حقائق الاصول الجزء ١

حقائق الاصول10%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 571

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 571 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 212088 / تحميل: 5776
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

س: ما هي التغيّرات الإيجابية التي لمستها في حياتك منذ اعتناقك الإِسلام؟

ج: لقد وجدتُ السلام الداخلي.. لقد عشتُ السلام في قلبي وروحي وفي علاقاتي بالآخرين، حتى باتت حياتي مستقرة، وانعكس ذلك على حياة ابنتيّ أيضاً، واندفعت إلى الحياة بقوة وإرادة أكبر، فعدت لمتابعة دراستي في الجامعة.

س: يعني أنك تشعرين الآن براحة أكبر من ذي قبل؟

ج: طبعاً، والحمد لله، أشعر بلذة كبرى أثناء الصلاة وصوم شهر رمضان المبارك، وأعلم أن عليّ أن أتعلم الكثير الكثير عن الإِسلام، فكلما وقعت على معرفة معينة تبيّن لي أن الذي أعرفه لا يوازي ذرة في كتاب هذا الوجود، فعليّ البحث أكثر، علماً أن حياة الفرد قصيرة، قياساً بما يجب أن يتعلّمه الإنسان في هذه الحياة.

س: على ضوء تجربتك، هل تقترحين أساليب معينة لدعوة غير المسلمين للإِسلام؟

ج: أتمنى أن تطابق أقوالنا أفعالنا، فنمارس قولاً وعملاً ما تدعو إليه العقيدة الإِسلامية، وأن نستحضر الله تعالى في كل ما نقوم به، ونسير على هدي النبي محمد (ص) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) ، وأن نحدّث الناس عن الإِسلام باللين والكلمة الحسنى، وألا تزعزع الأزمات والمصاعب إيماننا بالله تعالى.

س: ما هو الدور الذي تقومين به أو تنوين القيام به لخدمة الدعوة الإِسلامية؟

ج: أبذل قصارى جهدي لأتمتع بصفات المرأة المسلمة المتديّنة، وهذا بحد ذاته دعوة إلى الله من خلال أفعالي وسلوكي، وأسأل الله أن أكون عند حسن ظنه تعالى.

س: ما مدى إمكانية الدعوة إلى الدين الحنيف في بلادك؟

ج: يحتاج الإِسلام في بلادي إلى القدوة الحسنة، فبقدر ما يلتزم المسلمون بتعاليم الإِسلام هنا، يسهل تغلغل الإِسلام إلى القلوب والعقول، فالإِسلام يحمل بداخله مقومات قادرة على إنقاذ الناس من التيه والضياع ولجوئهم إلى المخدرات، وبإمكان هذا الدين إنقاذنا من الغرائز المنحطة التي سجن الإنسان نفسه خلف قضبانها.

لقد وضع الإِسلام في أيدينا المفتاح إلى الجنة، وكل ما علينا هو إدارة هذا المفتاح للولوج إلى عالم الآخرة، ولا يكون ذلك إلا باتباع أوامر الله تعالى وسُنَّة نبيه (ص) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) برضىً وطمأنينة.

١٤١

س: كيف ترين أوضاع المسلمين الحالية؟

ج: في الواقع أجد الكثيرين منهم منغمسين في أمور دنياهم دون الالتفات إلى أمر الآخرة، وهؤلاء كسالى عن الدعوة إلى الله، وعن تطبيق الإِسلام في حياتهم الفردية والاجتماعية، همّهم الاستمتاع بهذه الدنيا الفانية التي تعمي بصائرهم عن سعادة الإيمان والتقوى والعمل بما أنزله الله تعالى.

س: كيف ترين أوضاع المرأة المسلمة؟

ج: أعلّم ابنتيّ أنهما غاليتان، وعليهما ألا تفرطا بنفسيهما بثمن بخس، فالفتاة أم المستقبل وعلى الجميع من حولها احترامها. وعلى جميع الرجال المسلمين حماية النساء، وعلى هؤلاء أيضاً حماية أنفسهن.

لقد وُهبنا والحمد لله هذا الإيمان، ولكن هذا الإيمان يجب أن يتسع ويقوى، ويتغلب على جميع الشرور التي تتجه إلى تشويه دور المرأة كواهبة للحياة، ومنارة للحب والراحة والسرور.

١٤٢

الأخت المسلمة السويدية

الدكتورة سمية «بارنيللا» تقول لـ «نور الإِسلام»

· العناية الإلهية شملتني بألطافها ووضعتني على طريق الهداية إلى دين الله تعالى.

· الإِسلام دين المنطق والعدل، يقبل النقاش العقلي الحر. ويضفي التوازن على كل جوانب الحياة الإنسانية.

