حقائق الاصول الجزء ١

حقائق الاصول13%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 571

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 571 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 212008 / تحميل: 5772
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

معرفة له ولا لها اصلا - ولو بوجه - نعم ربما يوجب تصوره تصور العام بنفسه فيوضع له اللفظ فيكون الوضع عاما كما كان الموضوع له عاما، وهذا بخلاف ما في الوضع العام والموضوع له الخاص فان الموضوع له وهي الافراد لا يكون متصورا إلا بوجهه وعنوانه، وهو العام، وفرق واضح بين تصور الشئ بوجهه وتصوره بنفسه ولو كان بسبب تصور أمر آخر ولعل خفاء ذلك على بعض الاعلام وعدم تمييزه بينهما كان موجبا لتوهم امكان ثبوت قسم رابع، وهو ان يكون الوضع خاصا مع كون الموضوع له عاما مع انه واضح لمن كان له ادنى تأمل ثم إنه لا ريب في ثبوت الوضع الخاص والموضوع له الخاص كوضع الاعلام، وكذا الوضع العام والموضوع له العام، كوضع أسماء الاجناس، وأما الوضع العام والموضوع له الخاص فقد توهم أنه وضع الحروف وما ألحق بها من الاسماء، كما توهم أيضا أن المستعمل فيه فيها خاصا مع كون الموضوع له كالوضع عاما (والتحقيق) حسبما يؤدي إليه النظر الدقيق

______________________________

ما يباين الخاص من أفراده فكيف يصلح الخاص للحكاية عنه، بل عرفت أن العام كذلك وانما يفترقان في ان العام يصلح للحكاية عنه بواسطة تحديده والخاص لا يصلح للحكاية عن العام بكل وجه (قوله: معرفة له) أي للعام (قوله: ولا لها) أي ولا للافراد (قوله: نعم ربما يوجب) يعني قد يتفق أن لحاظ الخاص يلازم لحاظ العام بنفسه بلحاظ مباين للحاظه نظير الدلالة الالتزامية، أو يقتضي لحاظ العام بوجهه فيكون دخل لحاظ الخاص في لحاظ العام كونه محددا لوجه العام كما إذا نظرت شبحا فوضعت اللفظ لنوعه فان نوعه ليس ملحوظا بنفسه بل بوجهه وهو عنوان النوع إلا أن عنوان النوع لما كان أعم من نوع الشبح ونوع غيره والعام قد عرفت انه لا يكون وجها للخاص بنفسه احتيج في تقييد عنوان النوع ليكون وجها لنوع الشبح إلى ملاحظة الشبح الخارجي في المثال، فتصور الخاص - وان كان دخيلا في تصور نوعه - إلا انه بالكيفية المذكورة أعني كونه محددا لوجه نوعه لا كونه وجها لنوعه، ومنه يظهر أن من اثبت قسما رابعا -

٢١

أن حال المستعمل فيه والموضوع له فيها حالهما في الاسماء، وذلك لان الخصوصية المتوهمة ان كانت هي الموجبة لكون المعنى المتخصص بها جزئيا خارجيا فمن الواضح ان كثيرا ما لا يكون المستعمل فيه كذلك، بل كليا ولذا التجأ

______________________________

ممثلا له بمثال الشبح - لم يثبت قسما رابعا للمقسم في كلام النافين، إذ هم منعوا من كون الخاص وجها للعام لا كونه محددا لوجهه فلعل النزاع في ثبوت القسم الرابع لفظي (قوله: وذلك لان الخصوصية) من المعلوم أن الوضع والاستعمال إنما يتعلقان بالصور الذهنية لا الخارجية إذ قد لا يكون المعنى خارجيا اصلا فضلا عن أن يكون جزئيا فالترديد في كلام المصنف (ره) لا بد ان يكون راجعا إلى أن الصور الذهنية التي تستعمل فيها الحروف إن كان المراد من كونها جزئية انها حاكية عن الجزئيات الخارجية يلزم ما ذكر من المحذور، وان كان المراد أنها حاكية عن الجزئيات الذهنية فتكون الصور المستعمل فيها الحروف معقولات ثانوية ففيه أيضا ما ذكره (قوله: كذلك) يعني جزئيا، بل يكون كليا كما في قولك: سر من البصرة إلى الكوفة، فان الابتداء والانتهاء المقيد بهما السير ليسا جزئيين لعدم تحقق السير المقيد بهما ليتشخصا (أقول): المعاني الحرفية اضافات اعتبارية فجزئيتها بجزئية الاعتبار وحينئذ لابد أن تكون جزئية والجامع بينها وان كان كليا الا انه لا يحكي عنها بما أنه معنى حرفي فمن والى في المثال المذكور حاكيتان عن شخص اضافة قائمة بين السير والبصرة، وشخص آخر قائم بينه وبين الكوفة لا عن الكلي الجامع بين الاضافات المتماثلة، فانه وان كان عنوانا كليا إلا انه ليس مدلولا عليه بمن والى بل بمثل الابتداء والانتهاء (ولا بأس)

*

بالاشارة إلى معنى الحرف فنقول: اشتهر تعريف الحرف بأنه ما دل على معنى في غيره، وبأنه مادل على معنى غير مستقل بالمفهومية، وتوضيح المراد منهما هو أن تصور الامور المتكثرة (تارة) بنحو لا يكون بينها ربط كما لو سمعنا قائلا يقول: ثوب، تمر، جبل، زيد، فان مفاهيم الالفاظ المذكورة تحضر في الذهن بلا ربط لبعضها ببعض (واخرى) بنحو يكون بينها ربط خاص كما إذا سمعنا القائل يقول:

٢٢

زيد قائم،

*

فان مفهوم كل من زيد وقائم يحضر في الذهن على ربط خاص يعبر عنه في كلامهم بالنسبة الحملية، وكما إذا سمعنا قوله: قام زيد، فان مفهوم كل من قام وزيد يحضر في الذهن على ربط خاص يعبر عنه بالنسبة الصدورية مثلا. وهكذا الحال في جميع الجمل فان لمفرداتها ارتباطا خاصا فيما بينها ربما يعبر عنه بعبارة تخصه، وربما لا يكون كذلك، وهذا الربط اعتبار محض يكون تحت لحاظ الذهن إلا أنه يختلف لحاظه مع لحاظ كل من طرفيه، فان كلا من زيد، وقائم في المثال الاول ملحوظ في نفسه في قبال صاحبه وليس كذلك حال الربط فانه ملحوظ تبعا لا استقلالا، ونظيره في المحسوسات أن تنظر إلى نقطة في الكتاب فتقول: هي أحسن من غيرها، فانك في حال النظر إلى النقطة ترى ما حولها من الكلمات والسطور، ولكن النظرين يختلفان فان نظر النقطة أصلي ونظر ما حولها تبعي، وكذلك حال الربط المعبر عنه بالاضافة والنسبة فان لحاظه ليس كلحاظ طرفيه بل لحاظه تبعي ولحاظهما أصلي، وهذا هو المراد من كونه غير مستقل بالمفهومية، وكذا كونه في غيره، فإذا المعنى الحرفى ما كان لحاظه تبعيا على النحو المذكور فلو لوحظ الربط المذكور بالاصالة والاستقلال خرج عن كونه معنى حرفيا وصار معنى اسميا فلو قلت: نسبة القيام إلى زيد حملية أو صدورية، كان ما يحكي عنه لفظ النسبة معنى اسميا لا حرفيا بل المعنى الحرفي هو الربط الخاص القائم بين النسبة والقيام يعبر عنه بالنسبة الاضافية، وأوضح ما قيل في تعريفه: إنه ما يكون ملحوظا بنحو لا يصح الحكم عليه ولا به، بخلاف الاسم فانه يكون ملحوظا بنحو يصح الحكم عليه وبه، ولعل هذا هو مراد المصنف (قده) في قوله: لوحظ حالة لمعنى آخر، وأنه في الذهن لا يكون إلا في مفهوم آخر كالعرض الذي لا يكون في الخارج إلا في الجوهر لا ما قد يتراءى من العبارة، وإلا فجميع النسب لا تكون في الذهن إلا كذلك ولو لوحظت بذاتها مستقلة - مع أنها بذلك تكون معاني اسمية قطعا يصح الحكم عليها وبها ضرورة، وكذا لعله ايضا مراد من قال: انه ما يكون عبرة لملاحظة حال الغير، وإلا فربما يكون المفهوم الاسمي آلة لملاحظة

٢٣

بعض الفحول إلى جعله جزئيا إضافيا - هو كما ترى - وإن كانت هي الموجبة لكونه جزئيا ذهنيا

______________________________

غيره كما في العناوين المرآتية مع أنها معان اسمية غاية الامر أنها ما لوحظت بذاتها لذاتها، بل لوحظت بذاتها بنظر الاستطراق إلى غيرها، والمعنى الحرفي ليس كذلك بل يلحظ تبعا لغيره بلا استطراق منه إليه " فإذا قلت ": سرت من البصرة، ف‍ (من) حاكية عن الربط الخاص بين السير والبصرة المعبر عنه بالابتداء وهكذا الحال في سائر الحروف فانها أبدا حاكية عن الاضافات الخاصة الملحوظة حسبما ذكرناه (إذا عرفت) هذا نقول: إما أن تكون الحروف موضوعة لهذه الاضافات الخاصة الملحوظة على النحو الخاص سواء أكان طرفاها جزئيين أم كليين أم مختلفين، أو للجامع بينها، وعلى الثاني فاما أن تكون مستعملة فيه أو في نفس تلك الاضافات الجزئية، المشهور هو الاول والذي عليه المصنف (قده) هو الثاني والثالث حكاه المصنف (قده) وجعله توهما " أقول ": أما دعوى الاستعمال في الكلي فليس عليها شاهد، بل هو على خلافها إذ المفهوم من الحروف دائما هو تلك الاضافات الجزئية لا الجامع بينها " ودعوى " أنها قد لا تكون جزئية (فيها) أن جزئية الاضافة بجزئية الاعتبار الحاصلة من تعين طرفي الاضافة في قبال العنوان الجامع بين الاضافات المتعددة، وليست جزئيتها بتشخص خارجي لتكون كلية بكلية طرفيها فهي نظير مفهوم قولنا: المفهوم، فأنه كلي وأفراده مفهوم زيد ومفهوم الانسان، ونظير مفهوم المشار إليه فان أفراده كل ما يشار إليه سواء أكان كليا أم جزئيا (فدعوى) الاستعمال في الجامع (مساوقة) لدعوى كون لفظ الحرف حاكيا عن الجامع بين الاضافات وليس كذلك ضرورة فان المفهوم منه هو الاضافات الخاصة لا غير. ثم بعد ما عرفت من كون الاستعمال في تلك الاضافات الخاصة لا مجال لدعوى كونها موضوعة للكليات لانها حينئذ تكون مجازات بلا حقيقة وهو كما ترى (قوله قده: بعض الفحول) حكي عن المحقق التقي في حاشيته (قوله: وهو كما ترى) إذ المناقشة ترجع إلى

