حقائق الاصول الجزء ١

حقائق الاصول0%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 571

حقائق الاصول

مؤلف: السيد محسن الطباطبائى الحكيم
تصنيف:

الصفحات: 571
المشاهدات: 193941
تحميل: 3887


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 571 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 193941 / تحميل: 3887
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء 1

مؤلف:
العربية

للعلم بعداوته لعدم حجة أخرى بدون ذلك على خلافه بخلاف ما إذا كان المخصص لفظيا فان قضية تقديمه عليه هو كون الملقى إليه كأنه كان - من رأس - لا يعم الخاص كما كان كذلك حقيقة فيما كان الخاص متصلا. والقطع بعدم ارادة العدو لا يوجب انقطاع حجيته الا فيما قطع أنه عدوه لا فيما شك فيه كما يظهر صدق هذا من صحة مؤاخذة المولى لو لم يكرم واحدا من جيرانه لاحتمال عداوته له وحسن عقوبته على مخالفته وعدم صحة الاعتذار عنه بمجرد احتمال العداوة كما لا يخفى على من راجع الطريقة المعروفة والسيرة المستمرة المألوفة بين العقلاء التي هي ملاك حجية أصالة الظهور (وبالجملة): كان بناء العقلاء على حجيتها بالنسبة إلى المشتبه هاهنا بخلاف هناك ولعله لما أشرنا إليه من التفاوت بينهما بالقاء حجتين هناك تكون قضيتهما بعد تحكيم الخاص وتقديمه على العام كأنه لم يعمه حكما من رأس وكأنه لم يكن بعام بخلاف هاهنا فان الحجة الملقاة ليست الا واحدة والقطع بعدم ارادة اكرام العدو في: أكرم جيراني، مثلا لا يوجب رفع اليد عن عمومه الا فيما قطع بخروجه من تحته فانه على الحكيم القاء كلامه على وفق غرضه ومرامه فلابد من اتباعه ما لم تقم حجة أقوى على خلافه بل يمكن أن يقال: ان قضية عمومه للمشكوك أنه

______________________________

مثلا إذا قال) الظاهر أن العام في المثال ملحوظ بنحو القضية الخارجية والخاص ملحوظ بنحو القضية الحقيقية وقد عرفت أنه لا مانع من التمسك بالعام في مثله ولو كان المخصص لفظيا (قوله: للعلم بعداوته) متعلق بقوله: يعلم بخروجه، (قوله: لعدم حجة) متعلق بقوله: باقية على الحجية (قوله: بدون ذلك) يعني بدون العلم بالخروج (قوله: كأنه كان) لما تقدم من سقوط حجية ظهور العام في أفراد الخاص وان كان نفس الظهور محققا (قوله: حقيقة) لارتفاع الظهور بذاته في المتصل (قوله: إلا فيما قطع) فانه مورد الخاص لا غير (قوله: لا فيما شك) لما عرفت من أن المشكوك ليس مما يحتمل كونه موضوعا للحجة على خلاف العام (قوله: يظهر صدق) بل صدقه أظهر من صدق الشاهد لما عرفت من حاله (قوله: ولعله لما أشرنا

٥٠١

ليس فردا لما علم بخروجه من حكمه بمفهومه فيقال في مثل: (لعن الله بني أمية قاطبة): ان فلانا وإن شك في إيمانه يجوز لعنه لمكان العموم وكل من جاز لعنه لا يكون مؤمنا فينتج أنه ليس بمؤمن فتأمل جيدا (إيقاظ) لا يخفى أن الباقي تحت العام بعد تخصيصه بالمنفصل أو كالاستثناء من المتصل لما كان غير معنون بعنوان خاص بل بكل عنوان

______________________________

إليه) قد عرفت توضيحه (قوله: ليس فردا) وحينئذ يترتب عليه سائر أحكام عدم فرديته للخاص - مضافا إلى ثبوت حكم العام (قوله: أو كالاستثناء من المتصل) من المعلوم ان المخصص المتصل " تارة " يكون موجبا لتعنون العام بعنوان وجودي كما في التخصيص بالوصف الوجودي مثل: أكرم العلماء العدول، فان التخصيص اقتضى كون موضوع العام هو العالم العادل، فمع الشك في العلم أو العدالة فان كان أصل موضوعي وجودي مثبت لعنوان العام أو عدمي ناف له كان هو المرجع واقتضى الاول ثبوت حكم العام والثاني انتفاءه وإن لم يكن أصل موضوعي لا وجودي ولا عدمي فالمرجع الاصول العملية (وتارة) يقتضي كونه معنونا بعنوان عدمي كما في الوصف العدمي مثل: أكرم العلماء الذين هم ليسوا بفساق، فالحكم فيه كما سبق أيضا بعينه بلا فرق إلا في أن الاصل العدمي في المقام يثبت عنوان العام والوجودي ينفيه - عكس ما سبق - وهذا مما لا اشكال فيه وإنما الاشكال في المخصص المنفصل أو كالاستثناء من المتصل كما لو قيل: أكرم العلماء إلا الفساق، أو: ولا تكرم الفساق، وانه هل يقتضي تعنون موضوع العام بعنوان خاص وجودي مضاد لعنوان الخاص مثل (العدول) في المثال المذكور، أو بكل عنوان مغاير لعنوان الخاص مناف له ضدا كان له أو نقيضا، أو بعنوان عدمي نقيض عنوان الخاص مثل (الذينهم ليسوا بفساق) في المثال المذكور، أو لا يقتضي شيئا من ذلك ؟ المترائى من بعض عبارات التقريرات هو الاول، وظاهر المصنف هو الثاني، وصريح آخر

٥٠٢

لم يكن ذلك بعنوان الخاص كان إحراز المشتبه منه بالاصل الموضوعي في غالب الموارد - الا ما شذ - ممكنا

