حقائق الاصول الجزء ١

حقائق الاصول10%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 571

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 571 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 212024 / تحميل: 5773
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء ١

مؤلف:
العربية

حقائق الاصول

وهى

تعليقة على (كفاية) الاستاذ الاعظم المحقق الخراساني قدس سره

تأليف

المحقق الاوحدي علم الشريعة ومرجع الشيعة

السيد محسن الطباطبائى الحكيم

قدس سره

الجزء الاول

من منشورات مكتبة بصيرتي

قم - ارم

١

٢

تقديم

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه صحف لم يقدر لها أن تنشر قبل اليوم (والامور مرهونة باوقاتها) أملاها سيدى الوالد - مد ظله العالي - منذ عهد بعيد لا يقل عن ستة وعشرين عاما يوم كان يدرس طلابه كتاب أستاذه الاعظم (كفاية الاصول) ذلك الكتاب الذى توفق كل التوفيق والذى عكف عليه طلاب أصول الفقه قراءة وتفهما، وكل ماكان يريده - مد ظله - يومئذ أن يشرح كلمات استاذه، ويكشف القناع عن معمياتها، ولم يشأ أن يعرض لآراء أساتذته الآخرين وغيرهم ومناقشتها الحساب على أنه - مد ظله - لم يظن على قرائه من إبداء ملاحظاته ومآخذه على الكتاب المذكور وتحقيق ما يراه حقا لا محيد عنه.

أما اليوم وقد آن لهذه الصحف أن تنشر، فلم يكن في مقدور سيدنا أن ينظر فيها مجددا، نظرا للظروف والملابسات التى تحيط به من كل جانب وفى كل وقت، ولم يكن منه تجاهها سوى الاذن في نشرها، تقريبا لها من الانتفاع، وتبعيدا لها من الضياع. على انها - مع اختصارها - والاختصار عادة لسيدي - مد ظله العالي - في جميع مؤلفاته - حاوية لحقائق الاصول، خالية من كل فضول، والله سبحانه ولى العصمة والسداد وهو حسبنا ونعم الوكيل.

١٧ محرم الحرام ١٣٧٢ ه‍ يوسف الطباطبائى الحكيم

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

نحمدك اللهم يامن اضاء على مطالع العقول والالباب وانار عليها بسواطع السنة والكتاب فاحكم الفروع باصولها في كل باب ونصلي على افضل من أوتي الحكمة وفصل الخطاب وعلى آله الطاهرين الاطياب لا سيما المخصوص بالاخوة سيد اولى الالباب ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول وآل الرسول فاغفر لنا ذنوبنا وقنا سوء الحساب واللعنة على اعدائهم من اليوم إلى يوم الحساب (وبعد) فالعلم على تشعب شؤنه وتفنن غصونه مفتقر إلى علم الاصول افتقار الرعية إلى السلطان ونافذ حكمه عليها بالوجدان ولا سيما العلوم الدينية وخصوصا الاحكام الشرعية فلولا الاصول لم تقع في علم الفقه على محصول فبه استقرت قواعد الدين وبه صار الفقه كشجرة طيبة تؤتي اكلها كل حين فلذا بادر علماء الامصار وفضلاء الاعصار في كل دور من الادوار إلى تمهيد قواعده وتقييد شوارده وتبيين ضوابطه وتوضيح روابطه وتهذيب اصوله واحكام قوانينه وترتيب فصوله لكنه لما فيه من محاسن النكت والفقر ولطائف معان تدق دونها الفكر جل عن ان يكون شرعة لكل وارد أو ان يطلع على حقايقه إلا واحد بعد واحد فنهض بها من اولى البصائر كابر بعد كابر فلله درهم من عصاتة تلقوا

______________________________

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.

٤

واذعنوا وبرعوا فاتقنوا وأجادوا فجادوا وصنفوا وأفادوا اثابهم الله برضوانه وبوأهم بحبوحات جنانه حتى انتهى الامر إلى اوحد علماء العصر قطب فلك الفقاهة والاجتهاد ومركز دائرة البحث والانتقاد الطود الشامخ والعلم الراسخ محي الشريعة وحامى الشيعة النحرير الاواه والمجاهد في سبيل الله خاتم الفقهاء والمجتهدين وحجة الاسلام والمسلمين الوفي الصفى مولانا الاخوند ملا محمد كاظم الهروي الطوسي النجفي مد الله اطناب ظلاله على رؤس الانام وعمر بوجوده دوارس شرع الاسلام فقد فاز دام ظله منه بالقدح المعلى وجل عن قول اين وانى وجرى بفكر صائب تقف دونه الافكار ونظر ثاقب يكاد سنا برقه يذهب بالابصار فلذا اذعن بفضله الفحول وتلقوه بانعم القبول واظهر صحفا هي المنتهى في التبيان ذوات نكت لم يطمثهن قبله انس ولا جان ويغنيك العيان عن البيان والوجدان عن البرهان فما قدمته لك احدى مقالاته الشافية ورسائله الكافية فقد اخذت بجزئيها على شطري الاصول الاصلية من مباحث الالفاظ والادلة العقلية واغنت بالاشارة عن المطولات فهي النهاية والمحصول فحري بان يسمى بكفاية الاصول فاين من يعرف قدرها ولا يرخص مهرها وعلى الله قصد السبيل وهو حسبي ونعم الوكيل قال - ادام الله ظله - بعد التسمية والتحميد والتصلية: وبعد فقد رتبته على مقدمة ومقاصد وخاتمة اما المقدمة ففي بيان أمور (الاول) ان موضوع كل علم

______________________________

(قوله قدس سره: الاول أن موضوع كل علم) جرت عادة المصنفين على ذكر أمور تسمى بالمبادئ، وهي القول الشارح لموضوع العلم، وأجزائه وجزئياته، وأعراضها التي هي موضوعات مسائله، والمقدمات التي تبتني عليها قياسات العلم، وأدلته، وتسمى الاول بالمبادئ التصورية، والثانية بالمبادئ التصديقية فجرى المصنف (ره) على ذلك أيضا، فساق الامر الاول لبيان موضوع علم الاصول، ولما كان نوعا من مطلق الموضوع ناسب تعرضه لبيان

٥

وهو الذى يبحث فيه عن عوارضه الذاتية أي بلا واسطة في العروض

______________________________

*

مطلق موضوع العلم فقال: إن موضوع... الخ (قوله: وهو الذي يبحث) هذا تعريف المشهور لموضوع العلم (قوله: عن عوارضه الذاتية) العوارض جمع العارض وهو - كما ذكر بعض المحققين - مطلق الخارج عن الشئ المحمول عليه، فيشمل العرض المعبر عنه في لسان أهل المعقول بالعرضي المقابل في باب الكليات بالذاتي، المنقسم إلى الخاصة والعرض العام، ويشمل غيره مثل كل من الجنس والفصل بالاضافة إلى الآخر والنوع بالاضافة اليهما، وقيل: العرض المبحوث عنه في الفنون هو الاول بشرط كونه ذاتيا بالمعنى الآتي بيانه (قوله: بلا واسطة في العروض) أشار بهذا إلى انقسام الواسطة إلى اقسامها الثلاثة أعني (الواسطة في العروض) وهي التي يقوم بها العرض حقيقة، وينسب إلى ذيها عناية ومسامحة من قبيل وصف الشئ بحال متعلقه، وهي قد تكون جلية على نحو تكون نسبة العرض إلى ذيها مجازا عرفا مثل الحركة والبياض الواسطتين في نسبة السرعة والشدة إلى الجسم، وقد تكون خفية بحيث لا يخرج التوصيف عن كونه حقيقة في نظر العرف وان كان مجازا بتعمل من العقل مثل السطح الذي هو واسطة في نسبة البياض إلى الجسم، فان البياض إنما يقوم حقيقة بالسطح لا بالجسم لكنه ينسب إلى الجسم حقيقة بنظر العرف وان كان مجازا بالنظر الدقيق (والواسطة في الثبوت) وهي علة ثبوت العرض حقيقة لمعروضه سواء أكان العرض قائما بها أيضا كالنار والشمس العلتين لثبوت الحرارة للماء أم لا كالحركة التي هي علة لعروض الحرارة على الجسم (والواسطة في الاثبات) وهي التي يكون العلم بها علة للعلم بالثبوت كالوسط في القياس، والاولتان بالنسبة إلى عرض واحد متباينتان لاعتبار القيام حقيقة في الثانية وعدمه في الاولى، ويتصادقان بالنسبة إلى عرضين، إذ لا مانع من ان تكون الواسطة في العروض علة لثبوت عرض آخر لمعروض آخر غير ذيها، واما الثالثة فتتحد مع كل واحدة منهما بالاضافة إلى خصوص ذلك العرض بعينه، وتفترق عن الاخرى، إذ قد يكون الوسط في القياس علة لثبوت الاكبر

٦

للاصغر، وقد يكون واسطة في عروضه له، وقد تفترق عنهما معا، كما إذا كان الوسط لازما لثبوت الاكبر للاصغر أو ملازما له. ثم إن العرض قسمان ذاتي وغريب، لانه إما ان يلحق الشئ لذاته. أو لجزئه المساوي، أو للخارج المساوي، أو لجزئه الاعم، أو للخارج الاعم، أو للخارج الاخص، والثلاثة الاول أعراض ذاتية على المشهور، بل أدعي عليه الاتفاق، ولذا اشتهر تعريف العرض الذاتي بأنه ما يلحق الشئ لذاته أو لما يساويه، والاخيران عرضان غريبان بالاتفاق أيضا، وأما الرابع فالمنسوب إلى مشهور المتأخرين أنه من الاعراض الذاتية، وهو ظاهر الشمسية وصريح شرحيها للرازي والتفتازاني، وعن جماعة من المتأخرين - تبعا للقدماء - أنه من الاعراض الغريبة، بل نسبه في الفصول إلى المشهور، وظاهر المصنف (ره) حيث عدل عن تعريف المشهور المتقدم للعرض الذاتي فعرفه - تبعا للفصول - بما يلحق الشئ بلا واسطة في العروض خلاف ذلك، إذ عليه يكون القسم الثالث من الاعراض الغريبة كالاخيرين لكون الاقسام الثلاثة عندهم كلها مما يكون بواسطة في العروض، كما صرح به بعض الاجلة، ويظهر من كلماتهم وأمثلتهم، وكأن الوجه فيه ما أشار إليه في الفصول وغيره من أن ما يلحق الشئ بواسطة الخارج المساوي ينبغي أن يبحث عنه في فن يكون موضوعه تلك الواسطة ولا ينبغي ان يبحث عنه في فن يكون موضوعه غيرها، وفيه - مع انه قد لا تكون لتلك الاعراض أهمية صالحة لتدوينها في فن مستقل - وانه ينافي ما ذكره من كون الجامع بين شتات المسائل اشتراكها في الغرض، إذ قد يكون البحث عن العارض بواسطة المساوي دخيلا في الغرض المقصود من العلم - أنه إنما يتم لو فرض انحصار العرض المبحوث عنه في الفنون بما ذكر، إلا أن دعوى الانحصار لا بينة ولا عليها بينة، بل ظاهر كلام غير واحد المفروغية عن أنه قد يكون موضوع بعض مسائل الفنون عوارض نفس الموضوع فيكون محمولها من قبيل عرض الموضوع بواسطة في العروض، فلاحظ كلماتهم في تعريف موضوع العلم وفى الخاتمة، والالتزام بالاستطراد في البحث

٧

هو نفس موضوعات مسائله عينا وما يتحد معها خارجا وان كان يغايرها مفهوما تغاير الكلي ومصاديقه والطبيعي وافراده والمسائل عبارة عن جملة من قضايا متشتة جمعها اشتراكها في الدخل في الغرض الذى لاجله دون هذا العلم

