حقائق الاصول الجزء ١

حقائق الاصول0%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 571

حقائق الاصول

مؤلف: السيد محسن الطباطبائى الحكيم
تصنيف:

الصفحات: 571
المشاهدات: 201841
تحميل: 4735


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 571 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 201841 / تحميل: 4735
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء 1

مؤلف:
العربية

فتفطن (التاسع) أنه قد عرفت أن المعتبر في هذا الباب ان يكون كل واحد من الطبيعة المأمور بها والمنهي عنها مشتملة على مناط الحكم مطلقا حتى في حال الاجتماع فلو كان هناك ما دل على ذلك من اجماع أو غيره فلا اشكال ولو لم يكن الا اطلاق دليلي الحكمين ففيه تفصيل وهو ان الاطلاق لو كان في بيان الحكم الاقتضائي لكان دليلا على ثبوت المقتضي والمناط في مورد الاجتماع فيكون من هذا الباب ولو كان بصدد الحكم الفعلي فلا اشكال في استكشاف ثبوت المقتضي في الحكمين على القول بالجواز الا إذا علم اجمالا بكذب احد الدليلين فيعامل معهما معاملة المتعارضين (وأما) على القول بالامتناع فالاطلاقان متنافيان من غير دلالة على ثبوت المقتضي للحكمين في مورد الاجتماع أصلا فان انتفاء أحد المتنافيين كما يمكن أن يكون لاجل المانع مع ثبوت المقتضي له يمكن ان يكون لاجل انتفائه (إلا) أن يقال: إن

______________________________

*

للترجيح بينهما في مقام الاثبات عرفا (قوله: فتفطن) يمكن أن يكون إشارة إلى أن الجمع العرفي يتوقف على كون أحدهما أظهر من الآخر ومجرد كون أحدهما أقوى مناطا من الآخر لا يجدي في كونه أقوى ظهورا (قوله: أو غيره) يعني مما يوجب العلم بثبوت المناط فيهما أما لو كان ظنا جاء فيه ما يأتي في الاطلاق (قوله: فلا إشكال) يعنى في دخوله في منشأ الاجتماع (قوله: متنافيان) لامتناع صدقهما معا على القول بالامتناع (قوله: من غير دلالة) يعني مع التنافي المذكور (قوله: فان انتفاء) بيان لوجه عدم الدلالة مع التنافي يعني إذا علم بكذب أحدهما في دلالته على الحكم الفعلي لانتفاء الحكم الفعلي في أحدهما جاز أن يكون المقتضي في كل منهما موجودا مع انتفاء مجرد الفعلية في أحدهما وجاز أن لا يكون المقتضي في أحدهما موجودا ولا معين لاحد الاحتمالين فلا يمكن إدخال الفرض في مسألة الاجتماع (أقول): كل واحد من الاطلاقين إذا كان دالا على فعلية الحكم بالمطابقة فقد دل على ثبوت المناط بالالتزام والتنافى بين الدليلين في دلالتهما على الفعلية إنما يوجب سقوطهما عن الحجية في اثبات فعلية

٣٦١

قضية التوفيق بينهما هو حمل كل منهما على الحكم الاقتضائي لو لم يكن أحدهما أظهر وإلا فخصوص الظاهر منهما (فتلخص) أنه كلما كانت هناك دلالة على ثبوت المقتضى في الحكمين كان من مسألة الاجتماع وكلما لم تكن هناك دلالة عليه فهو من باب التعارض مطلقا إذا كانت هناك دلالة على انتفائه في أحدهما بلا تعيين ولو على الجواز وإلا فعلى الامتناع (العاشر) أنه لا اشكال في سقوط الامر وحصول الامتثال باتيان المجمع

______________________________

*

الحكمين لا سقوطهما في إثبات المناطين مع عدم التنافي بينهما فحجية الاطلاق في ثبوت المناطين بلا مزاحم " فان قلت ": الدلالة على ثبوت المناط إذا كانت التزامية فهى تابعة للدلالة المطابقية على فعلية الحكم فإذا سقطت الدلالة المذكورة عن الحجية سقطت الدلالة الالتزامية ايضا " قلت ": الدلالة الالتزامية لابد أن تكون تابعة للدلالة المطابقية ثبوتا ووجودا ولا يجب أن تكون تابعة لها حجية واثباتا إذ لا مانع من التفكيك بينهما في الجملة إذا ساعده الجمع العرفي كما في بعض الامارات التي لا يكون المثبت منها حجة فان ذلك انما هو لعدم حجية الدلالة الالتزامية مع حجية الدلالة المطابقية وكما في باب المتعارضين فانه سيأتي انشاء الله تعالى في مبحث التعارض أن الوجه في بناء الاصحاب على حجية المتعارضين في الدلالة على نفي الحكم الثالث في مورد التعارض مع البناء على اصالة سقوط المتعارضين عن الحجية هو إمكان التفكيك بين الدلالة المطابقية والالتزامية في الحجية (قوله: قضية التوفيق) يعني الجمع العرفي (قوله: فخصوص الظاهر) يعني فيحمل خصوص الظاهر على الاقتضائي ويبقى الاظهر حجية في الفعلية (قوله: ولو على الجواز) بيان لوجه الاطلاق (قوله: وإلا فعلى الامتناع يعني وإن لم تكن دلالة على انتفاء المناط في أحدهما ولم يحرز ثبوت المناط فيهما فعلى الامتناع يكون من التعارض إذ لا طريق إلى ثبوت المناطين، " أقول ": لكن عرفت الطريق إلى ذلك وعليه فلا يكون من التعارض إلا إذا

٣٦٢

بداعي الامر على الجواز مطلقا ولو في العبادات وان كان معصية للنهي أيضا وكذا الحال على الامتناع مع ترجيح جانب الامر إلا أنه لا معصية عليه وأما عليه وترجيح جانب النهي فيسقط به الامر به مطلقا في غير العبادات لحصول الغرض الموجب له وأما فيها فلا مع الالتفات إلى الحرمة

