حقائق الاصول الجزء ١

حقائق الاصول13%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 571

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 571 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 212045 / تحميل: 5773
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

معرفة له ولا لها اصلا - ولو بوجه - نعم ربما يوجب تصوره تصور العام بنفسه فيوضع له اللفظ فيكون الوضع عاما كما كان الموضوع له عاما، وهذا بخلاف ما في الوضع العام والموضوع له الخاص فان الموضوع له وهي الافراد لا يكون متصورا إلا بوجهه وعنوانه، وهو العام، وفرق واضح بين تصور الشئ بوجهه وتصوره بنفسه ولو كان بسبب تصور أمر آخر ولعل خفاء ذلك على بعض الاعلام وعدم تمييزه بينهما كان موجبا لتوهم امكان ثبوت قسم رابع، وهو ان يكون الوضع خاصا مع كون الموضوع له عاما مع انه واضح لمن كان له ادنى تأمل ثم إنه لا ريب في ثبوت الوضع الخاص والموضوع له الخاص كوضع الاعلام، وكذا الوضع العام والموضوع له العام، كوضع أسماء الاجناس، وأما الوضع العام والموضوع له الخاص فقد توهم أنه وضع الحروف وما ألحق بها من الاسماء، كما توهم أيضا أن المستعمل فيه فيها خاصا مع كون الموضوع له كالوضع عاما (والتحقيق) حسبما يؤدي إليه النظر الدقيق

______________________________

ما يباين الخاص من أفراده فكيف يصلح الخاص للحكاية عنه، بل عرفت أن العام كذلك وانما يفترقان في ان العام يصلح للحكاية عنه بواسطة تحديده والخاص لا يصلح للحكاية عن العام بكل وجه (قوله: معرفة له) أي للعام (قوله: ولا لها) أي ولا للافراد (قوله: نعم ربما يوجب) يعني قد يتفق أن لحاظ الخاص يلازم لحاظ العام بنفسه بلحاظ مباين للحاظه نظير الدلالة الالتزامية، أو يقتضي لحاظ العام بوجهه فيكون دخل لحاظ الخاص في لحاظ العام كونه محددا لوجه العام كما إذا نظرت شبحا فوضعت اللفظ لنوعه فان نوعه ليس ملحوظا بنفسه بل بوجهه وهو عنوان النوع إلا أن عنوان النوع لما كان أعم من نوع الشبح ونوع غيره والعام قد عرفت انه لا يكون وجها للخاص بنفسه احتيج في تقييد عنوان النوع ليكون وجها لنوع الشبح إلى ملاحظة الشبح الخارجي في المثال، فتصور الخاص - وان كان دخيلا في تصور نوعه - إلا انه بالكيفية المذكورة أعني كونه محددا لوجه نوعه لا كونه وجها لنوعه، ومنه يظهر أن من اثبت قسما رابعا -

٢١

أن حال المستعمل فيه والموضوع له فيها حالهما في الاسماء، وذلك لان الخصوصية المتوهمة ان كانت هي الموجبة لكون المعنى المتخصص بها جزئيا خارجيا فمن الواضح ان كثيرا ما لا يكون المستعمل فيه كذلك، بل كليا ولذا التجأ

______________________________

ممثلا له بمثال الشبح - لم يثبت قسما رابعا للمقسم في كلام النافين، إذ هم منعوا من كون الخاص وجها للعام لا كونه محددا لوجهه فلعل النزاع في ثبوت القسم الرابع لفظي (قوله: وذلك لان الخصوصية) من المعلوم أن الوضع والاستعمال إنما يتعلقان بالصور الذهنية لا الخارجية إذ قد لا يكون المعنى خارجيا اصلا فضلا عن أن يكون جزئيا فالترديد في كلام المصنف (ره) لا بد ان يكون راجعا إلى أن الصور الذهنية التي تستعمل فيها الحروف إن كان المراد من كونها جزئية انها حاكية عن الجزئيات الخارجية يلزم ما ذكر من المحذور، وان كان المراد أنها حاكية عن الجزئيات الذهنية فتكون الصور المستعمل فيها الحروف معقولات ثانوية ففيه أيضا ما ذكره (قوله: كذلك) يعني جزئيا، بل يكون كليا كما في قولك: سر من البصرة إلى الكوفة، فان الابتداء والانتهاء المقيد بهما السير ليسا جزئيين لعدم تحقق السير المقيد بهما ليتشخصا (أقول): المعاني الحرفية اضافات اعتبارية فجزئيتها بجزئية الاعتبار وحينئذ لابد أن تكون جزئية والجامع بينها وان كان كليا الا انه لا يحكي عنها بما أنه معنى حرفي فمن والى في المثال المذكور حاكيتان عن شخص اضافة قائمة بين السير والبصرة، وشخص آخر قائم بينه وبين الكوفة لا عن الكلي الجامع بين الاضافات المتماثلة، فانه وان كان عنوانا كليا إلا انه ليس مدلولا عليه بمن والى بل بمثل الابتداء والانتهاء (ولا بأس)

*

بالاشارة إلى معنى الحرف فنقول: اشتهر تعريف الحرف بأنه ما دل على معنى في غيره، وبأنه مادل على معنى غير مستقل بالمفهومية، وتوضيح المراد منهما هو أن تصور الامور المتكثرة (تارة) بنحو لا يكون بينها ربط كما لو سمعنا قائلا يقول: ثوب، تمر، جبل، زيد، فان مفاهيم الالفاظ المذكورة تحضر في الذهن بلا ربط لبعضها ببعض (واخرى) بنحو يكون بينها ربط خاص كما إذا سمعنا القائل يقول:

٢٢

زيد قائم،

*

فان مفهوم كل من زيد وقائم يحضر في الذهن على ربط خاص يعبر عنه في كلامهم بالنسبة الحملية، وكما إذا سمعنا قوله: قام زيد، فان مفهوم كل من قام وزيد يحضر في الذهن على ربط خاص يعبر عنه بالنسبة الصدورية مثلا. وهكذا الحال في جميع الجمل فان لمفرداتها ارتباطا خاصا فيما بينها ربما يعبر عنه بعبارة تخصه، وربما لا يكون كذلك، وهذا الربط اعتبار محض يكون تحت لحاظ الذهن إلا أنه يختلف لحاظه مع لحاظ كل من طرفيه، فان كلا من زيد، وقائم في المثال الاول ملحوظ في نفسه في قبال صاحبه وليس كذلك حال الربط فانه ملحوظ تبعا لا استقلالا، ونظيره في المحسوسات أن تنظر إلى نقطة في الكتاب فتقول: هي أحسن من غيرها، فانك في حال النظر إلى النقطة ترى ما حولها من الكلمات والسطور، ولكن النظرين يختلفان فان نظر النقطة أصلي ونظر ما حولها تبعي، وكذلك حال الربط المعبر عنه بالاضافة والنسبة فان لحاظه ليس كلحاظ طرفيه بل لحاظه تبعي ولحاظهما أصلي، وهذا هو المراد من كونه غير مستقل بالمفهومية، وكذا كونه في غيره، فإذا المعنى الحرفى ما كان لحاظه تبعيا على النحو المذكور فلو لوحظ الربط المذكور بالاصالة والاستقلال خرج عن كونه معنى حرفيا وصار معنى اسميا فلو قلت: نسبة القيام إلى زيد حملية أو صدورية، كان ما يحكي عنه لفظ النسبة معنى اسميا لا حرفيا بل المعنى الحرفي هو الربط الخاص القائم بين النسبة والقيام يعبر عنه بالنسبة الاضافية، وأوضح ما قيل في تعريفه: إنه ما يكون ملحوظا بنحو لا يصح الحكم عليه ولا به، بخلاف الاسم فانه يكون ملحوظا بنحو يصح الحكم عليه وبه، ولعل هذا هو مراد المصنف (قده) في قوله: لوحظ حالة لمعنى آخر، وأنه في الذهن لا يكون إلا في مفهوم آخر كالعرض الذي لا يكون في الخارج إلا في الجوهر لا ما قد يتراءى من العبارة، وإلا فجميع النسب لا تكون في الذهن إلا كذلك ولو لوحظت بذاتها مستقلة - مع أنها بذلك تكون معاني اسمية قطعا يصح الحكم عليها وبها ضرورة، وكذا لعله ايضا مراد من قال: انه ما يكون عبرة لملاحظة حال الغير، وإلا فربما يكون المفهوم الاسمي آلة لملاحظة

٢٣

بعض الفحول إلى جعله جزئيا إضافيا - هو كما ترى - وإن كانت هي الموجبة لكونه جزئيا ذهنيا

______________________________

غيره كما في العناوين المرآتية مع أنها معان اسمية غاية الامر أنها ما لوحظت بذاتها لذاتها، بل لوحظت بذاتها بنظر الاستطراق إلى غيرها، والمعنى الحرفي ليس كذلك بل يلحظ تبعا لغيره بلا استطراق منه إليه " فإذا قلت ": سرت من البصرة، ف‍ (من) حاكية عن الربط الخاص بين السير والبصرة المعبر عنه بالابتداء وهكذا الحال في سائر الحروف فانها أبدا حاكية عن الاضافات الخاصة الملحوظة حسبما ذكرناه (إذا عرفت) هذا نقول: إما أن تكون الحروف موضوعة لهذه الاضافات الخاصة الملحوظة على النحو الخاص سواء أكان طرفاها جزئيين أم كليين أم مختلفين، أو للجامع بينها، وعلى الثاني فاما أن تكون مستعملة فيه أو في نفس تلك الاضافات الجزئية، المشهور هو الاول والذي عليه المصنف (قده) هو الثاني والثالث حكاه المصنف (قده) وجعله توهما " أقول ": أما دعوى الاستعمال في الكلي فليس عليها شاهد، بل هو على خلافها إذ المفهوم من الحروف دائما هو تلك الاضافات الجزئية لا الجامع بينها " ودعوى " أنها قد لا تكون جزئية (فيها) أن جزئية الاضافة بجزئية الاعتبار الحاصلة من تعين طرفي الاضافة في قبال العنوان الجامع بين الاضافات المتعددة، وليست جزئيتها بتشخص خارجي لتكون كلية بكلية طرفيها فهي نظير مفهوم قولنا: المفهوم، فأنه كلي وأفراده مفهوم زيد ومفهوم الانسان، ونظير مفهوم المشار إليه فان أفراده كل ما يشار إليه سواء أكان كليا أم جزئيا (فدعوى) الاستعمال في الجامع (مساوقة) لدعوى كون لفظ الحرف حاكيا عن الجامع بين الاضافات وليس كذلك ضرورة فان المفهوم منه هو الاضافات الخاصة لا غير. ثم بعد ما عرفت من كون الاستعمال في تلك الاضافات الخاصة لا مجال لدعوى كونها موضوعة للكليات لانها حينئذ تكون مجازات بلا حقيقة وهو كما ترى (قوله قده: بعض الفحول) حكي عن المحقق التقي في حاشيته (قوله: وهو كما ترى) إذ المناقشة ترجع إلى