______________________________

عن تلك المسائل لا ملزم به (قوله: هو نفس) هذا خبر (إن) يعني أن موضوع العلم هو الجامع بين موضوعات... الخ وهذا راجع إلى تعريف المشهور، والعدول إليه بقصد الايضاح. هذا ولا يخفى ان مقتضى ما صرحوا به من ان موضوع المسألة إما نفس موضوع العلم أو جزؤه أو جزئيه أو عرضه الذاتي عدم تمامية التعريفين كليهما إذ ليس هناك امر واحد يبحث عن عوارضه، ولا جامع مطرد بين موضوعات تلك المسائل إلا بنحو من الاعتبار مثل: أحد الموضوعات، ونحوه، ولذا التجأ المحقق الدواني - على ما حكي عنه - إلى دعوى طي في العبارة، وأن المراد ما يبحث في العلم عن عوارضه، أو عوارض أجزائه أو عوارض جزئياته أو عوارض أعراضه، وما حكي عن الشيخ الرئيس من ارجاعها إلى كل واحد موقوف على فرض الجامع بين تلك الموضوعات المختلفة ولا سيما في خصوص بعض الفنون كفن الفقه الذي يكون موضوع مسائله أحد النقيضين من الفعل والترك على أنه لا يرتفع به التنافي بين تعريف الموضوع وما ذكروه هناك كما هو ظاهر بملاحظة الضمائر المجرورة في قولهم: أو جزئه أو جزئيه أو عرضه، إذ لا يعقل ان يكون الشئ جامعا بين نفسه وغيره هذا - مضافا إلى أن عوارض جزئيات الموضوع أعراض غريبة بالاتفاق فكيف تصح دعوى كون الموضوع هو الجامع بين الموضوعات وأنه يبحث في العلم عن عوارضه الذاتية، وارجاع عوارض الجزئيات إلى عوارض الكلي بعيد جدا إذ البحث في تلك المسائل كان عن نفس الجزئيات بخصوصيتها لا بما هي كلي والامر سهل في أمثال المقام (قوله: وما يتحد) عطف تفسير (قوله: والطبيعي) عطف تفسير أيضا (قوله: في الدخل في الغرض) ليس المراد من الدخل دخل العلية إذ ليس نفس المسائل مما له مقدمية لحصول الغرض وانما العلم بها له دخل في حصول العلم بحصول الغرض، بل الدخيل

٨

فلذا قد يتداخل بعض العلوم في بعض المسائل مما كان له دخل في مهمين لاجل كل منهما دون علم على حدة فيصير من مسائل العلمين (لا يقال): على هذا يمكن تداخل علمين في تمام مسائلهما فيما كلا هناك مهمان متلازمان في الترتب على جملة من القضايا لا يكاد يمكن انفكاكهما (فانه يقال): مضافا إلى بعد ذلك بل امتناعه عادة لا يكاد يصح لذلك تدوين علمين وتسميتهما باسمين بل تدوين علم واحد يبحث فيه تارة لكلا المهمين وأخرى لاحدهما وهذا بخلاف التداخل في بعض المسائل فان حسن تدوين علمين كانا مشتركين في مسألة أو أزيد في جملة مسائلهما المختلفة لاجل مهمين مما لا يخفى، وقد انقدح

______________________________

في حصول الغرض إرادة تطبيق العمل على المسائل المعلومة. مثلا علمنا بأن الفاعل مرفوع له نحو دخل في علمنا بمطابقة كلامنا لكلام العرب أما نفس المطابقة فانما تكون ناشئة عن ارادة المتكلم لها. فاثبات الدخل لها بهذا الاعتبار فتأمل (قوله: فلذا قد يتداخل) هذا تفريع على قوله: جمعها اشتراكها... الخ لكنه انما يتفرع عليه بخصوصه لو لم يكن جامع آخر بين المسائل غير وحدة الغرض أما لو كان جامع آخر إما لكونه جامعا بين موضوعاتها - كما فرضه - أو بين محمولاتها بنحو الجامع بين الموضوعات فيمكن التداخل ايضا، وليس الجامع الغرضي بأولى من غيره في ترتب التداخل عليه إذ من المعلوم ان كل واحدة من المسائل انما يترتب عليها شخص خاص من الغرض لا يترتب على غيرها فاعتبار جامع بين تلك الاغراض كما يكون جامعا لشتات المسائل ويترتب عليه التداخل في العلوم يصح مثله في الموضوعات والمحمولات، ويكون كذلك في كونه جامعا لشتات المسائل وترتب التداخل (قوله: مما كان) بيان لبعض المسائل يعني: إذا كان بعض المسائل يترتب عليه غرضان لعلمين يدخل ذلك البعض في كل من العلمين فيشترك العلمان فيه (قوله: وهذا بخلاف) إذ ليس المدعى ان تعدد العلوم بتعدد الاغراض حتى يلزم كون المسائل التي يترتب عليها غرضان متلازمان علمين: بل المدعى ان

٩

بما ذكرنا أن تمايز العلوم انما هو باختلاف الاغراض الداعية إلى التدوين لا الموضوعات ولا المحمولات وإلا كان كل باب بل كل مسألة من كل علم علما على حدة كما هو واضح لمن كان له أدنى تأمل فلا يكون الاختلاف بحسب الموضوع أو المحمول موجبا للتعدد كما لا يكون وحدتهما سببا لان يكون من الواحد (ثم) انه ربما لا يكون لموضوع العلم وهو الكلي المتحد مع موضوعات المسائل عنوان خاص واسم مخصوص فيصح أن يعبر عنه بكل ما دل عليه بداهة عدم دخل ذلك في موضوعيته أصلا. وقد انقدح بذلك أن موضوع علم الاصول هو الكلي المنطبق على موضوعات مسائله المتشتة

______________________________

*

المميز للعلوم بعضها عن بعض هو الاغراض وفى الفرض لا اثنينية حتى يرجع إلى المميز بل أمر واحد يترتب عليه غرضان طوليان أو عرضيان بخلاف ما إذا اشتركت ببعض المسائل فانه يكفي في الاثنينية الاختلاف في بعض المسائل الاخر (قوله: بما ذكرنا) يعني في تعريف المسائل من أن الجامع بينها اشتراكها في الدخل في الغرض (قوله: باختلاف الاغراض) قد أشرنا إلى انه يمكن التمييز بالموضوعات بالمعنى المتقدم في كلام الدواني، أو بالمعنى المتقدم في كلام المشهور، والمصنف. نعم قد يشكل حيث لا يكون الجامع له مفهوم محصل واضح بعد امكان فرضه فيكون التمييز حينئذ بالمحمولات أو بالاغراض، وقد يكون الامر بالعكس، وقد يكون التمييز عن طائفة من العلوم بالموضوع وعن طائفة أخرى بالمحمول كما في العلوم العربية فان امتياز بعضها عن بعض بالمحمولات وامتيازها أجمع بالموضوعات أمر ممكن (قوله: لا الموضوعات) قد اشتهر أن تمايز العلوم بتمايز الموضوعات فاشكل بأنه قد يكون الامر الواحد موضوعا لعلوم متعددة مثل العلوم العربية لكنهم دفعوا هذا الاشكال بقولهم: ان تمايز الموضوعات بتمايز الحيثيات، يعنون بها الاضافات إلى محمولاتها مثل كون الكلمة من حيث الاعراب والبناء موضوعا لعلم النحو وهي من حيث المعنى موضوع لعلم اللغة، وهكذا لكنه راجع إلى التمييز بالمحمولات كما عرفت (قوله: والا كان كل باب... الخ)

١٠

هذا انما يترتب لو قيل بالتمييز بالموضوعات أو المحمولات بعناوينها الخاصة في المسائل فان موضوع مسائل باب الفاعل غير موضوع مسائل باب المفعول كما ان محمول مسائل باب المرفوعات غير محمول مسائل باب المنصوبات مثلا، أما لو أريد الجامع بين موضوعات المسائل فلا يرد عليه ذلك، وإنما يرد عليه ما عرفت مما تنبهوا له وأجابوا عنه. ثم ان ترتب هذا اللازم على ما ذكر ليس على الاطلاق بل يختلف باختلاف كيفية التبويب فان كان من قبيل (باب الفاعل) (باب المفعول) مما تشترك فيه المسائل موضوعا وتختلف محمولا لزم أن يكون كل باب علما لو كان التمييز بالموضوعات اما لو كان بالمحمولات لزم أن يكون كل مسألة من باب مع ما يتحد معها محمولا من مسائل الابواب الاخر علما، وان كان التبويب من قبيل (باب المرفوع) (باب المنصوب) ترتب على القولين ما ذكر على العكس، ومنه يظهر أن ترتب ان يكون كل مسألة علما على كل من القولين لا يكون إلا مع اختلاف جميع المسائل في الموضوع والمحمول معا بحيث تكون كل مسألة بابا مستقلا فلاحظ. ثم انك قد عرفت الاشارة إلى أن كل مسألة يترتب عليها غرض خاص لا تشاركها فيه أختها من المسائل وإنما الاشتراك بملاحظة جامع بين الاغراض وهذا الجامع يختلف سعة وضيقا باختلاف المناسبات التي يلحظها واضعوا الفن فقد يلحظ الواضع جامعا واسع الدائرة فتكثر مسائل الفن المسمى باسم كذا وقد يلحظه ضيق الدائرة فتقل مسائله، مثلا قد يلحظ الجامع بين الاغراض المترتبة على مسائل باب الفاعل فقط فيسمي مسائل باب الفاعل فنا كذائيا في قبال مسائل باب المفعول، وهكذا، وقد يكون أوسع كالغرض المترتب على مسائل باب المرفوعات أو مسائل النحو أو مع الصرف أو هما مع سائر مسائل العلوم العربية فيسميه الفن العربي وتكون مسائل النحو كباب من أبوابه أو فصل من فصوله فالتحديد بالغرض انما هو يتبع اعتباره ضيقا أو واسعا حسب الاعتبارات والجهات المقتضية لذلك في نظر مدوني الفنون.

١١

لا خصوص الادلة الاربعة بما هي أدلة بل ولا بما هي هي ضرورة أن البحث في غير واحد من مسائله المهمة ليس من عوارضها وهو واضح لو كان المراد بالسنة منها هو نفس قول المعصوم أو فعله أو تقريره كما هو المصطلح فيها لوضوح عدم البحث في كثير من مباحثها المهمة

______________________________

موضوع علم الاصول

(قوله: لا خصوص الادلة) يعني كما هو المشهور يعنون بها الكتاب والسنة والاجماع والعقل (قوله: ولا بما هي هي) كما ذكر في الفصول فرارا عما قيل على ما هو ظاهر المشهور: من أن البحث في كثير من مسائل الاصول عن كون الشئ دليلا مثل مسألة حجية الخبر وظاهر الكتاب ونحوهما ليس هو بحثا عن عارض الادلة بل بحث عن نفس دليليتها فلا يكون من مسائل الفن بل من مباديه التصديقية فتأمل، وطريق فرار الفصول ان الموضوع المبحوث عن احواله في علم الاصول ذوات الادلة أعني نفس الكتاب واخوته معراة عن صفة الدليلية وتكون هي حينئذ من العوارض المبحوث عنها فيه كغيرها من العوارض (قوله: ضرورة ان البحث في غير) هذا شروع في بيان بطلان ما هو المشهور وما هو صريح الفصول وحاصله أن السنة التي هي أحد الادلة إما أن يراد منها ما هو المصطلح فيها أعني نفس قول المعصوم وفعله وتقريره أو ما هو أعم منها ومن الطريق الحاكي عنها كالخبر وغيره من الطرق، فان كان المراد منها الاول توجه الاشكال بأن مسألة حجية الخبر ونحوها وجملة من مسائل مبحث باب التعارض لا يبحث فيها عن عوارض الادلة لا بما هي ادلة ولا بما هي هي بل انما يبحث فيها عن عوارض الخبر الحاكي عنها وليس هو أحد الادلة الاربعة - كما هو ظاهر - لا بما هي أدلة ولا

