حقائق الاصول الجزء ١

حقائق الاصول6%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 571

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 571 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 212090 / تحميل: 5776
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

س: ما هي التغيّرات الإيجابية التي لمستها في حياتك منذ اعتناقك الإِسلام؟

ج: لقد وجدتُ السلام الداخلي.. لقد عشتُ السلام في قلبي وروحي وفي علاقاتي بالآخرين، حتى باتت حياتي مستقرة، وانعكس ذلك على حياة ابنتيّ أيضاً، واندفعت إلى الحياة بقوة وإرادة أكبر، فعدت لمتابعة دراستي في الجامعة.

س: يعني أنك تشعرين الآن براحة أكبر من ذي قبل؟

ج: طبعاً، والحمد لله، أشعر بلذة كبرى أثناء الصلاة وصوم شهر رمضان المبارك، وأعلم أن عليّ أن أتعلم الكثير الكثير عن الإِسلام، فكلما وقعت على معرفة معينة تبيّن لي أن الذي أعرفه لا يوازي ذرة في كتاب هذا الوجود، فعليّ البحث أكثر، علماً أن حياة الفرد قصيرة، قياساً بما يجب أن يتعلّمه الإنسان في هذه الحياة.

س: على ضوء تجربتك، هل تقترحين أساليب معينة لدعوة غير المسلمين للإِسلام؟

ج: أتمنى أن تطابق أقوالنا أفعالنا، فنمارس قولاً وعملاً ما تدعو إليه العقيدة الإِسلامية، وأن نستحضر الله تعالى في كل ما نقوم به، ونسير على هدي النبي محمد (ص) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) ، وأن نحدّث الناس عن الإِسلام باللين والكلمة الحسنى، وألا تزعزع الأزمات والمصاعب إيماننا بالله تعالى.

س: ما هو الدور الذي تقومين به أو تنوين القيام به لخدمة الدعوة الإِسلامية؟

ج: أبذل قصارى جهدي لأتمتع بصفات المرأة المسلمة المتديّنة، وهذا بحد ذاته دعوة إلى الله من خلال أفعالي وسلوكي، وأسأل الله أن أكون عند حسن ظنه تعالى.

س: ما مدى إمكانية الدعوة إلى الدين الحنيف في بلادك؟

ج: يحتاج الإِسلام في بلادي إلى القدوة الحسنة، فبقدر ما يلتزم المسلمون بتعاليم الإِسلام هنا، يسهل تغلغل الإِسلام إلى القلوب والعقول، فالإِسلام يحمل بداخله مقومات قادرة على إنقاذ الناس من التيه والضياع ولجوئهم إلى المخدرات، وبإمكان هذا الدين إنقاذنا من الغرائز المنحطة التي سجن الإنسان نفسه خلف قضبانها.

لقد وضع الإِسلام في أيدينا المفتاح إلى الجنة، وكل ما علينا هو إدارة هذا المفتاح للولوج إلى عالم الآخرة، ولا يكون ذلك إلا باتباع أوامر الله تعالى وسُنَّة نبيه (ص) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) برضىً وطمأنينة.

١٤١

س: كيف ترين أوضاع المسلمين الحالية؟

ج: في الواقع أجد الكثيرين منهم منغمسين في أمور دنياهم دون الالتفات إلى أمر الآخرة، وهؤلاء كسالى عن الدعوة إلى الله، وعن تطبيق الإِسلام في حياتهم الفردية والاجتماعية، همّهم الاستمتاع بهذه الدنيا الفانية التي تعمي بصائرهم عن سعادة الإيمان والتقوى والعمل بما أنزله الله تعالى.

س: كيف ترين أوضاع المرأة المسلمة؟

ج: أعلّم ابنتيّ أنهما غاليتان، وعليهما ألا تفرطا بنفسيهما بثمن بخس، فالفتاة أم المستقبل وعلى الجميع من حولها احترامها. وعلى جميع الرجال المسلمين حماية النساء، وعلى هؤلاء أيضاً حماية أنفسهن.

لقد وُهبنا والحمد لله هذا الإيمان، ولكن هذا الإيمان يجب أن يتسع ويقوى، ويتغلب على جميع الشرور التي تتجه إلى تشويه دور المرأة كواهبة للحياة، ومنارة للحب والراحة والسرور.

١٤٢

الأخت المسلمة السويدية

الدكتورة سمية «بارنيللا» تقول لـ «نور الإِسلام»

· العناية الإلهية شملتني بألطافها ووضعتني على طريق الهداية إلى دين الله تعالى.

· الإِسلام دين المنطق والعدل، يقبل النقاش العقلي الحر. ويضفي التوازن على كل جوانب الحياة الإنسانية.

· أدعو المرأة المسلمة وخاصة في البلاد الإِسلامية. لتعتبر أن حصنها هو حجابها، وأن التزامها بدينها هو طريق تقدّمها ومستقبلها. لا تقليد الحضارة الغربية الزائفة.

السويد كغيرها من الدول الغربية التي نجح الإِسلام، بما يمتلكه من قوة الإقناع، أن يستقطب إلى صفوفه أعداداً متزايدة من أبنائها الذين أتيح لهم أن يطلعوا على أفكاره ونظمه.. فلا أسوار التعصب والجهل التاريخية، ولا حواجز الحضارة المادية بكل بهارجها ومغرياتها، ولا الدعايات المضادة للإِسلام بكل لؤمها وخبثها.. ليس كل هذا بقادر على أن يمنع أنوار الهداية الإلهية، من أن تضيء العقول والنفوس التي تهفو إلى الحق وتبحث عن الحقيقة.

هذه الحقيقة تؤكدّها وتبيّنها بوضوح حكاية الأخت المسلمة السويدية الدكتورة سمية - بارنيللا سابقاً - مع الإِسلام الذي شدّها إليه وضوح عقيدته وعقلانيته وشمولية رسالته، فاستنقذها كما تقول مما كانت تعانيه من فراغ عقائدي وروحي، ومنحها الطمأنينة والدافع لكي تنخرط في نشاطات فكرية واجتماعية عديدة من أجل رعاية المسلمين في منطقتها، وحمل مهمة تبليغ الإِسلام في أنحاء دولة السويد كافة.

في منزلها الزوجي في بلدة «شاملينغ» التابعة لمدينة لوند السويدية، التقتها «نور الإِسلام» بحضور زوجها الأخ جميل الجزائري الجنسية، وأطفالها الأربعة، ومنهم ابنتها التي ذكرت لنا أنها الوحيدة المحجبة في صفها، وهي معتزة بذلك.. وبعد الترحيب كان السؤال الأول:

س: كيف تصفين لنا رحلتك نحو اعتناق الإِسلام؟

ج: في الحقيقة أنا أعتبر أن العناية الإلهية هي التي شملتني بألطافها ووضعتني على طريق الهداية لدين الله تعالى، الذي اختاره وارتضاه ليقود خطى البشرية نحو شاطىء الأمان، وهو الدين الصالح لكل زمان ومكان.

١٤٣

وكانت رحلتي نحو الإِسلام قد بدأت منذ أوائل الثمانينيات، وهي لم تكن سهلة أو سريعة، حيث أخذتُ متسعاً من الوقت للاطلاع والتأمل، قبل أن أتخذ القرار السعيد باعتناق الإِسلام والالتزام بتعاليمه والجهر بذلك، بعدما حصل لديّ الاقتناع واليقين بصحة هذه الخطوة المصيرية بالنسبة إليّ.. وإذا شئتم ذكر بعض التفاصيل حول الكيفية التي تعرّفت فيها إلى الإِسلام والتي قادتني إليه، فإن الفضل في ذلك بعد التوفيق الإلهي يعود إلى أختي مريم، التي نشأتُ معها في قريتنا «سفل - Siffle »، وكانت قد اختارت الدراسة الجامعية في إحدى الجامعات الصينية، وهناك رغبت في الاطلاع على البوذية بحكم الفراغ العقائدي الذي كانت تعيشه، ولكن بحمد الله، فإن الطريق بدلاً من أن يقودها إلى البوذية أوصلها إلى الإِسلام، حيث تعرّفت هناك إلى مجموعة من الطلاب المسلمين الذين كانوا يدرسون في الجامعة نفسها، وبواسطتهم اطلعت على الإِسلام فاقتنعت به وأعلنت إسلامها، وتزوّجت من أحد الطلبة المصريين. وعندما عادت إلى السويد جرى بيني وبينها نقاشات مطوّلة حول الإِسلام، جعلت صدري ينشرح لهذا الدين، وأعادتني إلى التفكير بالحياة الدينية والروحية بعد أن كنت غير مبالية، وهذا ما دفعني إلى مزيد من الاطلاع على الإِسلام، فكان لي لقاءات مع بعض الطلبة المسلمين المثقفين الذين أجلوا لي بعض الغوامض وزودوني بالعديد من الكتب التي استفدت منها كثيراً، حيث بدأتُ أحصل على أجوبة مقنعة على الأسئلة التي كان تحيّرني وتبعث في نفسي الشك، وهكذا وجدت الإِسلام دين العقل والمنطق والعدل، ووجدته يؤمّن التوازن بين العقل والعاطفة، وفي كل جوانب الحياة الإنسانية، ويضع للإنسان منهجاً يؤمّن له السعادة في الحياتين.. الدنيا والآخرة، كما يطرح حلولاً متميزة لكل المشاكل التي تعترض حياة الإنسان، وهذا ما دفعني للتحول نحوه.

س: كيف كان صدى التزامك بالإِسلام بين أهلك وفي محيطك؟

ج: قبل ارتدائي الحجاب والالتزام باللباس الشرعي، اقتصر رد فعل أهلي وأصدقائي على بعض التعجّب والتساؤل عمّا إذا كنت سأثبت على قناعاتي الجديدة، وعمّا إذا كنت سأتعدّى مجرد القناعة إلى الالتزام الظاهري، ولكن بعد زواجي ذهبتُ مع زوجي جميل إلى الجزائر، وهناك التزمتُ بالحجاب واللباس الشرعي، وبعد عودتي إلى السويد واجهتُ الكثير من الاستغراب والأسئلة المعترضة على وضعي الجديد سواءً من الأهل أو الأصدقاء حيث لم يكن أحد يتصوّر أنني سألتزم إلى هذا الحد، وقد عرفوني سابقاً غير مبالية بالدين، ولم يدر في خلدهم أن الإِسلام أمر مختلف وأنه ليس مجرد ديانة تعنى بباطن الفرد فقط، بل هو أسلوب للحياة والتعامل.

١٤٤

وبارتدائي الحجاب في ذلك الوقت، أصبحت في نظرهم أنتمي إلى الأقليات المسلمة التي يتجنبها الإنسان السويدي، الذي هو بطبيعته يعيش العزلة والخوف من الجديد والمختلف، غير أن هذا لم يمنعني من أن أشق طريقي بكل ثقة وصبر، وأن أفرض احترامي واحترام ما التزمت به على الكثيرين ممن تبرموا في البداية.

س: كيف ترين أهمية الحجاب بالنسبة إلى المرأة المسلمة وخصوصاً في الغرب؟

ج: الحجاب بنظري هو حصن تعيش المرأة في داخله بكل طمأنينة، واثقة بالنفس، وهو يفسح المجال أمام المرأة للتفكير بما هو أهم من الملابس والزينة، ويعطيها الفرصة لتصبّ جهودها أكثر على ما يدفعها ويدفع محيطها للتقدّم، لأنها تحرّر نفسها من الاستغلال الرخيص لأنوثتها فتتحرّر من سطوة جشع تجار الأزياء وتفاهاتهم، ومن عبث وفساد وسائل الإعلام والإعلان التي تسيّر النساء الفارغات في عالمنا المعاصر.

س: هل يمكن أن تعطينا صورة عن المستوى العلمي الذي توصّلت إليه وعن مجال عملك؟

ج: لقد تابعتُ دراستي بعد إسلامي حتى نلتُ شهادة الدكتوراه من جامعة لوند، وذلك في قسم البيئة البشرية، وكان موضوع أطروحتي هو «المسلمون في الشرق الأوسط»، الذي هو محل اهتمامي الشخصي، وهذا ما اقتضي مني زيارة عدة دول إسلامية في الشرق الأوسط لاستكمال المعلومات حول هذا الموضوع، وأنا الآن أعمل باحثة في جامعة لوند نفسها.