٢٤

حيث أنه لا يكاد يكون المعنى حرفيا الا إذا لوحظ حالة لمعنى آخر ومن خصوصياته القائمة به ويكون حاله كحال العرض فكما لا يكون في الخارج إلا في الموضوع كذلك هو لا يكون في الذهن الا في مفهوم آخر، ولذا قيل في تعريفه بانه ما دل على معنى في غيره، فالمعنى وإن كان لا محالة يصير جزئيا بهذا اللحاظ بحيث يباينه إذا لوحظ ثانيا كما لوحظ أولا ولو كان اللاحظ واحدا، إلا أن هذا اللحاظ لا يكاد يكون مأخوذا في المستعمل فيه وإلا فلابد من لحاظ آخر متعلق بما هو ملحوظ بهذا اللحاظ، بداهة أن تصور المستعمل فيه مما لابد منه في استعمال الالفاظ - وهو كما ترى - مع أنه يلزم أن لا يصدق على الخارجيات لامتناع صدق

______________________________

التعبير. هذا ولكن عرفت معنى كونه جزئيا (قوله: حيث أنه) بيان للخصوصية المقتضية لكونه جزئيا ذهنيا (قوله: جزئيا بهذا اللحاظ) يعني جزئيا ذهنيا بواسطة أخذ اللحاظ قيدا فيه لان اللحاظات وجودات ذهنية متباينة تباين الوجودات الخارجية (قوله: مأخوذا في المستعمل) كان الانسب أن يقول: لانه يتعذر الاستعمال فيه حينئذ وإلا لزم تعدد اللحاظ أحدهما المأخوذ في المستعمل فيه والآخر مصحح الاستعمال (قوله: وهو كما ترى) أولا من جهة تحقق الاستعمال للحروف في معانيها بلحاظ واحد بلا عناية أصلا وثانيا بأن اللحاظين ان كانا موجودين في آن واحد لزم اجتماع المثلين - وهو ممتنع - وان كانا موجودين في آنين ففي آن اللحاظ الاستعمالي لا لحاظ للمعنى الحرفي بالنحو المميز له عن الاسم، وقد يستشكل بأن الاستعمال في المعنى الملحوظ لا يوجب تعدد اللحاظ إذ الاستعمال كالوضع انما يتوقف على تصور المستعمل فيه وهو المعنى الملحوظ نظير تصور الكلي العقلي بمعنى احضار صورة الموجود الذهني ولا يتوقف على احضاره أولا ثم إحضاره ثانيا (وفيه) أن ذلك خلف لكون المفروض أن الاستعمال في الموضوع له وهو نفس المعنى الملحوظ حال الاستعمال لا الملحوظ آنا ما فلابد في مقام الاستعمال من تحقق لحاظين فيرجع الاشكال. نعم

٢٥

الكلي العقلي عليها حيث لا موطن له الا الذهن فامتنع امتثال مثل: سر من البصرة، إلا بالتجريد وإلغاء الخصوصية هذا مع انه ليس لحاظ المعنى حالة لغيره في الحروف الا كلحاظه في نفسه في الاسماء، وكما لا يكون هذا اللحاظ معتبرا في المستعمل فيه فيها كذلك ذاك اللحاظ في الحروف كما لا يخفى (وبالجملة): ليس المعنى في كلمة (من) ولفظ الابتداء مثلا إلا الابتداء، فكما لا يعتبر في معناه لحاظه في نفسه ومستقلا كذلك لا يعتبر في معناها لحاظه في غيره وآلة، وكما لا يكون لحاظه فيه موجبا لجزئيته فليكن كذلك فيها " إن قلت ": على هذا لم يبق فرق بين الاسم والحرف في المعنى (ولازم) ذلك كون مثل كلمة (من) ولفظ الابتداء مترادفين صح استعمال كل منهما في موضع الاخر وهكذا ساير الحروف مع الاسماء الموضوعة لمعانيها وهو باطل بالضرورة كما هو واضح " قلت ": الفرق بينهما إنما هو في اختصاص كل منهما بوضع حيث انه وضع الاسم ليراد منه معناه بما هو هو وفى نفسه والحرف ليراد منه معناه لا كذلك بل بما هو حالة لغيره - كما مرت الاشارة إليه غير مرة - فالاختلاف بين الاسم والحرف في الوضع يكون موجبا لعدم جواز استعمال

______________________________

يمكن أن يستشكل فيه بأن اللحاظ المأخوذ قيدا فيه متعلق بالامر الاعتباري أعني نفس الاضافة، واللحاظ المصحح للاستعمال متعلق بالوجود الذهني وهما متغايران فلا مانع من اجتماعهما من حيث كونهما مثلين لتغاير متعلقهما. نعم اللحاظ الاول لما كان فانيا في الملحوظ الاعتباري امتنع أن يكون موضوعا للحاظ ثانيا لانه لا يكون كذلك حتى يلحظ مستقلا، فتأمل (قوله: الكلي العقلي) كان الاولى أن يقول: الجزئي الذهني، لان المعنى الحرفي في نفسه ليس كليا طبيعيا ولو كان لا يكون بقيد وجوده الذهني كليا عقليا، لان الكلي العقلي هو الطبيعي المقيد بوصف الكلية وتقييده باللحاظ غير وصف الكلية فلاحظ (قوله: إلا بالتجريد) تجريده إنما يكون بملاحظته خارجيا وإلا فالكلي العقلي لا ينطبق على الخارج (قوله: حيث انه وضع الاسم) هذا الاختلاف اختلاف في

٢٦

احدهما في موضع الاخر وان اتفقا فيما له الوضع، وقد عرفت بما لا مزيد عليه أن نحو إرادة المعنى لا يكاد يمكن أن يكون من خصوصياته ومقوماته. ثم لا يبعد أن يكون الاختلاف في الخبر والانشاء أيضا كذلك فيكون الخبر موضوعا ليستعمل في حكاية ثبوت معناه في موطنه والانشاء ليستعمل في قصد تحققه وثبوته وان اتفقا فيما استعملا فيه فتأمل. ثم إنه قد انقدح مما حققناه أنه يمكن أن يقال: إن المستعمل فيه في مثل أسماء الاشارة والضمائر أيضا عام وأن تشخصه إنما نشأ من قبل طور استعمالها

______________________________

غاية الوضع لا في الموضوع له فلا يدفع الاشكال " فالتحقيق ": ما عرفت من أن الحرف موضوع لتلك الاضافات المتعينة بتعين طرفيها، والاسم موضوع للمفاهيم الكلية وعدم صحة استعمال أحدهما في مقام الآخر لاجل توقفه على ملاحظة المناسبة الموقوفة على ملاحظة المعنيين مستقلا فيخرج المعنى الحرفي عن كونه كذلك، والتجوز فيما بينهما ان كان بملاحظة المناسبة بين متعلقاتها (قوله: ارادة المعنى) يعني الارادة الاستعمالية التي هي لحاظ المعنى فانيا فيه اللفظ.

الخبر والانشاء

(قوله قده: في الخبر والانشاء أيضا) الخبر في الاصطلاح هو الكلام الذي يكون لنسبته خارج تطابقه أو لا تطابقه، والانشاء كلام ليس لنسبته خارج كذلك، وكلاهما قسمان من المركب التام وهو ما يصح الاكتفاء به في مقام الافهام ويقابله الناقص. ثم إن المفهوم على قسمين حقيقي واعتباري " والاول " لا يقبل ورود الانشاء عليه بلا ريب، بل وجوده تابع لوجود علته سواء أكان جوهرا أم عرضا، وكذا ما كان من الاضافات التي تكون لطرفيها هيئة كالفوقية والتحتية فانه لا يتوهم كونه موردا للانشاء بل اعتباره من منشأ معين يخصه.

٢٧

واما الاضافات التي لا تكون كذلك فهي التي يدعى كونها موردا للانشاء بمعنى أنها تعتبر من مجرد الانشاء بلا حاجة إلى أمر آخر وقد يكون منشأ اعتبارها غيره كالاتلاف الذي يكون منشأ لاعتبار الضمان، وموت الموروث الذي يكون منشأ لاعتبار ملك الوارث لتركته وغير ذلك من الاسباب العرفية والشرعية. نعم لا يبعد القول بأن الامور الاعتبارية التي يدعى كونها موردا للانشاء أمور حقيقية تكون موردا للانشاء الادعائي فيكون انشاؤها من قبيل الانشاء الادعائي للامر الحقيقي لا من قبيل الانشاء الحقيقي للامر الاعتباري، والمصحح لهذا الادعاء هو المصحح لاعتبارها فمنشأ اعتبارها ليس هو الانشاء، بل هو مصحح ادعاء إنشاءها، مثلا القضاوة التي يدعي اعتبارها من مجرد إنشاء السلطان الذي بيده الامر ليس المصحح لاعتبارها نفس انشائها بل المصحح التزام السلطان بتنفيذ قضاء من جعلت له فإذا التزم السلطان بتنفيذ قضاء زيد صح اعتبار كونه قاضيا، ولو قال: جعلتك قاضيا، ولم يلتزم بذلك أو التزم برد قضائه لا يصح اعتبار كونه قاضيا، فدوران الاعتبار وعدمه مدار الالتزام وعدمه كاشف عن ان الانشاء مما لا دخل له في اعتبارها، واما انشاء القضاوة فهو من أجل تحقق الالتزام النفسي المصحح لادعاء كونه قاضيا، ومنه يظهر أن إنشاء الطلب، والوجوب، والبعث، والزجر، والكراهة، والالزام، وكثير من عناوين العقود والايقاعات من الطلاق، والنكاح، والصلح، والرهن، والمساقات، والمزارعة والاجارة، والوديعة، والوقف، إلى غير ذلك من قبيل الانشاء الادعائي للامر الحقيقي لا من قبيل الانشاء الحقيقي لامر اعتباري (وكيف كان) فانشاء هذه العناوين ونحوها قد يكون بصيغ تخصه كصيغ الامر التي هي مستعملة في انشاء المادة على التحقيق، ومثلها صيغ النهي، وقد يكون بصيغ يشترك فيها الخبر فيتوقف دلالتها عليه على القرينة كصيغ العقود والايقاعات التي هي بهيئة الماضي أو المضارع أو الخبر، ولعل منها صيغة النهي أعني: لا تقعل، وحينئذ يقع الكلام في أنها إنشاء موضوعة لنفس معناها إذا استعملت خبرا فالمعنى الموضوع