______________________________

كانت دلالة على انتفاء أحد المناطين (قوله: بداعي الامر على الجواز) قد تقدم أن القول بالجواز قول بعدم كون التكليف في نفسه محالا وإن جاز أن يكون تكليفا بالمحال وعليه فقد تقوم في ذيل مسألة الضد أن عموم الامر بالعبادة الموسعة للفرد المأتي به في وقت الضد الاهم ممتنع لانه تكليف بالمحال ولا فرق بينه وبين المقام وحينئذ فقصد الامر في المقام عند إتيان مورد التصادق يتوقف على صحة قصد الامر بالعبادة الموسعة عند الاتيان بها في وقت الضد الاهم كما سيأتي (قوله: وكذا الحال) يعني في سقوط الامر باتيان المجمع بداعي الامتثال (قوله: لا معصية) لعدم النهي (قوله: وأما عليه) يعني على الامتناع (قوله: لحصول الغرض) لان الغرض في غير العبادة يحصل بنفس فعل موضوع الامر وان لم يكن مأمورا به فعلا للتزاحم (قوله: وأما فيها فلا) يعني وأما في العبادات فلا يسقط الامر مع الالتفات إلى الحرمة لانه يكون الفعل معصية ولا يمكن قصد التقرب بالمعصية ولابد في العبادة منه " فان قلت ": قصد التقرب المعتبر في العبادة ليس إلا بمعنى قصد امتثال الامر والتقرب يترتب على الفعل بالقصد المذكور قهرا وان لم يقصد هو ولا مانع من قصد امتثال الامر على القول بالامتناع فان الفعل وإن لم يكن مأمورا به إلا أنه يمكن قصد الامر المتعلق بغيره من الافراد كما تقدم لا أقل من إمكان الفعل بداعي ملاك الامر لا بداعي نفسه وهو كاف في صحة العبادة " قلت ": يمتنع الانبعات من قبل الامر إلى ما هو معصية باعتقاد الفاعل وبذلك افترق المقام عن فعل الضد الموسع فان فعل الضد ليس معصية وانما هو يلازم المعصية فيمكن الانبعاث من قبل الامر إليه

٣٦٣

أو بدونه تقصيرا فانه وإن كان متمكنا مع عدم الالتفات من قصد القربة وقد قصدها إلا أنه مع التقصير لا يصلح لان يتقرب به أصلا فلا يقع مقربا وبدونه لا يكاد يحصل به الغرض الموجب للامر به عبادة كما لا يخفى (وأما) إذا لم يلتفت إليها قصورا وقد قصد القربة باتيانه فالامر يسقط لقصد التقرب بما يصلح أن يتقرب به لاشتماله على المصلحة مع صدوره حسنا لاجل الجهل بحرمته قصورا فيحصل به الغرض من الامر

______________________________

بخلاف المقام فان نفس الفعل فيه معصية فلا يبعث إليه الامر لان الموجب في بعث الامر كون ترك الفعل معصية فإذا كان تركه طاعة كيف يبعث إليه الامر مع أنه لو فرض إمكان الانبعاث من قبل الامر فمجرد ذلك غير كاف في صحة العبادة ما لم يكن فعلها طاعة محضة كما سيأتي (قوله: أو بدونه تقصيرا) يعني أو بدون الالتفات إلى الحرمة مع كونه مقصرا في ذلك (قوله: لا يصلح لان يتقرب) لانه بسبب التقصير في عدم الالتفات إلى الحرمة يكون الفعل معصية يستحق عليه العقاب وما يكون كذلك لا يصلح أن يكون مقربا بل يكون مبعدا محضا، " أقول ": قد عرفت الاشارة إلى أن القرب والبعد من تبعات الطاعة والمعصية والانقياد والتجري، وكون الفعل في نفسه صالحا للمقربية مما لا أصل له فاعتبار صلاحيته لذلك في صحة العبادة إن كان بمعنى أن لا يكون معصية فهو في محله لانه يعتبر في العبادة أن تكون طاعة لله سبحانه محضة وان كان بمعنى آخر فقد عرفت الاشكال فيه ثبوتا فيكون الاشكال فيه إثباتا أولى (قوله: لاشتماله على) تعليل للصلاحية للقرب لكن عرفت أن المصلحة والمفسدة الواقعيتين لا توجبان صلاحية الفعل للقرب والبعد أصلا. بل الوجه في صلاحية الفعل للمقربية بالمعنى المعتبر في صحة العبادة كونه ليس معصية من جهة عدم الالتفات الذي هو عذر في مخالفة الحرمة (قوله: مع صدوره حسنا) يعني في الفعل - مضافا إلى الحسن الذاتي الناشئ من اشتماله على المصلحة حسن آخر قائم بحيثية صدوره، (أقول): الصدور والصادر واحد في الخارج فان أراد من الحسن القائم بحيثية الصدور

٣٦٤

فيسقط به قطعا وان لم يكن امتثالا له بناء على تبعية الاحكام لما هو الاقوى من جهات المصالح والمفاسد واقعا لا لما هو المؤثر منها فعلا للحسن أو القبح

______________________________

كونه صادرا بعنوان الاطاعة فهو عين قصد التقرب ولا يترتبط بمقام صلاحية الفعل للمقربية وإن أراد غيره فلا موجب له والجهل بحرمته قصورا إنما أوجب عدم كون الفعل معصية كما أشرنا إليه لا الحسن الصدوري وكأن المراد أن قصد التقرب أوجب كون الفعل طاعة والجهل أوجب كونه غير معصية وبذلك يكون طاعة محضة فيكون حسنا لا غير (قوله: وان لم يكن امتثالا له) يعني ليس فعلا للمأمور به بداعي الامر وإن كان يسقط به الامر (قوله: بناء على تبعية) قيد للنفي يعني كونه ليس مامورا به في حال الجهل بالحرمة مبني على تبعية... الخ وتوضيح المراد أن موضوعات الاحكام (تارة) تتصف بكونها ذات مصلحة أو مفسدة (وأخرى) تتصف بكونها حسنة أو قبيحة والاتصاف بالاوليين ليس مشروطا بعلم المكلف بكونها ذات مصلحة أو مفسدة بل هي تكون كذلك في حالي علم المكلف وجهله والاتصاف بالاخريين مشروط بعلمه فلا يكون فعل المكلف حسنا إلا في حال علمه بكونه ذا مصلحة كما لا يكون قبيحا الا في حال علمه بكونه ذا مفسدة وأما ثبوت الاحكام لها (فتارة) نقول: إنه تابع للمصالح والمفاسد الواقعية فإذا كان ذا مفسدة كان حراما شرعا وإن جهل كونه كذلك، وإذا كان ذا مصلحة كان واجبا وإن جهل كونه كذلك، وإذا كان ذا مصلحة ومفسدة وكانت إحداهما أقوى كان الحكم تابعا للاقوى منهما وإن جهلها المكلف (واخرى) نقول: إنه تابع للحسن والقبح الفعليين فلو كانت المفسدة أقوى من المصلحة وجهل المكلف ذلك كان واجبا، وان كانت المصلحة أقوى من المفسدة وجهلها المكلف كان حراما وحينئذ نقول: مورد تصادق العناوين إذا كان المكلف جاهلا بحرمته فعلى المذهب الاول يكون حراما محضا ولا يكون مأمورا به إذا كانت المفسدة اقوى كما هو محل الفرض من تقديم جانب النهي، وعلى المذهب الثاني يكون مأمورا به لان كونه مصلحة مع الجهل بالمفسدة يوجب كونه حسنا فيكون واجبا لا غير (أقول): التحقيق أن هناك حسنين وقبحين يختلف كل منهما عن الآخر