٢٤

حيث أنه لا يكاد يكون المعنى حرفيا الا إذا لوحظ حالة لمعنى آخر ومن خصوصياته القائمة به ويكون حاله كحال العرض فكما لا يكون في الخارج إلا في الموضوع كذلك هو لا يكون في الذهن الا في مفهوم آخر، ولذا قيل في تعريفه بانه ما دل على معنى في غيره، فالمعنى وإن كان لا محالة يصير جزئيا بهذا اللحاظ بحيث يباينه إذا لوحظ ثانيا كما لوحظ أولا ولو كان اللاحظ واحدا، إلا أن هذا اللحاظ لا يكاد يكون مأخوذا في المستعمل فيه وإلا فلابد من لحاظ آخر متعلق بما هو ملحوظ بهذا اللحاظ، بداهة أن تصور المستعمل فيه مما لابد منه في استعمال الالفاظ - وهو كما ترى - مع أنه يلزم أن لا يصدق على الخارجيات لامتناع صدق

______________________________

التعبير. هذا ولكن عرفت معنى كونه جزئيا (قوله: حيث أنه) بيان للخصوصية المقتضية لكونه جزئيا ذهنيا (قوله: جزئيا بهذا اللحاظ) يعني جزئيا ذهنيا بواسطة أخذ اللحاظ قيدا فيه لان اللحاظات وجودات ذهنية متباينة تباين الوجودات الخارجية (قوله: مأخوذا في المستعمل) كان الانسب أن يقول: لانه يتعذر الاستعمال فيه حينئذ وإلا لزم تعدد اللحاظ أحدهما المأخوذ في المستعمل فيه والآخر مصحح الاستعمال (قوله: وهو كما ترى) أولا من جهة تحقق الاستعمال للحروف في معانيها بلحاظ واحد بلا عناية أصلا وثانيا بأن اللحاظين ان كانا موجودين في آن واحد لزم اجتماع المثلين - وهو ممتنع - وان كانا موجودين في آنين ففي آن اللحاظ الاستعمالي لا لحاظ للمعنى الحرفي بالنحو المميز له عن الاسم، وقد يستشكل بأن الاستعمال في المعنى الملحوظ لا يوجب تعدد اللحاظ إذ الاستعمال كالوضع انما يتوقف على تصور المستعمل فيه وهو المعنى الملحوظ نظير تصور الكلي العقلي بمعنى احضار صورة الموجود الذهني ولا يتوقف على احضاره أولا ثم إحضاره ثانيا (وفيه) أن ذلك خلف لكون المفروض أن الاستعمال في الموضوع له وهو نفس المعنى الملحوظ حال الاستعمال لا الملحوظ آنا ما فلابد في مقام الاستعمال من تحقق لحاظين فيرجع الاشكال. نعم

٢٥

الكلي العقلي عليها حيث لا موطن له الا الذهن فامتنع امتثال مثل: سر من البصرة، إلا بالتجريد وإلغاء الخصوصية هذا مع انه ليس لحاظ المعنى حالة لغيره في الحروف الا كلحاظه في نفسه في الاسماء، وكما لا يكون هذا اللحاظ معتبرا في المستعمل فيه فيها كذلك ذاك اللحاظ في الحروف كما لا يخفى (وبالجملة): ليس المعنى في كلمة (من) ولفظ الابتداء مثلا إلا الابتداء، فكما لا يعتبر في معناه لحاظه في نفسه ومستقلا كذلك لا يعتبر في معناها لحاظه في غيره وآلة، وكما لا يكون لحاظه فيه موجبا لجزئيته فليكن كذلك فيها " إن قلت ": على هذا لم يبق فرق بين الاسم والحرف في المعنى (ولازم) ذلك كون مثل كلمة (من) ولفظ الابتداء مترادفين صح استعمال كل منهما في موضع الاخر وهكذا ساير الحروف مع الاسماء الموضوعة لمعانيها وهو باطل بالضرورة كما هو واضح " قلت ": الفرق بينهما إنما هو في اختصاص كل منهما بوضع حيث انه وضع الاسم ليراد منه معناه بما هو هو وفى نفسه والحرف ليراد منه معناه لا كذلك بل بما هو حالة لغيره - كما مرت الاشارة إليه غير مرة - فالاختلاف بين الاسم والحرف في الوضع يكون موجبا لعدم جواز استعمال

______________________________

يمكن أن يستشكل فيه بأن اللحاظ المأخوذ قيدا فيه متعلق بالامر الاعتباري أعني نفس الاضافة، واللحاظ المصحح للاستعمال متعلق بالوجود الذهني وهما متغايران فلا مانع من اجتماعهما من حيث كونهما مثلين لتغاير متعلقهما. نعم اللحاظ الاول لما كان فانيا في الملحوظ الاعتباري امتنع أن يكون موضوعا للحاظ ثانيا لانه لا يكون كذلك حتى يلحظ مستقلا، فتأمل (قوله: الكلي العقلي) كان الاولى أن يقول: الجزئي الذهني، لان المعنى الحرفي في نفسه ليس كليا طبيعيا ولو كان لا يكون بقيد وجوده الذهني كليا عقليا، لان الكلي العقلي هو الطبيعي المقيد بوصف الكلية وتقييده باللحاظ غير وصف الكلية فلاحظ (قوله: إلا بالتجريد) تجريده إنما يكون بملاحظته خارجيا وإلا فالكلي العقلي لا ينطبق على الخارج (قوله: حيث انه وضع الاسم) هذا الاختلاف اختلاف في

٢٦

احدهما في موضع الاخر وان اتفقا فيما له الوضع، وقد عرفت بما لا مزيد عليه أن نحو إرادة المعنى لا يكاد يمكن أن يكون من خصوصياته ومقوماته. ثم لا يبعد أن يكون الاختلاف في الخبر والانشاء أيضا كذلك فيكون الخبر موضوعا ليستعمل في حكاية ثبوت معناه في موطنه والانشاء ليستعمل في قصد تحققه وثبوته وان اتفقا فيما استعملا فيه فتأمل. ثم إنه قد انقدح مما حققناه أنه يمكن أن يقال: إن المستعمل فيه في مثل أسماء الاشارة والضمائر أيضا عام وأن تشخصه إنما نشأ من قبل طور استعمالها

______________________________

غاية الوضع لا في الموضوع له فلا يدفع الاشكال " فالتحقيق ": ما عرفت من أن الحرف موضوع لتلك الاضافات المتعينة بتعين طرفيها، والاسم موضوع للمفاهيم الكلية وعدم صحة استعمال أحدهما في مقام الآخر لاجل توقفه على ملاحظة المناسبة الموقوفة على ملاحظة المعنيين مستقلا فيخرج المعنى الحرفي عن كونه كذلك، والتجوز فيما بينهما ان كان بملاحظة المناسبة بين متعلقاتها (قوله: ارادة المعنى) يعني الارادة الاستعمالية التي هي لحاظ المعنى فانيا فيه اللفظ.

الخبر والانشاء

(قوله قده: في الخبر والانشاء أيضا) الخبر في الاصطلاح هو الكلام الذي يكون لنسبته خارج تطابقه أو لا تطابقه، والانشاء كلام ليس لنسبته خارج كذلك، وكلاهما قسمان من المركب التام وهو ما يصح الاكتفاء به في مقام الافهام ويقابله الناقص. ثم إن المفهوم على قسمين حقيقي واعتباري " والاول " لا يقبل ورود الانشاء عليه بلا ريب، بل وجوده تابع لوجود علته سواء أكان جوهرا أم عرضا، وكذا ما كان من الاضافات التي تكون لطرفيها هيئة كالفوقية والتحتية فانه لا يتوهم كونه موردا للانشاء بل اعتباره من منشأ معين يخصه.

٢٧

واما الاضافات التي لا تكون كذلك فهي التي يدعى كونها موردا للانشاء بمعنى أنها تعتبر من مجرد الانشاء بلا حاجة إلى أمر آخر وقد يكون منشأ اعتبارها غيره كالاتلاف الذي يكون منشأ لاعتبار الضمان، وموت الموروث الذي يكون منشأ لاعتبار ملك الوارث لتركته وغير ذلك من الاسباب العرفية والشرعية. نعم لا يبعد القول بأن الامور الاعتبارية التي يدعى كونها موردا للانشاء أمور حقيقية تكون موردا للانشاء الادعائي فيكون انشاؤها من قبيل الانشاء الادعائي للامر الحقيقي لا من قبيل الانشاء الحقيقي للامر الاعتباري، والمصحح لهذا الادعاء هو المصحح لاعتبارها فمنشأ اعتبارها ليس هو الانشاء، بل هو مصحح ادعاء إنشاءها، مثلا القضاوة التي يدعي اعتبارها من مجرد إنشاء السلطان الذي بيده الامر ليس المصحح لاعتبارها نفس انشائها بل المصحح التزام السلطان بتنفيذ قضاء من جعلت له فإذا التزم السلطان بتنفيذ قضاء زيد صح اعتبار كونه قاضيا، ولو قال: جعلتك قاضيا، ولم يلتزم بذلك أو التزم برد قضائه لا يصح اعتبار كونه قاضيا، فدوران الاعتبار وعدمه مدار الالتزام وعدمه كاشف عن ان الانشاء مما لا دخل له في اعتبارها، واما انشاء القضاوة فهو من أجل تحقق الالتزام النفسي المصحح لادعاء كونه قاضيا، ومنه يظهر أن إنشاء الطلب، والوجوب، والبعث، والزجر، والكراهة، والالزام، وكثير من عناوين العقود والايقاعات من الطلاق، والنكاح، والصلح، والرهن، والمساقات، والمزارعة والاجارة، والوديعة، والوقف، إلى غير ذلك من قبيل الانشاء الادعائي للامر الحقيقي لا من قبيل الانشاء الحقيقي لامر اعتباري (وكيف كان) فانشاء هذه العناوين ونحوها قد يكون بصيغ تخصه كصيغ الامر التي هي مستعملة في انشاء المادة على التحقيق، ومثلها صيغ النهي، وقد يكون بصيغ يشترك فيها الخبر فيتوقف دلالتها عليه على القرينة كصيغ العقود والايقاعات التي هي بهيئة الماضي أو المضارع أو الخبر، ولعل منها صيغة النهي أعني: لا تقعل، وحينئذ يقع الكلام في أنها إنشاء موضوعة لنفس معناها إذا استعملت خبرا فالمعنى الموضوع

٢٨

حيث أن أسماء الاشارة وضعت ليشار بها إلى معانيها

______________________________

له في (بعت) إنشاء وخبرا واحد، والاختلاف جاء من قبل الاستعمال من حيث قصد الحكاية أو قصد الايجاد - كما لم يستبعده المصنف - أو أنها موضوعة للجامع بين المعاني المقصود ايجادها، والخبر موضوع للجامع بين المعاني المقصود حكايتها عن الواقع، أو انها موضوعة للمعاني الجزئية، لان المنشأ موجود بالانشاء فيكون جزئيا ؟ أقوال أو وجوه، ويبطل الاخير أن الجزئية الآتية من قبل الانشاء يمتنع أن تؤخذ في المنشأ، ويبطل الثاني لزوم تعدد الوضع بلا مقتض فيتعين الاول. هذا في الصيغ المشتركة، وأما المختصة فلا مجال للكلام فيها. نعم لدعوى وضعها للجزئيات مجال لكن عرفت انه محال ولعله إلى هذا اشار بقوله فتأمل