٢٨

حيث أن أسماء الاشارة وضعت ليشار بها إلى معانيها

______________________________

له في (بعت) إنشاء وخبرا واحد، والاختلاف جاء من قبل الاستعمال من حيث قصد الحكاية أو قصد الايجاد - كما لم يستبعده المصنف - أو أنها موضوعة للجامع بين المعاني المقصود ايجادها، والخبر موضوع للجامع بين المعاني المقصود حكايتها عن الواقع، أو انها موضوعة للمعاني الجزئية، لان المنشأ موجود بالانشاء فيكون جزئيا ؟ أقوال أو وجوه، ويبطل الاخير أن الجزئية الآتية من قبل الانشاء يمتنع أن تؤخذ في المنشأ، ويبطل الثاني لزوم تعدد الوضع بلا مقتض فيتعين الاول. هذا في الصيغ المشتركة، وأما المختصة فلا مجال للكلام فيها. نعم لدعوى وضعها للجزئيات مجال لكن عرفت انه محال ولعله إلى هذا اشار بقوله فتأمل

*

(قوله: حيث أن أسماء الاشارة) لا ينبغي التأمل في أن الاشارة التي يتوهم دخلها في معنى أسماء الاشارة هي الاشارة الذهنية إلى ما هو متعين عند المخاطب بنحو يكون كالمتعين الخارجي بالاشارة الخارجية الحسية لا الاشارة الخارجية، وإلا فكثيرا ما تستعمل في معان لا يشار إليها خارجا، بل يمتنع أن يشار إليها كذلك بلا عناية في استعمالها كذلك، بل هو كاستعمالها في المشار إليه خارجا. نعم التعين اللازم في معانيها المتوقف عليه الاشارة المذكورة قد يكون مستندا إلى الاشارة الخارجية كما قد يكون مستندا إلى تقدم ذكره في كلام المتكلم أو المخاطب أو غيرهما، ولا جل ذلك صارت معدودة في المعارف كالمعرف باللام والمضاف، ومنه يظهر أن المراد من كونها موضوعة للجزئيات أنها موضوعة لجزئيات مفاهيمها الكلية أعني جزئيات المفرد المذكر المشار إليه أو المؤنث أو الجمع أو غير ذلك سواء أكانت جزئيات في نفسها أم كليات لما عرفت من صحة الاشارة إلى ما ليس جزئيا حقيقا خارجيا بلا تصرف ولا عناية، وعلى هذا تشكل دعوى أنها موضوعة للمعنى العام كما ذكر المصنف (ره) إذ لا يفهم منها ذلك ولا تحكي عنه في الاستعمالات الجزئية لا بنفسه ولا مرآة للفرد بل

٢٩

وكذا بعض الضمائر، وبعضها ليخاطب بها المعنى، والاشارة والتخاطب يستدعيان التشخص كما لا يخفى (فدعوى) أن المستعمل فيه في مثل هذا، أو هو، أو اياك، إنما هو المفرد المذكر، وتشخصه إنما جاء من قبل الاشارة أو التخاطب بهذه الالفاظ إليه، فان الاشارة أو التخاطب لا يكاد يكون الا إلى الشخص أو معه (غير مجازفة) فتلخص مما حققناه أن التشخص الناشئ من قبل الاستعمالات لا يوجب تشخص المستعمل فيه سواء كان تشخصا خارجيا كما في مثل أسماء الاشارة أو ذهنيا كما في أسماء الاجناس، والحروف، ونحوهما من غير فرق في ذلك أصلا بين الحروف وأسماء الاجناس، ولعمري هذا واضح، ولذا ليس في كلام القدماء من كون الموضوع له أو المستعمل فيه خاصا في الحرف عين ولا أثر،

______________________________

المحكي بها نفس المعنى المتعين بالاشارة " وملاحظة " موارد الاستعمال كافية في الشهادة بما ذكرنا كيف ولعل استعمالها في المفهوم الكلي بأن يراد من لفظ (هذا) مفهوم المفرد المذكر المشار إليه ليس من الاستعمالات الصحيحة. نعم يصح استعمالها فيه بما انه مفهوم متعين يصح الاشارة إليه كما يشار إلى غيره من المفاهيم المتعينة ثم ان الكلام في الضمائر والموصولات هو الكلام في اسم الاشارة بعينه فتأمل جيدا (قوله: وكذا بعض) كضمير الغائب لكن كون المراد من الاشارة فيه الاشارة الذهنية مما لا ينبغي التأمل فيه (قوله: يستدعيان التشخص) قد عرفت ان الاشارة الذهنية لا تستدعي التشخص وانما الذي يستدعيه هو الاشارة الخارجية غير المعتبرة في استعمال أسماء الاشارة (قوله: إلى الشخص أو معه) (الاول) راجع إلى الاشارة (والثاني) راجع إلى التخاطب (قوله: كما في مثل أسماء) كيف تصح دعوى كون تشخص المشار إليه آتيا من قبل الاستعمال مع أنه أمر حقيقي يتوقف عليه الاستعمال بناء على اعتبار الاشارة الخارجية فتأمل (قوله: ونحوهما) من جميع المعاني الكلية إذ الاستعمال لا بد فيه من لحاظ المعنى من دون فرق بين كون المستعمل فيه كليا أو جزئيا وهذا اللحاظ هو الموجب

٣٠

وإنما ذهب إليه بعض من تأخر، ولعله لتوهم كون قصده بما هو في غيره من خصوصيات الموضوع له أو المستعمل فيه، والغفلة عن أن قصد المعنى من لفظه على انحائه لا يكاد يكون من شئونه وأطواره، وإلا فليكن قصده بما هو هو وفي نفسه كذلك، فتأمل في المقام فانه دقيق وقد زل فيه اقدام غير واحد من أهل التحقيق والتدقيق (الثالث) صحة استعمال اللفظ فيما يناسب ما وضع له هل هو بالوضع أو بالطبع ؟ وجهان، بل قولان أظهرهما أنه بالطبع، بشهادة الوجدان بحسن الاستعمال فيه ولو مع منع الواضع عنه، وباستهجان الاستعمال فيما لا يناسبه ولو مع ترخيصه، ولا معنى لصحته إلا حسنه، والظاهر أن صحة استعمال اللفظ في نوعه أو مثله من قبيله كما تأتي الاشارة إلى تفصيله (الرابع) لا شبهة في صحة اطلاق اللفظ وإرادة نوعه به كما إذا قيل: ضرب مثلا فعل ماض أو صنفه كما إذا قيل: زيد في (ضرب زيد) فاعل، إذا لم يقصد به شخص القول،

______________________________

*

للجزئية الذهنية (قوله: وإنما ذهب إليه) قد عرفت أنه الظاهر من الاستعمالات العرفية في الحروف والضمائر وأسماء الاشارة والموصولات. نعم لولا ذلك كان المتعين القول بان الموضوع له فيها عام حيث يدور الامر بين ان يكون كذلك وان يكون خاصا إذ الثاني يحتاج إلى عناية لا داعي إليها والله سبحانه أعلم (قوله: لتوهم كون) بل لما عرفت مما لا مجال لدعوى غيره (قوله: بل قولان) المحكي عن الجمهور هو الاول لكنه نوعي ولم يتضح وجهه غير القياس على الحقيقة وفي اثبات مثله لذلك ولا سيما مع الفارق لتوقف الحقيقة على الوضع والاكتفاء بالمناسبة في المجاز وهي ذاتية منع واضح (قوله: من قبيله) يعني بالطبع (قوله: كما إذا قيل) في كونه من المستعمل في نوعه تأمل إذ المحكي به اللفظ الدال على الحدث ولا ينطبق على الحاكي كما سيظهر من آخر عبارة المتن، ولو قال بدله: ضرب كلمة، لكان أجود، وكذا الحال في المثال الثاني ولو قال بدله: زيد في ضرب زيد مرفوع، لكان مما استعمل في

٣١

أو مثله ك‍ (ضرب) في المثال فيما إذا قصد، وقد أشرنا إلى ان صحة الاطلاق كذلك وحسنه إنما كان بالطبع لا بالوضع، وإلا كانت المهملات موضوعة لذلك لصحة الاطلاق كذلك فيها، والالتزام بوضعها كذلك كما ترى، وأما اطلاقه وإرادة شخصه كما إذا قيل: زيد لفظ، وأريد منه شخص نفسه ففى صحته بدون تأويل، لاستلزامه اتحاد الدال والمدلول أو تركب القضية من جزئين - كما في الفصول - بيان ذلك أنه إن اعتبر دلالته على نفسه حينئذ

______________________________

صنفه (قوله: أو مثله) معطوف على نوعه وصنفه (قوله: كضرب) تمثيل لما استعمل في مثله يعني كما إذا قيل: ضرب فعل ماض، ويقصد شخص (ضرب) الواقع في (ضرب زيد) فانه شخص مماثل له (قوله: وقد اشرنا) يعني في الامر الثالث (قوله: صحة الاطلاق) أما الدلالة فهي بالقرائن الحالية أو المقالية (قوله: كما ترى) يعني يلزم خلف المفروض إلا أن يكون المراد بالمهمل ما لم يوضع لمعنى غير سنخ لفظه ولازمه نفي المهمل مطلقا بل كون الالفاظ مشتركة بين المعنى الموضوع له وبين سنخ اللفظ وذلك ما لم يقل به احد - كما في الفصول - والعمدة انه لا حاجة إلى الوضع لمثل هذه المعاني بعد صحة الاستعمال ضرورة جواز ان يخترع الواضع لفظا ويقول: أضع هذا اللفظ لمعنى كذا، فيستعمل اللفظ قبل وضعه لمعنى في نوعه أو صنفه ولا ريب في صحته (قوله: بدون تأويل) قد يشعر بجواز ارادة شخصه مع التأويل بان يكون المراد من قوله: زيد لفظ، زيد هذا اللفظ لفظ، فيكون الموضوع مقدرا لكن هذا كله ليس من ارداة شخص اللفظ من اللفظ بل عدم ارادة شئ منه (قوله: لاستلزامه اتحاد الدال) فان قلت: أي مانع من اتحاد الدال والمدلول (قلت): الدال بمعنى فاعل الدلالة لا مانع من اتحاده مع المدلول كما تقول: أنا قمت: أما الدال بمعنى الحاكي الفاني في المدلول فيمتنع اتحاده معه لان الدال ملحوظ باللحاظ الآلي والمدلول ملحوظ باللحاظ الاستقلالي ويمتنع اجتماع اللحاظين لشئ واحد

٣٢

لزم الاتحاد والا لزم تركبها من جزئين لان القضية اللفظية على هذا إنما تكون حاكية عن المحمول والنسبة لا الموضوع فتكون القضية المحكية بها مركبة من جزئين - مع امتناع التركيب إلا من الثلاثة، ضرورة استحالة ثبوت النسبة بدون المنتسبين (قلت): يمكن أن يقال: إنه يكفي تعدد الدال والمدلول اعتبارا وإن اتحدا ذاتا، فمن حيث انه لفظ صادر عن لافظه كان دالا، ومن حيث أن نفسه وشخصه مراده كان مدلولا - مع أن حديث تركب القضية من جزئين لولا اعتبار الدلالة في البين إنما يلزم إذا لم يكن الموضوع نفس شخصه والا كان اجزاؤها الثلاثة

