حقائق الاصول الجزء ١

حقائق الاصول6%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 571

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 571 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 212023 / تحميل: 5773
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

التقييد بالوقت كما يكون بنحو وحدة المطلوب كذلك ربما يكون بنحو تعدد المطلوب بحيث كان أصل الفعل ولو في خارج الوقت مطلوبا في الجملة وان لم يكن بتمام المطلوب الا انه لا بد في اثبات انه بهذا النحو من دلالة ولا يكفى الدليل على الوقت الا فيما عرفت ومع عدم الدلالة فقضية اصالة البراءة عدم وجوبها في خارج الوقت ولا مجال لاستصحاب وجوب الموقت بعد انقضاء الوقت فتدبر جيدا

______________________________

على (ثبوت) يعني مقتضى الاطلاق حمل التقييد على كونه تقييدا لبعض مراتب المصلحة لا أصل المصلحة (قوله: بهذا النحو) يعني نحو تعدد المطلوب وكذا النحو الاول ايضا إذ لابد في البناء عليه من دلالة (قوله: فيما عرفت) يعني فيما يكون لدليل الواجب إطلاق ولا يكون اطلاق لدليل التقييد وكان الانسب التعبير بقوله: ولا يكفي الدليل على الواجب الموقت (قوله: ولا مجال لاستصحاب) والوجه فيه ما سيأتي في تنبيهات الاستصحاب من أن الزمان إذا أخذ قيدا للفعل كان الفعل المقيد به غير الفعل الواقع في خارجه فتسرية الحكم من الاول إلى الثاني من قبيل تسرية الحكم من موضوع إلى آخر فيكون من القياس لا من الاستصحاب لانه يعتبر في صحة الاستصحاب وحدة الموضوع ليتحقق الابقاء الذي هو قوام الاستصحاب، مثلا الصوم يوم الجمعة غير الصوم يوم السبت فإذا ثبت الوجوب للاول وشك في وجوب الثاني لا يكون رفع اليد عن وجوبه نقضا لليقين السابق فيرجع في وجوب الثاني إلى اصالة البراءة " أقول ": هذا وإن ذكره المصنف (ره) وشيخنا الاعظم (ره) في ذلك المقام، لكن قد يشكل بأنه مبني على الرجوع في اتحاد موضوع الاستصحاب إلى الدليل أما لو كان المرجع فيه العرف فالموضوع في نظره واحد ويصح ان يقال: كانت الصلاة واجبة فهي على ما كانت، وسيأتي انشاء الله توضيح ذلك في محله.

٣٤١

فصل

الامر بالامر بشئ أمر به لو كان الغرض حصوله ولم يكن له غرض في توسيط أمر الغير به الا بتبليغ امره به كما هو المتعارف في أمر الرسل بالامر أو النهي وأما لو كان الغرض من ذاك يحصل بامره بذلك الشئ من دون تعلق غرضه به أو مع تعلق غرضه به لا مطلقا بل بعد تعلق أمره به فلا يكون أمرا بذاك الشئ كما لا يخفى وقد انقدح بذلك أنه لا دلالة بمجرد الامر بالامر على كونه أمرا به ولابد في الدلالة عليه من قرينة عليه

______________________________

الامر بالامر

(قوله: حصوله) يعني حصول ذلك الشئ الذي أمر بالامر به (قوله: ولم يكن له غرض) يعني ولم يكن للآمر بالامر غرض في أمر الغير المأمور بالامر (أقول): مجرد وجود غرض في الامر الثاني لا يمنع من كون الامر الاول امرا بالفعل ما لم يكن الغرض من الفعل منوطا بالامر الثاني كما سيشير (ره) إليه (قوله: يحصل بامره) بحيث يكون الامر تمام موضوع الغرض (قوله: بعد تعلق) بحيث تكون نسبة الامر إلى الغرض في الفعل نسبة شرط الوجوب إليه (قوله: فلا يكون أمرا بذاك) اما في الاول فظاهر لعدم الغرض في الفعل اصلا وأما في الثاني فيكون مأمورا به بشرط الامر من المأمور بالامر. ثم ان الثمرة المترتبة على النزاع المذكور شرعية عبادة الصبي بمجرد قوله صلى الله عليه وآله: مروهم بالصلاة وهم ابناء سبع سنين، ونحو مما ورد في أمر الولي للصبي " أقول ": يمكن اثبات شرعية عبادة الصبي بعموم أدلة التشريع مثل قوله تعالى: كتب عليكم الصيام، واقيموا الصلاة، ونحوهما مما يعم البالغ وغيره، وحديث: رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم لا يقتضي اكثر من رفع الالزام لانه وارد مورد الامتنان وحينئذ فيكتفي بعبادته لو فعلها في الوقت ثم بلغ ولا يحتاج إلى الاعادة (قوله: من قرينة عليه) الظاهر ثبوت القرينة النوعية على كون الامر بالامر من قبيل الامر بالتبليغ

٣٤٢

فصل

إذا ورد أمر بشئ بعد الامر به قبل امتثاله فهل يوجب تكرار ذاك الشئ أو تأكيد الامر الاول والبعث الحاصل به ؟ قضية إطلاق المادة هو التأكيد فان الطلب تأسيسا لا يكاد يتعلق بطبيعة واحدة مرتين من دون أن يجيئ تقييد لها في البين ولو كان بمثل مرة أخرى كى يكون متعلق كل منهما غير متعلق الآخر كما لا يخفى، والمنساق من اطلاق الهيئة وان كان هو تأسيس الطلب لا تأكيده إلا أن الظاهر هو انسباق التأكيد عنها فيما كانت مسبوقة بمثلها ولم يذكر هناك سبب، أو ذكر سبب واحد.

______________________________

الملحوظ فيه التبليغ طريقا وليس جاريا مجرى الاوامر في كون الغرض في متعلقاتها (قوله: أو تأكيد الامر) يعني فيكفي في الامتثال وجود واحد (قوله: اطلاق المادة) يعني مادة الامر الثاني فان اطلاقها يقتضي اتحادها مع مادة الامر الاول فيكون المأمور به فيهما مفهوما واحدا يتحقق بوجود واحد (قوله: ولو كان بمثل) (لو) وصلية يعني بأن يقول: افعله مرة أخرى (قوله: كي يكون) فان متعلق الاول الوجود الاول ومتعلق الثاني الوجود الثاني (قوله: من اطلاق الهيئة) يعنى بالاطلاق الاصل المعول عليه في باب دلالة الكلام مع عدم القرينة على خلافه (قوله: هو تأسيس) يعني طلبا آخر غير الطلب الاول فيكون موضوعه غير موضوع الاول وامتثاله بغير امتثاله (قوله: أو ذكر سبب واحد) يعني فيهما أما لو ذكر سبب في أحدهما دون الآخر حمل على التأسيس ووجب التكرار كما لو قيل: اعتق رقبة، ثم قيل: إذا فطرت فاعتق رقبة، وكذا لو ذكر سببان مثل: ان ظاهرت فاعتق رقبة، وإن افطرت فاعتق رقبة، وسيأتي ذلك في مفهوم الشرط.

٣٤٣

المقصد الثاني في النواهي

(فصل)

الظاهر أن النهي بمادته وصيغته في الدلالة على الطلب مثل الامر بمادته وصيغته غير أن متعلق الطلب في أحدهما الوجود وفى الآخر العدم فيعتبر فيه

______________________________

المقصد الثاني في النواهي

(قوله: بمادته وصيغته) المراد من مادة النهي مادة الاشتقاق ل‍ (نهى) ينهى نهيا، ومن صيغته: لا تفعل، ونحوه مما هو بمعناه يعنى كما أن مادة الامر وصيغته دالتان على الطلب كذلك مادة النهي وصيغته وانما الفرق بينهما أن الطلب المدلول عليه بالاولتين متعلق بالوجود والمدلول عليه بالاخرتين متعلق بالعدم " أقول ": قد عرفت الاشارة إلى أن الوجود ليس مأخوذا في مفهوم الامر فانه قد يتعلق بالعدم كما يتعلق بالوجود فيقال: أمره بالترك كما يقال: أمره بالفعل، وكذلك صيغته فانها قد تكون مادتها الترك مثل: اترك، وكذلك العدم ليس مأخوذا في مفهوم النهي فانه يتعلق بالوجود كما يتعلق بالعدم فيقال: نهاه عن الفعل كما يقال: نهاه عن الترك، وكذلك صيغته فيقال: لا تفعل، كما يقال: لا تترك فالتحقيق أن النهي بمادته ضد الامر يتوارد معه على أمر واحد وجود أو عدم فهو يقتضي الزجر عنه والامر يقتضي البعث إليه. نعم لا بد أن يراد من متعلقه سواء أكان فعلا أم تركا، ما هو بالحمل الشايع فعلا أو تركا لا نفس المفهومين من حيث هما فمعنى النهي عن القيام الزجر عنه والمنع عن القيام الخارجي الذي هو الوجود القيامي ويلازمه طلب عدمه، كما أن معنى الامر بالقيام البعث إليه ويلازمه النهي عن عدمه كما تقدم في مبحث الضد، وأما صيغته فقد عرفت أن معنى الخبر والانشاء واحد وإنما الاختلاف بينهما بقصد الحكاية عن ثبوته في الخبر وقصد اثباته في الانشاء فيكون معنى لا تفعل - خبرا

٣٤٤

ما استظهرنا اعتباره فيه بلا تفاوت اصلا. نعم يختص النهي بخلاف وهو أن متعلق الطلب فيه هل هو الكف أو مجرد الترك وان لا يفعل ؟ والظاهر هو الثاني (وتوهم) أن الترك ومجرد أن لا يفعل خارج عن تحت الاختيار فلا يصح ان يتعلق به البعث

______________________________

وانشاء - واحدا وحيث انها إذا استعملت خبرا كانت حاكية عن النسبة السلبية المقابلة للنسبة الايجابية مقابلة نسبة الفصل بين الشيئين لنسبة الوصل بينهما فإذا كانت انشاء تكون موجدة للنسبة السلبية المذكورة فحقيقة: لا تفعل، على هذا جعل النسبة السلبية بين المخاطب وبين فعله كما أن حقيقة: تفعل، ونحوها من الجمل الخبرية المستعملة في مقام الطلب جعل النسبة الثبوتية غاية الامر أن الجعل في المقامين ادعائي لا حقيقي وكما أن جعل النسبة الثبوتية - ولو ادعاء - ظاهر ولو بقرينة المقام في إرادة الفعل المثبت ولاجل ذلك يجب عقلا، كذلك جعل النسبة السلبية ظاهر في كراهة الفعل المسلوب ولاجل ذلك يحرم عقلا، ومن ذلك يظهر أن النهي بمادته وهيئته انما يحكي عن كراهة المنهي عنه وان كان يلزمها ارادة نقيضه كما أن الامر بمادته وهيئته يحكي عن ارادة المأمور به الملزومة لكراهة نقيضه كما تقدم في الضد العام (وتوهم) أن جعل النسبة السلبية يحكي عن تعلق الارادة بها ويلزمها كراهة المسلوب عكس ما ذكرنا (مندفع) بأن النسبة السلبية معنى حرفي لا يكون موضوعا للارادة أو الكراهة وإنما موضوعهما المثبت والمسلوب كما يظهر بالتأمل والله سبحانه أعلم (قوله: ما استظهرنا) يعني ما تقدم من اعتبار العلو والوجوب في مفهوم الامر المقتضي لاعتبارهما في مفهوم النهي ايضا (قوله: هل هو الكف) المراد بالكف فعل ما يوجب انزجار النفس عن ارادة الشئ فهو أمر وجودي بخلاف الترك فانه عدم محض. ثم إن مقتضى ما عرفت من معنيي المادة والصيغة أن هذا الخلاف ينبغي أن يكون في لازم مدلولهما أو في مدلول الامر لو تعلق بالترك (قوله: وتوهم ان الترك) هذا دليل القول الاول (وتوضيحه) أنه يعتبر في متعلق التكليف عقلا أن يكون مقدورا والترك ليس مقدورا لان القدرة صفة في القادر يترتب عليها الاثر والترك عدم محض لا يصلح أن يكون

٣٤٥

والطلب (فاسد) فان الترك أيضا يكون مقدورا والا لما كان الفعل مقدورا وصادرا بالارادة والاختيار وكون العدم الازلي لا بالاختيار لا يوجب ان يكون كذلك بحسب البقاء والاستمرار الذي يكون بحسبه محلا للتكليف (ثم) إنه لا دلالة لصيغته على الدوام والتكرار كما لا دلالة لصيغة الامر وان كان قضيتهما عقلا تختلف ولو مع وحدة متعلقهما بأن يكون طبيعة واحدة بذاتها وقيدها تعلق بها الامر مرة والنهي أخرى ضرورة أن وجودها يكون بوجود فرد واحد وعدمها لا يكاد يكون إلا بعدم الجميع كما لا يخفى