١٢

كعمدة مباحث التعادل والتراجيح بل ومسألة حجية خبر الواحد لا عنها ولا عن سائر الادلة (ورجوع) البحث فيهما في الحقيقة إلى البحث عن ثبوت السنة بخبر الواحد في مسألة حجية الخبر كما افيد وبأي الخبرين في باب التعارض فانه ايضا بحث في الحقيقة عن حجية الخبر في هذا الحال (غير مفيد) فان البحث عن ثبوت الموضوع وما هو مفاد كان التامة ليس بحثا عن عوارضه فانها مفاد

______________________________

بما هي هي ومثله البحث عن حجية الشهرة ومطلق الظن، وكأن الاقتصار في كلام المصنف على هاتين المسألتين لمزيد الاهتمام بهما، وان كان المراد منها الثاني فسيأتي ما فيه (قوله: كعمدة مباحث... الخ) مثل البحث عن حجية أحدهما وعدمها وانها على التخيير أو الترجيح والبحث عن المرجحات. نعم في مسائلها ما كان بحثا عن حال الدليل مثل البحث عن تعيين الظاهر والاظهر ونحوه. (قوله: ورجوع البحث فيهما... الخ) اشارة إلى ما أجاب به شيخنا الاعظم " قده " عن هذا الاشكال وحاصله انه يمكن ارجاع البحث في هاتين المسألتين وما يشبههما إلى البحث عن أحوال السنة بالمعنى المتقدم لان مرجع البحث عن الحجية إلى البحث عن ثبوت قول المعصوم عليه السلام أو فعله أو تقريره بالخبر في مسألة حجية الخبر، أو بأحد الخبرين في باب التعارض وعدمه فيكون الموضوع حينئذ نفس السنة وجعل (ره) ذلك مغنيا عن تجشم الفصول في دفع الاشكال (قوله: مفاد كان التامة... الخ) يراد به معنى: كان زيد، أي وجد، وهو نسبة الوجود إلى الماهية ومفاد: كان الناقصة، يراد به نسبة بقية العوارض الزائدة على الوجود إلى الماهية مثل: كان زيد قائما، وكذا ما يقال: مفاد ليس التامة، وليس الناقصة، يعنون بهما نفي الوجود ونفي ما عداه من العوارض وإن كانت ليس لا تستعمل في لغة العرب إلا ناقصة وتوضيح الاشكال على شيخنا الاعظم (ره) أن المراد من الثبوت الذي هو مرجع البحث في مسألة حجية الخبر ونحوها إن كان هو الثبوت الحقيقي فهو - مع انه ليس محلا للنزاع ضرورة - أنه ليس

١٣

كان الناقصة (لا يقال): هذا في الثبوت الواقعي (وأما) الثبوت التعبدى كما هو المهم في هذه المباحث فهو في الحقيقة يكون مفاد كان الناقصة (فانه يقال): نعم لكنه مما لا يعرض السنة بل الخبر الحاكي لها فان الثبوت التعبدي يرجع إلى وجوب العمل على طبق الخبر كالسنة المحكية به وهذا من عوارضه لا عوارضها كما لا يخفى (وبالجملة) الثبوت الواقعي ليس من العوارض والتعبدي وان كان منها إلا انه ليس للسنة بل للخبر فتأمل جيدا، واما إذا كان المراد من السنة ما يعم حكايتها فلان البحث في تلك المباحث وان كان عن أحوال السنة بهذا المعنى الا ان البحث في غير واحد

______________________________

من العوارض التي يبحث عنها في العلوم، وان كان هو الثبوت التعبدى الظاهري فهو راجع في الحقيقة إلى جعل أحكام ثبوت السنة الحقيقي لما هو مشكوك الثبوت ومن المعلوم ان هذا ليس من عوارض السنة بل من عوارض الخبر الحاكي عنها فيرجع الاشكال بحاله. هذا ويمكن الخدش فيه أولا من جهة حصر العوارض بغير الوجود وهو لا يساعده التعريف المتقدم للعارض، ولا ما صرح به بعض المحققين من علماء المعقول من عموم العوارض المبحوث عنها له، وثانيا من جهة ارجاع البحث إلى البحث عن عوارض الخبر الحاكي فانه غير ظاهر بل هي حينئذ من عوارض مؤداه إلا أن يكون الخبر ملحوظا طريقا إليه. ثم ان بعض الاعيان من مشايخنا المعاصرين دفع الاشكال من أصله بأن مرجع النزاع في الحجية إلى النزاع في أن السنة هل تعلم بالخبر أولا ؟ لان مرجع حجية شئ بعنوان الطريقية إلى انه علم بالمؤدى تنزيلا - كما سيأتي في محله انشاء الله - ولكن لا يخفى انه لا يدفع الاشكال في كلام المصنف (ره) إذ يقال حينئذ: ليس النزاع في انها تعلم حقيقة بالخبر قطعا بل النزاع في أنها تعلم تعبدا أولا، وهو راجع إلى جعل احكام العلم بالسنة للخبر الحاكي عنها، فهو أولى بالاشكال من جواب شيخنا الاعظم (ره) (قوله: كان الناقصة) لان الثبوت التعبدي زائد على ثبوت السنة الحقيقي فيكون من عوارضها (قوله: بل الخبر) قد عرفت انه لمؤداه (قوله: واما إذا كان المراد.. الخ) هذا هو مراد الفصول (قوله: الا ان البحث في غير)

١٤

من مسائلها كمباحث الالفاظ وجملة من غيرها لا يخص الادلة بل يعم غيرها وان كان المهم معرفة احوال خصوصها كما لا يخفى ويؤيد ذلك تعريف الاصول بانه العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الاحكام الشرعية وان كان الاولى تعريفه بأنه صناعة يعرف بها القواعد التي يمكن ان تقع في طريق استنباط الاحكام

______________________________

يعني فيكون البحث عن العارض بواسطة الخارج الاعم لكنه تنبه لذلك في الفصول وأجاب عنه بأن البحث عنها باعتبار وقوعها في الكتاب والسنة ولا يقدح في ذلك بيانهم لوضعه اللغوي أو العرفي، إذ المقصود بيان مداليل تلك الالفاظ بأي وجه كان.. الخ كما أشار إليه المصنف (ره) بقوله: وان كان المهم.. الخ إذ من المعلوم أن عموم النزاع وخصوصه تابع لعموم الغرض وخصوصه (قوله: وجملة من مباحث) أي من غير مباحث الالفاظ كما يذكر في المباحث العقلية من حسن العقاب وقبحه فانه لا يخص الادلة بل يعم المباحث الكلامية (قوله: ويؤيد ذلك) أي كون البحث في الاصول ليس عن خصوص الادلة ووجه التأييد عدم تقييد القواعد بأن موضوعها الادلة.

تعريف الاصول

(قوله: تعريفه بأنه صناعة.. الخ) هذا التعريف يخالف التعريف المشهور من وجوه (الاول) خلوه من ذكر العلم وهو في محله لما عرفت من ان الفن نفس المسائل التي تكون موضوعا للعلم تارة وللجهل أخرى، وقد صرح بما ذكرنا جماعة منهم التفتازاني في بعض كلماته، ولعل الباعث على ذكره في التعريف كونه منشأ الاثر في الفنون دون نفس المعلوم، والمصحح لهذا الاستعمال وحدة العلم والمعلوم حقيقة وان اختلفا اعتبارا (الثاني) جعله نفس الصناعة التي يعرف بها القواعد، وهذا شئ تفرد به المصنف (ره) فيما أعلم ولازمه كون

١٥

أو التي ينتهى إليها في مقام العمل

______________________________

المتون المشتملة على نفس القواعد ليست من الاصول مع ان الاقيسة ليست من الفن بل من مباديه التصديقية (الثالث) خلوه عن اعتبار التمهيد للاستنباط، ولازمه دخول اكثر مسائل الفنون التي يتوقف عليها الاستنباط كالعلوم العربية في علم الاصول. وهو كما ترى، إلا ان يراد من طريق الاستنباط خصوص القياس المنتج للوظيفة العملية لكنه يلزم منه خروج جملة من مسائل الاصول أيضا، إذ ليست هي في رتبة واحدة وكيف كان فيعم الممهدة وغيرها، أما تعريف المشهور فابعد عن الاشكال المتقدم لان مسائل تلك الفنون لم تمهد للاستنباط وانما مهدت لغايات أخر فيختص الاصول بالمسائل التي لم تمهد لغاية اخرى بحيث يلزم الاصولي تمهيدها للاستنباط. هذا ولكنه لا ينطبق على ما لم يمهد أصلا إلا ان يراد من الممهدة الاعم من الشأنية والفعلية لكن عليه يرجع الاشكال الاول، إلا ان يراد شأنية نفس التمهيد لا شأنية كونه للاستنباط، وكيف كان فذكر الممهدة اولى فتأمل جيدا (الرابع) خلوه عن تقييد الاحكام بقيد الشرعية كما في تعريف المشهور ولابد منه. ولعله اكتفى بتعريفها بلام العهد (الخامس) اضافة قوله: أو التي ينتهى.. الخ وقد اشار إلى وجهه، وتوضيحه انهم اختلفوا في تقرير مقدمات الانسداد من حيث أن مقتضاها الكشف أو الحكومة على قولين (أحدهما) الكشف بمعنى ان مقدمات الانسداد تكشف عن حكم الشارع الاقدس بحجية الظن فيكون كسائر الحجج الشرعية غاية الامر انه يفارقها في طريق اثبات الحجيته فان طريق ثبوت حجيته هو المقدمات المذكورة وطريق حجيتها هو غيرها من الكتاب والسنة وغيرهما (ثانيهما) الحكومة بمعنى انها تكون منشأ لحكم العقل بوجوب العمل على طبق الظن ويكون حال الظن حال العلم في كون حجيته عقلية، ويترتب على الاول ان مؤداه حكما شرعيا ظاهريا كسائر الحجج الشرعية وليس كذلك على الثاني وحينئذ فمسألة حجية الظن لا تقع في طريق استنباط الحكم الشرعي على الحكومة فتخرج عن الاصول بمقتضى

١٦

بناء على أن مسألة حجية الظن على الحكومة ومسائل الاصول العملية في الشبهات الحكمية من الاصول - كما هو كذلك - ضرورة أنه لا وجه لالتزام الاستطراد في مثل هذه المهمات (الامر الثاني) الوضع

______________________________

*

تعريف المشهور، وكذا الحال في مسائل الاصول العملية العقلية كالبراءة والاشتغال والتخيير في الشبهات الحكمية فانه لا يتوصل بها إلى حكم شرعي، بل وبعض الاصول الشرعية كحديث الرفع بناء على اقتضائه مجرد نفي الالزام بلا جعل للاباحة فان نفي الالزام وان كان شرعيا الا انه ليس حكما شرعيا وإلا كانت الاحكام عشرة لا خمسة إلا ان يراد من الحكم هنا ما يعمه، وهذه كلها تدخل في علم الاصول على تعريف المصنف (ره) لانها ينتهي إليها المكلف في مقام العمل (قوله: بناء) متعلق بقوله: أو التي ينتهى... الخ (قوله: على الحكومة) قيد للحجية (قوله: مسائل الاصول) معطوف على مسألة حجية الظن اما الاصول الشرعية مثل كل شئ لك حلال... الخ ونحوه فتقع في طريق استنباط الاحكام الشرعية (قوله: في الشبهات الحكمية) وهي الشبهات في الحكم الكلي أما الجارية في الشبهات الموضوعية كالشك في ان المايع خمر أو خل فليست من الاصول لانها لا يستفاد منها حكم كلي بل جزئي، ولذا لا يختص اجراؤها بالمجتهد (قوله: من الاصول) خبر (إن) في قوله: على أن (قول: الوضع) الاضافة على نحوين منها ما يكون فيها للمتضايفين هيئة خاصة كالفوقية والتحتية ونحوهما فان لزيد مع السقف الذي يكون فوقه هيئة خاصة مباينة لهيئته مع الارض التي تكون تحته ومنها مالا يكون كذلك كالملكية والزوجية ونحوهما فان الهيئة الحاصلة لزيد مع فرسه قبل ان تكون ملكا له هي هيئته معها بعد ما صارت ملكا له، وفى كون النحو الاول مما له حظ من الخارج بحيث لا يتوقف على وجود لاحظ أولا ؟ خلاف كما قيل، أما الثاني فلا اشكال في انه لاحظ له من الخارج بل يكون بمحض الاعتبار، وانما يكون الخارج

١٧

ظرفا لمنشأ اعتباره ونسبته إلى منشأ اعتباره ليست نسبة المتأثر إلى المأثر.