· أدعو المرأة المسلمة وخاصة في البلاد الإِسلامية. لتعتبر أن حصنها هو حجابها، وأن التزامها بدينها هو طريق تقدّمها ومستقبلها. لا تقليد الحضارة الغربية الزائفة.

السويد كغيرها من الدول الغربية التي نجح الإِسلام، بما يمتلكه من قوة الإقناع، أن يستقطب إلى صفوفه أعداداً متزايدة من أبنائها الذين أتيح لهم أن يطلعوا على أفكاره ونظمه.. فلا أسوار التعصب والجهل التاريخية، ولا حواجز الحضارة المادية بكل بهارجها ومغرياتها، ولا الدعايات المضادة للإِسلام بكل لؤمها وخبثها.. ليس كل هذا بقادر على أن يمنع أنوار الهداية الإلهية، من أن تضيء العقول والنفوس التي تهفو إلى الحق وتبحث عن الحقيقة.

هذه الحقيقة تؤكدّها وتبيّنها بوضوح حكاية الأخت المسلمة السويدية الدكتورة سمية - بارنيللا سابقاً - مع الإِسلام الذي شدّها إليه وضوح عقيدته وعقلانيته وشمولية رسالته، فاستنقذها كما تقول مما كانت تعانيه من فراغ عقائدي وروحي، ومنحها الطمأنينة والدافع لكي تنخرط في نشاطات فكرية واجتماعية عديدة من أجل رعاية المسلمين في منطقتها، وحمل مهمة تبليغ الإِسلام في أنحاء دولة السويد كافة.

في منزلها الزوجي في بلدة «شاملينغ» التابعة لمدينة لوند السويدية، التقتها «نور الإِسلام» بحضور زوجها الأخ جميل الجزائري الجنسية، وأطفالها الأربعة، ومنهم ابنتها التي ذكرت لنا أنها الوحيدة المحجبة في صفها، وهي معتزة بذلك.. وبعد الترحيب كان السؤال الأول:

س: كيف تصفين لنا رحلتك نحو اعتناق الإِسلام؟

ج: في الحقيقة أنا أعتبر أن العناية الإلهية هي التي شملتني بألطافها ووضعتني على طريق الهداية لدين الله تعالى، الذي اختاره وارتضاه ليقود خطى البشرية نحو شاطىء الأمان، وهو الدين الصالح لكل زمان ومكان.

١٤٣

وكانت رحلتي نحو الإِسلام قد بدأت منذ أوائل الثمانينيات، وهي لم تكن سهلة أو سريعة، حيث أخذتُ متسعاً من الوقت للاطلاع والتأمل، قبل أن أتخذ القرار السعيد باعتناق الإِسلام والالتزام بتعاليمه والجهر بذلك، بعدما حصل لديّ الاقتناع واليقين بصحة هذه الخطوة المصيرية بالنسبة إليّ.. وإذا شئتم ذكر بعض التفاصيل حول الكيفية التي تعرّفت فيها إلى الإِسلام والتي قادتني إليه، فإن الفضل في ذلك بعد التوفيق الإلهي يعود إلى أختي مريم، التي نشأتُ معها في قريتنا «سفل - Siffle »، وكانت قد اختارت الدراسة الجامعية في إحدى الجامعات الصينية، وهناك رغبت في الاطلاع على البوذية بحكم الفراغ العقائدي الذي كانت تعيشه، ولكن بحمد الله، فإن الطريق بدلاً من أن يقودها إلى البوذية أوصلها إلى الإِسلام، حيث تعرّفت هناك إلى مجموعة من الطلاب المسلمين الذين كانوا يدرسون في الجامعة نفسها، وبواسطتهم اطلعت على الإِسلام فاقتنعت به وأعلنت إسلامها، وتزوّجت من أحد الطلبة المصريين. وعندما عادت إلى السويد جرى بيني وبينها نقاشات مطوّلة حول الإِسلام، جعلت صدري ينشرح لهذا الدين، وأعادتني إلى التفكير بالحياة الدينية والروحية بعد أن كنت غير مبالية، وهذا ما دفعني إلى مزيد من الاطلاع على الإِسلام، فكان لي لقاءات مع بعض الطلبة المسلمين المثقفين الذين أجلوا لي بعض الغوامض وزودوني بالعديد من الكتب التي استفدت منها كثيراً، حيث بدأتُ أحصل على أجوبة مقنعة على الأسئلة التي كان تحيّرني وتبعث في نفسي الشك، وهكذا وجدت الإِسلام دين العقل والمنطق والعدل، ووجدته يؤمّن التوازن بين العقل والعاطفة، وفي كل جوانب الحياة الإنسانية، ويضع للإنسان منهجاً يؤمّن له السعادة في الحياتين.. الدنيا والآخرة، كما يطرح حلولاً متميزة لكل المشاكل التي تعترض حياة الإنسان، وهذا ما دفعني للتحول نحوه.