______________________________

أثرا للقدرة مترتبا عليها فان العدم لا يترتب على الوجود كيف والعدم الازلي سابق على القدرة فكيف يستند إليها مع حدوثها وتأخرها (قوله: فان الترك أيضا) حاصله ان نسبة القدرة إلى الوجود والعدم نسبة واحدة بمعنى انه إذا كان أحدهما مقدورا لابد ان يكون الآخر كذلك والقدرة على احدهما خاصة دون الآخر اضطرار لا قدرة، فإذا اعترف المستدل بأن الوجود مقدور لزمه الاعتراف بأن العدم كذلك، فيصح كونه موردا للتكليف، ومنشأ هذا التوهم تخيل أن اعتبار القدرة عقلا في متعلق التكليف بمعنى لزوم كونه أثرا للقدرة وليس كذلك بل بمعنى كونه أحد عدلي القدرة وان كان تأثيرها يختص باحدهما وهو الوجود، وأما ما في الفصول من أن دعوى أن العدم المحض لا يصلح اثرا للقدرة مصادرة... الخ فغير ظاهر (قوله: بحسب البقاء) فان العدم بحسبه عدل للقدرة وان لم يكن الازلي كذلك (قوله: ضرورة ان وجودها) قد عرفت أن الحصص المتكثرة وجودا لما كانت مجتمعة تحت وحدة مشتركة بينها هي الطبيعة فكل وجود من تلك الوجودات يصح أن يضاف إلى الجهة الواحدة كما يصح أن يضاف إلى الحصة الخاصة فوجود زيد وجود لحصة من الانسان ووجود للانسان الطبيعي ولاجل ذلك صار يكفي في وجود الطبيعة وجود فرد ولا يكفي في عدمها

٣٤٦

ومن ذلك يظهر أن الدوام والاستمرار إنما يكون في النهي إذا كان متعلقه طبيعة مطلقة

______________________________

*

عدم فرد بل لابد من عدم جميع الافراد إذ لو وجد بعض الافراد وعدم البعض الآخر فصدق وجود الطبيعة وعدمها لزم اجتماع النقيضين فلابد اما ان لا يصدق على وجود الفرد أنه وجود للطبيعة أو يصدق ولا يكون عدمها الا بعدم جميع الافراد وحيث انه يصدق ضرورة فلا يكون عدم الطبيعة الا بعدم تمام افرادها فيكفي في امتثال الامر وجود واحد للطبيعة ولا يكفي في امتثال النهي الا ترك جميع الافراد ليتحقق عدمها (أقول): حيث عرفت أن النهي - مادة وهيئة - دال على كراهة الطبيعة فمقتضى اطلاقه كراهة كل فرد فيقتضي الزجر عن كل فرد ولا يتحقق امتثاله إلا بترك كل فرد (قوله: ومن ذلك يظهر) يعني إذا ثبت أن عدم الطبيعة انما يكون بعدم جميع الافراد فإذا كان النهي متعلقا بالطبيعة مطلقا من دون تقييد لها بزمان بعينه كان مقتضى اطلاقها ارادة ما يعم الافراد الدفعية والتدريجية فعدمها إنما يكون بعدم جميع أفرادها الدفعية والتدريجية فلا يتحقق امتثال النهي إلا بترك جميع الافراد الدفعية والتدريجية وهذا عين الدوام والاستمرار (أقول): إذا كان المطلوب بالنهي عدم الطبيعة فعدم الافراد الدفعية والتدريجية حاصل في الزمان الاول فالترك في أول الازمنة ترك لجميع الافراد المذكورة فيكون امتثالا للنهي ومسقطا له فلا موجب للاستمرار، بل التحقيق ما عرفت الاشارة إليه من أن مادة النهي وهيئته حاكيتان عن الكراهة وكراهة الطبيعة المطلقة كراهة لجميع افرادها فإذا كان اطلاق الطبيعة يقتضي شمول الافراد الدفعية والتدريجية فالكراهة لها تقتضي كراهة جميع الافراد الدفعية والتدريجية فيتوقف امتثال النهي على ترك الافراد في تمام الازمنة لان كل ما يفرض من الافراد في الازمنة اللاحقة معروض للكراهة ففعله مخالفة وتركه موافقة للنهي (وان شئت) قلت: مادة النهي مفادها الزجر فالاطلاق يقتضي الزجر عن الطبيعة المطلقة والزجر عن المطلق زجر عن جميع افراده فالافراد التدريجية إذا كانت افرادا

٣٤٧

غير مقيدة بزمان أو حال فانه حينئذ لا يكاد يكون مثل هذه الطبيعة معدومة إلا بعدم جميع أفرادها الدفعية والتدريجية (وبالجملة) قضية النهي ليس الا ترك تلك الطبيعة التي تكون متعلقة له كانت مقيدة أو مطلقة وقضية تركها عقلا انما هو ترك جميع افرادها (ثم) انه لا دلالة للنهي على ارادة الترك لو خولف أو عدم ارادته بل لابد في تعيين ذلك من دلالة

______________________________

للطبيعة المطلقة المنهي عنها فكل واحد منها لابد أن يكون موضوعا للزجر مطلقا وهو عين الاستمرار، وهيئة النهي مفادها جعل النسبة السلبية بين المكلف وبين الطبيعة فإذا كانت الطبيعة مطلقة شاملة للافراد التدريجية والدفعية افادت الهيئة انشاء النسبة السلبية بين المكلف وبين كل فرد من أفراد تلك الطبيعة فلا يتحقق إلا بترك الجميع في جميع تلك الازمنة إذ فعل فرد في زمان ما يقتضي نسبة ثبوتية لا سلبية وبالجملة معنى: لا تفعل، السلب المحصل وطلب العدم من قبيل الايجاب المعدول والذي يحصل امتثاله بالترك في الزمان الاول هو الثاني لا الاول، والذي يقتضي الاستمرار هو الاول لا الثاني فلا بد من التأمل كي لا يختلط أحدهما بالآخر ولعل عبارة المتن غير آبية عن الحمل على ما ذكرنا فتأمل (قوله: مقيدة بزمان أو حال) أما لو كانت مقيدة باحدهما كما لو قال: لا تضرب يوم الجمعة، أو عند قيام زيد، اقتضى النهي الاستمرار في ذلك الزمان أو في تلك الحال لا غير أما الاستمرار فيهما فلما تقدم وأما سقوط النهي في غيرهما فلانه مقتضى التوقيت (قوله: لا دلالة للنهي على) يعني إذا عصى المكلف وخالف النهي بفعل المنهي عنه في زمان فهل يجب عليه تركه في الازمنة اللاحقة أولا ؟ لا دلالة للنهي على أحد الامرين بل لابد من الرجوع في الدلالة على أحدهما إلى دليل آخر ولو كان إطلاق المنهي عنه (توضيح ذلك) أن الطبيعة المنهي عنها (تارة) تلحظ بنحو صرف الوجود بمعنى نقض العدم وقلبه إلى الوجود (وأخرى) بنحو الطبيعة السارية، فان لوحظت على النحو الاول سقط النهي بالمخالفة لان صرف الوجود

٣٤٨

ولو كان إطلاق المتعلق من هذه الجهة ولا يكفى إطلاقها من سائر الجهات فتدبر جيدا

فصل

اختلفوا في جواز اجتماع الامر والنهي في واحد وامتناعه على أقوال (ثالثها) جوازه عقلا وامتناعه عرفا وقبل الخوض في المقصود يقدم امور (الاول) المراد بالواحد مطلق ما كان ذا وجهين ومندرجا تحت عنوانين باحدهما كان موردا للامر

______________________________

لا يتعدد انطباقه فإذا انطبق أولا على الفعل الذي هو مخالفة وعصيان امتنع انطباقه ثانيا على غيره فلا معنى لبقاء النهي بعد امتناع موضوعه، وان لوحظت على النحو الثاني كانت كل حصة من الطبيعة تحت كراهة مستقلة في قبال الحصة الاخرى فإذا عصى المكلف بالفعل كان عصيانه في الحقيقة عصانا للكراهة المتعلقة بذلك الفرد الماتي به فتسقط هي أما الكراهة المتعلقة ببقية الحصص فهي على حالها في اقتضائها المنع عنها فيكون حال النهي حال العام الافرادي في اقتضائه كل فرد من نفسه مع قطع النظر عن غيره والطريق إلى معرفة أنها ملحوظة على أي النحوين يمكن أن يكون إطلاق المادة فان مقتضاه كونها ملحوظة بنحو صرف الوجود كما تقدم بيانه في المرة والتكرار فكما أن إطلاق قوله: اضرب، يقتضي البعث إلى صرف الوجود ولا يقتضي التكرار كذلك إطلاق قوله: لا تضرب، يقتضي الزجر عن صرف الوجود فإذا خولف بالوجود لم يقتض الزجر عن الوجود بعد ذلك فانه وجود بعد وجود لا وجود بعد العدم الذي هو صرف الوجود كما عرفت. نعم الغالب في المفسدة أن تكون قائمة بكل حصة بحيالها وفي المصلحة أن تكون قائمة بصرف الوجود فلعل هذه الغلبة تقتضي كون مقتضى الاطلاق هو الثاني لان الاول حينئذ يحتاج إلى بيان فتأمل (قوله: ولو كان اطلاق) الظاهر ارادة ما ذكرنا من الاطلاق وله الحمد

اجتماع الامر والنهى

(قوله: المراد بالواحد مطلق) هذا رد لما عن العضدي من أن المراد

٣٤٩

وبالآخر للنهي وان كان كليا مقولا على كثيرين كالصلاة في المغصوب وإنما ذكر لاخراج ما إذا تعدد متعلق الامر والنهى ولم يجتمعا وجودا ولو جمعهما واحد مفهوما كالسجود لله تعالى والسجود للصنم مثلا لا لاخراج الواحد الجنسي أو النوعي كالحركة والسكون الكليين المعنونين بالصلاتية والغصبية (الثاني) الفرق بين هذه المسألة ومسألة النهى في العبادات هو أن الجهة المبحوث عنها فيها التي بها تمتاز المسائل هي أن تعدد الوجه والعنوان في الواحد يوجب تعدد متعلق الامر والنهي - بحيث

______________________________

*

من الواحد الواحد بالوحدة الشخصية وأما الواحد بالوحدة الجنسية فلا نزاع في جواز الاجتماع فيه كما في السجود فانه مامور به إذا كان لله تعالى ومنهي عنه إذ كان للصنم وحاصل الرد أنه لا وجه لتخصيص النزاع بذلك فانه يعم الكلي أيضا نوعا أو جنسا إذا كان مندرجا تحت عنوانين أحدهما مأمور به والآخر منهي عنه مثل كلي الصلاة في المغصوب المعنونة بالصلاة المأمور بها والغضب المحرم (أقول): الظاهر أن مراد العضدي من الوحدة الشخصية الوحدة الوجودية في مقابل الوحدة الجنسية مع تعدد الوجود كما يظهر من ملاحظة تمثيله للواحد بالجنس السجود المأمور به المنهي عنه بلحاظ وجودين له متباينين لا الشخص المقابل للكلي فلاحظ - مع أن خروج الكلي عن محل النزاع لا ضير فيه لان الغرض تصحيح العبادة الشخصية لا الكلية فتأمل (قوله: المعنونين بالصلاتية) يعني المعنون كل منهما بأنه صلاة وغصب فيكون كليا تحت عنوانين (قوله: التي بها تمتاز المسائل) يعني أن ما به الامتياز بين المسائل ليس مجرد تعدد الموضوع بل تعدد الجهة المقصودة بالبحث ولو مع وحدة الموضوع والجهة المقصودة بالبحث في المقام أن النهي عن عنوان متحد مع عنوان آخر بحسب الوجود يسري إلى العنوان الآخر أولا ؟ ومن المعلوم ضرورة أن الجهة المذكورة أجنبية عن الجهة المقصودة بالبحث في مسألة دلالة النهي على الفساد من اقتضاء النهي للفساد وعدمه فالفرق بين المسألتين في غاية الوضوح (قوله: تعدد متعلق) يعني فلا يكون متعلق أحدهما متعلقا للآخر

٣٥٠

يرتفع به غائلة استحالة الاجتماع في الواحد بوجه واحد - أولا يوجبه بل يكون حاله حاله ؟ فالنزاع في سراية كل من الامر والنهى إلى متعلق الآخر لاتحاد متعلقيهما وجودا وعدم سرايته لتعددهما وجها وهذا بخلاف الجهة المبحوث عنها في المسألة الاخرى فان البحث فيها في أن النهي في العبادة أو المعاملة يوجب فسادها بعد الفراغ عن التوجه إليها (نعم) لو قيل بالامتناع مع ترجيح جانب النهي في مسألة الاجتماع يكون مثل الصلاة في الدار المغصوبة من صغريات تلك المسألة فانقدح أن الفرق بين المسألتين في غاية الوضوح

