حقائق الاصول الجزء ١

حقائق الاصول0%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 571

حقائق الاصول

مؤلف: السيد محسن الطباطبائى الحكيم
تصنيف:

الصفحات: 571
المشاهدات: 202058
تحميل: 4741


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 571 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 202058 / تحميل: 4741
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء 1

مؤلف:
العربية

فتوهم منه أن مفاد الصيغة يكون طلبا حقيقيا يصدق عليه الطلب بالحمل الشايع، ولعمري انه من قبيل اشتباه المفهوم بالمصداق، فالطلب الحقيقي إذا لم يكن قابلا للتقييد لا يقتضي أن لا يكون مفاد الهيئة قابلا له وان تعارف تسميته بالطلب ايضا، وعدم تقييده بالانشائي لوضوح ارادة خصوصه وأن الطلب الحقيقي لا يكاد ينشأ بها كما لا يخفى. فانقدح بذلك صحة تقييد مفاد الصيغة بالشرط كما مر هاهنا بعض الكلام وقد تقدم في مسألة اتحاد الطلب والارادة ما يجدى في المقام. هذا إذا كان هناك اطلاق وأما إذا لم يكن فلا بد من الاتيان به فيما إذا كان التكليف بما احتمل كونه شرطا له فعليا للعلم بوجوبه فعلا وان لم يعلم جهة وجوبه والا فلا، لصيرورة الشك فيه بدويا كما لا يخفى (تذنيبان) الاول: لاريب

______________________________

غير تقييد له بالانشائي (قوله: بالمصداق) فان الطلب الحقيقي مصداق لمفهوم الطلب (قوله: وعدم) معطوف على قوله: تسمية (قوله: لوضوح) متعلق بقوله: تعارف (قوله: كما مر هاهنا) يعني في الوجوب المطلق والمشروط (قوله: واما إذا لم يكن فلابد) يعني حيث لا تتم مقدمات الحكمة المقتضية للاطلاق يلزم الرجوع إلى الاصل العملي " وتوضيحه " أنه لو علم بوجوب نصب السلم وشك في كونه واجبا لاجل الصعود أو لنفسه (فتارة) يعلم بعدم وجوب الصعود (وأخرى) يعلم بوجوبه (وثالثة) يشك في وجوبه، ففي الاولى يرجع إلى أصالة البراءة عن وجوب نصب السلم للعلم بعدم وجوبه على تقدير كونه غيريا فمع احتمال ذلك يكون التكليف به مشكوكا، وفي الثانية يعلم بوجوبه فيجب فعله بلا شبهة، وفي الثالثة كذلك ايضا غاية الامر يشكل إجراء اصالة البراءة في وجوب الصعود بما يأتي بيانه مفصلا في الاقل والاكثر من مباحث البراءة (قوله: فيما إذا كان) اشارة إلى الصورة الثانية (قوله: كونه شرطا له) ضمير (كون) راجع إلى الواجب المردد وجوبه، وضمير (له) راجع إلى ما احتمل (قوله: وإلا فلا) يعني وإن لم يكن التكليف به فعليا

٢٦١

في استحقاق الثواب على امتثال الامر النفسي وموافقته واستحقاق العقاب على عصيانه ومخالفته عقلا، وأما استحقاقهما على امتثال الغيرى ومخالفته ففيه اشكال وان كان التحقيق عدم الاستحقاق على موافقته ومخالفته بما هو موافقة ومخالفة ضرورة استقلال العقل بعدم الاستحقاق إلا لعقاب واحد أو لثواب كذلك فيما خالف الواجب ولم يأت بواحدة من مقدماته على كثرتها أو وافقه وأتاه بما له من المقدمات. نعم لا بأس باستحقاق العقوبة على المخالفة عند ترك المقدمة وبزيادة المثوبة على الموافقة فيما لو اتى بالمقدمات

______________________________

*

فلا يلزم الاتيان به لكن عرفت أن له صورتين يجب الاتيان به في إحداهما ولا يجب في الاخرى (قوله: في استحقاق الثواب) الاستحقاق بمعنى وجوب فعل الثواب على إطاعة الامر النفسي محل خلاف وإشكال كما يظهر من مراجعة كتب الكلام، وبمعنى كون الثواب في محله مما لا إشكال فيه (قوله: التحقيق عدم الاستحقاق) إذا كان الامر الغيري أمرا حقيقا لا بد أن يكون صادرا بداعي البعث والبعث المترتب عليه عين الانقياد، والانقياد مناط للثواب فلا بد من القول بترتب الثواب على موافقته، والقول بخلاف ذلك قول بعدم كونه أمرا حقيقيا كما هو كذلك فانه لا شأن له في قبال الامر النفسي لا في مبادئه ولا في غاياته المقصودة منه ولا في وجوده فان مرجحية المقدمية انما جاءت من قبل المرجح للواجب النفسي كما أن نفسه انما كان من قبل الامر النفسي والغرض منه - وهو البعث إلى متعلقه - إنما كان غرضا من جهة غرض الامر النفسي فهو على هذا شأن من شئون الامر النفسي ليس له طاعة ولا معصية في قبال طاعته ومعصيته ولا ثواب ولا عقاب في قبال ثوابه وعقابه (قوله: بما هو موافقة ومخالفة) يعني من حيث أنها موافقة ومخالفة للامر الغيري في قبال الامر النفسي (قوله: على المخالفة عند ترك) يعنى مخالفة الواجب النفسي الحاصلة بترك واحدة من

٢٦٢

بما هي مقدمات له من باب أنه يصير حينئذ من أفضل الاعمال حيث صار أشقها، وعليه ينزل ما ورد في الاخبار من الثواب على المقدمات، أو على التفضل فتأمل جيدا، وذلك لبداهة أن موافقة الامر الغيرى بما هو أمر لا بما هو شروع في اطاعة الامر النفسي لا يوجب قربا ولا مخالفته بما هو كذلك بعدا والمثوبة والعقوبة انما يكونان من تبعات القرب والبعد (اشكال ودفع) أما الاول فهو أنه إذا كان الامر الغيري - بما هو - لا إطاعة له ولا قرب في موافقته ولا مثوبة على امتثاله فكيف حال بعض المقدمات كالطهارات حيث لا شبهة في حصول الاطاعة والقرب والمثوبة بموافقة امرها ؟ هذا - مضافا إلى أن الامر الغيرى لا شبهة في كونه توصليا