س: علمنا أن لديك نشاطات إسلامية متعددة، فما هي؟

ج: لقد انتخبتُ عضواً في الأكاديمية الإِسلامية، وهي جمعية تضم الجامعيين المسلمين في جميع أنحاء السويد، وتهتم بالتعريف بالإِسلام، وإجلاء صورته في المجتمع السويدي، والدعوة إليه عن طريق المحاضرات والندوات والكتب والمنشورات، وأنا أساهم قدر طاقتي في نشاطات هذه الجمعية.

١٤٥

أمّا نشاطي الإِسلامي الأساسي فيتم من خلال النادي النسائي في مدينة لوند وجمعية الإرشاد الإِسلامية الخاصة بالنساء المسلمات السويديات والمهاجرات، وتهتم الجمعية بالتوعية الثقافية الإِسلامية عن طريق تدريس التربية الدينية والعلوم الإِسلامية واللغة العربية. وتقيم الجمعية الندوات واللقاءات العامة، كما تنظم زيارات للمدارس والجامعات بهدف التبليغ الإِسلامي. إلى جانب ذلك، لدينا اهتمام خاص بالأطفال لتنشئتهم نشأة إسلامية سليمة، وإبعادهم عن المحيط المنحرف.

س: ما رأيك بمستقبل النشء المسلم الجديد في السويد والمجتمعات الغربية؟

ج: برأيي أن الأطفال المسلمين سيواجهون صعوبة أقل لدى انخراطهم بالمجتمعات الغربية، لأنه من الأسهل عليهم فهم تركيبة المجتمع الذي نشأوا فيه والتكيّف معه بمرونة أكثر من كبار السن المهاجرين، سواء في السويد أم في غيرها.

س: ما هي المشكلات التي يعاني منها المسلمون في السويد؟

ج: يعاني المسلمون في السويد من مشاكل عدة، تنعكس سلباً على تحسين أوضاعهم، منها:

- انخفاض المستوى التعليمي، حيث أن الأكثرية منهم جاءوا إلى السويد للاستفادة من الرفاهية المادية الموجودة هنا، وهذا ما يعيقهم عن الحصول على وظائف عالية.

- المشاكل القائمة بين المجموعات المسلمة ذاتها، حيث يختلف بعضهم على المرجعية التي تبتّ في القضايا المهمة التي تهم جميع المسلمين.

س: كيف ينظر السويديون والغربيون عامة إلى المسلمين الموجودين بينهم؟

ج: يصنّف المسلمون في الغرب عادة إلى قسمين: قسم يسمّونهم متطرفين، وهم الذين يتمسّكون بدينهم ويطبقون شعائره ولا يجاملون في ذلك. وقسم آخر يسمّونهم معتدلين، وهم عادة الذين لا يبالون بأمور الدين ويهملون واجباتهم الشرعية، لأنهم متأثرين بالحياة الغربية المادية. ولكن على العموم فإن نظرة الغربيين إلى الإِسلام والمسلمين هي عموماً سلبية، وهي ناشئة عن رؤيتهم الحضارية والدينية المختلفة والاحتكاكات التاريخية، كما أن الإعلام المعادي الموجّه يغذي هذه النظرة السلبية، ويعمل على تضخيم وهم الخطر الإِسلامي على الغرب. كما لا ننسى هنا أخطاء المهاجرين المسلمين وأفعال الكثيرين منهم التي تعطي صورة سيئة عنهم، وعمّا يمثلون.

١٤٦

ولا يعني هذا أن ليس هناك تفهّم للإِسلام وتعاطف مع المسلمين وقضاياهم لدى جهات وأشخاص كثيرين في الغرب، وهنا تأتي مسؤولية المسلمين لكي يبذلوا الجهود المضاعفة كي تتسع هذه النظرة الإيجابية للإِسلام في الغرب.

س: هل من كلمة أخيرة؟

ج: أريد أن أوجّه عبر مجلتكم الموقرة نداءً مختصراً إلى المرأة المسلمة عموماً وإلى النساء في البلاد الإِسلامية بشكل مباشر لأدعوهن إلى مزيد من الوعي والتعقل والتمسك بالإِسلام، هذه الرسالة العظيمة، كي يساهمن بشكل أفضل في تماسك وتطوير وسلامة مجتمعاتهن لإبعادها عن الموبقات والمفاسد التي تعصف بالمجتمعات الغربية، والتي تحطّ من قدر الإنسان، وألا ينخدعن بمظاهر الحياة الغربية ومغرياتها وحرياتها الزائفة، التي تزيّنها لهن وسائل الإعلام المفسدة، فهذه لا تؤدي إلّا إلى سقوطهن وتدمير كل مقومات القوة التي يوفرها لهن الإِسلام في أنفسهن ومجتمعاتهن، وأني آمل من كل اللواتي انبهرن بهذه القشور وتخلين عن مزايا شخصيتهن الإِسلامية الكريمة أن يراجعن أنفسهن ويواجهن الحقيقة بإرادة وصدق.

١٤٧

الأخ المسلم البريطاني جان هانز (محمد علي)

يقول:

· السلوك النظيف والقويم لبعض العمّال المسلمين الملتزمين جعلني أُكبِر الإِسلام وأرغب في اعتناقه.

· في الغرب نحلم بالسعادة ولا نجدها، بل نعيش الحسرة والأسف عند انقضاء كل متعة ننالها.

· تفرّغت لطلب العلوم الدينية الإِسلامية من أجل خلاص نفسي وهداية أهلي ومجتمعي.

· النبي الأعظم (ص) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) هم معلمو البشر وقادتهم، ويجب أن نتخذهم قدوة لنا.

في الوقت الذي تنتشر فيه الفلسفات المادية والتيارات الإلحادية وهي تغزو وسائل الإعلام في كل قطر وبلد، مدعومة بأحدث وسائل الاتصال والنشر. تجد ثلّة من الناس طريقها الواضح المستقيم، وسط الغبار والزحام المتراكم من الأيديولوجيات والأفكار، مهتدية بنور الإِسلام الذي يجذب إلى ساحته كثيراً ممن أنعم الله عليهم بنعمة الدين الحنيف، ومن قلب الغرب الذي أدار ظهره للدين منذ أن أعرض عن النهج الإلهي، في مطلع النهضة العلمية التي حققت له رفاهية مادية ولكنها فشلت في أن توصله إلى رحاب الطمأنينة وواحة السعادة في هذه الدنيا فضلاً عن الآخرة. من بين هؤلاء النخبة المهتدية، نبدأ حديثنا عن إسلام الشاب البريطاني جان هانز «محمد علي» بهذه اللمحة الدالة التي توجز حوار مجلة «نور الإِسلام» مع هذا الشاب المهتدي.

التقيناه في رحاب المقام الشريف للسيدة زينب (عليها السلام) في ضاحية دمشق الشام، هناك ذات مساء، بعد أداء شعائر الزيارة المباركة، وبعد الفراغ من الصلاة، من بين تلك الوجوه الطيبة التي أمّت المقام الشريف، طالعنا بوجهه المشرق وثغره المبتسم، والطريف في هذا الأمر، أن هذا الشاب كان يرتدي الزي الخاص بطلاب العلم الديني، وكان مظهره يحمل أكثر من دلالة.. بعد أن رحبنا به دار بيننا الحوار التالي:

١٤٨

س: هل لك أن تعطينا لمحة عن نشأتك؟

ج: نعم بكل ترحيب، وُلدت في بريطانيا، وعشتُ طفولتي كأي فرد مسيحي، يذهب مع عائلته إلى الكنيسة أيام الآحاد والأعياد، ولم أكن أشعر بأن شيئاً يمكن أن يطرأ على حياتي فيبدلها، ولكني كنت أشعر كأكثر الناس بأن الحياة تمضي بنا حثيثية دون أن تحمل إلينا معنى أو هدفاً نبيلاً، فالناس تعيش دون مُثُل أو قيم، مكتفية بالاستغراق في الحياة المادية العابثة التي تجعل منّا أناساً أشبه بالأنعام التي تعيش ليومها ولا تفكر بغد.

كانت حياتنا رتيبة، نحلم بالسعادة ولا نجدها، فتشنا عنها كثيراً فلم نجدها في حدود متع الدنيا ولذاتها، بل كنا نصاب بالحسرة والأسف عند انقضاء كل متعة ننال منها نصيباً، لهذا كنا نعيش حياة ينتهي وجودنا بانتهائها؛ ولهذا كان الكثير من الشباب يفكرون بالتخلص من هذه الحياة الفارغة، إما بالهروب إلى المخدرات، هروباً آنياً وإمّا بالانتحار. وقد حصل أن أقدم شبان كثر على قتل أنفسهم عندما قرأوا كتاب «آلام فرتر» للكاتب الألماني «غوته» في الحقبة الماضية. في تلك الفترة لم أكن أختلف بشيءٍ عن أقراني، لقد درستُ وتعلمتُ في إنكلترا وتخرجت من الجامعة مهندساً، ثم سافرت للعمل في الخارج.

س: هل لك أن تحدثنا عن تجربتك الجديدة في ظل الإِسلام؟

ج: كانت بداية التحوّل في حياتي الشخصية حينما سافرت إلى الباكستان للعمل هناك، وبعد انقضاء فترة على وجودي في تلك البلاد، كنت خلالها أراقب العمّال البسطاء الذين كانوا يشتغلون تحت إشرافي. وقد لفت نظري إخلاصهم في العمل فضلاً عن صدقهم في المعاملة، وتفانيهم في أداء ما يُطلب منهم بكل أدب واحترام، ولاحظتُ أن السبب في ذلك يعود إلى روح النظام وجو الطهارة الذي اكتسبوه من عادة حسنة، فقد كانوا يقفون بانتظام صفاً للصلاة بضع مرات في اليوم، بعد أن يقوموا بتنظيف أجسامهم في أحواض الماء، ويغسلون بعض أعضائهم أو يمسحونها، وهي دلالة ظاهرة على طهارة الأبدان، ودلالة باطنة على نظافة الروح وتطهير النفس، وقد تعلمت منهم قول الرسول (ص) :

١٤٩

«أفضل الطيب الماء» .. أما عندنا فما نفع العطور التي يضعها الإنسان على جسم تتنازعه الأقذار والنجاسات، من الخمرة إلى الميتة ولحم الخنزير وما أشبه ذلك. ثم تعلمتُ من هؤلاء العمّال، كيف أملأ وقتي بما يفيد، وكيف أنظِّم ساعات يومي، بعد أن أقف مثلهم لحظات بخشوع وأتلفظ بالكلمات ذاتها، التي تشيع الأمن والطمأنينة في نفسي.

وعرفتُ من هنا أن الفرد المسلم يمثّل الطهارة المادية المتجسّدة في نظافة جسمه من الأدران ونظافة روحه من الآثام.

س: هل من سبب آخر دفعك إلى اعتناق الإِسلام؟

ج: لقد كان في حياتنا نحن الغربيين، كما أشرتُ إليك، فراغ هائل، نابع من انتفاء القِيم في واقع الإنسان الغربي، وهذا ما يبعث على القلق المؤدي إلى عذاب الروح، فعندنا كلمة شائعة يتداولها الناس تدلّ على اللامبالاة وعدم الاكتراث مثل «لا يهمني» أو أن يقول قائلنا لكل أمر جديد أو مدهش «حسناً».

والجدة عندنا معيار وقيمة توزن بها الأشياء، فكل شيء إذا مضى عليه وقت يفقد قيمته ويتطلع الإنسان إلى الجديد الذي يبهر ثم سرعان ما يفقد هذا الجديد سحره وتأثيره، وهكذا يظل الإنسان يلهث وراء كل جديد، حتى يتبلد إحساسه فلا يشعر بقيمة الأشياء، فتفقد الأشياء معناها وجوهرها، فيصبح الإنسان عديم الإحساس، من هنا يفكر في الخلاص بأي طريق كان.

بينما يعطي الإِسلام منهجاً وسطاً في المنع والعطاء، في التمنع والحرمان، هذا المنهج الوسط يبقي للأشياء معناها، لأن الحرية المطلقة التي تبلغ الإباحية والإسراف، تستهلك جوهر الأشياء وتبطل معناها، وهنا تكمن الكارثة في الحياة الغربية القائمة على البراغماتية والمتعة الآنيّة.

لقد وهبني الإِسلام منهجاً في الحياة قرّت به عيني واطمأنت إليه نفسي، بعد سنوات من الضياع والقلق الذي يغرق فيه مجتمعنا المتردي في دوامة الانحلال على الصعيدين المادي والروحي.

