حقائق الاصول الجزء ١

حقائق الاصول13%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 571

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 571 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 212014 / تحميل: 5773
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

لم يكن جيش فرعون مانعا من العذاب الإلهي ، ولم تكن سعة مملكتهم وأموالهم وثراؤهم سببا لرفع هذا العذاب ، ففي النهاية أغرقوا في أمواج النيل المتلاطمة إذ أنّهم كانوا يتباهون بالنيل ، فبماذا تفكرون لأنفسكم وأنتم أقل عدّة وعددا من فرعون وأتباعه وأضعف؟! وكيف تغترون بأموالكم وأعدادكم القليلة؟!

«الوبيل» : من (الوبل) ويراد به المطر الشديد والثقيل ، وكذا يطلق على كل ما هو شديد وثقيل بالخصوص في العقوبات ، والآية تشير إلى شدّة العذاب النازل كالمطر.

ثمّ وجه الحديث إلى كفّار عصر بنيّ الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويحذرهم بقوله :( فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً ) (١) (٢) .

بلى إنّ عذاب ذلك اليوم من الشدّة والثقيل بحيث يجعل الولدان شيبا ، وهذه كناية عن شدّة ذلك اليوم.

هذا بالنسبة لعذاب الآخرة ، وهناك من يقول : إنّ الإنسان يقع أحيانا في شدائد العذاب في الدنيا بحيث يشيب منها الرأس في لحظة واحدة.

على أي حال فإنّ الآية تشير إلى أنّكم على فرض أنّ العذاب الدنيوي لا ينزل عليكم كما حدث للفراعنة؟ فكيف بكم وعذاب يوم القيامة؟

في الآية الاخرى يبيّن وصفا أدقّ لذلك اليوم المهول فيضيف :( السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً ) .

إنّ الكثير من الآيات الخاصّة بالقيامة وأشراط الساعة تتحدث عن

__________________

(١) يوما مفعول به لتتقون ، و «تتقون» ذلك اليوم يراد به تتقون عذاب ذلك اليوم ، وقيل (يوم) ظرف لـ (تتقون) أو مفعول به لـ (كفرتم) والاثنان بعيدان.

(٢) «شيب» جمع (أشيب) ويراد به المسن ، وهي من أصل مادة شيب ـ على وزن عيب ـ والمشيب يعني تغير لون الشعر إلى البياض.

١٤١

انفجارات عظيمة وزلازل شديدة ومتغيرات سريعة ، والآية أعلاه تشير إلى جانب منها.

فما حيلة الإنسان الضعيف العاجز عند ما يرى تفطر السموات بعظمتها لشدّة ذلك اليوم؟!(١)

وفي النّهاية يشير القرآن إلى جميع التحذيرات والإنذارات السابقة فيقول تعالى :( إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ ) .

إنّكم مخيرون في اختيار السبيل ، فمن شاء اتّخذ إلى ربّه سبيلا ، ولا فضيلة في اتّخاذ الطريق إلى الله بالإجبار والإكراه ، بل الفضيلة أن يختار الإنسان السبيل بنفسه وبمحض إرادته.

والخلاصة أنّ الله تعالى هدى الإنسان إلى النجدين ، وجعلهما واضحين كالشمس المضيئة في وضح النهار ، وترك الإختيار للإنسان نفسه حتى يدخل في طاعته سبحانه بمحض إرادته ، وقد احتملت احتمالات متعددة في سبب الإشارة إلى التذكرة ، فقد قيل أنّها إشارة إلى المواعظ التي وردت في الآيات السابقة ، وقيل هي إشارة إلى السورة بكاملها ، أو إشارة إلى القرآن المجيد.

ولعلها إشارة إلى إقامة الصلاة وقيام الليل كما جاء في الآيات من السورة ، والمخاطب هو النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والآية تدل على توسعة الخطاب وتعميمه لسائر المسلمين ، ولهذا فإنّ المراد من «السبيل» في الآية هو صلاة الليل ، والتي تعتبر سبيل خاصّ ومهمّة تهدي إلى الله تعالى ، كما ذكرت في الآية (٢٦) من سورة الدهر بعد أن أشير إلى صلاة الليل بقوله تعالى :( وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً ) .

ويقول بعد فاصلة قصيرة :( إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً )

__________________

(١) «المنفطر» : من الانفطار بمعنى الإنشقاق ، والضمير (به) يعود لليوم ، والمعنى السماء منشقة بسبب ذلك اليوم والسماء جائزة للوجهين أي أنّه تذكر وتؤنث.

١٤٢

وهي بعينها الآية التي نحن بصدد البحث فيها(١) .

وبالطبع هذا التّفسير مناسب ، والأنسب منه أن تكون الآية ذات مفهوم أوسع حيث تستوعب هذه السورة جميع مناهج صنع الإنسان وتربيته كما أشرنا إلى ذلك سابقا.

* * *

ملاحظة

المراحل الأربع للعذاب الإلهي

الآيات السابقة تهدد المكذبين المغرورين بأربعة أنواع من العذاب الأليم : النكال ، الجحيم ، الطعام ذو الغصّة ، والعذاب الأليم ، هذه العقوبات في الحقيقة هي تقع في مقابل أحوالهم في هذه الحياة الدنيا.

فمن جهة كانوا يتمتعون بالحرية المطلقة.

الحياة المرفهة ثانيا.

لما لهم من الأطعمة السائغة من جهة ثالثة.

والجهة الرابعة لما لهم من وسائل الراحة ، وهكذا سوف يجزون بهذه العقوبات لما قابلوا هذه النعم بالظلم وسلب الحقوق والكبر والغرور والغفلة عن الله تعالى.

* * *

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ١٤٧.

١٤٣

الآية

( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٠) )

التّفسير

فاقرؤوا ما تيسر من القرآن :

هذه الآية هي من أطول آيات هذه السورة وتشتمل على مسائل كثيرة ، وهي مكملة لمحتوى الآيات السابقة ، وهناك أقوال كثيرة للمفسّرين حول ما إذا كانت

١٤٤

هذه الآية ناسخة لحكم صدر السورة أم لا ، وكذلك في مكّيتها أو مدنيتها ، ويتّضح لنا جواب هذه الأسئلة بعد تفسير الآية.

فيقول تعالى :( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ ) (١) .

الآية تشير إلى نفس الحكم الذي أمر به الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صدر السورة من قيام الليل والصلاة فيه ، وما أضيف في هذه الآية هو اشتراك المؤمنين في العبادة مع النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (بصيغة حكم استحبابي أو باحتمال حكم وجوبي لأنّ ظروف صدر الإسلام كانت تتجاوب مع بناء ذواتهم والاستعداد للتبليغ والدفاع عنه بالدروس العقائدية المقتبسة من القرآن المجيد ، وكذا بالعمل والأخلاق وقيام الليل ، ولكن يستفاد من بعض الرّوايات أنّ المؤمنين كانوا قد وقعوا في إشكالات ضبط الوقت للمدة المذكورة (الثلث والنصف والثلثين) ولذا كانوا يحتاطون في ذلك ، وكان ذلك يستدعي استيقاظهم طول الليل والقيام حتى تتورم أقدامهم ، ولذا بني هذا الحكم على التخفيف ، فقال :( عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) .

«لن تحصوه» : من (الإحصاء) وهو عد الشيء ، أي علم أنّكم لا تستطيعون إحصاء مقدار الليل الذي أمرتم بقيامه والإحاطة بالمقادير الثلاثة.

وقال البعض : إنّ معنى الآية أنّكم لا تتمكنون من المداومة على هذا العمل طيلة أيّام السنة ، ولا يتيسر لعامّة المكلّفين إحصاء ذلك لاختلاف الليالي طولا وقصرا ، مع وجود الوسائل التي توقظ الإنسان.

والمراد بـ( فَتابَ عَلَيْكُمْ ) خفف عليكم التكاليف ، وليس التوبة من الذنب ، ويحتمل أنّه في حال رفع الحكم الوجوبي لا يوجد ذنب من الأساس ، والنتيجة

__________________

(١) يجب الالتفات إلى أنّ (نصفه) و (ثلثه) معطوف على أدنى وليس على (ثلثي الليل) فيكون المعنى أنّه يعلم أنّك تقوم بعض الليالي أدنى من ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه ،. كذا الالتفات إلى أن أدنى تقال لما يقرب من الشيء ، وهنا إشارة إلى الزمن التقريبي.

١٤٥

تكون مثل المغفرة الإلهية.

وأمّا عن معنى الآية :( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) فقد قيل في تفسيرها أقوال ، فقال بعضهم : إنّها تعني صلاة الليل التي تتخللها قراءة الآيات القرآنية ، وقال الآخرون : إنّ المراد منها قراءة القرآن ، وإن لم تكن في أثناء الصلاة ، وفسّرها البعض بخمسين آية ، وقيل مائة آية ، وقيل مائتان ، ولا دليل على ذلك ، بل إنّ مفهوم الآية هو قراءة ما يتمكن عليه الإنسان.

وبديهي أنّ المراد من قراءة القرآن هو تعلم الدروس لبناء الذات وتقوية الإيمان والتقوى.

ثمّ يبيّن دليلا آخرا للتخفيف فيضيف تعالى :( عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ) ، وهذا تخفيف آخر كما قلنا في الحكم ، ولذا يكرر قوله «فاقرؤوا ما تيسر منه» ، والواضح أنّ المرض والأسفار والجهاد في سبيل الله ذكرت بعنوان ثلاثة أمثلة للأعذار الموجهة ولا تعني الحصر ، والمعنى هو أنّ الله يعلم أنّكم سوف تلاقون ، كثيرا من المحن والمشاكل الحياتية ، وبالتالي تؤدي إلى قطع المنهج الذي أمرتم به ، فلذا خفف عليكم الحكم.

وهنا يطرح هذا السؤال ، وهو : هل أنّ هذا الحكم ناسخ للحكم الذي ورد في صدر السورة ، أم هو حكم استثنائي؟ طاهر الآيات يدل على النسخ ، وفي الحقيقة أنّ الغرض من الحكم الأوّل في صدر السورة هو إقامة المنهج العبادي ، وهذا ما حصل لمدّة معينة ثمّ نسخ بعد ذلك بهذه الآية ، وأصبح أخف من ذي قبل ، لأنّ ظاهر الآية يدل على وجود معذورين ، فلذا حفف الحكم على الجميع ، وليس للمعذورين فحسب ، ولذا لا يمكن أن يكون حكما استثنائيا بل هو حكم ناسخ.

ويرد سؤال آخر ، هو : هل أنّ الحكم المذكور بقراءة ما تيسّر من القرآن واجب أم مستحب؟ إنّه مستحب ، واحتمل البعض الآخر الوجوب ، لأنّ قراءة القرآن تبعث على معرفة دلائل التوحيد ، وإرسال الرسل ، وواجبات الدين ، وعلى

١٤٦

هذا الأساس تكون القراءة واجبة.