*

(قوله: حيث أن أسماء الاشارة) لا ينبغي التأمل في أن الاشارة التي يتوهم دخلها في معنى أسماء الاشارة هي الاشارة الذهنية إلى ما هو متعين عند المخاطب بنحو يكون كالمتعين الخارجي بالاشارة الخارجية الحسية لا الاشارة الخارجية، وإلا فكثيرا ما تستعمل في معان لا يشار إليها خارجا، بل يمتنع أن يشار إليها كذلك بلا عناية في استعمالها كذلك، بل هو كاستعمالها في المشار إليه خارجا. نعم التعين اللازم في معانيها المتوقف عليه الاشارة المذكورة قد يكون مستندا إلى الاشارة الخارجية كما قد يكون مستندا إلى تقدم ذكره في كلام المتكلم أو المخاطب أو غيرهما، ولا جل ذلك صارت معدودة في المعارف كالمعرف باللام والمضاف، ومنه يظهر أن المراد من كونها موضوعة للجزئيات أنها موضوعة لجزئيات مفاهيمها الكلية أعني جزئيات المفرد المذكر المشار إليه أو المؤنث أو الجمع أو غير ذلك سواء أكانت جزئيات في نفسها أم كليات لما عرفت من صحة الاشارة إلى ما ليس جزئيا حقيقا خارجيا بلا تصرف ولا عناية، وعلى هذا تشكل دعوى أنها موضوعة للمعنى العام كما ذكر المصنف (ره) إذ لا يفهم منها ذلك ولا تحكي عنه في الاستعمالات الجزئية لا بنفسه ولا مرآة للفرد بل

٢٩

وكذا بعض الضمائر، وبعضها ليخاطب بها المعنى، والاشارة والتخاطب يستدعيان التشخص كما لا يخفى (فدعوى) أن المستعمل فيه في مثل هذا، أو هو، أو اياك، إنما هو المفرد المذكر، وتشخصه إنما جاء من قبل الاشارة أو التخاطب بهذه الالفاظ إليه، فان الاشارة أو التخاطب لا يكاد يكون الا إلى الشخص أو معه (غير مجازفة) فتلخص مما حققناه أن التشخص الناشئ من قبل الاستعمالات لا يوجب تشخص المستعمل فيه سواء كان تشخصا خارجيا كما في مثل أسماء الاشارة أو ذهنيا كما في أسماء الاجناس، والحروف، ونحوهما من غير فرق في ذلك أصلا بين الحروف وأسماء الاجناس، ولعمري هذا واضح، ولذا ليس في كلام القدماء من كون الموضوع له أو المستعمل فيه خاصا في الحرف عين ولا أثر،

______________________________

المحكي بها نفس المعنى المتعين بالاشارة " وملاحظة " موارد الاستعمال كافية في الشهادة بما ذكرنا كيف ولعل استعمالها في المفهوم الكلي بأن يراد من لفظ (هذا) مفهوم المفرد المذكر المشار إليه ليس من الاستعمالات الصحيحة. نعم يصح استعمالها فيه بما انه مفهوم متعين يصح الاشارة إليه كما يشار إلى غيره من المفاهيم المتعينة ثم ان الكلام في الضمائر والموصولات هو الكلام في اسم الاشارة بعينه فتأمل جيدا (قوله: وكذا بعض) كضمير الغائب لكن كون المراد من الاشارة فيه الاشارة الذهنية مما لا ينبغي التأمل فيه (قوله: يستدعيان التشخص) قد عرفت ان الاشارة الذهنية لا تستدعي التشخص وانما الذي يستدعيه هو الاشارة الخارجية غير المعتبرة في استعمال أسماء الاشارة (قوله: إلى الشخص أو معه) (الاول) راجع إلى الاشارة (والثاني) راجع إلى التخاطب (قوله: كما في مثل أسماء) كيف تصح دعوى كون تشخص المشار إليه آتيا من قبل الاستعمال مع أنه أمر حقيقي يتوقف عليه الاستعمال بناء على اعتبار الاشارة الخارجية فتأمل (قوله: ونحوهما) من جميع المعاني الكلية إذ الاستعمال لا بد فيه من لحاظ المعنى من دون فرق بين كون المستعمل فيه كليا أو جزئيا وهذا اللحاظ هو الموجب

٣٠

وإنما ذهب إليه بعض من تأخر، ولعله لتوهم كون قصده بما هو في غيره من خصوصيات الموضوع له أو المستعمل فيه، والغفلة عن أن قصد المعنى من لفظه على انحائه لا يكاد يكون من شئونه وأطواره، وإلا فليكن قصده بما هو هو وفي نفسه كذلك، فتأمل في المقام فانه دقيق وقد زل فيه اقدام غير واحد من أهل التحقيق والتدقيق (الثالث) صحة استعمال اللفظ فيما يناسب ما وضع له هل هو بالوضع أو بالطبع ؟ وجهان، بل قولان أظهرهما أنه بالطبع، بشهادة الوجدان بحسن الاستعمال فيه ولو مع منع الواضع عنه، وباستهجان الاستعمال فيما لا يناسبه ولو مع ترخيصه، ولا معنى لصحته إلا حسنه، والظاهر أن صحة استعمال اللفظ في نوعه أو مثله من قبيله كما تأتي الاشارة إلى تفصيله (الرابع) لا شبهة في صحة اطلاق اللفظ وإرادة نوعه به كما إذا قيل: ضرب مثلا فعل ماض أو صنفه كما إذا قيل: زيد في (ضرب زيد) فاعل، إذا لم يقصد به شخص القول،

______________________________

*

للجزئية الذهنية (قوله: وإنما ذهب إليه) قد عرفت أنه الظاهر من الاستعمالات العرفية في الحروف والضمائر وأسماء الاشارة والموصولات. نعم لولا ذلك كان المتعين القول بان الموضوع له فيها عام حيث يدور الامر بين ان يكون كذلك وان يكون خاصا إذ الثاني يحتاج إلى عناية لا داعي إليها والله سبحانه أعلم (قوله: لتوهم كون) بل لما عرفت مما لا مجال لدعوى غيره (قوله: بل قولان) المحكي عن الجمهور هو الاول لكنه نوعي ولم يتضح وجهه غير القياس على الحقيقة وفي اثبات مثله لذلك ولا سيما مع الفارق لتوقف الحقيقة على الوضع والاكتفاء بالمناسبة في المجاز وهي ذاتية منع واضح (قوله: من قبيله) يعني بالطبع (قوله: كما إذا قيل) في كونه من المستعمل في نوعه تأمل إذ المحكي به اللفظ الدال على الحدث ولا ينطبق على الحاكي كما سيظهر من آخر عبارة المتن، ولو قال بدله: ضرب كلمة، لكان أجود، وكذا الحال في المثال الثاني ولو قال بدله: زيد في ضرب زيد مرفوع، لكان مما استعمل في

٣١

أو مثله ك‍ (ضرب) في المثال فيما إذا قصد، وقد أشرنا إلى ان صحة الاطلاق كذلك وحسنه إنما كان بالطبع لا بالوضع، وإلا كانت المهملات موضوعة لذلك لصحة الاطلاق كذلك فيها، والالتزام بوضعها كذلك كما ترى، وأما اطلاقه وإرادة شخصه كما إذا قيل: زيد لفظ، وأريد منه شخص نفسه ففى صحته بدون تأويل، لاستلزامه اتحاد الدال والمدلول أو تركب القضية من جزئين - كما في الفصول - بيان ذلك أنه إن اعتبر دلالته على نفسه حينئذ

______________________________

صنفه (قوله: أو مثله) معطوف على نوعه وصنفه (قوله: كضرب) تمثيل لما استعمل في مثله يعني كما إذا قيل: ضرب فعل ماض، ويقصد شخص (ضرب) الواقع في (ضرب زيد) فانه شخص مماثل له (قوله: وقد اشرنا) يعني في الامر الثالث (قوله: صحة الاطلاق) أما الدلالة فهي بالقرائن الحالية أو المقالية (قوله: كما ترى) يعني يلزم خلف المفروض إلا أن يكون المراد بالمهمل ما لم يوضع لمعنى غير سنخ لفظه ولازمه نفي المهمل مطلقا بل كون الالفاظ مشتركة بين المعنى الموضوع له وبين سنخ اللفظ وذلك ما لم يقل به احد - كما في الفصول - والعمدة انه لا حاجة إلى الوضع لمثل هذه المعاني بعد صحة الاستعمال ضرورة جواز ان يخترع الواضع لفظا ويقول: أضع هذا اللفظ لمعنى كذا، فيستعمل اللفظ قبل وضعه لمعنى في نوعه أو صنفه ولا ريب في صحته (قوله: بدون تأويل) قد يشعر بجواز ارادة شخصه مع التأويل بان يكون المراد من قوله: زيد لفظ، زيد هذا اللفظ لفظ، فيكون الموضوع مقدرا لكن هذا كله ليس من ارداة شخص اللفظ من اللفظ بل عدم ارادة شئ منه (قوله: لاستلزامه اتحاد الدال) فان قلت: أي مانع من اتحاد الدال والمدلول (قلت): الدال بمعنى فاعل الدلالة لا مانع من اتحاده مع المدلول كما تقول: أنا قمت: أما الدال بمعنى الحاكي الفاني في المدلول فيمتنع اتحاده معه لان الدال ملحوظ باللحاظ الآلي والمدلول ملحوظ باللحاظ الاستقلالي ويمتنع اجتماع اللحاظين لشئ واحد

٣٢

لزم الاتحاد والا لزم تركبها من جزئين لان القضية اللفظية على هذا إنما تكون حاكية عن المحمول والنسبة لا الموضوع فتكون القضية المحكية بها مركبة من جزئين - مع امتناع التركيب إلا من الثلاثة، ضرورة استحالة ثبوت النسبة بدون المنتسبين (قلت): يمكن أن يقال: إنه يكفي تعدد الدال والمدلول اعتبارا وإن اتحدا ذاتا، فمن حيث انه لفظ صادر عن لافظه كان دالا، ومن حيث أن نفسه وشخصه مراده كان مدلولا - مع أن حديث تركب القضية من جزئين لولا اعتبار الدلالة في البين إنما يلزم إذا لم يكن الموضوع نفس شخصه والا كان اجزاؤها الثلاثة