*

هذا ولا ريب في أن الوضع من النحو الثاني إذ ليس للفظ مع معناه هيئة خاصة بل هو معه بعده كحاله معه قبله، كما لا ريب في انه ليس من الاضافات الناشئة عن خصوصية في المتضايفين كاضافة التلازم بين المتلازمين بل له منشأ آخر وانما الاشكال في انه مجعول قصدا بحيث يعتبر من مجرد جعله أو منتزع من ارادة ذكر اللفظ عند ارادة تفهيم المعنى، وهذا الخلاف فيه ربما يأتي في مثله من الاحكام الوضعية (المختار) لبعض الاكابر هو الثاني وقد يستدل له (تارة) بالوجدان، فان الانسان لا يجد من نفسه عند إرادة تسمية ولده أو كتابه إلا ارادة ذكر الاسم عند إرادة تفهيم المعنى (وأخرى) بان تفهيم المعنى باللفظ انما يكون بتوسط الملازمة الذهنية بينهما وحيث أنه لا ملازمة ذاتية ذهنية كما هو المفروض، ولا يمكن جعلها أيضا لانها خارجة عن الاختيار فلم يبق إلا تحقيق ما يؤدي إليها من الملازمة بين ذكر اللفظ وإرادة المعنى، فإذا تحققت هذه الملازمة بارادة ذكر اللفظ عند ارادة تفهيم المعنى حصلت الملازمة الذهنية بتوسط العلم بالارادة، وإلا فلا طريق إلى حصولها أصلا، وهذه الارادة هي منشأ اعتبار الوضع (واورد) عليه بعض الاعيان بما توضيحه أن الارادة المتعلقة باللفظ ارداة غيرية ناشئة عن إرادة تفهيم المعنى، والارادة الغيرية تابعة للمقدمية، إذ لو لم يكن الشئ مقدمة لم يكن مرادا بارادة غيرية فلا بد من ثبوت المقدمية للفظ في رتبة سابقة على الارادة وهذه المقدمية يمتنع نشؤها من هذه الارادة للزوم الدور، ولا من غيرها لانه خلاف الوجدان (أولا) وللزوم اجتماع المثلين في محل واحد وهو ممتنع (ثانيا) فان قلت: لا مانع من اجتماعهما على أن تكون إحداهما مؤكدة للاخرى (قلت): يمتنع التأكد في المقام لاختلاف الرتبة إذ الوجود المتأكد في رتبة واحدة، ولانه يقال في الارادة الاخرى التي تنشأ عنها المقدمية هي إما نفسية، - وهو خلاف الوجدان - وإما غيرية فلابد من ثبوت مقدميتها في رتبة سابقة عليها فيجري فيها ذلك أيضا وهكذا فتأمل، فيتعين الالتزام بأن المقدمية مجعولة

١٨

هو نحو اختصاص اللفظ بالمعنى وارتباط خاص بينهما ناشئ من تخصيصه به (تارة) ومن كثرة استعماله فيه (أخرى) وبهذا المعنى صح تقسيمه إلى التعييني والتعيني كمالا يخفى. ثم

______________________________

مع قطع النظر عن الارادة وذلك بجعل اللفظ للمعنى (ودعوى) امتناع ذلك لان ما ليس بينهما العلاقة يمتنع جعل العلاقة بينهما (مدفوعة) بأن ذلك يتم في الامور الحقيقة لا الاعتبارية التي منها ما نحن فيه وهي وان لم توجب اللزوم بين اللفظ والمعنى ذهنا مستقلة إلا أنها بضميمة الاعلام بها توجب ذلك والمفروض انه لابد منه على كل من القولين. هذا ويمكن ان يقال: مقدمية ذكر اللفظ لتفهيم المعنى ذاتية لان المقدمية كما سيأتي منتزعة من صدق قولنا: لولا كذا لم يكن كذا، ويصدق في المقام: لولا اللفظ لم يفهم المعنى، غاية الامر ليس هو تمام المقدمة بل يتوقف على مقدمة اخرى مثل العلم بالارادة فلا مجال للاشكالات المذكورة نعم المانع عن كونه نفس الارادة كونه خلاف المرتكزه ؟ من معناه فيقال: أردت أن أضع لفظ كذا، كما يقال: أردت أن افعل كذا، وذلك مما يابى عن كونه نفس الارادة (فالتحقيق) انه منتزع من الالتزام النفسي بذكر اللفظ عند ارادة التفهيم، وهذا الالتزام فعل اختياري للنفس كغيره من أفعالها، فان تحقق صح اعتبار الاضافة المذكورة عند العقلاء، وإن لم يجعل شئ أصلا، وان لم يتحقق امتنع اعتبارها عندهم وإن جعل اللفظ للمعنى. وهذا الدوران شاهد ما ذكرنا. هذا كله في الوضع التعييني وسيأتي انشاء الله في الاحكام الوضعية ما له نفع تام في المقام والله سبحانه أعلم (قوله: هو نحو اختصاص) الانسب تعريفه بتخصيص اللفظ بالمعنى لانه من مقولة الفعل والاختصاص من مقولة الانفعال، والباعث له على ذلك تقسيمه إلى التعييني والتعيني كما سيأتي (قوله: من تخصيصه به) سواء أكان بالقول كسميت ولدي عليا، أم بالفعل باستعماله فيه بقصد جعله له، إذ الانشاء يكون بالفعل كالقول عند المشهور على تأمل ذكرناه في محله (قوله: وبهذا المعنى صح)

١٩

إن الملحوظ حال الوضع إما يكون معنى عاما فيوضع اللفظ له تارة ولافراده ومصاديقه اخرى، وإما يكون معنى خاصا لا يكاد يصح إلا وضع اللفظ له دون العام فتكون الاقسام ثلاثة، وذلك لان العام يصلح لان يكون آلة للحاظ أفراده ومصاديقه بما هو كذلك، فانه من وجوهها ومعرفة وجه الشئ معرفته بوجه، بخلاف الخاص فانه - بما هو خاص - لا يكون وجها للعام ولا لسائر الافراد فلا يكون معرفته وتصوره

______________________________

*

أقول: يمكن تقسيمه إلى القسمين بناء على كونه التخصيص أيضا بأن يراد منه ما هو أعم مما كان عن قصد كما في التعييني أولا كما في التعيني (قوله: ان الملحوظ حال) الظاهر عدم الفرق في مجيئ الاقسام بين الوضع التعييني والوضع التعيني، غاية الامر لحاظ العام والخاص يكون في الثاني لاجل الاستعمال الذي هو المصحح لاعتبار الوضع. ثم إن لحاظ الموضوع له " تارة " يكون تفصيليا " وأخرى " يكون إجماليا ببعض وجوه الملحوظة والمراد بوجه الشئ ما يكون لحاظه مميزا للموجه عما عداه ويكون النظر إليه نظرا إليه في الجملة (قوله: فيوضع اللفظ) وحينئذ يكون الوضع عاما والموضوع له عاما (قوله: أخرى) فيكون الوضع عاما والموضوع له خاصا (قوله: إلا وضع) فيكون الوضع خاصا والموضوع له خاصا (قوله: وذلك لان) بيان لوجه انحصار الاقسام في الثلاثة (قوله: بما هو كذلك) أي بما هو عام (قوله: فانه من وجوهها) العام بما هو عام لا يكون وجها للخاص، وإنما يصلح لذلك بتوسط تحديده وتضييق دائرته، كما أن دلالته على الخاص إنما تكون بذلك أيضا، لان العام صالح لان يكون وجها لكل واحد من أفراده فكونه وجها لواحد منها بخصوصه إنما يكون بتقييده بنحو لا ينطبق إلا عليه، فالعام الحاكي عن تمام أفراده بخصوصيتها ليس عاما في الحقيقة بل يكون خاصا مرادفا لقولنا: تمام الافراد فتأمل (قوله: معرفته) أي معرفة الشئ ذي الوجه (قوله: فانه بما هو خاص) يعني أن الخاص بما أنه خاص يمتنع أن يكون حاكيا عن العام، لان العام صالح للانطباق علي

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

منقصة في الطبيعة المأمور بها لاجل تشخصها في هذا القسم بمشخص غير ملائم لها كما في الصلاة في الحمام فان تشخصها بتشخص وقوعها فيه لا يناسب كونها معراجا وان لم يكن نفس الكون في الحمام في الصلاة بمكروه ولا حزازة فيه اصلا بل كان راجحا كما لا يخفى وربما يحصل لها لاجل تخصصها بخصوصية شديدة الملائمة معها مزية فيها كما في الصلاة في المسجد والامكنة الشريفة، وذلك لان الطبيعة المأمور بها في حد نفسها إذا كانت مع تشخص لا يكون له شدة الملائمة ولا عدم الملائمة لها مقدار من المصلحة والمزية كالصلاة في الدار مثلا وتزداد تلك المزية فيما كان تشخصها بما له شدة الملائمة وتنقص فيما إذا لم تكن له ملائمة ولذلك ينقص ثوابها تارة ويزيد أخرى ويكون النهي فيه لحدوث نقصان في مزيتها فيه

______________________________

(قوله: منقصة في الطبيعة) يعني نقصا في وفاء الطبيعة المأمور بها بالمرتبة الخاصة من المصلحة التي تفي بها لو لم تكن متشخصة بذلك المشخص ولا بد من أن يكون المقدار الفائت مما لا يجب تداركه وإلا كان النهي تحريميا لو لم يمكن تداركه. أولا يصح النهي أصلا لو أمكن تداركه بل يكون المكلف مخيرا بين فعل الفرد المذكور مع التدارك وبين فعل غيره من الافراد، ومن أن يكون المقدار الباقي الذي يحصله الفرد ملزما وإلا كان مستحبا لا فردا للواجب (قوله: وربما يحصل) شروع في دفع اشكال اجتماع الوجوب والاستحباب في العبادات المستحبة (قوله: ولذلك ينقص) قد تقدم ان الثواب والعقاب بمراتبهما ليسا تابعين لمراتب المصلحة والمفسدة بل هما تابعان لمراتب الانقياد والتجري نعم مراتب التجري تختلف باختلاف مراتب الاهتمام المختلفة باختلاف مراتب المصلحة والمفسدة وأما مراتب الانقياد فتختلف باختلاف مراتب المشقة فزيادة العقاب تدل على تأكد المصلحة الفائتة والمفسدة المرتكبة وأما زيادة الثواب فلا تدل عليه نعم الوعد بزيادة الثواب يدل على مزيد الاهتمام الناشئ عن زيادة المصلحة (ومنه) يظهر أنه لا يصح نقص الثواب عن مقدار الاستحقاق الا ان يكون المراد النقص عن المرتبة

٣٨١

إرشادا إلى ما لا نقصان فيه من سائر الافراد ويكون أكثر ثوابا منه وليكن هذا مراد من قال: إن الكراهة في العبادة بمعنى أنها تكون أقل ثوابا، ولا يرد عليه بلزوم اتصاف العبادة التي تكون أقل ثوابا من الاخرى بالكراهة ولزوم اتصاف ما لا مزية فيه ولا منقصة بالاستحباب لانه أكثر ثوابا مما فيه المنقصة، لما عرفت من أن المراد من كونه أقل ثوابا إنما هو بقياسه إلى نفس الطبيعة المتشخصة بما لا يحدث معه مزية لها ولا منقصة من المشخصات، وكذا كونه أكثر ثوابا. ولا يخفى أن النهي في هذا القسم لا يصح الا للارشاد بخلاف القسم الاول فانه يكون فيه مولويا وان كان حمله على الارشاد بمكان من الامكان