ولكن يجب الالتفات إلى أنّ الإنسان لا يلزم بقراءة القرآن ليلا أثناء صلاة الليل ، بل يجب على المكلّف أن يقرأ بمقدار ما يحتاجه للتعليم والتربية لمعرفة اصول وفروع الإسلام وحفظه وإيصاله إلى الأجيال المقبلة ، ولا يختص ذلك بزمان ومكان معينين ، والحقّ هو وجوب القراءة لما في ظاهر الأمر (فاقرؤا كما هو مبيّن في اصول الفقه) إلّا أن يقال بقيام الإجماع على عدم الوجوب ، فيكون حينها مستحبا ، والنتيجة هي وجوب القراءة في صدر الإسلام لوجود الظروف الخاصّة لذلك ، واعطي التخفيف بالنسبة للمقدار والحكم ، وظهر الاستحباب بالنسبة للمقدار الميسّر ، ولكن صلاة الليل بقيت واجبة على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طيلة حياته (بقرينة سائر الآيات والرّوايات).

ونقرأ في حديث ورد عن الإمام الباقرعليه‌السلام حيث يقول : «... متى يكون النصف والثلث نسخت هذه الآية( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) واعلموا أنّه لم يأت نبيّ قط إلّا خلا بصلاة الليل ، ولا جاء نبي قط صلاة الليل في أوّل الليل»(١) .

والملاحظ في الآية ذكر ثلاثة نماذج من الأعذار ، أحدها يتعلق بالجسم (المرض) ، والآخر بالمال (السفر) ، والثالث بالدين (الجهاد في سبيل الله) ، ولذا قال البعض : إنّ المستفاد من الآية هو السعي للعيش بمثابة الجهاد في سبيل الله! وقالوا : إنّ هذه الآية مدنيّة بدليل سياقها في وجوب الجهاد ، إلّا أنّ الجهاد لم يكن في مكّة ، ولكن بالالتفات إلى قوله :( سَيَكُونُ ) يمكن أن تكون الآية مخبرة على تشريع الجهاد في المستقبل ، أي بسبب ما لديكم من الأعذار وما سيكون من الأعذار ، لم يكن هذا الحكم دائميا ، وبهذا الصورة يمكن أن تكون الآية مكّية ولا منافاة في ذلك.

ثمّ يشير إلى أربعة أحكام اخرى ، وبهذه الطريقة يكمل البناء الروحي للإنسان فيقول:( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَما

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ٤٥١.

١٤٧

تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .

هذه الأوامر الأربعة (الصلاة ، الزكاة ، القروض المستحبة ، الاستغفار) مع الأمر بالقراءة والتدبر في القران الذي ورد من قبل تشكّل بمجموعها منهجا للبناء الروحي ، وهذا مهم للغاية بالخصوص لمن كان في عصر صدر الإسلام.

والمراد من «الصلاة» هنا الصلوات الخمس المفروضة ، والمراد من «الزكاة» الزكاة المفروضة ومن إقراض الله تعالى هو إقراض الناس ، وهذه من أعظم العبارات المتصورة في هذا الباب ، فإنّ مالك الملك يستقرض بمن لا يملك لنفسه شيئا ، ليرغبهم بهذه الطريقة للإنفاق والإيثار واكتساب الفضائل منها وليتربى ويتكامل بهذه الطريقة.

وذكر «الاستغفار» في آخر هذه الأوامر يمكن أن يكون إشارة إلى هذا المعنى وإيّاكم والغرور إذا ما أنجزتم هذه الطاعات ، وبأنّ تتصوروا بأنّ لكم حقّا على الله ، بل اعتبروا أنفسكم مقصرين على الدوام واعتذروا لله.

ويرى البعض أنّ التأكيد على هذه الأوامر هو لئلا يتصور المسلّم أنّ التخفيف سار على جميع المناهج والأوامر الدينية كما هو الحال في التخفيف الذي امر به النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه في قيام وقراءة القرآن ، بل إنّ المناهج والأوامر الدينية باقية على متانتها وقوّتها(١) .

وقيل إنّ ذكر الزكاة المفروضة في هذه الآية هو دليل آخر على مدنيّة هذه الآية ، لأنّ حكم الزكاة نزل بالمدينة وليس في مكّة ، ولكن البعض قال : إنّ حكم الزكاة نزل في مكّة من غير تعيين نصاب ومقدار لها ، والذي فرض بالمدينة تعيين الأنصاب والمقادير.

* * *

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ١٥٦.

١٤٨

ملاحظات

١ ـ ضرورة الاستعداد العقائدي والثقافي

لغرض إيجاد ثورة واسعة في جميع الشؤون الحياتية أو إنجاز عمل اجتماعي ذي أهمية لا بدّ من وجود قوّة عزم بشرية قبل كل شيء ، وذلك مع الإعتقاد الراسخ ، والمعرفة الكاملة ، والتوجيه والفكري والثقافي الضروري والتربوي ، والتربية الأخلاقية ، وهذا ما قام به النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مكّة في السنوات الاولى للبعثة ، بل في مدّة حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولوجود هذا الأساس المتين للبناء أخذ الإسلام بالنمو السريع والرشد الواسع من جميع الجهات.

وما جاء في هذه السورة هو نموذج حي ومنطقي لهذا المنهج المدروس ، فقد خلّف القيام لثلثي الليل أو ثلثه وقراءة القرآن والتمعن فيه أثرا بالغا في أرواح المؤمنين ، وهيأهم لقبول القول الثقيل والسبح الطويل ، وتطبيق هذه الأوامر التي هي أشدّ وطأ وأقوم قيلا كما يعبّر عنه القرآن ، هي التي أعطتهم هذه الموفقية ، وجهزت هذه المجموعة المؤمنة القليلة ، والمستضعفة والمحرومة بحيث أهلتهم لإدارة مناطق واسعة من العالم ، وإذا ما أردنا نحن المسلمين إعادة هذه العظمة والقدرة القديمة علينا أن نسلك هذا الطريق وهذا المنهج ، ولا يجب علينا إزالة حكومة الصهاينة بالاعتماد على أناس عاجزين وضعفاء لم يحصلوا على ثقافة أخلاقية.

٢ ـ قراءة القرآن والتفكر

يستفاد من الرّوايات الإسلامية أنّ فضائل قراءة القرآن ليس بكثرة القراءة ، بل في حسن القراءة والتدبر والتفكر فيها ، ومن الطريف أنّ هناك رواية

وردت عن الإمام الرضاعليه‌السلام في تفسير ذيل الآية :( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ ) رواها عن

١٤٩

جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما تيسّر منه لكم فيه خشوع القلب وصفاء السر»(١) ، لم لا يكون كذلك والهدف الأساس للقراءة هو التعليم والتربية.

والرّوايات في هذا المعنى كثيرة.

٣ ـ السعي للعيش كالجهاد في سبيل الله

كما عرفنا من الآية السابقة فإنّ السعي لطلب الرزق جعل مرادفا للجهاد في سبيل الله ، وهذا يشير إلى أنّ الإسلام يعير أهمية بالغه لهذا الأمر ، ولم لا يكون كذلك فلأمّة الفقيرة والجائعة المحتاجة للأجنبي لا يمكن لها أن تحصل على الاستقلال والرفاه ، والمعروف أنّ الجهاد الاقتصادي هو قسم من الجهاد مع الأعداء ، وقد نقل في هذا الصدد قول عن الصحابي المشهور عبد الله بن مسعود : «أيما رجل جلب شيئا إلى مدينة من مدائن المسلمين صابرا محتسبا فباعه بسعر يومه كان عند الله بمنزلة الشهداء» ثمّ قرأ :( وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ ) (٢) .

اللهم! وفقنا للجهاد بكلّ أبعاده.

ربّنا! وفقنا لقيام الليل وقراءة القرآن الكريم وتهذيب أنفسنا بواسطة هذا النور السماوي.

ربّنا! منّ على مجتمعنا الإسلامي بمقام الرفعة والعظمة بالإلهام من هذه السورة العظيمة.

آمين ربّ العالمين

نهاية سورة المزّمل

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٢.

(٢) مجمع البيان ، وتفسير أبي الفتوح ، وتفسير القرطبي ، ذيل الآية مورد البحث وقد نقل القرطبي حديثا عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشابه هذه الحديث ، فيستفاد من ذلك أنّ عبد الله بن مسعود قد ذكر الحديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس هو من قوله.

١٥٠
١٥١

سورة

المدّثّر

مكيّة

وعدد آياتها ستّ وخمسون آية

١٥٢

«سورة المدّثّر»

محتوى السورة :

لا شك أنّ هذه السورة هي من السور المكّية ولكن هناك تساؤل عن أنّ هذه السورة هل هي الاولى النازلة على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم نزلت بعد سورة العلق؟

يتّضح من التمعن في محتوى سورة العلق والمدثر أنّ سورة العلق نزلت في بدء الدعوة ، وأنّ سورة المدثر نزلت في زمن قد امر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه بالدعوة العلنية ، وانتهاء فترة الدعوة السرّية ، لذا قال البعض أنّ سورة العلق هي أوّل سورة نزلت في صدر البعثة ، والمدثر هي السورة الاولى التي نزلت بعد الدعوة العلنية ، وهذا الجمع هو الصحيح.

ومهما يكن فإنّ سياق السور المكّية التي تشير إلى الدعوة وإلى المبدأ والمعاد ومقارعة الشرك وتهديد المخالفين وإنذارهم بالعذاب الإلهي واضح الوضوح في هذه السورة.

يدور البحث في هذه السورة حول سبعة محاور وهي :

١ ـ يأمر الله تعالى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإعلان الدعوة العلنية ، ويأمر أن ينذر المشركين ، وتمسك بالصبر والاستقامة في هذا الطريق والاستعداد الكامل لخوض هذا الطريق.

٢ ـ تشير إلى المعاد وأوصاف أهل النّار الذين واجهوا القرآن بالتكذيب والإعراض عنه.

١٥٣

٣ ـ الإشارة إلى بعض خصوصيات النّار مع إنذار الكافرين.

٤ ـ التأكيد على المعاد بالأقسام المكررة.

٥ ـ ارتباط عاقبة الإنسان بعمله ، ونفي كل أنواع التفكر غير المنطقي في هذا الإطار.

٦ ـ الإشارة إلى قسم من خصوصيات أهل النّار وأهل الجنّة وعواقبهما.

٧ ـ كيفية فرار الجهلة والمغرورين من الحقّ.

فضيلة السورة :

ورد في حديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من قرأ سورة المدثر اعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بمحمّد وكذب به بمكّة»(١) .