٣٦٥

لكونهما تابعين لما علم منهما كما حقق في محله - مع أنه يمكن أن يقال بحصول الامتثال مع ذلك

______________________________

من جهات متعددة حسن وقبح ذاتيان ناشئان عن اشتمال الفعل على المصلحة والمفسدة وحسن وقبح عرضيان طارئان على الفعل بتوسط طروء عنوان الاطاعة والمعصية والاولان قائمان بذات الفعل التي هي موضوع الامر والنهي والاخيران قائمان بذات الفعل التي هي منشأ انتزاع عنواني الاطاعة والمعصية المعلولين للامر والنهي والاولان من دواعي الامر والنهي فهما بمنزلة علل الامر والنهي فيتقدمان عليهما والاخيران معلولان للامر والنهي إذ لولاهما لما كانت إطاعة ولا معصية فهما متأخران عنهما، والاولان لا يكونان منشأ للقرب والبعد ولا للثواب والعقاب، والاخيران هما مناط القرب والبعد والثواب والعقاب (إذا) عرفت ذلك نقول، لا ينبغى التأمل في كون الاحكام الشرعية تابعة للحسن والقبح الاولين لان الاخيرين إذا كانا قائمين بالاطاعة والمعصية فلو كان الامر والنهي تابعين لهما كانا متعلقين بالاطاعة والمعصية وهو - مع أنه ممتنع كما تقدم في التعبدي والتوصلي توضيحه مفصلا أن المعروف أن وجوب الاطاعة وحرمة المعصية ارشاديان كما نبه عليه المصنف (ره) في مباحث الانسداد وأوضحناه فيما علقناه على ذلك المقام، بل لا يظن من أحد توهم كونها مولوية لو أمكن عقلا ذلك كما يظهر بأدنى تأمل ومن هنا يظهر لك التأمل فيما يظهر من المتن من كون المؤثر في الحسن والقبح التابعين للعلم هو المصالح والمفاسد القائمة بذات الفعل لما عرفت من أن الحسن والقبح الذاتيين ناشئان من المصالح والمفاسد الواقعية بلا دخل للعلم بهما اصلا، والحسن والقبح العرضيان - مع أنهما اجنبيان عن المصالح والمفاسد لا يتوقفان على العلم بل يتوقفان على تحقق موضوعيهما أعني الانقياد والتجري الحاصلين ولو بمجرد الاحتمال والله سبحانه أعلم (قوله: لكونهما) أي الحسن والقبح (قوله: لما علم) فالمجهول لا يكون مؤثرا (قوله: مع ذلك) أي مع أنه لا يشمله

٣٦٦

فان العقل لا يرى تفاوتا بينه وبين سائر الافراد في الوفاء بغرض الطبيعة المأمور بها وان لم تعمه بما هي مأمور بها لكنه لوجود المانع لا لعدم المقتضى، ومن هنا انقدح انه يجزى ولو قيل باعتبار قصد الامتثال في صحة العبادة وعدم كفاية الاتيان بمجرد المحبوبية كما يكون كذلك في ضد الواجب حيث لا يكون هناك امر يقصد اصلا (وبالجملة) مع الجهل قصورا بالحرمة موضوعا أو حكما يكون الاتيان بالمجمع امتثالا وبداعي الامر بالطبيعة لا محالة غاية الامر انه لا يكون مما تسعه بما هي مأمور بها لو قيل بتزاحم الجهات في مقام تأثيرها للاحكام الواقعية، وأما لو قيل بعدم التزاحم إلا في مقام فعلية الاحكام لكان مما تسعه وامتثالا لامرها بلا كلام وقد انقدح بذلك الفرق بين ما إذا كان دليلا الحرمة والوجوب متعارضين وقدم دليل الحرمة تخييرا أو ترجيحا حيث لا يكون معه مجال للصحة اصلا وبين ما إذا كانا من باب الاجتماع وقيل بالامتناع وتقديم جانب الحرمة حيث يقع صحيحا في غير مورد من موارد الجهل والنسيان لموافقته للغرض بل للامر ومن هنا علم أن الثواب عليه من قبيل

______________________________

الامر (قوله: فان العقل) قد تقدم الكلام فيه في مسألة الضد (قوله: ولو قيل باعتبار) بل لو كان المراد اعتبار نفس القصد فهو حاصل مع الغفلة عن الحرمة ولا حاجة إلى الالتزام بما ذكره في مسألة الضد وإنما يحتاج إليه لو كان المراد اعتبار وجود الامر في الجملة نعم قد يشكل تصحيح عبادة الجاهل بأنه يقصد الامر المتعلق بذات الفعل وهو لا وجود له، ويندفع بأنه من قبيل الجهل بالتطبيق فلا يقدح مثله (قوله: في ضد الواجب) يعني الضد المضيق أما الموسع فقد تقدم أنه يمكن قصد الامر فيه (قوله: وأما لو قيل بعدم) إشارة إلى المذهب الثاني (قوله: حيث لا يكون معه) لان سقوط دليل الوجوب عن الحجية يقتضي عدم وجود الملاك في الفعل بناء على ما ذكره في التنبيه التاسع فلا يكون من أفراد المأمور به لا بذاته ولا بوصف كونه مأمورا به لكن عرفت اشكاله (قوله: بل للامر) يعني بناء على ما ذكره في مسألة الضد (قوله:

٣٦٧

الثواب على الاطاعة لا الانقياد ومجرد اعتقاد الموافقة وقد ظهر بما ذكرناه وجه حكم الاصحاب بصحة الصلاة في الدار المغصوبة مع النسيان أو الجهل بالموضوع بل أو الحكم إذا كان عن قصور مع أن الجل لولا الكل قائلون بالامتناع وتقديم الحرمة ويحكمون بالبطلان في غير موارد العذر فلتكن من ذلك على ذكر (إذا) عرفت هذه الامور فالحق هو القول بالامتناع - كما ذهب إليه المشهور - وتحقيقه على وجه يتضح به فساد ما قيل أو يمكن ان يقال من وجوه الاستدلال لسائر الاقوال يتوقف على تمهيد مقدمات (إحداها) انه لا ريب في أن الاحكام الخمسة متضادة في مقام فعليتها وبلوغها إلى مرتبة البعث والزجر ضرورة ثبوت المنافاة والمعاندة التامة بين البعث نحو واحد في زمان والزجر عنه في ذاك الزمان وان لم يكن بينها مضادة ما لم تبلغ إلى تلك المرتبة لعدم المنافاة والمعاندة