______________________________

هو الثالث، وآخر هو الرابع، وعلى الاول لا يجدي في إثبات حكم العام الا الاصل الوجودي المثبت للعنوان الطارئ على موضوع العام من قبل المخصص وعلى الثاني يجدي كل أصل مثبت لكل عنوان مناف لعنوان الخاص، وعلى الثالث لا يجدي الا الاصل العدمي النافي لعنوان الخاص، وعلى الرابع لا ينفع شئ منهما فيه أصلا لعدم كون الوصف - وجودا أو عدما - موضوعا لحكم العام فإذا قيل. أكرم العلماء إلا الفساق، فالفرد المشكوك المتيقن العدالة سابقا يجري فيه خصوص استصحاب العدالة على الاول فيترتب عليه حكم العام وهو أو استصحاب عدم الفسق على الثاني وخصوص استصحاب عدم الفسق على الثالث فيترتب عليه حكم العام ولا مجال لاستصحابهما على الرابع. ثم إن الاول بعيد عن المذاق العرفي، وأبعد منه الثاني، والاخير أقرب إليه من الثالث لان الخاص ليس له وظيفة أكثر من إخراج أفراده عن حكم العام فلا يقتضي اكتساء موضوع حكم العام وصفا وجوديا ولا عدميا فضلا عن اكتسائه كل عنوان كما هو ظاهر المتن هذا إذا لم يكن حكم الخاص نقيضا لحكم العام أما لو كان نقيضا له كما إذا قيل: لا يحرم إكرام العلماء إلا الفساق، أو: لا يجب إكرام العلماء إلا العدول، فأصالة عدم عنوان الخاص كافية في ثبوت حكم العام لان لازم ارتفاع الموضوع بالاصل ارتفاع حكمه (قوله: لم يكن ذلك بعنوان) قد عرفت أن الظاهر أن المراد أن موضوع حكم العام كل عنوان مناف لعنوان الخاص لا مجرد المغاير له كما يقتضيه ظاهر التعبير والالزم اجتماع الحكمين فان موضوع عنوان الخاص واجد لجملة من العناوين المغايرة لعنوان الخاص فيلزم اجتماع حكمي العام والخاص فيه. كما عرفت أيضا أن دعوى كون موضوع حكم العام كل عنوان مناف لعنوان الخاص لا مجال لاثباتها، ويحتمل أن يكون المراد الوجه الثالث أعني كون موضوع حكم العام

٥٠٣

فبذلك يحكم عليه بحكم العام وإن لم يجز التمسك به بلا كلام ضرورة أنه قلما لم يوجد عنوان يجري فيه أصل ينقح به أنه مما بقي تحته مثلا إذا شك ان امرأة تكون قرشية فهي وان كانت وجدت إما قرشية أو غيرها فلا أصل يحرز أنها قرشية أو غيرها

______________________________

عنوان العام المقيد بعدم عنوان الخاص لكن لا تساعد عليه العبارة (قوله: فبذلك) يعني بالاصل الجاري لاثبات العنوان المنافي لعنوان الخاص (قوله: قرشية أو غيرها) لان الوصفين المذكورين من الاوصاف الوجودية التي لا تكون إلا في ظرف وجود موضوعها فقبل وجوده لا حالة لها سابقة ليجري فيها الاستصحاب نعم لو كان المراد من غير القرشية من لم تكن قرشية كان استصحاب عدم كونها قرشية موقوفا على جريان الاستصحاب في العدم الازلي (وتوضيح) ذلك أن العدم الذي يكون موضوعا للاثر الشرعي (تارة) يكون بمعنى عدم الموضوع (وأخرى) يكون بمعنى عدم الوصف وكل منهما (تارة) يكون بنحو مفاد ليس التامة مثل عدم زيد وعدم الحمرة لزيد (وأخرى) يكون بنحو مفاد ليس الناقصة مثل عدم كون الماء ذا مادة وعدم كون زيد احمر، فان كان العدم ملحوظا على النحو الاول فالظاهر أنه لا إشكال في جريان الاستصحاب لاثباته فإذا فرض ان لوجود زيد أو لحمرته أثرا كان استصحاب عدم زيد أو عدم حمرته موجبا لانتفاء ذلك الاثر ظاهرا، وإن كان ملحوظا على النحو الثاني فقد اختلفت فيه انظار المحققين فهم ما بين مثبت له وناف وشبهة النفي أن العنوان الملحوظ قيدا وجوديا كان أو عدميا لما كان موضوعه المقيد به حاكيا عن الوجود الخارجي بنحو لا يرى إلا خارجيا كان التقييد به في عالم الاعتبار ملحوظا في الرتبة اللاحقة للوجود فيكون معنى قولنا: أكرم الرجل العالم، (أكرم الرجل الذي إن وجد كان عالما) كما أن معنى قولنا: لا يجب إكرام الذي ليس بعالم، (لا يجب إكرام الرجل الذي إن وجد لم يكن عالما)، فالعدم المأخوذ قيدا هو الملحوظ في الرتبة اللاحقة للوجود المنوط به فعدم الوصف المقارن

٥٠٤

لعدم الموضوع مباين للعدم المذكور المأخوذ قيدا ومع هذه المباينة يمتنع الاستصحاب لانه يعتبر فيه اتحاد المتيقن والمشكوك فزيد قبل وجوده وإن لم يكن أحمر إلا أن عدم الحمرة حينئذ ليس منوطا بوجوده بل هو مقارن لعدمه فاثباته بعد وجود الموضوع ليس اثباتا لموضوع الاثر بتا. كذا ذكر بعض الاعاظم (وأورد) عليه بانه لا ريب في أن مفهوم قولنا: أكرم الرجل العالم، ليس مفهوم قولنا: اكرم الرجل الذي ان وجد كان عالما، كما ان مفهوم قولنا: لا تكرم الرجل الذي ليس بعالم، مباين لمفهوم قولنا: لا تكرم الرجل الذي ان وجد لم يكن عالما، وإرجاع أحدهما إلى الآخر في غير محله، ومجرد حكاية الموصوفات عن الوجودات الخارجية تصورا لا يجدي ما لم يكن الوجود ملحوظا بنحو القضية التصديقية، ولذلك ترى موضوع الارادة والكراهة حاكيا عن الوجود التصوري ومع ذلك لا مجال لتوهم إناطتهما بالوجود الخارجي فان الوجود الخارجي ظرف سقوط الارادة والكراهة لا ظرف ثبوتهما فالتقييد بالوصف الوجودي أو العدمي ليس قائما بنفس الوجود الخارجي ومنوطا به بنحو يكون مفروغا عنه كي تتوجه الشبهة بل هو قائم بنفس ذات المقيد كما يرشد إليه صحة قولنا: وجد الرجل العالم، أو الذي ليس بعالم، ولو كان التقييد منوطا بالوجود الخارجي امتنع ذلك إذ الموجود بما هو موجود ليس له وجود (فان قلت): وجود الوصف إذا كان منوطا بوجود الموصوف وكان متأخرا عنه رتبة فإذا فرض أن له اثرا شرعيا كان نقيض ذلك الاثر أثرا لنقيض ذلك الوجود ومقتضى وجوب حفظ الرتبة بين النقيضين أن يكون موضوع نقيض الاثر هو العدم المنوط بالوجود فلا مجال لاثباته باستصحاب العدم المقارن لعدم وجود الموضوع لانه مباين له (قلت): تأخر وجود الوصف خارجا عن ذات الموصوف رتبة لا دخل له في لزوم ملاحظة التقييد بين وجود الموصوف ونفس الوصف ليكون متاخرا عنه في لحاظ جاعل الاثر بل من الممكن أن يكون التقييد ملحوظا بين نفس الذاتين بلا ملاحظة تقدم وجود الموصوف بنحو يكون مفروغا عنه في مقام اللحاظ كما