وورد في حديث آخر عن الإمام الباقرعليه‌السلام قال : «من قرأ في الفريضة سورة المدثر كان حقّا على الله أن يجعله مع مجمّد في درجته ، ولا يدركه في حياة الدنيا شقاء أبدا»(٢)

وبديهي أنّ هذه النتائج العظيمة لا تتحقق بمجرّد قراءة الألفاظ فحسب ، بل لا بدّ من التمعن في معانيها وتطبيقها حرفيا.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٣.

(٢) المصدر السابق.

١٥٤

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥) وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (٧) فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٨) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩) عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (١٠) )

التّفسير

قم وانذر النّاس :

لا شك من أنّ المخاطب في هذه الآيات هو النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن لم يصرح باسمه ، ولكن القرائن تشير إلى ذلك ، فيقول أوّلا :( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ ) فلقد ولى زمن النوم الاستراحة ، وحان زمن النهوض والتبليغ ، وورد التصريح هنا بالإنذار مع أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مبشر ونذير ، لأنّ الإنذار له أثره العميق في إيقاظ الأرواح النائمة خصوصا في بداية العمل.

وأورد المفسّرون احتمالات كثيرة عن سبب تدثرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودعوته إلى القيام والنهوض.

١ ـ اجتمع المشركون من قريش في موسم الحج وتشاور الرؤساء منهم

١٥٥

كأبي جهل وأبي سفيان والوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث وغيرهم في ما يجيبون به عن أسئلة القادمين من خارج مكّة وهم يناقشون أمر النّبي الذي قد ظهر بمكّة ، وفكروا في وأن يسمّي كلّ واحد منهم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باسم ، ليصدوا الناس عنه ، لكنّهم رأوا في ذلك فساد الأمر لتشتت أقوالهم ، فاتفقوا في أن يسمّوه ساحرا ، لأنّ أحد آثار السحرة الظاهرة هي التفريق بين الحبيب وحبيبه ، وكانت دعوة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أثّرت هذا الأثر بين الناس! فبلغ ذلك النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتأثر واغتم لذلك ، فأمر بالدثار وتدثر ، فأتاه جبرئيل بهذه الآيات ودعاه إلى النهوض ومقابلة الأعداء.

٢ ـ إنّ هذه الآيات هي الآيات الأولى التي نزلت على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما نقله جابر بن عبد الله قال : جاوزت بحراء فلمّا قضيت جواري نوديت يا محمّد ، أنت رسول الله ، فنظرت عن يميني فلم أر شيئا ، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا ، ونظرت خلفي فلم أر شيئا ، فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض ، فملئت منه رعبا ، فرجعت إلى خديجة وقلت : «دثروني دثروني ، واسكبوا عليّ الماء البارد» ، فنزل جبرئيل بسورة :( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) .

ولكن بلحاظ أن آيات هذه السورة نظرت للدعوة العلنية ، فمن المؤكّد أنّها نزلت بعد ثلاث سنوات من الدعوة الخفية ، وهذا لا ينسجم والروية المذكورة ، إلّا أن يقال بأنّ بعض الآيات التي في صدر السورة قد نزلت في بدء الدعوة ، والآيات الأخرى مرتبطة بالسنوات التي تلت الدعوة.

٣ ـ إنّ النّبي كان نائما وهو متدثر بثيابه فنزل عليه جبرائيلعليه‌السلام موقظا إيّاه ، ثمّ قرأ عليه الآيات أن قم واترك النوم واستعد لإبلاغ الرسالة.

٤ ـ ليس المراد بالتدثر التدثر بالثياب الظاهرية ، بل تلبسهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنبوّة والرسالة كما قيل في لباس التقوى.

١٥٦

٥ ـ المراد به اعتزالهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانزواؤه واستعد لإنذار الخلق وهداية العباد(١) والمعني الأوّل هو الأنسب ظاهرا.

ومن الملاحظ أنّ جملة (فانذر) لم يتعين فيها الموضوع الذي ينذر فيه ، وهذا يدل على العمومية ، يعني إنذار الناس من الشرك وعبادة الأصنام والكفر والظلم والفساد ، وحول العذاب الإلهي والحساب المحشر إلخ (ويصطلح على ذلك بأن حذف المتعلق يدل على العموم). ويشمل ضمن ذلك العذاب الدنيوي والعذاب الاخروي والنتائج السيئة لأعمال الإنسان التي سيبتلى بها في المستقبل.

ثم يعطي للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسة أوامر مهمّة بعد الدعوة إلى القيام والإنذار ، تعتبر منهاجا يحتذي به الآخرون ، والأمر الأوّل هو في التوحيد ، فيقول :( وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ) (٢) .

ذلك الربّ الذي هو مالكك مربيك ، وجميع ما عندك فمنه تعالى ، فعليك أن تضع غيره في زاوية النسيان وتشجب على كلّ الآلهة المصطنعة ، وامح كلّ آثار الشرك وعبادة الأصنام.

ذكر كلمة (ربّ) وتقديمها على (كبّر) الذي هو يدل على الحصر ، فليس المراد من جملة «فكبر» هو (الله أكبر) فقط ، مع أنّ هذا القول هو من مصاديق التكبير كما ورد من الرّوايات ، بل المراد منه أنسب ربّك إلى الكبرياء والعظمة اعتقادا وعملا ، قولا فعلا وهو تنزيهه تعالى من كلّ نقص وعيب ، ووصفه

__________________

(١) أورد الفخر الرازي هذه التفاسير الخمسة بالإضافة إلى احتمالات أخرى في تفسيره الكبير ، واقتبس منه البعض الآخر من المفسّرين (تفسير الفخر الرازي ، ج ٣٠ ، ص ١٨٩ ـ ١٩٠).

(٢) الفاء من (فكبر) زائدة للتأكيد بقول البعض ، وقيل لمعنى الشرط ، والمعنى هو : لا تدع التكبير عند كلّ حادثة تقع ، (يتعلق هذا القول بالآيات الاخرى الآتية أيضا).

١٥٧

بأوصاف الجمال ، بل هو أكبر من أن يوصف ، ولذا ورد في الرّوايات عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام في معنى الله أكبر : «الله أكبر من أن يوصف» ، ولذا فإنّ التكبير له مفهوم أوسع من التسبيح الذي هو تنزيهه من كل عيب ونقص.

ثمّ صدر الأمر الثّاني بعد مسألة التوحيد ، ويدور حول الطهارة من الدنس فيضيف :( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) ، التعبير بالثوب قد يكون كناية عن عمل الإنسان ، لأنّ عمل الإنسان بمنزلة لباسه ، وظاهره مبين لباطنه ، وقيل المراد منه القلب والروح ، أي طهر قلبك وروحك من كلّ الأدران ، فإذا وجب تطهير الثوب فصاحبه اولى بالتطهير.

وقيل هو اللباس الظاهر ، لأنّ نظافة اللباس دليل على حسن التربية والثقافة ، خصوصا في عصر الجاهلية حيث كان الاجتناب من النجاسة قليلا وإن ملابسهم وسخة غالبا ، وكان الشائع عندهم تطويل أطراف الملابس (كما هو شائع في هذا العصر أيضا) بحيث كان يسحل على الأرض ، وما ورد عن الإمام الصّادقعليه‌السلام في معنى أنّه : «ثيابك فقصر»(١) ، ناظر إلى هذا المعنى.

وقيل المراد بها الأزواج لقوله تعالى :( هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ ) (٢) ، والجمع بين هذه المعاني ممكن ، والحقيقة أنّ الآية تشير إلى أنّ القادة الإلهيين يمكنهم إبلاغ الرسالة عند طهارة جوانبهم من الأدران وسلامة تقواهم ، ولذا يستتبع أمر إبلاغ الرسالة ولقيام بها أمر آخر ، هو النقاء والطهارة.

ويبيّن تعالى الأمر الثّالث بقوله :( وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ) المفهوم الواسع للرجز كان سببا لأن تذكر في تفسيره أقوال مختلفة ، فقيل : هو الأصنام ، وقيل : المعاصي ، وقيل : الأخلاق الرّذيلة الذميمة ، وقيل : حبّ الدنيا الذي هو رأس كلّ خطيئة ، وقيل هو العذاب الإلهي النازل بسبب الترك والمعصية ، وقيل : كل ما يلهي

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٥.

(٢) البقرة ، ١٨٧.

١٥٨

عن ذكر الله.

والأصل أنّ معنى «الرجز» يطلق على الاضطراب والتزلزل(١) ثمّ اطلق على كل أنواع الشرك ، عبادة الأصنام ، والوساوس الشيطانية والأخلاق الذميمة والعذاب الإلهي التي تسبب اضطراب الإنسان ، فسّره البعض بالعذاب(٢) ، وقد اطلق على الشرك والمعصية والأخلاق السيئة وحبّ الدّنيا تجلبه من العذاب.

وما تجدر الإشارة إليه أنّ القرآن الكريم غالبا ما استعمل لفظ «الرجز» بمعنى العذاب(٣) ، ويعتقد البعض أنّ كلمتي الرجز والرجس مرادفان(٤) .

وهذه المعاني الثلاثة ، وإن كانت متفاوتة ، ولكنّها مرتبطة بعضها بالآخر ، وبالتالي فإنّ للآية مفهوما جامعا ، وهو الانحراف والعمل السيء ، وتشمل الأعمال التي لا ترضي اللهعزوجل ، والباعثة على سخر الله في الدنيا والآخرة ، ومن المؤكّد أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد هجر واتقى ذلك حتى قبل البعثة ، وتاريخه الذي يعترف به العدو والصديق شاهد على ذلك ، وقد جاء هذا الأمر هنا ليكون العنوان الأساس في مسير الدعوة إلى الله ، وليكون للناس أسوة حسنة.

ويقول تعالى في الأمر الرّابع :( وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ) .

هنا التعلق محذوف أيضا ، ويدل على سعة المفهوم كليته ، ويشمل المنّة على الله والخلائق ، أي فلا تمنن على الله بسعيك واجتهادك ، لأنّ الله تعالى هو الذي منّ عليك بهذا المقام المنيع.

ولا تستكثر عبادتك وطاعتك وأعمالك الصالحة ، بل عليك أن تعتبر نفسك مقصرا وقاصرا ، واستعظم ما وفقت إليه من العبادة.

__________________

(١) مفردات الراغب.

(٢) الميزان ، في ظلال القرآن.

(٣) راجع الآيات ، ١٣٤ ـ ١٣٥ من سورة الأعراف ، والآية ٥ من سورة سبأ ، والآية ١١ من سورة الجاثية ، والآية ٥٩ من سورة البقرة ، والآية ١٦٢ من سورة الأعراف ، والآية ٣٤ من سورة العنكبوت.

(٤) وذكر ذلك في تفسير الفخر الرازي بصورة احتمال ، ج ٣٠ ، ص ١٩٣.