______________________________

*

المقدمات (قوله: بما هي مقدمات له) يعني للواجب والوجه في زيادة الثواب بذلك زيادة الانقياد التي هي المناط في زيادة الثواب في نظر العقل وعليه ينزل ما ورد من الاخبار: أفضل الاعمال أحمزها، لا على التفضل (قوله: ما ورد في الاخبار) كالواردة في زيارة الحسين عليه السلام من أن لكل قدم ثواب عتق عبد من أولاد اسمعيل وغيرها (أقول): ومثلها قوله تعالى: ذلك بأنهم لا يصيبهم ضمأ ولا نصب... الآية (قوله: أو على التفضل) هذا يتم لو لم يحكم العقل به (قوله: بما هو أمر) يعني أمر في قبال الامر النفسي (قوله: لا بما هو شروع) فان الامر النفسي كما يدعو إلى متعلقه يدعو إلى مقدماته فيمكن فعل المقدمة بدعوة الامر النفسي ويكون طاعة له (قوله: بعض المقدمات) يعنى المقدمات العبادية (قوله: بموافقة أمرها) أقول: الاشكال إنما يتوجه لو كان المراد من أمرها أمرها الغيري في قبال الامر النفسي أما لو كان المراد منه الامر الغيري بما انه من شئون الامر النفسي فلا توجه له أصلا لما عرفت من أنه لا بد أن يكون باعثا ومقربا بنحو يكونان من شئون بعث الامر النفسي ومقربيته (قوله: لا شبهة في كونه توصليا) يعنى بحيث يترتب الاثر المقصود من متعلقه وهو التوصل إلى ذي المقدمة بمجرد حصول متعلقه والا لم يكن متعلقه مقدمة للواجب

٢٦٣

وقد اعتبر في صحتها اتيانها بقصد القرية، وأما الثاني فالتحقيق أن يقال: إن المقدمة فيها بنفسها مستحبة وعبادة وغاياتها إنما تكون متوقفة على إحدى هذه العبادات فلا بد أن يؤتى بها عبادة والا فلم يؤت بما هو مقدمة لها، فقصد القربة فيها انما هو لاجل كونها في نفسها أمورا عبادية ومستحبات نفسية لا لكونها مطلوبات غيرية، والاكتفاء بقصد أمرها الغيرى فانما هو لاجل انه يدعو إلى ما هو كذلك في نفسه حيث انه لا يدعو الا إلى ما هو المقدمة فافهم وقد تفصي عن الاشكال

______________________________

*

(قوله: وقد اعتبر) يعني فيدل ذلك على أن أمرها تعبدي، (قوله: واما الثاني) يعني الدفع (قوله: بنفسها مستحبة) هذا دفع للاشكال من الجهة الاولى يعني ان حصول الاطاعة وما يترتب عليها من القرب والمثوبة ليس بموافقة الامر الغيري بل هي في انفسها عبادات مستحبة شرعا مع قطع النظر عن الوجوب الغيري وتكون الاطاعة بها من جهة الانقياد إلى الاستحباب النفسي (فان قلت): إذا صارت واجبة للغير يزول الاستحباب فتتعين الاطاعة للامر الغيري " قلت ": ان كان الاستحباب من مراتب الوجوب والاختلاف بينهما بالضعف والشدة فطروء الوجوب يوجب تأكد أحدهما بالآخر ويزول حد الاستحباب وهو حد القلة لكن الحد لا يرتبط بالداعوية وانما الداعي ذات الرجحان وهي باقية، وان كان الاستحباب متقوما بالترخيص بالترك كما عرفت فزوال الترخيص بطروء عنوان المقدمية للواجب لا يقدح في داعوية الارادة الاستحبابية فالانبعاث يكون منها على كل حال (قوله: وغاياتها انما) هذا دفع للجهة الثانية يعني أن مقدميتها للواجب ليست قائمة بذوات الافعال مطلقا حتى يكون الاتيان بها - ولو لا على نحو العبادية - موجبا للتوصل إلى الواجب ومسقطا لامرها، بل هي قائمة بذوات الافعال بما أنها عبادة فلا بد من الاتيان بها كذلك والا فلم يؤت بالمقدمة ولا بما هو الواجب الغيري (قوله: فقصد القربة) رجوع لدفع الجهة الاولى (قوله: والاكتفاء بقصد) هذا دفع اشكال وهو

٢٦٤

ان الموجب لعبادية هذه المقدمات لو كان هو الامر النفسي - كما ذكر - لا وجه للاكتفاء بقصد الامر الغيري " وتوضيح " الدفع أن قصد الامر الغيري ليس لانه باعث على ذات العمل الموجب لعباديته بل لانه باعث على اطاعة الامر النفسي الاستحبابي لان الامر الغيري قد عرفت انه يتعلق بما هو مقدمة والمقدمة من هذه الافعال ما كان في نفسه عبادة فالعبادية مفروضة في رتبة سابقة على الامر الغيري وليست آتية من قبله حتى يكون هو المقصود لذات العمل بل هو المقصود للاتيان به بنحو عبادي اعني بقصد امتثال امره النفسي (فان قلت): إذا كان الامر الغيري يدعو إلى موافقة الامر النفسي كان في غير رتبة الامر النفسي فيمتنع ان يكون احدهما مؤكدا للآخر لان الوجود المتأكد وجود واحد في رتبة واحدة وقد تقدم ان الوجوب الغيرى يؤكد الوجوب النفسي (قلت): ذات الافعال من حيث هي مقدمة للغاية كما ان صدورها عن دعوة الامر الشرعي مقدمة أخرى فيتعلق الوجوب الغيرى بكل منهما فالوجوب المتعلق بذوات الافعال يكون مؤكدا للاستحباب والوجوب المتعلق بطاعته يكون بمنزلة الحكم له فيكون في غير رتبته. ثم قد يستشكل على المصنف (ره) " تارة " بأن الدفع بذلك لا يطرد في التيمم لعدم استحبابه النفسي (وأخرى) بأنه يقتضي نية الندب بعد دخول الوقت كما قبله مع أن المعروف تعين نية الوجوب، بل عن العلامة (ره) في جملة من كتبه لزوم الاستئناف لو دخل الوقت في الاثناء، بل الظاهر أن نية الوجوب لا إشكال فيها ومرادهم منها بنحو الداعي لا داعي الداعي، ويمكن دفع الاول بأنه مصادرة فليكن هذا الاشكال كاشفا عن استحبابه، والثاني بانه لا يجدي ما لم يكن اجماعا معتبرا مع أن المحكي عن جماعة خلافه، وعن المدارك انه لم يقم دليل على نفي الاجزاء، ومثله ما عن غيره فراجع نعم يمكن الاشكال عليه بأن الامر الغيرى لا يعقل أن يدعو إلى طاعة الامر النفسي الاستحبابي بل الفعل الواقع في الخارج إما أن يكون عن دعوة الامر النفسي أو عن دعوة الامر الغيرى، وداعي الداعي في باب الاطاعة ممتنع كما أوضحناه فيما علقناه على مباحث