______________________________

*

لا الانقياد) كما هو مبنى القول بالبطلان (قوله: مع النسيان) للحكم أو الموضوع أو لهما تقصيرا أو قصورا (قوله: ويحكمون) هذا شاهد على قولهم بالامتناع إذ لا وجه للبطلان إلا ذلك فتأمل فان الظاهر أنه خلاف في البطلان حتى ممن يقول بالجواز وأن الصحة والبطلان ليسا مبنيين على الجواز والامتناع فراجع وتأمل (قوله: ضرورة ثبوت المنافاة) لا اشكال في ثبوت المنافاة بين البعث والزجر الخارجيين أما البعث والزجر الاعتباريان المعبر عنهما بالايجاب والتحريم فالتنافي والتعاند إنما هو بين ملاكيهما مثلا ملاك وجوب الشئ كونه ذا مصلحة بلا مزاحم فإذا كان الشئ كذلك ترجح وجوده على عدمه فتعلقت به الارادة فإذا تعلقت به الارادة أمر به بداعي حفظ وجوده فإذا امر به كذلك انتزع عنه عنوان البعث والايجاب والوجوب والالزام ونحوها من الاعتبارات، وملاك حرمة الشئ كونه ذا مفسدة بلا مزاحم فإذا كان كذلك ترجح عدمه على وجوده فتعلقت به الكراهة فإذا تعلقت به الكراهة نهي عنه بداعي حفظ عدمه فإذا نهى عنه كذلك انتزع عنوان الزجر والتحريم والمنع وغير ذلك من الاعتبارات

٣٦٨

بين وجوداتها الانشائية قبل البلوغ إليها كما لا يخفى فاستحالة اجتماع الامر والنهي في واحد لا يكون من باب التكليف بالمحال بل من جهة انه بنفسه محال فلا يجوز عند من يجوز التكليف بغير المقدور أيضا (ثانيتها) أنه لا شبهة في أن متعلق الاحكام هو فعل المكلف

______________________________

فتنافي عناوين الاحكام التكليفية وتعاندها إنما هو لتنافي ملاكاتها وإلا فلو فرض محالا كون الشئ الواحد ذا مصلحة بلا مزاحم وذا مفسدة كذلك لابد أن تتعلق به الارادة والكراهة معا والامر والنهي فينتزع حينئذ منها العناوين المذكورة ولا تنافي بينها أصلا ومنه يظهر حال بقية الاحكام التكليفية فان التنافي بين الجميع لذلك فنسبة التنافي إليها إنما هي بالعرض (اما) ما هو مورد التنافي أولا وبالذات فهو الملاكات لا غير ولذلك يظهر الفرق بين اجتماع الوجوب والحرمة في موضوع واحد وبين التكليف بالمحال فان الثاني لا قصور في ملاكه فلو ثبت كان بملاك وإنما القصور في القدرة عليه لا غير والاول يمتنع لعدم الملاك حتى لو فرض محالا ثبوت القدرة على الامتثال كما اشرنا إلى ذلك في صدر المبحث أما لو كان التنافي بين نفس البعث والزجر على ما هو ظاهر المتن فيشكل الفرق بينهما إذ التنافي المذكور وان كان يوجب امتناع الجمع بينهما لكن لا يوجب الفرق لامتناع البعث إلى المحال أيضا لان استحالة الحال عين استحالة الانبعاث إليه هي عين استحالة البعث إليه لان البعث عين الانبعاث فإذا جاز ثبوت التكليف مع امتناع البعث إلى متعلقه جاز ثبوت الوجوب والحرمة مع امتناع اجتماع البعث والزجر فتأمل جيدا (قوله: وجوداتها الانشائية) لان الاحكام الانشائية إنما تجعل على طبق مقتضياتها وان كانت مقرونة بالمانع فإذا كان في الشئ مصلحة تقتضي وجوبه ومفسدة تقتضي تحريمه ينشأ له وجوب وحرمة معا وان كان حكمه الفعلي أحدهما أو غيرهما (قوله: من باب التكليف بالمحال) ووجهه أنه تكليف بالوجود والعدم وهما نقيضان يستحيل اجتماعهما (قوله: بنفسه محال) لما عرفت لكنه موقوف على اعتبار الملاك في الاحكام وإلا فلا تنافي بينها ويكون

٣٦٩

وما هو في الخارج يصدر عنه وهو فاعله وجاعله لا ما هو اسمه - وهو واضح - ولا ما هو عنوانه مما قد انتزع عنه بحيث لولا انتزاعه تصورا واختراعه ذهنا لما كان بحذائه شئ خارجا ويكون خارج المحمول كالملكية والزوجية والرقية والحرية والمغصوبية إلى غير ذلك من الاعتبارات والاضافات، ضرورة ان البعث ليس نحوه والزجر لا يكون نحوه وانما يؤخذ في متعلق الاحكام آلة للحاظ متعلقاتها والاشارة إليها بمقدار الغرض منها والحاجة إليها لا بما هو هو وبنفسه وعلى استقلاله وحياله (ثالثتها)

______________________________

الامر والنهي بالشئ من قبيل التكليف بالمحال (قوله: وما هو في الخارج يصدر) قد تكرر بيان ان الافعال الخارجية ليست موضوعة للاحكام فان ظرف الفعل سقوط الحكم لا ثبوته بل موضوعها الصور الذهنية الحاكية عن الخارج بنحو لا ترى إلا خارجية فلذا يسري إلى كل منهما ما للاخرى فترى الصور الذهنية موضوعات للغرض مع أن موضوعه حقيقة هو الخارجي ويرى الخارجي موضوعا للحكم والارادة والكراهة مع أن موضوعها حقيقة هو نفس الصورة (قوله: لا ما هو اسمه) يعني اسم الفعل وهذا مما لا يتوهم فلا يناسب ذكره (قوله: ولا ما هو عنوانه) قد تقدم أن العناوين المنطبقة على ذات واحدة تارة تنتزع عن الذات أو الذاتي وأخرى تنتزع عن الذات بملاحظة تلبسها بمبدأ حقيقي عيني كالضارب والشارب وثالثة تنتزع عن الذات بملاحظة تلبسها بمبدأ اعتباري غير عيني كالملك والزوج والحر والمغصوب المنتزعة عن الملكية والزوجية والحرية والغصبية وحيث أن هذه الاعتبارات ليس لها تأصل خارجي فلا تكون ذات مصلحة أو مفسدة أو محطا للغرض فإذا وقعت موضوعة للبعث أو الزجر فهى ملحوظة عنوانا لفعل المكلف ففعل المكلف الخارجي تارة يلحظ بعنوان ذاتي وأخرى بعنوان اعتباري مثلا الغصب عبارة عن كون التصرف في ملك الغير بغير رضا منه فالنهي عن المغصوب حقيقة نهي عن نفس التصرف الوارد على مال الغير (قوله: وإنما يؤخذ في) هذا مما لا يختص بالعناوين الانتزاعية بل يجري في