______________________________

*

(قوله: لزم الاتحاد) يعني بين الدال والمدلول (قوله: ضرورة استحالة) وعليه فتمتنع الحكاية عن النسبة لانها لا تقوم بطرف واحد (قوله: يكفي تعدد الدال) يعني أن شخص اللفظ وان كان واحدا ذاتا إلا انه متعدد بالاعتبار فانه بلحاظ كونه صادرا عن اللافظ غيره بلحاظ كونه مرادا له فهو باللحاظ الاول دال وباللحاظ الثاني مدلول فلا يتحد الدال والمدلول (أقول): حيثية كونه صادرا من اللافظ لا تتقوم بها صفة الدالية لان الدلالة اللفظية انما تكون باللفظ من حيث هو، وكذا المدلولية لا تتقوم بحيثية كونه مرادا للافظ لان المحكي باللفظ ذات المعنى ولو مع عدم كونه مرادا كما سيأتي - مع أنه لو فرض كون الحيثيتين المذكورتين دخيلتين في الدلالة فالذات لا تكون خارجة عن كونها دالة ومدلولا عليها إذ لا مجال لتوهم كون الحيثية الاولى تمام موضوع الدالية، والحيثية الثانية تمام موضوع المدلولية ليتعدد الموضوع ذاتا أيضا ومجرد التعدد بالحيثيات مع اشتراك ذات واحدة بينهما موجب لاجتماع اللحاظين الآلي والاستقلالي (قوله: كان اجزاؤها الثلاثة) توضيح ذلك ان القضية الذهنية لابد ان تكون أجزاؤها ثلاثة، موضوع ومحمول ونسبة بينهما، لامتناع تقوم النسبة بطرف واحد، إلا ان الحاكي عنها قد يكون لفظا أو كتابة أو اشارة وقد يكون صورة خارجية كما لو صورت أسدا مفترسا رجلا فوضعته على قبر لتحكي أن الميت

٣٣

تامة وكان المحمول فيها منتسبا إلى شخص اللفظ ونفسه غاية الامر انه نفس الموضوع لا الحاكى عنه، فافهم فانه لا يخلو عن دقة، وعلى هذا ليس من باب استعمال اللفظ بشئ، بل يمكن أن يقال: إنه ليس أيضا من هذا الباب ما إذا اطلق اللفظ

______________________________

افترسه سبع، وقد يكون مؤلفا من سنخين من المذكورات كما لو أومأت إلى شخص فقلت: صديقي، ونحوه من انحاء التأليف، وتشترك جميع هذه الانواع في كون الحاكي فيها غير المحكي خارجا وذهنا فانيا فيه فناء الحاكي في محكيه وقد يكون بعض أجزاء القضية غير محتاج إلى حاك يحكي عنه لحضور صورته في الذهن بتوسط وقوع الحس على وجوده الخارجي ويكون الجزء الآخر للقضية لفظا كما ترى الحاسب للحيوانات أو غيرها يقول - كلما مر به واحد منها -: واحد، اثنان، ثلاثة، فان القضية الاولى يحكيها الفرد الخارجي من الغنم مثلا مع قول الحاسب: واحد، والثانية يحكيها الفردان من الغنم مع قوله: اثنان، وهكذا وقد يكون الجزء الآخر كتابة كما ترى الجندي مكتوبا على (قلنسوته) اسم منصبه فتكون القضية مركبة من جزء بنفسه حاك عن نفسه وجزء آخر محكي بالكتابة، وقد يكون بتوسط لفظ حاك عنه في كلام غير المتكلم كما إذا قيل: من هذا، فتقول: زيد، فان (زيد) خبر عن المشار إليه الحاكي عنه اسم الاشارة في كلام السائل، ولا حاجة في امثال هذه المقامات إلى التقدير، ومنها موارد حذف الفعل والفاعل والمبتدأ والخبر والافعال المستتر فيها الضمير وجوبا، والتقدير في كلام النحاة في امثال هذه المقامات من باب المحافظة على قواعد الفن، ففي المقام نقول: إذا قال: زيد لفظ، ولم يقصد من زيد معنى وقصد حمل اللفظ عليه فهو قضية مؤلفة من وجود الموضوع خارجا الموجب لحضور صورته ذهنا ولفظ المحمول، هذا في القضية الحاكية أما القضية الذهنية فاجزاؤها الثلاثة تامة وليس هذا من استعمال لفظ في معنى ولا من اتحاد الدال والمدلول، بل من باب ايجاد شئ بقصد احضار صورته في الذهن لتكون موضوعا للقضية الذهنية (قوله: بل يمكن ان يقال)

٣٤

وأريد به نوعه، أو صنفه، فانه فرده ومصداقه حقيقة لا لفظه وذاك معناه كي يكون مستعملا فيه استعمال اللفظ في المعنى، فيكون اللفظ نفس الموضوع الملقى إلى المخاطب خارجا قد احضر في ذهنه بلا وساطة حاك وقد حكم عليه ابتداء بدون واسطة اصلا لا لفظه كما لا يخفى فلا يكون في البين لفظ قد استعمل في معنى، بل فرد قد حكم في القضية عليه بما هو مصداق لكلي اللفظ لا بما هو خصوص جزئيه. نعم فيما إذا أريد به فرد آخر مثله كان من قبيل استعمال اللفظ في المعنى، اللهم إلا ان يقال: إن لفظ (ضرب) وان كان فردا له الا انه إذا قصد به حكايته وجعل عنوانا له ومرآته كان لفظه المستعمل فيه، وكان حينئذ كما إذا قصد به فرد مثله (وبالجملة) فإذا اطلق واريد به نوعه كما إذا اريد به فرد مثله كان من باب استعمال اللفظ في المعنى وإن كان فردا منه وقد حكم في القضية بما يعمه، وإن اطلق ليحكم عليه بما هو فرد كليه ومصداقه لا بما هو لفظه وبه حكايته فليس من هذا الباب لكن الاطلاقات المتعارفة ظاهرا ليست كذلك كما لا يخفى وفيها ما لا يكاد يصح ان يراد منه ذلك مما كان الحكم في القضية لا يكاد يعم شخص اللفظ كما في مثل ضرب فعل ماض (الخامس) لا ريب في كون الالفاظ موضوعة بازاء معانيها من حيث هي لا من حيث هي مرادة للافظها لما عرفت بما لا مزيد عليه من أن قصد المعنى

______________________________

هذا خلاف الظاهر من امثال هذه الاستعمالات (قوله: بما هو مصداق لكلي) لا يخفى أن الحكم على الشئ بما هو مصداق كليه وان كان لا يخرج عن كونه حكما على الشخص ولاجله تكون القضية شخصية لكن الحكم المذكور يدل بالالتزام على ثبوت الحكم للكلي (قوله: اللهم الا ان يقال) استدراك على قوله: بل يمكن أن يقال.. الخ (قوله: إذا قصد به) قد عرفت أنه الظاهر من هذه الاستعمالات كما سيأتي منه (قوله: وفيها ما لا يكاد... الخ) قد أشرنا إلى ان الحكم في المثال ليس حكما على النوع فكلما كان حكما على النوع

٣٥

على أنحائه من مقومات الاستعمال فلا يكاد يكون من قيود المستعمل فيه هذا مضافا إلى ضرورة صحة الحمل والاسناد في الحمل بلا تصرف في الفاظ الاطراف - مع انه لو كانت موضوعة لها بما هي مرادة لما صح بدونه، بداهة أن المحمول على زيد في زيد قائم

______________________________

يجوز فيه الامران بلا خلف نعم يمتنع شمول الحكم لنفس اللفظ لانه ملحوظ باللحاظ الآلي فيمتنع ان يكون للحكم اطلاق يشمله نظير قوله: كل خبري كاذب، (قوله: فلا يكاد يكون... الخ) لما تقدم من لزوم تعدد اللحاظ وعدم الانطباق على الخارج ولا يرد اشكال التفكيك بين الاسم والحرف لعدم اختصاص الدعوى في المقام بنوع دون نوع هذا لو أريد أنه موضوع للمراد الذهني بما هو كذلك ولو أريد أنه موضوع للمعنى الواقعي الذي له مطابق ذهني لم يرد عليه اشكال عدم الانطباق على الخارج لجواز انطباق المعنى المذكور على الخارج إذا كان له مطابق في الذهن. هذا كله لو كان المراد من الارادة المتوهم أخذها في الموضوع له الارادة الاستعمالية التي هي لحاظ المعنى فانيا فيه اللفظ كما هو مقتضى الجمود على ظاهر تحرير محل النزاع هنا وفي الفصول ولو أريد من الارادة تفهيم ارادة المعنى التي هي علة الاستعمال يرد عليه نظير الاشكال الاول أعني لزوم تعدد الارادة لو اريد استعماله فيما وضع له - مضافا - إلى أن إرادة تفهيم المعنى علة للوضع للمعنى نفسه فلو وضع للمعنى المقيد بالارادة لزم انفكاك المعلول عن علته وهذا الاشكال يرد في الحروف لو اخذ اللحاظ قيدا في معانيها وكذا يرد هنا على تقدير ارادة المعنيين السابقين

*

(قوله: ضرورة صحة الحمل) لم يورد هذا الايراد في معاني الحروف لانها لا تقع طرفا للنسبة الحملية وصورة القياس المؤلف من مقدمات هذا الاشكال هكذا: لو كانت الالفاظ موضوعة للمعاني المرادة لم يصح الاسناد والحمل بلا تصرف، لكنه يصح كل منهما بلا تصرف، فليست موضوعة للمعاني المرادة، أما المقدمة الاولى فظاهرة لان المعاني المرادة جزئيات ذهنية، لما عرفت من معنى الارادة الاستعمالية، والجزئيات الذهنية لا يصح اسناد مثل (قام) إليها سواء

٣٦

والمسند إليه في ضرب زيد، مثلا هو نفس القيام والضرب، لا بما هما مرادان - مع أنه يلزم كون وضع عامة الالفاظ عاما والموضوع له خاصا لمكان اعتبار خصوص إرادة اللافظين فيما وضع له اللفظ، فانه لا مجال لتوهم أخذ مفهوم الارادة فيه كما لا يخفى وهكذا الحال في طرف الموضوع