ولم أصدق أن هناك عقيدة تحمل إلى الإنسان السكينة والاستقرار إلّا بعد أن رأت عيناي وسمعت أذناي ولمستُ الحقيقة التي لا ريب فيها أن الإِسلام بصفاته وسماحته هو المنتجع الآمن والواحة التي تستظل بها النفوس التواقة إلى رحاب السعادة. كان ذلك التحوّل الكبير في حياتي حين تعرفت إلى خاتم الديانات وجوهر الرسالات، الإِسلام الحنيف، وكان ذلك بفضل العناية الإلهية.

١٥٠

س: ما هي الأسباب التي دفعتك لتكون طالباً في مدرسة العلوم الدينية؟

ج: عندما اهتديتُ إلى الإِسلام، فكرت بأهلي ومجتمعي، وعرفت أني سأواجه اعتراضاتهم، لذلك شئت أن أتسلح بالحجة والبرهان، وسبيلها العلم والمعرفة، لذا عقدتُ العزم على تلقي العلوم والمعارف الإِسلامية.

س: ألا يسبب لك حرجاً ارتداؤك الزي الخاص برجال الدين؟

ج: في الأساس لم أفكر في خلاص نفسي فحسب، بل فكرت في خلاص الآخرين من أهل وطني، لهذا وطّنت النفس على تجاوز الصعاب، إنني فخور بارتداء العمامة والزي الديني، وهذا يمنحني الحرية في الحركة، بهذه الثياب الفضفاضة، كي يحررني من الزي الغربي الملاصق للجسد، فذاك يضغط عليّ ويرهقني، وهذا يتيح لي التحرك بسهولة، وهو رمز للتجرد عن زيف الحضارة في الزينة والتجمل.

ثم إن المجتمع الغربي يدّعي الحرية والديمقراطية، فأنا من هذا المنطلق يحق لي أن أرتدي ما أشاء.

س: ماذا تنوي أن تفعل عندما تعود إلى وطنك؟

ج: انطلاقاً من قول الإمام علي (ع) : «أحب لغيرك ما تحب لنفسك»، لهذا فإنني أبغي الخير لإخواني في الإنسانية من أبناء وطني كما قال الإمام (ع) : «واعلم أن الناس إمّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق». فسوف أقوم بواجبي في التبليغ الإِسلامي، وإنني آمل منهم أن يستجيبوا.

س: ما هو مدى اطلاعك على الثقافة الإِسلامية؟

ج: إني سعيت للاطلاع على المعارف والعلوم الإِسلامية بشغف ومحبة، وإنني ملم بحياة النبي (ص) والأئمة (عليهم السلام) ، ومطّلع على الكثير مما قالوه وفعلوه، وإنني أؤمن بعصمتهم وأنهم معلمو البشر وقادتهم، وأتخذهم قدوة وأجعل من أقوالهم شعاراً ومن أفعالهم أمثولة في الحياة.

١٥١

س: هل من كلمة أخيرة تتوجه بها إلى القرّاء؟

ج: إنني أؤكد إنني وجدتُ للحياة قيمة بعد اعتناقي الإِسلام، فنحن لم نخلق عبثاً، بل لغاية سامية، والجدة التي هي معيار كاذب وزائف لم تعد تعني لي شيئاً.

وإنني أردد ما قاله المرجع الكبير الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء «بلّغوا الإِسلام إلى الغرب، فإذا نجحتم في رسالتكم هناك، حققتم أهدافكم في التبليغ هنا»، لأن الشرق مولع بتقليد الغرب، وهو مرض العصر، ولقد كان الغرب الإسباني في عصر الإِسلام، يتوجه بأنظاره قِبَل المشرق، وإنني أدعو جميع الناس إلى قراءة الإِسلام ومعرفته عن كثب ليتسنى لهم الاهتداء ثم هداية الآخرين، لأن الناس أعداء ما جهلوا، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

١٥٢

الأخت الروسية المهتدية، يلينا كوشيليوفا

تقول «لنور الإِسلام»:

- على الرغم من الدعاية الإلحادية التي كان يفرضها النظام التعليمي الشيوعي السابق، كان ينتابني إحساس بوجود إله واحد.

- من خلال كتاب «حياة محمد» لأحد الكتّاب الروس، أعجبت بشخصية الرسول (ص) ثم صرت أبحث عن الكتب الإِسلامية.

- الأسف يعتصر قلبي، كيف لم تهتدِ النسوة السافرات إلى نعمة الحجاب، وما يمثّله من قيم النقاء والطهر.

- إنني أنصح أختي المسلمة أن لا تسير بخطى عشواء على طريق المدنية القادمة من الغرب.

يلينا يورينيفا كوشيليوفا

لم تكن تدري يلينا وهي الفتاة الروسية التي تعيش في مجتمع شيوعي يؤمن بالقيم الماركسية، أنها على موعد مثير، مع صدفة رائعة حملها إليها عيد الأضحى، حينما التقت بمن هيَّأته العناية الإلهية لينقلها من الظلمات إلى النور، ومن الشرك إلى الدين الحنيف، لقد وُلدت من جديد، كما تقول يلينا، وكنت أشعر بإرهاصات تنبئ عن استعداد وتوجه في عمق وجداني. كالظافر بالماء وسط الصحراء، لأجد الحوض الطاهر النقي، الذي ألقيت بنفسي في لجته، لأتطهر من أدران هذا العالم الذي أضاع قيم الروح والإنسانية.

تجربتي مع الإِسلام مثيرة وغنية بالعبر إذا ولجتم إلى أعماقي ستجدون أنني جد سعيدة بهذه المصادفة الرائعة. وكأن القطار الذي كان ينقلني من إحدى المدارس في ضواحي «لاتيا» كان يحملني إلى شاطئ السعادة والأمان وواحة الهداية واليقين.

في مسكنها الزوجي في بيروت وبين عائلتها السعيدة التقت نور الإِسلام السيدة يلينا وكان لنا معها هذه المقابلة:

١٥٣

س: هل لك أن تعطينا لمحة موجزة عن نشأتك وتربيتك الأولى:

ج: وُلدت سنة 1973 في طاجكستان التي كانت واحدة من جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقاً، من أصل روسي، وكان والدي ضابطاً برتبة كولونيل، إلى جانب كونه محامياً، وكانت أمي طبيبة، وقد تعرضت عائلتي للتنقل إلى أكثر من بلد، إذ هاجر أهلي إلى سيبيريا، إلا أنني بقيتُ أعيش مع جدتي في طاجكستان حيث دخلت إلى المدرسة، وعندما سافر أهلي إلى جمهورية لاتيا اصطحبوني معهم إلى مدينة ريفا ثم استقرت بنا السكنى أخيراً في أوكرانيا.

لقد فرضت علينا ظروف عمل والديَّ أن نتنقل بين بلدان الاتحاد السوفياتي سابقاً، مما أتاح لي فرص التعرف إلى هذه البلدان المختلفة، والخروج إلى العالم الأوسع؛ ما أكسبني مرونة في التصرف، ومزيداً من الوعي، وهذا ما أدى إلى أن لا تترسخ في نفسي عادات بلد معين، بل كنت أبحث دائماً عن الأفضل في العادات والسلوك. لقد ترعرعت وسط عائلة مثقفة. فالبيئة التي عرفتها في لاتيا تشبه البيئة الأوروبية من حيث توفر الحرية والمناخ الثقافي والفكري، قياساً على بقية البلدان الروسية.

كانت طفولتي موزعة بين البيت والمدرسة، فلم أكن أهتم بما يوليه أترابي من اهتمام.

ولست أعلم بالتأكيد لماذا كان ينتابني إحساس بوجود إله واحد مع أن التعاليم الإلحادية التي يفرضها النظام التعليمي، كانت لا تعترف بذلك، وربما كان لجدتي أثر في هذا الاستعداد لديَّ.

وكان والدي يشتري لي كتباً علمية حول نشوء العالم، حسب ما يقرره الإنجيل، وكنت أميل كثيراً إلى التأمل. وعندما بلغت السادسة أو السابعة عشرة جربتُ أن أصوم على الطريقة الأرثوذكسية، حيث كنت أمتنع عن تناول اللحوم والمشتقات الحيوانية لمدة أربعين يوماً.

١٥٤

س: هل لك أن توضحي لنا الأسباب التي حملتك على اعتناق الإِسلام:

ج: أجل. حينما كنت في الرابعة عشرة من عمري، كنت أتعلم في مدرسة تضم أولاداً من الطاجيك الذين يعتنقون الإِسلام، ولاحظتُ كيف أن العائلة المسلمة تضم عدداً كبيراً من الأولاد، وفي أثناء ذلك كان يسترعي انتباهي منظر الأولاد المؤثر، وهم يصومون طوال النهار عن الطعام والشراب، وكان بعضهم يصاب بالإعياء آخر النهار، حيث كان شهر حزيران القائظ بنهاره الطويل. وكان ذلك يحملني على التساؤل، لماذا يتحمل هؤلاء هذا العناء كله ومن أجل أي شيء يضحون بالتمتع بما يشتهون من الطعام. كان ذلك بداية التجربة مع الإِسلام بالنسبة إليّ.

وعندما بلغتُ الثامنة عشرة، كنت أدرس الكيمياء في إحدى الكليات، التي تبعد عن منزلنا ثلاثة أرباع الساعة تقريباً، وكان عليّ أن أتنقل بالقطار، وهنا حدثت الصدفة الرائعة، حيث تعرّفت إلى زوجي المهندس اللبناني فهد سويدان، وتجدَّد اللقاء وعرّفني أنه مسلم ملتزم وكان آنذاك لا يحسن اللغة تماماً.

وشاءت الصدف أن ننتقل جميعاً إلى كييف في أوكرانيا للدراسة، فتوثقت علاقتنا، من ذلك الحين بدأ اهتمامي بالإِسلام يتزايد وأخذتُ أتردد على المكتبة، وكان أن اطلّعتُ على كتاب «حياة محمد» وهو لأحد الكتّاب الروس المستشرقين فأعجبتُ بشخصية الرسول (ص) ، ثم صرتُ أبحث عن الكتب الإِسلامية لأطالعها، وتلقيتُ كثيراً من العون. وفي الوسط الطلابي في كييف لمست أن هناك إسلاماً حقيقياً حيث الصفاء الروحي والصدق الذي يتحلى به الطلاب المسلمون القادمون من بلدان المختلفة.

س: ما هو موقف أُسرتك وأصحابك من هذا التحول:

ج: بالنسبة إلى والدتي لم يشكل هذا التحول حرجاً، وأما والدي فقال لي: إنك ستبقين مسيحية، ولو حاولت أن تكوني غير ذلك، أما أنا فقد أصبحتُ مسلمة، في الواقع، ولكنني لن أتنكر للقيم الصحيحة في المسيحية.

والذي سهَّل عليّ هذا التحول هو ما كانت تشهده بلادنا من تحول كبير في بنية النظام في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق. فكل شيء كان من حولنا يتغير ويتبدل.

١٥٥

س: ما هي التغيرات الإيجابية التي تمَّت بعد اعتناقك الإِسلام؟

ج: شعرتُ بأنني بلغتُ هدفي، وأنني أدركتُ ما كنت أصبو إليه، من يقين وطمأنينة! فقد كنت متعطشة للوصول إلى الحقيقة، التي كانت ترد بشكل تساؤلات حول العقيدة والسلوك في الحياة، تبحث عن جواب شافٍ.

وما يجدر ذكره أنني لم أجرِّب المحرمات قبل زواجي واعتناقي الإِسلام. إذ كان كلٌّ من روحي وجسدي طاهرين، وبقيا طاهرين، وبكلمة أقول: «كأنني وقعْت في حوض الماء الذي كنت أتوق للسباحة فيه»، كرمز للطهارة التي يمنحها الإِسلام لأتباعه. ولقد استفدتُ في لبنان كثيراً من إحدى المدرِّسات، وأنا مدينة لها بتعلم بعض العربية وقراءة القرآن الكريم وتفسير بعض الأدعية.

س: كيف تنظرين إلى ظاهرة السفور المنتشرة في المجتمع الإِسلامي؛ كونك فتاة روسية قادمة من خارج البلاد الإِسلامية؟

ج: إن هؤلاء النسوة يعانين من ضياع، وإنني لأشعر بالأسف يعتصر قلبي كيف لم يهتدين إلى نعمة الحجاب وما يمثِّله من قيم النقاء والطهر. ولكن المرأة المسلمة، وهي ترتدي الحجاب لا بدّ لها من أن تراعي مستلزمات هذا الحجاب، في حديثها وتصرفاتها ومعاملاتها.