١٥٩

وبعبارة أخرى : لا تمنن على الله بقيامك بالإنذار ودعوتك إلى التوحيد وتعظيمك لله وتطهيرك ثيابك وهجرك الرجز ، ولا تستعظم كل ذلك ، بل أعلم أنّه لو قدمت خدمة للناس سواء في الجوانب المعنوية كالإرشاد والهداية ، أم في الجوانب المادية كالإنفاق والعطاء فلا ينبغي أن تقدمها مقابل منّة ، أو توقع عوض أكبر ممّا أعطيت ، لأنّ المنّة تحبط الأعمال الصالحة :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى ) (١) .

«لا تمنن» من مادة «المنّة» وتعني في هذه الموارد الحديث عن تبيان أهمية النعم المعطاة للغير ، وهنا يتّضح لنا العلاقة بينه وبين الاستكثار ، لأنّ من يستصغر عمله لا ينتظر المكافأة ، فكيف إذن بالاستكثار ، فإنّ الامتنان يؤدي دائما إلى الاستكثار ، وهذا ممّا يزيل قيمة النعم ، وما جاء من الرّوايات يشير لهذا المعنى : «لا تعط تلتمس أكثر منها»(٢) كما جاء في حديث آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام في تفسير الآية : «لا تستكثر ما عملت من خير لله»(٣) وهذا فرع من ذلك المفهوم.

ويشير في الآية الأخرى إلى الأمر الأخير في هذا المجال فيقول :( وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ) ، ونواجه هنا مفهوما واسعا عن الصبر الذي يشمل كلّ شيء ، أي اصبر في طريق أداء الرسالة ، واصبر على أذى المشركين الجهلاء ، واستقم في طريق عبودية الله وطاعته ، واصبر في جهاد النفس وميدان الحرب مع الأعداء.

ومن المؤكّد أنّ الصبر هو ضمان لإجراء المناهج السابقة ، والمعروف أنّ الصبر هو الثروة الحقيقية لطريق الإبلاغ والهداية ، وهذا ما اعتمده القرآن الكريم

__________________

(١) البقرة ، ٢٦٤.

(٢) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٤٥٤ ، وتفسير البرهان ، ج ٤ ، ص ٤٠٠.

(٣) المصدر السابق.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

لسبقه(١) فتأمل هذا كله في المقدمة الداخلية واما المقدمة الخارجية فهى ما كان خارجا عن المأمور به وكان له دخل في تحققه لا يكاد يتحقق بدونه وقد ذكر لها أقسام وأطيل الكلام في تحديدها بالنقض والابرام الا انه غير مهم في المقام (ومنها) تقسيمها إلى العقلية والشرعية والعادية، فالعقلية هي ما استحيل واقعا وجود ذي المقدمة بدونه، والشرعية - على ما قيل - ما استحيل وجوده بدونه شرعا، ولكنه لا يخفى رجوع الشرعية إلى العقلية ضرورة انه لا يكاد يكون مستحيلا

______________________________

*

للوجوب يلزم اجتماع المثلين (قوله: لسبقه) كان الاولى تعليله بأن الوجوب النفسي يمتنع في المقام كونه علة للوجوب الغيرى لان الشئ لا يكون علة لمضاده وليس له علة سواه فينتفي ويثبت الوجوب النفسي بوجود علته بلا مانع، واما التعليل بالسبق فيتوقف على العلية وقد عرفت امتناعها (قوله: فتأمل) وجهه ما صرح به في حاشيته من منع الملاكين لان المقدمية تتوقف على تعدد الوجود والجزء عين الكل وجودا فلا يكون مقدمة له كما اشرنا إليه سابقا (قوله: لها اقسام) كالعلة والمقتضي والسبب والشرط وعدم المانع والمعد، واطال في التقريرات الكلام في تحديدها وصرح بأن الباعث له على ذلك معرفة مراد المفصل بين السبب وغيره (قوله: ولكنه لا يخفى رجوع) كذا ذكر في التقريرات أيضا، لكن لا يخفى انه إن اريد التنبيه على ما في ظاهر التعريف فحسن، وإن أريد الرجوع حقيقة فغير ظاهر في التقسيم لان المراد من العقلية ما يحكم العقل باستحالة وجود الواجب بدونها بالنظر إلى ذاتيهما وهذا المعنى لا ينطبق على الشرعية التي

______________

(١) وجهه انه لا يكون فيه ايضا ملاك الوجوب الغيرى حيث انه لا وجود له غير وجوده في ضمن الكل يتوقف على وجوده وبدونه لا وجه لكونه مقدمة كى يجب بوجوبه اصلا كما لا يخفى، وبالجملة لا يكاد يجدي تعدد الاعتبار الموجب للمغايرة بين الاجزاء والكل في هذا الباب وحصول ملاك الوجوب الغيرى المترشح من وجوب ذى المقدمة عليها لو قيل بوجوبها فافهم منه قدس سره

٢٢١

ذلك شرعا إلا إذا أخذ فيه شرطا وقيدا واستحالة المشروط والمقيد بدون شرطه وقيده يكون عقليا، وأما العادية فان كانت بمعنى أن يكون التوقف عليها بحسب العادة بحيث يمكن تحقق ذيها بدونها الا أن العادة جرت على الاتيان به بواسطتها، فهي وإن كانت غير راجعة إلى العقلية الا أنه لا ينبغى توهم دخولها في محل النزاع (وإن كانت) بمعنى ان التوقف عليها وان كان فعلا واقعيا كنصب السلم ونحوه للصعود على السطح - إلا أنه لاجل عدم التمكن عادة من الطيران الممكن عقلا (فهي) أيضا راجعة إلى العقلية ضرورة - استحالة الصعود بدون مثل النصب عقلا لغير الطاير فعلا وإن كان طيرانه ممكنا ذاتا (فافهم) " ومنها " تقسيمها إلى مقدمة الوجود، ومقدمة الصحة، ومقدمة الوجوب.

______________________________

*

يتوقف وجود الواجب عليها بالنظر إلى جعل الشارع الوجوب للواجب مقيدا بها وان أريد المناقشة في الاصطلاح فلا مشاحة فيه (قوله: ذلك شرعا) قد عرفت المراد من الشرعية لا ما يكون وجود الواجب بدونها مستحيلا شرعا (قوله: يكون عقليا) هذا مسلم لكن الوجه في حكم العقل حكم الشارع لا نفس الشيئين (قوله: يمكن تحقق ذيها) يعنى عادة لكنه خلاف المتعارف وذلك مثل الصعود على السطح المنصوب عليه سلم فان العادة جرت على الصعود إليه بالسلم المنصوب لا نصب سلم آخر عليه (قوله: غير راجعة) لعدم التوقف عقلا أصلا (قوله: لا ينبغي توهم) إذ لا توقف عليها (قوله: كنصب السلم) مع عدم إمكان الطيران لعدم الجناح ونحوه (قوله: ضرورة استحالة) قد عرفت أن هذا المقدار لا يكفي في رجوعها إلى العقلية (قوله: ممكنا ذاتا) وهو الفارق بينها وبين العقلية، ولعله إلى هذا اشار بقوله: فافهم، ثم إنه في التقريرات أرجع الشرعية إلى العقلية لما ذكر المصنف " ره " ولم يتعرض في العادية لذلك مع عدم الفرق بينهما كما أن الظاهر أن العقل في العقلية واسطة في اثبات التوقف، والعادة في العادية واسطة في الثبوت والشرع في الشرعية محتمل

٢٢٢

ومقدمة العلم. لا يخفى رجوع مقدمة الصحة إلى مقدمة الوجود - ولو على القول بكون الاسامي موضوعة للاعم - ضرورة أن الكلام في مقدمة الواجب لا في مقدمة المسمى باحدها كما لا يخفى، ولا اشكال في خروج مقدمة الوجوب عن محل النزاع وبداهة عدم اتصافها بالوجوب من قبل الوجوب المشروط بها، وكذلك المقدمة العلمية وان استقل العقل بوجوبها إلا أنه من باب وجوب الاطاعة ارشادا ليؤمن من العقوبة على مخالفة الواجب المنجز لا مولويا

______________________________

للامرين وان كان الاول أظهر (قوله: ومقدمة العلم) وتسمى بالمقدمة العلمية وهي التي يتوقف العلم بالواجب على العلم بها كالصلاة في الثوبين المشتبهين المتوقف على العلم بهما العلم بالصلاة بالثوب الطاهر (قوله: ولو على القول) أما على الصحيح فمقدمة الصحة مقدمة الوجود الوجود إذ لا وجود للماهية إلا وهو صحيح (قوله: لا في مقدمة المسمى) هذا مسلم إلا أن مقدمة المسمى مقدمة للواجب لان الواجب هو المسمى الصحيح فهذا الاشكال محل نظر كما تقدم نعم بناء على تقوم الذات بالصحة لا يكون إلا قسم واحد (قوله: المشروط بها) فانه على المشهور يحدث بعد وجودها فلا يمكن ان يترشح منه وجوب لها لانه تحصيل للحاصل (قوله: وكذلك المقدمة العلمية) يعنى خارجة عن محل النزاع لانها ليست مقدمة للواجب الشرعي بل مقدمة للواجب العقلي وهو العلم بتحقق الاطاعة الذي استقل العقل بوجوبه للامن من خطر العقاب على مخالفة الواجب المنجز فتجب وجوبا عقليا لا غير نعم لو وجب العلم بفعل الواقع شرعا وجبت المقدمة العلمية كذلك، لكنه خلاف الفرض إذ تكون حينئذ مقدمة وجودية لا علمية " فان قلت ": لم لا تكون المقدمة العلمية مقدمة للواجب " قلت ": يمتنع ذلك لانها دائما يحتمل كونها نفس الواجب وكونها غيره على نحو لو انكشف الحال لم يتوقف وجود الواجب عليها بل قد تكون ضدا كما في الصلاة إلى الجهات الاربع (قوله: وجوب الاطاعة) بل وجوب العلم بالاطاعة المتوقف عليها

٢٢٣

من باب الملازمة وترشح الوجوب عليها من قبل وجوب ذى المقدمة " ومنها " تقسيمها إلى المتقدم والمقارن والمتأخر بحسب الوجود بالاضافة إلى ذى المقدمة وحيث أنها كانت من أجزاء العلة - ولا بد من تقدمها بجميع أجزائها على المعلول - أشكل الامر في المقدمة المتأخرة كالاغسال

