة الله ، والبكاء المنبعث عن التقرب إلى الله.

٢٢٧ ـ البكاء من خوف الله قسمان :

(المصدر السابق)

ثم يقول الفاضل الدربندي : فإن شئت أن توضّح المطلب في غاية الإيضاح فقل :إن البكاء من خوف الله تعالى ينحلّ إلى نوعين وينقسم إلى قسمين :

الأول : أن يكون منشأ البكاء معاصي الإنسان ، وتذكّره لحالة الاحتضار وأهوال البرزخ والمحشر والعقوبات التي يستحقها. فهذا البكاء وإن كان يطلق عليه أيضا أنه بكاء من خوف الله وقسم منه ، إلا أنه في الحقيقة يرجع إلى بكائه على نفسه وعلى ذنبه.

الثاني : أن يكون ذلك البكاء في مقام محبة الله تعالى ، وملاحظة عظمة صفاته وكبريائه وجبروته ، وفي مقام التفكر في التقصير في عبادته. وهذا في مقام ذوق حلاوة مناجاته ومحبته التي انبعثت عنها المحبة والموالاة لأوليائه وحججه ، فلا يلاحظ في هذا القسم أصلا رجاء الثواب ولا الخوف من العقاب. فلا شك أن هذا القسم من البكاء هو أفضل من القسم الأول. ومما لا شك فيه أن البكاء على مصاب آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذا القسم ، إذ قد عرفت أن المحبة والموالاة لهم مما يرجع إلى محبة الله وموالاته. ويتضح هذا المطلب عند الفطن المتدبر ، إذا لا حظ عوم الأئمة الطاهرين ، وسباحة حجج الله المعصومين ، في بحار البلايا وقواميس المصائب ، لأجل محبة الله تعالى.

شرح : القواميس : جمع قاموس ، وهو البحر العظيم.

٢٣٧

٢٢٨ ـ ثواب البكاء عامة على الحسين ومصيبة سائر الأئمةعليه‌السلام :

(الخصال الأربعمائة ٢ / ٦٣٥ والبحار ٤٤ / ٢٨٧)

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إن الله تبارك وتعالى اطّلع إلى الأرض فاختارنا ، واختار لنا شيعة ينصروننا ، ويفرحون لفرحنا ، ويحزنون لحزننا ، ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا ، أولئك منا وإلينا.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كل عين باكية إلا عين بكت على مصاب الحسينعليه‌السلام ، فإنها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة».

وقال الإمام الرضاعليه‌السلام للريان بن شبيب : إن سرّك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان ، فاحزن لحزننا ، وافرح لفرحنا ، وعليك بولايتنا. فلو أن رجلا تولّى حجرا حشره الله معه يوم القيامة.

وقال الإمام عليعليه‌السلام : كل عين يوم القيامة باكية ، وكل عين يوم القيامة ساهرة ، إلا عين من اختصه الله بكرامته ، وبكى على ما ينتهك من الحسين وآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . (راجع مقتل العوالم ص ٥٢٥).

٢٢٩ ـ من قطرت عينه قطرة على الحسينعليه‌السلام :

(مجالس المفيد ، ص ٣٤٠ وأمالي الطوسي ١ / ١١٦ والبحار ٤٤ / ٢٧٩)

عن الإمام الحسينعليه‌السلام قال : ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة ، أو دمعت عيناه فينا دمعة ، إلا بوّأه الله تعالى بها في الجنة (غرفا يسكنها) حقبا. (وفي رواية) : أحقابا أحقابا.

شرح : الحقبة من الدهر : مدة لا وقت لها ، جمعها : حقب. وهي كناية عن الدوام.

٢٣٠ ـ فضيلة البكاء على الحسينعليه‌السلام :

(مقتل العوالم ، ج ١٧ ص ٥٢٦)

في (تفسير علي بن إبراهيم) عن الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام قال : كان علي ابن الحسينعليه‌السلام يقول : أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن عليعليه‌السلام دمعة ، حتّى تسيل على خده ، بوّأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا. وأيما مؤمن دمعت عيناه (دمعا) حتّى يسيل دمعه على خده ، لأذى مسّنا من عدونا في الدنيا ، بوّأه الله مبوّأ صدق في الجنة. وأيما مؤمن مسّه أذى فينا ، فدمعت عيناه حتّى يسيل

٢٣٨

دمعه على خديه ، من مضاضة ما أوذي فينا ، صرف الله عن وجهه الأذى ، وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار.