٣٧٠

أنه لا يوجب تعدد الوجه والعنوان تعدد المعنون ولا ينثلم به وحدته فان المفاهيم المتعددة والعناوين الكثيرة ربما تنطبق على الواحد وتصدق على الفارد الذي لا كثرة فيه من جهة بل بسيط من جميع الجهات ليس فيه حيث غير حيث وجهة مغايرة لجهة اصلا كالواجب تبارك وتعالى فهو على بساطته ووحدته وأحديته تصدق عليه مفاهيم الصفات الجلالية والكمالية له الاسماء الحسنى والامثال العليا لكنها باجمعها حاكية عن ذاك الواحد الفرد الاحد

عباراتنا شتى وحسنك واحد

وكل إلى ذاك الجمال يشير

(رابعتها) أنه لا يكاد يكون للموجود بوجود واحد إلا ماهية واحدة وحقيقة فاردة لا يقع في جواب السؤال عن الحقيقة بما هو الا تلك الماهية فالمفهومان المتصادقان على

______________________________

العناوين التي لها مبادئ حقيقية فانها بعد ما كانت تحمل على الذوات كما تقدم في مبحث المشتق لابد ان تكون حاكية عنها وليس موضوع الحكم نفس المبدأ وإنما هو قيد لموضوع الحكم خارج عنه (قوله: لا يوجب تعدد الوجه) فان شأن الوجه والعنوان أن يكون حاكيا عن الموجه المعنون ومرآة له فيجوز أن تكون الامور المتكثرة حاكية عن أمر واحد ويكون كل واحد منها مرآة له نعم العناوين المتعددة ان كانت ذاتية بمعنى أن مبادئها عين الذات لم تستدع في الحكاية عن الذات إلى فرض أمر آخر وإن كانت غير ذاتية عرضية أو اعتبارية استدعت إلى فرض أمر آخر زائد على الذات وهو نفس المبدأ في العرضية أو منشأ اعتبار المبدأ في الاعتبارية (قوله: ربما تنطبق) يعني وربما لا تنطبق كما لو كانت مبادؤها متضادة (قوله: تصدق عليه مفاهيم) فان جميع صفاته سبحانه منتزعة عن نفس ذاته المقدسة كما هو محرر في محله (قوله: إلا ماهية واحدة) لتباين الماهيات من حيث هي ولو لتباين الفصول المحصلة لها فلا يمكن اجتماعها في وجود واحد فلذا لا يصح حمل بعضها على بعض وأما حمل العارض على المعروض فلما عرفت من ان المشتق عنوان لذات المعروض حاك عنها فصح حمله عليها

٣٧١

على ذاك لا يكاد يكون كل منهما ماهية وحقيقة وكانت عينه في الخارج كما هو شأن الطبيعي وفرده فيكون الواحد وجودا واحدا ماهية وذاتا لا محالة فالمجمع وان تصادقا عليه متعلقا الامر والنهي الا انه كما يكون واحدا وجودا يكون واحدا ماهية وذاتا ولا يتفاوت فيه القول باصالة الوجود أو اصالة الماهية. ومنه ظهر عدم ابتناء القول بالجواز والامتناع في المسألة على القولين في تلك المسألة كما توهم في الفصول

______________________________

أو من جهة أخذ المبدأ لا بشرط حسبما تقدم (قوله: لا يكاد يكون كل) بل اما ان يكون كل منهما عرضيا حاكيا عن ذات المعروض وعنوانا لها أو يكون احدهما ذاتيا والآخر عرضيا أو يكون كل منهما ذاتيا علي ان يكون حاكيا عن بعض الذات كما في الجنس والفصل (قوله: كما توهم في الفصول) قال في الفصول بعد ذكر الدليل الاول للامتناع: واعلم ان هذا الدليل يبتني على أصلين (أحدهما) أن لا تمايز بين الجنس والفصل ولو احقهما العرضية في الخارج كما هو المعروف واما لو قلنا بالتمايز لم يتحد المتعلق فلا يتم الدليل (الثاني) أن للوجود حقائق خارجية ينتزع منها هذا المفهوم الاعتباري كما هو مذهب اكثر الحكماء وبعض محققي المتكلمين واما إذا قلنا بأنه مجرد هذا المفهوم الاعتباري ينتزعه العقل من الماهيات الخارجية ولا حقيقة له في الخارج أصلا كما هو مذهب جماعة فلا يتم الدليل ايضا... الخ وصريح العبارة ابتناء الدليل الاول على الاصلين لا ابتناء الخلاف في المسألة عليهما ومن هنا قال بعد ذلك: ولنا أن نقرر الدليل على وجه لا يبتني على هذا الاصل، يعني الاصل الثاني فلاحظ وكيف كان فان كان المراد أن الخلاف في المقام يبتني على الخلاف المذكور حتى أن القول بالامتناع يبتني على القول باصالة الوجود لانه - على هذا القول - يكون متعلق الامر والنهي أمرا واحدا وهو الوجود ولا كذلك لو قلنا باصالة الماهية لان موضوع الامر ماهية وموضوع النهي ماهية أخرى فلا يكون متعلقهما أمرا واحدا حتى يمتنع اجتماعهما (ففيه) أن القول باصالة الماهية لا ينفع في تعدد موضوع الامر والنهي لان المفهومين

٣٧٢

كما ظهر عدم الابتناء على تعدد وجود الجنس والفصل في الخارج وعدم تعدده ضرورة عدم كون العنوانين المتصادقين عليه من قبيل الجنس والفصل له وأن مثل الحركة في دار من أي مقولة كانت لا يكاد يختلف حقيقتها وماهيتها ويتخلف ذاتياتها وقعت جزءا للصلاة أو لا كانت تلك الدار مغصوبة أولا(١) إذا عرفت ما مهدناه عرفت أن المجمع حيث كان واحدا وجودا وذاتا كان تعلق الامر والنهي به محالا ولو كان تعلقهما به بعنوانين لما عرفت من كون فعل المكلف بحقيقته وواقعيته الصادرة عنه متعلقا للاحكام لا بعناوينه الطارية عليه وأن غائلة اجتماع الضدين فيه لا تكاد ترتفع بكون الاحكام تتعلق بالطبايع لا الافراد فان غاية تقريبه أن يقال: إن الطبايع من حيث هي هي وان كانت ليست الا هي ولا يتعلق بها الاحكام الشرعية كالآثار العادية والعقلية الا انها - مقيدة بالوجود بحيث كان القيد خارجا والتقييد داخلا - صالحة لتعلق الاحكام بها. ومتعلقا الامر والنهي على هذا لا يكونان متحدين أصلا لا في مقام تعلق البعث والزجر