______________________________

(قوله: من صغربات تلك) لان مبنى الامتناع سراية كل من الامر والنهي إلى متعلق الآخر فيكون متعلق كل منهما موضوعا للامر والنهي معا وهو ممتنع فإذا رجح جانب النهي وسقط الامر يكون موضوع الامر موضوعا للنهي لا غير فيقع الكلام في ان النهي عنه يقتضي الفساد اولا فتكون هذه المسألة متعرضة لتنقيح صغرى للمسألة الآتية ويمكن ان يشكل بأن الفساد المدلول عليه بالنهي في تلك المسألة شامل لجميع حالات المكلف من الاختيار والاضطرار والالتفات والغفلة عن قصور أو تقصير، وفساد العبادة - على القول بالامتناع - لا يكون كذلك بل يختص ببعض الصور كما سيأتي التعرض له في المتن، وأيضا فقوام هذه المسألة إحراز المقتضي للامر والنهي الملحق لها بباب التزاحم على تقدير الامتناع وقوام تلك المسألة التخصيص الملحق لها بباب التعارض، ويمكن أن يدفع بان اطلاق الفساد في تلك المسألة وان كان يقتضي عدم الفرق بين الحالات المشار إليها لكن يلزم حمله على بعض الحالات كما يقتضيه جعل ثمرة مسألة أن الامر بالشئ يقتضي النهي عن ضده أن تكون العبادة التي هي ضد الواجب الاهم من صغريات مسألة دلالة النهي على الفساد - مع أن الفساد في العبادة التي هي ضد لا يشمل جميع الاحوال بل هو نظير المقام ومنه يظهر المنع من اختصاص مسألة الفساد بصورة عدم المقتضي الملحق بها بباب

٣٥١

(واما) ما افاده في الفصول من الفرق بما هذه عبارته: ثم اعلم أن الفرق بين المقام والمقام المتقدم هو أن الامر والنهي هل يجتمعان في شئ واحد أولا ؟ أما في المعاملات فظاهر وأما في العبادات فهو ان النزاع هناك فيما إذا تعلق الامر والنهي بطبيعتين متغايرتين بحسب الحقيقة وان كان بينهما عموم مطلق وهنا فيما إذا اتحدتا حقيقة وتغايرتا بمجرد الاطلاق والتقييد بان تعلق الامر بالمطلق والنهي بالمقيد انتهى موضع الحاجة (فاسد) فان مجرد تعدد الموضوعات وتغايرها بحسب الذوات لا يوجب التمايز بين المسائل ما لم يكن هناك اختلاف الجهات ومعه لا حاجة أصلا إلى تعددها بل لابد من عقد مسألتين مع وحدة الموضوع وتعدد الجهة المبحوث عنها وعقد مسألة واحدة في صورة العكس كما لا يخفى. ومن هنا انقدح أيضا فساد الفرق بأن النزاع هنا في جواز الاجتماع عقلا وهناك في دلالة النهي لفظا فان مجرد ذلك

______________________________

التعارض فان العبادة التي هي ضد واجدة للملاك قطعا كما تقدم (قوله: واما ما افاده في الفصول) ذكره في مسألة دلالة النهي على الفساد (قوله: أما في المعاملات فظاهر) كأن الوجه فيه أنه لا مجال لاحتمال الفساد في المعاملة مطلقا لو كانت من صغريات مسألة الاجتماع بخلاف العبادة فانها قد تكون فاسدة فيحتاج إلى إبداء الفرق بين المسألتين (قوله: وان كان بينهما عموم) كالانسان والضاحك وهذا رد على المحقق القمي (ره) حيث اعتبر في محل النزاع أن يكون بين العنوانين اللذين هما مورد الامر والنهي عموم من وجه (قوله: بمجرد الاطلاق) بأن يكون أحدهما مطلقا والآخر مقيدا مثل: صل ولا تصل في الدار المغصوبة (قوله: لا يوجب التمايز) كما في صغريات المسألة الواحدة فان موضوع كل واحدة منها يغاير موضوع الاخرى مع ان الجميع مسألة واحدة لاتحاد الجامع بين الموضوعات المبحوث عنه في جميعها، وكما في بعض المسائل التي اختلف تحرير عنوانها في كلامهم كمسألة الاجزاء ومقدمة الواجب فان عنوان كل في كلام بعض وان كان يغاير عنوانها في كلام آخر لاختلاف الموضوع أو المحمول أو اختلافهما لكنها لا تخرج

٣٥٢

ما لم يكن تعدد الجهة في البين لا يوجب الا تفصيلا في المسألة الواحدة لا عقد مسألتين هذا مع عدم اختصاص النزاع في تلك المسألة بدلالة اللفظ كما سيظهر (الثالث) انه حيث كانت نتيجة هذه المسألة مما تقع في طريق الاستنباط كانت المسألة من المسائل الاصولية لا من مباديها الاحكامية ولا التصديقية

______________________________

عن كونها مسألة واحدة (أقول): ظاهر الفصول إبداء الفرق بين المسألتين من حيث المورد ردا على المحقق القمي (ره) لا بيان أن المايز بينهما تعدد الموضوع كي يتوجه هذا التحقيق ردا عليه بل كان المناسب الايراد عليه بمنع اختصاص المسألة الآتية بما ذكر كما يظهر من ملاحظة كون هذه المسألة على بعض التقادير من صغريات المسألة الآتية كما تقدم في كلام المصنف (ره) وايضا فهذا الاهتمام الشديد في إبداء الفرق بين المسألتين إنما يكون مناسبا لو كان موضوع المسألتين أو محمولهما واحدا لا مع الاختلاف الظاهر بينهما الموجب لرفع التباس إحداهما بالاخرى - مضافا إلى ان سراية الامر والنهي إلى متعلق الآخر لا يظهر كونها الجهة المقصودة بالبحث، بل الظاهر كونها مبنى للبحث في هذه المسألة عن جواز الاجتماع وامتناعه فتدبر (قوله: ما لم يكن تعدد) ظاهر الفرق المذكور تعدد الجهة المبحوث عنها في المسألتين فالاشكال عليه غير ظاهر إلا بمنع انحصار الجهة المبحوث عنها في ما ذكره (قوله: تفصيلا في المسألة) إنما يوجب ذلك لو كان المختار في الاول الجواز وفى الثاني الدلالة لكنه في الحقيقة اختيار في مسألتين (قوله: في طريق الاستنباط) يعني استنباط صحة العبادة وفسادها اللذين هما من الاحكام الفرعية (قوله: من المسائل) لما سبق في تعريف الاصول (قوله: لا من مباديها الاحكامية) يعني المسائل المتعلقة بالحكم الشرعي إذ من المناسب عقيب ذكر الحكم وتعريفه وتقسيمه إلى تكليفي وغيره أن يذكر أنه هل يجوز اجتماع حكمين مع تضادهما في وجود واحد كما صنع العضدي وشيخنا البهائي (ره) ذلك على ما حكي ؟ (قوله: ولا التصديقية) وهي المسائل التي يتوقف عليها قياسات العلم وكون المسألة منها

٣٥٣

ولا من المسائل الكلامية ولا من المسائل الفرعية وان كانت فيها جهاتها كما لا يخفى ضرورة أن مجرد ذلك لا يوجب كونها منها إذا كانت فيها جهة اخرى يمكن عقدها معها من المسائل إذ لا مجال حينئذ لتوهم عقدها من غيرها في الاصول وان عقدت كلامية في الكلام وصح عقدها فرعية أو غيرها بلا كلام وقد عرفت في اول الكتاب أنه لا ضير في كون مسألة واحدة يبحث فيها عن جهة خاصة من مسائل علمين لانطباق جهتين عامتين على تلك الجهة كانت باحداهما من مسائل علم وبالاخرى من آخر فتذكر (الرابع) انه قد ظهر من مطاوي ما ذكرناه أن المسألة عقلية ولا اختصاص للنزاع في جواز الاجتماع والامتناع فيها بما إذا كان الايجاب والتحريم باللفظ كما ربما يوهمه التعبير بالامر والنهى الظاهرين في الطلب بالقول الا انه لكون الدلالة عليهما غالبا بهما كما هو اوضح من ان يخفى وذهاب البعض إلى الجواز عقلا والامتناع عرفا ليس بمعنى

______________________________

*

بملاحظة ابتناء مسألة اصولية عليها وهي ان الامر والنهي هل يتعارضان في مورد الاجتماع ليجب رفع اليد عن أحدهما أو لا ؟ فان التعارض وعدمه مبنيان على امتناع الاجتماع عقلا وجوازه في المقام (قوله: ولا من المسائل الكلامية) وهى التي يبحث فيها عن احوال المبدأ والمعاد وكون المسألة منها بملاحظة جعل النزاع فيها نزاعا في فعله تعالى وأنه يجوز أن يجعل حكمين لفعل واحد إذا كان ذا عنوانين (قوله: من المسائل الفرعية) هذا باعتبار كون النزاع فيها نزاعا في صحة الصلاة في المغصوب (قوله: عقدها معها من المسائل) الضمير الاول راجع إلى المسألة والثاني راجع إلى الجهة والمراد من المسائل الاصولية والجار متعلق بقوله: عقدها (قوله: من غيرها في الاصول) الظرف الاول حال من ضمير عقدها والثاني متعلق بعقد (قوله: وان عقدت) على هذا كان المناسب أن يقول: هذه المسألة من المسائل الاصولية وان كانت كلامية وفرعية وغير ذلك لا نفي كونها فرعية أو كلامية (قوله: انه لكون) ضمير (أن)

٣٥٤

دلالة اللفظ بل بدعوى ان الواحد بالنظر الدقيق العقلي اثنان وأنه بالنظر المسامحي العرفي واحد ذو وجهين والا فلا يكون معنى محصلا للامتناع العرفي غاية الامر دعوى دلالة اللفظ على عدم الوقوع بعد اختيار جواز الاجتماع فتدبر جيدا (الخامس) لا يخفى ان ملاك النزاع في جواز الاجتماع والامتناع يعم جميع اقسام الايجاب والتحريم كما هو قضية اطلاق لفظ الامر والنهى ودعوى الانصراف إلى النفسيين التعيينيين العينيين في مادتهما غير خالية عن الاعتساف وان سلم في صيغتهما - مع أنه فيها ممنوع نعم لا يبعد دعوى الظهور والانسباق من الاطلاق بمقدمات الحكمة غير الجارية في المقام لما عرفت من عموم الملاك لجميع الاقسام وكذا ما وقع في البين من النقض والابرام (مثلا) إذا أمر بالصلاة والصوم تخييرا بينهما وكذلك نهى عن التصرف في الدار والمجالسة مع الاغيار فصلى فيها مع مجالستهم كان حال الصلاة فيها حالها كما إذا أمر بها تعيينا ونهى عن التصرف

______________________________

*

راجع إلى التعبير، والظرف خبر (أن) (قوله: دلالة اللفظ) يعني على الامتناع (قوله: للامتناع العرفي) إذ الامتناع من الاحكام العقلية ولو بتبع نظر العرف (قوله: دعوى دلالة) بطلان الدعوى ظاهر إذ هي خلاف اطلاق موضوع كل من الامر والنهي ولو فرض عدم تمامية مقدمات الاطلاق فلا دلالة للفظ لا انه دال على العدم (قوله: على عدم الوقوع) يعني لا على الامتناع ليتوهم كون المسألة لفظية (قوله: قضية اطلاق) قد عرفت الاشكال في هذا الاطلاق بالنسبة إلى التعييني العيني فراجع وتأمل (قوله: مع مجالستهم) إذ لو ترك مجالستهم فقد امتثل النهي التخييري ولا يكون التصرف في الدار حراما عكس امتثال الامر التخييري (قوله: فيها حالها) يعني في انها تجمع عنوانين أحدهما واجب وهو الصلاة والآخر حرام وهو التصرف في الدار

٣٥٥

فيها كذلك في جريان النزاع في الجواز والامتناع ومجيئ أدلة الطرفين وما وقع من النقض والابرام في البين فتفطن (السادس) انه ربما يؤخذ في محل النزاع قيد المندوحة في مقام الامتثال بل ربما قيل بأن الاطلاق إنما هو للاتكال على الوضوح إذ بدونها يلزم التكليف بالمحال ولكن التحقيق مع ذلك عدم اعتبارها في ما هو المهم في محل النزاع من لزوم المحال وهو اجتماع الحكمين المتضادين وعدم الجدوى في كون