وإني أنظر إلى ظاهرة السفور في مجتمعاتنا الحديثة، كظاهرة غير طبيعية، طرأت على المجتمع الإِسلامي والمسيحيي في الشرق والغرب، وكان من أهم الدواعي إليها، نزول المرأة إلى ميدان العمل وما أحدثته الثورة الصناعية من تبدل في القيم الاجتماعية والخلقية.

إذ العودة إلى الحجاب، هي بنظري رجوع إلى الفطرة والأصل.

س: ما هي رؤيتك لواقع المرأة المسلمة اليوم؟

ج: على المرأة المسلمة المحجبة أن تثبت للآخرين أنها ليست متقوقعة في حياتها ومنعزلة عن المجتمع، بل إنها تختزن طاقة يمكن أن تستثمرها في هداية الفتيات الأخريات، مع المحافظة على واجباتها البيتية التي هي أهم من أي نشاط اجتماعي خارج المنزل، وطبعاً مع المحافظة على طبيعتها الأنثوية.

١٥٦

س: ماذا تقترحين لهداية الجيل المعاصر:

ج: في نظري إن الجيل من الأحداث والشباب منجذب بشكلٍ ملفتٍ للنظر، إلى مشاهدة وسائل الإعلام المضرة وخاصة التلفاز، وهذا ما يشكل ظاهرة ذات آثار سلبية كبيرة بالنسبة إلى الأطفال بشكل خاص، فعلى الآباء أن ينتبهوا لتربية أولادهم، فلا يتركوهم فريسة للمسلسلات العبثية الفارغة.

س: هل من كلمة أخيرة توجهينها إلى القرّاء؟

ج: إني أنصح أختي المسلمة أن لا تسير بخطى عشواء على خطى المدنية القادمة من الشرق والغرب، بل تعود إلى أصالتها وأن لا تستورد إلا ما هو الأحسن والأفضل،، ولتستفد من تجربة الغرب الذي نظر في حضارتنا فأخذ بأحسنها، بينما نرى العكس في بلاد المسلمين، حيث ينبهرون بالأمور الخدّاعة والبرَّاقة التي تعبر عن أسوأ ما عند مجتمعات الغرب من خلاعة وسفور وابتعاد عن الدين والفضيلة.

١٥٧

الأخت المهتدية كارمن سركسيان «هدى»

هكذا تعرفت إلى الإِسلام وهكذا اهتديت

تلك الفتاة الأرمنية التي اهتدت إلى نور الإِسلام واعتنقت الدين الضيف بعد رحلة مثيرة، وتجربة غنية في البحث والاستكشاف، هذه الهداية التي كان مفتاحها التعرف على شريك لها في الحياة، ولكن الرحلة الإيمانية لم تقف عند حد، بل إن الفتاة المهتدية سارت يحفِّزها حب المعرفة، إلى أن تنهل من معين الثقافة الإِسلامية لتغترف من المكتبات ما جعلها جديرة بأن تكتب تجربتها في كتاب يمتع القارئ ويفيد في آنٍ معاً، بعنوان «قصة إسلامي» وإليك أيها القارئ مقتطفات مما أوردته في هذا الكتاب.

عن ولادتها ونشأتها تقول:

وُلدت في الكويت عام 1965، نشأتُ وترعرعتُ وقضيتُ أجمل أيام عمري في رحابها، ولا أزال أحلم بالعودة لأعيش على أرضها الطيبة مرة أخرى، حيث ولادتي ونشأتي ودراستي وعملي وزواجي وإنجابي طفلي علي، والأهم من ذلك كله، أن الله هداني للإِسلام على أرضها، فكيف أنساها، إنها نبضة في القلب، وبدون نبضات القلب لا يحيا الإنسان.

كيف تعرفت إلى الإِسلام؟

في صيف «سبتمبر/أيلول» 1985، كنت أعمل كموظفة في شركة كويتية للمشاريع الهندسية، وكنت أنظم الملفات وأقوم بأعمال أمانة السر لذلك الإنسان الذي أصبح زوجي فيما بعد. ومع أنني وافقت على الزواج منه، إلّا أن تلك الموافقة كانت مصحوبة بشيء من الخوف لأنني مسيحية وأرمنية وهو مسلم.

ولا بدّ أن أوضح معنى كلمة أرمنية، إن الكثير من الناس حين يسمع كلمة أرمني أو أرمنية، تتبادر إلى أذهانهم كلمة مرادفة هي مسيحي، وفي الحقيقة هذا خطأ، فكلمة أرمني تعني أن جذور الشخص تعود إلى أرمينيا، إحدى جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقاً، وهي الآن جمهورية مستقلة، ثم إن أرمينيا فيها عدد كبير من المسلمين الأرمن، لذا إن كلمة أرمني هي مثل سوري ولبناني ومصري.

١٥٨

أما سبب مخاوفي فهو أني أعرف بعض المسيحيات اللواتي اقترنَّ بمسلمين، وكان الفشل حليف هذا الزواج فطُلِّقن فيما بعد، أما أنا فكنت واثقة من نجاح زواجنا، فقد تيقنت من صدق زوجي، كما أنه استطاع أن يجذبني إلى اعتناق الإِسلام، إذ كان يمثل لي القدوة الصالحة والأسوة الحسنة في سلوكه وتصرفه معي. وبعد أن أصبحت مسلمة، اخترت لنفسي اسم هدى بدلاً من اسمي السابق «كارمن».

كيف كان تأثير إسلامها وزواجها من مسلم على أقربائها؟

كان زواجنا في البداية غير مُعْلَن، تحاشياً لردود الفعل من قِبَل الأهل والأصحاب، ولكن فوجئت بأن أختي تتصل بي عبر الهاتف وتخبرني بمعرفتها بهذا الزواج وكان ذلك مفاجأة لي، وتذكرت الآية الكريمة﴿یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا یَحِلُّ لَکُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ کَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَیْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ یَأْتِینَ بِفَاحِشَةٍ مُبَیِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ کَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَکْرَهُوا شَیْئًا وَیَجْعَلَ اللَّهُ فِیهِ خَیْرًا کَثِیرًا ﴿19﴾ ﴾ [النساء: 19]، فأخبرتها الحقيقة، وكان أهلي يسكنون في المدينة نفسها، فطلبوا من زوجي الحضور لمناقشة الموضوع.

وتمَّ الاتفاق أن أغادر منزل أهلي لأعيش مع زوجي بعد أن يئس الأهل من التأثير عليّ، وكانت دموع والدتي تنطق بأبلغ الكلام. قاطعني أهلي مدة أسبوعين فقط، بعدها قاموا بزيارتي دون أن يسمحوا لي بأن أزورهم.

ولم تعلم والدة زوجي بأمر زواجنا إلّا حين أُدخل زوجي إلى المستشفى لإجراء عملية جراحية، وكان قد أخبر أهله حفاظاً عليّ وعلى حصتي في الميراث، إذا حصل القضاء. وقد اصطحبتني والدة زوجي إلى منزلهم للمرة الأولى، فإذا بي أرى مكتبة كبيرة تضم كتباً في مختلف العلوم والآداب والتاريخ الإِسلامي، ومع أننا تأخرنا في السهر ليلاً فقد استيقظ الجميع في ساعة مبكرة من الصباح لأداء صلاة الصبح.

١٥٩

ولكن كيف اعتنقت الإِسلام؟

كانت لقاءاتي بأهله تثير عندي تساؤلات عن الصلاة، وعن الحجاب، وعن الفصل بين مجلس الرجال ومجلس النساء، وهنا بدأت رحلة المعرفة، والاستكشاف حين بدأت بالانصراف إلى مطالعة الكتب، وكانت والدته تدفعني إلى ذلك. قبل ذلك كنت أعيش في صراع، والآن بدأت رحلتي السعيدة مع الدين الحنيف. لم يكن زوجي يحدِّثني كثيراً عن الإِسلام، لأنه لا يريد أن يرغمني على اعتناقه، كما هو الشرط بيننا سابقاً، فكان يجيب باختصار على كل سؤال أطرحه عليه، ويصمت إذا لم أوجه إليه سؤالاً، كان يتألم لكوني غير مسلمة، لا أصلي، ولا أرتدي الحجاب.

كنت غير راغبة في ذلك، كنت أعلم مدى الحرج الذي أسببه لزوجي، بالرغم من ذلك كان له الدور غير المباشر في تقريبي إلى الإِسلام، ومن أجل ذلك كان يكثر من الاستماع إلى برامج القرآن الكريم، والإذاعات التي تبث برامج ثقافية حول الدين الحنيف.

انطباعاتها وشهادتها على أسلوب الحوار

إنني أعترف وأشهد بأن الطريقة التي كان يتم فيها النقاش لم تكن تؤذي مشاعري حول المسيحية - ديني السابق - فلم أتذكر أن المسلمين الذين تحاورت معهم أساءوا إلى المسيح (ع) وأمه أبدأ، بل إنهم يكنون من المحبة والتقديس لهما ما يثير الإعجاب ويؤمنون برسالته، وعندهم أن مَن لا يؤمن برسالة عيسى (ع) فليس بمسلم، وإن آمن برسالة محمد (ص) ، والغريب أنهم يستشهدون لعظمة النبي محمد (ص) بآراء كتّاب ومفكرين مسيحيين أمثال برنارد شو وغوته وكارلايل ولامارتين وجرداق وجبران ونعيمة، وحتى من غير أهل الكتاب أمثال نهرو، كنت ألتزم الصمت خلال مناقشاتهم، لأنهم يعرفون عن المسيحية أكثر مما أعرف.

كيف تم التزامها بالدين الحنيف فكرةً وسلوكاً؟

ولما كنت أتابع القراءة والمطالعة كان زوجي يقوم بشرح ما يصعب عليّ فهمه، واستمر الحال هكذا حتى أواخر عام 1987، وكنت أستمع إلى إحدى الإذاعات التي تنشر رسائل دكتوراه وماجستير يتقدم بها طلاب يرغبون بالتخصص في العلوم الإِسلامية، وقد كانت مناقشات تلك الرسائل ذات فائدة عظيمة بالنسبة إليّ.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

فتفطن (التاسع) أنه قد عرفت أن المعتبر في هذا الباب ان يكون كل واحد من الطبيعة المأمور بها والمنهي عنها مشتملة على مناط الحكم مطلقا حتى في حال الاجتماع فلو كان هناك ما دل على ذلك من اجماع أو غيره فلا اشكال ولو لم يكن الا اطلاق دليلي الحكمين ففيه تفصيل وهو ان الاطلاق لو كان في بيان الحكم الاقتضائي لكان دليلا على ثبوت المقتضي والمناط في مورد الاجتماع فيكون من هذا الباب ولو كان بصدد الحكم الفعلي فلا اشكال في استكشاف ثبوت المقتضي في الحكمين على القول بالجواز الا إذا علم اجمالا بكذب احد الدليلين فيعامل معهما معاملة المتعارضين (وأما) على القول بالامتناع فالاطلاقان متنافيان من غير دلالة على ثبوت المقتضي للحكمين في مورد الاجتماع أصلا فان انتفاء أحد المتنافيين كما يمكن أن يكون لاجل المانع مع ثبوت المقتضي له يمكن ان يكون لاجل انتفائه (إلا) أن يقال: إن

______________________________

*

للترجيح بينهما في مقام الاثبات عرفا (قوله: فتفطن) يمكن أن يكون إشارة إلى أن الجمع العرفي يتوقف على كون أحدهما أظهر من الآخر ومجرد كون أحدهما أقوى مناطا من الآخر لا يجدي في كونه أقوى ظهورا (قوله: أو غيره) يعني مما يوجب العلم بثبوت المناط فيهما أما لو كان ظنا جاء فيه ما يأتي في الاطلاق (قوله: فلا إشكال) يعنى في دخوله في منشأ الاجتماع (قوله: متنافيان) لامتناع صدقهما معا على القول بالامتناع (قوله: من غير دلالة) يعني مع التنافي المذكور (قوله: فان انتفاء) بيان لوجه عدم الدلالة مع التنافي يعني إذا علم بكذب أحدهما في دلالته على الحكم الفعلي لانتفاء الحكم الفعلي في أحدهما جاز أن يكون المقتضي في كل منهما موجودا مع انتفاء مجرد الفعلية في أحدهما وجاز أن لا يكون المقتضي في أحدهما موجودا ولا معين لاحد الاحتمالين فلا يمكن إدخال الفرض في مسألة الاجتماع (أقول): كل واحد من الاطلاقين إذا كان دالا على فعلية الحكم بالمطابقة فقد دل على ثبوت المناط بالالتزام والتنافى بين الدليلين في دلالتهما على الفعلية إنما يوجب سقوطهما عن الحجية في اثبات فعلية