______________________________

أكان المراد منه القيام الخارجي ام الذهني لعدم النسبة، وكذا لا يصح حمل بعضها على بعض لتباينها فالاسناد إليها والحمل عليها يتوقف على التصرف فيها بملاحظتها خارجية وهذا تجريد لها عن قيد اللحاظ، وأما أنه يصح الحمل والاسناد بلا تصرف فلضرورة صدق قولنا: ضرب زيد، وزيد قائم، بلا تصرف ولا عناية فتصدق النتيجة، ويمكن أن يقرر الاشكال بنحو آخر فيقال: لا ريب في أن قول القائل: ضرب زيد أو زيد قائم إنما يراد به نسبة الضرب بما هو إلى زيد، وحمل القيام بما هو أيضا على زيد كذلك، كما لا ريب في كون الاسناد والحمل المذكورين بلا تصرف وتجوز في الالفاظ فلا بد ان تكون الالفاظ موضوعة لنفس الذوات المذكورة بما هي هي لا بما هي مرادة، وعبارة المتن إلى التقريب الثاني أقرب وعليه يجري على جميع محتملات الارادة بخلاف التقريب الاول فانه لا يجري إلا على الاول " وكيف كان " فقوله: مع أنه لو، من متممات الاشكال لا اشكال آخر (قوله: والمسند إليه) معطوف على المحمول والضمير المجرور راجع إلى زيد لا إلى الموصول (قوله: مع انه يلزم كون.. الخ) هذا اشكال آخر على القول المذكور (ووجه) اللزوم أن الموضوع له إذا كان المقيد بالارادة تمتنع دعوى التقييد بمفهوم الارادة ضرورة أنه لا تفهم من اللفظ فلا بد أن يكون التقييد بالارادات الجزئية فيكون الموضوع له خاصا سواء أكان من قبيل أسماء الاجناس أم من قبيل الاعلام أما الاول فلان المعنى في نفسه وإن كان كليا إلا أنه بعد تقييده بالارادة يكون عين تلك الافراد المقيدة، وأما الثاني فلان المعنى في نفسه وإن كان جزئيا خارجا لكن بعد تقييده بالارادات

٣٧

(وأما) ما حكي عن العلمين الشيخ الرئيس والمحقق الطوسي من مصيرهما إلى أن الدلالة تتبع الارادة، فليس ناظرا إلى كون الالفاظ موضوعة للمعاني بما هي مرادة - كما توهمه بعض الافاضل - بل ناظرا إلى أن دلالة الالفاظ على معانيها بالدلالة التصديقية: أي دلالتها على كونها مرادة للافظها، تتبع ارادتها منها، وتتفرع عليها تبعية

______________________________

المتعددة المتباينة يتعدد وينحل إلى المتباينات (قوله: وأما ما حكي عن العلمين) بل حكي عن اكثر المحققين من علماء المعقول والمنقول (قوله: فليس ناظرا إلى) قال بعض مشايخنا " قده " في كلام له في هذا المقام -: ليس للنزاع في كون الالفاظ موضوعة للمعاني المرادة عين ولا أثر في كلام القدماء، وإنما حكي عن العلمين القول بأن الدلالة تتبع الارادة فظن صاحب الفصول (ره) أنهما يقولان بأن الالفاظ موضوعة للمعاني المرادة، انتهى ملخصا (قوله: بعض الافاضل) يعني صاحب الفصول لكن ظاهره نوع خاص منها فليلحظ،

*

(قوله: بل ناظرا إلى أن دلالة) توضيح ما ذكره المصنف (ره) في محمل كلام العلمين أن الكلام الصادر من المتكلم له دلالتان إحداهما الدلالة التصورية وهي دلالته على نفس المعنى التى هي عبارة عن خطوره وحضوره في الذهن (ثانيتهما) الدلالة التصديقية، وهي دلالته على أن المتكلم أراد من الكلام معناه (والاولى) منهما لا تتوقف على ارادة المعنى بل ولا على الوضع كما في دلالته الالتزامية حيث لا يكون المدلول الالتزامي موضوعا ولا مرادا لللافظ، وكذا في اللفظ الصادر ممن لا شعور له، فان المعنى يخطر في البال بمجرد سماع اللفظ ولو علم بعدم ارادة اللافظ له (وأما) الثانية فهي التي تتوقف على الارادة توقف العلم على المعلوم لتعلقها بالارادة فكيف تكون بدونها فمراد العلمين من تبعية الدلالة للارادة تبعية الدلالة الثانية لها وهو في محله (أقول): قال الشيخ الرئيس في محكي الشفاء، إن اللفظ بنفسه لا يدل البتة، ولولا ذلك لكان لكل لفظ حق من المعنى

٣٨

مقام الاثبات للثبوت، وتفرع الكشف عن الواقع المكشوف، فانه لولا الثبوت في الواقع لما كان للاثبات والكشف والدلالة مجال، ولذا لا بد من إحراز كون المتكلم بصدد الافادة في إثبات ارادة ما هو ظاهر كلامه، ودلالته على الارادة، وإلا لما كانت لكلامه هذه الدلالة وإن كانت له الدلالة التصورية: أي كون سماعه موجبا لاخطار معناه الموضوع له، ولو كان من وراء الجدار أو من لافظ بلا شعور ولا اختيار (إن قلت): على هذا يلزم أن لا يكون هناك دلالة عند الخطأ

______________________________

لا يجاوزه، بل انما يدل بارادة اللافظ... إلى أن قال: فالمتكلم باللفظ المفرد لا يريد أن يدل بجزئه على جزء من معنى الكل... إلى أن قال: وبالجملة فانه إن دل فانما يدل لا حين ما يكون جزءا من اللفظ المفرد بل إذا كان لفظا قائما بنفسه، فاما وهو جزء فلا يدل على معنى البتة. انتهى، وقال العلامة " ره " في جوهر النضيد في البحث عن اشكال انتقاض تعريفات الدلالات الثلاث بعضها ببعض فيما لو كان اللفظ مشتركا بين الكل والجزء أو اللازم: ولقد أوردت عليه - يعنى المحقق الطوسي - " قدس روحه " هذا الاشكال، وأجاب بأن اللفظ لا يدل بذاته على معناه بل باعتبار الارادة والقصد واللفظ حينما يراد منه المعنى المطابقي لا يراد منه المعنى التضمني فهو انما يدل على معنى واحد لا غير وفيه نظر انتهى، والتأمل في كلامهما يقضي بأن المراد أن الدلالة على المعنى التي هي الدلالة التصورية تابعة للارادة، بل كلام الثاني صريح في ذلك ولا سيما بملاحظة ظهوره في تبعية الدلالة الالتزامية للارادة إذ من المعلوم ان الدلالة الالتزامية تصورية لا تصديقية (قوله: مقام الاثبات) أي مقام العلم بالثبوت الواقعي (قوله: ولذا لا بد) هذا لا يقتضي التفريع إذ الاحتياج إليه لاجل تحقق الظهور النوعي الصالح للدلالة فتأمل (قوله: ودلالته) معطوف على إثبات (قوله: ولو كان من وراء الجدار) لو أبدله بقوله: ولو كان من الجدار، لكان أولى

٣٩

والقطع بما ليس بمراد، والاعتقاد بارادة شئ ولم يكن له من اللفظ مراد (قلت): نعم لا يكون حينئذ دلالة، بل يكون هناك جهالة وضلالة يحسبها الجاهل دلالة ولعمري ما أفاده العلمان من التبعية على ما بيناه واضح لا محيص عنه، ولا يكاد ينقضي تعجبي كيف رضي المتوهم أن يجعل كلامهما ناظرا إلى ما لا ينبغي صدوره عن فاضل فضلا عمن هو علم في التحقيق والتدقيق. (السادس) لا وجه لتوهم وضع للمركبات غير وضع المفردات ضرورة عدم الحاجة إليه بعد وضعها

______________________________

*

(قوله: والقطع بما) أي عند القطع بارادة المتكلم ما ليس مرادا له في الواقع (قوله: لا تكون حينئذ دلالة بل) أقول إنكار تحقق دلالة اللفظ مع عدم الارادة واقعا أو مع العلم بعدمها مجال إشكال، فان سند الانكار إن كان مقدمية وجود الارادة واقعا للدلالة (ففيه) أن الوجود الواقعي لا صلاحية فيه للمقدمية للوجود العلمي، وان كان مقدمية العلم بالارادة للعلم بالدلالة فهو - لو سلم - لا يقتضي توقف الدلالة على الارادة - مضافا إلى أن دلالة اللفظ على شئ إرادة كان أو غيرها متقومة بظهوره في المدلول، ومن المعلوم تحقق الظهور للفظ وإن لم تكن ارادة في الواقع. نعم مطابقة الظهور للواقع موقوفة على الارادة لكنه خارج عن محل الكلام، كما أن العلم الحقيقي بالارادة ملازم للارادة لكنه ليس من مقتضيات الكلام إذ العلم بالارادة إنما يحصل من أسباب خاصة لا من نفس الكلام فلا وجه لدعوى دلالة الكلام على الارادة بل اللازم نسبة الدلالة على الارادة إلى تلك الاسباب الموجبة للعلم بها لا إلى الكلام فلاحظ، (قوله: على ما بيناه واضح) قد عرفت أنه مشكل في نفسه، وأشكل منه حمل كلامهما عليه والتأمل في كلامهما يقضي بأن مرادهما نفي الدلالة التصورية اللفظية التي هي اصطلاحا من عوارض اللفظ المستعمل في معنى (قوله: لا وجه لتوهم وضع) كأنه لا اشكال في ثبوت وضع مواد المركبات وهيئاتها القائمة بالمركب

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

لم يكن جيش فرعون مانعا من العذاب الإلهي ، ولم تكن سعة مملكتهم وأموالهم وثراؤهم سببا لرفع هذا العذاب ، ففي النهاية أغرقوا في أمواج النيل المتلاطمة إذ أنّهم كانوا يتباهون بالنيل ، فبماذا تفكرون لأنفسكم وأنتم أقل عدّة وعددا من فرعون وأتباعه وأضعف؟! وكيف تغترون بأموالكم وأعدادكم القليلة؟!

«الوبيل» : من (الوبل) ويراد به المطر الشديد والثقيل ، وكذا يطلق على كل ما هو شديد وثقيل بالخصوص في العقوبات ، والآية تشير إلى شدّة العذاب النازل كالمطر.

ثمّ وجه الحديث إلى كفّار عصر بنيّ الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويحذرهم بقوله :( فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً ) (١) (٢) .

بلى إنّ عذاب ذلك اليوم من الشدّة والثقيل بحيث يجعل الولدان شيبا ، وهذه كناية عن شدّة ذلك اليوم.

هذا بالنسبة لعذاب الآخرة ، وهناك من يقول : إنّ الإنسان يقع أحيانا في شدائد العذاب في الدنيا بحيث يشيب منها الرأس في لحظة واحدة.

على أي حال فإنّ الآية تشير إلى أنّكم على فرض أنّ العذاب الدنيوي لا ينزل عليكم كما حدث للفراعنة؟ فكيف بكم وعذاب يوم القيامة؟

في الآية الاخرى يبيّن وصفا أدقّ لذلك اليوم المهول فيضيف :( السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً ) .

إنّ الكثير من الآيات الخاصّة بالقيامة وأشراط الساعة تتحدث عن

__________________

(١) يوما مفعول به لتتقون ، و «تتقون» ذلك اليوم يراد به تتقون عذاب ذلك اليوم ، وقيل (يوم) ظرف لـ (تتقون) أو مفعول به لـ (كفرتم) والاثنان بعيدان.