______________________________

*

فتجب بالملازمة (قوله: من باب الملازمة) يعنى بين الوجوب المولوي النفسي والغيري (قوله: وترشح) معطوف على الملازمة (قوله: بالاضافة إلى ذى) فيكون ذو المقدمة متأخرا في الاول، مقارنا في الثاني، متقدما في الثالث (قوله: وحيث انها) يعني المقدمة المنقسمة إلى الاقسام الثلاثة (قوله: ولا بد من تقدمها) امتناع تأثير المعدوم في الموجود لا يقتضي لزوم تقدم العلة زمانا على المعلول بل لعله يمتنع لانه يلزم انفكاكها عنه وهو خلف وانما يقتضي كون وجود المعلول عن امر موجود بحيث يقال: وجدت العلة فوجد المعلول. نعم هذا في العلة بمعنى المقتضي الذي يكون منه الاثر أما بمعنى ما له دخل ما في الوجود وان كان لحفظه قابلية المحل المؤثر أو المتأثر مع عدم كونه مؤثرا فقد صار موردا للانكار من جماعة من الاعيان إذ لا مانع عندهم من كون العدم حافظا لقابلية المحل بشهادة أن عدم المانع من أجزاء العلة التامة نظير الشرط ومع ذلك هو عدم ليس بوجود فإذا جاز مثل ذلك في عدم المانع جاز في الشرط ايضا، " أقول ": على هذا يكون الشرط مقارنا لا متأخرا(١) كما انه يصح ذلك لو كان الوجود المتأخر على تقدير كونه مقارنا مانعا من وجود المعلول إذ لو كان حافظا لوجوده كان المؤثر هو الجامع بين الوجود والعدم وهو محال إذ لا جامع بينهما، وان شئت قلت: لو كان العدم مقدمة للوجود كان الوجود علة للعدم لان المقدمة ما يلزم من عدمها العدم وحينئذ فيختص العدم الذي يكون مقدمة للوجود بعدم

______________

(١) لان تأثير الشرط حال عدمه راجع إلى تأثير العدم وهو مقارن فينقلب المتأخر متقدما ويكون وجود الشرط مانعا لما سيأتي فينقلب الشرط مانعا. منه مد ظله (*)

٢٢٤

الليلية المعتبرة في صحه صوم المستحاضة عند بعض، والاجازة في صحة العقد على الكشف كذلك، بل في الشرط أو المقتضى المتقدم على المشروط زمانا المتصرم حينه كالعقد في الوصية، والصرف والسلم، بل في كل عقد بالنسبة إلى غالب اجزائه لتصرمها حين تأثيره مع ضرورة اعتبار مقارنتها معه زمانا، فليس إشكال انخرام القاعدة العقلية مختصا بالشرط المتأخر في الشرعيات - كما اشتهر في الالسنة - بل يعم الشرط والمقتضى المتقدمين المتصرمين حين الاثر (والتحقيق) في رفع هذا الاشكال (أن يقال): إن الموارد التى توهم انخرام القاعدة فيها لا يخلو إما يكون المتقدم والمتأخر شرطا للتكليف، أو الوضع، أو المأمور به (أما الاول) فكون أحدهما شرطا له ليس الا أن للحاظه دخلا في تكليف الآمر كالشرط المقارن بعينه فكما أن اشتراطه بما يقارنه

______________________________

*

المانع لا غير (قوله: الليلية) يعني للعشائين (قوله: صحة صوم) يعني صوم النهار السابق (قوله: الكشف كذلك) يعني عند بعض والمراد من الكشف الكشف الحقيقي بأن يكون وجود الاجازة كاشفا عن ثبوت أثر العقد من حين وقوعه، أما على النقل أعني ثبوت الاثر من حين الاجازة فلا يكون مما نحن فيه. نعم يكون العقد من المقدمة المتقدمة حال وجود الاثر (قوله: كالعقد في الوصية والصرف والسلم) إذ ملك الموصى له والمشتري إنما يكون مقارنا للموت في الاول وللقبض في الاخيرين العقد المؤثر متصرم في الجميع (قوله: غالب أجزائه) فانه من التدريجيات التي لا يوجد جزء منها إلا بعد انصرام ما قبله والاثر لما كان مقارنا للجزء الاخير كان مقارنا لانعدام ما قبله من الاجزاء (قوله: مقارنتها معه) أي مقارنة الاجزاء مع الاثر لان جزء المؤثر مؤثر لان الكل عين أجزائه (قوله: بل يعم الشرط) فانهما معدومان حال الاثر فيلزم تأثر المعدوم في الموجود (قوله: اما الاول فكون أحدهما) توضيحه أن هذا الاشكال نشأ من إطلاق لفظ الشرط على الوجود المتأخر وتخيل أنه من قبيل

٢٢٥

ليس إلا أن لتصوره دخلا في أمره بحيث لولاه لما كاد يحصل له الداعي إلى الامر، كذلك المتقدم أو المتأخر (وبالجملة) حيث كان الامر من الافعال الاختيارية كان من مبادئه - بما هو كذلك - تصور الشئ بأطرافه ليرغب في طلبه والامر به بحيث لولاه لما رغب فيه ولما أراده واختاره فيسمى كل واحد من هذه الاطراف التي لتصورها دخل في حصول الرغبة فيه وارادته شرطا لاجل دخل لحاظه في حصوله كان مقارنا له أو لم يكن كذلك متقدما أو متأخرا فكما في المقارن يكون لحاظه في الحقيقة شرطا كان فيهما كذلك، فلا اشكال،

______________________________

اطلاقه على سائر الشروط الدخيلة في وجود المشروط مع أنه ليس كذلك اما في شرط التكليف فلان التكليف من الافعال الاختيارية للمكلف - بالكسر - والفعل الاختياري معلول للارادة وهي علته التامة بحيث لا يتوقف وجوده منها على شرط غاية الامر انها لا تتعلق بوجود الشئ إلا بعد ترجحه على عدمه في نظر المريد، وهذا الترجح قد يكون بملاحظته بذاته وقد يكون بملاحظة ما سواه من متقدم أو متأخر أو مقارن فيكون ملاحظته مقرونا بشئ أو مسبوقا أو ملحوقا به موجبا لترجحه في نظره على عدمه فتتعلق به إرادته فيوجد، فشرط التكليف يراد به ما يكون ملاحظة التكليف - مضافا إليه - شرطا في ترجح التكليف لا ما يكون وجوده العيني شرطا في وجود التكليف ليتوجه الاشكال المذكور ولزوم تأثير المعدوم في الموجود فالمسامحة واقعة في مقامين (في اطلاق) الشرط على الوجود الخارجي مع أن الشرط هو الوجود العلمي (وفي) جعله شرطا للتكليف وإنما هو شرط لترجح وجوده على عدمه الموجب لارادته والمصحح للمسامحة في الاول كون الوجود العلمي حاكيا عن الخارج فانيا فيه فيسري إليه وصفه وفى الثاني كونه من مقدمات وجود التكليف ولو بالواسطة (قوله: ليس إلا ان) سبك العبارة يقتضي كون المراد من الاول شرط التكليف وما في نسختي من قوله: وأما الثاني، يقتضي أن يكون أصله: وأما الثالث (قوله: لتصوره)

٢٢٦

وكذا الحال في شرائط الوضع مطلقا - ولو كان مقارنا - فان دخل شئ في الحكم به وصحة انتزاعه لدى الحاكم به ليس إلا ما كان بلحاظه يصح انتزاعه وبدونه لا يكاد يصح اختراعه عنده فيكون دخل كل من المقارن وغيره بتصوره ولحاظه وهو مقارن وأين انخرام القاعدة العقلية في غير المقارن ؟ فتأمل تعرف (وأما الثاني) فكون شئ شرطا للمأمور به ليس الا ما يحصل لذات المأمور به بالاضافة إليه وجها وعنوانا به يكون حسنا ومتعلقا للغرض بحيث لولاه لما كان كذلك، واختلاف الحسن والقبح والغرض باختلاف الوجوه والاعتبارات الناشئة من الاضافات مما لا شبهة فيه ولا شك يعتريه، والاضافة كما تكون إلى المقارن تكون إلى المتأخر أو المتقدم بلا تفاوت اصلا كما لا يخفى على المتأمل، فكما تكون اضافة شئ إلى مقارن له موجبا لكونه معنونا بعنوان يكون بذلك العنوان حسنا ومتعلقا للغرض كذلك

______________________________

لا لوجوده (قوله: وكذا الحال في شرائط) إذ الوضع كالملكية ونحوها اعتبارات من المعتبر والاعتبار ايضا فعل اختياري ينشأ عن الارادة فلا يكون الوجود المتأخر شرطا فيه بل لحاظه شرط في ترجحه حسبما تقدم في التكليف بعينه (قوله: في الحكم به) يعني بالوضع كالملكية ونحوها من الوضعيات (فان قلت): ترجح التكليف أو الوضع بنظر المكلف والجاعل وان كان ناشئا عن ملاحظة الامر المتأخر لا عن نفسه إلا أنه ما لم يكن ذلك الامر المتأخر دخيلا في ترتب أثر مرغوب فيه عليه لم تكن ملاحظة وجوده المتأخر موجبة لاعتقاد الرجحان وحينئذ يرجع الاشكال (قلت): ترجح الوجود على العدم أمر اعتباري يكفي فيه كون الوجود مما يترتب عليه اثر محتاج إليه ولو في المستقبل (مثلا): نزول الضيف غدا موجب لكون تهيئة الاواني اليوم راجحا حيث انه يوجب ترتب اثر مرغوب فيه ولو بعد نزول الضيف ولاجله تكون تهيئة الاواني قبل نزول الضيف فعلا راجحا فتتعلق به الارادة ولا يتوقف الرجحان على ترتب أثر محتاج إليه حال الفعل (قوله: ليس إلا ما يحصل) يعني ليس

٢٢٧

بمعنى كونه شرطا لوجود ذات المأمور به بحيث لولاه لم توجد بل بمعنى أن المأمور به في مقام موضوعيته للامر قد اخذ مقيدا به ومضافا إليه إضافة التقارن أو التقدم أو التأخر (فان قلت): اخذ المأمور به مضافا إليه في مقام موضوعيته للامر لا يكون جزافا لقبح الترجيح بلا مرجح (قلت): لا بد أن تكون اضافته إليه موجبة لترجح وجود المأمور به وحسنه كما اشتهر أن الحسن والقبح بالاضافات والاعتبارات (فان قلت): هذا - مع أنه راجع إلى ما ذكر صاحب الفصول من أن الشرط نفس التعقب لا الوجود المتعقب به وظاهر المصنف (ره) مغايرته له يرد عليه ما أورده في فوائده على الفصول من أن التعقب ونحوه من الامور الاعتبارية لا تصلح للتأثير فلا بد أن يكون دخلها بدخل منشأ الانتزاع وهو الوجود المتأخر فيرجع الاشكال (قلت): ظاهر الفصول جعل التعقب شرطا بالمعنى المشهور أعني ما له الدخل في نفس الوجود المشروط (فتأمل) لا بمعنى ما يكون طرفا للاضافة الموجبة للحسن كما اشتهر أنه بالاضافات والاعتبارات، وأيضا فان الاضافة ملحوظة بالمعنى الاسمي على ظاهر الفصول وبالمعنى الحرفي عند المصنف (ره) فتأمل (فان قلت): الالتزام بتأثير الاضافة في الحسن يتوقف إما على الالتزام بأن للاضافة نحو خارجية تصلح للتأثير وهو محل اشكال أو بتأثير الامر المتأخر فيرجع الاشكال (قلت): إنه لا مانع من تأثير الاضافة في حسن المتقدم لان الحسن ايضا من الامور الاعتبارية (فان قلت): الحسن وإن كان من الامور الاعتبارية إلا انه ناشئ عن خصوصية في الموضوع واقعية حقيقية فدخل الاضافة فيه لابد أن يكون لدخل منشأ الاضافة أعني الوجود المتأخر في وجود تلك الخصوصية وإلا كان أخذه قيدا للمأمور به بلا وجه مصحح، وحينئذ يلزم أن يكون المتأخر دخيلا في وجود الخصوصية المتقدمة ويرجع الاشكال (قلت): لا مانع من الالتزام بكون الخصوصية مقارنة لوجود الشرط ولا يعتبر في حسن الشئ أن يكون ذا أثر مقارن له بل يكفي في حسنه كونه مما يترتب عليه أثر محتاج إليه ولو في المستقبل، فالصوم النهاري إذا كان يترتب عليه أثر في المستقبل يكون حسنا راجحا - كما عرفت سابقا -