______________________________

*

(قوله: لزم الاتحاد) يعني بين الدال والمدلول (قوله: ضرورة استحالة) وعليه فتمتنع الحكاية عن النسبة لانها لا تقوم بطرف واحد (قوله: يكفي تعدد الدال) يعني أن شخص اللفظ وان كان واحدا ذاتا إلا انه متعدد بالاعتبار فانه بلحاظ كونه صادرا عن اللافظ غيره بلحاظ كونه مرادا له فهو باللحاظ الاول دال وباللحاظ الثاني مدلول فلا يتحد الدال والمدلول (أقول): حيثية كونه صادرا من اللافظ لا تتقوم بها صفة الدالية لان الدلالة اللفظية انما تكون باللفظ من حيث هو، وكذا المدلولية لا تتقوم بحيثية كونه مرادا للافظ لان المحكي باللفظ ذات المعنى ولو مع عدم كونه مرادا كما سيأتي - مع أنه لو فرض كون الحيثيتين المذكورتين دخيلتين في الدلالة فالذات لا تكون خارجة عن كونها دالة ومدلولا عليها إذ لا مجال لتوهم كون الحيثية الاولى تمام موضوع الدالية، والحيثية الثانية تمام موضوع المدلولية ليتعدد الموضوع ذاتا أيضا ومجرد التعدد بالحيثيات مع اشتراك ذات واحدة بينهما موجب لاجتماع اللحاظين الآلي والاستقلالي (قوله: كان اجزاؤها الثلاثة) توضيح ذلك ان القضية الذهنية لابد ان تكون أجزاؤها ثلاثة، موضوع ومحمول ونسبة بينهما، لامتناع تقوم النسبة بطرف واحد، إلا ان الحاكي عنها قد يكون لفظا أو كتابة أو اشارة وقد يكون صورة خارجية كما لو صورت أسدا مفترسا رجلا فوضعته على قبر لتحكي أن الميت

٣٣

تامة وكان المحمول فيها منتسبا إلى شخص اللفظ ونفسه غاية الامر انه نفس الموضوع لا الحاكى عنه، فافهم فانه لا يخلو عن دقة، وعلى هذا ليس من باب استعمال اللفظ بشئ، بل يمكن أن يقال: إنه ليس أيضا من هذا الباب ما إذا اطلق اللفظ

______________________________

افترسه سبع، وقد يكون مؤلفا من سنخين من المذكورات كما لو أومأت إلى شخص فقلت: صديقي، ونحوه من انحاء التأليف، وتشترك جميع هذه الانواع في كون الحاكي فيها غير المحكي خارجا وذهنا فانيا فيه فناء الحاكي في محكيه وقد يكون بعض أجزاء القضية غير محتاج إلى حاك يحكي عنه لحضور صورته في الذهن بتوسط وقوع الحس على وجوده الخارجي ويكون الجزء الآخر للقضية لفظا كما ترى الحاسب للحيوانات أو غيرها يقول - كلما مر به واحد منها -: واحد، اثنان، ثلاثة، فان القضية الاولى يحكيها الفرد الخارجي من الغنم مثلا مع قول الحاسب: واحد، والثانية يحكيها الفردان من الغنم مع قوله: اثنان، وهكذا وقد يكون الجزء الآخر كتابة كما ترى الجندي مكتوبا على (قلنسوته) اسم منصبه فتكون القضية مركبة من جزء بنفسه حاك عن نفسه وجزء آخر محكي بالكتابة، وقد يكون بتوسط لفظ حاك عنه في كلام غير المتكلم كما إذا قيل: من هذا، فتقول: زيد، فان (زيد) خبر عن المشار إليه الحاكي عنه اسم الاشارة في كلام السائل، ولا حاجة في امثال هذه المقامات إلى التقدير، ومنها موارد حذف الفعل والفاعل والمبتدأ والخبر والافعال المستتر فيها الضمير وجوبا، والتقدير في كلام النحاة في امثال هذه المقامات من باب المحافظة على قواعد الفن، ففي المقام نقول: إذا قال: زيد لفظ، ولم يقصد من زيد معنى وقصد حمل اللفظ عليه فهو قضية مؤلفة من وجود الموضوع خارجا الموجب لحضور صورته ذهنا ولفظ المحمول، هذا في القضية الحاكية أما القضية الذهنية فاجزاؤها الثلاثة تامة وليس هذا من استعمال لفظ في معنى ولا من اتحاد الدال والمدلول، بل من باب ايجاد شئ بقصد احضار صورته في الذهن لتكون موضوعا للقضية الذهنية (قوله: بل يمكن ان يقال)

٣٤

وأريد به نوعه، أو صنفه، فانه فرده ومصداقه حقيقة لا لفظه وذاك معناه كي يكون مستعملا فيه استعمال اللفظ في المعنى، فيكون اللفظ نفس الموضوع الملقى إلى المخاطب خارجا قد احضر في ذهنه بلا وساطة حاك وقد حكم عليه ابتداء بدون واسطة اصلا لا لفظه كما لا يخفى فلا يكون في البين لفظ قد استعمل في معنى، بل فرد قد حكم في القضية عليه بما هو مصداق لكلي اللفظ لا بما هو خصوص جزئيه. نعم فيما إذا أريد به فرد آخر مثله كان من قبيل استعمال اللفظ في المعنى، اللهم إلا ان يقال: إن لفظ (ضرب) وان كان فردا له الا انه إذا قصد به حكايته وجعل عنوانا له ومرآته كان لفظه المستعمل فيه، وكان حينئذ كما إذا قصد به فرد مثله (وبالجملة) فإذا اطلق واريد به نوعه كما إذا اريد به فرد مثله كان من باب استعمال اللفظ في المعنى وإن كان فردا منه وقد حكم في القضية بما يعمه، وإن اطلق ليحكم عليه بما هو فرد كليه ومصداقه لا بما هو لفظه وبه حكايته فليس من هذا الباب لكن الاطلاقات المتعارفة ظاهرا ليست كذلك كما لا يخفى وفيها ما لا يكاد يصح ان يراد منه ذلك مما كان الحكم في القضية لا يكاد يعم شخص اللفظ كما في مثل ضرب فعل ماض (الخامس) لا ريب في كون الالفاظ موضوعة بازاء معانيها من حيث هي لا من حيث هي مرادة للافظها لما عرفت بما لا مزيد عليه من أن قصد المعنى

______________________________

هذا خلاف الظاهر من امثال هذه الاستعمالات (قوله: بما هو مصداق لكلي) لا يخفى أن الحكم على الشئ بما هو مصداق كليه وان كان لا يخرج عن كونه حكما على الشخص ولاجله تكون القضية شخصية لكن الحكم المذكور يدل بالالتزام على ثبوت الحكم للكلي (قوله: اللهم الا ان يقال) استدراك على قوله: بل يمكن أن يقال.. الخ (قوله: إذا قصد به) قد عرفت أنه الظاهر من هذه الاستعمالات كما سيأتي منه (قوله: وفيها ما لا يكاد... الخ) قد أشرنا إلى ان الحكم في المثال ليس حكما على النوع فكلما كان حكما على النوع

٣٥

على أنحائه من مقومات الاستعمال فلا يكاد يكون من قيود المستعمل فيه هذا مضافا إلى ضرورة صحة الحمل والاسناد في الحمل بلا تصرف في الفاظ الاطراف - مع انه لو كانت موضوعة لها بما هي مرادة لما صح بدونه، بداهة أن المحمول على زيد في زيد قائم

______________________________

يجوز فيه الامران بلا خلف نعم يمتنع شمول الحكم لنفس اللفظ لانه ملحوظ باللحاظ الآلي فيمتنع ان يكون للحكم اطلاق يشمله نظير قوله: كل خبري كاذب، (قوله: فلا يكاد يكون... الخ) لما تقدم من لزوم تعدد اللحاظ وعدم الانطباق على الخارج ولا يرد اشكال التفكيك بين الاسم والحرف لعدم اختصاص الدعوى في المقام بنوع دون نوع هذا لو أريد أنه موضوع للمراد الذهني بما هو كذلك ولو أريد أنه موضوع للمعنى الواقعي الذي له مطابق ذهني لم يرد عليه اشكال عدم الانطباق على الخارج لجواز انطباق المعنى المذكور على الخارج إذا كان له مطابق في الذهن. هذا كله لو كان المراد من الارادة المتوهم أخذها في الموضوع له الارادة الاستعمالية التي هي لحاظ المعنى فانيا فيه اللفظ كما هو مقتضى الجمود على ظاهر تحرير محل النزاع هنا وفي الفصول ولو أريد من الارادة تفهيم ارادة المعنى التي هي علة الاستعمال يرد عليه نظير الاشكال الاول أعني لزوم تعدد الارادة لو اريد استعماله فيما وضع له - مضافا - إلى أن إرادة تفهيم المعنى علة للوضع للمعنى نفسه فلو وضع للمعنى المقيد بالارادة لزم انفكاك المعلول عن علته وهذا الاشكال يرد في الحروف لو اخذ اللحاظ قيدا في معانيها وكذا يرد هنا على تقدير ارادة المعنيين السابقين

*

(قوله: ضرورة صحة الحمل) لم يورد هذا الايراد في معاني الحروف لانها لا تقع طرفا للنسبة الحملية وصورة القياس المؤلف من مقدمات هذا الاشكال هكذا: لو كانت الالفاظ موضوعة للمعاني المرادة لم يصح الاسناد والحمل بلا تصرف، لكنه يصح كل منهما بلا تصرف، فليست موضوعة للمعاني المرادة، أما المقدمة الاولى فظاهرة لان المعاني المرادة جزئيات ذهنية، لما عرفت من معنى الارادة الاستعمالية، والجزئيات الذهنية لا يصح اسناد مثل (قام) إليها سواء

٣٦

والمسند إليه في ضرب زيد، مثلا هو نفس القيام والضرب، لا بما هما مرادان - مع أنه يلزم كون وضع عامة الالفاظ عاما والموضوع له خاصا لمكان اعتبار خصوص إرادة اللافظين فيما وضع له اللفظ، فانه لا مجال لتوهم أخذ مفهوم الارادة فيه كما لا يخفى وهكذا الحال في طرف الموضوع