٣٦١

قضية التوفيق بينهما هو حمل كل منهما على الحكم الاقتضائي لو لم يكن أحدهما أظهر وإلا فخصوص الظاهر منهما (فتلخص) أنه كلما كانت هناك دلالة على ثبوت المقتضى في الحكمين كان من مسألة الاجتماع وكلما لم تكن هناك دلالة عليه فهو من باب التعارض مطلقا إذا كانت هناك دلالة على انتفائه في أحدهما بلا تعيين ولو على الجواز وإلا فعلى الامتناع (العاشر) أنه لا اشكال في سقوط الامر وحصول الامتثال باتيان المجمع

______________________________

*

الحكمين لا سقوطهما في إثبات المناطين مع عدم التنافي بينهما فحجية الاطلاق في ثبوت المناطين بلا مزاحم " فان قلت ": الدلالة على ثبوت المناط إذا كانت التزامية فهى تابعة للدلالة المطابقية على فعلية الحكم فإذا سقطت الدلالة المذكورة عن الحجية سقطت الدلالة الالتزامية ايضا " قلت ": الدلالة الالتزامية لابد أن تكون تابعة للدلالة المطابقية ثبوتا ووجودا ولا يجب أن تكون تابعة لها حجية واثباتا إذ لا مانع من التفكيك بينهما في الجملة إذا ساعده الجمع العرفي كما في بعض الامارات التي لا يكون المثبت منها حجة فان ذلك انما هو لعدم حجية الدلالة الالتزامية مع حجية الدلالة المطابقية وكما في باب المتعارضين فانه سيأتي انشاء الله تعالى في مبحث التعارض أن الوجه في بناء الاصحاب على حجية المتعارضين في الدلالة على نفي الحكم الثالث في مورد التعارض مع البناء على اصالة سقوط المتعارضين عن الحجية هو إمكان التفكيك بين الدلالة المطابقية والالتزامية في الحجية (قوله: قضية التوفيق) يعني الجمع العرفي (قوله: فخصوص الظاهر) يعني فيحمل خصوص الظاهر على الاقتضائي ويبقى الاظهر حجية في الفعلية (قوله: ولو على الجواز) بيان لوجه الاطلاق (قوله: وإلا فعلى الامتناع يعني وإن لم تكن دلالة على انتفاء المناط في أحدهما ولم يحرز ثبوت المناط فيهما فعلى الامتناع يكون من التعارض إذ لا طريق إلى ثبوت المناطين، " أقول ": لكن عرفت الطريق إلى ذلك وعليه فلا يكون من التعارض إلا إذا

٣٦٢

بداعي الامر على الجواز مطلقا ولو في العبادات وان كان معصية للنهي أيضا وكذا الحال على الامتناع مع ترجيح جانب الامر إلا أنه لا معصية عليه وأما عليه وترجيح جانب النهي فيسقط به الامر به مطلقا في غير العبادات لحصول الغرض الموجب له وأما فيها فلا مع الالتفات إلى الحرمة

______________________________

كانت دلالة على انتفاء أحد المناطين (قوله: بداعي الامر على الجواز) قد تقدم أن القول بالجواز قول بعدم كون التكليف في نفسه محالا وإن جاز أن يكون تكليفا بالمحال وعليه فقد تقوم في ذيل مسألة الضد أن عموم الامر بالعبادة الموسعة للفرد المأتي به في وقت الضد الاهم ممتنع لانه تكليف بالمحال ولا فرق بينه وبين المقام وحينئذ فقصد الامر في المقام عند إتيان مورد التصادق يتوقف على صحة قصد الامر بالعبادة الموسعة عند الاتيان بها في وقت الضد الاهم كما سيأتي (قوله: وكذا الحال) يعني في سقوط الامر باتيان المجمع بداعي الامتثال (قوله: لا معصية) لعدم النهي (قوله: وأما عليه) يعني على الامتناع (قوله: لحصول الغرض) لان الغرض في غير العبادة يحصل بنفس فعل موضوع الامر وان لم يكن مأمورا به فعلا للتزاحم (قوله: وأما فيها فلا) يعني وأما في العبادات فلا يسقط الامر مع الالتفات إلى الحرمة لانه يكون الفعل معصية ولا يمكن قصد التقرب بالمعصية ولابد في العبادة منه " فان قلت ": قصد التقرب المعتبر في العبادة ليس إلا بمعنى قصد امتثال الامر والتقرب يترتب على الفعل بالقصد المذكور قهرا وان لم يقصد هو ولا مانع من قصد امتثال الامر على القول بالامتناع فان الفعل وإن لم يكن مأمورا به إلا أنه يمكن قصد الامر المتعلق بغيره من الافراد كما تقدم لا أقل من إمكان الفعل بداعي ملاك الامر لا بداعي نفسه وهو كاف في صحة العبادة " قلت ": يمتنع الانبعات من قبل الامر إلى ما هو معصية باعتقاد الفاعل وبذلك افترق المقام عن فعل الضد الموسع فان فعل الضد ليس معصية وانما هو يلازم المعصية فيمكن الانبعاث من قبل الامر إليه

٣٦٣

أو بدونه تقصيرا فانه وإن كان متمكنا مع عدم الالتفات من قصد القربة وقد قصدها إلا أنه مع التقصير لا يصلح لان يتقرب به أصلا فلا يقع مقربا وبدونه لا يكاد يحصل به الغرض الموجب للامر به عبادة كما لا يخفى (وأما) إذا لم يلتفت إليها قصورا وقد قصد القربة باتيانه فالامر يسقط لقصد التقرب بما يصلح أن يتقرب به لاشتماله على المصلحة مع صدوره حسنا لاجل الجهل بحرمته قصورا فيحصل به الغرض من الامر

______________________________

بخلاف المقام فان نفس الفعل فيه معصية فلا يبعث إليه الامر لان الموجب في بعث الامر كون ترك الفعل معصية فإذا كان تركه طاعة كيف يبعث إليه الامر مع أنه لو فرض إمكان الانبعاث من قبل الامر فمجرد ذلك غير كاف في صحة العبادة ما لم يكن فعلها طاعة محضة كما سيأتي (قوله: أو بدونه تقصيرا) يعني أو بدون الالتفات إلى الحرمة مع كونه مقصرا في ذلك (قوله: لا يصلح لان يتقرب) لانه بسبب التقصير في عدم الالتفات إلى الحرمة يكون الفعل معصية يستحق عليه العقاب وما يكون كذلك لا يصلح أن يكون مقربا بل يكون مبعدا محضا، " أقول ": قد عرفت الاشارة إلى أن القرب والبعد من تبعات الطاعة والمعصية والانقياد والتجري، وكون الفعل في نفسه صالحا للمقربية مما لا أصل له فاعتبار صلاحيته لذلك في صحة العبادة إن كان بمعنى أن لا يكون معصية فهو في محله لانه يعتبر في العبادة أن تكون طاعة لله سبحانه محضة وان كان بمعنى آخر فقد عرفت الاشكال فيه ثبوتا فيكون الاشكال فيه إثباتا أولى (قوله: لاشتماله على) تعليل للصلاحية للقرب لكن عرفت أن المصلحة والمفسدة الواقعيتين لا توجبان صلاحية الفعل للقرب والبعد أصلا. بل الوجه في صلاحية الفعل للمقربية بالمعنى المعتبر في صحة العبادة كونه ليس معصية من جهة عدم الالتفات الذي هو عذر في مخالفة الحرمة (قوله: مع صدوره حسنا) يعني في الفعل - مضافا إلى الحسن الذاتي الناشئ من اشتماله على المصلحة حسن آخر قائم بحيثية صدوره، (أقول): الصدور والصادر واحد في الخارج فان أراد من الحسن القائم بحيثية الصدور

٣٦٤

فيسقط به قطعا وان لم يكن امتثالا له بناء على تبعية الاحكام لما هو الاقوى من جهات المصالح والمفاسد واقعا لا لما هو المؤثر منها فعلا للحسن أو القبح

______________________________

كونه صادرا بعنوان الاطاعة فهو عين قصد التقرب ولا يترتبط بمقام صلاحية الفعل للمقربية وإن أراد غيره فلا موجب له والجهل بحرمته قصورا إنما أوجب عدم كون الفعل معصية كما أشرنا إليه لا الحسن الصدوري وكأن المراد أن قصد التقرب أوجب كون الفعل طاعة والجهل أوجب كونه غير معصية وبذلك يكون طاعة محضة فيكون حسنا لا غير (قوله: وان لم يكن امتثالا له) يعني ليس فعلا للمأمور به بداعي الامر وإن كان يسقط به الامر (قوله: بناء على تبعية) قيد للنفي يعني كونه ليس مامورا به في حال الجهل بالحرمة مبني على تبعية... الخ وتوضيح المراد أن موضوعات الاحكام (تارة) تتصف بكونها ذات مصلحة أو مفسدة (وأخرى) تتصف بكونها حسنة أو قبيحة والاتصاف بالاوليين ليس مشروطا بعلم المكلف بكونها ذات مصلحة أو مفسدة بل هي تكون كذلك في حالي علم المكلف وجهله والاتصاف بالاخريين مشروط بعلمه فلا يكون فعل المكلف حسنا إلا في حال علمه بكونه ذا مصلحة كما لا يكون قبيحا الا في حال علمه بكونه ذا مفسدة وأما ثبوت الاحكام لها (فتارة) نقول: إنه تابع للمصالح والمفاسد الواقعية فإذا كان ذا مفسدة كان حراما شرعا وإن جهل كونه كذلك، وإذا كان ذا مصلحة كان واجبا وإن جهل كونه كذلك، وإذا كان ذا مصلحة ومفسدة وكانت إحداهما أقوى كان الحكم تابعا للاقوى منهما وإن جهلها المكلف (واخرى) نقول: إنه تابع للحسن والقبح الفعليين فلو كانت المفسدة أقوى من المصلحة وجهل المكلف ذلك كان واجبا، وان كانت المصلحة أقوى من المفسدة وجهلها المكلف كان حراما وحينئذ نقول: مورد تصادق العناوين إذا كان المكلف جاهلا بحرمته فعلى المذهب الاول يكون حراما محضا ولا يكون مأمورا به إذا كانت المفسدة اقوى كما هو محل الفرض من تقديم جانب النهي، وعلى المذهب الثاني يكون مأمورا به لان كونه مصلحة مع الجهل بالمفسدة يوجب كونه حسنا فيكون واجبا لا غير (أقول): التحقيق أن هناك حسنين وقبحين يختلف كل منهما عن الآخر

٣٦٥

لكونهما تابعين لما علم منهما كما حقق في محله - مع أنه يمكن أن يقال بحصول الامتثال مع ذلك

______________________________

من جهات متعددة حسن وقبح ذاتيان ناشئان عن اشتمال الفعل على المصلحة والمفسدة وحسن وقبح عرضيان طارئان على الفعل بتوسط طروء عنوان الاطاعة والمعصية والاولان قائمان بذات الفعل التي هي موضوع الامر والنهي والاخيران قائمان بذات الفعل التي هي منشأ انتزاع عنواني الاطاعة والمعصية المعلولين للامر والنهي والاولان من دواعي الامر والنهي فهما بمنزلة علل الامر والنهي فيتقدمان عليهما والاخيران معلولان للامر والنهي إذ لولاهما لما كانت إطاعة ولا معصية فهما متأخران عنهما، والاولان لا يكونان منشأ للقرب والبعد ولا للثواب والعقاب، والاخيران هما مناط القرب والبعد والثواب والعقاب (إذا) عرفت ذلك نقول، لا ينبغى التأمل في كون الاحكام الشرعية تابعة للحسن والقبح الاولين لان الاخيرين إذا كانا قائمين بالاطاعة والمعصية فلو كان الامر والنهي تابعين لهما كانا متعلقين بالاطاعة والمعصية وهو - مع أنه ممتنع كما تقدم في التعبدي والتوصلي توضيحه مفصلا أن المعروف أن وجوب الاطاعة وحرمة المعصية ارشاديان كما نبه عليه المصنف (ره) في مباحث الانسداد وأوضحناه فيما علقناه على ذلك المقام، بل لا يظن من أحد توهم كونها مولوية لو أمكن عقلا ذلك كما يظهر بأدنى تأمل ومن هنا يظهر لك التأمل فيما يظهر من المتن من كون المؤثر في الحسن والقبح التابعين للعلم هو المصالح والمفاسد القائمة بذات الفعل لما عرفت من أن الحسن والقبح الذاتيين ناشئان من المصالح والمفاسد الواقعية بلا دخل للعلم بهما اصلا، والحسن والقبح العرضيان - مع أنهما اجنبيان عن المصالح والمفاسد لا يتوقفان على العلم بل يتوقفان على تحقق موضوعيهما أعني الانقياد والتجري الحاصلين ولو بمجرد الاحتمال والله سبحانه أعلم (قوله: لكونهما) أي الحسن والقبح (قوله: لما علم) فالمجهول لا يكون مؤثرا (قوله: مع ذلك) أي مع أنه لا يشمله