٥٠٥

إلا ان اصالة عدم تحقق الانتساب بينها وبين قريش يجدي في تنقيح أنها ممن لا تحيض الا إلى خمسين لان المرأة التي لا يكون بينها وبين قريش انتساب ايضا باقية تحت ما دل على ان المرأة إنما ترى الحمرة إلى خمسين والخارج عن تحته هي القرشية فتأمل تعرف (وهم وإزاحة) ربما يظهر من بعضهم التمسك بالعمومات فيما إذا شك

______________________________

يرشد إليه أيضا ما عرفت من صحة قولنا: وجد الرجل العالم، فالوصف قد أخذ وصفا لذات الموصوف لا لوجوده ولا منوطا بوجوده - مع أن الترتب الخارجي بين الوصف والموصوف لو اقتضى كون موضوع الاثر خصوص الوجود والعدم المنوطين بوجود الموصوف لامتنع جريان استصحاب العدم الازلي ولو كان ملحوظا بنحو مفاد ليس التامة مثل عدم الحمرة الذي قد عرفت أنه لم يعرف الاستشكال في جريان الاستصحاب لاثباته وأيضا فلو تم الاشكال المذكور لاختص بما لو أخذ الوجود قيدا لموضوع الاثر الشرعي أما لو أخذ العدم ابتداء قيدا له فلا موجب لتخصيصه بما هو منوط بوجود الموصوف بعد ما كان له فردان عدم لعدم الموضوع وعدم في حال وجوده فان مقتضى الاطلاق كون الجامع بينهما موضوعا للاثر ولا مجال للشبهة المذكورة كما لا مجال لها أيضا فيما لو كان القيد من قبيل الذات مثل الماء الذي له مادة فان المادة ليست من قبيل وصف الماء كي يتأتى فيها ما ذكر من الاشكال. نعم الشبهة الاولى من كون الموضوع المقيد لما كان حاكيا عن الوجود كان التقييد منوطا به جارية في جميع ما ذك بلا فرق وحيث عرفت أنه لا مجال لكل من الشبهتين فالقول بجريان الاستصحاب في الجميع في محله. نعم لا مجال لجريانه في لوازم الماهية لانها لا تنفك عنها ولو قبل وجودها فليس العدم حالة سابقة لها كما لا مجال لجريانه في الذاتيات فان ثبوت الشئ لنفسه ضروري ولا معنى لسلبه عنه (قوله: إلا أن أصالة عدم تحقق) هذا منه مبني على عدم جريان الاصل في العدم الازلي بنحو مفاد ليس الناقصة، وعلى أنه يكفي في ترتيب حكم العام ثبوت أي عنوان مناف لعنوان الخاص إذ من المعلوم منافاة عنوان المرأة التي ليس بينها وبين قريش انتساب لعنوان المرأة القرشية لكن عرفت أنه لا مانع من

٥٠٦

في فرد لا من جهة احتمال التخصيص بل من جهة اخرى كما إذا شك في صحة الوضوء أو الغسل بمايع مضاف فيستكشف صحته بعموم مثل: (أوفوا بالنذور) فيما إذا وقع متعلقا للنذر بأن يقال: وجب الاتيان بهذا الوضوء وفاء للنذر للعموم، وكل ما يجب الوفاء به لا محالة يكون صحيحا، للقطع بأنه لولا صحته لما وجب الوفاء به، وربما يؤيد ذلك بما ورد من صحة الاحرام والصيام قبل الميقات وفى السفر إذا تعلق بهما النذر كذلك (والتحقيق) أن يقال: إنه لا مجال لتوهم الاستدلال بالعمومات المتكفلة لاحكام العناوين الثانوية فيما شك من غير جهة تخصيصها إذا أخذ في موضوعاتها أحد الاحكام المتعلقة بالافعال بعناوينها الاولية

______________________________

جريان أصالة عدم كون المرأة قرشية كما عرفت أن الجمع بين العام والخاص لا يقتضي تعنون الباقي بالعنوان المنافي لعنوان الخاص وإن يكفي في انتفاء حكم الخاص انتفاء موضوعه ولو بالاصل فإذا جرى أصالة عدم كون المرأة قرشية انتفى كونها ممن تحيض إلى الستين فتأمل جيدا (قوله: في فرد) أي في حكم فرد (قوله: لا من جهة احتمال) يعني لا من جهة الشك في ثبوت حكم العام بل من جهة الشك في ثبوت حكم آخر فيتمسك بالعموم لاثبات ذلك الحكم (قوله: صحته) يعني حال كونه منذورا فتثبت صحته مطلقا (قوله: ربما يؤيد ذلك) وجه التأييد احتمال كشف النص الخاص عن صلاحية عموم الوفاء بالنذر لاقتضاء الصحة ولو في حال النذر (قوله: كذلك) بان قيد الاحرام المنذور بكونه قبل الميقات والصوم بكونه في السفر أما لو اطلقا في النذر لم يصحا (قوله: والتحقييق أن يقال) توضيحه أن العناوين التي تؤخذ في موضوعات الاحكام الشرعية على نوعين (الاول) العناوين الاولية وهي التي تثبت للشئ بالنظر إلى ذاته مثل عنوان التمر والخمر لو قيل: أحل التمر وحرمت الخمر (والثاني) العناوين الثانوية التي تثبت للشئ بالنظر إلى ما هو خارج عن ذاته مثل عنوان العسر والحرج والنذر والشرط والنفع والضرر