______________________________

*

(قوله: فيها كذلك) أي في الدار تعيينا (قوله: ربما يؤخذ في محل) بل حكي اتفاق كلمتهم عليه (قوله: قيد المندوحة) هي الفسحة والسعة فيختص النزاع بما إذا كان المكلف في سعة بحيث يقدر على موافقة الامر والنهي معا بان كان موضوع الامر اعم مطلقا أو من وجه من موضوع النهي مع قدرة المكلف على امتثال الامر بغير مورد الاجتماع والا فلا مندوحة (قوله: ولكن التحقيق مع) توضيح المراد ان عدم جواز اجتماع الامر والنهي تارة يكون من جهة عجز المكلف عن موافقتهما معا مع كون موضوع الامر واجدا لملاك الامر بحيث يكون وجوده ارجح من عدمه وموضوع النهي واجدا لملاك النهي بحيث يكون عدمه ارجح من وجوده فيكون عجز المكلف مانعا عن الجمع بينهما لان الجمع بينهما تكليف بالمحال نظير الامر بالضدين المتزاحمين (واخرى) يكون من جهة تضاد الامر والنهي نفسيهما الموجب لامتناع الجمع بينهما ويكونان معا تكليفا محالا نظير الامر والنهي المتعلقين بشئ واحد بعنوان واحد والكلام في هذه المسألة في جواز اجتماعهما وعدمه من الجهة الثانية وان الامر والنهي بشئ واحد بعنوانين جمع بينهما في شئ واحد فيكون في نفسه محالا لانه جمع بين الضدين كالامر والنهي بشئ واحد بعنوان واحد أو ليس جمعا بينهما في شئ واحد فلا يكون محالا كالامر والنهي بشيئين ؟ والمندوحة انما تعتبر في جواز اجتماعهما من الجهة الاولى إذ مع المندوحة يقدر المكلف على امتثالهما معا لكنها ليست محلا للكلام في المقام ولذا قيل بالامتناع حتى مع وجود المندوحة (قوله: وعدم الجدوى) معطوف

٣٥٦

موردهما موجها بوجهين في رفع غائلة اجتماع الضدين أو عدم لزومه وأن تعدد الوجه يجدي في رفعها ولا يتفاوت في ذلك اصلا وجود المندوحة وعدمها، ولزوم التكليف بالمحال بدونها محذور آخر لا دخل له بهذا النزاع (نعم) لا بد من اعتبارها في الحكم بالجواز فعلا لمن يرى التكليف بالمحال محذورا ومحالا كما ربما لا بد من اعتبار أمر آخر في الحكم به كذلك ايضا (وبالجملة) لا وجه لاعتبارها إلا لاجل اعتبار القدرة على الامتثال وعدم لزوم التكليف بالمحال ولا دخل له بما هو المحذور في المقام من التكليف المحال فافهم واغتنم (السابع) أنه ربما يتوهم تارة أن النزاع في الجواز والامتناع يبتني على القول بتعلق الاحكام بالطبايع، وأما الامتناع - على القول بتعلقها بالافراد - فلا يكاد يخفى ضرورة لزوم تعلق الحكمين بواحد شخصي ولو كان

______________________________

*

على لزوم وبيان لوجه اللزوم ونظيره قوله: وان تعدد.. الخ فانه معطوف على عدم وبيان له (قوله: محذور آخر) يعني غير كون نفس التكليف محالا الذي هو محل الكلام (قوله: نعم لا بد من) يعني لو بنينا على الجواز في المسألة من الجهة الثانية لابد من اعتبار المندوحة في الحكم بالجواز من الجهة الاولى بناء على امتناع التكليف بالمحال اما بناء على جوازه الغاء للجهة الاولى عن المانعية فلا تعتبر ايضا (قوله: أمر آخر) وهو كل ما له دخل في حصول القدرة على الامتثال (قوله: به كذلك) يعني بالجواز فعلا (قوله: التكليف المحال) يعني الذي لا يجوزه من جوز التكليف بالمحال (قوله: بواحد شخصي ولو) لان الخصوصيات المقومة لفردية الفرد إذا كانت دخيلة في موضوع الامر والنهي معا فقد اجتمع الامران فيها وهي أمر واحد ذاتا ووجودا فيلزم اجتماع الضدين. نعم لو اريد من الفرد الحصة الخاصة من الطبيعي التي هي منشأ انتزاع الطبيعي فهي في الخارج متعددة إذ ما يكون منشأ انتزاع أحدهما غير ما يكون منشأ انتزاع الآخر فيكون موضوع الامر غير موضوع النهي وان اتحدا

٣٥٧

ذا وجهين على هذا القول وأخرى أن القول بالجواز مبني على القول بالطبايع لتعدد متعلق الامر والنهي ذاتا عليه وان اتحد وجودا والقول بالامتناع على القول بالافراد لاتحاد متعلقهما شخصا خارجا وكونه فردا واحدا (وأنت خبير) بفساد كلا التوهمين فان تعدد الوجه ان كان يجدى بحيث لا يضر معه الاتحاد بحسب الوجود والايجاد لكان يجدي ولو على القول بالافراد فان الموجود الخارجي الموجه بوجهين يكون فردا لكل من الطبيعتين فيكون مجمعا لفردين موجودين بوجود واحد فكما لا يضر وحدة الوجود بتعدد الطبيعتين لا يضر بكون المجمع اثنين بما هو مصداق وفرد لكل من الطبيعتين وإلا لما كان يجدي أصلا حتى على القول بالطبايع كما لا يخفى لوحدة الطبيعتين وجودا واتحادهما خارجا فكما أن وحدة الصلاتية والغصبية في الصلاة في الدار المغصوبة وجودا غير ضائر بتعددهما وكونهما طبيعتين كذلك وحدة

______________________________

وجودا ولا فرق بينه وبين القول بالطبايع (قوله: ذا وجهين) لانه فرد لماهيتين (قوله: واخرى أن القول) هذا التوهم راجع إلى الاول ويفترق عنه بأنه لا وجه للقول بالامتناع على القول بالطبايع (قوله: فان تعدد الوجه) حاصله انه يمكن القول بالجواز على القول بالافراد لان الفرد الخارجي بملاحظة كونه ذا وجهين صار مجمعا لفردين يكون أحدهما موضوعا للامر والآخر موضوعا للنهي فلا يتم التوهم الاول كما يمكن القول بالامتناع على القول بالطبايع لان الطبايع وان تعددت ذهنا لكنها متحدة خارجا فيلزم اجتماع الامر والنهي مع كونهما ضدين في واحد خارجي فلا يتم التوهم الثاني (قوله: فان الموجود الخارجي) قد تقدم من المصنف (ره) في مبحث الطبايع ان القول بالافراد قول باعتبار الخصوصيات المفردة في موضوع الامر ولاجل ذلك أبطله بأنها غير دخيلة في الغرض فكيف تكون دخيلة في المأمور به فإذا تم ذلك فالخصوصيات المفردة ليست متعددة فيلزم الاجتماع في واحد ذاتا فلا مجال للقياس على القول بالطبايع فتأمل. (قوله: مجمعا لفردين) هذا غير ظاهر. نعم مجمع لمنشأ انتزاع الماهتين فان

٣٥٨

ما وقع في الخارج من خصوصيات الصلاة فيها وجودا غير ضائر بكونه فردا للصلاة فيكون مأمورا به وفردا للغصب فيكون منهيا عنه فهو - على وحدته وجودا - يكون اثنين لكونه مصداقا للطبيعتين فلا تغفل (الثامن) أنه لا يكاد يكون من باب الاجتماع الا إذا كان في كل واحد من متعلقي الايجاب والتحريم مناط حكمه مطلقا حتى في مورد التصادق والاجتماع كي يحكم على الجواز بكونه فعلا محكوما بالحكمين وعلى الامتناع بكونه محكوما بأقوى المناطين أو بحكم آخر غير الحكمين فيما لم يكن هناك أحدهما أقوى كما يأتي تفصيله، وأما إذا لم يكن للمتعلقين مناط كذلك فلا يكون من هذا الباب ولا يكون مورد الاجتماع محكوما الا بحكم واحد منهما إذا كان له مناطه أو حكم آخر غيرهما فيما لم يكن لواحد منهما قيل بالجواز أو الامتناع. هذا بحسب مقام الثبوت وأما بحسب مقام الدلالة والاثبات فالروايتان الدالتان على الحكمين متعارضتان إذا أحرز أن المناط من قبيل الثاني فلا بد

______________________________

*

كان هو المراد من الفرد تم ما ذكره (قوله: لا يكاد يكون من باب) يعني ان النزاع في هذه المسألة مختص بما إذا كان العنوانان المجتمعان في وجود واحد واجدا أحدهما لملاك الامر والآخر لملاك النهي لان الثمرة المقصودة بالبحث انما تترتب في خصوص ذلك لا غير (قوله: بكونه فعلا) يعني يكون مورد التصادق (قوله: قيل بالجواز) لان القول بالجواز انما يسوغ الاجتماع في ظرف وجود المقتضي لكل منهما فإذا فقد المقتضي لهما أو لاحدهما فلا مجال للاجتماع (قوله: من قبيل الثاني) وهو ما لم يكن المناط موجودا في العنوانين معا والوجه في حصول التعارض حينئذ هو العلم الاجمالي بكذب إحدى الروايتين الموجب للتنافي بينهما عرضا حسبما يأتي انشاء الله في مبحث التعارض وان كان التحقيق أن الوجه في حصول التعارض ان العلم المذكور يوجب دلالة كل من الروايتين على ثبوت الحكم الذي هو مضمونها بالمطابقة وعلى انتفاء الحكم الذي هو مضمون الاخرى بالالتزام فيحصل التنافي بين المدلول المطابقي لكل منهما والمدلول الالتزامي للاخرى

٣٥٩

من عمل المعارضة حينئذ بينهما من الترجيح والتخيير والا فلا تعارض في البين بل كان من باب التزاحم بين المقتضيين فربما كان الترجيح مع ما هو أضعف دليلا لكونه أقوى مناطا فلا مجال حينئذ لملاحظة مرجحات الروايات اصلا بل لا بد من ملاحظة مرجحات المقتضيات المتزاحمات كما يأتي الاشارة إليها (نعم) لو كان كل منهما متكفلا للحكم الفعلي لوقع بينهما التعارض فلا بد من ملاحظة مرجحات باب المعارضة لو لم يوفق بينهما بحمل أحدهما على الحكم الاقتضائي بملاحظة مرجحات باب المزاحمة

______________________________

كما اوضحناه فيما علقناه على ذلك المقام (قوله: من عمل المعارضة) يعني من العمل على طبق أحكام المتعارضين (قوله: والا فلا تعارض) يعني وإلا يحرز أنه من قبيل الثاني بل احتمل انه من قبيل الثاني وأنه من قبيل الاول فلا تعارض بينهما حينئذ لاحتمال صدقهما معا (قوله: بل كان من باب التزاحم) يعني بل يجب الحكم بكون المناط من قبيل الاول أعني موجودا في كل من العنوانين لانه مقتضي حجية الروايتين معا لان كلا من الروايتين تحكي عن وجود المناط المقتضي للحكم الذي تضمنته فدليل حجيتها يقتضي ترتب اثر وجود المناطين معا فيقع بينهما التزاحم على القول بالامتناع (قوله: لكونه أقوى) يعني حيث تحرز اقوائيته بدليل (قوله: فلا مجال حينئذ) إذ المرجحات انما دل الدليل على اعتبارها في مقام التعارض لا التزاحم (قوله: لوقع بينهما) لانه على القول بالامتناع تمتنع فعلية الحكمين على طبق المناطين فإذا دل كل منهما على الحكم الفعلي فقد علم إجمالا بكذب أحدهما فيحصل التعارض حسبما سبق وجهه (قوله: لو لم يوفق بينهما) أما لو أمكن الجمع بينهما في نظر العرف بحمل أحدهما بعينه على الاقتضائي فلا مجال للرجوع إلى أحكام التعارض لانها مختصة بغير موارد الجمع العرفي كما سيأتي إنشاء الله تعالى (قوله: بملاحظة مرجحات) متعلق بقوله: يوفق، يعني يكون الوجه في الجمع بينهما بحمل أحدهما على الاقتضائي دون الآخر هو أن المقتضي فيه أضعف وفي الآخر أقوى فيكون الترجيح بينهما في مقام الثبوت موجبا

٣٦٠

فتفطن (التاسع) أنه قد عرفت أن المعتبر في هذا الباب ان يكون كل واحد من الطبيعة المأمور بها والمنهي عنها مشتملة على مناط الحكم مطلقا حتى في حال الاجتماع فلو كان هناك ما دل على ذلك من اجماع أو غيره فلا اشكال ولو لم يكن الا اطلاق دليلي الحكمين ففيه تفصيل وهو ان الاطلاق لو كان في بيان الحكم الاقتضائي لكان دليلا على ثبوت المقتضي والمناط في مورد الاجتماع فيكون من هذا الباب ولو كان بصدد الحكم الفعلي فلا اشكال في استكشاف ثبوت المقتضي في الحكمين على القول بالجواز الا إذا علم اجمالا بكذب احد الدليلين فيعامل معهما معاملة المتعارضين (وأما) على القول بالامتناع فالاطلاقان متنافيان من غير دلالة على ثبوت المقتضي للحكمين في مورد الاجتماع أصلا فان انتفاء أحد المتنافيين كما يمكن أن يكون لاجل المانع مع ثبوت المقتضي له يمكن ان يكون لاجل انتفائه (إلا) أن يقال: إن