٣٦٦

فان العقل لا يرى تفاوتا بينه وبين سائر الافراد في الوفاء بغرض الطبيعة المأمور بها وان لم تعمه بما هي مأمور بها لكنه لوجود المانع لا لعدم المقتضى، ومن هنا انقدح انه يجزى ولو قيل باعتبار قصد الامتثال في صحة العبادة وعدم كفاية الاتيان بمجرد المحبوبية كما يكون كذلك في ضد الواجب حيث لا يكون هناك امر يقصد اصلا (وبالجملة) مع الجهل قصورا بالحرمة موضوعا أو حكما يكون الاتيان بالمجمع امتثالا وبداعي الامر بالطبيعة لا محالة غاية الامر انه لا يكون مما تسعه بما هي مأمور بها لو قيل بتزاحم الجهات في مقام تأثيرها للاحكام الواقعية، وأما لو قيل بعدم التزاحم إلا في مقام فعلية الاحكام لكان مما تسعه وامتثالا لامرها بلا كلام وقد انقدح بذلك الفرق بين ما إذا كان دليلا الحرمة والوجوب متعارضين وقدم دليل الحرمة تخييرا أو ترجيحا حيث لا يكون معه مجال للصحة اصلا وبين ما إذا كانا من باب الاجتماع وقيل بالامتناع وتقديم جانب الحرمة حيث يقع صحيحا في غير مورد من موارد الجهل والنسيان لموافقته للغرض بل للامر ومن هنا علم أن الثواب عليه من قبيل

______________________________

الامر (قوله: فان العقل) قد تقدم الكلام فيه في مسألة الضد (قوله: ولو قيل باعتبار) بل لو كان المراد اعتبار نفس القصد فهو حاصل مع الغفلة عن الحرمة ولا حاجة إلى الالتزام بما ذكره في مسألة الضد وإنما يحتاج إليه لو كان المراد اعتبار وجود الامر في الجملة نعم قد يشكل تصحيح عبادة الجاهل بأنه يقصد الامر المتعلق بذات الفعل وهو لا وجود له، ويندفع بأنه من قبيل الجهل بالتطبيق فلا يقدح مثله (قوله: في ضد الواجب) يعني الضد المضيق أما الموسع فقد تقدم أنه يمكن قصد الامر فيه (قوله: وأما لو قيل بعدم) إشارة إلى المذهب الثاني (قوله: حيث لا يكون معه) لان سقوط دليل الوجوب عن الحجية يقتضي عدم وجود الملاك في الفعل بناء على ما ذكره في التنبيه التاسع فلا يكون من أفراد المأمور به لا بذاته ولا بوصف كونه مأمورا به لكن عرفت اشكاله (قوله: بل للامر) يعني بناء على ما ذكره في مسألة الضد (قوله:

٣٦٧

الثواب على الاطاعة لا الانقياد ومجرد اعتقاد الموافقة وقد ظهر بما ذكرناه وجه حكم الاصحاب بصحة الصلاة في الدار المغصوبة مع النسيان أو الجهل بالموضوع بل أو الحكم إذا كان عن قصور مع أن الجل لولا الكل قائلون بالامتناع وتقديم الحرمة ويحكمون بالبطلان في غير موارد العذر فلتكن من ذلك على ذكر (إذا) عرفت هذه الامور فالحق هو القول بالامتناع - كما ذهب إليه المشهور - وتحقيقه على وجه يتضح به فساد ما قيل أو يمكن ان يقال من وجوه الاستدلال لسائر الاقوال يتوقف على تمهيد مقدمات (إحداها) انه لا ريب في أن الاحكام الخمسة متضادة في مقام فعليتها وبلوغها إلى مرتبة البعث والزجر ضرورة ثبوت المنافاة والمعاندة التامة بين البعث نحو واحد في زمان والزجر عنه في ذاك الزمان وان لم يكن بينها مضادة ما لم تبلغ إلى تلك المرتبة لعدم المنافاة والمعاندة

______________________________

*

لا الانقياد) كما هو مبنى القول بالبطلان (قوله: مع النسيان) للحكم أو الموضوع أو لهما تقصيرا أو قصورا (قوله: ويحكمون) هذا شاهد على قولهم بالامتناع إذ لا وجه للبطلان إلا ذلك فتأمل فان الظاهر أنه خلاف في البطلان حتى ممن يقول بالجواز وأن الصحة والبطلان ليسا مبنيين على الجواز والامتناع فراجع وتأمل (قوله: ضرورة ثبوت المنافاة) لا اشكال في ثبوت المنافاة بين البعث والزجر الخارجيين أما البعث والزجر الاعتباريان المعبر عنهما بالايجاب والتحريم فالتنافي والتعاند إنما هو بين ملاكيهما مثلا ملاك وجوب الشئ كونه ذا مصلحة بلا مزاحم فإذا كان الشئ كذلك ترجح وجوده على عدمه فتعلقت به الارادة فإذا تعلقت به الارادة أمر به بداعي حفظ وجوده فإذا امر به كذلك انتزع عنه عنوان البعث والايجاب والوجوب والالزام ونحوها من الاعتبارات، وملاك حرمة الشئ كونه ذا مفسدة بلا مزاحم فإذا كان كذلك ترجح عدمه على وجوده فتعلقت به الكراهة فإذا تعلقت به الكراهة نهي عنه بداعي حفظ عدمه فإذا نهى عنه كذلك انتزع عنوان الزجر والتحريم والمنع وغير ذلك من الاعتبارات

٣٦٨

بين وجوداتها الانشائية قبل البلوغ إليها كما لا يخفى فاستحالة اجتماع الامر والنهي في واحد لا يكون من باب التكليف بالمحال بل من جهة انه بنفسه محال فلا يجوز عند من يجوز التكليف بغير المقدور أيضا (ثانيتها) أنه لا شبهة في أن متعلق الاحكام هو فعل المكلف

______________________________

فتنافي عناوين الاحكام التكليفية وتعاندها إنما هو لتنافي ملاكاتها وإلا فلو فرض محالا كون الشئ الواحد ذا مصلحة بلا مزاحم وذا مفسدة كذلك لابد أن تتعلق به الارادة والكراهة معا والامر والنهي فينتزع حينئذ منها العناوين المذكورة ولا تنافي بينها أصلا ومنه يظهر حال بقية الاحكام التكليفية فان التنافي بين الجميع لذلك فنسبة التنافي إليها إنما هي بالعرض (اما) ما هو مورد التنافي أولا وبالذات فهو الملاكات لا غير ولذلك يظهر الفرق بين اجتماع الوجوب والحرمة في موضوع واحد وبين التكليف بالمحال فان الثاني لا قصور في ملاكه فلو ثبت كان بملاك وإنما القصور في القدرة عليه لا غير والاول يمتنع لعدم الملاك حتى لو فرض محالا ثبوت القدرة على الامتثال كما اشرنا إلى ذلك في صدر المبحث أما لو كان التنافي بين نفس البعث والزجر على ما هو ظاهر المتن فيشكل الفرق بينهما إذ التنافي المذكور وان كان يوجب امتناع الجمع بينهما لكن لا يوجب الفرق لامتناع البعث إلى المحال أيضا لان استحالة الحال عين استحالة الانبعاث إليه هي عين استحالة البعث إليه لان البعث عين الانبعاث فإذا جاز ثبوت التكليف مع امتناع البعث إلى متعلقه جاز ثبوت الوجوب والحرمة مع امتناع اجتماع البعث والزجر فتأمل جيدا (قوله: وجوداتها الانشائية) لان الاحكام الانشائية إنما تجعل على طبق مقتضياتها وان كانت مقرونة بالمانع فإذا كان في الشئ مصلحة تقتضي وجوبه ومفسدة تقتضي تحريمه ينشأ له وجوب وحرمة معا وان كان حكمه الفعلي أحدهما أو غيرهما (قوله: من باب التكليف بالمحال) ووجهه أنه تكليف بالوجود والعدم وهما نقيضان يستحيل اجتماعهما (قوله: بنفسه محال) لما عرفت لكنه موقوف على اعتبار الملاك في الاحكام وإلا فلا تنافي بينها ويكون

٣٦٩

وما هو في الخارج يصدر عنه وهو فاعله وجاعله لا ما هو اسمه - وهو واضح - ولا ما هو عنوانه مما قد انتزع عنه بحيث لولا انتزاعه تصورا واختراعه ذهنا لما كان بحذائه شئ خارجا ويكون خارج المحمول كالملكية والزوجية والرقية والحرية والمغصوبية إلى غير ذلك من الاعتبارات والاضافات، ضرورة ان البعث ليس نحوه والزجر لا يكون نحوه وانما يؤخذ في متعلق الاحكام آلة للحاظ متعلقاتها والاشارة إليها بمقدار الغرض منها والحاجة إليها لا بما هو هو وبنفسه وعلى استقلاله وحياله (ثالثتها)

______________________________

الامر والنهي بالشئ من قبيل التكليف بالمحال (قوله: وما هو في الخارج يصدر) قد تكرر بيان ان الافعال الخارجية ليست موضوعة للاحكام فان ظرف الفعل سقوط الحكم لا ثبوته بل موضوعها الصور الذهنية الحاكية عن الخارج بنحو لا ترى إلا خارجية فلذا يسري إلى كل منهما ما للاخرى فترى الصور الذهنية موضوعات للغرض مع أن موضوعه حقيقة هو الخارجي ويرى الخارجي موضوعا للحكم والارادة والكراهة مع أن موضوعها حقيقة هو نفس الصورة (قوله: لا ما هو اسمه) يعني اسم الفعل وهذا مما لا يتوهم فلا يناسب ذكره (قوله: ولا ما هو عنوانه) قد تقدم أن العناوين المنطبقة على ذات واحدة تارة تنتزع عن الذات أو الذاتي وأخرى تنتزع عن الذات بملاحظة تلبسها بمبدأ حقيقي عيني كالضارب والشارب وثالثة تنتزع عن الذات بملاحظة تلبسها بمبدأ اعتباري غير عيني كالملك والزوج والحر والمغصوب المنتزعة عن الملكية والزوجية والحرية والغصبية وحيث أن هذه الاعتبارات ليس لها تأصل خارجي فلا تكون ذات مصلحة أو مفسدة أو محطا للغرض فإذا وقعت موضوعة للبعث أو الزجر فهى ملحوظة عنوانا لفعل المكلف ففعل المكلف الخارجي تارة يلحظ بعنوان ذاتي وأخرى بعنوان اعتباري مثلا الغصب عبارة عن كون التصرف في ملك الغير بغير رضا منه فالنهي عن المغصوب حقيقة نهي عن نفس التصرف الوارد على مال الغير (قوله: وإنما يؤخذ في) هذا مما لا يختص بالعناوين الانتزاعية بل يجري في

٣٧٠

أنه لا يوجب تعدد الوجه والعنوان تعدد المعنون ولا ينثلم به وحدته فان المفاهيم المتعددة والعناوين الكثيرة ربما تنطبق على الواحد وتصدق على الفارد الذي لا كثرة فيه من جهة بل بسيط من جميع الجهات ليس فيه حيث غير حيث وجهة مغايرة لجهة اصلا كالواجب تبارك وتعالى فهو على بساطته ووحدته وأحديته تصدق عليه مفاهيم الصفات الجلالية والكمالية له الاسماء الحسنى والامثال العليا لكنها باجمعها حاكية عن ذاك الواحد الفرد الاحد

عباراتنا شتى وحسنك واحد

وكل إلى ذاك الجمال يشير

(رابعتها) أنه لا يكاد يكون للموجود بوجود واحد إلا ماهية واحدة وحقيقة فاردة لا يقع في جواب السؤال عن الحقيقة بما هو الا تلك الماهية فالمفهومان المتصادقان على