______________________________

المأخوذين موضوعا للامر والنهي حاكيان عن ماهية واحدة في الخارج لا ماهيتين وان كان المراد ابتناء الدليل حيث أخذ فيه الوجود فالابتناء في محله، (قوله: كما ظهر عدم الابتناء) هذا ايضا تعريض بالفصول كما عرفت، (قوله: ضرورة عدم كون) يعني أن القول بتعدد الجنس والفصل لا يجدي في تعدد موضوع الامر والنهي الا إذا كان موضوع أحدهما الجنس وموضوع الآخر الفصل وليس كذلك فان عنواني الغصب والصلاة ليسا من العناوين الذاتية

______________

(١) وقد عرفت ان صدق العناوين المتعددة لا يكاد تنثلم به وحدة المعنون لا ذاتا ولا وجودا غايته ان يكون له خصوصية بها يستحق الاتصاف بها، ومحدودا بحدود موجبة لانطباقها عليه كما لا يخفى وحدوده ومخصصاته لا توجب تعدده بوجه اصلا فتدبر جيدا (منه قدس سره) (*)

٣٧٣

ولا في مقام عصيان النهي وإطاعة الامر باتيان المجمع بسوء الاختيار (أما) في المقام الاول فلتعددهما بما هما متعلقان لهما وان كانا متحدين فيما هو خارج عنهما بما هما كذلك (وأما) في المقام الثاني فلسقوط أحدهما بالاطاعة والآخر بالعصيان بمجرد الاتيان ففي أي مقام اجتمع الحكمان في واحد ؟ وأنت خبير بانه لا يكاد يجدي بعد ما عرفت من أن تعدد العنوان لا يوجب تعدد المعنون لا وجودا ولا ماهية ولا تنثلم به وحدته اصلا، وأن المتعلق للاحكام هو المعنونات لا العنوانات، وأنها إنما تؤخذ في المتعلقات بما هي حاكيات كالعبارات لا بما هي على حيالها واستقلالها. كما ظهر مما حققناه أنه لا يكاد يجدي ايضا كون الفرد مقدمة لوجود الطبيعي المأمور به أو المنهي عنه وأنه لا ضير في كون المقدمة

______________________________

ليكون أحدهما جنسا والآخر فصلا بل هما معا خارجان عن الحقيقة فان أي نوع من الحركة يفرض له حقيقة معينة لا يفارقها دائما حينما يكون صلاة أو غصبا أولا فلا تختلف حقيقته بطروء أحد العناوين عليه وعدمه " أقول ": لم يقتصر في الفصول على ذكر الجنس والفصل بل عطف عليهما اللواحق العرضية وحينئذ فان كان العنوان من اللواحق العرضية كالغصب والصلاة جاء فيه الكلام المذكور من كونه متحدا مع الذات أو ممتازا عنها في الخارج (قوله: ولا في مقام عصيان) فان موضوع العصيان غير موضوع الاطاعة ولا يكون الامتثال بالمبعد حتى لا تصح العبادة (قوله: كالعبارات) يعني الحاكية عن المعاني فان صورها فانية فيها (قوله: لا بما هي على حيالها) يعني كما يظهر من تقريب الاجتماع نعم لو كانت الطبايع المأخوذة موضوعا للامر والنهي ولو بلحاظ الوجود لم تؤخذ عنوانا لامر واحد بل أخذت كلا في قبال الاخرى جاز أن يكون بعضها موضوعا للامر وبعضها موضوعا للنهي فيختلف قولنا: أكره الاسود وأحب الحلو، عن قولنا: أكره السواد وأحب الحلاوة، فلا يجوز الاجتماع في مثل الاول لحكاية العنوانين فيه عن ذات واحدة في الخارج ويجوز في الثاني لحكاية الطبيعتين

٣٧٤

محرمة في صورة عدم الانحصار بسوء الاختيار، وذلك - مضافا إلى وضوح فساده وأن الفرد هو عين الطبيعي في الخارج كيف والمقدمية تقتضي الاثنينية بحسب الوجود ولا تعدد كما هو واضح ؟ أنه انما يجدي لو لم يكن المجمع واحدا ماهية وقد عرفت بما لا مزيد عليه انه بحسبها ايضا واحد. ثم إنه قد استدل على الجواز بامور (منها) انه لو لم يجز اجتماع الامر والنهي لما وقع نظيره وقد وقع كما في العبادات المكروهة كالصلاة في مواضع التهمة وفى الحمام والصيام في السفر وفى بعض الايام (بيان) الملازمة انه لو لم يكن تعدد الجهة مجديا في امكان اجتماعهما لما جاز اجتماع حكمين

______________________________

*

عن شيئين في الخارج فان منشأ انتزاع مفهوم السواد في الخارج غير منشأ انتزاع مفهوم الحلاوة فيه فلا مانع من اختلافهما في الاحكام (قوله: محرمة في صورة) يعني ولا تكون واجبة حينئذ أو تكون واجبة بوجوب توصلي لا مانع من اجتماعه مع الحرام " أقول ": تقدم أنه لا فرق في امتناع الاجتماع على تقديره بين الوجوب التوصلي والتعبدي (قوله: بسوء الاختيار) متعلق (بكون) ومثاله السير إلى الحج بركوب الدابة المغصوبة فانها محرمة ويترتب عليها الغرض وكذلك حال الفرد فانه مقدمة للواجب وليس موضوعا للامر العبادي حتى يمتنع التعبد به مع كونه محرما وعلى هذا فلا ثمرة لهذا الخلاف (قوله: وذلك) بيان لقوله: كما ظهر... الخ (قوله: تقتضي الاثنينية) هذا مسلم في المقدمات الخارجية دون الداخلية لكن الفرد ليس مقدمة داخلية للطبيعة لعدم كونه جزءا منها مع أنه لو كان مقدمة داخلية لم يكن موضوعا للوجوب التوصلي الذي ادعاه المستدل لعدم المغايرة بالوجود المصححة لذلك (قوله: انه إنما يجدي لو لم) يعني ان ذلك انما ينفع لو كان المجمع فرد الماهيتين إحداهما موضوع للامر والاخرى موضوع للنهي وليس كذلك إذ الفرد بما له من الماهية موضوع للامر والنهي معا لما تقدم من أن العنوانين المأخوذين موضوعا للامر والنهي حاكيان عن معنون واحد هو الموضوع لهما حقيقة فيرجع الاشكال وهو اجتماع الحكمين في موضوع