٢٦٥

بوجهين آخرين (أحدهما) ما ملخصه أن الحركات الخاصة ربما لا تكون محصلة لما هو المقصود منها من العنوان الذي يكون بذاك العنوان مقدمة وموقوفا عليها فلا بد في اتيانها بذاك العنوان من قصد أمرها لكونه لا يدعو الا إلى ما هو موقوف عليه فيكون عنوانا اجماليا ومرآة لها فاتيان الطهارات عبادة واطاعة لامرها ليس لاجل أن امرها المقدمي يقضي بالاتيان كذلك، بل إنما كان لاجل إحراز نفس العنوان الذي يكون بذاك العنوان موقوفا عليها (وفيه) مضافا إلى أن ذلك لا يقتضي الاتيان بها كذلك لامكان الاشارة إلى عناوينها التي تكون بتلك العناوين موقوفا عليها بنحو آخر ولو بقصد أمرها وصفا

______________________________

الانسداد من الكتاب في إثبات أن أوامر الاطاعة ارشادية لا مولوية (فالاولى) في الجواب عن الاشكال المذكور بأن قصد الامر الغيرى بما انه من شؤون الامر النفسي الذي هو علة له لا مانع من كونه حافظا لعبادية المقدمات العبادية فيجوز فعلها بعد الوقت بقصد الامر الغيرى على النحو المذكور كما يجوز قصد الامر الاستحبابي النفسي كما سيجئ منه (ره) التعرض لذلك (قوله: بوجهين آخرين) ذكرهما في التقريرات مضافا إلى ما ذكره المصنف (ره) (قوله: ما ملخصه ان الحركات) ومحصله ان المقدمات العبادية ليست بذواتها مقدمة بل بمالها من العنوان الخاص وحيث انه لا يعلم بحصول ذلك العنوان بمجرد فعل المقدمات فلا بد من قصده في مقام فعلها وحيث انه لا طريق إلى قصده غير الامر إذ لا تعين له عند المكلف الا بذلك فيجب قصد الامر ليكون قصده قصدا للعنوان المأمور به بالامر الغيري (قوله: بالاتيان كذلك) يعني فيكون حينئذ عباديا فينافي ما سبق (قوله: الذي يكون) اسم يكون راجع إلى الاتيان (قوله: وفيه مضافا إلى) يعني ان قصد العنوان لا يتوقف على قصد الامر بنحو يوجب عبادية الفعل، بل يمكن ان يكون بواسطة قصد الامر وصفا بأن يقصد المكلف فعل العنوان الواجب بالوجوب الغيري وان كان الباعث له على فعله غير الامر الشرعي

٢٦٦

لا غاية وداعيا بل كان الداعي إلى هذه الحركات الموصوفة بكونها مأمورا بها شيئا آخر غير أمرها، غير واف بدفع إشكال ترتب المثوبة عليها كما لا يخفى (ثانيهما) ما محصله ان لزوم وقوع الطهارات عبادة إنما يكون لاجل ان الغرض من الامر النفسي بغاياتها كما لا يكاد يحصل بدون قصد التقرب بموافقته كذلك لا يحصل ما لم يؤت بها كذلك لا باقتضاء أمرها الغيرى (وبالجملة) وجه لزوم اتيانها عبادة إنما هو لاجل ان الغرض في الغايات لا يحصل الا باتيان خصوص الطهارات من بين مقدماتها أيضا بقصد الاطاعة (وفيه) أيضا أنه غير واف بدفع اشكال ترتب المثوبة عليها (واما) ما ربما قيل في تصحيح اعتبار قصد الاطاعة في العبادات: من الالتزام بأمرين أحدهما كان متعلقا بذات العمل والثانى باتيانه بداعي امتثال الاول (لا يكاد) يجدي في تصحيح اعتبارها في الطهارات إذ لو لم تكن بنفسها مقدمة لغاياتها لا يكاد

______________________________

فلا يكون عبادة مع أنه إشكال في وجوب الاتيان بها بعنوان العبادة (قوله: لا غاية وداعيا) حتى تكون عبادة (قوله: شيئا آخر) من دواع شهوية أو غيرها فلا تكون عبادة (قوله: غير واف) الظاهر ان اصل العبارة: انه غير واف، والوجه في عدم وفائه ان غاية ما يقتضيه لزوم قصد الامر داعيا فتكون بذلك عبادة فيبقى اشكال ترتب الثواب عليها مع أن الامر الغيرى لا يترتب على موافقته الثواب (قوله: بموافقته) متعلق بقوله: يحصل (قوله: غير واف بدفع اشكال) كما تقدم في الجواب السابق بل ولا واف بدفع الجهة الاولى أعني عدم صلاحية الامر الغيري للمقربية، بل إنما يقتضي الفرق بين هذه المقدمات وغيرها من سائر المقدمات في أن عباديتها دخيلة في ترتب الغرض على ذي المقدمة دون غيرها من المقدمات (قوله: من الالتزام بأمرين) كما تقدم في مبحث التوصلي والتعبدي (قوله: لا يكاد يجري) جواب اما (قوله: بنفسها مقدمة) قد عرفت أن المعيار في مقدمية شئ لآخر كونه يلزم من عدمه العدم ومن المعلوم أن ذات العبادة يلزم من عدمها العدم فلابد أن يتعلق بها الامر الغيرى

٢٦٧

يتعلق بها امر من قبل الامر بالغايات فمن اين يجيئ طلب آخر من سنخ الطلب الغيرى متعلق بذاتها ليتمكن به من المقدمة في الخارج ؟ هذا مع ان في هذا الالتزام ما في تصحيح اعتبار قصد الطاعة في العبادة على ما عرفته مفصلا سابقا فتذكر (الثاني) انه قد انقدح مما هو التحقيق في وجه اعتبار قصد القربة في الطهارات صحتها ولو لم يؤت بها قصد التوصل بها إلى غاية من غاياتها. نعم لو كان المصحح لاعتبار قصد القربة فيها أمرها الغيري لكان قصد الغاية مما لا بد منه في وقوعها صحيحة فان الامر الغيرى لا يكاد يمتثل الا إذا قصد التوصل إلى الغير حيث لا يكاد يصير داعيا الا مع هذا القصد، بل في الحقيقة يكون هو الملاك لوقوع المقدمة عبادة ولو لم يقصد أمرها بل ولو لم نقل بتعلق الطلب بها اصلا، وهذا هو السر في اعتبار قصد التوصل في وقوع المقدمة عبادة (لا ما توهم) من ان المقدمة إنما تكون مأمورا بها بعنوان