٢٢٨

اضافته إلى متأخر أو متقدم، بداهة أن الاضافة إلى احدهما ربما توجب ذلك أيضا فلو لا حدوث المتأخر في محله لما كانت للمتقدم تلك الاضافة الموجبة لحسنه الموجب لطلبه والامر به كما هو الحال في المقارن ايضا، ولذلك أطلق عليه الشرط مثله بلا انخرام للقاعدة اصلا لان المتقدم أو المتأخر كالمقارن ليس إلا طرف الاضافة الموجبة للخصوصية الموجبة للحسن، وقد حقق في محله أنه بالوجوه والاعتبارات، ومن الواضح أنها تكون بالاضافات، فمنشأ توهم الانخرام اطلاق الشرط على المتأخر وقد عرفت أن اطلاقه عليه فيه كاطلاقه على المقارن انما يكون لاجل كونه طرفا للاضافة الموجبة للوجه الذى يكون بذلك الوجه مرغوبا ومطلوبا كما كان في الحكم لاجل دخل تصوره فيه كدخل تصور ساير الاطراف والحدود التى لولا لحاظها لما حصل له الرغبة في التكليف، أو لما صح عنده الوضع، وهذه خلاصة ما بسطناه من المقال في دفع هذا الاشكال في بعض فوائدنا، ولم يسبقنى أحد إليه فيما أعلم فافهم

______________________________

بلا فرق بينهما إلا في أن المتأخر يوجب الاحتياج إلى الاثر المفروض الترتب فيما سبق، ويوجب نفس ترتب الاثر المفروض الاحتياج إليه هنا، كما هو الفارق بين شرط الوجوب وشرط الواجب " فالمتحصل " في دفع الاشكال أن الشرط في المقام ليس بالمعنى المعروف أعني ما له الدخل في قابلية الفاعل أو القابل، بل بمعنى ما كان لحاظه دخيلا في ثبوت المشروط بنحو الداعي إلى ارادة ثبوته أو بمعنى ما لوحظ قيدا للمشروط حين أخذه موضوعا للحكم، ومنشأ الاشكال توهم أن الرضا المتأخر شرط في تأثير العقد في الملكية نظير يبوسة الحطب التي هي شرط في تأثير النار في الاحتراق، وقد عرفت أن الملكية من مجعولات الشارع لا من آثار العقد. نعم لم يجعل الشارع الملكية عند العقد مطلقا بل خصوص العقد المرضي بمضمونه ولو بالرضا اللاحق فتأمل تعرف حقيقة الحال انشاء الله والله سبحانه أعلم (قوله: لما كانت) لان المتأخر مقوم للاضافة فلا تكون بدونه، (قوله: أنها تكون) يعني الوجوه والاعتبارات (قوله: دخل تصوره)

٢٢٩

واغتنم، ولا يخفى أنها بجميع أقسامها داخلة في محل النزاع وبناء على الملازمة يتصف اللاحق بالوجوب كالمقارن والسابق إذ بدونه لا يكاد يحصل الموافقة ويكون سقوط الامر باتيان المشروط به مراعى باتيانه فلولا اغتسالها بالليل - على القول بالاشتراط - لما صح الصوم في اليوم (الامر الثالث) في تقسيمات الواجب " منها " تقسيمه إلى المطلق والمشروط، وقد ذكر لكل منهما تعريفات وحدود تختلف بحسب ما أخذ فيها من القيود وربما اطيل الكلام بالنقض والابرام في النقض على الطرد والعكس مع انها - كما لا يخفى - تعريفات لفظية لشرح الاسم، وليست بالحد ولا بالرسم

______________________________

اختلاف البيان حيث ذكر هنا ذلك وفي شرط المأمور به كونه طرفا للاضافة من حيث أن الشرط في الثاني أخذ قيدا للمأمور به وفي الاولين يمتنع أخذه قيدا فيه فلا يكون طرفا للاضافة إليه والا ففي الجميع الدخل إنما هو للحاظ والتصور كما يظهر بملاحظة الفوائد (قوله: إذ بدونه) تعليل لانصاف اللاحق يعني أن المناط في الوجوب الغيري - وهو المقدمية - حاصل في الجميع بنحو واحد، (قوله: لما صح الصوم) إذ لا يكون حينئذ مطابقا للمأمور به فيبطل، والله سبحانه اعلم.

المطلق والمشروط

(قوله: تعريفات وحدود) مثل ماعن عميد الدين من أن الواجب (المطلق) ما لا يتوقف وجوبه على أمر زائد على الامور المعتبرة في التكليف من العلم والعقل والقدرة والبلوغ، (والمشروط) بخلافه، وما عن التفتازانى والشريف من أنه ما لا يتوقف وجوبه على ما يتوقف عليه وجوده (والمشروط) بخلافه وما عن آخر من زيادة قيدا الحيثية في الحدين، وما عن رابع من أنه ما لا يتوقف تعلقه بالمكلف على أمر غير حاصل والمشروط بخلافه (قوله: تعريفات لفظية) هذا في الجملة مسلم إلا أن عدول بعض عن تعريف آخر معتذرا بعدم المنع أو الطرد

٢٣٠

والظاهر أنه ليس لهم اصطلاح جديد في لفظ المطلق والمشروط، بل يطلق كل منهما بما له من معناه العرفي، كما أن الظاهر أن وصفي الاطلاق والاشتراط وصفان اضافيان لا حقيقيان والا لم يكد يوجد واجب مطلق ضرورة اشتراط وجوب كل واجب ببعض الامور لا أقل من الشرائط العامة كالبلوغ والعقل، فالحري أن يقال: إن الواجب مع كل شئ يلاحظ معه (إن) كان وجوبه غير مشروط به (فهو) مطلق بالاضافة إليه، وإلا فمشروط كذلك وان كان بالقياس إلى شئ آخر كانا بالعكس ثم الظاهر ان الواجب المشروط كما أشرنا إليه أن نفس الوجوب فيه مشروط بالشرط بحيث لا وجوب حقيقة ولا طلب واقعا قبل حصول الشرط

______________________________

*

يدل على خلاف ذلك ولا سيما بملاحظة الاهتمام في تكثير القيود (قوله: والظاهر انه ليس) هذا خلاف ظاهر جملة من التعريفات فلاحظ (قوله: من معناه العرفي) وهو ما يكون الوجوب فيه مطلقا غير منوط بشئ آخر وما يكون مشروطا منوطا (قوله: وصفان اضافيان) بحيث يثبت كل منهما بالاضافة إلى شئ بعينه كما سيأتي بيانه في المتن (قوله: لا حقيقيان) بأن يكون الاطلاق عبارة عن عدم اشتراط الوجوب بشئ أصلا ويكون الاشتراط بخلافه (قوله: لم يكد يوجد) يعنى ولا يمكن الالتزام به (أقول): مقتضى تعريف ابن العميد وغيره عدم لزوم ذلك (قوله: كل شئ) يعنى بعينه، مثلا الصلاة الملحوظة مع الطهارة لما لم يكن وجوبها مشروطا بوجودها فوجوبها مطلق بالاضافة إليها وان كان بالاضافة إلى البلوغ مشروطا (قوله: كذلك) يعنى بالاضافة إليه أيضا (قوله: كانا بالعكس) بأن يكون المطلق مشروطا بالنسبة إلى الشئ الآخر والمشروط مطلقا بالنسبة إليه فضمير (كانا) راجع إلى المطلق والمشروط واسم (كان) الاولى ضمير الشأن (قوله: بحيث لا وجوب حقيقة) هذا يصح لو كان الجزاء معلقا على الشرط بوجوده العيني الخارجي أما لو كان معلقا عليه بوجوده الفرضى اللحاظى الذى يكون موضوع الاستعمال والارادة والكراهة

٢٣١

كما هو ظاهر الخطاب التعليقي ضرورة ان ظاهر خطاب: إن جاءك زيد فأكرمه، كون الشرط من

______________________________

وغيرها فانها لا تتعلق بالخارج إذ قد لا يكون المستعمل فيه له وجود خارجي، ولان الوجود الخارجي في الارادة والكراهة ملازم لسقوطهما لا مقوم لهما، بل موضوع هذه الامور نفس الوجود اللحاظى الذي يرى خارجيا غير ملتفت إلى كونه لحاظيا فهو فان فيه فناء الحاكي في المحكي، وكذلك حال الشرط المنوط به الجزاء في القضايا الشرطية فانه بوجوده الفرضي اللحاظي قد أنيط به الجزاء ولازمه ثبوت الجزاء فعلا ثبوتا منوطا معلقا لا مطلقا غير معلق، بل هو الحال في سائر القضايا الحملية الانشائية أو الخبرية مثل: يحرم الخمر، ويحل التمر، فان الحرمة والحل قائمان بالخمر والتمر بوجودهما اللحاظي لا الخارجي وإلا فقد لا يكون خمر أو تمر ومع ذلك يحكم بثبوت الحرمة والحل لموضوعيهما ولا فرق بين النسب الحملية والشرطية، إذ كما ان الجزاء منوط بشرطه كذلك المحمول منوط بموضوعه، وكما أن المحمول منوط بموضوعه الفرضي اللحاظي كذلك الجزاء منوط بشرطه كذلك، فالوجوب حينئذ يكون ثابتا حقيقة قبل حصول الشرط لكنه على نحو خاص من الثبوت أعني ثبوتا منوطا لا مطلقا، ولاجل ذلك جرى فيه الاستصحاب كما سيأتي في محله انشاء الله. نعم مثل هذا الوجوب الثابت على النحو المذكور لا يصلح للبعث إلى متعلقه إلا بعد ثبوت الشرط المناط به لا قبله، لكنه لا ينافى ما ذكرنا من ثبوت الوجوب قبله إلا أن يدعى أن الوجوب إنما يكون منتزعا عن مقام المحركية التحقيقية التي عرفت توقف تحققها على وجود الشرط كذلك لكنه غير ظاهر كما لعله يأتي توضيحه فانتظر (قوله: كما هو ظاهر الخطاب التعليقي) اعلم أن مفهوم قولنا: ان كانت الشمس طالعة فالنهار موجود. يحتمل بدوا أمورا (الاول) محض الملازمة بين الشرط والجزاء نظير قولنا: طلوع الشمس ملزوم لوجود النهار (الثاني) تعليق الاخبار بالجزاء على وجود الشرط نظير قولنا: إذا طلعت الشمس أخبرتك بوجود النهار (الثالث) تعليق المخبر - به عليه أعنى