س: كيف كان صدى التزامك بالإِسلام بين أهلك وفي محيطك؟

ج: قبل ارتدائي الحجاب والالتزام باللباس الشرعي، اقتصر رد فعل أهلي وأصدقائي على بعض التعجّب والتساؤل عمّا إذا كنت سأثبت على قناعاتي الجديدة، وعمّا إذا كنت سأتعدّى مجرد القناعة إلى الالتزام الظاهري، ولكن بعد زواجي ذهبتُ مع زوجي جميل إلى الجزائر، وهناك التزمتُ بالحجاب واللباس الشرعي، وبعد عودتي إلى السويد واجهتُ الكثير من الاستغراب والأسئلة المعترضة على وضعي الجديد سواءً من الأهل أو الأصدقاء حيث لم يكن أحد يتصوّر أنني سألتزم إلى هذا الحد، وقد عرفوني سابقاً غير مبالية بالدين، ولم يدر في خلدهم أن الإِسلام أمر مختلف وأنه ليس مجرد ديانة تعنى بباطن الفرد فقط، بل هو أسلوب للحياة والتعامل.

١٤٤

وبارتدائي الحجاب في ذلك الوقت، أصبحت في نظرهم أنتمي إلى الأقليات المسلمة التي يتجنبها الإنسان السويدي، الذي هو بطبيعته يعيش العزلة والخوف من الجديد والمختلف، غير أن هذا لم يمنعني من أن أشق طريقي بكل ثقة وصبر، وأن أفرض احترامي واحترام ما التزمت به على الكثيرين ممن تبرموا في البداية.

س: كيف ترين أهمية الحجاب بالنسبة إلى المرأة المسلمة وخصوصاً في الغرب؟

ج: الحجاب بنظري هو حصن تعيش المرأة في داخله بكل طمأنينة، واثقة بالنفس، وهو يفسح المجال أمام المرأة للتفكير بما هو أهم من الملابس والزينة، ويعطيها الفرصة لتصبّ جهودها أكثر على ما يدفعها ويدفع محيطها للتقدّم، لأنها تحرّر نفسها من الاستغلال الرخيص لأنوثتها فتتحرّر من سطوة جشع تجار الأزياء وتفاهاتهم، ومن عبث وفساد وسائل الإعلام والإعلان التي تسيّر النساء الفارغات في عالمنا المعاصر.

س: هل يمكن أن تعطينا صورة عن المستوى العلمي الذي توصّلت إليه وعن مجال عملك؟

ج: لقد تابعتُ دراستي بعد إسلامي حتى نلتُ شهادة الدكتوراه من جامعة لوند، وذلك في قسم البيئة البشرية، وكان موضوع أطروحتي هو «المسلمون في الشرق الأوسط»، الذي هو محل اهتمامي الشخصي، وهذا ما اقتضي مني زيارة عدة دول إسلامية في الشرق الأوسط لاستكمال المعلومات حول هذا الموضوع، وأنا الآن أعمل باحثة في جامعة لوند نفسها.

س: علمنا أن لديك نشاطات إسلامية متعددة، فما هي؟

ج: لقد انتخبتُ عضواً في الأكاديمية الإِسلامية، وهي جمعية تضم الجامعيين المسلمين في جميع أنحاء السويد، وتهتم بالتعريف بالإِسلام، وإجلاء صورته في المجتمع السويدي، والدعوة إليه عن طريق المحاضرات والندوات والكتب والمنشورات، وأنا أساهم قدر طاقتي في نشاطات هذه الجمعية.

١٤٥

أمّا نشاطي الإِسلامي الأساسي فيتم من خلال النادي النسائي في مدينة لوند وجمعية الإرشاد الإِسلامية الخاصة بالنساء المسلمات السويديات والمهاجرات، وتهتم الجمعية بالتوعية الثقافية الإِسلامية عن طريق تدريس التربية الدينية والعلوم الإِسلامية واللغة العربية. وتقيم الجمعية الندوات واللقاءات العامة، كما تنظم زيارات للمدارس والجامعات بهدف التبليغ الإِسلامي. إلى جانب ذلك، لدينا اهتمام خاص بالأطفال لتنشئتهم نشأة إسلامية سليمة، وإبعادهم عن المحيط المنحرف.

س: ما رأيك بمستقبل النشء المسلم الجديد في السويد والمجتمعات الغربية؟

ج: برأيي أن الأطفال المسلمين سيواجهون صعوبة أقل لدى انخراطهم بالمجتمعات الغربية، لأنه من الأسهل عليهم فهم تركيبة المجتمع الذي نشأوا فيه والتكيّف معه بمرونة أكثر من كبار السن المهاجرين، سواء في السويد أم في غيرها.