٥٠٧

والغصب إلى غير ذلك (والثاني) تارة يكون موضوعا لحكمه مطلقا (وأخرى) يكون موضوعا لحكمه بشرط كون العنوان الاولي للموضوع محكوما بحكم خاص فان كان الثاني وشك في حكم العنوان الاولي الذي أخذ قيدا له في موضوعيته لحكمه امتنع التمسك بعموم دليل حكمه مثلا إذا أخذ في موضوع وجوب الوفاء بالنذر كون النذر نذرا لراجح في نفسه فقد صار موضوع وجوب الوفاء بالنذر خصوص نذر الراجح فإذا شك في رجحان المنذور في نفسه فقد شك في كون نذره نذر الراجح ولا مجال للتمسك بالعموم في مثله لان الشك حينئذ في ثبوت عنوان العام لا في حكمه بعد إحراز عنوانه وكذا إذا شك في كون الصلح محرما للحلال أو محللا للحرام أو كون الشرط موافقا للكتاب أو مخالفا له ففي الفرض المذكور إذا شك في صحة الوضوء بالمضاف فإذا تعلق به النذر لا مجال للتمسك بعموم وجوب الوفاء بالنذر لاثبات صحته لان الشك في صحته يوجب الشك في كون نذره نذرا لراجح فيكون الشك في عنوان العام فيمتنع التمسك به لان العمومات من قبيل الكبريات الشرعية فيتوقف استنتاج الحكم منها على إحراز الصغرى ومع الشك في الصغرى لا ينفع العلم بالكبرى في حصول العلم بالنتيجة. ثم إنه لا ينبغي الاشكال في صحة أخذ حكم العنوان الاولي قيدا في موضوع حكم العنوان الثانوي من جهة لزوم اجتماع الحكمين في موضوع واحد فيلزم إما اجتماع المثلين أو الضدين وهو ممتنع ووجه عدم ورود الاشكال أن المقصود من أخذ الحكم قيدا في الموضوع أن يكون ماخوذا قيدا بنحو القضية التعليقية لا الفعلية مثلا أخذ الاباحة قيدا في موضوع وجوب إطاعة الوالد إنما هو بمعنى وجوب إطاعة الوالد فيما هو مباح لولا كونه إطاعة للوالد وثبوت الاباحة لولا الاطاعة لا ينافي وجوبه لكونه اطاعة وإنما المنافي له ثبوت الاباحة بقول مطلق حتى في حال كونه اطاعة لانه يكون فعليا والحكمان الفعليان متضادان كما تقدم في مبحث الاجتماع. نعم قد يشكل المراد من كون الشرط مخالفا للكتاب ومثله كون الصلح محرما للحلال لان كل شرط لابد أن يكون مبدلا لحكم المشروط عليه فيكون مخالفا للكتاب، وقد دفعه شيخنا الاعظم

٥٠٨

كما هو الحال في وجوب إطاعة الوالد والوفاء بالنذر وشبهه في الامور المباحة أو الراجحة ضرورة أنه - معه - لا يكاد يتوهم عاقل إذا شك في رجحان شئ أو حليته جواز التمسك بعموم دليل وجوب الاطاعة أو الوفاء في رجحانه أو حليته. نعم لا بأس بالتمسك به في جوازه بعد إحراز التمكن منه والقدرة عليه فيما لم يؤخذ في موضوعاتها حكم اصلا فإذا شك في جوازه صح التمسك بعموم دليلها في الحكم بجوازها وإذا كانت محكومة بعناوينها الاولية بغير حكمها بعناوينها الثانوية

______________________________

(ره) واستاذنا المصنف (ره) بما لا يخلو من اشكال كما اوضحنا ذلك فيما علقناه على مباحث الشرط من المكاسب وذكرنا ما به يندفع الاشكال في ذلك المجال فراجع (وان) كان العنوان الثانوي من قبيل الاول فان شك في ثبوت حكم العام للفرد صح التمسك بالعموم لاثباته كما في العناوين الاولية وحينئذ فإذا كان الفرد بعنوانه الاولي محكوما بحكم مغاير لحكم العنوان الثانوي فان أحرز المقتضي لكل منهما وقع التزاحم فان غلب أحدهما كان له الاثر وإن تساويا سقط كلاهما عن التأثير لئلا يلزم الترجيح بلا مرجح وحيئنذ يكون المرجع في حكم ذلك الموضوع هو الاصول العملية وإن لم يحرز المقتضيان كان الدليلان متعارضين يرجع في إعمالهما إلى قواعد التعارض إن لم يكن بينهما جمع عرفي والا كان عليه العمل ايضا، ولو شك في ثبوت حكم العنوان الاولي للفرد لم يصلح دليل العنوان الثانوي لاثباته بوجه نعم لو شك في ثبوت حكم ملازم لحكم أحد العنوانين أمكن إثباته بالعموم المتكفل لاثبات ذلك الحكم الملازم بالدلالة الالتزامية (قوله: كما هو الحال) تمثيل لحكم العناوين الثانوية (قوله: المباحة أو الراجحة) الاول حكم موضوع إطاعة الوالد والثاني حكم موضوع النذر (قوله: ضرورة أنه) قد عرفت السر فيه (قوله: في جوازه) يعني حيث يكون حكم العام هو الجواز (قوله: بعد إحراز) بل الشك في القدرة كاف في جواز التمسك بالعام، (قوله: فيما لم يؤخذ) يعني القسم الاول (قوله: فإذا شك) هذا

٥٠٩

وقع المزاحمة بين المقتضيين ويؤثر الاقوى منهما لو كان في البين وإلا لم يؤثر أحدهما وإلا لزم الترجيح بلا مرجح فليحكم عليه حينئذ بحكم آخر كالاباحة إذا كان أحدهما مقتضيا للوجوب والآخر للحرمة مثلا. وأما صحة الصوم في السفر بنذره فيه - بناء على عدم صحته فيه بدونه وكذا الاحرام قبل الميقات - فانما هو لدليل خاص كاشف عن رجحانهما ذاتا في السفر وقبل الميقات وانما لم يأمر بهما استحبابا أو وجوبا

______________________________

كأنه تكرار غير مناسب (قوله: وقع المزاحمة) يعني حيث يحرز المقتضي فيهما (قوله: وإلا لم يؤثر) يعني إن لم يكن أحدهما أقوى ولو احتملت أقوائية أحدهما بعينه أخذ بمقتضاه لو كان إلزاميا (قوله: للحرمة) وكذا لو كان أحدهما مقتضيا للاستحباب بحده أو الكراهة كذلك والآخر مقتضيا للحرمة أو الوجوب وأما لو كان أحدهما مقتضيا للاستحباب في الجملة وآخر مقتضيا للوجوب تأكد الطلب وكذا الحال في الكراهة والحرمة والله سبحانه أعلم (قوله: وأما صحة الصوم) قد استفاضت النصوص بانه لابد في صحة النذر من أن يقول الناذر: لله علي كذا، وعليه إجماعهم ظاهرا والظاهر من اللام المذكورة أن تكون للملك نحو اللام في قولك: لزيد علي مال كذا، أو فعل كذا، ولا مانع من اعتبار ملكية الله تعالى للفعل نحو ملكيته لسدس الخمس كما يقتضيها ظاهر قوله تعالى: (فإن لله خمسه وللرسول.. الآية) ولو بقرينة السياق ولا ريب في أنه لا مجال لاعتبار الملكية للفعل غير الراجح سواء أكان مرجوحا أم متساوي الطرفين، إذ لا معنى لقولك - مثلا -: لزيد علي أن أصفقه أو اهتك حرمته أو أقف على قدمي ساعة، أو غير ذلك مما كان مبغوضا لزيد أو غير محبوب له. ومنه يظهر أنه لابد في صحة النذر من كون المنذور راجحا في نظر الشارع الاقدس هذا مضافا إلى بعض النصوص الدالة على اعتبار ذلك بالخصوص ومنه يظهر الاشكال في صحة نذر الاحرام قبل الميقات والصوم الواجب في السفر للاجماع على عدم انعقاد الاحرام المذكور وبه استفاضت النصوص كما استفاضت على بطلان الصوم الواجب في السفر الذي هو المعروف من المذهب فان ذلك كاشف عن عدم الرجحان الموجب لفساد النذر فلابد في رفع