٢٣١ ـ البكاء على الحسينعليه‌السلام يحطّ الذنوب :

(بحار الأنوار للمجلسي ، ج ٤٤ ص ٢٨٢)

عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال لفضيل : تجلسون وتتحدثون؟. قال : نعم جعلت فداك. قال : إن تلك المجالس أحبّها ، فأحيوا أمرنا يا فضيل ، فرحم الله من أحيا أمرنا.

يا فضيل ، من ذكرنا أو ذكرنا عنده ، فخرج من عينه مثل جناح الذباب ، غفر الله له ذنوبه ، ولو كانت أكثر من زبد البحر.

٢٣٢ ـ حديث : نفس المهموم لظلمنا تسبيح :

(مجالس المفيد ، ص ٣٣٨ وأمالي الطوسي ١ / ١١٥ والبحار ٤٤ / ٢٧٨)

عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال : نفس المهموم لظلمنا تسبيح ، وهمهّ لنا عبادة ، وكتمان سرّنا جهاد في سبيل الله.

ثم قالعليه‌السلام : يجب أن يكتب هذا الحديث بالذهب.

٢٣٣ ـ حديث : من دمعت عينه فينا دمعة :

(مجالس المفيد ، ص ١٧٤ وأمالي الطوسي ١ / ٩٧ والبحار ٤٤ / ٢٧٩)

عن محمّد بن أبي عمارة الكوفي ، قال : سمعت جعفر بن محمّدعليه‌السلام يقول :من دمعت عينه فينا دمعة ، لدم سفك لنا ، أو حقّ لنا أنقصناه ، أو عرض انتهك لنا أو لأحد من شيعتنا ، بوّأه الله تعالى بها في الجنة حقبا.

٢٣٤ ـ حديث : من ذكرنا عنده :

(كامل الزيارات ، ص ١٠٤ والبحار ٤٤ / ٢٨٥)

عن فضيل بن فضالة ، عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال : من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ، حرّم الله وجهه على النار.

وروي عن الصادقعليه‌السلام قال : لكل سرّ ثواب ، إلا الدمعة فينا.

٢٣٩

٢٣٥ ـ حديث الإمام الصادقعليه‌السلام لمسمع كردين :

(كامل الزيارات ، ص ١٠١ والبحار ٤٤ / ٢٨٩)

سأل الإمام الصادقعليه‌السلام مسمع كردين ، وهو من أهل العراق : هل يبكي على الحسينعليه‌السلام ؟ فقال : بلى

قال : ثم استعبر واستعبرت معه. فقالعليه‌السلام : الحمد لله الّذي فضّلنا على خلقه بالرحمة ، وخصّنا أهل البيت بالرحمة.

يا مسمع ، إن الأرض والسماء لتبكي منذ قتل أمير المؤمنين رحمة لنا. وما بكى لنا من الملائكة أكثر. وما رقأت دموع الملائكة منذ قتلنا. وما بكى أحد رحمة لنا ولما لقينا ، إلارحمه‌الله قبل أن تخرج الدمعة من عينيه. فإذا سالت دموعه على خده غفر الله ذنوبه ، ولو كانت مثل زبد البحر. فلو أن قطرة من دموعه سقطت في جهنم ، لأطفأت حرّها حتّى لا يوجد لها حرّ. وإن الموجع لنا قلبه ليفرح يوم يرانا عند موته ، فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتّى يرد علينا الحوض. وإن الكوثر ليفرح بمحبّنا إذا ورد عليه ، حتّى أنه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه.

٢٣٦ ـ حديث : من تذكر مصابنا وبكى :

(أمالي الصدوق ، ص ٦٨ وبحار الأنوار ٤٤ / ٢٧٨)

قال الإمام الرضاعليه‌السلام : من تذكّر مصابنا وبكى لما ارتكب منا ، كان معنا في درجاتنا يوم القيامة. ومن ذكّر بمصابنا فبكى وأبكى ، لم تبك عينه يوم تبكي العيون. ومن جلس مجلسا يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.

٢٣٧ ـ الحسينعليه‌السلام قتيل العبرة :

(أمالي الطوسي ، ص ١٢١)

عن الإمام الصادقعليه‌السلام (قال) قال الحسين بن عليعليه‌السلام : أنا قتيل العبرة ، قتلت مكروبا ، وحقيق على الله أن لا يأتيني مكروب قط ، إلا ردّه الله وأقلبه إلى أهله مسرورا.

وعن الحسينعليه‌السلام قال : أنا قتيل العبرة ، لا يذكرني مؤمن إلا استعبر.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571