٣٧٥

آخرين في مورد مع تعددها لعدم اختصاصهما من بين الاحكام بما يوجب الامتناع من التضاد بداهة تضادها بأسرها والتالي باطل لوقوع اجتماع الكراهة والايجاب أو الاستحباب في مثل الصلاة في الحمام والصيام في السفر وفي عاشوراء - ولو في الحضر - واجتماع الوجوب أو الاستحباب مع الاباحة أو الاستحباب في مثل الصلاة في المسجد أو الدار (والجواب) عنه أما إجمالا فبأنه لا بد من التصرف والتأويل فيما وقع في الشريعة مما ظاهره الاجتماع بعد قيام الدليل على الامتناع ضرورة أن الظهور لا يصادم البرهان - مع أن قضية ظهور تلك الموارد اجتماع الحكمين فيها بعنوان واحد ولا يقول الخصم بجوازه كذلك بل بالامتناع ما لم يكن بعنوانين وبوجهين فهو ايضا لا بدله من التفصي عن اشكال الاجتماع فيها لا سيما إذا لم يكن هناك مندوحة كما في العبادات المكروهة التي لا بدل لها فلا يبقى له مجال للاستدلال بوقوع الاجتماع فيها على جوازه أصلا كما لا يخفى (وأما) تفصيلا فقد أجيب عنه بوجوه يوجب ذكرها بما فيها من النقض والابرام طول الكلام بما لا يسعه المقام فالاولى الاقتصار على ما هو التحقيق في حسم مادة الاشكال فيقال وعلى الله الاتكال: إن العبادات المكروهة على ثلاثة أقسام (أحدها) ما تعلق به النهي بعنوانه وذاته ولا بدل له كصوم يوم عاشوراء والنوافل المبتدأة في بعض

______________________________

*

واحد (قوله: مع تعددها) أي الجهة (قوله: اختصاصهما) يعني الامر والنهي بمعنى الوجوب والحرمة (قوله: بعنوان واحد) لان النهي المقتضي للكراهة وقع عن نفس الصلاة والصيام الموضوعين للامر لا بعنوان آخر وكذا الامر الاستحبابي تعلق بنفس الصلاة في المسجد التي هي موضوع الامر الوجوبي (قوله: كذلك) يعني يجوز الاجتماع مع وحدة العنوان (قوله: فالاولى الاقتصار) ومن أراد التفصيل فعليه بمراجعة التقريرات (قوله: كصوم يوم عاشوراء) فان صوم غيره من الايام مستحب في نفسه

٣٧٦

الاوقات (ثانيها) ما تعلق به النهي كذلك ويكون له البدل كالنهي عن الصلاة في الحمام (ثالثها) ما تعلق النهي به لا بذاته بل بما هو مجامع معه وجودا أو ملازم له خارجا كالصلاة في مواضع التهمة بناء على كون النهي عنها لاجل اتحادها مع الكون في مواضعها (أما القسم الاول) فالنهي تنزيها عنه بعد الاجماع على انه يقع صحيحا ومع ذلك يكون تركه ارجح كما يظهر من مداومة الائمة عليهم السلام على الترك إما لاجل انطباق عنوان ذي مصلحة على الترك فيكون الترك كالفعل ذا مصلحة موافقة للغرض وان كان مصلحة الترك اكثر فهما حينئذ يكونان من قبيل المستحبين المتزاحمين فيحكم بالتخيير بينهما لو لم يكن أهم في البين والا فيتعين الاهم وان كان الآخر يقع صحيحا حيث انه كان راجحا وموافقا للغرض كما هو الحال في سائر المستحبات المتزاحمات بل الواجبات وارجحية الترك من الفعل

______________________________

*

وليس بدلا عنه وكذا النافلة في غير الاوقات المكروهة (قوله: النهي كذلك) يعنى بعنوانه وذاته (قوله: بل بما هو مجامع) فالنهي يكون عن العنوان المجامع كالكون في مواضع التهمة في المثال المذكور (قوله: تنزيها عنه بعد) يعني أن النهي محمول على الكراهة لا التحريم بقرينة الاجماع على صحته لامتناع صحة ما هو حرام بنفسه (قوله: كما يظهر من) تعليل لكون تركه أرجح من فعله فان مداومتهم (عليهم السلام) على تركه دليل على ذلك (أقول): اطلاق النهي عنه أدل على ذلك لامكان دعوى الاجمال في فعلهم وان كانت بعيدة (قوله: على الترك) وأما الترك فهو في نفسه مرجوح لانه ترك للراجح لان المفروض كون الفعل ذا مصلحة (قوله: ذا مصلحة) يعني بالعرض من جهة انطباق العنوان الراجح (قوله: فيحكم بالتخيير) فان قلت: يمتنع الاستحباب التخييري بين الوجود والعدم كالوجوب التخييري إذ أحد الامرين لا بد منه فلا فائدة في البعث " قلت ": انما يمتنع في التوصليين لا في التعبديين أو فيما لو كان أحدهما تعبديا لامكان تركهما معا حينئذ (قوله: كما هو الحال في) نعم يفترق المقام

٣٧٧

عنها ان المستحبات المتزاحمة كل واحد منها فعله أرجح من تركه فلا مجال للاشكال في صحة التقرب بفعله بخلاف المقام إذ مع تساوي مصلحة الفعل ومصلحة الترك يتساوى الفعل والترك في نظر المولى فقد يشكل إمكان التقرب بأحدهما إليه، ومع رجحان مصلحة الترك على مصلحة الفعل يكون الترك أرجح في نظره من الفعل فيشكل إمكان التقرب بالفعل إليه ومن هنا تعرض لدفع ذلك بقوله: وارجحية الترك... الخ (وتوضيحه) أن رجحان الترك الناشئ من الاهتمام بمصلحته زائدا على مصلحة الفعل ليس كالرجحان الناشئ عن وجوده مفسدة في الفعل فان الاول لا يمنع من صحة التقرب بالفعل لاشتماله على المصلحة الموافقة للغرض بخلاف الثاني فان المفسدة في الفعل تكون مانعة عن امكان التقرب به " فان قلت ": رجحان الترك على الفعل وان لم يكن عن منقصة في الفعل إلا أنه لما أوجب الامر بالترك فقد أوجب النهي عن الفعل لملازمة أحدهما للآخر - كما تقدم في مبحث الضد - ومع النهي المذكور يمتنع التقرب بالفعل " قلت ": قد أجاب المصنف (ره) في حاشيته على المقام بالفرق بين النهي التحريمي والنهي التنزيهي وأن الاول يقتضي الفساد لامتناع التقرب بما هو معصية والثاني لا يقتضيه لعدم كون الفعل معصية. نعم لو كان النهي ناشئا عن منقصة في الفعل امتنع التقرب حينئذ لامتناع التقرب بما كان ذا منقصة ولذلك لا تفسد العبادة إذا كانت ضدا لمستحب أهم اتفاقا " أقول ": النهي التحريمي والنهي التنزيهي وإن اختلفا في اقتضاء مخالفتهما البعد وعدمه إذ مخالفة النهي التحريمي معصية وهي موجبة للعبد ومخالفة النهي التنزيهي ليست معصية فلا توجب بعدا إلا أنهما لا يختلفان في مانعيتهما من إمكان التقرب حيث أنه لا يتأتي قصد التقرب بما هو مبغوض للمولى ويزجر عنه والاتفاق على صحة العبادة إذا كانت ضدا للمستحب الاهم ينبغي أن يكون دليلا على مختاره من عدم اقتضاء الامر بالشئ النهي عن ضده لا على عدم قدح النهي التنزيهي في إمكان التقرب. ولعل من هنا يشكل هذا التصوير - مضافا إلى أن العنوان الراجح ان كان وجوديا امتنع انطباقه على الترك الذي هو عدمي