______________________________

*

للترجيح بينهما في مقام الاثبات عرفا (قوله: فتفطن) يمكن أن يكون إشارة إلى أن الجمع العرفي يتوقف على كون أحدهما أظهر من الآخر ومجرد كون أحدهما أقوى مناطا من الآخر لا يجدي في كونه أقوى ظهورا (قوله: أو غيره) يعني مما يوجب العلم بثبوت المناط فيهما أما لو كان ظنا جاء فيه ما يأتي في الاطلاق (قوله: فلا إشكال) يعنى في دخوله في منشأ الاجتماع (قوله: متنافيان) لامتناع صدقهما معا على القول بالامتناع (قوله: من غير دلالة) يعني مع التنافي المذكور (قوله: فان انتفاء) بيان لوجه عدم الدلالة مع التنافي يعني إذا علم بكذب أحدهما في دلالته على الحكم الفعلي لانتفاء الحكم الفعلي في أحدهما جاز أن يكون المقتضي في كل منهما موجودا مع انتفاء مجرد الفعلية في أحدهما وجاز أن لا يكون المقتضي في أحدهما موجودا ولا معين لاحد الاحتمالين فلا يمكن إدخال الفرض في مسألة الاجتماع (أقول): كل واحد من الاطلاقين إذا كان دالا على فعلية الحكم بالمطابقة فقد دل على ثبوت المناط بالالتزام والتنافى بين الدليلين في دلالتهما على الفعلية إنما يوجب سقوطهما عن الحجية في اثبات فعلية

٣٦١

قضية التوفيق بينهما هو حمل كل منهما على الحكم الاقتضائي لو لم يكن أحدهما أظهر وإلا فخصوص الظاهر منهما (فتلخص) أنه كلما كانت هناك دلالة على ثبوت المقتضى في الحكمين كان من مسألة الاجتماع وكلما لم تكن هناك دلالة عليه فهو من باب التعارض مطلقا إذا كانت هناك دلالة على انتفائه في أحدهما بلا تعيين ولو على الجواز وإلا فعلى الامتناع (العاشر) أنه لا اشكال في سقوط الامر وحصول الامتثال باتيان المجمع

______________________________

*

الحكمين لا سقوطهما في إثبات المناطين مع عدم التنافي بينهما فحجية الاطلاق في ثبوت المناطين بلا مزاحم " فان قلت ": الدلالة على ثبوت المناط إذا كانت التزامية فهى تابعة للدلالة المطابقية على فعلية الحكم فإذا سقطت الدلالة المذكورة عن الحجية سقطت الدلالة الالتزامية ايضا " قلت ": الدلالة الالتزامية لابد أن تكون تابعة للدلالة المطابقية ثبوتا ووجودا ولا يجب أن تكون تابعة لها حجية واثباتا إذ لا مانع من التفكيك بينهما في الجملة إذا ساعده الجمع العرفي كما في بعض الامارات التي لا يكون المثبت منها حجة فان ذلك انما هو لعدم حجية الدلالة الالتزامية مع حجية الدلالة المطابقية وكما في باب المتعارضين فانه سيأتي انشاء الله تعالى في مبحث التعارض أن الوجه في بناء الاصحاب على حجية المتعارضين في الدلالة على نفي الحكم الثالث في مورد التعارض مع البناء على اصالة سقوط المتعارضين عن الحجية هو إمكان التفكيك بين الدلالة المطابقية والالتزامية في الحجية (قوله: قضية التوفيق) يعني الجمع العرفي (قوله: فخصوص الظاهر) يعني فيحمل خصوص الظاهر على الاقتضائي ويبقى الاظهر حجية في الفعلية (قوله: ولو على الجواز) بيان لوجه الاطلاق (قوله: وإلا فعلى الامتناع يعني وإن لم تكن دلالة على انتفاء المناط في أحدهما ولم يحرز ثبوت المناط فيهما فعلى الامتناع يكون من التعارض إذ لا طريق إلى ثبوت المناطين، " أقول ": لكن عرفت الطريق إلى ذلك وعليه فلا يكون من التعارض إلا إذا

٣٦٢

بداعي الامر على الجواز مطلقا ولو في العبادات وان كان معصية للنهي أيضا وكذا الحال على الامتناع مع ترجيح جانب الامر إلا أنه لا معصية عليه وأما عليه وترجيح جانب النهي فيسقط به الامر به مطلقا في غير العبادات لحصول الغرض الموجب له وأما فيها فلا مع الالتفات إلى الحرمة

______________________________

كانت دلالة على انتفاء أحد المناطين (قوله: بداعي الامر على الجواز) قد تقدم أن القول بالجواز قول بعدم كون التكليف في نفسه محالا وإن جاز أن يكون تكليفا بالمحال وعليه فقد تقوم في ذيل مسألة الضد أن عموم الامر بالعبادة الموسعة للفرد المأتي به في وقت الضد الاهم ممتنع لانه تكليف بالمحال ولا فرق بينه وبين المقام وحينئذ فقصد الامر في المقام عند إتيان مورد التصادق يتوقف على صحة قصد الامر بالعبادة الموسعة عند الاتيان بها في وقت الضد الاهم كما سيأتي (قوله: وكذا الحال) يعني في سقوط الامر باتيان المجمع بداعي الامتثال (قوله: لا معصية) لعدم النهي (قوله: وأما عليه) يعني على الامتناع (قوله: لحصول الغرض) لان الغرض في غير العبادة يحصل بنفس فعل موضوع الامر وان لم يكن مأمورا به فعلا للتزاحم (قوله: وأما فيها فلا) يعني وأما في العبادات فلا يسقط الامر مع الالتفات إلى الحرمة لانه يكون الفعل معصية ولا يمكن قصد التقرب بالمعصية ولابد في العبادة منه " فان قلت ": قصد التقرب المعتبر في العبادة ليس إلا بمعنى قصد امتثال الامر والتقرب يترتب على الفعل بالقصد المذكور قهرا وان لم يقصد هو ولا مانع من قصد امتثال الامر على القول بالامتناع فان الفعل وإن لم يكن مأمورا به إلا أنه يمكن قصد الامر المتعلق بغيره من الافراد كما تقدم لا أقل من إمكان الفعل بداعي ملاك الامر لا بداعي نفسه وهو كاف في صحة العبادة " قلت ": يمتنع الانبعات من قبل الامر إلى ما هو معصية باعتقاد الفاعل وبذلك افترق المقام عن فعل الضد الموسع فان فعل الضد ليس معصية وانما هو يلازم المعصية فيمكن الانبعاث من قبل الامر إليه

٣٦٣

أو بدونه تقصيرا فانه وإن كان متمكنا مع عدم الالتفات من قصد القربة وقد قصدها إلا أنه مع التقصير لا يصلح لان يتقرب به أصلا فلا يقع مقربا وبدونه لا يكاد يحصل به الغرض الموجب للامر به عبادة كما لا يخفى (وأما) إذا لم يلتفت إليها قصورا وقد قصد القربة باتيانه فالامر يسقط لقصد التقرب بما يصلح أن يتقرب به لاشتماله على المصلحة مع صدوره حسنا لاجل الجهل بحرمته قصورا فيحصل به الغرض من الامر

______________________________

بخلاف المقام فان نفس الفعل فيه معصية فلا يبعث إليه الامر لان الموجب في بعث الامر كون ترك الفعل معصية فإذا كان تركه طاعة كيف يبعث إليه الامر مع أنه لو فرض إمكان الانبعاث من قبل الامر فمجرد ذلك غير كاف في صحة العبادة ما لم يكن فعلها طاعة محضة كما سيأتي (قوله: أو بدونه تقصيرا) يعني أو بدون الالتفات إلى الحرمة مع كونه مقصرا في ذلك (قوله: لا يصلح لان يتقرب) لانه بسبب التقصير في عدم الالتفات إلى الحرمة يكون الفعل معصية يستحق عليه العقاب وما يكون كذلك لا يصلح أن يكون مقربا بل يكون مبعدا محضا، " أقول ": قد عرفت الاشارة إلى أن القرب والبعد من تبعات الطاعة والمعصية والانقياد والتجري، وكون الفعل في نفسه صالحا للمقربية مما لا أصل له فاعتبار صلاحيته لذلك في صحة العبادة إن كان بمعنى أن لا يكون معصية فهو في محله لانه يعتبر في العبادة أن تكون طاعة لله سبحانه محضة وان كان بمعنى آخر فقد عرفت الاشكال فيه ثبوتا فيكون الاشكال فيه إثباتا أولى (قوله: لاشتماله على) تعليل للصلاحية للقرب لكن عرفت أن المصلحة والمفسدة الواقعيتين لا توجبان صلاحية الفعل للقرب والبعد أصلا. بل الوجه في صلاحية الفعل للمقربية بالمعنى المعتبر في صحة العبادة كونه ليس معصية من جهة عدم الالتفات الذي هو عذر في مخالفة الحرمة (قوله: مع صدوره حسنا) يعني في الفعل - مضافا إلى الحسن الذاتي الناشئ من اشتماله على المصلحة حسن آخر قائم بحيثية صدوره، (أقول): الصدور والصادر واحد في الخارج فان أراد من الحسن القائم بحيثية الصدور

٣٦٤

فيسقط به قطعا وان لم يكن امتثالا له بناء على تبعية الاحكام لما هو الاقوى من جهات المصالح والمفاسد واقعا لا لما هو المؤثر منها فعلا للحسن أو القبح

______________________________

كونه صادرا بعنوان الاطاعة فهو عين قصد التقرب ولا يترتبط بمقام صلاحية الفعل للمقربية وإن أراد غيره فلا موجب له والجهل بحرمته قصورا إنما أوجب عدم كون الفعل معصية كما أشرنا إليه لا الحسن الصدوري وكأن المراد أن قصد التقرب أوجب كون الفعل طاعة والجهل أوجب كونه غير معصية وبذلك يكون طاعة محضة فيكون حسنا لا غير (قوله: وان لم يكن امتثالا له) يعني ليس فعلا للمأمور به بداعي الامر وإن كان يسقط به الامر (قوله: بناء على تبعية) قيد للنفي يعني كونه ليس مامورا به في حال الجهل بالحرمة مبني على تبعية... الخ وتوضيح المراد أن موضوعات الاحكام (تارة) تتصف بكونها ذات مصلحة أو مفسدة (وأخرى) تتصف بكونها حسنة أو قبيحة والاتصاف بالاوليين ليس مشروطا بعلم المكلف بكونها ذات مصلحة أو مفسدة بل هي تكون كذلك في حالي علم المكلف وجهله والاتصاف بالاخريين مشروط بعلمه فلا يكون فعل المكلف حسنا إلا في حال علمه بكونه ذا مصلحة كما لا يكون قبيحا الا في حال علمه بكونه ذا مفسدة وأما ثبوت الاحكام لها (فتارة) نقول: إنه تابع للمصالح والمفاسد الواقعية فإذا كان ذا مفسدة كان حراما شرعا وإن جهل كونه كذلك، وإذا كان ذا مصلحة كان واجبا وإن جهل كونه كذلك، وإذا كان ذا مصلحة ومفسدة وكانت إحداهما أقوى كان الحكم تابعا للاقوى منهما وإن جهلها المكلف (واخرى) نقول: إنه تابع للحسن والقبح الفعليين فلو كانت المفسدة أقوى من المصلحة وجهل المكلف ذلك كان واجبا، وان كانت المصلحة أقوى من المفسدة وجهلها المكلف كان حراما وحينئذ نقول: مورد تصادق العناوين إذا كان المكلف جاهلا بحرمته فعلى المذهب الاول يكون حراما محضا ولا يكون مأمورا به إذا كانت المفسدة اقوى كما هو محل الفرض من تقديم جانب النهي، وعلى المذهب الثاني يكون مأمورا به لان كونه مصلحة مع الجهل بالمفسدة يوجب كونه حسنا فيكون واجبا لا غير (أقول): التحقيق أن هناك حسنين وقبحين يختلف كل منهما عن الآخر

٣٦٥

لكونهما تابعين لما علم منهما كما حقق في محله - مع أنه يمكن أن يقال بحصول الامتثال مع ذلك