______________________________

الموعود بها لا المستحقة (قوله: ارشادا إلى مالا) بل ارشادا إلى المنقصة في متعلقه فيوجب ذلك بعثا إلى مالا نقصان فيه وكانه المراد كما تقدم نظيره (قوله: بلزوم اتصاف) هذا يرد لو كان المراد أقل ثوابا من بعض الافراد مطلقا وكذا لزوم اتصاف... الخ، فانه يرد لو كان المراد من الاستحباب أكثرية الثواب بالنسبة إلى بعض الافراد مطلقا (قوله: في هذا القسم) يعني بالنسبة إلى التوجيه المختص به لا بالنظر إلى توجيهه بما مر في القسم الاول فانه لا يتعين فيه ذلك (قوله: إلا للارشاد) لان كونه مولويا ولو تنزيهيا كراهتيا يتوقف على ثبوت مفسدة في متعلقه أو مصلحة في نقيضه مزاحمة لمصلحته والمفروض انه ليس كذلك إذ كان متعلقه ذا مصلحة وليس في نقيضه مصلحة كما في القسم الاول إلا ان يقال: إن ترك العبادة وإن لم يكن ملازما لعنوان ذي مصلحة أو متحدا معه إلا أن فعلها ملازم لفوات مقدار من المصلحة وحيث أن فوات ذلك المقدار مبغوض حقيقة كان ملازمه مبغوضا عرضا فيصح النهي عنه بالعرض والمجاز. نعم لو لم يكن فعل الفرد ملازما لفوات ذلك المقدار لامكان تداركه ولو بالاعادة في فرد آخرتم ما ذكر ثم إنك عرفت في القسم الاول إمكان أن يكون النهي لمفسدة في ملازمه ويمكن ذلك أيضا في هذا القسم لكن لازمه خروج الفرد عن كونه

٣٨٢

(وأما القسم الثالث) فيمكن ان يكون النهى فيه عن العبادة المتحدة مع ذاك العنوان أو الملازمة له بالعرض والمجاز وكان المنهي عنه به حقيقة ذاك العنوان ويمكن أن يكون على الحقيقة ارشادا إلى غيرها من سائر الافراد مما لا يكون متحدا معه أو ملازما له إذ المفروض التمكن من استيفاء مزية العبادة بلا ابتلاء بحزازة ذاك العنوان اصلا. هذا على القول بجواز الاجتماع، وأما على الامتناع فكذلك في صورة الملازمة، وأما في صورة الاتحاد وترجيح جانب الامر - كما هو المفروض -

______________________________

واجبا لما عرفت من أنه لا مزاحمة بين المقتضي التعييني والمقتضي التخييري فان الاول يؤثر ولو كان استحبابيا والثاني يسقط ولو كان وجوبيا إذ لا تزاحم حقيقة بينهما لامكان الجمع بينهما بفعل غير المكروه من الافراد فيثبت النهي عن الملازم وتخرج العبادة عن كونها فردا للمأمور به بما هو كذلك نعم يكون التقرب بملاك الامر كما تقدم والله سبحانه اعلم (قوله: فيمكن أن يكون) يعني بعد ما كان المبغوض حقيقة هو العنوان المتحد مع العبادة فتعلق النهي بنفس العبادة يمكن أن يكون عرضيا بالمعنى المتقدم ويكون مولويا ويمكن ان يكون حقيقا ويكون إرشاديا إلى ثبوت مفسدة في العنوان المتحد مع العبادة أو الملازم لها لكن عرفت أن الحقيقي - ولو كان إرشاديا - ما يدل على ثبوت مفسدة في متعلقه لا في غيره ولو كان متحدا معه، فلو حمل النهي على الارشاد كان عرضيا أيضا، ومنه يظهر تعين جعله مولويا عرضيا لا ارشاديا كذلك لان الاول أوفق بظاهر النهي نعم لو كان حمله على الارشاد يقتضي كونه حقيقيا دار الامر بين كل من التصرفين ولا معين لاحدهما (قوله: ارشادا إلى) قد تقدم مثل هذا التعبير المبني على المسامحة وسيأتي أيضا (قوله: مما لا يكون) بيان للافراد يعني الافراد التي لا تتحد مع العنوان المنهي عنه حقيقة ولا تلازمه (قوله: هذا على القول) يعني هذا الذي ذكرناه من أن العبادة بنفسها مأمور بها وأن العنوان المتحد معها أو الملازم لها هو المنهي عنه حقيقة يتم على الاجتماع إذ مبنى الاجتماع عدم التنافي

٣٨٣

حيث أنه صحة العبادة فيكون حال النهي فيه حاله في القسم الثاني فيحمل على ما حمل عليه فيه طابق النعل بالنعل حيث أنه بالدقة يرجع إليه، إذ على الامتناع ليس الاتحاد مع العنوان الآخر إلا من مخصصاته ومشخصاته التي تختلف الطبيعة المأمور بها في المزية زيادة ونقيصة بحسب اختلافها في الملائمة كما عرفت وقد انقدح بما ذكرناه أنه لا مجال أصلا لتفسير الكراهة في العبادة باقلية الثواب في القسم الاول مطلقا وفي هذا القسم على القول بالجواز،

______________________________

بين الامر والنهي بعنوانين ويتم ايضا على الامتناع إذا كان العنوان ملازما للعبادة لا متحدا معها لان القول بالامتناع يختص بصورة اتحاد العنوانين ولا يجري في صورة تلازمهما غاية الامر أن امتناع اختلاف المتلازمين في الحكم يؤدي إلى امتناع فعليتهما معا لكن يصح الاتيان بالعبادة حينئذ ولو لملاك الامر كما تقدم في الضد وكذا يتم أيضا على الامتناع وترجيح جانب الامر في صورة الاتحاد فتصح العبادة للامر بها فعلا (قوله: حيث انه صحة) ضمير (أن) راجع إلى المفروض يعني حيث أن المفروض صحة العبادة فهو ملازم لتقديم جانب الامر إذ مع تقديم النهي لا مجال للصحة كما تقدم (قوله: فيكون حال النهي) يعني حيث كان المفروض صحة العبادة الملازم لتعلق الامر الفعلي بها على الامتناع فالنهي المتعلق بها يمتنع أن يكون مولويا لمنافاته لصحتها فيحمل على الارشاد إلى نقص في مصلحتها من جهة اقترانها بالخصوصية الخاصة كما تقدم في القسم الثاني (قوله: إذ على الامتناع) هذا التخصيص غير ظاهر (قوله: في القسم الاول) إذ لا قصور في مصلحة العبادة ليقل ثوابها ومنه يظهر عدم صحة التفسير المذكور في القسم الثاني أيضا بناء على توجيهه بما في القسم الاول (قوله: على القول بالجواز) فانه أيضا لا قصور في المصلحة وكذا على القول بالامتناع في صورة الملازمة. نعم على الامتناع والاتحاد لابد من الالتزام بنقص المصلحة كما ذكر فتكون أقل ثوابا بناء على ما تقدم منه من تبعية كمية الثواب لكمية المصلحة

٣٨٤

كما انقدح حال اجتماع الوجوب والاستحباب فيها وان الامر الاستحبابي يكون على نحو الارشاد إلى أفضل الافراد مطلقا على نحو الحقيقة، ومولويا اقتضائيا كذلك، وفعليا بالعرض والمجاز فيما كان ملاكه ملازمتها لما هو مستحب أو متحد معه على القول بالجواز (ولا يخفى) أنه لا يكاد يأتي القسم الاول ههنا فان انطباق عنوان راجح على الفعل الواجب الذي لا بدل له إنما يؤكد ايجابه لا أنه يوجب استحبابه أصلا ولو بالعرض والمجاز

______________________________

(قوله: كما انقدح حال) العبادة المستحبة (تارة) تكون أكثر مصلحة لتشخصها بما له دخل في ذلك (وأخرى) ينطبق عليها عنوان ذو مصلحة ويتحد معها (وثالثة) يلازمها عنوان كذلك ولا ريب في امكان كون الامر في الجميع إرشاديا حقيقيا كما في الاولى وعرضيا كما في الاخيرتين وأما كونه مولويا فهو ممتنع في الاولى للزوم اجتماع الاستحباب والوجوب في شئ واحد بعنوان واحد وكذا في الثانية - بناء على الامتناع - أما على الجواز فلا ضير فيه لانه بعنوانين ويكون تعلقه بالعبادة عرضيا، وفى الثالثة يجوز لو جاز اختلاف المتلازمين في الحكم ويكون تعلقه بالعبادة عرضيا أيضا ويمتنع لو امتنع. نعم لا بأس بتعلق الارادة الاستحبابية به فتتأكد مع الوجوبية في الاولى وفى الثانية على القول بالامتناع لاتحاد المتعلق حينئذ ولا كذلك على الجواز لتعدده فلا مجال للتأكد كالثالثة (قوله: مطلقا على) الاطلاق في قبال التقييد الآتي ذكره في المولوي الفعلي فيعم جميع الصور التي أشرنا إليها (قوله: على نحو الحقيقة) قد عرفت الاشكال فيه في الاخيرتين (قوله: كذلك) يعني مطلقا على نحو الحقيقة وعرفت أيضا التأمل فيه (قوله: فيما كان ملاكه) يعني في مورد كان ملاك الامر الاستحبابي ملازمة العبادة لعنوان مستحب (قوله: على القول بالجواز) قيد للمتحد إذ على الامتناع تمتنع فعلية الاستحباب مع فعلية الوجوب لتضادهما وعرفت الامتناع في الملازم أيضا (قوله: يؤكد إيجابه)

٣٨٥

إلا على القول بالجواز، وكذا فيما إذا لازم مثل هذا العنوان فانه لو لم يؤكد الايجاب لما يصحح الاستحباب الا اقتضائيا بالعرض والمجاز فتفطن (ومنها) أن أهل العرف يعدون من أتى بالمأمور به في ضمن الفرد المحرم مطيعا وعاصيا من وجهين فإذا امر المولى عبده بخياطة ثوب ونهاه عن الكون في مكان خاص كما مثل به الحاجبي والعضدي فلو خاطه في ذاك المكان عد مطيعا لامر الخياطة وعاصيا للنهي عن الكون في ذلك المكان (وفيه) - مضافا إلى المناقشة في المثال بأنه ليس من باب الاجتماع ضرورة أن الكون المنهي عنه غير متحد مع الخياطة

______________________________

يعني يكون حينئذ واجبا وجوبا أكيدا ناشئا عن مصلحة اكيدة ولا يكون مستحبا لا فعليا ولا اقتضائيا كما هو الحال في سائر موارد الوجوب الاكيد بخلاف القسمين الاخيرين فان العبادة المستحبة لما كان لها بدل غير مستحب صح ان يقال: انها واجبة ومستحبة، ولو كان الاستحباب اقتضائيا لا فعليا (أقول): لا فرق بين ما له بدل وما لا بدل له لان المصلحة القائمة بالعنوان إذا كان يجوز الترخيص في تركها حيث لم تكن لزومية فضمها إلى المصلحة اللزومية لا يوجب تأكد الوجوب فيكون في الموضوع وجوب فعلى واستحباب اقتضائي نعم يوجب تأكد الارادة وليست هي الوجوب ولا منتزع منها - مع أنه لو أوجبت تأكد الوجوب اقتضت ذلك حتى فيما له بدل لعدم الفرق فتكون العبادة المتحدة مع العنوان واجبة وجوبا أكيدا والبدل واجبا وجوبا غير أكيد (فالتحقيق) مجئ الاقسام الثلاثة بلا فرق بين العبادة المكروهة والمستحبة (قوله: إلا على القول) إذ على هذا القول يكون موضوع المصلحة الوجوبية غير موضوع المصلحة الاستحبابية فيمتنع تأكد الوجوب لتعدد الموضوع وكذا في صورة تلازم العنوان المستحب فانه أيضا يمتنع التأكد وحينئذ يثبت وجوب لموضوع المصلحة الزومية واستحباب لموضوع المصلحة الاستحبابية لكن الاستحباب لا يكون فعليا لامتناع اختلاف المتلازمين في الحكم بل يكون اقتضائيا لا غير (قوله: إلا اقتضائيا) وكذا في المتحد على القول بالجواز (قوله: غير متحد مع الخياطة) إذ الخياطة صفة