(٢) «شيب» جمع (أشيب) ويراد به المسن ، وهي من أصل مادة شيب ـ على وزن عيب ـ والمشيب يعني تغير لون الشعر إلى البياض.

١٤١

انفجارات عظيمة وزلازل شديدة ومتغيرات سريعة ، والآية أعلاه تشير إلى جانب منها.

فما حيلة الإنسان الضعيف العاجز عند ما يرى تفطر السموات بعظمتها لشدّة ذلك اليوم؟!(١)

وفي النّهاية يشير القرآن إلى جميع التحذيرات والإنذارات السابقة فيقول تعالى :( إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ ) .

إنّكم مخيرون في اختيار السبيل ، فمن شاء اتّخذ إلى ربّه سبيلا ، ولا فضيلة في اتّخاذ الطريق إلى الله بالإجبار والإكراه ، بل الفضيلة أن يختار الإنسان السبيل بنفسه وبمحض إرادته.

والخلاصة أنّ الله تعالى هدى الإنسان إلى النجدين ، وجعلهما واضحين كالشمس المضيئة في وضح النهار ، وترك الإختيار للإنسان نفسه حتى يدخل في طاعته سبحانه بمحض إرادته ، وقد احتملت احتمالات متعددة في سبب الإشارة إلى التذكرة ، فقد قيل أنّها إشارة إلى المواعظ التي وردت في الآيات السابقة ، وقيل هي إشارة إلى السورة بكاملها ، أو إشارة إلى القرآن المجيد.

ولعلها إشارة إلى إقامة الصلاة وقيام الليل كما جاء في الآيات من السورة ، والمخاطب هو النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والآية تدل على توسعة الخطاب وتعميمه لسائر المسلمين ، ولهذا فإنّ المراد من «السبيل» في الآية هو صلاة الليل ، والتي تعتبر سبيل خاصّ ومهمّة تهدي إلى الله تعالى ، كما ذكرت في الآية (٢٦) من سورة الدهر بعد أن أشير إلى صلاة الليل بقوله تعالى :( وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً ) .

ويقول بعد فاصلة قصيرة :( إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً )

__________________

(١) «المنفطر» : من الانفطار بمعنى الإنشقاق ، والضمير (به) يعود لليوم ، والمعنى السماء منشقة بسبب ذلك اليوم والسماء جائزة للوجهين أي أنّه تذكر وتؤنث.

١٤٢

وهي بعينها الآية التي نحن بصدد البحث فيها(١) .

وبالطبع هذا التّفسير مناسب ، والأنسب منه أن تكون الآية ذات مفهوم أوسع حيث تستوعب هذه السورة جميع مناهج صنع الإنسان وتربيته كما أشرنا إلى ذلك سابقا.

* * *

ملاحظة

المراحل الأربع للعذاب الإلهي

الآيات السابقة تهدد المكذبين المغرورين بأربعة أنواع من العذاب الأليم : النكال ، الجحيم ، الطعام ذو الغصّة ، والعذاب الأليم ، هذه العقوبات في الحقيقة هي تقع في مقابل أحوالهم في هذه الحياة الدنيا.

فمن جهة كانوا يتمتعون بالحرية المطلقة.

الحياة المرفهة ثانيا.

لما لهم من الأطعمة السائغة من جهة ثالثة.

والجهة الرابعة لما لهم من وسائل الراحة ، وهكذا سوف يجزون بهذه العقوبات لما قابلوا هذه النعم بالظلم وسلب الحقوق والكبر والغرور والغفلة عن الله تعالى.

* * *

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ١٤٧.

١٤٣

الآية

( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٠) )

التّفسير

فاقرؤوا ما تيسر من القرآن :

هذه الآية هي من أطول آيات هذه السورة وتشتمل على مسائل كثيرة ، وهي مكملة لمحتوى الآيات السابقة ، وهناك أقوال كثيرة للمفسّرين حول ما إذا كانت

١٤٤

هذه الآية ناسخة لحكم صدر السورة أم لا ، وكذلك في مكّيتها أو مدنيتها ، ويتّضح لنا جواب هذه الأسئلة بعد تفسير الآية.

فيقول تعالى :( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ ) (١) .

الآية تشير إلى نفس الحكم الذي أمر به الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صدر السورة من قيام الليل والصلاة فيه ، وما أضيف في هذه الآية هو اشتراك المؤمنين في العبادة مع النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (بصيغة حكم استحبابي أو باحتمال حكم وجوبي لأنّ ظروف صدر الإسلام كانت تتجاوب مع بناء ذواتهم والاستعداد للتبليغ والدفاع عنه بالدروس العقائدية المقتبسة من القرآن المجيد ، وكذا بالعمل والأخلاق وقيام الليل ، ولكن يستفاد من بعض الرّوايات أنّ المؤمنين كانوا قد وقعوا في إشكالات ضبط الوقت للمدة المذكورة (الثلث والنصف والثلثين) ولذا كانوا يحتاطون في ذلك ، وكان ذلك يستدعي استيقاظهم طول الليل والقيام حتى تتورم أقدامهم ، ولذا بني هذا الحكم على التخفيف ، فقال :( عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) .

«لن تحصوه» : من (الإحصاء) وهو عد الشيء ، أي علم أنّكم لا تستطيعون إحصاء مقدار الليل الذي أمرتم بقيامه والإحاطة بالمقادير الثلاثة.

وقال البعض : إنّ معنى الآية أنّكم لا تتمكنون من المداومة على هذا العمل طيلة أيّام السنة ، ولا يتيسر لعامّة المكلّفين إحصاء ذلك لاختلاف الليالي طولا وقصرا ، مع وجود الوسائل التي توقظ الإنسان.

والمراد بـ( فَتابَ عَلَيْكُمْ ) خفف عليكم التكاليف ، وليس التوبة من الذنب ، ويحتمل أنّه في حال رفع الحكم الوجوبي لا يوجد ذنب من الأساس ، والنتيجة

__________________

(١) يجب الالتفات إلى أنّ (نصفه) و (ثلثه) معطوف على أدنى وليس على (ثلثي الليل) فيكون المعنى أنّه يعلم أنّك تقوم بعض الليالي أدنى من ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه ،. كذا الالتفات إلى أن أدنى تقال لما يقرب من الشيء ، وهنا إشارة إلى الزمن التقريبي.

١٤٥

تكون مثل المغفرة الإلهية.

وأمّا عن معنى الآية :( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) فقد قيل في تفسيرها أقوال ، فقال بعضهم : إنّها تعني صلاة الليل التي تتخللها قراءة الآيات القرآنية ، وقال الآخرون : إنّ المراد منها قراءة القرآن ، وإن لم تكن في أثناء الصلاة ، وفسّرها البعض بخمسين آية ، وقيل مائة آية ، وقيل مائتان ، ولا دليل على ذلك ، بل إنّ مفهوم الآية هو قراءة ما يتمكن عليه الإنسان.

وبديهي أنّ المراد من قراءة القرآن هو تعلم الدروس لبناء الذات وتقوية الإيمان والتقوى.

ثمّ يبيّن دليلا آخرا للتخفيف فيضيف تعالى :( عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ) ، وهذا تخفيف آخر كما قلنا في الحكم ، ولذا يكرر قوله «فاقرؤوا ما تيسر منه» ، والواضح أنّ المرض والأسفار والجهاد في سبيل الله ذكرت بعنوان ثلاثة أمثلة للأعذار الموجهة ولا تعني الحصر ، والمعنى هو أنّ الله يعلم أنّكم سوف تلاقون ، كثيرا من المحن والمشاكل الحياتية ، وبالتالي تؤدي إلى قطع المنهج الذي أمرتم به ، فلذا خفف عليكم الحكم.

وهنا يطرح هذا السؤال ، وهو : هل أنّ هذا الحكم ناسخ للحكم الذي ورد في صدر السورة ، أم هو حكم استثنائي؟ طاهر الآيات يدل على النسخ ، وفي الحقيقة أنّ الغرض من الحكم الأوّل في صدر السورة هو إقامة المنهج العبادي ، وهذا ما حصل لمدّة معينة ثمّ نسخ بعد ذلك بهذه الآية ، وأصبح أخف من ذي قبل ، لأنّ ظاهر الآية يدل على وجود معذورين ، فلذا حفف الحكم على الجميع ، وليس للمعذورين فحسب ، ولذا لا يمكن أن يكون حكما استثنائيا بل هو حكم ناسخ.

ويرد سؤال آخر ، هو : هل أنّ الحكم المذكور بقراءة ما تيسّر من القرآن واجب أم مستحب؟ إنّه مستحب ، واحتمل البعض الآخر الوجوب ، لأنّ قراءة القرآن تبعث على معرفة دلائل التوحيد ، وإرسال الرسل ، وواجبات الدين ، وعلى

١٤٦

هذا الأساس تكون القراءة واجبة.

ولكن يجب الالتفات إلى أنّ الإنسان لا يلزم بقراءة القرآن ليلا أثناء صلاة الليل ، بل يجب على المكلّف أن يقرأ بمقدار ما يحتاجه للتعليم والتربية لمعرفة اصول وفروع الإسلام وحفظه وإيصاله إلى الأجيال المقبلة ، ولا يختص ذلك بزمان ومكان معينين ، والحقّ هو وجوب القراءة لما في ظاهر الأمر (فاقرؤا كما هو مبيّن في اصول الفقه) إلّا أن يقال بقيام الإجماع على عدم الوجوب ، فيكون حينها مستحبا ، والنتيجة هي وجوب القراءة في صدر الإسلام لوجود الظروف الخاصّة لذلك ، واعطي التخفيف بالنسبة للمقدار والحكم ، وظهر الاستحباب بالنسبة للمقدار الميسّر ، ولكن صلاة الليل بقيت واجبة على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طيلة حياته (بقرينة سائر الآيات والرّوايات).

ونقرأ في حديث ورد عن الإمام الباقرعليه‌السلام حيث يقول : «... متى يكون النصف والثلث نسخت هذه الآية( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) واعلموا أنّه لم يأت نبيّ قط إلّا خلا بصلاة الليل ، ولا جاء نبي قط صلاة الليل في أوّل الليل»(١) .

والملاحظ في الآية ذكر ثلاثة نماذج من الأعذار ، أحدها يتعلق بالجسم (المرض) ، والآخر بالمال (السفر) ، والثالث بالدين (الجهاد في سبيل الله) ، ولذا قال البعض : إنّ المستفاد من الآية هو السعي للعيش بمثابة الجهاد في سبيل الله! وقالوا : إنّ هذه الآية مدنيّة بدليل سياقها في وجوب الجهاد ، إلّا أنّ الجهاد لم يكن في مكّة ، ولكن بالالتفات إلى قوله :( سَيَكُونُ ) يمكن أن تكون الآية مخبرة على تشريع الجهاد في المستقبل ، أي بسبب ما لديكم من الأعذار وما سيكون من الأعذار ، لم يكن هذا الحكم دائميا ، وبهذا الصورة يمكن أن تكون الآية مكّية ولا منافاة في ذلك.