______________________________

(قوله: فمن أين يجئ) قد عرفت انه يجئ لكن مجيئه لا يفي بدفع الاشكال لان الامر الغيرى لا يصلح للمقربية ولا يوجب عبادية متعلقه حتى يتمكن به من المقدمة (قوله: مع ان في هذا) يعني برد عليه ما تقدم بيانه سابقا في مبحث التوصلي والتعبدي (قوله: في وجه اعتبار) يعني من كونها مستحبات نفسية ويكون الامر الاستحبابي هو الموجب لكونها عبادة (قوله: ولو لم يؤت بها) لان الامر الاستحبابي لا يرتبط بالغاية كي يتوهم دخل قصد التوصل إليها في تحقق الانقياد إليه (قوله: لكان قصد الغاية) قد عرفت ان الامر الغيرى لا يدعو إلى موضوعه بما أنه في قبال الامر النفسي بل إنما يدعو إليه بما انه من شئونه نظير الواسطة في التبليغ فالدعوة في الحقيقة للامر النفسي وبالتبع للامر الغيري وحيث أن الانبعاث من قبل الامر النفسي إنما يكون بقصد موضوعه كان الانبعاث من قبل الامر الغيرى كذلك المؤدي إلى قصد التوصل بالمقدمة إلى ذيها فصح حينئذ ان يقال: عبادية الامر الغيرى منوطة بقصد التوصل بموضوعه إلى موضوع الامر النفسي الذي هو الغاية (قوله: وهذا هو السر) يعني

٢٦٨

المقدمية فلا بد عند ارادة الامتثال بالمقدمة من قصد هذا العنوان، وقصدها كذلك لا يكاد يكون بدون قصد التوصل إلى ذى المقدمة بها، فانه فاسد جدا، ضرورة ان عنوان المقدمية ليس بموقوف عليه الواجب ولا بالحمل الشايع مقدمة له وإنما كان المقدمة هو نفس المعنونات بعناوينها الاولية والمقدمية إنما تكون علة لوجوبها (الامر الرابع) لا شبهة في ان وجوب المقدمة - بناء على الملازمة - يتبع في الاطلاق والاشتراط وجوب ذي المقدمة كما اشرنا إليه في مطاوى كلماتنا ولا يكون مشروطا بارادته كما يوهمه ظاهر عبارة صاحب المعالم - رحمه الله - في بحث الضد قال: وأيضا فحجة القول بوجوب المقدمة على تقدير تسليمها إنما ينهض دليلا على الوجوب في حال كون المكلف مريدا للفعل المتوقف عليها كما لا يخفى على من أعطاها حق النظر وأنت خبير بأن نهوضها على التبعية واضح لا يكاد يخفى وان كان نهوضها على اصل الملازمة لم يكن

______________________________

*

كونه الملاك في وقوع المقدمة عبادة (قوله: لا يكاد يكون بدون) قصد التوصل مساوق لقصد الوصول، وأما قصد المقدمية فلا يلازم قصد الوصول لان صفة المقدمية ذاتية ولو في غير حال الوصول إلى ذى المقدمة، ولذا بنى المشهور على وجوب مطلق المقدمة ولو لم تكن موصلة لوجود صفة المقدمية فيها مطلقا. نعم لو أريد من المقدمية الصفة التي تضائفها المؤخرية كانت ملازمة لذى المقدمة وقصدها مساوق لقصده (قوله: ضرورة ان عنوان) كما تقدم أيضا في أول المبحث (قوله: على الملازمة) يعني بين وجوب الشئ ووجوب مقدماته (قوله: يتبع في) لانه معلول للوجوب النفسي وكل ما هو شرط للعلة شرط للمعلول (قوله: بارادته) يعنى ارادة ذى المقدمة (قوله: فحجة القول) المراد بها ما سيأتي من الاحتجاج بأنه لو لم تجب لجاز تركها... الخ (قوله: على التبعية) يعني التبعية في الاطلاق والاشتراط ووجه وضوحها في الاول انه لولا التبعية في الاطلاق بأن يكون وجوب ذى المقدمة مطلقا ووجوبها

٢٦٩

بهذه المثابة كما لا يخفى، وهل يعتبر في وقوعها على صفة الوجوب ان يكون الاتيان بها بداعي التوصل بها إلى ذى المقدمة ؟ كما يظهر مما نسبه إلى شيخنا العلامة - أعلى الله مقامه - بعض أفاضل مقرري بحثه، أو ترتب ذي المقدمة عليها بحيث لو لم يترتب عليها يكشف عن عدم وقوعها على صفة الوجوب - كما زعمه صاحب الفصول قدس سره - أولا يعتبر في وقوعها كذلك شئ منهما الظاهر عدم الاعتبار أما عدم اعتبار قصد التوصل فلاجل ان الوجوب لم يكن بحكم العقل الا لاجل المقدمية والتوقف وعدم دخل قصد التوصل

______________________________

مشروطا يلزم جواز تركها وهو فاسد كما تضمنته الحجة وأما التبعية في الاشتراط بمعنى انه إن كان وجوب ذى المقدمة مشروطا كان وجوبها كذلك فالحجة لا تنهض عليها إلا بملاحظة عدم صحة الاحتجاج بها على الوجوب حينئذ فتأمل جيدا (قوله: بهذه المثابة) كما سيأتي بيانه في الاحتجاج ثم إن مراد المعالم إن كان إناطة الوجوب بارادة ذى المقدمة (ففيه) أن ارادة ذي المقدمة علة لارادة المقدمة ومعها تكون واجبة الوجود بالعرض فلا مجال للتكليف بها وان شئت قلت: شأن التكليف ان يكون داعيا للارادة فلا يكون منوطا بها، وان كان تقييد الواجب بها بحيث يكون الوجوب ثابتا للمقدمة المراد ذوها فهو قريب مما نسب إلى شيخنا الاعظم وسيأتي ما فيه