٣٨٦

وجودا اصلا كما لا يخفى (المنع) إلا عن صدق احدهما إما الاطاعة بمعنى الامتثال فيما غلب جانب الامر أو العصيان فيما غلب جانب النهي لما عرفت من البرهان على الامتناع (نعم) لا بأس بصدق الاطاعة بمعنى حصول الغرض والعصيان في التوصليات وأما في العبادات فلا يكاد يحصل الغرض منها إلا فيما صدر من المكلف فعلا غير محرم وغير مبغوض عليه كما تقدم (بقي) الكلام في حال التفصيل من بعض الاعلام والقول بالجواز عقلا والامتناع عرفا (وفيه) أنه لا سبيل للعرف في الحكم بالجواز أو الامتناع إلا طريق العقل فلا معنى لهذا التفصيل إلا ما اشرنا إليه من النظر المسامحي غير المبتنى على التدقيق والتحقيق وأنت خبير بعدم العبرة به بعد الاطلاع على خلافه بالنظر الدقيق وقد عرفت فيما تقدم أن النزاع ليس في خصوص مدلول صيغة الامر والنهي بل في الاعم فلا مجال لان يتوهم أن العرف هو المحكم في تعيين المداليل ولعله كان بين مدلوليهما حسب تعيينه تناف لا يجتمعان في واحد ولو

______________________________

قائمة بالثوب فكيف تكون متحدة مع الكون القائم بالمكلف إلا أن يراد من الخياطة حركة اليد المؤدية إليها ومن الكون في المكان ما يعم الحركة فيه (قوله: المنع إلا عن) يعني نمنع صدق الاطاعة والمعصية معا بل تصدق إحداهما لا غير (قوله: من بعض الاعلام) هو السيد الطباطبائي (ره) وربما استظهر من السلطان والمحقق القمي (ره) في بعض كلماته ونسب إلى الاردبيلي (قوله: إلا طريق) إذ الجواز والامتناع من أحكام العقل (قوله: بل في الاعم) يعني الاعم مما كان مدلولا عليه بالصيغة اللفظية أو بغيرها من أنواع الدال (اقول): عموم الدال لا ينفع بعد اتحاد المدلول فإذا بني على الامتناع في مدلول الصيغة لابد أن يبنى على الامتناع في غيره لان الامتناع من ذاتيات المدلول لا لخصوصية الدال فتأمل جيدا (قوله: المداليل) يعني اللفظية (قوله: ولعله كان) هذا من تتمة التوهم (قوله: حسب تعيينه) يعني تعيين العرف والله سبحانه ولي التوفيق وله الحمد فانه به حقيق

٣٨٧

بعنوانين وان كان العقل يرى جواز اجتماع الوجوب والحرمة في واحد بوجهين فتدبر

وينبغى التنبيه على أمور

(الاول) أن الاضطرار إلى ارتكاب الحرام وان كان يوجب ارتفاع حرمته والعقوبة عليه مع بقاء ملاك وجوبه - لو كان - مؤثرا له كما إذا لم يكن بحرام

______________________________

تنبيهات الاجتماع

(قوله: وان كان يوجب ارتفاع) لقبح التكليف حال الاضطرار بل امتناعه لما عرفت من أن قوام التكليف إحداث الداعي العقلي ليترتب عليه صرف العبد قدرته في موافقته من فعل أو ترك وهذا مما لا يتأتى مع الاضطرار - مضافا إلى أدلة رفع الاضطرار من الآيات والروايات فإذا ارتفع التكليف تبعه العقاب نعم يبقى الاشكال في صحة العبادة حينئذ مع كون الفعل مبغوضا في نفسه ومحرما لولا الاضطرار وسيأتي (قوله: مع بقاء ملاك وجوبه) إذ من المعلوم ان الاضطرار ليس من العناوين الموجبة ذاتا لارتفاع ملاك التكليف اعني المصلحة والمفسدة بل يجوز أن يكون الملاك مشروطا بالاختيار فبطروء الاضطرار يرتفع لارتفاع شرطه وان لا يكون مشروطا بالاختيار فبطروء الاضطرار لا يرتفع بل يبقى الفعل على ما هو عليه من المصلحة أو المفسدة (قوله: لو كان موثرا) كان تامة فاعلها ضمير الملاك (وموثرا) حال من ملاكه يعني بعد سقوط التحريم يبقى ملاك الوجوب موثرا في الوجوب ومقتضيا له لسقوط ملاك التحريم عن صلاحية المزاحمة له فيترتب عليه أثره فعلا (فان قلت): الاضطرار كما يرفع التحريم يمنع من ثبوت الوجوب فان الاختيار شرط في التكليف مطلقا بلا فرق بين الوجوب والتحريم

٣٨٨

بلا كلام الا انه إذا لم يكن الاضطرار إليه بسوء الاختيار بأن يختار ما يؤدى إليه لا محالة فان الخطاب بالزجر عنه حينئذ وان كان ساقطا الا أنه حيث يصدر عنه مبغوضا عليه وعصيانا لذاك الخطاب ومستحقا عليه العقاب لا يصلح لان يتعلق به الايجاب، وهذا في الجملة مما لا شبهة فيه ولا ارتياب وإنما الاشكال فيما إذا كان ما اضطر إليه بسوء اختياره مما ينحصر به التخلص عن محذور الحرام كالخروج عن الدار المغصوبة فيما إذا توسطها بالاختيار

______________________________

وغيرهما فكيف يثبت الوجوب لثبوت ملاكه بعد ارتفاع التحريم (قلت): محل الكلام ما إذا كان ملاك الوجوب ثابتا في فرد من الطبيعة المحرمة لا في نفس الطبيعة مطلقا والاضطرار إلى الطبيعة لا يكون اضطرارا إلى خصوص الفرد الواجد لملاك الوجوب فيجوز تعلق الوجوب به ويكون باعثا إليه. نعم يشكل ذلك لو كانت المفسدة أقوى لان الفعل يكون مرجوحا حينئذ ولا يجوز الامر بما هو مرجوح والاضطرار لا يوجب رجحان الوجود على العدم كي يكون الفعل راجحا ولو بالعرض نعم يكون واجبا عقلا لا شرعا نظير ارتكاب أقل القبيحين (قوله: بلا كلام) متعلق بقوله: يوجب، (قوله: الا انه إذا لم يكن) يعني ان ثبوت الوجوب يختص بغير هذه الصورة (قوله: بأن يختار) بيان للاضطرار بسوء الاختيار وضمير (إليه) راجع إلى الاضطرار (قوله: وان كان ساقطا) لان الزجر مساوق للانزجار كما عرفت فيمتنع بامتناعه (قوله: ومستحقا عليه) لانه مخالفة مستندة إلى الاختيار (قوله: لا يصلح لان يتعلق) لان الملاك المصحح لتعلق التحريم به قبل الاضطرار إليه مناف لملاك الوجوب فثبوت الوجوب له يكون بلا ملاك فيمتنع، ومنه يظهر اندفاع توهم أن ثبوت الوجوب له بعد الاضطرار لا يستدعي اجتماع الحكمين المتضادين لان المفروض سقوط التحريم بمجرد الاضطرار فالوجوب - على تقدير ثبوته - لا يكون مجتمعا مع التحريم ووجه الاندفاع ما عرفت الاشارة إليه من ان تضاد الاحكام إنما هو لتنافي ملاكاتها

٣٨٩

في كونه منهيا عنه أو مأمورا به مع جريان حكم المعصية عليه أو بدونه فيه أقوال. هذا على الامتناع، وأما على القول بالجواز فعن أبى هاشم انه مأمور به ومنهي عنه واختاره الفاضل القمي ناسبا له إلى اكثر المتأخرين وظاهر الفقهاء (والحق) أنه منهي عنه بالنهي السابق الساقط بحدوث الاضطرار إليه وعصيان له بسوء الاختيار ولا يكاد يكون مأمورا به كما إذا لم يكن هناك توقف(١) عليه أو بلا انحصار به

______________________________

ففرض ثبوت ملاك التحريم - كما هو لازم القول بكونه معصية - كاف في المنع عن تعلق الوجوب وسيأتي انشاء الله لذلك مزيد توضيح (قوله: في كونه منهيا عنه) ظرف مستقر خبر الاشكال (قوله: حكم المعصية) يعني استحقاق الذم والعقاب (قوله: أو بدونه) يعني أو مأمورا به بلا حكم المعصية (قوله: هذا على الامتناع) هذا التخصيص غير ظاهر فان أدلة الاقوال تقتضي عدم الفرق في كل قول منها بين الجواز والامتناع فلاحظها (قوله: وظاهر الفقهاء) لم يتضح وجه الاستظهار المذكور مع أن المشهور بين اصحابنا القول بالامتناع نعم ظاهر كثير منهم صحة صلاة الغاصب حال الخروج بل عن المنتهى الاجماع عليه لكنه لا يدل على كون الخروج مامورا به ومنهيا عنه فراجع (قوله: لم يكن هناك توقف) لا يخفى أن من توسط أرضا غصبا صار مضطرا إلى ارتكاب الحرام بمقدار أقل زمان يمكنه فيه الخروج ويكون مختارا فيما زاد على ذلك المقدار لامكان الخروج فلا يكون مرتكبا للحرام، وظاهر المتن توقف ترك التصرف الزائد على المقدار المضطر إليه على الخروج فيكون الخروج مقدمة له لكن صرح

______________

(١) لا يخفى انه لا توقف هاهنا حقيقة بداهة ان الخروج انما هو مقدمة للكون في خارج الدار لا مقدمة لترك الكون فيها الواجب لكونه ترك الحرام نعم بينهما ملازمة لاجل التضاد بين الكونين ووضوح الملازمة بين وجود الشئ وعدم ضده فيجب الكون في خارج الدار عرضا لوجوب ملازمه حقيقة فتجب مقدمته كذلك وهذا هو الوجه في المماشاة والجري على ان مثل الخروج يكون مقدمة لما هو الواجب من ترك الحرام فافهم. منه قدس سره (*)

٣٩٠

وذلك ضرورة انه حيث كان قادرا على ترك الحرام رأسا لا يكون عقلا معذورا في مخالفته فيما اضطر إلى ارتكابه بسوء اختياره ويكون معاقبا عليه كما إذا كان ذلك بلا توقف عليه أو مع عدم الانحصار به ولا يكاد يجدي توقف انحصار التخلص عن الحرام به لكونه بسوء الاختيار

______________________________

في حاشيته على المقام بمنع ذلك (وتوضيح) ما ذكر أن من المعلوم امتناع ان يكون الشئ الواحد في زمان واحد في مكانين لتضاد الكونين وحينئذ فكون المكلف في الزمان المعين في مكان ملازم لعدم كونه في مكان آخر - على ما عرفت في مبحث الضد من ملازمة احد الضدين لعدم الآخر من دون مقدمية بينهما أصلا - فكون المكلف في الزمان الزائد على زمان الخروج في المكان المباح ملازم لعدم كونه في المكان المغصوب لا أنه مقدمة له وإذا لم يكن مقدمة له لم يكن الخروج مقدمة له أيضا لان الخروج مقدمة إعدادية للكون في المكان المباح وما يكون مقدمة لاحد الضدين لا يكون مقدمة لعدم الآخر لان ما يكون مقدمة لاحد المتلازمين لا يكون مقدمة للملازم الآخر. نعم تصح نسبة المقدمية إليه بالعرض لا بالحقيقة (قوله: وذلك ضرورة أنه) هذا لا يصلح تعليلا إلا لاحد جزئي الدعوى (أعني كونه منهيا عنه وأنه عصيان للنهي) لا للجزء الآخر (أعني كونه ليس مأمورا به) فهو ينفي القول الثالث لا الثاني الا بملاحظة ما تقدم من أن ما يصدر مبغوضا وعصيانا لا يصلح لان يتعلق به الوجوب (قوله: كان قادرا على) يعني كان قبل الدخول في الارض المغصوبة قادرا على ترك التصرف الحرام لقدرته على ترك الدخول فان من لم يدخل في الارض لم يتصرف فيها أصلا لا بالدخول ولا بالخروج وإذا كان قادرا على ذلك كان التصرف في الارض بنحو الدخول أو بالخروج بعد الدخول حراما مقدورا على تركه فيكون معصية (قوله: فيما اضطر إلى) وهو التصرف بعد الدخول (قوله: بسوء اختياره) يعني اختياره للدخول (قوله: بلا توقف) يعني بلا أن يتوقف عليه التخلص (قوله: أو مع عدم) فان مقدمة الواجب إذا كانت محرمة ولا ينحصر التوصل إلى