______________________________

أكان المراد منه القيام الخارجي ام الذهني لعدم النسبة، وكذا لا يصح حمل بعضها على بعض لتباينها فالاسناد إليها والحمل عليها يتوقف على التصرف فيها بملاحظتها خارجية وهذا تجريد لها عن قيد اللحاظ، وأما أنه يصح الحمل والاسناد بلا تصرف فلضرورة صدق قولنا: ضرب زيد، وزيد قائم، بلا تصرف ولا عناية فتصدق النتيجة، ويمكن أن يقرر الاشكال بنحو آخر فيقال: لا ريب في أن قول القائل: ضرب زيد أو زيد قائم إنما يراد به نسبة الضرب بما هو إلى زيد، وحمل القيام بما هو أيضا على زيد كذلك، كما لا ريب في كون الاسناد والحمل المذكورين بلا تصرف وتجوز في الالفاظ فلا بد ان تكون الالفاظ موضوعة لنفس الذوات المذكورة بما هي هي لا بما هي مرادة، وعبارة المتن إلى التقريب الثاني أقرب وعليه يجري على جميع محتملات الارادة بخلاف التقريب الاول فانه لا يجري إلا على الاول " وكيف كان " فقوله: مع أنه لو، من متممات الاشكال لا اشكال آخر (قوله: والمسند إليه) معطوف على المحمول والضمير المجرور راجع إلى زيد لا إلى الموصول (قوله: مع انه يلزم كون.. الخ) هذا اشكال آخر على القول المذكور (ووجه) اللزوم أن الموضوع له إذا كان المقيد بالارادة تمتنع دعوى التقييد بمفهوم الارادة ضرورة أنه لا تفهم من اللفظ فلا بد أن يكون التقييد بالارادات الجزئية فيكون الموضوع له خاصا سواء أكان من قبيل أسماء الاجناس أم من قبيل الاعلام أما الاول فلان المعنى في نفسه وإن كان كليا إلا أنه بعد تقييده بالارادة يكون عين تلك الافراد المقيدة، وأما الثاني فلان المعنى في نفسه وإن كان جزئيا خارجا لكن بعد تقييده بالارادات

٣٧

(وأما) ما حكي عن العلمين الشيخ الرئيس والمحقق الطوسي من مصيرهما إلى أن الدلالة تتبع الارادة، فليس ناظرا إلى كون الالفاظ موضوعة للمعاني بما هي مرادة - كما توهمه بعض الافاضل - بل ناظرا إلى أن دلالة الالفاظ على معانيها بالدلالة التصديقية: أي دلالتها على كونها مرادة للافظها، تتبع ارادتها منها، وتتفرع عليها تبعية

______________________________

المتعددة المتباينة يتعدد وينحل إلى المتباينات (قوله: وأما ما حكي عن العلمين) بل حكي عن اكثر المحققين من علماء المعقول والمنقول (قوله: فليس ناظرا إلى) قال بعض مشايخنا " قده " في كلام له في هذا المقام -: ليس للنزاع في كون الالفاظ موضوعة للمعاني المرادة عين ولا أثر في كلام القدماء، وإنما حكي عن العلمين القول بأن الدلالة تتبع الارادة فظن صاحب الفصول (ره) أنهما يقولان بأن الالفاظ موضوعة للمعاني المرادة، انتهى ملخصا (قوله: بعض الافاضل) يعني صاحب الفصول لكن ظاهره نوع خاص منها فليلحظ،

*

(قوله: بل ناظرا إلى أن دلالة) توضيح ما ذكره المصنف (ره) في محمل كلام العلمين أن الكلام الصادر من المتكلم له دلالتان إحداهما الدلالة التصورية وهي دلالته على نفس المعنى التى هي عبارة عن خطوره وحضوره في الذهن (ثانيتهما) الدلالة التصديقية، وهي دلالته على أن المتكلم أراد من الكلام معناه (والاولى) منهما لا تتوقف على ارادة المعنى بل ولا على الوضع كما في دلالته الالتزامية حيث لا يكون المدلول الالتزامي موضوعا ولا مرادا لللافظ، وكذا في اللفظ الصادر ممن لا شعور له، فان المعنى يخطر في البال بمجرد سماع اللفظ ولو علم بعدم ارادة اللافظ له (وأما) الثانية فهي التي تتوقف على الارادة توقف العلم على المعلوم لتعلقها بالارادة فكيف تكون بدونها فمراد العلمين من تبعية الدلالة للارادة تبعية الدلالة الثانية لها وهو في محله (أقول): قال الشيخ الرئيس في محكي الشفاء، إن اللفظ بنفسه لا يدل البتة، ولولا ذلك لكان لكل لفظ حق من المعنى

٣٨

مقام الاثبات للثبوت، وتفرع الكشف عن الواقع المكشوف، فانه لولا الثبوت في الواقع لما كان للاثبات والكشف والدلالة مجال، ولذا لا بد من إحراز كون المتكلم بصدد الافادة في إثبات ارادة ما هو ظاهر كلامه، ودلالته على الارادة، وإلا لما كانت لكلامه هذه الدلالة وإن كانت له الدلالة التصورية: أي كون سماعه موجبا لاخطار معناه الموضوع له، ولو كان من وراء الجدار أو من لافظ بلا شعور ولا اختيار (إن قلت): على هذا يلزم أن لا يكون هناك دلالة عند الخطأ

______________________________

لا يجاوزه، بل انما يدل بارادة اللافظ... إلى أن قال: فالمتكلم باللفظ المفرد لا يريد أن يدل بجزئه على جزء من معنى الكل... إلى أن قال: وبالجملة فانه إن دل فانما يدل لا حين ما يكون جزءا من اللفظ المفرد بل إذا كان لفظا قائما بنفسه، فاما وهو جزء فلا يدل على معنى البتة. انتهى، وقال العلامة " ره " في جوهر النضيد في البحث عن اشكال انتقاض تعريفات الدلالات الثلاث بعضها ببعض فيما لو كان اللفظ مشتركا بين الكل والجزء أو اللازم: ولقد أوردت عليه - يعنى المحقق الطوسي - " قدس روحه " هذا الاشكال، وأجاب بأن اللفظ لا يدل بذاته على معناه بل باعتبار الارادة والقصد واللفظ حينما يراد منه المعنى المطابقي لا يراد منه المعنى التضمني فهو انما يدل على معنى واحد لا غير وفيه نظر انتهى، والتأمل في كلامهما يقضي بأن المراد أن الدلالة على المعنى التي هي الدلالة التصورية تابعة للارادة، بل كلام الثاني صريح في ذلك ولا سيما بملاحظة ظهوره في تبعية الدلالة الالتزامية للارادة إذ من المعلوم ان الدلالة الالتزامية تصورية لا تصديقية (قوله: مقام الاثبات) أي مقام العلم بالثبوت الواقعي (قوله: ولذا لا بد) هذا لا يقتضي التفريع إذ الاحتياج إليه لاجل تحقق الظهور النوعي الصالح للدلالة فتأمل (قوله: ودلالته) معطوف على إثبات (قوله: ولو كان من وراء الجدار) لو أبدله بقوله: ولو كان من الجدار، لكان أولى

٣٩

والقطع بما ليس بمراد، والاعتقاد بارادة شئ ولم يكن له من اللفظ مراد (قلت): نعم لا يكون حينئذ دلالة، بل يكون هناك جهالة وضلالة يحسبها الجاهل دلالة ولعمري ما أفاده العلمان من التبعية على ما بيناه واضح لا محيص عنه، ولا يكاد ينقضي تعجبي كيف رضي المتوهم أن يجعل كلامهما ناظرا إلى ما لا ينبغي صدوره عن فاضل فضلا عمن هو علم في التحقيق والتدقيق. (السادس) لا وجه لتوهم وضع للمركبات غير وضع المفردات ضرورة عدم الحاجة إليه بعد وضعها

______________________________

*

(قوله: والقطع بما) أي عند القطع بارادة المتكلم ما ليس مرادا له في الواقع (قوله: لا تكون حينئذ دلالة بل) أقول إنكار تحقق دلالة اللفظ مع عدم الارادة واقعا أو مع العلم بعدمها مجال إشكال، فان سند الانكار إن كان مقدمية وجود الارادة واقعا للدلالة (ففيه) أن الوجود الواقعي لا صلاحية فيه للمقدمية للوجود العلمي، وان كان مقدمية العلم بالارادة للعلم بالدلالة فهو - لو سلم - لا يقتضي توقف الدلالة على الارادة - مضافا إلى أن دلالة اللفظ على شئ إرادة كان أو غيرها متقومة بظهوره في المدلول، ومن المعلوم تحقق الظهور للفظ وإن لم تكن ارادة في الواقع. نعم مطابقة الظهور للواقع موقوفة على الارادة لكنه خارج عن محل الكلام، كما أن العلم الحقيقي بالارادة ملازم للارادة لكنه ليس من مقتضيات الكلام إذ العلم بالارادة إنما يحصل من أسباب خاصة لا من نفس الكلام فلا وجه لدعوى دلالة الكلام على الارادة بل اللازم نسبة الدلالة على الارادة إلى تلك الاسباب الموجبة للعلم بها لا إلى الكلام فلاحظ، (قوله: على ما بيناه واضح) قد عرفت أنه مشكل في نفسه، وأشكل منه حمل كلامهما عليه والتأمل في كلامهما يقضي بأن مرادهما نفي الدلالة التصورية اللفظية التي هي اصطلاحا من عوارض اللفظ المستعمل في معنى (قوله: لا وجه لتوهم وضع) كأنه لا اشكال في ثبوت وضع مواد المركبات وهيئاتها القائمة بالمركب

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

يده مع يد الذّابح، ويسمّي الله تعالى، ويقول « وَجَّهْتُ وَجْهِيَ » إلى قوله « وأنا من المسلمين » ثمَّ يقول: « اللهم منك ولك. بسم الله، والله أكبر. اللهمّ تقبّل منّي » ثمَّ يمرّ السّكين. ولا ينخعه حتّى يموت. ومن أخطأ في الذّبيحة، فذكر غير صاحبها، كانت مجزئة عنه بالنّيّة. وينبغي أن يبدأ أيضا بالذّبح قبل الحلق، وفي العقيقة بالحلق قبل الذّبح. فإن قدّم الحلق على الذّبح ناسيا، لم يكن عليه شي‌ء.

ومن السّنّة أن يأكل الإنسان من هديه لمتعته، ومن الأضحيّة ويطعم القانع والمعترّ: يأكل ثلثه، ويطعم القانع والمعترّ ثلثه، ويهدي لأصدقائه الثّلث الباقي. وقد بيّنّا أنه لا يجوز أن يأكل من الهدي المضمون إلّا إذا كان مضطرّا. فإن أكل منه من غير ضرورة، كان عليه قيمته. ولا بأس بأكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام وادّخارها. ولا يجوز أن يخرج من منى من لحم ما يضحّيه. ولا بأس بإخراج السّنام منه. ولا بأس أيضا بإخراج لحم قد ضحّاه غيره. ويستحبّ أن لا يأخذ شيئا من جلود الهدي والأضاحي، بل يتصدّق بها كلّها. ولا يجوز أيضا أن يعطيها الجزّار. وإذا أراد أن يخرج شيئا منها لحاجته إلى ذلك، تصدّق بثمنه.

ولا يجوز أن يحلق الرّجل رأسه، ولا أن يزور البيت، إلا بعد الذّبح، أو أن يبلغ الهدي محلّه. وهو أن يحصل في رحله

٢٦١

فإذا حصل في رحله بمنى، وأراد أن يحلق، جاز له ذلك. ومتى فعل ذلك ناسيا، لم يكن عليه شي‌ء. ومن وجبت عليه بدنة في نذر أو كفّارة، ولم يجدها، كان عليه سبع شياه. فإن لم يجد، صام ثمانية عشر يوما إمّا بمكّة أو إذا رجع إلى أهله.

والصّبيّ إذا حجّ به متمتّعا، وجب على وليّه أن يذبح عنه.