س: ما هي المشكلات التي يعاني منها المسلمون في السويد؟

ج: يعاني المسلمون في السويد من مشاكل عدة، تنعكس سلباً على تحسين أوضاعهم، منها:

- انخفاض المستوى التعليمي، حيث أن الأكثرية منهم جاءوا إلى السويد للاستفادة من الرفاهية المادية الموجودة هنا، وهذا ما يعيقهم عن الحصول على وظائف عالية.

- المشاكل القائمة بين المجموعات المسلمة ذاتها، حيث يختلف بعضهم على المرجعية التي تبتّ في القضايا المهمة التي تهم جميع المسلمين.

س: كيف ينظر السويديون والغربيون عامة إلى المسلمين الموجودين بينهم؟

ج: يصنّف المسلمون في الغرب عادة إلى قسمين: قسم يسمّونهم متطرفين، وهم الذين يتمسّكون بدينهم ويطبقون شعائره ولا يجاملون في ذلك. وقسم آخر يسمّونهم معتدلين، وهم عادة الذين لا يبالون بأمور الدين ويهملون واجباتهم الشرعية، لأنهم متأثرين بالحياة الغربية المادية. ولكن على العموم فإن نظرة الغربيين إلى الإِسلام والمسلمين هي عموماً سلبية، وهي ناشئة عن رؤيتهم الحضارية والدينية المختلفة والاحتكاكات التاريخية، كما أن الإعلام المعادي الموجّه يغذي هذه النظرة السلبية، ويعمل على تضخيم وهم الخطر الإِسلامي على الغرب. كما لا ننسى هنا أخطاء المهاجرين المسلمين وأفعال الكثيرين منهم التي تعطي صورة سيئة عنهم، وعمّا يمثلون.

١٤٦

ولا يعني هذا أن ليس هناك تفهّم للإِسلام وتعاطف مع المسلمين وقضاياهم لدى جهات وأشخاص كثيرين في الغرب، وهنا تأتي مسؤولية المسلمين لكي يبذلوا الجهود المضاعفة كي تتسع هذه النظرة الإيجابية للإِسلام في الغرب.

س: هل من كلمة أخيرة؟

ج: أريد أن أوجّه عبر مجلتكم الموقرة نداءً مختصراً إلى المرأة المسلمة عموماً وإلى النساء في البلاد الإِسلامية بشكل مباشر لأدعوهن إلى مزيد من الوعي والتعقل والتمسك بالإِسلام، هذه الرسالة العظيمة، كي يساهمن بشكل أفضل في تماسك وتطوير وسلامة مجتمعاتهن لإبعادها عن الموبقات والمفاسد التي تعصف بالمجتمعات الغربية، والتي تحطّ من قدر الإنسان، وألا ينخدعن بمظاهر الحياة الغربية ومغرياتها وحرياتها الزائفة، التي تزيّنها لهن وسائل الإعلام المفسدة، فهذه لا تؤدي إلّا إلى سقوطهن وتدمير كل مقومات القوة التي يوفرها لهن الإِسلام في أنفسهن ومجتمعاتهن، وأني آمل من كل اللواتي انبهرن بهذه القشور وتخلين عن مزايا شخصيتهن الإِسلامية الكريمة أن يراجعن أنفسهن ويواجهن الحقيقة بإرادة وصدق.

١٤٧

الأخ المسلم البريطاني جان هانز (محمد علي)

يقول:

· السلوك النظيف والقويم لبعض العمّال المسلمين الملتزمين جعلني أُكبِر الإِسلام وأرغب في اعتناقه.

· في الغرب نحلم بالسعادة ولا نجدها، بل نعيش الحسرة والأسف عند انقضاء كل متعة ننالها.

· تفرّغت لطلب العلوم الدينية الإِسلامية من أجل خلاص نفسي وهداية أهلي ومجتمعي.

· النبي الأعظم (ص) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) هم معلمو البشر وقادتهم، ويجب أن نتخذهم قدوة لنا.

في الوقت الذي تنتشر فيه الفلسفات المادية والتيارات الإلحادية وهي تغزو وسائل الإعلام في كل قطر وبلد، مدعومة بأحدث وسائل الاتصال والنشر. تجد ثلّة من الناس طريقها الواضح المستقيم، وسط الغبار والزحام المتراكم من الأيديولوجيات والأفكار، مهتدية بنور الإِسلام الذي يجذب إلى ساحته كثيراً ممن أنعم الله عليهم بنعمة الدين الحنيف، ومن قلب الغرب الذي أدار ظهره للدين منذ أن أعرض عن النهج الإلهي، في مطلع النهضة العلمية التي حققت له رفاهية مادية ولكنها فشلت في أن توصله إلى رحاب الطمأنينة وواحة السعادة في هذه الدنيا فضلاً عن الآخرة. من بين هؤلاء النخبة المهتدية، نبدأ حديثنا عن إسلام الشاب البريطاني جان هانز «محمد علي» بهذه اللمحة الدالة التي توجز حوار مجلة «نور الإِسلام» مع هذا الشاب المهتدي.