______________________________

العناوين التي لها مبادئ حقيقية فانها بعد ما كانت تحمل على الذوات كما تقدم في مبحث المشتق لابد ان تكون حاكية عنها وليس موضوع الحكم نفس المبدأ وإنما هو قيد لموضوع الحكم خارج عنه (قوله: لا يوجب تعدد الوجه) فان شأن الوجه والعنوان أن يكون حاكيا عن الموجه المعنون ومرآة له فيجوز أن تكون الامور المتكثرة حاكية عن أمر واحد ويكون كل واحد منها مرآة له نعم العناوين المتعددة ان كانت ذاتية بمعنى أن مبادئها عين الذات لم تستدع في الحكاية عن الذات إلى فرض أمر آخر وإن كانت غير ذاتية عرضية أو اعتبارية استدعت إلى فرض أمر آخر زائد على الذات وهو نفس المبدأ في العرضية أو منشأ اعتبار المبدأ في الاعتبارية (قوله: ربما تنطبق) يعني وربما لا تنطبق كما لو كانت مبادؤها متضادة (قوله: تصدق عليه مفاهيم) فان جميع صفاته سبحانه منتزعة عن نفس ذاته المقدسة كما هو محرر في محله (قوله: إلا ماهية واحدة) لتباين الماهيات من حيث هي ولو لتباين الفصول المحصلة لها فلا يمكن اجتماعها في وجود واحد فلذا لا يصح حمل بعضها على بعض وأما حمل العارض على المعروض فلما عرفت من ان المشتق عنوان لذات المعروض حاك عنها فصح حمله عليها

٣٧١

على ذاك لا يكاد يكون كل منهما ماهية وحقيقة وكانت عينه في الخارج كما هو شأن الطبيعي وفرده فيكون الواحد وجودا واحدا ماهية وذاتا لا محالة فالمجمع وان تصادقا عليه متعلقا الامر والنهي الا انه كما يكون واحدا وجودا يكون واحدا ماهية وذاتا ولا يتفاوت فيه القول باصالة الوجود أو اصالة الماهية. ومنه ظهر عدم ابتناء القول بالجواز والامتناع في المسألة على القولين في تلك المسألة كما توهم في الفصول

______________________________

أو من جهة أخذ المبدأ لا بشرط حسبما تقدم (قوله: لا يكاد يكون كل) بل اما ان يكون كل منهما عرضيا حاكيا عن ذات المعروض وعنوانا لها أو يكون احدهما ذاتيا والآخر عرضيا أو يكون كل منهما ذاتيا علي ان يكون حاكيا عن بعض الذات كما في الجنس والفصل (قوله: كما توهم في الفصول) قال في الفصول بعد ذكر الدليل الاول للامتناع: واعلم ان هذا الدليل يبتني على أصلين (أحدهما) أن لا تمايز بين الجنس والفصل ولو احقهما العرضية في الخارج كما هو المعروف واما لو قلنا بالتمايز لم يتحد المتعلق فلا يتم الدليل (الثاني) أن للوجود حقائق خارجية ينتزع منها هذا المفهوم الاعتباري كما هو مذهب اكثر الحكماء وبعض محققي المتكلمين واما إذا قلنا بأنه مجرد هذا المفهوم الاعتباري ينتزعه العقل من الماهيات الخارجية ولا حقيقة له في الخارج أصلا كما هو مذهب جماعة فلا يتم الدليل ايضا... الخ وصريح العبارة ابتناء الدليل الاول على الاصلين لا ابتناء الخلاف في المسألة عليهما ومن هنا قال بعد ذلك: ولنا أن نقرر الدليل على وجه لا يبتني على هذا الاصل، يعني الاصل الثاني فلاحظ وكيف كان فان كان المراد أن الخلاف في المقام يبتني على الخلاف المذكور حتى أن القول بالامتناع يبتني على القول باصالة الوجود لانه - على هذا القول - يكون متعلق الامر والنهي أمرا واحدا وهو الوجود ولا كذلك لو قلنا باصالة الماهية لان موضوع الامر ماهية وموضوع النهي ماهية أخرى فلا يكون متعلقهما أمرا واحدا حتى يمتنع اجتماعهما (ففيه) أن القول باصالة الماهية لا ينفع في تعدد موضوع الامر والنهي لان المفهومين

٣٧٢

كما ظهر عدم الابتناء على تعدد وجود الجنس والفصل في الخارج وعدم تعدده ضرورة عدم كون العنوانين المتصادقين عليه من قبيل الجنس والفصل له وأن مثل الحركة في دار من أي مقولة كانت لا يكاد يختلف حقيقتها وماهيتها ويتخلف ذاتياتها وقعت جزءا للصلاة أو لا كانت تلك الدار مغصوبة أولا(١) إذا عرفت ما مهدناه عرفت أن المجمع حيث كان واحدا وجودا وذاتا كان تعلق الامر والنهي به محالا ولو كان تعلقهما به بعنوانين لما عرفت من كون فعل المكلف بحقيقته وواقعيته الصادرة عنه متعلقا للاحكام لا بعناوينه الطارية عليه وأن غائلة اجتماع الضدين فيه لا تكاد ترتفع بكون الاحكام تتعلق بالطبايع لا الافراد فان غاية تقريبه أن يقال: إن الطبايع من حيث هي هي وان كانت ليست الا هي ولا يتعلق بها الاحكام الشرعية كالآثار العادية والعقلية الا انها - مقيدة بالوجود بحيث كان القيد خارجا والتقييد داخلا - صالحة لتعلق الاحكام بها. ومتعلقا الامر والنهي على هذا لا يكونان متحدين أصلا لا في مقام تعلق البعث والزجر

______________________________

المأخوذين موضوعا للامر والنهي حاكيان عن ماهية واحدة في الخارج لا ماهيتين وان كان المراد ابتناء الدليل حيث أخذ فيه الوجود فالابتناء في محله، (قوله: كما ظهر عدم الابتناء) هذا ايضا تعريض بالفصول كما عرفت، (قوله: ضرورة عدم كون) يعني أن القول بتعدد الجنس والفصل لا يجدي في تعدد موضوع الامر والنهي الا إذا كان موضوع أحدهما الجنس وموضوع الآخر الفصل وليس كذلك فان عنواني الغصب والصلاة ليسا من العناوين الذاتية

______________

(١) وقد عرفت ان صدق العناوين المتعددة لا يكاد تنثلم به وحدة المعنون لا ذاتا ولا وجودا غايته ان يكون له خصوصية بها يستحق الاتصاف بها، ومحدودا بحدود موجبة لانطباقها عليه كما لا يخفى وحدوده ومخصصاته لا توجب تعدده بوجه اصلا فتدبر جيدا (منه قدس سره) (*)

٣٧٣

ولا في مقام عصيان النهي وإطاعة الامر باتيان المجمع بسوء الاختيار (أما) في المقام الاول فلتعددهما بما هما متعلقان لهما وان كانا متحدين فيما هو خارج عنهما بما هما كذلك (وأما) في المقام الثاني فلسقوط أحدهما بالاطاعة والآخر بالعصيان بمجرد الاتيان ففي أي مقام اجتمع الحكمان في واحد ؟ وأنت خبير بانه لا يكاد يجدي بعد ما عرفت من أن تعدد العنوان لا يوجب تعدد المعنون لا وجودا ولا ماهية ولا تنثلم به وحدته اصلا، وأن المتعلق للاحكام هو المعنونات لا العنوانات، وأنها إنما تؤخذ في المتعلقات بما هي حاكيات كالعبارات لا بما هي على حيالها واستقلالها. كما ظهر مما حققناه أنه لا يكاد يجدي ايضا كون الفرد مقدمة لوجود الطبيعي المأمور به أو المنهي عنه وأنه لا ضير في كون المقدمة

______________________________

ليكون أحدهما جنسا والآخر فصلا بل هما معا خارجان عن الحقيقة فان أي نوع من الحركة يفرض له حقيقة معينة لا يفارقها دائما حينما يكون صلاة أو غصبا أولا فلا تختلف حقيقته بطروء أحد العناوين عليه وعدمه " أقول ": لم يقتصر في الفصول على ذكر الجنس والفصل بل عطف عليهما اللواحق العرضية وحينئذ فان كان العنوان من اللواحق العرضية كالغصب والصلاة جاء فيه الكلام المذكور من كونه متحدا مع الذات أو ممتازا عنها في الخارج (قوله: ولا في مقام عصيان) فان موضوع العصيان غير موضوع الاطاعة ولا يكون الامتثال بالمبعد حتى لا تصح العبادة (قوله: كالعبارات) يعني الحاكية عن المعاني فان صورها فانية فيها (قوله: لا بما هي على حيالها) يعني كما يظهر من تقريب الاجتماع نعم لو كانت الطبايع المأخوذة موضوعا للامر والنهي ولو بلحاظ الوجود لم تؤخذ عنوانا لامر واحد بل أخذت كلا في قبال الاخرى جاز أن يكون بعضها موضوعا للامر وبعضها موضوعا للنهي فيختلف قولنا: أكره الاسود وأحب الحلو، عن قولنا: أكره السواد وأحب الحلاوة، فلا يجوز الاجتماع في مثل الاول لحكاية العنوانين فيه عن ذات واحدة في الخارج ويجوز في الثاني لحكاية الطبيعتين

٣٧٤

محرمة في صورة عدم الانحصار بسوء الاختيار، وذلك - مضافا إلى وضوح فساده وأن الفرد هو عين الطبيعي في الخارج كيف والمقدمية تقتضي الاثنينية بحسب الوجود ولا تعدد كما هو واضح ؟ أنه انما يجدي لو لم يكن المجمع واحدا ماهية وقد عرفت بما لا مزيد عليه انه بحسبها ايضا واحد. ثم إنه قد استدل على الجواز بامور (منها) انه لو لم يجز اجتماع الامر والنهي لما وقع نظيره وقد وقع كما في العبادات المكروهة كالصلاة في مواضع التهمة وفى الحمام والصيام في السفر وفى بعض الايام (بيان) الملازمة انه لو لم يكن تعدد الجهة مجديا في امكان اجتماعهما لما جاز اجتماع حكمين

______________________________

*

عن شيئين في الخارج فان منشأ انتزاع مفهوم السواد في الخارج غير منشأ انتزاع مفهوم الحلاوة فيه فلا مانع من اختلافهما في الاحكام (قوله: محرمة في صورة) يعني ولا تكون واجبة حينئذ أو تكون واجبة بوجوب توصلي لا مانع من اجتماعه مع الحرام " أقول ": تقدم أنه لا فرق في امتناع الاجتماع على تقديره بين الوجوب التوصلي والتعبدي (قوله: بسوء الاختيار) متعلق (بكون) ومثاله السير إلى الحج بركوب الدابة المغصوبة فانها محرمة ويترتب عليها الغرض وكذلك حال الفرد فانه مقدمة للواجب وليس موضوعا للامر العبادي حتى يمتنع التعبد به مع كونه محرما وعلى هذا فلا ثمرة لهذا الخلاف (قوله: وذلك) بيان لقوله: كما ظهر... الخ (قوله: تقتضي الاثنينية) هذا مسلم في المقدمات الخارجية دون الداخلية لكن الفرد ليس مقدمة داخلية للطبيعة لعدم كونه جزءا منها مع أنه لو كان مقدمة داخلية لم يكن موضوعا للوجوب التوصلي الذي ادعاه المستدل لعدم المغايرة بالوجود المصححة لذلك (قوله: انه إنما يجدي لو لم) يعني ان ذلك انما ينفع لو كان المجمع فرد الماهيتين إحداهما موضوع للامر والاخرى موضوع للنهي وليس كذلك إذ الفرد بما له من الماهية موضوع للامر والنهي معا لما تقدم من أن العنوانين المأخوذين موضوعا للامر والنهي حاكيان عن معنون واحد هو الموضوع لهما حقيقة فيرجع الاشكال وهو اجتماع الحكمين في موضوع