٥١٠

لمانع يرتفع مع النذر. وإما لصيرورتهما راجحين بتعلق النذر بهما بعد ما لم يكونا كذلك كما ربما يدل عليه ما في الخبر من كون الاحرام قبل الميقات كالصلاة قبل الوقت (لا يقال): لا يجدي صيرورتهما راجحين بذلك في عباديتهما ضرورة كون وجوب الوفاء توصليا لا يعتبر في سقوطه الا الاتيان بالمنذور باي داع كان " فانه يقال ": عباديتهما إنما تكون لاجل كشف دليل صحتهما عن عروض عنوان راجح عليهما

______________________________

الاشكال المذكور من المصير إلى أحد الوجوه المذكورة في المتن (قوله: لمانع يرتفع) مجرد منع المانع عن الامر بهما لا يمنع من مشروعيتهما لكفاية الملاك فيهما فلا بد أن يكون المانع موجبا لمرجوحيتهما عرضا بنحو لا يكونان مشروعين ولا يصح الامر بهما ولو لم يمنع عنه مانع (قوله: مع النذر) أي مقارنا لوجوده لا معلولا له إذ لو كان معلولا له لزم تعلقه بالمرجوح فيرجع الاشكال كما سيشير إليه (قوله: وإما لصيرورتهما) بأن لا يكون في ذاتيهما رجحان أصلا وانما يطرأ عليهما الرجحان بطروء عنوان ملازم لطروء النذر بحيث يكون طروء النذر عليهما كاشفا عن طروء العنوان الراجح قبل النذر فيشترك الوجهان في تلازم الرجحان الفعلي مع النذر ويفترقان في ثبوت الرجحان الاقتضائي على الاول وعدمه على الثاني (قوله: كالصلاة قبل) يعني لا رجحان فيه. ثم ان هذا إنما يدل على الثاني دون الاول لو كان المراد من الاول ما هو ظاهر العبارة من كون المانع مانعا عن مجرد الامر لا عن الملاك فيكون الفعل واجدا للملاك فلا يكون كالصلاة قبل الوقت لكن عرفت انه ليس رافعا للاشكال وبعد توجيهه بما عرفت من كون المانع مانعا عن الرجحان الفعلي بحيث يكون الفعل مرجوحا لولا النذر فكون الاحرام قبل الميقات كالصلاة قبل الوقت يصلح لكل من الوجهين ولا يختص بالاول إذ الصلاة قبل الوقت يحتمل أن لا تكون ذات رجحان أصلا لا اقتضاء ولا فعلا ويحتمل أن لا تكون ذات رجحان فعلي وان كان ذات رجحان اقتضائي (قوله: لا يقال) هذا الاشكال متوجه على ما يظهر من قوله: راجحين بتعلق، من

٥١١

ملازم لتعلق النذر بهما. هذا لو لم نقل بتخصيص عموم دليل اعتبار الرجحان في متعلق النذر بهذا الدليل والا أمكن أن يقال بكفاية الرجحان الطارئ عليهما من قبل النذر في عباديتهما بعد تعلق النذر باتيانهما عباديا ومتقربا بهما منه تعالى فانه وان لم يتمكن من اتيانهما كذلك قبله إلا أنه يتمكن منه بعده ولا يعتبر في صحة النذر الا التمكن

______________________________

أن الرجحان آت من قبل النذر وقد عرفت وجه الاشكال فيه من أن الرجحان إذا كان آتيا من قبل النذر يلزم أن يكون موضوع النذر مرجوحا لا راجحا وهو خلاف مبنى أصل الاشكال وأما ما ذكره بقوله: ضرورة كون.. الخ فلا يتضح دخله في تقريب الاشكال لان المراد من كون وجوب الوفاء توصليا أنه لا يتوقف سقوطه على قصد امتثاله بل يكفي في سقوطه الاتيان بالمنذور بقصد الوفاء وان لم يقصد امتثال وجوب الوفاء كما هو الحال في وجوب الوفاء بالشرط أيضا فلو فرض كون وجوب الوفاء عباديا لم ينفع في رفع الاشكال لو كان المنذور مرجوحا. ثم انه قد أوضحنا فيما علقناه على مكاسب شيخنا الاعظم (ره) أن وجوب الوفاء بالعقد والشرط ليس مولويا بل هو ارشادي إلى نفوذ مضمونهما فلا يجب على البائع والمشتري دفع المثمن والثمن بقصد الوفاء بالعقد بل يحرم على كل منهما التصرف في مال صاحبه لحرمة التصرف في مال المسلم الا بطيب نفسه وهكذا الحال في عمل الاجير والمشروط عليه والظاهر أن وجوب الوفاء بالنذر كذلك غاية الامر أن الامور الذمية عينا كانت أو منفعة لا يمكن افراغ الذمة منها الا بقصدها حين الاداء فالناذر لا تفرغ ذمته عما ثبت فيها لله سبحانه حتى يقصد حين فعل المنذور الفعل الذي في ذمته له سبحانه وهكذا المشروط عليه والاجير لا تفرغ ذمتهما عن العمل المستأجر عليه والمشروط إلا بقصد العمل الذي للمستأجر وللشارط في ذمتهما ولا يلزم عليهم الالتفات إلى النذر والاجارة والشرط فضلا عن قصد الوفاء بها وهكذا المشتري في بيع النسيئة والبائع في بيع السلف فتأمل جيدا (قوله: ملازم) كما عرفت (قوله: لو لم نقل بتخصيص) هذا ممتنع مع التفات الناذر إلى عدم الرجحان

٥١٢

من الوفاء ولو بسببه فتأمل جيدا " بقي شئ " وهو أنه هل يجوز التمسك باصالة عدم التخصيص في إحراز عدم كون ما شك في انه من مصاديق العام مع العلم بعدم كونه محكوما بحكمه مصداقا له مثل ما إذا علم أن زيدا يحرم إكرامه وشك في أنه عالم فيحكم عليه - باصالة عدم تخصيص إكرام العلماء - أنه ليس بعالم بحيث يحكم عليه بسائر ما لغير العالم من الاحكام ؟ فيه اشكال لاحتمال اختصاص حجيتهما بما إذا شك في كون فرد العام محكوما بحكمه كما هو قضية عمومه والمثبت من الاصول اللفظية وان كان حجة الا أنه لابد من الاقتصار على ما يساعد عليه الدليل ولا دليل هاهنا الا السيرة وبناء العقلاء ولم يعلم استقرار بنائهم على ذلك فلا تغفل.