٢٣٢

قيود الهيئة وأن طلب الاكرام وايجابه معلق على المجئ لا أن الواجب فيه يكون مقيدا به بحيث يكون الطلب والايجاب في الخطاب فعليا ومطلقا وإنما الواجب يكون

______________________________

*

إناطة النسبة الخبرية بالشرط نظير قولنا: يوجد النهار على تقدير طلوع الشمس (الرابع) تقييد النسبة الخبرية بالشرط فيكون المخبر به نسبة خاصة نظير قولنا: يوجد النهار بعد طلوع الشمس (الخامس) تقييد موضوع الجزاء به نظير قولنا: النهار الكائن عند طلوع الشمس موجود وهكذا الحال لو كان الجزاء إنشاء مثل: ان جاءك زيد فأكرمه فيجوز ان يكون لانشاء الملازمة وتعليق الانشاء وتعليق المنشأ، وتقييده وتقيد موضوعه، والمنسوب للمنطقيين هو الاول والمختار لبعض الاعيان هو الثاني، وظاهر بعض المنطقيين والمنسوب لاهل العربية هو الثالث - وهو ظاهر المصنف (ره) - والمختار لشيخنا الاعظم (ره) هو الخامس، ولم أعرف من بنى على الرابع، والتحقيق مختار المصنف (ره) لانه الظاهر (والابراد) عليه بأنه يستلزم الكذب في مثل قوله تعالى: لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا، لان صدق الخبر يتوقف على ثبوت النسبة الواقعية وهو باطل - مع أنه خلاف المقصود، ولاجل ذلك اختار بعض الاعيان الثاني وغيره الاول (مندفع) بالخلط بينه وبين الرابع فان الكذب في مثل ذلك إنما يلزم عليه وعلى الخامس لا على الثالث إذ عليه تكون القضية حاكية عن الوجود التقديري ويكفي في صدقها ان تكون جهة مصححة للتقدير وان لم يصر فعليا إلى الابد مع أن البناء على كونه من تعليق الخبر يقتضي كونه قبل وجود الشرط غير خبر مع أنه محتمل للصدق والكذب اللهم الا ان يكون منوطا بالوجود اللحاظي كما عرفت (قوله: من قيود الهيئة) يعني قيدا لها بنحو التعليق والاناطة لا مثل تقييدها بالمادة كما هو مفاد الاحتمال الرابع الذي عرفت بطلانه (قوله: وان طلب) بيان لمفاد الهيئة لكن عرفت سابقا ان الظاهر من مفاد الهيئة هو النسبة التكوينية لا الطلبية (قوله: لا ان الواجب) الذي هو مفاد الاحتمال الخامس

٢٣٣

خاصا ومقيدا وهو الاكرام على تقدير المجئ فيكون الشرط من قيود المادة لا الهيئة كما نسب ذلك لى شيخنا العلامة أعلى الله مقامه مدعيا لامتناع كون الشرط من قيود الهيئة واقعا ولزوم كونه من قيود المادة لبا مع الاعتراف بأن قضية القواعد العربية أنه من قيود الهيئة ظاهرا، أما امتناع كونه من قيود الهيئة فلانه لا إطلاق في الفرد الموجود من الطلب المتعلق بالفعل المنشأ بالهيئة حتى يصح القول بتقييده بشرط ونحوه فكل ما يحتمل رجوعه إلى الطلب الذي يدل عليه الهيئة فهو عند التحقيق راجع إلى نفس المادة، وأما لزوم كونه من قيود المادة لبا فلان العاقل إذا توجه إلى شئ والتفت إليه فاما ان يتعلق طلبه به أو لا يتعلق به طلبه أصلا، لا كلام على الثاني، وعلى الاول فاما أن يكون ذاك الشئ موردا لطلبه وأمره مطلقا على اختلاف طوارئه أو على تقدير خاص، وذلك التقدير (تارة) يكون من الامور الاختيارية (وأخرى) لا يكون كذلك، وما كان من الامور الاختيارية قد يكون ماخوذا فيه على نحو يكون موردا للتكليف، وقد لا يكون كذلك على اختلاف الاغراض الداعية إلى طلبه والامر به من غير فرق في ذلك بين القول بتبعية الاحكام للمصالح والمفاسد والقول بعدم التبعية كما لا يخفى هذا موافق لما افاده بعض الافاضل المقرر لبحثه بأدنى تفاوت، ولا يخفى ما فيه، أما حديث عدم الاطلاق في مفاد الهيئة

______________________________

(قوله: مع الاعتراف) صرح بذلك في غير موضع من كلامه " أقول ": إذا امتنع تقييد الهيئة كيف يكون مقتضى القواعد العربية ؟ (قوله: لا إطلاق في) لذهابه " قدس سره " إلى أن الموضوع له في الحروف خاص (قوله: الاختيارية) ومثل له بقولك: إن دخلت الدار فافعل كذا (قوله: من غير فرق) إذ على القول بالتبعية يقرر الترديد المذكور بالنسبة إلى المصلحة التي تتبعها الارادة، وعلى القول بعدم التبعية يقرر بالنسبة إلى الارادة نفسها كما قرر المصنف " ره " (قوله: موافق لما أفاده) ذكر ذلك في التقريرات في ذيل هداية عقدها

٢٣٤

فقد حققناه سابقا أن كل واحد من الموضوع له والمستعمل فيه في الحروف يكون عاما كوضعها وإنما الخصوصية من قبل الاستعمال كالاسماء، وإنما الفرق بينهما أنها وضعت لتستعمل وقصد بها المعنى بما هو هو، والحروف وضعت لتستعمل وقصد بها معانيها بما هي آلة وحالة لمعاني المتعلقات فلحاظ الآلية كلحاظ الاستقلالية ليس من طوارئ المعنى بل من مشخصات الاستعمال كما لا يخفى على أولى الدراية والنهى، والطلب المفاد من الهيئة المستعملة فيه مطلق قابل لان يقيد - مع أنه لو سلم أنه فرد فانما يمنع عن التقييد لو أنشئ أولا غير مقيد لا مااذا أنشئ من الاول مقيدا غاية الامر قد دل

______________________________

لدفع الاشكال في وجوب مقدمات الواجب المشروط قبل وقته (قوله: فقد حققنا سابقا) لكن عرفت ان مختار شيخنا الاعظم " قدس سره " أن الموضوع له فيها خاص لا عام فالاشكال المذكور يكون في المبنى (قوله: يكون عاما) لكنك عرفت إشكاله سابقا. نعم يمكن الاشكال على شيخنا الاعظم " ره " بان كلامه لا يتم لو كان الطلب مستفادا من مادته أو نحوها مثل: إذا زالت الشمس وجب الطهور والصلاة، لعدم المانع حينئذ من تقييد الطلب (قوله: مع انه لو سلم انه) ينبغي ان يكون مراده انه لو سلم كون المستعمل فيه خاصا وهو خصوص النسبة الطلبية إلا ان تخصص النسب إنما هو بتخصص أطرافها فالنسبة المستعمل فيها هيئة " اكرم زيدا " غير النسبة المستعمل فيها هيئة " علم زيدا " وهما غير النسبة المستعمل فيها هيئة (اضرب زيدا) فهذه المغايرة إنما جاءت من خصوصيات الاطراف فإذا كان تخصص النسبة بتخصص اطرافها جاز تخصصها بخصوصية الشرط وكما أن تخصصها بخصوصية الاكرام أو العلم أو الضرب لا يمنع من كون المستعمل فيه خاصا كان تخصيصها بالشرط كذلك، وأما ما قد يظهر من العبارة من أن كون المعنى فردا إنما يمنع عن تقييده بعد الانشاء لا قبله، وأنه قبل الانشاء قابل للاطلاق والتقييد فلا ينبغي ان يكون مرادا لما عرفت من ان المعنى الحرفي على رأي شيخنا الاعظم غير قابل للاطلاق والتقييد لا قبل الاستعمال ولا بعده أو انه اشار إلى ما ذكر، بقوله: فافهم

٢٣٥

عليه بدالين وهو غير انشائه أولا ثم تقييده ثانيا فافهم (فان قلت) على ذلك يلزم تفكيك الانشاء عن المنشأ حيث لا طلب قبل حصول الشرط (قلت): المنشأ إذا كان هو الطلب على تقدير حصوله فلا بد أن لا يكون قبل حصوله طلب وبعث والا لتخلف عن انشائه، وإنشاء أمر على تقدير كالاخبار به بمكان من الامكان كما يشهد به الوجدان فتأمل جيدا، وأما حديث لزوم رجوع الشرط إلى المادة لبا ففيه أن الشئ إذا توجه إليه وكان موافقا للغرض بحسب ما فيه من المصلحة

______________________________

(قوله: عليه بدالين) دل أحدهما على نفس المطلق وهو الهيئة وثانيهما على التقييد وهو الشرط بل جميع خصوصيات النسب إنما تدل عليه اطرافها (قوله: على ذلك يلزم) يعني على ما ذكرت من كون الشرط قيدا للطلب (قوله: لا طلب قبل) قد عرفت الاشارة إلى ان هذا انما يلزم لو كان المعلق عليه الشرط بوجوده الخارجي أما لو كان بوجوده الذهني الحاكي عن الخارجي بنحو لا يلتفت إلى ذهنيته يكون الطلب حاصلا قبل حصول الشرط لكن معلقا عليه لا مطلقا وهو نحو خاص من الثبوت نظير الثبوت المطلق كما صرح به في الاستصحاب التعليقي (قوله: المنشأ إذا كان) يعني ان التفكيك بين الانشاء والمنشأ انما يمتنع حيث يؤدي إلى عدم وجود المنشأ بالانشاء وهو غير لازم في المقام لان المفروض كون المنشأ هو الطلب بعد الشرط فلو حصل قبله كان خلفا ممنوعا لان ما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد. نعم يبقى الاشكال في انه كيف يمكن إنشاء الامر المتأخر عن زمان الانشاء لانه إن وجد بعد الشرط يلزم تأثير المعدوم في الموجود وان لم يوجد يلزم التفكيك. ويندفع بأن المنشأ لما كان أمرا اعتباريا جاز أن يكون منشؤه متقدما كما جاز ان يكون متأخرا كما تقدم في الشرط المتأخر بيانه (قوله: كالاخبار به) لا مجال لقياس الانشاء بالخبر لان الاخبار غير موثر بالمخبر به والانشاء موثر بالمنشأ فلا بد من التعرض لدفع الاشكال بما عرفت (قوله: كما يشهد به الوجدان) يظهر ذلك بملاحظة الوصية التمليكية والتدبير بناء على أنهما تمليك وتحرير بعد الموت، واشتراط الخيار المتأخر، والنذر