٣٧٨

لا توجب(١) حزازة ومنقصة فيه أصلا كما يوجبها ما إذا كان فيه مفسدة غالبة على مصلحته ولذا لا يقع صحيحا على الامتناع فان الحزازة والمنقصة فيه مانعة عن صلاحية التقرب به بخلاف المقام فانه على ما هو عليه من الرجحان وموافقة الغرض كما إذا لم يكن تركه راجحا بلا حدوث حزازة فيه أصلا (وإما) لاجل ملازمة الترك لعنوان كذلك من دون انطباقه عليه فيكون كما إذا انطبق عليه من غير تفاوت إلا في أن الطلب المتعلق به حينئذ ليس بحقيقي بل بالعرض والمجاز فانما يكون في الحقيقة متعلقا

______________________________

وان كان عدميا امتنع أن يكون ذا مصلحة. نعم يصح أن يكون الترك شرطا لعنوان وجودي ذي مصلحة وعليه يرتفع الاشكال لان نقيض ذلك العنوان عدمه والنهي عنه لا يمنع من صحة التقرب بالفعل لكنه ليس من انطباق العنوان على الترك في شئ (قوله: وإما لاجل ملازمة) أو لاجل ملازمة الفعل لعنوان ذي مفسدة موجبة لكراهته وهذا أقرب مما ذكره إذ النهي حاك عن المفسدة بحسب طبعه وحيث امتنع حمله على الحقيقة للاجماع على الصحة حمل على انه بالعرض والمجاز وأنه في الحقيقة نهي عن الملازم. نعم ما ذكره أقرب لو كان

______________

(١) ربما يقال: أن أرجحية الترك وان لم توجب منقصة وحزازة في الفعل اصلا إلا انه يوجب المنع منه فعلا والبعث إلى الترك قطعا كما لا يخفى ولذا كان ضد الواجب بناء على كونه مقدمة له حراما ويفسد لو كان عبادة مع انه لا حزازة في فعله وانما كان النهي عنه وطلب تركه لما فيه من المقدمية له وهو على ما هو عليه من المصلحة فالمنع لذلك كاف في فساده لو كان عبادة (قلت): يمكن أن يقال: ان النهي التحريمي لذلك وان كان كافيا في ذلك بلا اشكال إلا أن التنزيهي غير كاف إلا إذا كان عن حزازة فيه وذلك لبداهة عدم قابلية الفعل للتقرب منه تعالى مع المنع عنه وعدم ترخيصه في ارتكابه بخلاف التنزيهي عنه إذا كان لا لحزازة فيه بل لما في الترك من المصلحة الراجحة حيث انه معه مرخوص فيه وهو على ما هو عليه من الرجحان والمحبوبية له تعالى ولذلك لم تفسد العبادة إذا كانت ضد المستحبة اهم اتفاقا فتأمل. (منه قدس سره) (*)

٣٧٩

بما يلازمه من العنوان بخلاف صورة الانطباق لتعلقه به حقيقة كما في سائر المكروهات من غير فرق الا ان منشأه فيها حزازة ومنقصة في نفس الفعل وفيه رجحان في الترك من دون حزازة في الفعل أصلا غاية الامر كون الترك أرجح (نعم) يمكن أن يحمل النهي في كلا القسمين على الارشاد إلى الترك الذي هو ارجح من الفعل أو ملازم لما هو الارجح واكثر ثوابا لذلك وعليه يكون النهي على نحو الحقيقة لا بالعرض والمجاز فلا تغفل (وأما القسم الثاني) فالنهي فيه يمكن ان يكون لاجل ما ذكر في القسم الاول طابق النعل بالنعل كما يمكن أن يكون بسبب حصول

______________________________

الترك قد أخذ موضوعا للطلب (قوله: كما في سائر) تمثيل للتعلق الحقيقي (قوله: نعم يمكن أن) لكنه خلاف الظاهر لا داعي إليه (قوله: الارشاد إلى الترك) بل إلى مصلحة غالبة في الترك أو في ملازمه الموجب ذلك للبعث إلى الترك (قوله: لا بالعرض والمجاز) هذا غير ظاهر لان الفرق بين الامر والنهي المولويين والامر والنهي الارشاديين أن الاولين يقصد منهما البعث والزجر عن متعلقهما وإن دلا على مصلحة أو مفسدة فيه والاخيرين يقصد منهما الحكاية عن المصلحة والمفسدة فيه لا غير وان ترتب على ذلك البعث والزجر فالبعث والزجر في الاولين معلولان لنفس الامر والنهي وفى الاخيرين معلولان للعلم بالمصلحة والمفسدة كما في أمر الطبيب الذي هو أحد الرعية للملك بشرب الدواء إذ يمتنع قصد تحريك الملك بالامر لعدم صلاحية أمره لذلك فالنهي الحقيقي ارشاديا كان أو مولويا ما يكون حاكيا عن مفسدة في متعلقه كما أن الامر الحقيقي مطلقا ما يكون حاكيا عن مصلحة في متعلقه فالنهي عن العبادة لا يكون حقيقيا على التصويرين وإن كان ارشاديا، ولو عم النهي الحقيقي لما يكون حاكيا عن مصلحة في نقيض متعلقه لما كان النهي حقيقيا ايضا على التصوير الثاني ولو جعل إرشاديا ثم إن المراد من النهي بالعرض النهي عما هو مبغوض بالعرض لا أنه منسوب إليه النهي بالعرض فان العبادة قد تعلق النهي عنها بذاتها فيكون منسوبا إليها بالذات لا بالعرض

٣٨٠