______________________________

لتعذر القصد إلى جعل شئ للغير مع عدم محبوبيته كما تقدم. نعم يمكن ذلك مع اعتقاد الجاعل للرجحان خطأ كما هو مورد نصوص الاحرام قبل الميقات وجملة من نصوص الصوم في السفر وحينئذ فلو بني على وفاء النصوص بعموم الحكم للملتفت فلا بد من أن يكون حكما تعبديا لما هو بصورة النذر لا نذر جدي (قوله: فتأمل جيدا) يمكن أن يكون اشارة إلى أن هذا لا ينافي ما تقدم في السؤال من كون أمر الوفاء توصليا لا عباديا فان كونه توصليا وان اقتضى سقوطه بمجرد الاتيان بمتعلقه الا أن متعلقه إذا كان عبادة كالاحرام والصوم امتنع تحققه إلا مع الاتيان به بنحو قربي. نعم قد يستشكل عليه بان قصد امتثال الامر ان أخذ قيدا للمنذور في حال النذر جاء إشكال أن الامر المقصود امتثاله ان كان عين وجوب الوفاء بالنذر فهو ممتنع وإن كان غيره فالمفروض عدمه وان لم يؤخذ قيدا أصلا كان على خلاف قصد الناذر إذ المفروض كون منذوره عبادة (قوله: هل يجوز) قد عرفت جواز الرجوع إلى العام لاثبات حكمه للفرد مع احراز فرديته أما إذا احرز حكم الفرد وأنه خلاف حكم العام وشك في فرديته للعام كما إذا ورد: أكرم العلماء، وعلم بعدم وجوب اكرام زيد وشك في أنه من العلماء فهل يرجع إلى أصالة عدم التخصيص في اثبات أنه جاهل لانه على تقدير كونه عالما يلزم تخصيص

٥١٣

اكرام العلماء حيث أنه منهم ولا يجب اكرامه أو لا يرجع فيبقى الشك بحاله ؟ الذي يظهر من غير واحد من المقامات من طهارة شيخنا الاعظم (ره) وكذا من التقريرات جواز الرجوع إليها وعليه بنى بعض من تأخر عنه من المحققين بل قيل انه جرى عليه ديدنهم في الاستدلالات الفقهية، ولكنه لم يثبت عند المصنف (ره) ووجه الاشكال فيه أن مرجع أصالة عدم التخصيص إلى أصالة العموم في العام ومن المعلوم أن العام انما يدل على ثبوت حكمه لكل واحد من أفراده فإذا شك في ثبوت حكمه لفرده كان العام نافيا لذلك الشك أما إذا علم الحكم وشك في أن موضوعه من أفراد العام أولا فلا يدل العموم على نفي ذلك الشك لان المشكوك خارج عن مدلوله " فان قلت ": عكس النقيض من لوازم القضية بحيث يلزم من صدقها صدقه - كما برهن عليه في محله - فإذا كان كل انسان حيوانا كان كل ما ليس بحيوان ليس بانسان فقولنا: كل عالم يجب اكرامه ينعكس بعكس النقيض إلى قولنا: كل ما لا يجب اكرامه ليس بعالم، فإذا ثبت أن زيدا لا يجب اكرامه وجب الحكم عليه بانه ليس بعالم - كما يقتضيه عموم العكس - وحيث أن الظهور من الامارات فهو حجة في المدلول الالتزامي كما هو حجة في المدلول المطابقي فيكون العموم دائما دالا بالالتزام على أن كل ما لا يكون محكوما بحكمه ليس من أفراده " قلت ": وان اشتهر أن المثبت من الامارات حجة بمعنى أن الامارات تكون حجة في المدلول الالتزامي الا انه ليس ذلك بنحو الكلية بل يختلف باختلاف مقدار دلالة دليل الحجية فإذا كان مطلقا كان مقتضيا للحجية على اللازم مطلقا وان كان مهملا اقتصر على المتيقن من دلالته وحيث أن دليل حجية الظهور بناء العقلاء الذي هو من الادلة اللبية كان اللازم الاقتصار على المتيقن من دلالته ولم يثبت بناء العقلاء على حجية الظهور بالاضافة إلى عكس نقيض القضية فلا يحكم بحجيته فيه بل يرجع إلى أصالة عدم الحجية ونظيره اليد وأصالة الصحة بناء على أنهما من الامارات فانهما لا يكونان حجة على لوازم الملكية والصحة

٥١٤

فصل

هل يجوز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص ؟ فيه خلاف وربما نفي الخلاف عن عدم جوازه بل ادعي الاجماع عليه (والذي) ينبغي أن يكون محل الكلام في المقام أنه هل يكون أصالة العموم متبعة مطلقا ؟ أو بعد الفحص عن المخصص واليأس عن الظفر به بعد الفراغ من اعتبارها بالخصوص في الجملة من باب الظن النوعي للمشافه وغيره ما لم يعلم بتخصيصه تفصيلا ولم يكن من أطراف ما علم تخصيصه إجمالا وعليه فلا مجال لغير واحد مما استدل به على عدم جواز العمل به قبل الفحص واليأس (فالتحقيق) عدم جواز التمسك به قبل الفحص فيما إذا كان

______________________________

العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص

(قوله: وربما نفي) حكي عن الغزالي والآمدي (قوله: الاجماع عليه) كما عن النهاية (قوله: فلا مجال لغير) هذا تعريض بجماعة من القائلين بعدم جواز العمل بالعام قبل الفحص حيث استدل بعض منهم على ذلك بعدم حصول الظن بالمراد إلا بعد الفحص - كما عن الوافية حكايته عن بعض - وآخر بعدم الدليل على حجية أصالة العموم بالنسبة إلى غير المشافه أو من قصد تفهيمه إلا بعد الفحص - كما عن المحقق القمي (ره) - وثالث بالعلم الاجمالي بورود مخصصات كثيرة بين الامارات الشرعية الموجب لسقوط أصالة العموم عن الحجية وبعد الفحص يخرج العام عن كونه طرفا للعلم المذكور فلا مانع من إجراء أصالة العموم فيه (وحاصل) التعريض أن هذه الاستدلالات كلها خارجة عن محل الكلام فان المدعي لوجوب الفحص يدعيه بعد البناء على أن أصالة الظهور حجة من باب الظن النوعي لا الشخصي وأنها حجة في حق المشافهين وغيرهم وأن العام ليس من أطراف العلم الاجمالي وهذه الدعوى لا تثبتها الادلة المذكورة كما لعله ظاهر هذا ولكن