التقيناه في رحاب المقام الشريف للسيدة زينب (عليها السلام) في ضاحية دمشق الشام، هناك ذات مساء، بعد أداء شعائر الزيارة المباركة، وبعد الفراغ من الصلاة، من بين تلك الوجوه الطيبة التي أمّت المقام الشريف، طالعنا بوجهه المشرق وثغره المبتسم، والطريف في هذا الأمر، أن هذا الشاب كان يرتدي الزي الخاص بطلاب العلم الديني، وكان مظهره يحمل أكثر من دلالة.. بعد أن رحبنا به دار بيننا الحوار التالي:

١٤٨

س: هل لك أن تعطينا لمحة عن نشأتك؟

ج: نعم بكل ترحيب، وُلدت في بريطانيا، وعشتُ طفولتي كأي فرد مسيحي، يذهب مع عائلته إلى الكنيسة أيام الآحاد والأعياد، ولم أكن أشعر بأن شيئاً يمكن أن يطرأ على حياتي فيبدلها، ولكني كنت أشعر كأكثر الناس بأن الحياة تمضي بنا حثيثية دون أن تحمل إلينا معنى أو هدفاً نبيلاً، فالناس تعيش دون مُثُل أو قيم، مكتفية بالاستغراق في الحياة المادية العابثة التي تجعل منّا أناساً أشبه بالأنعام التي تعيش ليومها ولا تفكر بغد.

كانت حياتنا رتيبة، نحلم بالسعادة ولا نجدها، فتشنا عنها كثيراً فلم نجدها في حدود متع الدنيا ولذاتها، بل كنا نصاب بالحسرة والأسف عند انقضاء كل متعة ننال منها نصيباً، لهذا كنا نعيش حياة ينتهي وجودنا بانتهائها؛ ولهذا كان الكثير من الشباب يفكرون بالتخلص من هذه الحياة الفارغة، إما بالهروب إلى المخدرات، هروباً آنياً وإمّا بالانتحار. وقد حصل أن أقدم شبان كثر على قتل أنفسهم عندما قرأوا كتاب «آلام فرتر» للكاتب الألماني «غوته» في الحقبة الماضية. في تلك الفترة لم أكن أختلف بشيءٍ عن أقراني، لقد درستُ وتعلمتُ في إنكلترا وتخرجت من الجامعة مهندساً، ثم سافرت للعمل في الخارج.

س: هل لك أن تحدثنا عن تجربتك الجديدة في ظل الإِسلام؟

ج: كانت بداية التحوّل في حياتي الشخصية حينما سافرت إلى الباكستان للعمل هناك، وبعد انقضاء فترة على وجودي في تلك البلاد، كنت خلالها أراقب العمّال البسطاء الذين كانوا يشتغلون تحت إشرافي. وقد لفت نظري إخلاصهم في العمل فضلاً عن صدقهم في المعاملة، وتفانيهم في أداء ما يُطلب منهم بكل أدب واحترام، ولاحظتُ أن السبب في ذلك يعود إلى روح النظام وجو الطهارة الذي اكتسبوه من عادة حسنة، فقد كانوا يقفون بانتظام صفاً للصلاة بضع مرات في اليوم، بعد أن يقوموا بتنظيف أجسامهم في أحواض الماء، ويغسلون بعض أعضائهم أو يمسحونها، وهي دلالة ظاهرة على طهارة الأبدان، ودلالة باطنة على نظافة الروح وتطهير النفس، وقد تعلمت منهم قول الرسول (ص) :

١٤٩

«أفضل الطيب الماء» .. أما عندنا فما نفع العطور التي يضعها الإنسان على جسم تتنازعه الأقذار والنجاسات، من الخمرة إلى الميتة ولحم الخنزير وما أشبه ذلك. ثم تعلمتُ من هؤلاء العمّال، كيف أملأ وقتي بما يفيد، وكيف أنظِّم ساعات يومي، بعد أن أقف مثلهم لحظات بخشوع وأتلفظ بالكلمات ذاتها، التي تشيع الأمن والطمأنينة في نفسي.

وعرفتُ من هنا أن الفرد المسلم يمثّل الطهارة المادية المتجسّدة في نظافة جسمه من الأدران ونظافة روحه من الآثام.