ثمّ يشير إلى أربعة أحكام اخرى ، وبهذه الطريقة يكمل البناء الروحي للإنسان فيقول:( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَما

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ٤٥١.

١٤٧

تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .

هذه الأوامر الأربعة (الصلاة ، الزكاة ، القروض المستحبة ، الاستغفار) مع الأمر بالقراءة والتدبر في القران الذي ورد من قبل تشكّل بمجموعها منهجا للبناء الروحي ، وهذا مهم للغاية بالخصوص لمن كان في عصر صدر الإسلام.

والمراد من «الصلاة» هنا الصلوات الخمس المفروضة ، والمراد من «الزكاة» الزكاة المفروضة ومن إقراض الله تعالى هو إقراض الناس ، وهذه من أعظم العبارات المتصورة في هذا الباب ، فإنّ مالك الملك يستقرض بمن لا يملك لنفسه شيئا ، ليرغبهم بهذه الطريقة للإنفاق والإيثار واكتساب الفضائل منها وليتربى ويتكامل بهذه الطريقة.

وذكر «الاستغفار» في آخر هذه الأوامر يمكن أن يكون إشارة إلى هذا المعنى وإيّاكم والغرور إذا ما أنجزتم هذه الطاعات ، وبأنّ تتصوروا بأنّ لكم حقّا على الله ، بل اعتبروا أنفسكم مقصرين على الدوام واعتذروا لله.

ويرى البعض أنّ التأكيد على هذه الأوامر هو لئلا يتصور المسلّم أنّ التخفيف سار على جميع المناهج والأوامر الدينية كما هو الحال في التخفيف الذي امر به النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه في قيام وقراءة القرآن ، بل إنّ المناهج والأوامر الدينية باقية على متانتها وقوّتها(١) .

وقيل إنّ ذكر الزكاة المفروضة في هذه الآية هو دليل آخر على مدنيّة هذه الآية ، لأنّ حكم الزكاة نزل بالمدينة وليس في مكّة ، ولكن البعض قال : إنّ حكم الزكاة نزل في مكّة من غير تعيين نصاب ومقدار لها ، والذي فرض بالمدينة تعيين الأنصاب والمقادير.

* * *

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ١٥٦.

١٤٨

ملاحظات

١ ـ ضرورة الاستعداد العقائدي والثقافي

لغرض إيجاد ثورة واسعة في جميع الشؤون الحياتية أو إنجاز عمل اجتماعي ذي أهمية لا بدّ من وجود قوّة عزم بشرية قبل كل شيء ، وذلك مع الإعتقاد الراسخ ، والمعرفة الكاملة ، والتوجيه والفكري والثقافي الضروري والتربوي ، والتربية الأخلاقية ، وهذا ما قام به النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مكّة في السنوات الاولى للبعثة ، بل في مدّة حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولوجود هذا الأساس المتين للبناء أخذ الإسلام بالنمو السريع والرشد الواسع من جميع الجهات.

وما جاء في هذه السورة هو نموذج حي ومنطقي لهذا المنهج المدروس ، فقد خلّف القيام لثلثي الليل أو ثلثه وقراءة القرآن والتمعن فيه أثرا بالغا في أرواح المؤمنين ، وهيأهم لقبول القول الثقيل والسبح الطويل ، وتطبيق هذه الأوامر التي هي أشدّ وطأ وأقوم قيلا كما يعبّر عنه القرآن ، هي التي أعطتهم هذه الموفقية ، وجهزت هذه المجموعة المؤمنة القليلة ، والمستضعفة والمحرومة بحيث أهلتهم لإدارة مناطق واسعة من العالم ، وإذا ما أردنا نحن المسلمين إعادة هذه العظمة والقدرة القديمة علينا أن نسلك هذا الطريق وهذا المنهج ، ولا يجب علينا إزالة حكومة الصهاينة بالاعتماد على أناس عاجزين وضعفاء لم يحصلوا على ثقافة أخلاقية.

٢ ـ قراءة القرآن والتفكر

يستفاد من الرّوايات الإسلامية أنّ فضائل قراءة القرآن ليس بكثرة القراءة ، بل في حسن القراءة والتدبر والتفكر فيها ، ومن الطريف أنّ هناك رواية

وردت عن الإمام الرضاعليه‌السلام في تفسير ذيل الآية :( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ ) رواها عن

١٤٩

جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما تيسّر منه لكم فيه خشوع القلب وصفاء السر»(١) ، لم لا يكون كذلك والهدف الأساس للقراءة هو التعليم والتربية.

والرّوايات في هذا المعنى كثيرة.

٣ ـ السعي للعيش كالجهاد في سبيل الله

كما عرفنا من الآية السابقة فإنّ السعي لطلب الرزق جعل مرادفا للجهاد في سبيل الله ، وهذا يشير إلى أنّ الإسلام يعير أهمية بالغه لهذا الأمر ، ولم لا يكون كذلك فلأمّة الفقيرة والجائعة المحتاجة للأجنبي لا يمكن لها أن تحصل على الاستقلال والرفاه ، والمعروف أنّ الجهاد الاقتصادي هو قسم من الجهاد مع الأعداء ، وقد نقل في هذا الصدد قول عن الصحابي المشهور عبد الله بن مسعود : «أيما رجل جلب شيئا إلى مدينة من مدائن المسلمين صابرا محتسبا فباعه بسعر يومه كان عند الله بمنزلة الشهداء» ثمّ قرأ :( وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ ) (٢) .

اللهم! وفقنا للجهاد بكلّ أبعاده.

ربّنا! وفقنا لقيام الليل وقراءة القرآن الكريم وتهذيب أنفسنا بواسطة هذا النور السماوي.

ربّنا! منّ على مجتمعنا الإسلامي بمقام الرفعة والعظمة بالإلهام من هذه السورة العظيمة.

آمين ربّ العالمين

نهاية سورة المزّمل

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٢.

(٢) مجمع البيان ، وتفسير أبي الفتوح ، وتفسير القرطبي ، ذيل الآية مورد البحث وقد نقل القرطبي حديثا عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشابه هذه الحديث ، فيستفاد من ذلك أنّ عبد الله بن مسعود قد ذكر الحديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس هو من قوله.

١٥٠
١٥١

سورة

المدّثّر

مكيّة

وعدد آياتها ستّ وخمسون آية

١٥٢

«سورة المدّثّر»

محتوى السورة :

لا شك أنّ هذه السورة هي من السور المكّية ولكن هناك تساؤل عن أنّ هذه السورة هل هي الاولى النازلة على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم نزلت بعد سورة العلق؟

يتّضح من التمعن في محتوى سورة العلق والمدثر أنّ سورة العلق نزلت في بدء الدعوة ، وأنّ سورة المدثر نزلت في زمن قد امر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه بالدعوة العلنية ، وانتهاء فترة الدعوة السرّية ، لذا قال البعض أنّ سورة العلق هي أوّل سورة نزلت في صدر البعثة ، والمدثر هي السورة الاولى التي نزلت بعد الدعوة العلنية ، وهذا الجمع هو الصحيح.

ومهما يكن فإنّ سياق السور المكّية التي تشير إلى الدعوة وإلى المبدأ والمعاد ومقارعة الشرك وتهديد المخالفين وإنذارهم بالعذاب الإلهي واضح الوضوح في هذه السورة.

يدور البحث في هذه السورة حول سبعة محاور وهي :

١ ـ يأمر الله تعالى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإعلان الدعوة العلنية ، ويأمر أن ينذر المشركين ، وتمسك بالصبر والاستقامة في هذا الطريق والاستعداد الكامل لخوض هذا الطريق.

٢ ـ تشير إلى المعاد وأوصاف أهل النّار الذين واجهوا القرآن بالتكذيب والإعراض عنه.

١٥٣

٣ ـ الإشارة إلى بعض خصوصيات النّار مع إنذار الكافرين.

٤ ـ التأكيد على المعاد بالأقسام المكررة.

٥ ـ ارتباط عاقبة الإنسان بعمله ، ونفي كل أنواع التفكر غير المنطقي في هذا الإطار.

٦ ـ الإشارة إلى قسم من خصوصيات أهل النّار وأهل الجنّة وعواقبهما.

٧ ـ كيفية فرار الجهلة والمغرورين من الحقّ.

فضيلة السورة :

ورد في حديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من قرأ سورة المدثر اعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بمحمّد وكذب به بمكّة»(١) .

وورد في حديث آخر عن الإمام الباقرعليه‌السلام قال : «من قرأ في الفريضة سورة المدثر كان حقّا على الله أن يجعله مع مجمّد في درجته ، ولا يدركه في حياة الدنيا شقاء أبدا»(٢)

وبديهي أنّ هذه النتائج العظيمة لا تتحقق بمجرّد قراءة الألفاظ فحسب ، بل لا بدّ من التمعن في معانيها وتطبيقها حرفيا.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٣.

(٢) المصدر السابق.

١٥٤

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥) وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (٧) فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٨) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩) عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (١٠) )

التّفسير

قم وانذر النّاس :

لا شك من أنّ المخاطب في هذه الآيات هو النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن لم يصرح باسمه ، ولكن القرائن تشير إلى ذلك ، فيقول أوّلا :( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ ) فلقد ولى زمن النوم الاستراحة ، وحان زمن النهوض والتبليغ ، وورد التصريح هنا بالإنذار مع أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مبشر ونذير ، لأنّ الإنذار له أثره العميق في إيقاظ الأرواح النائمة خصوصا في بداية العمل.

وأورد المفسّرون احتمالات كثيرة عن سبب تدثرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودعوته إلى القيام والنهوض.

١ ـ اجتمع المشركون من قريش في موسم الحج وتشاور الرؤساء منهم

١٥٥

كأبي جهل وأبي سفيان والوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث وغيرهم في ما يجيبون به عن أسئلة القادمين من خارج مكّة وهم يناقشون أمر النّبي الذي قد ظهر بمكّة ، وفكروا في وأن يسمّي كلّ واحد منهم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باسم ، ليصدوا الناس عنه ، لكنّهم رأوا في ذلك فساد الأمر لتشتت أقوالهم ، فاتفقوا في أن يسمّوه ساحرا ، لأنّ أحد آثار السحرة الظاهرة هي التفريق بين الحبيب وحبيبه ، وكانت دعوة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أثّرت هذا الأثر بين الناس! فبلغ ذلك النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتأثر واغتم لذلك ، فأمر بالدثار وتدثر ، فأتاه جبرئيل بهذه الآيات ودعاه إلى النهوض ومقابلة الأعداء.