قصد التوصل

(قوله: كما يظهر مما نسبه إلى) الذي يظهر من كلماته في نية الوضوء من كتاب الطهارة أن قصد التوصل شرط في عبادية الواجب الغيرى قال (ره) في كلام له: فان الامتثال بالواجب الغيرى والاتيان به لاجل أمر الشارع توصلا إلى إباحة الصلاة مع عدم قصد التوصل به إلى الغير بل لغرض آخر لا يعد اطاعة وموافقة لذلك الامر ولا يصلح أن يكون هذا الفعل اطاعة لذلك الامر الغيرى انتهى، وكلام التقريرات مضطرب فبعضه ظاهر في ذلك وبعضه ظاهر فيما ذكر

٢٧٠

فيه واضح، ولذا اعترف بالاجتزاء بما لم يقصد به ذلك في غير المقدمات العبادية لحصول ذات الواجب فيكون تخصيص الوجوب بخصوص ما قصد به التوصل من المقدمة بلا مخصص فافهم. نعم إنما اعتبر ذلك في الامتثال لما عرفت من انه لا يكاد يكون الآتى بها بدونه ممتثلا لامرها وآخذا في امتثال الامر بذيها فيثاب بثواب أشق الاعمال فيقع الفعل المقدمى على صفة الوجوب ولو لم يقصد به التوصل كسائر الواجبات التوصلية لا على حكمه السابق الثابت له لولا عروض صفة توقف الواجب الفعلي المنجز عليه، فيقع الدخول في ملك الغير واجبا إذا كان مقدمة لانقاذ غريق

______________________________

المصنف (ره) (قوله: فيه واضح) إذ مع أنه خلاف الوجدان أنه لو كان دخيلا لزم الدور لان قصد التوصل أيضا موقوف على المقدمية إذ لا معنى للتوصل بما ليس بمقدمة فلو توقفت المقدمية على قصد التوصل كان دورا (قوله: اعترف بالاجزاء) هذا يدل على ما ذكرنا (قوله: بلا مخصص) بل هو ممتنع لان الفعل المقيد بالارادة واجب كما هو الحال في كل معلول بشرط علته فلا يكون موضوعا للتكليف، وقد عرفت ان قصد التوصل عين الارادة الغيرية للشئ مع أن قصد التوصل لو كان بنحو يجب تحصيله لزم التكليف بالارادة والقصد المذكور وهو ممتنع لخروجها عن الاختيار - مضافا إلى أن الارادة التكوينية الغيرية إنما تتعلق بذات المقدمة لا خصوص المقصود بها التوصل، ولا فرق بين الارادة التكوينية والتشريعية ولعله إلى هذا أشار بقوله: فافهم (قوله: نعم إنما اعتبر ذلك في) يعني أن قصد التوصل ليس قيدا في الواجب وإنما هو شرط في إطاعة الامر الغيرى كما هو ظاهر الكلام المتقدم في طهارته (قوله: لما عرفت) يعني في التذنيب الثاني (قوله: فيقع الفعل) تفريع على عدم اعتبار قصد التوصل في وجوب المقدمة (قوله: صفة الوجوب) يعني وإن لم يكن طاعة وعبادة (قوله: لا على حكمه) معطوف على صفة الوجوب (قوله: فيقع الدخول في ملك) تفريع على وقوع المقدمة بصفة الوجوب ولو مع عدم قصد

٢٧١

أو إطفاء حريق واجب فعلي لا حراما وان لم يلتفت إلى التوقف والمقدمية غاية الامر يكون حينئذ متجرئا فيه كما انه مع الالتفات يتجرأ بالنسبة إلى ذى المقدمة فيما لم يقصد التوصل إليه اصلا، وأما إذا قصده ولكنه لم يأت بها بهذا الداعي بل بداع آخر أكده بقصد التوصل فلا يكون متجرئا أصلا (وبالجملة) يكون التوصل بها إلى ذى المقدمة من الفوائد المترتبة على المقدمة الواجبة لا ان يكون قصده قيدا وشرطا لوقوعها على صفة الوجوب لثبوت ملاك الوجوب في نفسها بلا دخل له فيه أصلا والا

______________________________

التوصل (وتوضيحه) أنه إذا توقف إنقاذ غريق أو إطفاء حريق واجب فعلي على الدخول في ملك الغير بغير اذنه فالدخول المذكور (تارة) يكون مع عدم التفات المكلف إلى انه مما يتوقف عليه الواجب (وأخرى) يكون مع التفاته لذلك مع عدم قصد التوصل به إليه (وثالثة) يكون مع التفاته لذلك وقصده التوصل به إليه لكنه لم يكن ناشئا عن محض قصد التوصل بل عنه وعن داع آخر، ففي الصورة الاولى يكون الدخول واجبا بلا معصية له فيه ويكون متجرئا فيه لانه أقدم على ما يعتقد كونه حراما وان لم يكن محرما واقعا، وفى الثانية يكون الدخول واجبا بلا معصية فيه ولا تحريم نعم يكون متجرئا في عدم قصد التوصل به إلى الواجب، وأما على رأى شيخنا الاعظم (ره) فانه يقع حراما ويكون المكلف عاصيا به في الصورتين معا، وفي الثالثة يقع واجبا بلا معصية فيه ولا تجرء لا فيه ولا في غيره، أما على مذهب شيخنا الاعظم (ره) فان اعتبر استقلال قصد التوصل في صدور المقدمة يكون الدخول حراما ومعصية لكون المفروض صدور الدخول عن داع آخر منضم إلى قصد التوصل، وان لم يعتبر ذلك كان الدخول واجبا لا غير (قوله: وان لم يلتفت) اشارة إلى الصورة الاولى (قوله: فيما لم يقصد) اشارة إلى الصورة الثانية (قوله: وأما إذا قصده) اشارة إلى الصورة الثالثة (قوله: لثبوت ملاك) وهو عنوان المقدمية (قوله: له فيه أصلا) يعني للقصد في الملاك

٢٧٢

لما حصل ذات الواجب ولما سقط الوجوب به كما لا يخفى، ولا يقاس على ما إذا اتى بالفرد المحرم منها حيث يسقط به الوجوب مع انه ليس بواجب وذلك لان الفرد المحرم انما يسقط به الوجوب لكونه كغيره في حصول الغرض به بلا تفاوت اصلا الا أنه لاجل وقوعه على صفة الحرمة لا يكاد يقع على صفة الوجوب وهذا بخلاف ما ها هنا فانه ان كان كغيره مما يقصد به التوصل في حصول الغرض فلا بد ان يقع على صفة الوجوب مثله لثبوت المقتضي فيه بلا مانع والا لما كان يسقط به الوجوب ضرورة والتالي باطل بداهة فيكشف هذا عن عدم اعتبار قصده في الوقوع على صفة الوجوب قطعا وانتظر لذلك مهمة توضيح، والعجب أنه شدد النكير على القول بالمقدمة الموصلة واعتبار ترتب ذي المقدمة عليها في وقوعها على صفة الوجوب على ما حرره بعض مقرري بحثه - قدس سره - بما يتوجه على اعتبار قصد التوصل