٢٣٦

أو غيرها كما يمكن ان يبعث فعلا إليه ويطلبه حالا لعدم مانع عن طلبه كذلك يمكن أن يبعث إليه معلقا ويطلبه استقبالا على تقدير شرط متوقع الحصول لاجل مانع عن الطلب والبعث فعلا قبل حصوله فلا يصح منه الا الطلب والبعث معلقا بحصوله لا مطلقا ولو متعلقا بذاك على التقدير، فيصح منه طلب الاكرام بعد مجئ زيد، ولا يصح منه الطلب المطلق الحالي للاكرام المقيد بالمجيئ هذا بناء على تبعية الاحكام لمصالح فيها في غاية الوضوح، وأما بناء على تبعيتها للمصالح والمفاسد في المأمور بها والمنهى عنها فكذلك، ضرورة ان التبعية كذلك انما تكون في الاحكام الواقعية بما هي واقعية لا بما هي فعلية فان المنع عن فعلية تلك الاحكام غير عزيز

______________________________

المعلق على شرط غير حاصل وغير ذلك (قوله: أو غيرها) يعني مطلق الجهة الموجبة للبعث والطلب وان لم تكن مصلحة كما يراه الاشعري (قوله: كما يمكن أن يبعث) يعنى أن الطلب من الافعال الاختيارية وكما أن وجوده يتوقف على عدم المانع كذلك وجوده الخاص أعني كونه مطلقا أو معلقا فإذا كان مقتض لوجوده ومنع مانع عن وجوده مطلقا يوجد حينئذ معلقا ولا يكفي في جوده مطلقا مجرد وجود مقتض له وان كان مع المانع (قوله: على تقدير) متعلق بقوله: (يطلبه) (قوله: لاجل مانع) متعلق بقوله: (معلقا) (قوله: بحصوله) يعنى على حصول الشرط (قوله: لا مطلقا) مدخول (لا) معطوف بها على قوله: (معلقا) يعني لا يصح منه الطلب مطلقا غير معلق سواء أكان متعلقا بالفعل مطلقا أم بالفعل مقيدا بتقدير الشرط فقوله: (ولو معلقا) ليس بيانا للاطلاق بل هو بيان لاطلاق المنفي وهو صحته مطلقا وقوله: (بذاك) اشارة إلى الفعل المطلوب، وقوله: على التقدير، قيد له (قوله: في غاية الوضوح) لوضوح امكان وجود المانع عن طلبه مطلقا (قوله: فكذلك) يعنى في غاية الوضوح ايضا (قوله: ضرورة ان التبعية) يعني لو قلنا بتبعية الاحكام للمصالح والمفاسد في متعلقاتها فالمراد بها الاحكام

٢٣٧

كما في موارد الاصول والامارات على خلافها وفي بعض الاحكام في اول البعثة بل إلى يوم قيام القائم - عجل الله فرجه - مع ان حلال محمد صلى الله عليه وآله حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة، ومع ذلك ربما يكون المانع عن فعلية بعض الاحكام باقيا مر الليالى والايام إلى أن تطلع شمس الهداية ويرتفع الظلام كما يظهر من الاخبار المروية عن الائمة عيهم السلام (فان قلت): فما فائدة الانشاء إذا لم يكون المنشأ به طلبا فعليا وبعثا حاليا (قلت): كفى فائدة له أنه يصير بعثا فعليا بعد حصول الشرط بلا حاجة إلى خطاب آخر

______________________________

الواقعية الانشائية أما الفعلية فتابعة لما فيها من المصالح وحينئذ فقد يمنع من فعلية الطلب مانع فلا يكون فعليا بل يكون تعليقيا كما تقدم فلا يتم ما ذكره شيخنا الاعظم (ره) (قوله: كما في موارد) فان مصلحة الترخيص - ولو كانت هي التسهيل - مانعة من فعلية الحكم الواقعي وكذا الحال في بعض الاحكام في اول البعثة فانها لم تكن فعليته لمانع منع عن فعليتها، وكذا الحال في بعض الاحكام من أول البعثة إلى زمان ظهور الحجة - عجل الله تعالى فرجه - فانها عند ظهوره (عليه السلام) تكون فعلية بعد ما لم تكن، ولا يتوهم أن زمان ظهوره زمان ثبوت تلك الاحكام لا زمان فعليتها لان ذلك يستلزم تبدل الاحكام بظهوره وهو خلاف مادل على أن حلال محمد صلى الله عليه وآله حلال... الخ (أقول): هذا وان سلم من جهة ان المقتضيات في المتعلقات ليست عللا تامة لفعلية الاحكام بل يمكن ان يكون مقدار اقتضائها مجرد انشاء الحكم فلا موجب لفعليته أو تكون مقتضيات لفعليتها الا انه منع عنها مانع ولو كانت مصلحة التسهيل إلا أن البناء على كون الاحكام الواقعية تابعة للمقتضيات في متعلقاتها كاف في تمام برهان شيخنا الاعظم بالنسبة إلى الحكم الواقعي إذ يعلم حينئذ أن الطلب الواقعي ليس معلقا على الشرط وإذا علم ذلك كان فعليا وهو المطلوب ولا مجال لجعل حكم على خلافه للزوم التناقض فان الحكم الواقعي وان كان لا ينافيه الحكم الظاهري الا أنه مادام الجهل بالحكم

٢٣٨

بحيث لولاه

______________________________

الواقعي لا ما لو علم به. هذا مضافا إلى أن ما ذكره من الاشكال انما يتم بالاضافة إلى الطلب الذي هو فعل اختياري لا بالاضافة إلى الارادة فانها ليست بارادته وحينئذ فإذا كان الفعل مشتملا على المصلحة بلا مزاحم كما هو المفروض تعلقت به الارادة فعلا ولا مجال لتعلقها معلقة على شرط غير حاصل والبناء على امتناع تعلق الارادة بالامر الاستقبالي خلاف ما سيصرح به عن قريب (فالتحقيق) في وجه الاشكال على شيخنا الاعظم أن ما ذكره (ره) مبني على عدم الفرق بين شرط الواجب وشرط الوجوب في إمكان الاخذ قيدا للواجب مع ثبوت الفرق بينهما فان الاول ما يكون دخيلا في ترتب أثر الواجب عليه، والثاني ما يكون دخيلا في الاحتياج إلى ذلك الاثر مثلا: المرض شرط في وجوب استعمال المسهل واستعمال المنضج شرط لنفس استعمال المسهل فشرطية الاول للوجوب ناشئة من دخله في ثبوت الاحتياج إلى استعمال المسهل وشرطية الثاني في الواجب ناشئة من دخله في ترتب الاثر المحتاج إليه عليه فموضوع الاثر المحتاج إليه شرب المسهل المسبوق بشرب المنضج، والعلة في ثبوت هذا الاحتياج هو المرض ولاجل هذا الاختلاف اختلفا في موضوع التقييد فكان أحدهما قيدا للوجوب والاخر قيدا للواجب حيث أن تعلق الارادة بالمراد إنما يكون في ظرف ثبوت الحاجة إلى أثره فتكون منوطة بعلل الحاجة ومقدماتها ومعلولة لها بحيث لا تكون الارادة في الخارج إلا في ظرف الفراغ عن ثبوتها بخلاف مقدمات ثبوت الاثر المحتاج إليه فان الارادة تكون علة لها، ولاجل ذلك امتنع اخذ مقدمات الاحتياج قيدا في موضوع الارادة كما امتنع اخذ مقدمات الاثر قيدا لنفس الارادة أما امتناع الاول فلانه تحصيل الحاصل لان الارادة تكون بعد حصولها فإذا تعلقت بها حينئذ لزم المحذور، واما امتناع الثاني فلانه في ظرف ثبوت الاحتياج لا بد من تعلق الارادة بها قهرا لانه علة للارادة وفى ظرف عدمه تكون الارادة بلا مرجح وهو ممتنع (قوله: بحيث لولاه)

٢٣٩

لما كان فعلا متمكنا من الخطاب هذا - مع شمول الخطاب كذلك للايجاب فعلا بالنسبة إلى الواجد للشرط فيكون بعثا فعليا بالاضافة إليه وتقديريا بالنسبة إلى الفاقد له فافهم وتأمل جيدا. ثم الظاهر دخول المقدمات الوجودية للواجب المشروط في محل النزاع ايضا فلا وجه لتخصيصه بمقدمات الواجب المطلق غاية الامر تكون في الاطلاق والاشتراط تابعة لذى المقدمة كاصل الوجوب بناء على وجوبها من باب الملازمة وأما الشرط المعلق عليه الايجاب في ظاهر الخطاب فخروجه مما لا شبهة فيه ولا ارتياب أما على ما هو ظاهر المشهور والمنصور فلكونه مقدمة وجوبية، وأما على المختار لشيخنا العلامة - أعلى الله مقامه - فلانه وان كان من المقدمات الوجودية للواجب الا انه أخذ على نحو لا يكاد يترشح عليه الوجوب منه فانه جعل الشئ واجبا على تقدير حصول ذاك الشرط فمعه كيف يترشح عليه الوجوب ويتعلق به الطلب ؟ وهل هو إلا طلب الحاصل ؟ نعم على مختاره - قدس سره - لو كانت له مقدمات وجودية غير معلق عليها وجوبه لتعلق بها

______________________________

يعني الانشاء قبل الشرط (قوله: كان فعلا) يعني بعد حصول الشرط (قوله: مع شمول) يعني قد يترتب عليه فائدة ثانية وهي فعلية الطلب بالنسبة إلى المكلف الواجد للشرط (قوله: الظاهر دخول) لاطلاق عنوان المبحث مع وجود ملاك البحث ومساواتها لمقدمات الواجب المطلق في المقدمية للواجب (قوله: فلا وجه لتخصيصه) يعني ان بعضهم اعتبر الاطلاق في عنوان النزاع (قوله: تكون في) يعني تكون واجبة مطلقة أو واجبة مشروطة كذي المقدمة فيكون وجوبها الغيري مطلقا أو مشروطا كالوجوب النفسي (قوله: مقدمة وجوبية) يعني وإذا كانت مقدمة للوجوب كان وجوده بعد وجودها فتعلقه بها يلزم منه تحصيل الحاصل (قوله: فانه جعل الشئ) ضمير إن للشأن يعني: ان الشرط لم يؤخذ شرطا للواجب

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571