٣٧٥

آخرين في مورد مع تعددها لعدم اختصاصهما من بين الاحكام بما يوجب الامتناع من التضاد بداهة تضادها بأسرها والتالي باطل لوقوع اجتماع الكراهة والايجاب أو الاستحباب في مثل الصلاة في الحمام والصيام في السفر وفي عاشوراء - ولو في الحضر - واجتماع الوجوب أو الاستحباب مع الاباحة أو الاستحباب في مثل الصلاة في المسجد أو الدار (والجواب) عنه أما إجمالا فبأنه لا بد من التصرف والتأويل فيما وقع في الشريعة مما ظاهره الاجتماع بعد قيام الدليل على الامتناع ضرورة أن الظهور لا يصادم البرهان - مع أن قضية ظهور تلك الموارد اجتماع الحكمين فيها بعنوان واحد ولا يقول الخصم بجوازه كذلك بل بالامتناع ما لم يكن بعنوانين وبوجهين فهو ايضا لا بدله من التفصي عن اشكال الاجتماع فيها لا سيما إذا لم يكن هناك مندوحة كما في العبادات المكروهة التي لا بدل لها فلا يبقى له مجال للاستدلال بوقوع الاجتماع فيها على جوازه أصلا كما لا يخفى (وأما) تفصيلا فقد أجيب عنه بوجوه يوجب ذكرها بما فيها من النقض والابرام طول الكلام بما لا يسعه المقام فالاولى الاقتصار على ما هو التحقيق في حسم مادة الاشكال فيقال وعلى الله الاتكال: إن العبادات المكروهة على ثلاثة أقسام (أحدها) ما تعلق به النهي بعنوانه وذاته ولا بدل له كصوم يوم عاشوراء والنوافل المبتدأة في بعض

______________________________

*

واحد (قوله: مع تعددها) أي الجهة (قوله: اختصاصهما) يعني الامر والنهي بمعنى الوجوب والحرمة (قوله: بعنوان واحد) لان النهي المقتضي للكراهة وقع عن نفس الصلاة والصيام الموضوعين للامر لا بعنوان آخر وكذا الامر الاستحبابي تعلق بنفس الصلاة في المسجد التي هي موضوع الامر الوجوبي (قوله: كذلك) يعني يجوز الاجتماع مع وحدة العنوان (قوله: فالاولى الاقتصار) ومن أراد التفصيل فعليه بمراجعة التقريرات (قوله: كصوم يوم عاشوراء) فان صوم غيره من الايام مستحب في نفسه

٣٧٦

الاوقات (ثانيها) ما تعلق به النهي كذلك ويكون له البدل كالنهي عن الصلاة في الحمام (ثالثها) ما تعلق النهي به لا بذاته بل بما هو مجامع معه وجودا أو ملازم له خارجا كالصلاة في مواضع التهمة بناء على كون النهي عنها لاجل اتحادها مع الكون في مواضعها (أما القسم الاول) فالنهي تنزيها عنه بعد الاجماع على انه يقع صحيحا ومع ذلك يكون تركه ارجح كما يظهر من مداومة الائمة عليهم السلام على الترك إما لاجل انطباق عنوان ذي مصلحة على الترك فيكون الترك كالفعل ذا مصلحة موافقة للغرض وان كان مصلحة الترك اكثر فهما حينئذ يكونان من قبيل المستحبين المتزاحمين فيحكم بالتخيير بينهما لو لم يكن أهم في البين والا فيتعين الاهم وان كان الآخر يقع صحيحا حيث انه كان راجحا وموافقا للغرض كما هو الحال في سائر المستحبات المتزاحمات بل الواجبات وارجحية الترك من الفعل

______________________________

*

وليس بدلا عنه وكذا النافلة في غير الاوقات المكروهة (قوله: النهي كذلك) يعنى بعنوانه وذاته (قوله: بل بما هو مجامع) فالنهي يكون عن العنوان المجامع كالكون في مواضع التهمة في المثال المذكور (قوله: تنزيها عنه بعد) يعني أن النهي محمول على الكراهة لا التحريم بقرينة الاجماع على صحته لامتناع صحة ما هو حرام بنفسه (قوله: كما يظهر من) تعليل لكون تركه أرجح من فعله فان مداومتهم (عليهم السلام) على تركه دليل على ذلك (أقول): اطلاق النهي عنه أدل على ذلك لامكان دعوى الاجمال في فعلهم وان كانت بعيدة (قوله: على الترك) وأما الترك فهو في نفسه مرجوح لانه ترك للراجح لان المفروض كون الفعل ذا مصلحة (قوله: ذا مصلحة) يعني بالعرض من جهة انطباق العنوان الراجح (قوله: فيحكم بالتخيير) فان قلت: يمتنع الاستحباب التخييري بين الوجود والعدم كالوجوب التخييري إذ أحد الامرين لا بد منه فلا فائدة في البعث " قلت ": انما يمتنع في التوصليين لا في التعبديين أو فيما لو كان أحدهما تعبديا لامكان تركهما معا حينئذ (قوله: كما هو الحال في) نعم يفترق المقام

٣٧٧

عنها ان المستحبات المتزاحمة كل واحد منها فعله أرجح من تركه فلا مجال للاشكال في صحة التقرب بفعله بخلاف المقام إذ مع تساوي مصلحة الفعل ومصلحة الترك يتساوى الفعل والترك في نظر المولى فقد يشكل إمكان التقرب بأحدهما إليه، ومع رجحان مصلحة الترك على مصلحة الفعل يكون الترك أرجح في نظره من الفعل فيشكل إمكان التقرب بالفعل إليه ومن هنا تعرض لدفع ذلك بقوله: وارجحية الترك... الخ (وتوضيحه) أن رجحان الترك الناشئ من الاهتمام بمصلحته زائدا على مصلحة الفعل ليس كالرجحان الناشئ عن وجوده مفسدة في الفعل فان الاول لا يمنع من صحة التقرب بالفعل لاشتماله على المصلحة الموافقة للغرض بخلاف الثاني فان المفسدة في الفعل تكون مانعة عن امكان التقرب به " فان قلت ": رجحان الترك على الفعل وان لم يكن عن منقصة في الفعل إلا أنه لما أوجب الامر بالترك فقد أوجب النهي عن الفعل لملازمة أحدهما للآخر - كما تقدم في مبحث الضد - ومع النهي المذكور يمتنع التقرب بالفعل " قلت ": قد أجاب المصنف (ره) في حاشيته على المقام بالفرق بين النهي التحريمي والنهي التنزيهي وأن الاول يقتضي الفساد لامتناع التقرب بما هو معصية والثاني لا يقتضيه لعدم كون الفعل معصية. نعم لو كان النهي ناشئا عن منقصة في الفعل امتنع التقرب حينئذ لامتناع التقرب بما كان ذا منقصة ولذلك لا تفسد العبادة إذا كانت ضدا لمستحب أهم اتفاقا " أقول ": النهي التحريمي والنهي التنزيهي وإن اختلفا في اقتضاء مخالفتهما البعد وعدمه إذ مخالفة النهي التحريمي معصية وهي موجبة للعبد ومخالفة النهي التنزيهي ليست معصية فلا توجب بعدا إلا أنهما لا يختلفان في مانعيتهما من إمكان التقرب حيث أنه لا يتأتي قصد التقرب بما هو مبغوض للمولى ويزجر عنه والاتفاق على صحة العبادة إذا كانت ضدا للمستحب الاهم ينبغي أن يكون دليلا على مختاره من عدم اقتضاء الامر بالشئ النهي عن ضده لا على عدم قدح النهي التنزيهي في إمكان التقرب. ولعل من هنا يشكل هذا التصوير - مضافا إلى أن العنوان الراجح ان كان وجوديا امتنع انطباقه على الترك الذي هو عدمي

٣٧٨

لا توجب(١) حزازة ومنقصة فيه أصلا كما يوجبها ما إذا كان فيه مفسدة غالبة على مصلحته ولذا لا يقع صحيحا على الامتناع فان الحزازة والمنقصة فيه مانعة عن صلاحية التقرب به بخلاف المقام فانه على ما هو عليه من الرجحان وموافقة الغرض كما إذا لم يكن تركه راجحا بلا حدوث حزازة فيه أصلا (وإما) لاجل ملازمة الترك لعنوان كذلك من دون انطباقه عليه فيكون كما إذا انطبق عليه من غير تفاوت إلا في أن الطلب المتعلق به حينئذ ليس بحقيقي بل بالعرض والمجاز فانما يكون في الحقيقة متعلقا

______________________________

وان كان عدميا امتنع أن يكون ذا مصلحة. نعم يصح أن يكون الترك شرطا لعنوان وجودي ذي مصلحة وعليه يرتفع الاشكال لان نقيض ذلك العنوان عدمه والنهي عنه لا يمنع من صحة التقرب بالفعل لكنه ليس من انطباق العنوان على الترك في شئ (قوله: وإما لاجل ملازمة) أو لاجل ملازمة الفعل لعنوان ذي مفسدة موجبة لكراهته وهذا أقرب مما ذكره إذ النهي حاك عن المفسدة بحسب طبعه وحيث امتنع حمله على الحقيقة للاجماع على الصحة حمل على انه بالعرض والمجاز وأنه في الحقيقة نهي عن الملازم. نعم ما ذكره أقرب لو كان

______________

(١) ربما يقال: أن أرجحية الترك وان لم توجب منقصة وحزازة في الفعل اصلا إلا انه يوجب المنع منه فعلا والبعث إلى الترك قطعا كما لا يخفى ولذا كان ضد الواجب بناء على كونه مقدمة له حراما ويفسد لو كان عبادة مع انه لا حزازة في فعله وانما كان النهي عنه وطلب تركه لما فيه من المقدمية له وهو على ما هو عليه من المصلحة فالمنع لذلك كاف في فساده لو كان عبادة (قلت): يمكن أن يقال: ان النهي التحريمي لذلك وان كان كافيا في ذلك بلا اشكال إلا أن التنزيهي غير كاف إلا إذا كان عن حزازة فيه وذلك لبداهة عدم قابلية الفعل للتقرب منه تعالى مع المنع عنه وعدم ترخيصه في ارتكابه بخلاف التنزيهي عنه إذا كان لا لحزازة فيه بل لما في الترك من المصلحة الراجحة حيث انه معه مرخوص فيه وهو على ما هو عليه من الرجحان والمحبوبية له تعالى ولذلك لم تفسد العبادة إذا كانت ضد المستحبة اهم اتفاقا فتأمل. (منه قدس سره) (*)

٣٧٩

بما يلازمه من العنوان بخلاف صورة الانطباق لتعلقه به حقيقة كما في سائر المكروهات من غير فرق الا ان منشأه فيها حزازة ومنقصة في نفس الفعل وفيه رجحان في الترك من دون حزازة في الفعل أصلا غاية الامر كون الترك أرجح (نعم) يمكن أن يحمل النهي في كلا القسمين على الارشاد إلى الترك الذي هو ارجح من الفعل أو ملازم لما هو الارجح واكثر ثوابا لذلك وعليه يكون النهي على نحو الحقيقة لا بالعرض والمجاز فلا تغفل (وأما القسم الثاني) فالنهي فيه يمكن ان يكون لاجل ما ذكر في القسم الاول طابق النعل بالنعل كما يمكن أن يكون بسبب حصول

______________________________

الترك قد أخذ موضوعا للطلب (قوله: كما في سائر) تمثيل للتعلق الحقيقي (قوله: نعم يمكن أن) لكنه خلاف الظاهر لا داعي إليه (قوله: الارشاد إلى الترك) بل إلى مصلحة غالبة في الترك أو في ملازمه الموجب ذلك للبعث إلى الترك (قوله: لا بالعرض والمجاز) هذا غير ظاهر لان الفرق بين الامر والنهي المولويين والامر والنهي الارشاديين أن الاولين يقصد منهما البعث والزجر عن متعلقهما وإن دلا على مصلحة أو مفسدة فيه والاخيرين يقصد منهما الحكاية عن المصلحة والمفسدة فيه لا غير وان ترتب على ذلك البعث والزجر فالبعث والزجر في الاولين معلولان لنفس الامر والنهي وفى الاخيرين معلولان للعلم بالمصلحة والمفسدة كما في أمر الطبيب الذي هو أحد الرعية للملك بشرب الدواء إذ يمتنع قصد تحريك الملك بالامر لعدم صلاحية أمره لذلك فالنهي الحقيقي ارشاديا كان أو مولويا ما يكون حاكيا عن مفسدة في متعلقه كما أن الامر الحقيقي مطلقا ما يكون حاكيا عن مصلحة في متعلقه فالنهي عن العبادة لا يكون حقيقيا على التصويرين وإن كان ارشاديا، ولو عم النهي الحقيقي لما يكون حاكيا عن مصلحة في نقيض متعلقه لما كان النهي حقيقيا ايضا على التصوير الثاني ولو جعل إرشاديا ثم إن المراد من النهي بالعرض النهي عما هو مبغوض بالعرض لا أنه منسوب إليه النهي بالعرض فان العبادة قد تعلق النهي عنها بذاتها فيكون منسوبا إليها بالذات لا بالعرض

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571