______________________________

من جهات متعددة حسن وقبح ذاتيان ناشئان عن اشتمال الفعل على المصلحة والمفسدة وحسن وقبح عرضيان طارئان على الفعل بتوسط طروء عنوان الاطاعة والمعصية والاولان قائمان بذات الفعل التي هي موضوع الامر والنهي والاخيران قائمان بذات الفعل التي هي منشأ انتزاع عنواني الاطاعة والمعصية المعلولين للامر والنهي والاولان من دواعي الامر والنهي فهما بمنزلة علل الامر والنهي فيتقدمان عليهما والاخيران معلولان للامر والنهي إذ لولاهما لما كانت إطاعة ولا معصية فهما متأخران عنهما، والاولان لا يكونان منشأ للقرب والبعد ولا للثواب والعقاب، والاخيران هما مناط القرب والبعد والثواب والعقاب (إذا) عرفت ذلك نقول، لا ينبغى التأمل في كون الاحكام الشرعية تابعة للحسن والقبح الاولين لان الاخيرين إذا كانا قائمين بالاطاعة والمعصية فلو كان الامر والنهي تابعين لهما كانا متعلقين بالاطاعة والمعصية وهو - مع أنه ممتنع كما تقدم في التعبدي والتوصلي توضيحه مفصلا أن المعروف أن وجوب الاطاعة وحرمة المعصية ارشاديان كما نبه عليه المصنف (ره) في مباحث الانسداد وأوضحناه فيما علقناه على ذلك المقام، بل لا يظن من أحد توهم كونها مولوية لو أمكن عقلا ذلك كما يظهر بأدنى تأمل ومن هنا يظهر لك التأمل فيما يظهر من المتن من كون المؤثر في الحسن والقبح التابعين للعلم هو المصالح والمفاسد القائمة بذات الفعل لما عرفت من أن الحسن والقبح الذاتيين ناشئان من المصالح والمفاسد الواقعية بلا دخل للعلم بهما اصلا، والحسن والقبح العرضيان - مع أنهما اجنبيان عن المصالح والمفاسد لا يتوقفان على العلم بل يتوقفان على تحقق موضوعيهما أعني الانقياد والتجري الحاصلين ولو بمجرد الاحتمال والله سبحانه أعلم (قوله: لكونهما) أي الحسن والقبح (قوله: لما علم) فالمجهول لا يكون مؤثرا (قوله: مع ذلك) أي مع أنه لا يشمله

٣٦٦

فان العقل لا يرى تفاوتا بينه وبين سائر الافراد في الوفاء بغرض الطبيعة المأمور بها وان لم تعمه بما هي مأمور بها لكنه لوجود المانع لا لعدم المقتضى، ومن هنا انقدح انه يجزى ولو قيل باعتبار قصد الامتثال في صحة العبادة وعدم كفاية الاتيان بمجرد المحبوبية كما يكون كذلك في ضد الواجب حيث لا يكون هناك امر يقصد اصلا (وبالجملة) مع الجهل قصورا بالحرمة موضوعا أو حكما يكون الاتيان بالمجمع امتثالا وبداعي الامر بالطبيعة لا محالة غاية الامر انه لا يكون مما تسعه بما هي مأمور بها لو قيل بتزاحم الجهات في مقام تأثيرها للاحكام الواقعية، وأما لو قيل بعدم التزاحم إلا في مقام فعلية الاحكام لكان مما تسعه وامتثالا لامرها بلا كلام وقد انقدح بذلك الفرق بين ما إذا كان دليلا الحرمة والوجوب متعارضين وقدم دليل الحرمة تخييرا أو ترجيحا حيث لا يكون معه مجال للصحة اصلا وبين ما إذا كانا من باب الاجتماع وقيل بالامتناع وتقديم جانب الحرمة حيث يقع صحيحا في غير مورد من موارد الجهل والنسيان لموافقته للغرض بل للامر ومن هنا علم أن الثواب عليه من قبيل

______________________________

الامر (قوله: فان العقل) قد تقدم الكلام فيه في مسألة الضد (قوله: ولو قيل باعتبار) بل لو كان المراد اعتبار نفس القصد فهو حاصل مع الغفلة عن الحرمة ولا حاجة إلى الالتزام بما ذكره في مسألة الضد وإنما يحتاج إليه لو كان المراد اعتبار وجود الامر في الجملة نعم قد يشكل تصحيح عبادة الجاهل بأنه يقصد الامر المتعلق بذات الفعل وهو لا وجود له، ويندفع بأنه من قبيل الجهل بالتطبيق فلا يقدح مثله (قوله: في ضد الواجب) يعني الضد المضيق أما الموسع فقد تقدم أنه يمكن قصد الامر فيه (قوله: وأما لو قيل بعدم) إشارة إلى المذهب الثاني (قوله: حيث لا يكون معه) لان سقوط دليل الوجوب عن الحجية يقتضي عدم وجود الملاك في الفعل بناء على ما ذكره في التنبيه التاسع فلا يكون من أفراد المأمور به لا بذاته ولا بوصف كونه مأمورا به لكن عرفت اشكاله (قوله: بل للامر) يعني بناء على ما ذكره في مسألة الضد (قوله:

٣٦٧

الثواب على الاطاعة لا الانقياد ومجرد اعتقاد الموافقة وقد ظهر بما ذكرناه وجه حكم الاصحاب بصحة الصلاة في الدار المغصوبة مع النسيان أو الجهل بالموضوع بل أو الحكم إذا كان عن قصور مع أن الجل لولا الكل قائلون بالامتناع وتقديم الحرمة ويحكمون بالبطلان في غير موارد العذر فلتكن من ذلك على ذكر (إذا) عرفت هذه الامور فالحق هو القول بالامتناع - كما ذهب إليه المشهور - وتحقيقه على وجه يتضح به فساد ما قيل أو يمكن ان يقال من وجوه الاستدلال لسائر الاقوال يتوقف على تمهيد مقدمات (إحداها) انه لا ريب في أن الاحكام الخمسة متضادة في مقام فعليتها وبلوغها إلى مرتبة البعث والزجر ضرورة ثبوت المنافاة والمعاندة التامة بين البعث نحو واحد في زمان والزجر عنه في ذاك الزمان وان لم يكن بينها مضادة ما لم تبلغ إلى تلك المرتبة لعدم المنافاة والمعاندة

______________________________

*

لا الانقياد) كما هو مبنى القول بالبطلان (قوله: مع النسيان) للحكم أو الموضوع أو لهما تقصيرا أو قصورا (قوله: ويحكمون) هذا شاهد على قولهم بالامتناع إذ لا وجه للبطلان إلا ذلك فتأمل فان الظاهر أنه خلاف في البطلان حتى ممن يقول بالجواز وأن الصحة والبطلان ليسا مبنيين على الجواز والامتناع فراجع وتأمل (قوله: ضرورة ثبوت المنافاة) لا اشكال في ثبوت المنافاة بين البعث والزجر الخارجيين أما البعث والزجر الاعتباريان المعبر عنهما بالايجاب والتحريم فالتنافي والتعاند إنما هو بين ملاكيهما مثلا ملاك وجوب الشئ كونه ذا مصلحة بلا مزاحم فإذا كان الشئ كذلك ترجح وجوده على عدمه فتعلقت به الارادة فإذا تعلقت به الارادة أمر به بداعي حفظ وجوده فإذا امر به كذلك انتزع عنه عنوان البعث والايجاب والوجوب والالزام ونحوها من الاعتبارات، وملاك حرمة الشئ كونه ذا مفسدة بلا مزاحم فإذا كان كذلك ترجح عدمه على وجوده فتعلقت به الكراهة فإذا تعلقت به الكراهة نهي عنه بداعي حفظ عدمه فإذا نهى عنه كذلك انتزع عنوان الزجر والتحريم والمنع وغير ذلك من الاعتبارات

٣٦٨

بين وجوداتها الانشائية قبل البلوغ إليها كما لا يخفى فاستحالة اجتماع الامر والنهي في واحد لا يكون من باب التكليف بالمحال بل من جهة انه بنفسه محال فلا يجوز عند من يجوز التكليف بغير المقدور أيضا (ثانيتها) أنه لا شبهة في أن متعلق الاحكام هو فعل المكلف

______________________________

فتنافي عناوين الاحكام التكليفية وتعاندها إنما هو لتنافي ملاكاتها وإلا فلو فرض محالا كون الشئ الواحد ذا مصلحة بلا مزاحم وذا مفسدة كذلك لابد أن تتعلق به الارادة والكراهة معا والامر والنهي فينتزع حينئذ منها العناوين المذكورة ولا تنافي بينها أصلا ومنه يظهر حال بقية الاحكام التكليفية فان التنافي بين الجميع لذلك فنسبة التنافي إليها إنما هي بالعرض (اما) ما هو مورد التنافي أولا وبالذات فهو الملاكات لا غير ولذلك يظهر الفرق بين اجتماع الوجوب والحرمة في موضوع واحد وبين التكليف بالمحال فان الثاني لا قصور في ملاكه فلو ثبت كان بملاك وإنما القصور في القدرة عليه لا غير والاول يمتنع لعدم الملاك حتى لو فرض محالا ثبوت القدرة على الامتثال كما اشرنا إلى ذلك في صدر المبحث أما لو كان التنافي بين نفس البعث والزجر على ما هو ظاهر المتن فيشكل الفرق بينهما إذ التنافي المذكور وان كان يوجب امتناع الجمع بينهما لكن لا يوجب الفرق لامتناع البعث إلى المحال أيضا لان استحالة الحال عين استحالة الانبعاث إليه هي عين استحالة البعث إليه لان البعث عين الانبعاث فإذا جاز ثبوت التكليف مع امتناع البعث إلى متعلقه جاز ثبوت الوجوب والحرمة مع امتناع اجتماع البعث والزجر فتأمل جيدا (قوله: وجوداتها الانشائية) لان الاحكام الانشائية إنما تجعل على طبق مقتضياتها وان كانت مقرونة بالمانع فإذا كان في الشئ مصلحة تقتضي وجوبه ومفسدة تقتضي تحريمه ينشأ له وجوب وحرمة معا وان كان حكمه الفعلي أحدهما أو غيرهما (قوله: من باب التكليف بالمحال) ووجهه أنه تكليف بالوجود والعدم وهما نقيضان يستحيل اجتماعهما (قوله: بنفسه محال) لما عرفت لكنه موقوف على اعتبار الملاك في الاحكام وإلا فلا تنافي بينها ويكون

٣٦٩

وما هو في الخارج يصدر عنه وهو فاعله وجاعله لا ما هو اسمه - وهو واضح - ولا ما هو عنوانه مما قد انتزع عنه بحيث لولا انتزاعه تصورا واختراعه ذهنا لما كان بحذائه شئ خارجا ويكون خارج المحمول كالملكية والزوجية والرقية والحرية والمغصوبية إلى غير ذلك من الاعتبارات والاضافات، ضرورة ان البعث ليس نحوه والزجر لا يكون نحوه وانما يؤخذ في متعلق الاحكام آلة للحاظ متعلقاتها والاشارة إليها بمقدار الغرض منها والحاجة إليها لا بما هو هو وبنفسه وعلى استقلاله وحياله (ثالثتها)

______________________________

الامر والنهي بالشئ من قبيل التكليف بالمحال (قوله: وما هو في الخارج يصدر) قد تكرر بيان ان الافعال الخارجية ليست موضوعة للاحكام فان ظرف الفعل سقوط الحكم لا ثبوته بل موضوعها الصور الذهنية الحاكية عن الخارج بنحو لا ترى إلا خارجية فلذا يسري إلى كل منهما ما للاخرى فترى الصور الذهنية موضوعات للغرض مع أن موضوعه حقيقة هو الخارجي ويرى الخارجي موضوعا للحكم والارادة والكراهة مع أن موضوعها حقيقة هو نفس الصورة (قوله: لا ما هو اسمه) يعني اسم الفعل وهذا مما لا يتوهم فلا يناسب ذكره (قوله: ولا ما هو عنوانه) قد تقدم أن العناوين المنطبقة على ذات واحدة تارة تنتزع عن الذات أو الذاتي وأخرى تنتزع عن الذات بملاحظة تلبسها بمبدأ حقيقي عيني كالضارب والشارب وثالثة تنتزع عن الذات بملاحظة تلبسها بمبدأ اعتباري غير عيني كالملك والزوج والحر والمغصوب المنتزعة عن الملكية والزوجية والحرية والغصبية وحيث أن هذه الاعتبارات ليس لها تأصل خارجي فلا تكون ذات مصلحة أو مفسدة أو محطا للغرض فإذا وقعت موضوعة للبعث أو الزجر فهى ملحوظة عنوانا لفعل المكلف ففعل المكلف الخارجي تارة يلحظ بعنوان ذاتي وأخرى بعنوان اعتباري مثلا الغصب عبارة عن كون التصرف في ملك الغير بغير رضا منه فالنهي عن المغصوب حقيقة نهي عن نفس التصرف الوارد على مال الغير (قوله: وإنما يؤخذ في) هذا مما لا يختص بالعناوين الانتزاعية بل يجري في