س: هل من سبب آخر دفعك إلى اعتناق الإِسلام؟

ج: لقد كان في حياتنا نحن الغربيين، كما أشرتُ إليك، فراغ هائل، نابع من انتفاء القِيم في واقع الإنسان الغربي، وهذا ما يبعث على القلق المؤدي إلى عذاب الروح، فعندنا كلمة شائعة يتداولها الناس تدلّ على اللامبالاة وعدم الاكتراث مثل «لا يهمني» أو أن يقول قائلنا لكل أمر جديد أو مدهش «حسناً».

والجدة عندنا معيار وقيمة توزن بها الأشياء، فكل شيء إذا مضى عليه وقت يفقد قيمته ويتطلع الإنسان إلى الجديد الذي يبهر ثم سرعان ما يفقد هذا الجديد سحره وتأثيره، وهكذا يظل الإنسان يلهث وراء كل جديد، حتى يتبلد إحساسه فلا يشعر بقيمة الأشياء، فتفقد الأشياء معناها وجوهرها، فيصبح الإنسان عديم الإحساس، من هنا يفكر في الخلاص بأي طريق كان.

بينما يعطي الإِسلام منهجاً وسطاً في المنع والعطاء، في التمنع والحرمان، هذا المنهج الوسط يبقي للأشياء معناها، لأن الحرية المطلقة التي تبلغ الإباحية والإسراف، تستهلك جوهر الأشياء وتبطل معناها، وهنا تكمن الكارثة في الحياة الغربية القائمة على البراغماتية والمتعة الآنيّة.

لقد وهبني الإِسلام منهجاً في الحياة قرّت به عيني واطمأنت إليه نفسي، بعد سنوات من الضياع والقلق الذي يغرق فيه مجتمعنا المتردي في دوامة الانحلال على الصعيدين المادي والروحي.

ولم أصدق أن هناك عقيدة تحمل إلى الإنسان السكينة والاستقرار إلّا بعد أن رأت عيناي وسمعت أذناي ولمستُ الحقيقة التي لا ريب فيها أن الإِسلام بصفاته وسماحته هو المنتجع الآمن والواحة التي تستظل بها النفوس التواقة إلى رحاب السعادة. كان ذلك التحوّل الكبير في حياتي حين تعرفت إلى خاتم الديانات وجوهر الرسالات، الإِسلام الحنيف، وكان ذلك بفضل العناية الإلهية.

١٥٠

س: ما هي الأسباب التي دفعتك لتكون طالباً في مدرسة العلوم الدينية؟

ج: عندما اهتديتُ إلى الإِسلام، فكرت بأهلي ومجتمعي، وعرفت أني سأواجه اعتراضاتهم، لذلك شئت أن أتسلح بالحجة والبرهان، وسبيلها العلم والمعرفة، لذا عقدتُ العزم على تلقي العلوم والمعارف الإِسلامية.

س: ألا يسبب لك حرجاً ارتداؤك الزي الخاص برجال الدين؟

ج: في الأساس لم أفكر في خلاص نفسي فحسب، بل فكرت في خلاص الآخرين من أهل وطني، لهذا وطّنت النفس على تجاوز الصعاب، إنني فخور بارتداء العمامة والزي الديني، وهذا يمنحني الحرية في الحركة، بهذه الثياب الفضفاضة، كي يحررني من الزي الغربي الملاصق للجسد، فذاك يضغط عليّ ويرهقني، وهذا يتيح لي التحرك بسهولة، وهو رمز للتجرد عن زيف الحضارة في الزينة والتجمل.

ثم إن المجتمع الغربي يدّعي الحرية والديمقراطية، فأنا من هذا المنطلق يحق لي أن أرتدي ما أشاء.

س: ماذا تنوي أن تفعل عندما تعود إلى وطنك؟

ج: انطلاقاً من قول الإمام علي (ع) : «أحب لغيرك ما تحب لنفسك»، لهذا فإنني أبغي الخير لإخواني في الإنسانية من أبناء وطني كما قال الإمام (ع) : «واعلم أن الناس إمّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق». فسوف أقوم بواجبي في التبليغ الإِسلامي، وإنني آمل منهم أن يستجيبوا.

س: ما هو مدى اطلاعك على الثقافة الإِسلامية؟

ج: إني سعيت للاطلاع على المعارف والعلوم الإِسلامية بشغف ومحبة، وإنني ملم بحياة النبي (ص) والأئمة (عليهم السلام) ، ومطّلع على الكثير مما قالوه وفعلوه، وإنني أؤمن بعصمتهم وأنهم معلمو البشر وقادتهم، وأتخذهم قدوة وأجعل من أقوالهم شعاراً ومن أفعالهم أمثولة في الحياة.