٣٩١

(ان قلت): كيف لا يجديه ومقدمة الواجب واجبة ؟ (قلت) إنما تجب المقدمة لو لم تكن محرمة ولذا لا يترشح الوجوب من الواجب إلا على ما هو المباح من المقدمات دون المحرمة مع اشتراكهما في المقدمية، واطلاق الوجوب بحيث ربما يترشح منه الوجوب عليها مع انحصار المقدمة بها إنما هو فيما إذا كان الواجب أهم من ترك المقدمة المحرمة والمفروض ههنا

______________________________

الواجب بفعلها لا تكون واجبة (قوله: إن قلت كيف) يعني ان الحكم بوجوب المقدمة عقلي والحكم العقلي لا يقبل التخصيص فكيف يحكم بعدم وجوب الخروج مع أنه مقدمة للتخلص الواجب ؟ (قوله: إلا على ما هو المباح) مقدمة الواجب (تارة) تكون منحصرة بالمباح (وأخرى) منحصرة بالحرام (وثالثة) غير منحصرة باحدهما بأن تكون ذات فردين مباح وحرام (فان كانت) من الاول فلا ريب في ترشح الوجوب عليها - بناء على وجوب المقدمة - فتكون حينئذ مباحة بالذات واجبة بالعرض لكن وجوبها فعلي إن كانت اباحتها لا اقتضائية لعدم التزاحم بين المقتضي واللا مقتضي وإذا كانت اباحتها اقتضائية تزاحم مقتضيها مع مقتضي الوجوب فيكون الاثر للاقوى منهما، وان كانت من الثاني وقع التزاحم بين مقتضي الحرمة في المقدمة وبين مقتضي الوجوب في ذيها فيؤخذ بالاقوى منهما فان كان مقتضي الحرمة فيها أقوى بقيت على تحريمها وسقط وجوب ذيها، وإن كان مقتضي الوجوب فيها أقوى سقط تحريمها ووجبت مطلقا على المشهور أو في حال فعل الواجب بعدها بناء على المقدمة الموصلة، ومع تساوي المقتضيين تثبت الاباحة لكل منهما لا مطلقا بل بنحو يلازم إعمال احد المقتضيين فيجوز فعل المقدمة في ظرف فعل الواجب أعني ذاها على القول بالمقدمة الموصلة، وعلى المشهور يجوز فعل المقدمة المحرمة وان لم يفعل بعدها الواجب كما تقدم في مبحث المقدمة (وان كانت) من الثالث ثبت الوجوب للفرد المباح تعيينا ولا يثبت للمحرم لان مناط الوجوب تخييري ومناط التحريم تعييني والاول وإن كان

٣٩٢

وإن كان ذلك الا انه كان بسوء الاختيار ومعه لا يتغير عما هو عليه من الحرمة والمبغوضية والا لكانت الحرمة معلقة على ارادة المكلف واختياره لغيره وعدم حرمته مع اختياره له وهو كما ترى - مع أنه خلاف الفرض

______________________________

أقوى لا يزاحم الثاني وإن كان أضعف (قوله: وإن كان ذلك) يعني أهمية الواجب وهو التخلص عن الغصب من ترك الحرام وهو الخروج لكنه لا يخلو من تأمل لان الخروج نوع من الغصب فحرمته تثبت بمناط حرمة الغصب لا بمناط آخر فلا مقتضي للاهمية، وطول الزمان وان كان له دخل في زيادة الاهتمام لكنه لا يطرد إذ قد يكون زمان الخروج أطول من زمان التخلص المتوقف عليه كما لو علم بموت المالك بعد الخروج في زمان أقصر من زمان الخروج مع كونه وارثا له فالوجه في ترجح الخروج كونه أقل المحذورين وأهون القبيحين كما سيأتي (قوله: والا لكانت الحرمة) ظاهر العبارة أن المراد هو أنه لو كان الخروج واجبا بعد الدخول لزم كون حرمته معلقة على الكون في المكان المباح الملازم لترك الدخول، وعدمها معلقا على إرادته أي الخروج لكن لزوم اللازم الثاني غير ظاهر إذ الوجوب إنما يناط - عند القائل به - بمجرد الدخول ولو مع إرادة المكث فانه بالدخول حيث يتردد أمر الداخل بين المكث والخروج يكون الخروج واجبا ليتخلص به عن الغصب فلا يكون عدم حرمته معلقا على ارادته. نعم يتم ما ذكر لو كان أمر المكلف دائرا بين ترك الدخول وبين الدخول مع الخروج فهو إما أن يريد ترك الدخول أو يريد الدخول والخروج فمع الاول يكون الخروج حراما ومع الثاني لا يكون حراما، لكن محل الكلام ما إذا أمكنه المكث بعد الدخول (قوله: وهو كما ترى) يعني به بطلان كلا اللازمين (أما الاول) فلانه مع الكون في المكان المباح وترك الدخول يكون الخروج خارجا عن محل الابتلاء لمضادته للكون المذكور فلا معنى لحرمته حينئذ (وأما الثاني) فلما تقدم من أن وظيفة التكليف إحداث الارادة فيكون كالعلة لها فلا يكون معلولا لها، وإن شئت قلت: إن الشئ في ظرف

٣٩٣

وأن الاضطرار يكون بسوء الاختيار (ان قلت): إن التصرف في أرض الغير بدون اذنه بالدخول والبقاء حرام بلا إشكال ولا كلام وأما التصرف بالخروج الذي يترتب عليه رفع الظلم ويتوقف عليه التخلص عن التصرف الحرام فهو ليس بحرام في حال من الحالات بل حاله حال مثل شرب الخمر المتوقف عليه النجاة من الهلاك في الاتصاف بالوجوب في جميع الاوقات، ومنه ظهر المنع عن كون جميع أنحاء التصرف في أرض الغير مثلا حراما قبل الدخول وأنه يتمكن من ترك الجميع حتى الخروج، وذلك لانه لو لم يدخل لما كان متمكنا من الخروج وتركه وترك الخروج بترك الدخول رأسا ليس في الحقيقة الا ترك الدخول فمن لم يشرب الخمر لعدم وقوعه في المهلكة التي يعالجها به مثلا لم يصدق عليه الا انه لم يقع في المهلكة لا أنه مما ما شرب الخمر فيها إلا على نحو السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع كما لا يخفى (وبالجملة) لا يكون الخروج - بملاحظة كونه مصداقا للتخلص عن الحرام أو سببا له - إلا مطلوبا

______________________________

إرادته يكون واجبا فالتكليف به من قبيل تحصيل الحاصل (قوله: وان الاضطرار) بيان للفرض لان كونه بسوء الاختيار يقتضي كونه محرما وإلا كان من حسن الاختيار (قوله: من الحالات) يعني لا قبل الاضطرار ولا بعده (قوله: وذلك لانه لو) بيان لظهور المنع يعني أن المنع عن الخروج نوع من التكليف والتكليف بجميع أنواعه مشروط بالقدرة وقبل الدخول لا قدرة على الخروج حتى يصح المنع عنه فالمنع عنه حينئذ تكليف بغير المقدور ممتنع، (قوله: وترك الخروج) دفع لتوهم أن ترك الخروج مقدور قبل الدخول فلا وجه لدعوى عدم القدرة عليه (قوله: ليس في الحقيقة) إذ نسبة القدرة إلى الوجود والعدم نسبة واحدة فإذا لم يقدر على الخروج قبل الدخول لم يقدر على تركه أيضا (قوله: لا أنه ما شرب) يعني لا يصدق عليه أنه ممن لم يشرب الخمر في التهلكة (قوله: مصداقا للتخلص) لم يتوهم أحد كونه مصداقا

٣٩٤

ويستحيل أن يتصف بغير المحبوبية ويحكم عليه بغير المطلوبية (قلت): هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الاستدلال على كون ما انحصر به التخلص مأمورا به وهو موافق لما أفاده شيخنا العلامة - أعلى الله مقامه - على ما في تقريرات بعض الاجلة، لكنه لا يخفى أن ما به التخلص عن فعل الحرام أو ترك الواجب إنما يكون حسنا عقلا ومطلوبا شرعا بالفعل وان كان قبيحا ذاتا إذا لم يتمكن المكلف من التخلص بدونه ولم يقع بسوء اختياره إما في الاقتحام في ترك الواجب أو فعل الحرام، وإما في الاقدام على ما هو قبيح وحرام لولا أن به التخلص بلا كلام

______________________________

للتخلص بل لا ريب عندهم في كونه مصداقا للغصب (قوله: ويستحيل أن) لان الاتصاف بغير المحبوبية يكون بلا منشأ مصحح (قوله: لكنه لا يخفى أن ما به) حاصل الاشكال أنه إذا توقف فعل الواجب أو ترك الحرام على فعل محرم بحيث دار أمر المكلف بين فعل ذلك المحرم الذي هو المقدمة، وبين تفويت ما يتوقف على ذلك المحرم من فعل الواجب وترك الحرام الذي هو ذو المقدمة فان كان هذا الدوران بغير اختيار المكلف صح دعوى انقلاب ذلك المحرم إلى كونه واجبا من جهة مقدميته لفعل الواجب أو لترك الحرام، أما إذا كان الدوران بسوء اختيار المكلف بحيث كان يمكن المكلف أن يفعل الواجب الذي هو ذو المقدمة بدون فعل الحرام الذي هو المقدمة أو كان يمكنه أن يترك الحرام بدون فعل المحرم الذي هو المقدمة وباختياره أوقع نفسه في الدوران المذكور لا ينقلب المحرم إلى الوجوب بل يبقى على تحريمه (قوله: ولم يقع) يعني ولم يضطر بسوء اختياره إلى الاقتحام في ترك ذي المقدمة أو الاقتحام في فعل الحرام الذي هو المقدمة، (قوله: أو فعل الحرام) معطوف على ترك الواجب وأحدهما على البدل يكون ذا المقدمة (قوله: ما هو قبيح) وهو المقدمة المحرمة (قوله: لو لا أن به التخلص) قيد لقوله: قبيح وحرام، وكذا قوله: بلا كلام، إذ المقدمة محرمة بلا كلام من الخصم لو لا جهة توقف التخلص عليها كالخروج فيما نحن

٣٩٥

كما هو المفروض في المقام ضرورة تمكنه منه قبل اقتحامه فيه بسوء اختياره، (وبالجملة) كان قبل ذلك متمكنا من التصرف خروجا كما يتمكن منه دخولا غاية الامر يتمكن منه بلا واسطة ومنه بالواسطة ومجرد عدم التمكن منه إلا بواسطة لا يخرجه عن كونه مقدورا كما هو الحال في البقاء فكما يكون تركه مطلوبا في جميع الاوقات فكذلك الخروج - مع أنه مثله في الفرعية على الدخول فكما لا تكون الفرعية مانعة عن مطلوبيته قبله وبعده كذلك لم تكن مانعة عن مطلوبيته وان كان العقل يحكم بلزومه إرشادا إلى اختيار أقل المحذورين وأخف القبيحين، ومن هنا ظهر حال شرب الخمر علاجا وتخلصا عن المهلكة وانه انما يكون مطلوبا على كل حال لو لم يكن الاضطرار إليه بسوء الاختيار وإلا فهو على ما هو عليه من الحرمة وان كان العقل يلزمه ارشادا إلى ما هو أهم وأولى بالرعاية من تركه