ومن لم يتمكّن من شراء هدي، إلّا يبيع بعض ثيابه التي يتجمّل بها، لم يلزمه ذلك، وكان الصوم مجزئا عنه.

ويجزي الهدي عن الأضحيّة. وإن جمع بينهما، كان أفضل. ومن لم يجد الأضحيّة، جاز له أن يتصدّق بثمنها. فإن اختلفت أثمانها، نظر إلى الثّمن الأوّل والثّاني والثّالث، وجمعها ثمَّ يتصدّق بثلثها، وليس عليه شي‌ء.

ومن نذر لله تعالى أن ينحر بدنة، فإن سمّى الموضع الذي ينحرها فيه، وجب عليه الوفاء به، وإن لم يسمّ الموضع، لم يجز له أن ينحرها إلّا بفناء الكعبة. ويكره للإنسان أن يضحّي بكبش قد تولّى تربيته، ويستحبّ أن يكون ذلك ممّا يشتريه.

باب الحلق والتقصير

يستحبّ أن يحلق الإنسان رأسه بعد الذّبح. وإن كان صرورة، لا يجزئه غير الحلق. وإن كان ممّن حجّ حجّة الإسلام، جاز له التّقصير، والحلق أفضل. اللهمّ إلّا أن يكون قد لبّد

٢٦٢

شعره. فإن كان كذلك، لم يجزئه غير الحلق في جميع الأحوال.

ومن ترك الحلق عامدا أو التّقصير إلى أن يزور البيت، كان عليه دم شاة. وإن فعله ناسيا، لم يكن عليه شي‌ء، وكان عليه إعادة الطّواف. ومن رحل من منى قبل الحلق، فليرجع إليها، ولا يحلق رأسه إلّا بها مع الاختيار. فإن لم يتمكّن من الرّجوع إليها، فليحلق رأسه في مكانه، ويردّ شعره إلى منى، ويدفنه هناك فإن لم يتمكّن من ردّ الشعر، لم يكن عليه شي‌ء.

والمرأة ليس عليها حلق، ويكفيها من التّقصير مقدار أنملة.

وإذا أراد أن يحلق، فليبدأ بناصيته من القرن الأيمن ويحلق إلى العظمين ويقول إذا حلق: « اللهمّ أعطني بكلّ شعرة نورا يوم القيامة ». ومن لم يكن على رأسه شعر، فليمرّ الموسى عليه. وقد أجزأه. وإذا حلق رأسه، فقد حلّ له كلّ شي‌ء أحرم منه إلّا النّساء والطّيب، إن كان متمتّعا. فإن كان حاجّا غير متمتّع، حلّ له كلّ شي‌ء إلّا النّساء. فإذا طاف طواف الزّيارة، حلّ له كلّ شي‌ء إلّا النّساء. فإذا طاف طواف النّساء، حلّت له أيضا النّساء.

ويستحبّ ألا يلبس الثّياب إلّا بعد الفراغ من طواف الزّيارة، وليس ذلك بمحظور. وكذلك يستحبّ ألّا يمسّ الطّيب إلّا بعد الفراغ من طواف النّساء، وإن لم يكن ذلك محظورا على ما قدّمناه.

٢٦٣

باب زيارة البيت والرجوع الى منى ورمي الجمار

فإذا فرغ من مناسكه بمنى، فليتوجّه إلى مكّة، وليزر البيت يوم النّحر، ولا يؤخره إلّا لعذر. فإن أخّره لعذر، زار من الغد ولا يؤخر أكثر من ذلك. هذا إذا كان متمتّعا. فإن كان مفردا أو قارنا، جاز له أن يؤخر الى أيّ وقت شاء، غير أنّه لا تحلّ له النّساء. وتعجيل الطّواف للقارن والمفرد أفضل من تأخيره.

ويستحبّ لمن أراد زيارة البيت أن يغتسل قبل دخول المسجد والطّواف بالبيت، ويقلّم أظفاره، ويأخذ من شاربه، ثمَّ ثمَّ يزور. ولا بأس أن يغتسل الإنسان بمنى، ثمَّ يجي‌ء إلى مكّة، فيطوف بذلك الغسل بالبيت. ولا بأس أن يغتسل بالنّهار ويطوف بالليل ما لم ينقض ذلك الغسل بحدث أو نوم. فإن نقضه بحدث أو نوم، فليعد الغسل استحبابا، حتّى يطوف وهو على غسل. ويستحبّ للمرأة أيضا أن تغتسل قبل الطّواف.

وإذا أراد أن يدخل المسجد، فليقف على بابه، ويقول: « اللهمّ أعنّي على نسكك » إلى آخر الدّعاء الذي ذكرناه في الكتاب المقدّم ذكره. ثمَّ يدخل المسجد، ويأتي الحجر الأسود فيستلمه ويقبّله. فإن لم يستطع، استلمه بيده وقبّل يده. فإن لم يتمكّن من ذلك أيضا، استقبله، وكبّر، وقال ما قال حين طاف بالبيت يوم قدم مكّة. ثمَّ يطوف بالبيت أسبوعا كما قدّمنا وصفه

٢٦٤

ويصلّي عند المقام ركعتين. ثمَّ ليرجع الى الحجر الأسود فيقبّله، إن استطاع، ويستقبله ويكبّر. ثمَّ ليخرج إلى الصّفا، فيصنع عنده ما صنع يوم دخل مكّة. ثمَّ يأتي المروة، ويطوف بينهما سبعة أشواط، يبدأ بالصّفا ويختم بالمروة.

فإذا فعل ذلك، فقد حلّ له كلّ شي‌ء أحرم منه إلّا النّساء. ثمَّ ليرجع الى البيت، فيطوف به طواف النّساء أسبوعا، يصلّي عند المقام ركعتين، وقد حلّ له النّساء.

وأعلم أنّ طواف النّساء فريضة في الحجّ وفي العمرة المبتولة. وليس بواجب في العمرة التي يتمتّع بها الى الحج. فإن مات من وجب عليه طواف النّساء. كان على وليّه القضاء عنه. وإن تركه وهو حيّ، كان عليه قضاؤه. فإن لم يتمكّن من الرّجوع الى مكّة، جاز له أن يأمر من يتوب عنه. فإذا طاف النّائب عنه، حلّت له النّساء. وطواف النّساء فريضة على النّساء والرّجال والشّيوخ والخصيان، لا يجوز لهم تركه على حال.

فإذا فرغ الإنسان من الطّواف فليرجع إلى منى ولا يبيت ليالي التّشريق إلّا بها. فإن بات في غيرها، كان عليه دم شاة. فإن بات بمكّة ليالي التّشريق، ويكون مشتغلا بالطّواف والعبادة، لم يكن عليه شي‌ء. وإن لم يكن مشتغلا بهما، كان عليه ما ذكرناه، وان خرج من منى بعد نصف اللّيل، جاز له أن يبيت بغيرها، غير أنّه لا يدخل مكّة إلّا بعد طلوع الفجر. وإن تمكّن ألّا يخرج

٢٦٥

منها إلّا بعد طلوع الفجر، كان أفضل. ومن بات الثّلاث ليال بغير منى متعمّدا، كان عليه ثلاثة من الغنم. والأفضل أن لا يبرح الإنسان أيّام التّشريق من منى. فإن أراد أن يأتي مكّة للطّواف بالبيت تطوّعا، جاز له ذلك، غير أنّ الأفضل ما قدّمناه.

وإذا رجع الإنسان إلى منى لرمي الجمار، كان عليه أن يرمي ثلاثة أيّام: الثّاني من النّحر والثّالث والرّابع، كلّ يوم بإحدى وعشرين حصاة. ويكون ذلك عند الزّوال، فإنّه الأفضل. فإن رماها ما بين طلوع الشمس الى غروبها، لم يكن به بأس.

فإذا أراد أن يرمي، فليبدأ بالجمرة الأولى، فليرمها عن يسارها من بطن المسيل بسبع حصيات يرميهنّ خذفا. ويكبّر مع كلّ حصاة، ويدعوا بالدّعاء الذي قدّمناه. ثمَّ يقوم عن يسار الطّريق ويستقبل القبلة، ويحمد الله تعالى ويثني عليه، ويصلّي على النّبيّ وآله،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمَّ ليتقدم قليلا ويدعوا ويسأله أن يتقبّل منه. ثمَّ يتقدّم أيضا ويرمي الجمرة الثّانية، ويصنع عندها كما صنع عند الأولى، ويقف ويدعوا، ثمَّ يمضي إلى الثّالثة فيرميها كما رمى الأوليين، ولا يقف عندها.

وإذا غابت الشّمس، ولم يكن قد رمى بعد، فلا يجوز له أن يرمي إلّا في الغد. فإذا كان من الغد، رمى ليومه مرّة، ومرّة قضاء لما فاته، ويفصل بينهما بساعة. وينبغي أن يكون الذي يرمي لأمسه بكرة، والذي ليومه عند الزّوال. فإن فاته رمي يومين،

٢٦٦

رماها كلّها يوم النّفر، وليس عليه شي‌ء. وقد بينا أنّه لا يجوز الرّمي باللّيل. وقد رخّص للعليل والخائف والرّعاة والعبيد الرّمي باللّيل. ومن نسي رمي الجمار الى أن أتى مكّة، عاد إلى منى، ورماها، وليس عليه شي‌ء. وحكم المرأة في جميع ما ذكرناه حكم الرّجل سواء.

فإن لم يذكر الى أن يخرج من مكّة، لم يكن عليه شي‌ء. إلّا أنّه إن حجّ في العام المقبل، أعاد ما كان قد فاته من رمي الجمار. وإن لم يحجّ أمر وليّه أن يرمي عنه. فإن لم يكن له وليّ، استعان برجل من المسلمين في قضاء ذلك عنه.

والترتيب واجب في الرّمي. يجب أن يبدأ بالجمرة العظمى ثمَّ الوسطى ثمَّ جمرة العقبة. فمن خالف شيئا منها، أو رماها منكوسة، كان عليه الإعادة. ومن بدأ بجمرة العقبة ثمَّ الوسطى ثمَّ الأولى، أعاد على الوسطى ثمَّ جمرة العقبة وقد أجزأه. فإن نسي فرمى الجمرة الأولى بثلاث حصيات، ورمى الجمرتين الأخريين على التّمام، كان عليه ان يعيد عليها كلّها. وإن كان قد رمى من الجمرة الأولى بأربع حصيات ثمَّ رمى الجمرتين على التّمام، كان عليه أن يعيد على الأولى بثلاث حصيات. وكذلك إن كان قد رمى على الوسطى أقل من أربعة، أعاد عليها وعلى ما بعدها. وإن رماها بأربعة، تمّمها، وليس عليه شي‌ء من الإعادة على الثّالثة. ومن رمى جمرة بست حصيات، وضاعت عنه واحدة،

٢٦٧

أعاد عليها بحصاة، وإن كان من الغد. ولا يجوز له أن يأخذ من حصى الجمار فيرمي بها. ومن علم أنّه قد نقص حصاة واحدة، ولم يعلم من أي الجمار هي، أعاد على كلّ واحدة منها بحصاة. فإن رمى بحصاة، فوقعت في محمله، أعاد مكانها حصاة أخرى. فإن أصابت إنسانا أو دابّة، ثمَّ وقعت على الجمرة، فقد أجزأه.