٥١٥

في معرض التخصيص كما هو الحال في عمومات الكتاب والسنة وذلك لاجل أنه لولا القطع باستقرار سيرة العقلاء على عدم العمل به قبله فلا أقل من الشك كيف وقد

______________________________

في كون محل الكلام في المقام ما إذا لم يكن العام طرفا للعلم الاجمالي بالتخصيص تأملا إذ لازم ذلك خروج عمومات الكتاب والسنة عن محل الكلام لانها طرف للعلم الاجمالي المذكور فلا تعمها دعوى عدم لزوم الفحص وهو كما ترى والامر سهل (قوله: في معرض التخصيص) الظاهر من كون العام في معرض التخصيص كونه بحيث لا يؤمن تخصيصه فيرجع إلى اعتبار الوثوق بعدم التخصيص في حجية أصالة العموم (قوله: القطع باستقرار) هذا ممنوع جدا بل الظاهر استقرار السيرة على العمل بالعام وإن ظن بالتخصيص كما جاز العمل بالظاهر مع الظن بارادة خلافه فحينئذ لا موجب للفحص الا العلم الاجمالي بالتخصيص (والاشكال) بأن لازم ذلك عدم وجوب الفحص بعد العثور على التخصيص بمقدار يساوي المعلوم بالاجمال لانحلال العلم الاجمالي بالعلم التفصيلي الحاصل بالعثور على المقدار المذكور (مندفع) بأنه مبني على انحلال العلم الاجمالي السابق بالعلم التفصيلي اللاحق لكنه ممنوع كما هو محقق في محله من مبحث الانحلال وإنما ينحل بالعلم التفصيلي اللاحق لو كان موجبا لتعيين المعلوم بالاجمال في المقدار المعلوم بالتفصيل والعلم التفصيلي اللاحق في المقام غير موجب لتعيين المعلوم بالاجمال فلا يقتضي انحلاله. نعم لازم الاستناد في وجوب الفحص إلى العلم الاجمالي عدم جواز العمل بالعام بعد الفحص الا إذا علم بعدم تخصيصه ليكون خارجا عن أطراف العلم الاجمالي لكن يندفع ذلك أيضا بان العلم الاجمالي بالتخصيص في الجملة منحل بعلم اجمالي آخر مقارن له وهو العلم بثبوت تخصيصات بنحو لو فحصنا عنها لعثرنا عليها فيكون هذا العلم الثاني هو المانع عن العمل باصالة العموم وحينئذ فإذا فحصنا عن المخصص للعام فان عثرنا عليه كان العمل على المخصص وان لم نعثر عليه فقد علم بخروج العام عن كونه طرفا للعلم الاجمالي الثاني ويجب العمل باصالة العموم فيه (قوله: فلا أقل من الشك) بل لا مجال للشك كما تقدم ويشهد بذلك عدم صحة الاعتذار عن ترك العمل بالعام بالظن

٥١٦

ادعي الاجماع على عدم جوازه ؟ فضلا عن نفي الخلاف عنه وهو كاف في عدم الجواز كما لا يخفى وأما إذا لم يكن العام كذلك - كما هو الحال في غالب العمومات الواقعة في ألسنة أهل المحاورات - فلا شبهة في أن السيرة على العمل به بلا فحص عن مخصص وقد ظهر لك بذلك أن مقدار الفحص اللازم ما به يخرج عن المعرضية له كما أن مقداره اللازم منه بحسب سائر الوجوه التى استدل بها من العلم الاجمالي به أو حصول الظن بما هو التكليف أو غير ذلك رعايتها فيختلف مقداره بحسبها كما لا يخفى (ثم) إن الظاهر عدم لزوم الفحص عن المخصص المتصل باحتمال أنه كان ولم يصل

______________________________

بوجود المخصص (قوله: ادعي الاجماع) دعوى الاجماع ونفي الخلاف أعم مما ذكر إذ يجوز أن يكون من جهة العلم الاجمالي (قوله: العام كذلك) يعني في معرض التخصيص (قوله: في غالب العمومات) لا فرق بين هذه العمومات وعمومات الكتاب والسنة إلا في العلم الاجمالي المذكور وعدمه كما اشرنا إليه (قوله: يخرج عن المعرضية) ويكون ذلك بالفحص إلى ان يحصل اليأس عن وجود المخصص (قوله: فيختلف مقداره) قد عرفت الاشارة إلى أنه لو كان الموجب للفحص هو العلم الاجمالي بالتخصيص مطلقا فاللازم الفحص إلى أن يعلم بعدم التخصيص إذ به يخرج العام عن كونه طرفا للعلم الاجمالي المذكور وان كان الموجب له هو العلم الاجمالي بوجود مخصصات لو فحصنا عنها عثرنا عليها فمقدار الفحص تابع لتعيين مرتبة الفحص المأخوذ قيدا للمعلوم بالاجمال والظاهر أنه يكفى فيه الفحص عنه في مظانه من الموارد المعدة لذلك فان العلم بوجود مخصصات في تلك الموارد كاف في انحلال العلم الاجمالي بالتخصيص مطلقا فعدم العثور على التخصيص في تلك الموارد موجب لخروج العام عن أطراف المعلوم بالاجمال وأما لو كان الموجب للفحص عدم حصول الظن بالمراد قبل الفحص فمقدار الفحص حينئذ أن يحصل الظن بعدم التخصيص فتأمل ولو كان الموجب له عدم الدليل على حجية الخطاب لغير

٥١٧

بل حاله حال احتمال قرينة المجاز وقد اتفقت كلماتهم على عدم الاعتناء به مطلقا ولو قبل الفحص عنها كما لا يخفى (إيقاظ) لا يذهب عليك الفرق بين الفحص ههنا وبينه في الاصول العملية حيث انه ههنا عما يزاحم الحجية بخلافه هناك فانه بدونه لا حجة ضرورة أن العقل بدونه يستقل باستحقاق المؤاخذة على المخالفة فلا يكون العقاب بدونه بلا بيان والمؤاخذة عليها من غير برهان والنقل وإن دل على البراءة والاستصحاب في موردهما مطلقا إلا أن الاجماع بقسميه على تقييده