______________________________

فيه فانه حرام قطعا لو لا شبهة توقف التخلص من الغصب عليه (قوله: كما هو المفروض) قيد لقوله: يتمكن المكلف (قوله: تمكنه منه) أي من التخلص (قوله: اقتحامه فيه) يعني في الحرام (قوله: وبالجملة كان) رد على قول السائل: لانه لو لم يدخل... الخ (قوله: ذلك) اشارة إلى الاقتحام في الحرام بالدخول في الارض (قوله: يتمكن منه) يعني من الدخول (قوله: ومنه) يعني من الخروج (قوله: في جميع الاوقات) حتى قبل الدخول (قوله: مطلوبيته قبله) ضمير مطلوبيته راجع إلى البقاء وضمير (قبله وبعده) راجع إلى الدخول (قوله: وإن كان العقل) يعني بعد ما كان الخروج كالبقاء تصرفا محرما يدور الامر بينه وبين البقاء ويترجح هو عليه في نظر العقل لانه أقل المحذورين. ثم ان الطبعة البغدادية لا تخلو من نقص في المقام وأصل العبارة - كما في بعض النسخ الصحيحة - هكذا: يحكم بلزومه إرشادا إلى اختيار أقل المحذورين وأخف القبيحين، ومن هنا ظهر حال شرب الخمر علاجا وتخلصا عن المهلكة وأنه انما يكون مطلوبا على كل حال لو لم يكن

٣٩٦

لكون الغرض فيه أعظم فمن ترك الاقتحام فيما يؤدى إلى هلاك النفس أو شرب الخمر لئلا يقع في أشد المحذورين منهما فيصدق انه تركهما ولو بتركه ما لو فعله لادى لا محالة إلى أحدهما كسائر الافعال التوليدية حيث يكون العمد إليها بالعمد إلى اسبابها واختيار تركها بعدم العمد إلى الاسباب. وهذا يكفي في استحقاق العقاب على الشرب للعلاج وإن كان لازما عقلا للفرار عما هو اكثر عقوبة، ولو سلم عدم الصدق إلا بنحو السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع فهو غير ضائر بعد تمكنه من الترك ولو على نحو هذه السالبة ومن الفعل بواسطة تمكنه مما هو من قبيل الموضوع في هذه السالبة فيوقع نفسه بالاختيار في المهلكة أو يدخل الدار فيعالج بشرب الخمر

______________________________

الاضطرار إليه بسوء الاختيار وإلا فهو على ما هو عليه من الحرمة وان كان العقل يلزمه إرشادا إلى ما هو أهم وأولى... الخ (قوله: لكن الغرض) كذا في النسخة البغدادية والصحيح: لكون الغرض: وضمير فيه راجع إلى الاهم (قوله: من ترك الاقتحام) كذا في النسخة البغدادية والصحيح: فمن ترك، وجواب الشرط قوله: فيصدق وهذا رد على قول المستدل: فمن لم يشرب... الخ يعني أن من ترك الاقتحام فيما يؤدي إلى أحد الامرين من هلاك النفس وشرب الخمر بأن لم يعرض نفسه للهلاك الذي لا يندفع إلا بشرب الخمر يصدق عليه أنه تارك للهلاك وتارك لشرب الخمر (قوله: كسائر الافعال التوليدية) كان الاولى أن يقول: نظير الافعال التوليدية، فان شرب الخمر ليس من الافعال التوليدية (قوله: بالعمد إلى أسبابها) وان لم يتعلق العمد بها فان العمد المعتبر في ترتب العقاب غير العمد المعتبر في ترتب الثواب إذ يكفي في ترتب العقاب على المسبب العمد إلى السبب مع العلم بترتب المسبب عليه ولا يكفي ذلك في ترتب الثواب بل لا بد من العمد إلى المسبب نفسه (قوله: وان كان لازما) يعني الشرب لاجل العلاج (قوله: الا بنحو السالبة) كما اعترف به المستدل (قوله: فيوقع نفسه) بيان لكيفية التمكن من الفعل،

٣٩٧

ويتخلص بالخروج أو يختار ترك الدخول والوقوع فيهما لئلا يحتاج إلى التخلص والعلاج (إن قلت): كيف يقع مثل الخروج والشرب ممنوعا عنه شرعا ومعاقبا عليه عقلا مع بقاء ما يتوقف عليه على وجوبه لسقوط الوجوب مع امتناع المقدمة المنحصرة ولو كان بسوء الاختيار والعقل قد استقل بأن الممنوع شرعا كالممتنع عادة أو عقلا (قلت): أولا إنما كان الممنوع كالممتنع إذا لم يحكم العقل بلزومه إرشادا إلى ما هو أقل المحذورين وقد عرفت لزومه بحكمه فانه مع لزوم الاتيان بالمقدمة عقلا لا بأس في بقاء ذي المقدمة على وجوبه فانه حينئذ ليس من التكليف بالممتنع كما إذا كانت المقدمة ممتنعة (وثانيا) لو سلم فالساقط إنما هو الخطاب فعلا بالبعث والايجاب لا لزوم اتيانه عقلا خروجا عن عهدة ما تنجز عليه سابقا ضرورة أنه لو لم يأت به لوقع في المحذور الاشد ونقض الغرض الاهم حيث

______________________________

(قوله: أو يختار ترك) بيان لكيفية التمكن من الترك (قوله: مع بقاء ما يتوقف) يعني فإذا امتنع الجمع بين حرمة المقدمة ووجوب ذيها فاما أن يسقط الوجوب فلا باعث على الخروج أو يسقط التحريم وهو المطلوب (قوله: قلت أولا) يعني أن الممنوع شرعا انما كان كالممتنع عقلا من جهة أن المنع الشرعي موجب لمنع العقل وفى ظرف المنع العقلي عن المقدمة لا يترتب البعث العقلي على التكليف بذيها لتضادهما كما لو كانت ممتنعة أما إذا كان العقل لا يمنع من فعل المقدمة بل كان يبعث إلى فعلها لانها أقل المحذورين فلا مانع من التكليف بذي المقدمة ففي الحقيقة لا جمع بين حرمة المقدمة ووجوب ذيها بل ليس إلا وجوب ذيها لا غير وحرمة المقدمة ساقطة بالاضطرار إلى مخالفتها أو مخالفة الوجوب بضميمة كون مخالفتها أهون المحذورين، لكن سقوط مثل هذا التحريم نظير السقوط بالامتناع لا ينافي كون الفعل ممنوعا عنه شرعا لو لا الامتناع ويستحق العقاب على مخالفته ولو لاجل الامتناع وليس المدعى الا ذلك (قوله: إنما هو الخطاب) التكليف الذي يصلح للسقوط والثبوت ليس الا التكليف الاعتباري وهو جعل الكلفة المساوق للبعث العقلي

٣٩٨

أنه الآن كما كان عليه من الملاك والمحبوبية بلا حدوث قصور أو طروء فتور فيه أصلا وانما كان سقوط الخطاب لاجل المانع وإلزام العقل به لذلك إرشادا كاف لا حاجة معه إلى بقاء الخطاب بالبعث إليه والايجاب له فعلا فتدبر جيدا، وقد ظهر مما حققناه فساد القول بكونه مأمورا به مع إجراء حكم المعصية عليه نظرا إلى النهي السابق - مع ما فيه من لزوم اتصاف فعل واحد بعنوان واحد بالوجوب والحرمة ولا يرتفع غائلته باختلاف زمان التحريم والايجاب قبل الدخول أو بعده كما في الفصول مع اتحاد زمان الفعل المتعلق لهما وإنما المفيد اختلاف زمانه ولو مع اتحاد زمانهما وهذا أوضح من أن يخفى كيف ولازمه وقوع الخروج بعد الدخول عصيانا للنهي السابق وإطاعة للامر اللاحق فعلا ومبغوضا ومحبوبا كذلك بعنوان واحد. وهذا

______________________________

وأما الخطاب فهو لا يقبل ذلك لانه تدريجي متصرم. نعم يصلح للاتصاف بالحسن والقبح فيقال: يحسن الخطاب ويقبح، لكن حسنه وقبحه أيضا منوطان بترتب البعث العقلي عليه وعدمه ولا ينفك أحدهما عن الآخر فمع فرض أهمية الواجب يكون هو المبعوث إليه والواجب والمكلف به والذي يحسن الخطاب به (قوله: انه الآن) يعني بعد الاضطرار والدوران كما كان عليه قبلهما (قوله: السابق) يعني الساقط حين حدوث الاضطرار قبل الخروج ولذا كان الخروج بحكم المعصية لا معصية (قوله: كما في الفصول) واستدل عليه بانه لو كانت مبغوضية شئ في زمان مضادة لمطلوبيته في زمان آخر لامتنع البداء في حقنا مع وضوح جوازه وإنما لا يترتب هنا أثر الاول لرفع البداء له بخلاف المقام... الخ (أقول): المناسب تمثيل المقام بالبداء الحقيقي في حقه سبحانه فإذا كان مستحيلا كانت المحبوبية والمبغوضية في زمان لشئ واحد في زمان واحد كذلك لا بالبداء في حقنا إذ المصحح له في حقنا الجهل بالخصوصيات التي عليها الشئ واقعا والمقام ليس كذلك (قوله: مع اتحاد زمان) فان الفعل الواحد في زمان واحد لا يجتمع فيه ملاكا المحبوبية والمبغوضية ولو في زمانين (قوله: عصيانا للنهي)

٣٩٩

مما لا يرضى به القائل بالجواز فضلا عن القائل بالامتناع كما لا يجدي في رفع هذه الغائلة كون النهي مطلقا وعلى كل حال وكون الامر مشروطا بالدخول ضرورة منافات حرمة شئ كذلك مع وجوبه في بعض الاحوال (وأما) القول بكونه مأمورا به ومنهيا عنه ففيه - مضافا إلى ما عرفت من امتناع الاجتماع فيما إذا كان بعنوانين فضلا عما إذا كان بعنوان واحد كما في المقام حيث كان الخروج بعنوانه سببا للتخلص وكان بغير اذن المالك وليس التخلص الا منتزعا عن ترك الحرام المسبب(١) عن الخروج لا عنوانا له - أن الاجتماع هاهنا لو سلم انه لا يكون بمحال لتعدد العنوان وكونه مجديا في رفع غائلة التضاد كان محالا لاجل كونه طلب

______________________________

قد عرفت أن تضاد هذه الامور بتوسط تنافي ملاكاتها (قوله: وكون الامر مشروطا) هذا ذكره في الفصول لا بقصد رفع الاشكال بحيثيتي الاطلاق والاشتراط بل لتحقيق اختلاف زماني الحكمين وعليه فلا بد أن يكون المراد بالاطلاق عدم الاشتراط بالدخول لا الشامل لما بعد الدخول بقرينة قوله: فهما غير مجتمعين، وبنائه على سقوط النهي بالاضطرار المسقط له عقلا فكيف يكون له إطلاق يشمل حال الاضطرار ؟ (قوله: بعنوانه سببا) يعني بعنوانه الاولي فيكون واجبا بعنوانه الاولي كما تقدم في مبحث المقدمة (قوله: وكان بغير) يعني وكان بعنوانه الاولي بغير إذن المالك فيكون المحرم الخروج غير

______________

(١) قد عرفت مما علقت على الهامش ان ترك الحرام غير مسبب عن الخروج حقيقة وانما المسبب عنه هو الملازم له وهو الكون في خارج الدار. نعم يكون مسببا عنه مسامحة وعرضا وقد انقدح بذلك انه لا دليل في البين إلا على حرمة الغصب المقتضي لاستقلال العقل بلزوم الخروج من باب انه اقل المحذورين وانه لا دليل على وجوبه بعنوان آخر فحينئذ يجب اعماله ايضا بناء على القول بجواز الاجتماع كاحتمال النهي عن الغصب ليكون الخروج مأمورا به ومنهيا عنه فافهم. (منه قدس سره) (*)

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571