٣٧٠

أنه لا يوجب تعدد الوجه والعنوان تعدد المعنون ولا ينثلم به وحدته فان المفاهيم المتعددة والعناوين الكثيرة ربما تنطبق على الواحد وتصدق على الفارد الذي لا كثرة فيه من جهة بل بسيط من جميع الجهات ليس فيه حيث غير حيث وجهة مغايرة لجهة اصلا كالواجب تبارك وتعالى فهو على بساطته ووحدته وأحديته تصدق عليه مفاهيم الصفات الجلالية والكمالية له الاسماء الحسنى والامثال العليا لكنها باجمعها حاكية عن ذاك الواحد الفرد الاحد

عباراتنا شتى وحسنك واحد

وكل إلى ذاك الجمال يشير

(رابعتها) أنه لا يكاد يكون للموجود بوجود واحد إلا ماهية واحدة وحقيقة فاردة لا يقع في جواب السؤال عن الحقيقة بما هو الا تلك الماهية فالمفهومان المتصادقان على

______________________________

العناوين التي لها مبادئ حقيقية فانها بعد ما كانت تحمل على الذوات كما تقدم في مبحث المشتق لابد ان تكون حاكية عنها وليس موضوع الحكم نفس المبدأ وإنما هو قيد لموضوع الحكم خارج عنه (قوله: لا يوجب تعدد الوجه) فان شأن الوجه والعنوان أن يكون حاكيا عن الموجه المعنون ومرآة له فيجوز أن تكون الامور المتكثرة حاكية عن أمر واحد ويكون كل واحد منها مرآة له نعم العناوين المتعددة ان كانت ذاتية بمعنى أن مبادئها عين الذات لم تستدع في الحكاية عن الذات إلى فرض أمر آخر وإن كانت غير ذاتية عرضية أو اعتبارية استدعت إلى فرض أمر آخر زائد على الذات وهو نفس المبدأ في العرضية أو منشأ اعتبار المبدأ في الاعتبارية (قوله: ربما تنطبق) يعني وربما لا تنطبق كما لو كانت مبادؤها متضادة (قوله: تصدق عليه مفاهيم) فان جميع صفاته سبحانه منتزعة عن نفس ذاته المقدسة كما هو محرر في محله (قوله: إلا ماهية واحدة) لتباين الماهيات من حيث هي ولو لتباين الفصول المحصلة لها فلا يمكن اجتماعها في وجود واحد فلذا لا يصح حمل بعضها على بعض وأما حمل العارض على المعروض فلما عرفت من ان المشتق عنوان لذات المعروض حاك عنها فصح حمله عليها

٣٧١

على ذاك لا يكاد يكون كل منهما ماهية وحقيقة وكانت عينه في الخارج كما هو شأن الطبيعي وفرده فيكون الواحد وجودا واحدا ماهية وذاتا لا محالة فالمجمع وان تصادقا عليه متعلقا الامر والنهي الا انه كما يكون واحدا وجودا يكون واحدا ماهية وذاتا ولا يتفاوت فيه القول باصالة الوجود أو اصالة الماهية. ومنه ظهر عدم ابتناء القول بالجواز والامتناع في المسألة على القولين في تلك المسألة كما توهم في الفصول

______________________________

أو من جهة أخذ المبدأ لا بشرط حسبما تقدم (قوله: لا يكاد يكون كل) بل اما ان يكون كل منهما عرضيا حاكيا عن ذات المعروض وعنوانا لها أو يكون احدهما ذاتيا والآخر عرضيا أو يكون كل منهما ذاتيا علي ان يكون حاكيا عن بعض الذات كما في الجنس والفصل (قوله: كما توهم في الفصول) قال في الفصول بعد ذكر الدليل الاول للامتناع: واعلم ان هذا الدليل يبتني على أصلين (أحدهما) أن لا تمايز بين الجنس والفصل ولو احقهما العرضية في الخارج كما هو المعروف واما لو قلنا بالتمايز لم يتحد المتعلق فلا يتم الدليل (الثاني) أن للوجود حقائق خارجية ينتزع منها هذا المفهوم الاعتباري كما هو مذهب اكثر الحكماء وبعض محققي المتكلمين واما إذا قلنا بأنه مجرد هذا المفهوم الاعتباري ينتزعه العقل من الماهيات الخارجية ولا حقيقة له في الخارج أصلا كما هو مذهب جماعة فلا يتم الدليل ايضا... الخ وصريح العبارة ابتناء الدليل الاول على الاصلين لا ابتناء الخلاف في المسألة عليهما ومن هنا قال بعد ذلك: ولنا أن نقرر الدليل على وجه لا يبتني على هذا الاصل، يعني الاصل الثاني فلاحظ وكيف كان فان كان المراد أن الخلاف في المقام يبتني على الخلاف المذكور حتى أن القول بالامتناع يبتني على القول باصالة الوجود لانه - على هذا القول - يكون متعلق الامر والنهي أمرا واحدا وهو الوجود ولا كذلك لو قلنا باصالة الماهية لان موضوع الامر ماهية وموضوع النهي ماهية أخرى فلا يكون متعلقهما أمرا واحدا حتى يمتنع اجتماعهما (ففيه) أن القول باصالة الماهية لا ينفع في تعدد موضوع الامر والنهي لان المفهومين

٣٧٢

كما ظهر عدم الابتناء على تعدد وجود الجنس والفصل في الخارج وعدم تعدده ضرورة عدم كون العنوانين المتصادقين عليه من قبيل الجنس والفصل له وأن مثل الحركة في دار من أي مقولة كانت لا يكاد يختلف حقيقتها وماهيتها ويتخلف ذاتياتها وقعت جزءا للصلاة أو لا كانت تلك الدار مغصوبة أولا(١) إذا عرفت ما مهدناه عرفت أن المجمع حيث كان واحدا وجودا وذاتا كان تعلق الامر والنهي به محالا ولو كان تعلقهما به بعنوانين لما عرفت من كون فعل المكلف بحقيقته وواقعيته الصادرة عنه متعلقا للاحكام لا بعناوينه الطارية عليه وأن غائلة اجتماع الضدين فيه لا تكاد ترتفع بكون الاحكام تتعلق بالطبايع لا الافراد فان غاية تقريبه أن يقال: إن الطبايع من حيث هي هي وان كانت ليست الا هي ولا يتعلق بها الاحكام الشرعية كالآثار العادية والعقلية الا انها - مقيدة بالوجود بحيث كان القيد خارجا والتقييد داخلا - صالحة لتعلق الاحكام بها. ومتعلقا الامر والنهي على هذا لا يكونان متحدين أصلا لا في مقام تعلق البعث والزجر

______________________________

المأخوذين موضوعا للامر والنهي حاكيان عن ماهية واحدة في الخارج لا ماهيتين وان كان المراد ابتناء الدليل حيث أخذ فيه الوجود فالابتناء في محله، (قوله: كما ظهر عدم الابتناء) هذا ايضا تعريض بالفصول كما عرفت، (قوله: ضرورة عدم كون) يعني أن القول بتعدد الجنس والفصل لا يجدي في تعدد موضوع الامر والنهي الا إذا كان موضوع أحدهما الجنس وموضوع الآخر الفصل وليس كذلك فان عنواني الغصب والصلاة ليسا من العناوين الذاتية

______________

(١) وقد عرفت ان صدق العناوين المتعددة لا يكاد تنثلم به وحدة المعنون لا ذاتا ولا وجودا غايته ان يكون له خصوصية بها يستحق الاتصاف بها، ومحدودا بحدود موجبة لانطباقها عليه كما لا يخفى وحدوده ومخصصاته لا توجب تعدده بوجه اصلا فتدبر جيدا (منه قدس سره) (*)

٣٧٣

ولا في مقام عصيان النهي وإطاعة الامر باتيان المجمع بسوء الاختيار (أما) في المقام الاول فلتعددهما بما هما متعلقان لهما وان كانا متحدين فيما هو خارج عنهما بما هما كذلك (وأما) في المقام الثاني فلسقوط أحدهما بالاطاعة والآخر بالعصيان بمجرد الاتيان ففي أي مقام اجتمع الحكمان في واحد ؟ وأنت خبير بانه لا يكاد يجدي بعد ما عرفت من أن تعدد العنوان لا يوجب تعدد المعنون لا وجودا ولا ماهية ولا تنثلم به وحدته اصلا، وأن المتعلق للاحكام هو المعنونات لا العنوانات، وأنها إنما تؤخذ في المتعلقات بما هي حاكيات كالعبارات لا بما هي على حيالها واستقلالها. كما ظهر مما حققناه أنه لا يكاد يجدي ايضا كون الفرد مقدمة لوجود الطبيعي المأمور به أو المنهي عنه وأنه لا ضير في كون المقدمة

______________________________

ليكون أحدهما جنسا والآخر فصلا بل هما معا خارجان عن الحقيقة فان أي نوع من الحركة يفرض له حقيقة معينة لا يفارقها دائما حينما يكون صلاة أو غصبا أولا فلا تختلف حقيقته بطروء أحد العناوين عليه وعدمه " أقول ": لم يقتصر في الفصول على ذكر الجنس والفصل بل عطف عليهما اللواحق العرضية وحينئذ فان كان العنوان من اللواحق العرضية كالغصب والصلاة جاء فيه الكلام المذكور من كونه متحدا مع الذات أو ممتازا عنها في الخارج (قوله: ولا في مقام عصيان) فان موضوع العصيان غير موضوع الاطاعة ولا يكون الامتثال بالمبعد حتى لا تصح العبادة (قوله: كالعبارات) يعني الحاكية عن المعاني فان صورها فانية فيها (قوله: لا بما هي على حيالها) يعني كما يظهر من تقريب الاجتماع نعم لو كانت الطبايع المأخوذة موضوعا للامر والنهي ولو بلحاظ الوجود لم تؤخذ عنوانا لامر واحد بل أخذت كلا في قبال الاخرى جاز أن يكون بعضها موضوعا للامر وبعضها موضوعا للنهي فيختلف قولنا: أكره الاسود وأحب الحلو، عن قولنا: أكره السواد وأحب الحلاوة، فلا يجوز الاجتماع في مثل الاول لحكاية العنوانين فيه عن ذات واحدة في الخارج ويجوز في الثاني لحكاية الطبيعتين

٣٧٤

محرمة في صورة عدم الانحصار بسوء الاختيار، وذلك - مضافا إلى وضوح فساده وأن الفرد هو عين الطبيعي في الخارج كيف والمقدمية تقتضي الاثنينية بحسب الوجود ولا تعدد كما هو واضح ؟ أنه انما يجدي لو لم يكن المجمع واحدا ماهية وقد عرفت بما لا مزيد عليه انه بحسبها ايضا واحد. ثم إنه قد استدل على الجواز بامور (منها) انه لو لم يجز اجتماع الامر والنهي لما وقع نظيره وقد وقع كما في العبادات المكروهة كالصلاة في مواضع التهمة وفى الحمام والصيام في السفر وفى بعض الايام (بيان) الملازمة انه لو لم يكن تعدد الجهة مجديا في امكان اجتماعهما لما جاز اجتماع حكمين

______________________________

*

عن شيئين في الخارج فان منشأ انتزاع مفهوم السواد في الخارج غير منشأ انتزاع مفهوم الحلاوة فيه فلا مانع من اختلافهما في الاحكام (قوله: محرمة في صورة) يعني ولا تكون واجبة حينئذ أو تكون واجبة بوجوب توصلي لا مانع من اجتماعه مع الحرام " أقول ": تقدم أنه لا فرق في امتناع الاجتماع على تقديره بين الوجوب التوصلي والتعبدي (قوله: بسوء الاختيار) متعلق (بكون) ومثاله السير إلى الحج بركوب الدابة المغصوبة فانها محرمة ويترتب عليها الغرض وكذلك حال الفرد فانه مقدمة للواجب وليس موضوعا للامر العبادي حتى يمتنع التعبد به مع كونه محرما وعلى هذا فلا ثمرة لهذا الخلاف (قوله: وذلك) بيان لقوله: كما ظهر... الخ (قوله: تقتضي الاثنينية) هذا مسلم في المقدمات الخارجية دون الداخلية لكن الفرد ليس مقدمة داخلية للطبيعة لعدم كونه جزءا منها مع أنه لو كان مقدمة داخلية لم يكن موضوعا للوجوب التوصلي الذي ادعاه المستدل لعدم المغايرة بالوجود المصححة لذلك (قوله: انه إنما يجدي لو لم) يعني ان ذلك انما ينفع لو كان المجمع فرد الماهيتين إحداهما موضوع للامر والاخرى موضوع للنهي وليس كذلك إذ الفرد بما له من الماهية موضوع للامر والنهي معا لما تقدم من أن العنوانين المأخوذين موضوعا للامر والنهي حاكيان عن معنون واحد هو الموضوع لهما حقيقة فيرجع الاشكال وهو اجتماع الحكمين في موضوع