______________________________

المشافه فمقداره أن يفحص إلى أن يقوم الاجماع على الحجية (قوله: بل حاله حال احتمال) إذ كل منهما مانع من انعقاد الظهور فالاصل الجاري في عدمه من قبيل أصالة عدم القرينة من الاصول التي تكون وظيفتها تنقيح الظهور بخلاف أصالة عدم المخصص المنفصل وكذا أصالة عدم المقيد فان وظيفتها إيجاب العمل بالظاهر في ظرف الفراغ عن ثبوت ظهوره (قوله: وقد اتفقت) لا عبرة بالاتفاق في أمثال المقام ما لم يرجع إلى بيان ما عليه سيرة أهل اللسان والظاهر عدم الفرق بينه وبين الشك في التخصيص في وجوب الفحص مع العلم الاجمالي وعدمه مع عدمه كما ذكره في التقريرات (قوله: وبينه في الاصول) فانه لا يجوز إجراء الاصول العملية كالبراءة والاستصحاب في الشبهات الحكمية قبل الفحص عن الدليل على الحكم الالزامي وإنما يجوز إجراؤها بعده (قوله: ههنا عما يزاحم) يعني أن العام قبل الفحص عن المخصص واجد لمقتضي الحجية والفحص إنما يكون عن وجود المزاحم الاقوى وهو الخاص حيث أن ظهوره أقوى من ظهور العام بخلاف الاصول العملية قبل الفحص فانها غير واجدة لمقتضي الحجية أما الاصول العقلية منها كالبراءة العقلية فالحال فيها ظاهر حيث أن مرجع البراءة العقلية إلى قبح العقاب بلا بيان وعدم البيان المأخوذ موضوعا لحكم العقل بالقبح هو عدم البيان بعد الفحص لا قبله كما سيأتي بيانه في محله وكذا الحال في أصالة التخيير العقلي وأما الاصول النقلية كالاستصحاب والبراءة الشرعية فلان أدلتها وإن كانت شاملة لما قبل

٥١٨

به فافهم

فصل

هل الخطابات الشفاهية مثل: (يا أيها المؤمنون) يختص بالحاضر مجلس التخاطب أو يعم غيره من الغائبين بل المعدومين ؟ فيه خلاف ولا بد قبل الخوض في تحقيق المقام من بيان ما يمكن أن يكون محلا للنقض والابرام بين الاعلام فاعلم أنه يمكن أن يكون النزاع في أن التكليف المتكفل له الخطاب هل يصح تعلقه بالمعدومين كما صح تعلقه بالموجودين أم لا ؟ أو في صحة المخاطبة معهم بل مع الغائبين عن مجلس الخطاب بالالفاظ الموضوعة للخطاب أو بنفس توجيه الكلام إليهم وعدم صحتها، أو في عموم الالفاظ الواقعة عقيب أداة الخطاب للغائبين بل المعدومين وعدم عمومها لهما بقرينة تلك الاداة ولا يخفى أن النزاع - على الوجهين الاولين

______________________________

الفحص - كما هو مقتضى إطلاقها - إلا أن الاجماع منقولا ومحصلا اقتضى تقييدها بما بعد الفحص فلا مقتضي لها قبله (قوله: به فافهم) يمكن أن يكون إشارة إلى المناقشة في كون المستند في تقييد أدلة الاصول الشرعية هو الاجماع بل المستند فيه الآيات والاخبار الدالة على وجوب التفقه كما سيأتي منه (قدس سره) في محله أو أن المستند فيه هو العلم الاجمالي بالتكاليف الالزامية وجوبية أو تحريمية فيكون كما نحن فيه لو كان المستند في وجوب الفحص فيه هو العلم الاجمالي أيضا بلا فرق بينهما فإذا الفرق بين المقامين في وجوب الفحص يختلف باختلاف الانظار في مستند الوجوب فيهما فلاحظ

الخطابات الشفاهية

(قوله: أو في صحة) معطوف على قوله في: أن التكليف يعني، يمكن أن يكون النزاع في صحة خطاب المعدومين (قوله: الموضوعة للخطاب) مثل ضمير الخطاب وحرفه (قوله: أو بنفس) معطوف على قوله: بالالفاظ (قوله: وعدم صحتها) معطوف على صحة المخاطبة (قوله: أو في عموم)

٥١٩

يكون عقليا وعلى الوجه الاخير لغويا إذا عرفت هذا فلا ريب في عدم صحة تكليف المعدوم عقلا بمعنى بعثه أو زجره فعلا ضرورة أنه بهذا المعنى يستلزم الطلب منه حقيقة ولا يكاد يكون الطلب كذلك الا من الموجود ضرورة. نعم هو بمعنى مجرد إنشاء الطلب بلا بعث ولا زجر لا استحالة فيه اصلا فان الانشاء خفيف المؤونة فالحكيم تبارك وتعالى ينشئ على وفق الحكمة

______________________________

معطوف أيضا على قوله: في أن التكليف (قوله: يكون عقليا) لان المرجع في صحة التكليف أو صحة الخطاب هو العقل بخلاف المرجع في عموم الالفاظ وعدمه فانه اللغة (قوله: بمعنى بعثه أو زجره) لا ريب في امتناع البعث والزجر الخارجيين للمعدوم نظير الدفع إلى الشئ والمنع عنه وكذا البعث والزجر الاعتباريان العقليان بمعنى أن يحصل للمكلف داع عقلي إلى الفعل أو الترك بمعنى حكم عقله برجحان الفعل أو الترك لان الحكم العقلي نوع من العلم غير الحاصل للمعدوم إلا أن امتناعهما بهذا المعنى لا يختص بالمعدوم ولا بالغائب بل يعم الموجود الجاهل فان العلم بالتكليف موضوع لحكم العقل المذكور فينتفي بانتفائه وعليه فلا تكون حيثيتا الوجود والعدم دخيلتين في الفرق نعم المعدوم بما أنه معدوم يمتنع أن يحصل له العلم والموجود بما أنه موجود قابل لان يحصل له لكن الفرق بهذا المقدار خارج عن محل الكلام من الفرق بين الموجود والمعدوم في صحة التكليف وعدمه إذ الفرق بينهما في قابلية العلم وعدمه فرق في أمر متأخر عن التكليف كما لعله يظهر بالتأمل (قوله: ضرورة أنه بهذا) يعني أن البعث والزجر الفعليين يستلزمان الطلب النفسي الحقيقي ويمتنع الطلب الحقيقي من المعدوم (أقول): إن كان الوجه في امتناع الطلب من المعدوم هو عدم قدرته على المطلوب فهو مانع عن طلب الفعل منه حال العدم ولا يمنع عن طلب الفعل منه على أن يكون زمان الفعل حال الوجود كما يدعيه القائل بجواز تكليف المعدوم وإن كان أمرا آخر فغير ظاهر فتأمل جيدا (قوله: مجرد إنشاء الطلب) يعني مجرد الطلب الانشائي بلا طلب حقيقي (أقول): فيكون التكليف حينئذ صوريا نظير التكليف الامتحاني (قوله: خفيف المؤونة) يكفي

٥٢٠