ولا بأس أن يرمي الإنسان راكبا. وإن رمى ماشيا، كان أفضل ولا بأس أن يرمى عن العليل والمبطون والمغمى عليه والصّبيّ.

وينبغي أن يكبّر الإنسان بمنى عقيب خمس عشرة صلاة. يبدأ بالتّكبير يوم النّحر من بعد الظّهر إلى صلاة الفجر من اليوم الثّالث من أيّام التّشريق، وفي الأمصار عقيب عشر صلوات، يبدأ عقيب الظّهر من يوم النّحر إلى صلاة الفجر من اليوم الثّاني من أيّام التّشريق، ويقول في التّكبير: « الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلّا الله، والله أكبر، الله أكبر على ما هدانا، والحمد لله على ما أولانا ورزقنا من بهيمة الأنعام ».

باب النفر من منى ودخول الكعبة ووداع البيت

لا بأس أن ينفر الإنسان من منى اليوم الثّاني من أيّام التّشريق وهو اليوم الثّالث من يوم النّحر. فإن أقام إلى النّفر الأخير، وهو اليوم الثّالث من أيّام التّشريق والرّابع من يوم النّحر، كان أفضل. فإن كان ممّن أصاب النّساء في إحرامه أو صيدا، لم يجز له أن

٢٦٨

ينفر في النّفر الأوّل. ويجب عليه المقام الى النّفر الأخير. وإذا أراد أن ينفر في النّفر الأوّل، فلا ينفر إلّا بعد الزّوال، إلّا أن تدعوه ضرورة إليه من خوف وغيره، فإنّه لا بأس أن ينفر قبل الزّوال، وله أن ينفر بعد الزّوال ما بينه وبين غروب الشّمس. فإذا غابت الشّمس، لم يجز له النّفر، وليبت بمنى الى الغد. وإذا نفر في النّفر الأخير، جاز له أن ينفر من بعد طلوع الشّمس أيّ وقت شاء. فإن لم ينفر وأراد المقام بمنى، جاز له ذلك، إلّا الإمام خاصّة، فإنّ عليه أن يصلّي الظّهر بمكّة.

ومن نفر من منى، وكان قد قضى مناسكه كلّها، جاز له أن لا يدخل مكّة. وإن كان قد بقي عليه شي‌ء من المناسك، فلا بدّ له من الرّجوع إليها. والأفضل على كلّ حال الرّجوع إليها لتوديع البيت وطواف الوداع.

ويستحبّ أن يصلّي الإنسان بمسجد منى، وهو مسجد الخيف. وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مسجده عند المنارة التي في وسط المسجد، وفوقها إلى القبلة نحوا من ثلاثين ذراعا، وعن يمينها وعن يسارها مثل ذلك. فإن استطعت أن يكون مصلّاك فيه، فافعل. ويستحبّ أن يصلّي الإنسان ستّ ركعات في مسجد منى. فإذا بلغ مسجد الحصباء، وهو مسجد رسول الله،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فليدخله وليسترح فيه قليلا وليستلق على قفاه.

٢٦٩

فإذا جاء إلى مكّة فليدخل الكعبة، إن تمكّن من ذلك سنّة واستحبابا. والصّرورة لا يترك دخولها على حال مع الاختيار. فإن لم يتمكّن من ذلك، لم يكن عليه شي‌ء.

فإذا أراد دخول الكعبة فليغتسل قبل دخولها سنّة مؤكّدة. فإذا دخلها، فلا يمتخط فيها، ولا يبصق. ولا يجوز دخولها بحذاء. ويقول إذا دخلها: « اللهمّ إنّك قلت: ومن دخله كان آمنا، فآمنّى من عذابك عذاب النار ».

ثمَّ يصلّي بين الأسطوانتين على الرّخامة الحمراء ركعتين، يقرأ في الأولى منهما « حم السّجدة » وفي الثّانية عدد آياتها، ثمَّ ليصلّ في زوايا البيت كلّها، ثمَّ يقول: « اللهمّ من تهيّأ وتعبّأ » إلى آخر الدّعاء. فإذا صلّى عند الرّخامة على ما قدّمناه، وفي زوايا البيت، قام فاستقبل الحائط بين الرّكن اليمانيّ والغربيّ، ويرفع يديه، ويلتصق به، ويدعوا. ثمَّ يتحوّل الى الرّكن اليمانيّ، فيفعل به مثل ذلك. ثمَّ يأتي الرّكن الغربيّ، ويفعل به أيضا مثل ذلك، ثمَّ ليخرج. ولا يجوز أن يصلّي الإنسان الفريضة جوف الكعبة مع الاختيار. فإن اضطرّ الى ذلك، لم يكن عليه بأس بالصّلاة فيها. فأمّا النّوافل فالصّلاة فيها مندوب اليه.

فإذا خرج من البيت ونزل عن الدرجة، صلّى عن يمينه ركعتين. فإذا أراد الخروج من مكّة، جاء الى البيت، فطاف به أسبوعا طواف الوداع سنّة مؤكّدة. فإن استطاع أن يستلم الحجر

٢٧٠

والرّكن اليمانيّ في كل شوط، وفعل. وإن لم يتمكّن، افتتح به، وختم به، وقد أجزأه. فإن لم يتمكن من ذلك أيضا، لم يكن عليه شي‌ء. ثمَّ يأتي المستجار، فيصنع عنده كما صنع يوم قدم مكّة. ويتخيّر لنفسه من الدّعاء ما أراد. ثمَّ يستلم الحجر الأسود، ثمَّ يودّع البيت ويقول: « اللهمّ لا تجعله آخر العهد من بيتك » ثمَّ ليأت زمزم فيشرب منه، ثمَّ ليخرج، ويقول: « آئبون تائبون، عابدون، لربّنا حامدون، الى ربّنا راغبون، الى ربّنا راجعون ». فإذا خرج من باب المسجد، فليكن خروجه من باب الحنّاطين. فيخرّ ساجدا، ويقوم مستقبل الكعبة، فيقول: « اللهمّ إني أنقلب على لا إله إلا الله ».

ومن لم يتمكّن من طواف الوداع، أو شغله شاغل عن ذلك حتى خرج، لم يكن عليه شي‌ء. فإذا أراد الخروج من مكّة، فليشتر بدرهم تمرا، وليتصدّق به، ليكون كفّارة لما دخل عليه في الإحرام، إن شاء الله.

باب فرائض الحج

فرائض الحجّ: الإحرام من الميقات، والتّلبيات الأربع، والطّواف بالبيت، إن كان متمتّعا، ثلاثة أطواف: طواف للعمرة، وطواف للزيارة، وطواف للنّساء، وإن كان قارنا أو مفردا، طوافان: طواف للحجّ، وطواف للنّساء، ويلزمه مع

٢٧١

كلّ طواف ركعتان عند المقام، وهما أيضا فرضان، والسّعي بين الصّفا والمروة، والوقوف بالموقفين: عرفات والمشعر الحرام وإن كان متمتّعا، كان الهدي أيضا واجبا عليه أو ما يقوم مقامه.

فمن ترك الإحرام متعمّدا، فلا حجّ له. وإن تركه ناسيا حتّى يجوز الميقات، كان عليه أن يرجع إليه، ويحرم منه، إذا تمكّن منه. فإن لم يتمكّن لضيق الوقت أو الخوف أو ما جرى مجراهما من أسباب الضّرورات، أحرم من موضعه وقد أجزأه. فإن كان قد دخل مكّة، وأمكنه الخروج الى خارج الحرم، فليخرج وليحرم منه. فإن لم يستطع ذلك، أحرم من موضعه.

ومن ترك التّلبية متعمّدا، فلا حجّ له. وإن تركها ناسيا، ثمَّ ذكر، فليجدّد التّلبية، وليس عليه شي‌ء.

ومن ترك طواف الزّيارة متعمّدا، فلا حجّ له. وإن تركه ناسيا، أعاد الطّواف أيّ وقت ذكره.

ومن ترك طواف النّساء متعمّدا، لم يبطل حجّة، إلّا أنّه لا تحلّ له النّساء، حتى يطوف عنه حسب ما قدّمناه. وركعتا الطّواف متى تركهما ناسيا، كان عليه قضاءهما حسب ما قدّمناه.

ومن ترك السّعي متعمّدا، فلا حجّ له. فإن تركه ناسيا،

٢٧٢

عليه قضاؤه حسب ما قدّمناه.

ومن ترك الوقوف بعرفات متعمّدا، أو بالمشعر الحرام، فلا حجّ له. فإن ترك الوقوف بعرفات ناسيا، كان عليه أن يعود، فيقف بها ما بينه وبين طلوع الفجر من يوم النّحر. فإن لم يذكر إلّا بعد طلوع الفجر، وكان قد وقف بالمشعر، فقد تمَّ حجّه، وليس عليه شي‌ء.

وإذا ورد الحاجّ ليلا، وعلم: أنّه مضى الى عرفات، وقف بها وإن كان قليلا، ثمَّ عاد الى المشعر الحرام قبل طلوع الشّمس، وجب عليه المضيّ إليها والوقوف بها، ثمَّ يجي‌ء إلى المشعر الحرام. فإن غلب على ظنّه أنّه إن مضى الى عرفات، لم يلحق المشعر قبل طلوع الشّمس، اقتصر على الوقوف بالمشعر، وقد تمَّ حجّه، وليس عليه شي‌ء.

ومن أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشّمس، فقد أدرك الحجّ. وإن أدركه بعد طلوع الشّمس، فقد فاته الحجّ.

ومن وقف بعرفات، ثمَّ قصد المشعر، فعاقه في الطّريق عائق، فلم يلحق الى قرب الزّوال، فقد تمَّ حجّه، ويقف قليلا بالمشعر ويمضي إلى منى. ومن لم يكن قد وقف بعرفات، وأدرك المشعر بعد طلوع الشّمس، فقد فاته الحجّ، لأنّه لم يلحق أحد الموقفين في وقته.

ومن فاته الحجّ، فليقم على إحرامه الى انقضاء أيّام

٢٧٣

التّشريق، ثمَّ يجي‌ء، فيطوف بالبيت، ويسعى بين الصّفا والمروة، ويجعل حجّته عمرة. وإن كان قد ساق معه هديا، فلينحره بمكّة وكان عليه الحجّ من قابل إن كانت حجته حجّة الإسلام. وإن كانت حجّة التّطوّع، كان بالخيار: إن شاء حجّ، وإن شاء لم يحجّ. ومن حضر المناسك كلّها ورتّبها في مواضعها. إلّا أنّه كان سكرانا، فلا حجّ له، وكان عليه الحجّ من قابل.