٢ ـ إنّ هذه الآيات هي الآيات الأولى التي نزلت على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما نقله جابر بن عبد الله قال : جاوزت بحراء فلمّا قضيت جواري نوديت يا محمّد ، أنت رسول الله ، فنظرت عن يميني فلم أر شيئا ، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا ، ونظرت خلفي فلم أر شيئا ، فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض ، فملئت منه رعبا ، فرجعت إلى خديجة وقلت : «دثروني دثروني ، واسكبوا عليّ الماء البارد» ، فنزل جبرئيل بسورة :( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) .

ولكن بلحاظ أن آيات هذه السورة نظرت للدعوة العلنية ، فمن المؤكّد أنّها نزلت بعد ثلاث سنوات من الدعوة الخفية ، وهذا لا ينسجم والروية المذكورة ، إلّا أن يقال بأنّ بعض الآيات التي في صدر السورة قد نزلت في بدء الدعوة ، والآيات الأخرى مرتبطة بالسنوات التي تلت الدعوة.

٣ ـ إنّ النّبي كان نائما وهو متدثر بثيابه فنزل عليه جبرائيلعليه‌السلام موقظا إيّاه ، ثمّ قرأ عليه الآيات أن قم واترك النوم واستعد لإبلاغ الرسالة.

٤ ـ ليس المراد بالتدثر التدثر بالثياب الظاهرية ، بل تلبسهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنبوّة والرسالة كما قيل في لباس التقوى.

١٥٦

٥ ـ المراد به اعتزالهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانزواؤه واستعد لإنذار الخلق وهداية العباد(١) والمعني الأوّل هو الأنسب ظاهرا.

ومن الملاحظ أنّ جملة (فانذر) لم يتعين فيها الموضوع الذي ينذر فيه ، وهذا يدل على العمومية ، يعني إنذار الناس من الشرك وعبادة الأصنام والكفر والظلم والفساد ، وحول العذاب الإلهي والحساب المحشر إلخ (ويصطلح على ذلك بأن حذف المتعلق يدل على العموم). ويشمل ضمن ذلك العذاب الدنيوي والعذاب الاخروي والنتائج السيئة لأعمال الإنسان التي سيبتلى بها في المستقبل.

ثم يعطي للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسة أوامر مهمّة بعد الدعوة إلى القيام والإنذار ، تعتبر منهاجا يحتذي به الآخرون ، والأمر الأوّل هو في التوحيد ، فيقول :( وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ) (٢) .

ذلك الربّ الذي هو مالكك مربيك ، وجميع ما عندك فمنه تعالى ، فعليك أن تضع غيره في زاوية النسيان وتشجب على كلّ الآلهة المصطنعة ، وامح كلّ آثار الشرك وعبادة الأصنام.

ذكر كلمة (ربّ) وتقديمها على (كبّر) الذي هو يدل على الحصر ، فليس المراد من جملة «فكبر» هو (الله أكبر) فقط ، مع أنّ هذا القول هو من مصاديق التكبير كما ورد من الرّوايات ، بل المراد منه أنسب ربّك إلى الكبرياء والعظمة اعتقادا وعملا ، قولا فعلا وهو تنزيهه تعالى من كلّ نقص وعيب ، ووصفه

__________________

(١) أورد الفخر الرازي هذه التفاسير الخمسة بالإضافة إلى احتمالات أخرى في تفسيره الكبير ، واقتبس منه البعض الآخر من المفسّرين (تفسير الفخر الرازي ، ج ٣٠ ، ص ١٨٩ ـ ١٩٠).

(٢) الفاء من (فكبر) زائدة للتأكيد بقول البعض ، وقيل لمعنى الشرط ، والمعنى هو : لا تدع التكبير عند كلّ حادثة تقع ، (يتعلق هذا القول بالآيات الاخرى الآتية أيضا).

١٥٧

بأوصاف الجمال ، بل هو أكبر من أن يوصف ، ولذا ورد في الرّوايات عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام في معنى الله أكبر : «الله أكبر من أن يوصف» ، ولذا فإنّ التكبير له مفهوم أوسع من التسبيح الذي هو تنزيهه من كل عيب ونقص.

ثمّ صدر الأمر الثّاني بعد مسألة التوحيد ، ويدور حول الطهارة من الدنس فيضيف :( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) ، التعبير بالثوب قد يكون كناية عن عمل الإنسان ، لأنّ عمل الإنسان بمنزلة لباسه ، وظاهره مبين لباطنه ، وقيل المراد منه القلب والروح ، أي طهر قلبك وروحك من كلّ الأدران ، فإذا وجب تطهير الثوب فصاحبه اولى بالتطهير.

وقيل هو اللباس الظاهر ، لأنّ نظافة اللباس دليل على حسن التربية والثقافة ، خصوصا في عصر الجاهلية حيث كان الاجتناب من النجاسة قليلا وإن ملابسهم وسخة غالبا ، وكان الشائع عندهم تطويل أطراف الملابس (كما هو شائع في هذا العصر أيضا) بحيث كان يسحل على الأرض ، وما ورد عن الإمام الصّادقعليه‌السلام في معنى أنّه : «ثيابك فقصر»(١) ، ناظر إلى هذا المعنى.

وقيل المراد بها الأزواج لقوله تعالى :( هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ ) (٢) ، والجمع بين هذه المعاني ممكن ، والحقيقة أنّ الآية تشير إلى أنّ القادة الإلهيين يمكنهم إبلاغ الرسالة عند طهارة جوانبهم من الأدران وسلامة تقواهم ، ولذا يستتبع أمر إبلاغ الرسالة ولقيام بها أمر آخر ، هو النقاء والطهارة.

ويبيّن تعالى الأمر الثّالث بقوله :( وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ) المفهوم الواسع للرجز كان سببا لأن تذكر في تفسيره أقوال مختلفة ، فقيل : هو الأصنام ، وقيل : المعاصي ، وقيل : الأخلاق الرّذيلة الذميمة ، وقيل : حبّ الدنيا الذي هو رأس كلّ خطيئة ، وقيل هو العذاب الإلهي النازل بسبب الترك والمعصية ، وقيل : كل ما يلهي

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٥.

(٢) البقرة ، ١٨٧.

١٥٨

عن ذكر الله.

والأصل أنّ معنى «الرجز» يطلق على الاضطراب والتزلزل(١) ثمّ اطلق على كل أنواع الشرك ، عبادة الأصنام ، والوساوس الشيطانية والأخلاق الذميمة والعذاب الإلهي التي تسبب اضطراب الإنسان ، فسّره البعض بالعذاب(٢) ، وقد اطلق على الشرك والمعصية والأخلاق السيئة وحبّ الدّنيا تجلبه من العذاب.

وما تجدر الإشارة إليه أنّ القرآن الكريم غالبا ما استعمل لفظ «الرجز» بمعنى العذاب(٣) ، ويعتقد البعض أنّ كلمتي الرجز والرجس مرادفان(٤) .

وهذه المعاني الثلاثة ، وإن كانت متفاوتة ، ولكنّها مرتبطة بعضها بالآخر ، وبالتالي فإنّ للآية مفهوما جامعا ، وهو الانحراف والعمل السيء ، وتشمل الأعمال التي لا ترضي اللهعزوجل ، والباعثة على سخر الله في الدنيا والآخرة ، ومن المؤكّد أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد هجر واتقى ذلك حتى قبل البعثة ، وتاريخه الذي يعترف به العدو والصديق شاهد على ذلك ، وقد جاء هذا الأمر هنا ليكون العنوان الأساس في مسير الدعوة إلى الله ، وليكون للناس أسوة حسنة.

ويقول تعالى في الأمر الرّابع :( وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ) .

هنا التعلق محذوف أيضا ، ويدل على سعة المفهوم كليته ، ويشمل المنّة على الله والخلائق ، أي فلا تمنن على الله بسعيك واجتهادك ، لأنّ الله تعالى هو الذي منّ عليك بهذا المقام المنيع.

ولا تستكثر عبادتك وطاعتك وأعمالك الصالحة ، بل عليك أن تعتبر نفسك مقصرا وقاصرا ، واستعظم ما وفقت إليه من العبادة.

__________________

(١) مفردات الراغب.

(٢) الميزان ، في ظلال القرآن.

(٣) راجع الآيات ، ١٣٤ ـ ١٣٥ من سورة الأعراف ، والآية ٥ من سورة سبأ ، والآية ١١ من سورة الجاثية ، والآية ٥٩ من سورة البقرة ، والآية ١٦٢ من سورة الأعراف ، والآية ٣٤ من سورة العنكبوت.

(٤) وذكر ذلك في تفسير الفخر الرازي بصورة احتمال ، ج ٣٠ ، ص ١٩٣.

١٥٩

وبعبارة أخرى : لا تمنن على الله بقيامك بالإنذار ودعوتك إلى التوحيد وتعظيمك لله وتطهيرك ثيابك وهجرك الرجز ، ولا تستعظم كل ذلك ، بل أعلم أنّه لو قدمت خدمة للناس سواء في الجوانب المعنوية كالإرشاد والهداية ، أم في الجوانب المادية كالإنفاق والعطاء فلا ينبغي أن تقدمها مقابل منّة ، أو توقع عوض أكبر ممّا أعطيت ، لأنّ المنّة تحبط الأعمال الصالحة :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى ) (١) .

«لا تمنن» من مادة «المنّة» وتعني في هذه الموارد الحديث عن تبيان أهمية النعم المعطاة للغير ، وهنا يتّضح لنا العلاقة بينه وبين الاستكثار ، لأنّ من يستصغر عمله لا ينتظر المكافأة ، فكيف إذن بالاستكثار ، فإنّ الامتنان يؤدي دائما إلى الاستكثار ، وهذا ممّا يزيل قيمة النعم ، وما جاء من الرّوايات يشير لهذا المعنى : «لا تعط تلتمس أكثر منها»(٢) كما جاء في حديث آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام في تفسير الآية : «لا تستكثر ما عملت من خير لله»(٣) وهذا فرع من ذلك المفهوم.

ويشير في الآية الأخرى إلى الأمر الأخير في هذا المجال فيقول :( وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ) ، ونواجه هنا مفهوما واسعا عن الصبر الذي يشمل كلّ شيء ، أي اصبر في طريق أداء الرسالة ، واصبر على أذى المشركين الجهلاء ، واستقم في طريق عبودية الله وطاعته ، واصبر في جهاد النفس وميدان الحرب مع الأعداء.

ومن المؤكّد أنّ الصبر هو ضمان لإجراء المناهج السابقة ، والمعروف أنّ الصبر هو الثروة الحقيقية لطريق الإبلاغ والهداية ، وهذا ما اعتمده القرآن الكريم

__________________

(١) البقرة ، ٢٦٤.

(٢) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٤٥٤ ، وتفسير البرهان ، ج ٤ ، ص ٤٠٠.

(٣) المصدر السابق.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571