١٥١

س: هل من كلمة أخيرة تتوجه بها إلى القرّاء؟

ج: إنني أؤكد إنني وجدتُ للحياة قيمة بعد اعتناقي الإِسلام، فنحن لم نخلق عبثاً، بل لغاية سامية، والجدة التي هي معيار كاذب وزائف لم تعد تعني لي شيئاً.

وإنني أردد ما قاله المرجع الكبير الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء «بلّغوا الإِسلام إلى الغرب، فإذا نجحتم في رسالتكم هناك، حققتم أهدافكم في التبليغ هنا»، لأن الشرق مولع بتقليد الغرب، وهو مرض العصر، ولقد كان الغرب الإسباني في عصر الإِسلام، يتوجه بأنظاره قِبَل المشرق، وإنني أدعو جميع الناس إلى قراءة الإِسلام ومعرفته عن كثب ليتسنى لهم الاهتداء ثم هداية الآخرين، لأن الناس أعداء ما جهلوا، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

١٥٢

الأخت الروسية المهتدية، يلينا كوشيليوفا

تقول «لنور الإِسلام»:

- على الرغم من الدعاية الإلحادية التي كان يفرضها النظام التعليمي الشيوعي السابق، كان ينتابني إحساس بوجود إله واحد.

- من خلال كتاب «حياة محمد» لأحد الكتّاب الروس، أعجبت بشخصية الرسول (ص) ثم صرت أبحث عن الكتب الإِسلامية.

- الأسف يعتصر قلبي، كيف لم تهتدِ النسوة السافرات إلى نعمة الحجاب، وما يمثّله من قيم النقاء والطهر.

- إنني أنصح أختي المسلمة أن لا تسير بخطى عشواء على طريق المدنية القادمة من الغرب.

يلينا يورينيفا كوشيليوفا

لم تكن تدري يلينا وهي الفتاة الروسية التي تعيش في مجتمع شيوعي يؤمن بالقيم الماركسية، أنها على موعد مثير، مع صدفة رائعة حملها إليها عيد الأضحى، حينما التقت بمن هيَّأته العناية الإلهية لينقلها من الظلمات إلى النور، ومن الشرك إلى الدين الحنيف، لقد وُلدت من جديد، كما تقول يلينا، وكنت أشعر بإرهاصات تنبئ عن استعداد وتوجه في عمق وجداني. كالظافر بالماء وسط الصحراء، لأجد الحوض الطاهر النقي، الذي ألقيت بنفسي في لجته، لأتطهر من أدران هذا العالم الذي أضاع قيم الروح والإنسانية.

تجربتي مع الإِسلام مثيرة وغنية بالعبر إذا ولجتم إلى أعماقي ستجدون أنني جد سعيدة بهذه المصادفة الرائعة. وكأن القطار الذي كان ينقلني من إحدى المدارس في ضواحي «لاتيا» كان يحملني إلى شاطئ السعادة والأمان وواحة الهداية واليقين.

في مسكنها الزوجي في بيروت وبين عائلتها السعيدة التقت نور الإِسلام السيدة يلينا وكان لنا معها هذه المقابلة:

١٥٣

س: هل لك أن تعطينا لمحة موجزة عن نشأتك وتربيتك الأولى:

ج: وُلدت سنة 1973 في طاجكستان التي كانت واحدة من جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقاً، من أصل روسي، وكان والدي ضابطاً برتبة كولونيل، إلى جانب كونه محامياً، وكانت أمي طبيبة، وقد تعرضت عائلتي للتنقل إلى أكثر من بلد، إذ هاجر أهلي إلى سيبيريا، إلا أنني بقيتُ أعيش مع جدتي في طاجكستان حيث دخلت إلى المدرسة، وعندما سافر أهلي إلى جمهورية لاتيا اصطحبوني معهم إلى مدينة ريفا ثم استقرت بنا السكنى أخيراً في أوكرانيا.

لقد فرضت علينا ظروف عمل والديَّ أن نتنقل بين بلدان الاتحاد السوفياتي سابقاً، مما أتاح لي فرص التعرف إلى هذه البلدان المختلفة، والخروج إلى العالم الأوسع؛ ما أكسبني مرونة في التصرف، ومزيداً من الوعي، وهذا ما أدى إلى أن لا تترسخ في نفسي عادات بلد معين، بل كنت أبحث دائماً عن الأفضل في العادات والسلوك. لقد ترعرعت وسط عائلة مثقفة. فالبيئة التي عرفتها في لاتيا تشبه البيئة الأوروبية من حيث توفر الحرية والمناخ الثقافي والفكري، قياساً على بقية البلدان الروسية.

كانت طفولتي موزعة بين البيت والمدرسة، فلم أكن أهتم بما يوليه أترابي من اهتمام.