٣٧٥

آخرين في مورد مع تعددها لعدم اختصاصهما من بين الاحكام بما يوجب الامتناع من التضاد بداهة تضادها بأسرها والتالي باطل لوقوع اجتماع الكراهة والايجاب أو الاستحباب في مثل الصلاة في الحمام والصيام في السفر وفي عاشوراء - ولو في الحضر - واجتماع الوجوب أو الاستحباب مع الاباحة أو الاستحباب في مثل الصلاة في المسجد أو الدار (والجواب) عنه أما إجمالا فبأنه لا بد من التصرف والتأويل فيما وقع في الشريعة مما ظاهره الاجتماع بعد قيام الدليل على الامتناع ضرورة أن الظهور لا يصادم البرهان - مع أن قضية ظهور تلك الموارد اجتماع الحكمين فيها بعنوان واحد ولا يقول الخصم بجوازه كذلك بل بالامتناع ما لم يكن بعنوانين وبوجهين فهو ايضا لا بدله من التفصي عن اشكال الاجتماع فيها لا سيما إذا لم يكن هناك مندوحة كما في العبادات المكروهة التي لا بدل لها فلا يبقى له مجال للاستدلال بوقوع الاجتماع فيها على جوازه أصلا كما لا يخفى (وأما) تفصيلا فقد أجيب عنه بوجوه يوجب ذكرها بما فيها من النقض والابرام طول الكلام بما لا يسعه المقام فالاولى الاقتصار على ما هو التحقيق في حسم مادة الاشكال فيقال وعلى الله الاتكال: إن العبادات المكروهة على ثلاثة أقسام (أحدها) ما تعلق به النهي بعنوانه وذاته ولا بدل له كصوم يوم عاشوراء والنوافل المبتدأة في بعض

______________________________

*

واحد (قوله: مع تعددها) أي الجهة (قوله: اختصاصهما) يعني الامر والنهي بمعنى الوجوب والحرمة (قوله: بعنوان واحد) لان النهي المقتضي للكراهة وقع عن نفس الصلاة والصيام الموضوعين للامر لا بعنوان آخر وكذا الامر الاستحبابي تعلق بنفس الصلاة في المسجد التي هي موضوع الامر الوجوبي (قوله: كذلك) يعني يجوز الاجتماع مع وحدة العنوان (قوله: فالاولى الاقتصار) ومن أراد التفصيل فعليه بمراجعة التقريرات (قوله: كصوم يوم عاشوراء) فان صوم غيره من الايام مستحب في نفسه

٣٧٦

الاوقات (ثانيها) ما تعلق به النهي كذلك ويكون له البدل كالنهي عن الصلاة في الحمام (ثالثها) ما تعلق النهي به لا بذاته بل بما هو مجامع معه وجودا أو ملازم له خارجا كالصلاة في مواضع التهمة بناء على كون النهي عنها لاجل اتحادها مع الكون في مواضعها (أما القسم الاول) فالنهي تنزيها عنه بعد الاجماع على انه يقع صحيحا ومع ذلك يكون تركه ارجح كما يظهر من مداومة الائمة عليهم السلام على الترك إما لاجل انطباق عنوان ذي مصلحة على الترك فيكون الترك كالفعل ذا مصلحة موافقة للغرض وان كان مصلحة الترك اكثر فهما حينئذ يكونان من قبيل المستحبين المتزاحمين فيحكم بالتخيير بينهما لو لم يكن أهم في البين والا فيتعين الاهم وان كان الآخر يقع صحيحا حيث انه كان راجحا وموافقا للغرض كما هو الحال في سائر المستحبات المتزاحمات بل الواجبات وارجحية الترك من الفعل

______________________________

*

وليس بدلا عنه وكذا النافلة في غير الاوقات المكروهة (قوله: النهي كذلك) يعنى بعنوانه وذاته (قوله: بل بما هو مجامع) فالنهي يكون عن العنوان المجامع كالكون في مواضع التهمة في المثال المذكور (قوله: تنزيها عنه بعد) يعني أن النهي محمول على الكراهة لا التحريم بقرينة الاجماع على صحته لامتناع صحة ما هو حرام بنفسه (قوله: كما يظهر من) تعليل لكون تركه أرجح من فعله فان مداومتهم (عليهم السلام) على تركه دليل على ذلك (أقول): اطلاق النهي عنه أدل على ذلك لامكان دعوى الاجمال في فعلهم وان كانت بعيدة (قوله: على الترك) وأما الترك فهو في نفسه مرجوح لانه ترك للراجح لان المفروض كون الفعل ذا مصلحة (قوله: ذا مصلحة) يعني بالعرض من جهة انطباق العنوان الراجح (قوله: فيحكم بالتخيير) فان قلت: يمتنع الاستحباب التخييري بين الوجود والعدم كالوجوب التخييري إذ أحد الامرين لا بد منه فلا فائدة في البعث " قلت ": انما يمتنع في التوصليين لا في التعبديين أو فيما لو كان أحدهما تعبديا لامكان تركهما معا حينئذ (قوله: كما هو الحال في) نعم يفترق المقام

٣٧٧

عنها ان المستحبات المتزاحمة كل واحد منها فعله أرجح من تركه فلا مجال للاشكال في صحة التقرب بفعله بخلاف المقام إذ مع تساوي مصلحة الفعل ومصلحة الترك يتساوى الفعل والترك في نظر المولى فقد يشكل إمكان التقرب بأحدهما إليه، ومع رجحان مصلحة الترك على مصلحة الفعل يكون الترك أرجح في نظره من الفعل فيشكل إمكان التقرب بالفعل إليه ومن هنا تعرض لدفع ذلك بقوله: وارجحية الترك... الخ (وتوضيحه) أن رجحان الترك الناشئ من الاهتمام بمصلحته زائدا على مصلحة الفعل ليس كالرجحان الناشئ عن وجوده مفسدة في الفعل فان الاول لا يمنع من صحة التقرب بالفعل لاشتماله على المصلحة الموافقة للغرض بخلاف الثاني فان المفسدة في الفعل تكون مانعة عن امكان التقرب به " فان قلت ": رجحان الترك على الفعل وان لم يكن عن منقصة في الفعل إلا أنه لما أوجب الامر بالترك فقد أوجب النهي عن الفعل لملازمة أحدهما للآخر - كما تقدم في مبحث الضد - ومع النهي المذكور يمتنع التقرب بالفعل " قلت ": قد أجاب المصنف (ره) في حاشيته على المقام بالفرق بين النهي التحريمي والنهي التنزيهي وأن الاول يقتضي الفساد لامتناع التقرب بما هو معصية والثاني لا يقتضيه لعدم كون الفعل معصية. نعم لو كان النهي ناشئا عن منقصة في الفعل امتنع التقرب حينئذ لامتناع التقرب بما كان ذا منقصة ولذلك لا تفسد العبادة إذا كانت ضدا لمستحب أهم اتفاقا " أقول ": النهي التحريمي والنهي التنزيهي وإن اختلفا في اقتضاء مخالفتهما البعد وعدمه إذ مخالفة النهي التحريمي معصية وهي موجبة للعبد ومخالفة النهي التنزيهي ليست معصية فلا توجب بعدا إلا أنهما لا يختلفان في مانعيتهما من إمكان التقرب حيث أنه لا يتأتي قصد التقرب بما هو مبغوض للمولى ويزجر عنه والاتفاق على صحة العبادة إذا كانت ضدا للمستحب الاهم ينبغي أن يكون دليلا على مختاره من عدم اقتضاء الامر بالشئ النهي عن ضده لا على عدم قدح النهي التنزيهي في إمكان التقرب. ولعل من هنا يشكل هذا التصوير - مضافا إلى أن العنوان الراجح ان كان وجوديا امتنع انطباقه على الترك الذي هو عدمي

٣٧٨

لا توجب(١) حزازة ومنقصة فيه أصلا كما يوجبها ما إذا كان فيه مفسدة غالبة على مصلحته ولذا لا يقع صحيحا على الامتناع فان الحزازة والمنقصة فيه مانعة عن صلاحية التقرب به بخلاف المقام فانه على ما هو عليه من الرجحان وموافقة الغرض كما إذا لم يكن تركه راجحا بلا حدوث حزازة فيه أصلا (وإما) لاجل ملازمة الترك لعنوان كذلك من دون انطباقه عليه فيكون كما إذا انطبق عليه من غير تفاوت إلا في أن الطلب المتعلق به حينئذ ليس بحقيقي بل بالعرض والمجاز فانما يكون في الحقيقة متعلقا

______________________________

وان كان عدميا امتنع أن يكون ذا مصلحة. نعم يصح أن يكون الترك شرطا لعنوان وجودي ذي مصلحة وعليه يرتفع الاشكال لان نقيض ذلك العنوان عدمه والنهي عنه لا يمنع من صحة التقرب بالفعل لكنه ليس من انطباق العنوان على الترك في شئ (قوله: وإما لاجل ملازمة) أو لاجل ملازمة الفعل لعنوان ذي مفسدة موجبة لكراهته وهذا أقرب مما ذكره إذ النهي حاك عن المفسدة بحسب طبعه وحيث امتنع حمله على الحقيقة للاجماع على الصحة حمل على انه بالعرض والمجاز وأنه في الحقيقة نهي عن الملازم. نعم ما ذكره أقرب لو كان

______________

(١) ربما يقال: أن أرجحية الترك وان لم توجب منقصة وحزازة في الفعل اصلا إلا انه يوجب المنع منه فعلا والبعث إلى الترك قطعا كما لا يخفى ولذا كان ضد الواجب بناء على كونه مقدمة له حراما ويفسد لو كان عبادة مع انه لا حزازة في فعله وانما كان النهي عنه وطلب تركه لما فيه من المقدمية له وهو على ما هو عليه من المصلحة فالمنع لذلك كاف في فساده لو كان عبادة (قلت): يمكن أن يقال: ان النهي التحريمي لذلك وان كان كافيا في ذلك بلا اشكال إلا أن التنزيهي غير كاف إلا إذا كان عن حزازة فيه وذلك لبداهة عدم قابلية الفعل للتقرب منه تعالى مع المنع عنه وعدم ترخيصه في ارتكابه بخلاف التنزيهي عنه إذا كان لا لحزازة فيه بل لما في الترك من المصلحة الراجحة حيث انه معه مرخوص فيه وهو على ما هو عليه من الرجحان والمحبوبية له تعالى ولذلك لم تفسد العبادة إذا كانت ضد المستحبة اهم اتفاقا فتأمل. (منه قدس سره) (*)

٣٧٩

بما يلازمه من العنوان بخلاف صورة الانطباق لتعلقه به حقيقة كما في سائر المكروهات من غير فرق الا ان منشأه فيها حزازة ومنقصة في نفس الفعل وفيه رجحان في الترك من دون حزازة في الفعل أصلا غاية الامر كون الترك أرجح (نعم) يمكن أن يحمل النهي في كلا القسمين على الارشاد إلى الترك الذي هو ارجح من الفعل أو ملازم لما هو الارجح واكثر ثوابا لذلك وعليه يكون النهي على نحو الحقيقة لا بالعرض والمجاز فلا تغفل (وأما القسم الثاني) فالنهي فيه يمكن ان يكون لاجل ما ذكر في القسم الاول طابق النعل بالنعل كما يمكن أن يكون بسبب حصول

______________________________

الترك قد أخذ موضوعا للطلب (قوله: كما في سائر) تمثيل للتعلق الحقيقي (قوله: نعم يمكن أن) لكنه خلاف الظاهر لا داعي إليه (قوله: الارشاد إلى الترك) بل إلى مصلحة غالبة في الترك أو في ملازمه الموجب ذلك للبعث إلى الترك (قوله: لا بالعرض والمجاز) هذا غير ظاهر لان الفرق بين الامر والنهي المولويين والامر والنهي الارشاديين أن الاولين يقصد منهما البعث والزجر عن متعلقهما وإن دلا على مصلحة أو مفسدة فيه والاخيرين يقصد منهما الحكاية عن المصلحة والمفسدة فيه لا غير وان ترتب على ذلك البعث والزجر فالبعث والزجر في الاولين معلولان لنفس الامر والنهي وفى الاخيرين معلولان للعلم بالمصلحة والمفسدة كما في أمر الطبيب الذي هو أحد الرعية للملك بشرب الدواء إذ يمتنع قصد تحريك الملك بالامر لعدم صلاحية أمره لذلك فالنهي الحقيقي ارشاديا كان أو مولويا ما يكون حاكيا عن مفسدة في متعلقه كما أن الامر الحقيقي مطلقا ما يكون حاكيا عن مصلحة في متعلقه فالنهي عن العبادة لا يكون حقيقيا على التصويرين وإن كان ارشاديا، ولو عم النهي الحقيقي لما يكون حاكيا عن مصلحة في نقيض متعلقه لما كان النهي حقيقيا ايضا على التصوير الثاني ولو جعل إرشاديا ثم إن المراد من النهي بالعرض النهي عما هو مبغوض بالعرض لا أنه منسوب إليه النهي بالعرض فان العبادة قد تعلق النهي عنها بذاتها فيكون منسوبا إليها بالذات لا بالعرض

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571