______________________________

(قوله: بالفرد المحرم منها) يعني حيث يكون للمقدمة فردان أحدهما مباح والآخر حرام فان الحرام يسقط به الوجوب الغيري مع أنه ليس بواجب (قوله: وذلك لان الفرد) توضيح الفرق بين المقامين أن ملاك التحريم في الفرد المحرم لما لم يصلح ملاك الوجوب الغيري الموجود فيه لمزاحمته لامكان تحصيله بالفرد المباح بقي أثره وهو التحريم بحاله فيكون الفرد المحرم باقيا على تحريمه من دون أن يطرأ عليه وجوب غيري وان كان يسقط به لحصول ملاكه، أما المقدمة التي لم يقصد بها التوصل فملاك الوجوب فيها بلا مزاحم فلا بد أن تكون واجبة، وقصد التوصل مما لا دخل له في حصول الملاك وإلا لم يحصل بدونه فلا يتوقف ثبوت الوجوب عليه (قوله: لاجل) متعلق بقوله: لا يكاد يقع (قوله: وإلا لما) يعني وإن لم يثبت فيه المقتضي بلا مانع (قوله: وانتظر لذلك) فسيأتي منه في الاشكال على الفصول ما يتعلق بهذا المقام فلاحظ قوله: إن قلت، الثانية وجوابها (قوله: بما يتوجه على اعتبار) فانه قد استشكل على الفصول من

٢٧٣

في وقوعها كذلك فراجع تمام كلامه - زيد في علو مقامه - وتأمل في نقضه وإبرامه وأما عدم اعتبار ترتب ذي المقدمة عليها في وقوعها على صفة الوجوب فلانه لا يكاد يعتبر في الواجب الا ما له دخل في غرضه الداعي إلى ايجابه والباعث على طلبه وليس الغرض من المقدمة الا

______________________________

جهات ثلاث " ملخص الاولى " منها أن الوجه في حكم العقل بوجوب المقدمة ليس إلا أن عدمها يوجب العدم " وملخص الثانية " أن القول بوجوب المقدمة الموصلة يوجب القول بوجوب مطلق المقدمة لان الامر بالمقيد بقيد خارجي يستتبع الامر بذات المقيد " وملخص الثالثة " دعوى الوجدان بسقوط الطلب بعد وجودها من غير انتظار ترتب ذي المقدمة، ولو لا أن لوجودها بذاتها مدخلا في المطلوبية لم يكن وجه للسقوط، وهذه الجهات - كما ترى - واردة بعينها على دعوى اعتبار قصد التوصل.

المقدمة الموصلة

(قوله: لا يكاد يعتبر في الواجب) هذا هو الاشكال الاول الذي ذكره في التقريرات (وتوضيحه) أنه لا ريب في أن الشئ الواحد إذا كان له مقدمات متعددة توقف وجوده على وجود جميعها ويكفي في عدمه عدم واحدة منها ولازم ذلك أن أثر كل واحدة من المقدمات حفظ الوجود من قبلها وسد باب من أبواب عدمه بحيث لو وجدت واحدة منها كان عدم الشئ مستندا إلى عدم غيرها من المقدمات وحيث أن الغرض الباعث على الامر بالشئ. نفسيا كان أو غيريا هو الغرض المترتب على وجوده فلا بد أن يكون الغرض من الامر الغيري بالمقدمة هو حفظ وجود ذيها من قبلها وسد باب من أبواب عدمه، لا نفس وجود ذيها، إذ المفروض أن وجوده ليس أثرا لوجود المقدمة وإذ كان الغرض من الامر بالمقدمة ذلك لم يكن وجه لتخصيص الوجوب بخصوص الموصلة لان الغرض المذكور كما

٢٧٤

حصول ما لولاه لما أمكن حصول ذي المقدمة ضرورة انه لا يكاد يكون الغرض الا ما يترتب عليه من فائدته وأثره ولا يترتب على المقدمة الا ذلك ولا تفاوت فيه بين ما يترتب عليه الواجب وما لا يترتب عليه اصلا وانه لا محالة يترتب عليهما كما لا يخفى. وأما ترتب الواجب فلا يعقل أن يكون الغرض الداعي إلى ايجابها والباعث على طلبها فانه ليس باثر تمام المقدمات فضلا عن إحداها في غالب الواجبات فان الواجب الا ما قل في الشرعيات والعرفيات فعل اختياري

______________________________

يترتب على الموصلة يترتب على غيرها أيضا فيتبعه التكليف لانه تابع لغرضه سعة وضيقا (قوله: حصول ما لولاه لما) ضمير (لولاه) راجع إلى (ما) يعني: الغرض من المقدمة أثر لولاه لما أمكن حصول ذي المقدمة، ولاجله أمكن حصوله " اقول ": إمكان حصول ذي المقدمة ليس ناشئا من أثر المقدمة بل من إمكان المقدمة لان إمكان المعلول ناشئ من امكان علته - مع أن ذلك يتم في معطي القابلية من المقدمات لا في معطي الوجود كالمقتضي فان أثره نفس الوجود لا شئ به يتحصل الوجود (قوله: الا ذلك) يعني الاثر الذي به يمكن حصول ذي المقدمة (قوله: وأنه لا محالة) يعني الاثر لا محالة يترتب على الموصلة وغيرها (قوله: فلا يعقل أن يكون الغرض) أقول: من الواضح - كما تقدم أيضا - أن الواجب الغيري ما يجب لغيره بخلاف الواجب النفسي الذي يجب لنفسه والمراد من الغير في قولهم: لغيره، هو الواجب النفسي فيدل ذلك على أن الغرض من الواجب الغيري هو نفس الواجب النفسي لا أمر آخر - مضافا إلى أنه لا ريب في كون الغرض من الوجوب النفسي وجود موضوعه وتسليم ذلك يستلزم تسليم اختصاص الوجوب الغيري بحال وجود موضوع الوجوب النفسي إذ هو قضية التلازم بين الوجوبين وكون أحدهما معلولا للآخر ومن شئونه وأطواره - مع أن لازم دعوى كون الغرض من الوجوب الغيري مجرد التمكن من الواجب النفسي هو القول بوجوب فعل المقدمة ولو مع تعذر بقية المقدمات