باب مناسك النساء في الحج والعمرة

قد بيّنّا فيما تقدّم من أن الحجّ واجب على النّساء كوجوبه على الرّجال. فمتى كانت المرأة لها زوج، فلا تخرج إلّا معه. فإن منعها زوجها من الخروج في حجّة الإسلام، جاز لها خلافه. ولتخرج، وتحجّ حجّة الإسلام. وإن أرادت أن تحجّ تطوّعا، فمنعها زوجها، فليس لها مخالفته.

وينبغي أن لا تخرج إلّا مع ذي محرم لها من أب أو أخ أو عمّ أو خال. فإن لم يكن لها أحد ممّن ذكرناه. جاز لها أن تخرج مع من تثق بدينه من المؤمنين.

وإذا كانت المرأة في عدّة الطّلاق، جاز لها أن تخرج في حجّة الإسلام، سواء كان للزّوج عليها رجعة أو لم تكن. وليس لها أن تخرج إذا كانت حجّتها تطوّعا، إلّا أن تكون العدّة

٢٧٤

لزوجها عليها فيها رجعة. فأمّا عدّة المتوفّى عنها زوجها، فلا بأس بها أن تخرج فيها الى الحجّ فرضا كان أو نفلا.

وإذا خرجت المرأة، وبلغت ميقات أهلها، فعليها أن تحرم منه، ولا تؤخره. فإن كانت حائضا، توضّأت وضوء الصّلاة واحتشت واستثفرت وأحرمت، إلّا أنها لا تصلّي ركعتي الإحرام فإن تركت الإحرام ظنّا منها أنّه لا يجوز لها ذلك، وجازت الميقات، كان عليها أن ترجع الى الميقات، فتحرم منه، إذا أمكنها ذلك. فإن لم يمكنها، أحرمت من موضعها. إذا لم تكن قد دخلت مكّة. فإن كانت قد دخلت مكّة، فلتخرج الى خارج الحرم، وتحرم من هناك. فإن لم يمكنها ذلك، أحرمت من موضعها، وليس عليها شي‌ء.

فإذا دخلت المرأة مكّة، وكانت متمتّعة، طافت بالبيت، وسعت بين الصّفا والمروة، وقصّرت. وقد أحلّت من كلّ ما أحرمت منه مثل الرّجل سواء.

فإن حاضت قبل الطّواف، انتظرت ما بينها وبين الوقت الذي تخرج الى عرفات. فإن طهرت، طافت وسعت. وإن لم تطهر، فقد مضت متعتها، وتكون حجّة مفردة، تقضي المناسك كلّها ثمَّ تعتمر بعد ذلك عمرة مبتولة. فإن طافت بالبيت ثلاثة أشواط ثمَّ حاضت، كان حكمها حكم من لم يطف. وإذا طافت أربعة أشواط، ثمَّ حاضت، قطعت الطّواف،

٢٧٥

وسعت بين الصّفا والمروة، وقصّرت، ثمَّ أحرمت بالحجّ، وقد تمّت متعتها.

فإذا فرغت من المناسك، وطهرت تمّمت الطّواف. وإن كانت قد طافت الطّواف كلّه، ولم تكن قد صلّت الرّكعتين عند المقام، فلتخرج من المسجد، ولتسع، وتعمل ما قدّمناه من الإحرام بالحجّ وقضاء المناسك، ثمَّ تقضي الرّكعتين إذا طهرت. وإذا طافت بالبيت بين الصّفا والمروة وقصّرت، ثمَّ أحرمت بالحجّ، وخافت أن يلحقها الحيض فيما بعد، فلا تتمكّن من طواف الزّيارة وطواف النّساء، فجائز لها أن تقدّم الطّوافين معا، والسّعي بين الصّفا والمروة، ثمَّ تخرج فتقضي المناسك كلّها، ثمَّ ترجع الى منزلها.

فإن كانت قد طافت طواف الزّيارة، وبقي عليها طواف النّساء، فلا تخرج من مكّة إلّا بعد أن تقضيه. وإن كانت قد طافت منه أربعة أشواط وأرادت الخروج، جاز لها أن تخرج وإن لم تتمّ الطّواف.

والمستحاضة لا بأس بها أن تطوف بالبيت، وتصلّي عند المقام، وتشهد المناسك كلّها، إذا فعلت ما تفعله المستحاضة. والفرق بينها وبين الحائض، أنّ الحائض لا يحلّ لها دخول المسجد، فلا تتمكّن من الطّواف، ولا يجوز لها أيضا الصّلاة، والطّواف لا بدّ فيه من الصّلاة، وليس هذا حكم المستحاضة.

٢٧٦

وإذا أرادت الحائض وداع البيت، فلا تدخل المسجد، ولتودّع من أدنى باب من أبواب المسجد، وتنصرف، إن شاء الله.

وإذا كانت المرأة عليلة لا تقدر على الطّواف، طيف بها، وتستلم الأركان والحجر. فإن كان عليها زحمة، فتكفيها الإشارة. ولا تزاحم الرّجال. وإن كان بها علّة تمنع من حملها والطّواف بها، طاف عنها وليّها، وليس عليها شي‌ء. وكذلك إذا كانت عليلة لا تعقل عند الإحرام، أحرم عنها وليّها، وجنّبها ما يجتنب المحرم، وقد تمَّ إحرامها. وليس على النّساء حلق ولا دخول البيت. فإن أرادت دخول البيت، فلتدخله إذا لم يكن هناك زحام. ولا يجوز للمستحاضة دخول البيت على حال.

باب من حج عن غيره

من وجب عليه الحجّ، لا يجوز له أن يحجّ عن غيره إلّا بعد أن يقضي حجّته التي وجبت عليه. فإذا قضاها، جاز له بعد ذلك أن يحجّ عن غيره. ومن ليس له مال يجب عليه الحجّ، جاز له أن يحجّ عن غيره. فإن تمكّن بعد ذلك من المال، كان عليه أن يحجّ عن نفسه، وقد أجزأت الحجّة التي حجّها عمّن حجّ عنه.

وينبغي لمن يحجّ عن غيره أن يذكره في المواضع كلّها،

٢٧٧

فيقول عند الإحرام: اللهمّ ما أصابني من تعب أو نصب أو لغوب فأجر فلان بن فلان، وأجرني في نيابتي عنه. وكذلك يذكره عند التّلبية والطّواف والسّعي وعند الموقفين وعند الذّبح وعند قضاء جميع المناسك، فإن لم يذكره في هذه المواضع، وكانت نيته الحجّ عنه، كان جائزا.

ومن أمر غيره أن يحجّ عنه متمتّعا، فليس له أن يحجّ عنه مفردا ولا قارنا. فإن حجّ عنه كذلك، لم يجزئه، وكان عليه الإعادة. وإن أمره أن يحجّ عنه مفردا أو قارنا، جاز له أن يحجّ عنه متمتّعا، لأنه يعدل الى ما هو الأفضل. ومن أمر غيره أن يحجّ عنه على طريق بعينها، جاز له أن يعدل عن ذلك الطّريق الى طريق آخر. وإذا أمره أن يحجّ عنه بنفسه، فليس له أن يأمر غيره بالنّيابة عنه. فإن جعل الأمر في ذلك اليه، جاز له أن يستنيب غيره فيه. وإذا أخذ حجة عن غيره، لا يجوز له أن يأخذ حجة أخرى، حتى يقضي التي أخذها.

وإذا حجّ عن غيره، فصدّ عن بعض الطّريق، كان عليه ممّا أخذه بمقدار ما بقي من الطّريق. اللهم إلّا أن يضمن الحجّ فيما يستأنف، ويتولّاه بنفسه.

فإن مات النّائب في الحجّ، وكان موته بعد الإحرام ودخول الحرم، فقد سقطت عنه عهدة الحجّ، وأجزأ عمّن حجّ عنه وإن مات قبل الإحرام ودخول الحرم، كان على ورثته، إن

٢٧٨

خلّف في أيديهم شيئا، مقدار ما بقي عليه من نفقة الطّريق. وإذا أخذ حجة، فأنفق ما أخذه في الطّريق من غير إسراف، واحتاج الى زيادة، كان على صاحب الحجّة أن يتمّمه استحبابا. فإن فضل من النّفقة شي‌ء، كان له، وليس لصاحب الحجّة الرّجوع عليه بالفضل. ولا يجوز للإنسان أن يطوف عن غيره وهو بمكّة، إلّا أن يكون الذي يطوف عنه مبطونا لا يقدر على الطّواف بنفسه، ولا يمكن حمله والطّواف به. وإن كان غائبا، جاز أن يطوف عنه.

وإذا حجّ الإنسان عن غيره من أخ له أو أب أو ذي قرابة أو مؤمن، فإن ثواب ذلك يصل الى من حجّ عنه من غير أن ينقض من ثوابه شي‌ء. وإذا حجّ الإنسان عمّن يجب عليه الحجّ بعد موته تطوّعا منه بذلك، فإنّه يسقط عن الميّت بذلك فرض الحجّ.

ومن كان عنده وديعة، فمات صاحبها، وله ورثة، ولم يكن قد حجّ حجّة الإسلام، جاز له أن يأخذ منها بقدر ما يحجّ عنه، ويردّ الباقي على ورثته، إذا غلب على ظنّه أنّ ورثته لا يقضون عنه حجّة الإسلام. فإن غلب على ظنّه أنّهم يتولّون القضاء عنه، فلا يجوز له أن يأخذ منها شيئا إلّا بأمرهم.

ولا بأس أن تحجّ المرأة عن الرّجل إذا كانت قد حجّت

٢٧٩

حجّة الإسلام، وكانت عارفة. وإذا لم تكن حجّت حجّة الإسلام، وكانت صرورة، لم يجز لها أن تحجّ عن غيرها على حال.

ولا يجوز لأحد أن يحجّ عن غيره إذا كان مخالفا له في الاعتقاد، اللهمّ إلّا أن يكون أباه، فإنّه يجوز له أن يحجّ عنه.

باب العمرة المفردة

العمرة فريضة مثل الحجّ، لا يجوز تركها. ومن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ، سقط عنه فرضها. وإن لم يتمتّع، كان عليه أن يعتمر بعد انقضاء الحجّ، إن أراد، بعد انقضاء أيّام التّشريق، وإن شاء أخّرها إلى استقبال المحرّم. ومن دخل مكّة بالعمرة المفردة في غير أشهر الحجّ، لم يجز له أن يتمتّع بها الى الحجّ. فإن أراد التّمتّع كان عليه تجديد عمرة في أشهر الحجّ. وإن دخل مكّة بالعمرة المفردة في أشهر الحجّ، جاز له أن يقضيها، ويخرج الى بلده أو أيّ موضع شاء. والأفضل له أن يقيم حتى يحجّ، ويجعلها متعة. وإذا دخلها بنيّة التّمتّع، لم يجز له أن يجعلها مفردة، وأن يخرج من مكّة، لأنّه صار مرتبطا بالحجّ. وأفضل العمرة ما كانت في رجب، وهي تلي الحجّ في الفضل.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571