٢٧٥

يختار المكلف تارة اتيانه بعد وجود تمام مقدماته وأخرى عدم اتيانه فكيف يكون اختيار اتيانه غرضا من ايجاب كل واحدة من مقدماته مع عدم ترتبه على عامتها فضلا عن كل واحدة منها (نعم) فيما كان الواجب من الافعال التسبيبية والتوليدية كان مترتبا لا محالة على تمام مقدماته لعدم تخلف المعلول عن علته، ومن هنا قد انقدح أن القول بالمقدمة الموصلة يستلزم انكار وجوب المقدمة في غالب الواجبات والقول بوجوب خصوص العلة التامة في خصوص الواجبات التوليدية (فان قلت):

______________________________

لترتب الغرض على فعلها حينئذ والوجوب منوط بغرضه ولا يلتزم به أحد (وكون) الواجب النفسي لا يترتب على كل واحدة من المقدمات بل المترتب عليها أثر يمكن به حصول الواجب النفسي (مسلم) إلا أنه لا ينافي كون الغرض من وجوب كل واحدة من المقدمات الوجود الفعلي للواجب النفسي إذ لا يعتبر في الغرض ان يكون مرتبا على موضوع الامر مستقلا بل يجوز أن يكون مرتبا عليه ضمنا، ومن المعلوم أن المقدمات في ظرف اجتماعها يترتب الاثر على مجموعها بنحو يكون لكل واحدة منها دخل ضمني نظير تحريك العشرة للحجر الواحد فان حركة الحجر مستندة إلى حركة كل واحد منهم ضمنا وإن كان كل واحد منهم لا يترتب على حركته مستقلا حركة الحجر (قوله: يختار المكلف تارة) وحينئذ يترتب على تمام مقدماته (قوله: وأخرى عدم) يعني فلا يترتب على تمام مقدماته (قوله: يكون اختيار اتيانه) هذا ما ادعاه القائل بالمقدمة الموصلة وإنما ادعى أن نفس اتيانه غرض للوجوب الغيري فإذا لم يؤت به لعدم اختياره لم يترتب الغرض (قوله: عدم ترتبه على عامتها) هذا لا ينافي كونه غرضا للامر بها إذ لا يعتبر في الغرض أن يكون مترتبا على ذات المأمور به مطلقا كما تقدم في الاوامر العبادية (قوله: يستلزم انكار) هذا الاستلزام انما يتم لو كان المراد من الموصلة الفاعلة للايصال أما لو كان المراد ما يترتب الواجب على وجودها ولو لاجتماع تمام ما له الدخل في وجوده فلا يتم فان مقدمات الافعال الاختيارية إذا اتفق ترتب الواجب عليها

٢٧٦

ما من واجب الاوله علة تامة ضرورة استحالة وجود الممكن بدونها فالتخصيص بالواجبات التوليدية بلا مخصص (قلت): نعم وان استحال صدور الممكن بلا علة الا ان مبادئ اختيار الفعل الاختياري من اجزاء علته وهى لا يكاد تتصف بالوجوب لعدم كونها بالاختيار والا لتسلسل - كما هو واضح لمن تأمل - ولانه لو كان معتبرا فيه الترتب لما كان الطلب يسقط بمجرد الاتيان بها من دون انتظار لترتب الواجب عليها بحيث لا يبقى في البين

______________________________

ولو لتعلق إرادة المكلف به كلها واجبة بالوجوب الغيري (قوله: بلا مخصص) فيكون الواجب بالوجوب الغيري هو تلك العلة في التوليديات وغيرها (قوله: الا أن مبادئ اختيار) يعني ان الفعل الاختياري لما كان متوقفا على الارادة كانت الارادة من مقدماته مضافة إلى سائر مقدماته ويكون مجموعها هو العلة (قوله: وهي لا تكاد تتصف) يعني وما عداها ليس بموصل حتى يتصف بالوجوب الغيري فلا وجوب غيري لمقدمات الفعل الاختياري (أقول): عرفت أن المراد من الموصلة ما يترتب عليها الواجب ولو بضميمة تمام ماله دخل في وجوده وما عدا الارادة من المقدمات قد يكون كذلك (قوله: كونها بالاختيار) لو فرض كونها بالاختيار لامتنع تعلق الامر الغيري بها لان تأثير الامر الغيري بها بتوسط إحداثه الداعي الموجب لارادتها وقد عرفت أن تأثير الوجوب الغيري في ذلك بملاك كونه من شئون الوجوب النفسي فالتأثير في الحقيقة يكون له وتأثير الوجوب النفسي عين إحداثه الارادة لمتعلقة المؤدية إلى ارادة مقدماته، ومن الواضح أن الارادة يمتنع ان تؤثر في ارداة أخرى متعلقة بها لان ذلك دور - مع أن تعلق الارادة بالارادة الحاصلة ممتنع لانه من قبيل تحصيل الحاصل (قوله: ولانه لو كان معتبرا فيه) هذا اشكال آخر على دعوى الفصول أشار إليه في التقريرات، وحاصله أن المسقط للتكليف في نظر العقل أحد أمور ثلاثة الموافقة والعصيان وارتفاع موضوع التكليف، ولا ريب في أن التكليف الغيري يسقط باتيان المقدمة كما لا ريب في أنه ليس من الاخيرين فيتعين

٢٧٧

الا طلبه وايجابه كما إذا لم تكن هذه بمقدمة أو كانت حاصلة من الاول قبل ايجابه - مع ان الطلب لا يكاد يسقط الا بالموافقة أو العصيان والمخالفة أو بارتفاع موضوع التكليف كما في سقوط الامر بالكفن أو الدفن بسبب غرق الميت أحيانا أو حرقه ولا يكون الاتيان بها - بالضرورة - من هذه الامور غير الموافقة (ان قلت): كما يسقط الامر في تلك الامور كذلك يسقط بما ليس بالمأمور به فيما يحصل به الغرض منه كسقوطه في التوصليات بفعل الغير أو المحرمات (قلت): نعم لكن لا محيص عن ان يكون ما يحصل به الغرض من الفعل الاختياري للمكلف متعلقا للطلب فيما لم يكن فيه مانع وهو كونه بالفعل محرما، ضرورة أنه لا يكون بينهما تفاوت أصلا فكيف يكون أحدهما متعلقا له فعلا دون الآخر ؟ وقد استدل صاحب الفصول على ما ذهب إليه بوجوه

______________________________

أن يكون الاول ولازمه تعلق التكليف بمطلق المقدمة إذ لو كان الواجب خصوص الموصلة لم تتحقق الموافقة إلا في حال الايصال - مع أنه لا ريب في السقوط بمجرد فعل المقدمة بلا نظر إلى ثبوت الايصال (قوله: طلبه وايجابه) الضمير راجع إلى الواجب النفسي (قوله: نعم لكن لا محيص) يعني وان سلمنا انه قد يسقط التكليف بغير الثلاثة المتقدمة إذا كان يحصل به الغرض لكنه مختص بما لا يجوز التكليف به إما لكونه فعل الغير فلا يكون اختياريا أو محرما فلا يتعلق به الوجوب للتضاد، ولا يجري في فعل المكلف الاختياري غير المشتمل على مانع من طلبه لانه إذا كان كذلك وجب تعلق الطلب به بعد كونه مشتملا على المصلحة وواجدا لملاك الطلب كغيره مما هو موضوع للطلب فلا يمكن الالتزام بان فعل المقدمة ليس موضوعا للطلب وان كان يسقط به لحصول غرضه (قوله: من الفعل الاختياري) يعني كفعل الغير (قوله: فيما لم يكن) كما هو المفروض في الاستدلال (قوله: ضرورة أنه) تعليل لوجوب تعلق الطلب به (قوله: فكيف يكون احدهما) (أقول): قد عرفت الوجه فيه وأن الامر تابع لغرضه

٢٧٨

حيث قال - بعد بيان أن التوصل بها إلى الواجب من قبيل شرط الوجود لها لا من قبيل شرط الوجوب ما هذا لفظه -: والذى يدلك على هذا - يعنى الاشتراط بالتوصل - أن وجوب المقدمة لما كان من باب الملازمة العقلية فالعقل لا يدل عليه زائدا على القدر المذكور، وأيضا لا يأبى العقل ان يقول الآمر الحكيم: أريد الحج وأريد المسير الذي يتوصل به إلى فعل الواجب دون ما لم يتوصل به إليه بل الضرورة قاضية بجواز تصريح الآمر بمثل ذلك كما أنها قاضية بقبح التصريح بعدم مطلوبيتها له مطلقا أو على تقدير التوصل بها إليه وذلك آية عدم الملازمة بين وجوبه ووجوب مقدماته على تقدير عدم التوصل بها إليه، وأيضا حيث أن المطلوب بالمقدمة مجرد التوصل بها إلى الواجب وحصوله فلا جرم يكون التوصل بها إليه وحصوله معتبرا في مطلوبيتها فلا تكون مطلوبة إذا انفكت عنه وصريح الوجدان قاض بأن من يريد شيئا بمجرد حصول شئ آخر لا يريده إذا وقع مجردا عنه ويلزم منه ان يكون وقوعه على الوجه المطلوب منوطا بحصوله. انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علو مقامه،

______________________________

ضيقا وسعة فإذا كان الغرض من الامر الغيري الوجود الفعلي للواجب النفسي اختص الامر بما يترتب عليه ذلك الوجود ولا يشمل ما سواه فلو سلم سقوط الطلب حقيقة بمجرد فعل المقدمة ولو مع عدم الترتب واقعا لم يكن بد من الالتزام بأنه سقوط بغير موضوعه كما هو الحال أيضا في الوجوبات النفسية القائمة بأجزاء المركب فانها لما كانت ناشئة عن غرض واحد اختص كل منها بالجزء الملازم للجزء الآخر لا بشرط الآخر ولا لا بشرط فإذا جئ ببعض الاجزاء دون بعض سقط وجوب ذلك الجزء بغير موضوعه، وإن منعنا السقوط هنا أيضا لتلازم الوجوبات الضمنية في مقام الثبوت والسقوط فيمتنع سقوط بعضها دون بعض نعم يترتب على فعل بعض الاجزاء سقوط اقتضاء الوجوب للبعث ثانيا كان اللازم الالتزام به في المقام فلا يتم قوله في صدر الاستدلال: يسقط بمجرد الاتيان بها (قوله: حيث قال) ذكر ذلك في التنبيه الاول (قوله: شرط الوجوب) إذ لو كان الوجوب مشروطا بوجود

٢٧٩

وقد عرفت بما لا مزيد عليه أن العقل الحاكم بالملازمة دل على وجوب مطلق المقدمة لا خصوص ما إذا ترتب عليها الواجب فيما لم يكن هناك مانع عن وجوبه كما إذا كان بعض مصاديقه محكوما فعلا بالحرمة لثبوت مناط الوجوب حينئذ في مطلقها وعدم اختصاصه بالمقيد بذلك منها، وقد انقدح منه أنه ليس للآمر الحكيم غير المجازف بالقول ذلك التصريح وان دعوى ان الضرورة قاضية بجوازه مجازفة كيف يكون ذا مع ثبوت الملاك في الصورتين بلا تفاوت اصلا كما عرفت ؟ (نعم) إنما يكون التفاوت بينهما في حصول المطلوب النفسي في إحداهما وعدم حصوله في الاخرى من دون دخل لها في ذلك اصلا، بل كان بحسن اختيار المكلف وسوء اختياره، وجاز للآمر أن يصرح بحصول هذا المطلوب في إحداهما وعدم حصوله في الاخرى، وحيث أن الملحوظ بالذات هو هذا المطلوب وانما كان الواجب الغيرى ملحوظا اجمالا بتبعه كما يأتي أن وجوب المقدمة على الملازمة تبعي جاز في صورة عدم حصول المطلوب النفسي التصريح بعدم حصول المطلوب اصلا لعدم التفاوت إلى ما حصل من المقدمة فضلا عن كونها مطلوبة كما جاز التصريح بحصول الغيرى مع عدم فائدته لو التفت إليها كما لا يخفى فافهم (ان قلت): لعل التفاوت بينهما في صحة اتصاف احداهما بعنوان الموصلية دون الاخرى اوجب التفاوت بينهما في المطلوبية وعدمها

______________________________

ذى المقدمة كان مشروطا بوجود نفس المقدمة ووجوب الشئ بشرط وجوده ممتنع (قوله: لثبوت مناط) قد عرفت الاشكال فيه (قوله: ذلك التصريح) لان التصريح خلاف حكم العقل (قوله: من دون دخل) لا إشكال في أنه في ظرف الترتب يكون الوجود مستندا إلى جميع المقدمات بحيث يكون لكل منها أثر فعلي ضمني فيجوز أن يكون غرضا للتكليف بها (قوله: بل كان يحسن) ليس حسن الاختيار تمام الدخيل في الترتب (قوله: هذا المطلوب في) يعني المطلوب النفسي (قوله: حيث ان) الظاهر ان اصل العبارة:

٢٨٠