ولست أعلم بالتأكيد لماذا كان ينتابني إحساس بوجود إله واحد مع أن التعاليم الإلحادية التي يفرضها النظام التعليمي، كانت لا تعترف بذلك، وربما كان لجدتي أثر في هذا الاستعداد لديَّ.

وكان والدي يشتري لي كتباً علمية حول نشوء العالم، حسب ما يقرره الإنجيل، وكنت أميل كثيراً إلى التأمل. وعندما بلغت السادسة أو السابعة عشرة جربتُ أن أصوم على الطريقة الأرثوذكسية، حيث كنت أمتنع عن تناول اللحوم والمشتقات الحيوانية لمدة أربعين يوماً.

١٥٤

س: هل لك أن توضحي لنا الأسباب التي حملتك على اعتناق الإِسلام:

ج: أجل. حينما كنت في الرابعة عشرة من عمري، كنت أتعلم في مدرسة تضم أولاداً من الطاجيك الذين يعتنقون الإِسلام، ولاحظتُ كيف أن العائلة المسلمة تضم عدداً كبيراً من الأولاد، وفي أثناء ذلك كان يسترعي انتباهي منظر الأولاد المؤثر، وهم يصومون طوال النهار عن الطعام والشراب، وكان بعضهم يصاب بالإعياء آخر النهار، حيث كان شهر حزيران القائظ بنهاره الطويل. وكان ذلك يحملني على التساؤل، لماذا يتحمل هؤلاء هذا العناء كله ومن أجل أي شيء يضحون بالتمتع بما يشتهون من الطعام. كان ذلك بداية التجربة مع الإِسلام بالنسبة إليّ.

وعندما بلغتُ الثامنة عشرة، كنت أدرس الكيمياء في إحدى الكليات، التي تبعد عن منزلنا ثلاثة أرباع الساعة تقريباً، وكان عليّ أن أتنقل بالقطار، وهنا حدثت الصدفة الرائعة، حيث تعرّفت إلى زوجي المهندس اللبناني فهد سويدان، وتجدَّد اللقاء وعرّفني أنه مسلم ملتزم وكان آنذاك لا يحسن اللغة تماماً.

وشاءت الصدف أن ننتقل جميعاً إلى كييف في أوكرانيا للدراسة، فتوثقت علاقتنا، من ذلك الحين بدأ اهتمامي بالإِسلام يتزايد وأخذتُ أتردد على المكتبة، وكان أن اطلّعتُ على كتاب «حياة محمد» وهو لأحد الكتّاب الروس المستشرقين فأعجبتُ بشخصية الرسول (ص) ، ثم صرتُ أبحث عن الكتب الإِسلامية لأطالعها، وتلقيتُ كثيراً من العون. وفي الوسط الطلابي في كييف لمست أن هناك إسلاماً حقيقياً حيث الصفاء الروحي والصدق الذي يتحلى به الطلاب المسلمون القادمون من بلدان المختلفة.

س: ما هو موقف أُسرتك وأصحابك من هذا التحول:

ج: بالنسبة إلى والدتي لم يشكل هذا التحول حرجاً، وأما والدي فقال لي: إنك ستبقين مسيحية، ولو حاولت أن تكوني غير ذلك، أما أنا فقد أصبحتُ مسلمة، في الواقع، ولكنني لن أتنكر للقيم الصحيحة في المسيحية.

والذي سهَّل عليّ هذا التحول هو ما كانت تشهده بلادنا من تحول كبير في بنية النظام في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق. فكل شيء كان من حولنا يتغير ويتبدل.

١٥٥

س: ما هي التغيرات الإيجابية التي تمَّت بعد اعتناقك الإِسلام؟

ج: شعرتُ بأنني بلغتُ هدفي، وأنني أدركتُ ما كنت أصبو إليه، من يقين وطمأنينة! فقد كنت متعطشة للوصول إلى الحقيقة، التي كانت ترد بشكل تساؤلات حول العقيدة والسلوك في الحياة، تبحث عن جواب شافٍ.

وما يجدر ذكره أنني لم أجرِّب المحرمات قبل زواجي واعتناقي الإِسلام. إذ كان كلٌّ من روحي وجسدي طاهرين، وبقيا طاهرين، وبكلمة أقول: «كأنني وقعْت في حوض الماء الذي كنت أتوق للسباحة فيه»، كرمز للطهارة التي يمنحها الإِسلام لأتباعه. ولقد استفدتُ في لبنان كثيراً من إحدى المدرِّسات، وأنا مدينة لها بتعلم بعض العربية وقراءة القرآن الكريم وتفسير بعض الأدعية.

س: كيف تنظرين إلى ظاهرة السفور المنتشرة في المجتمع الإِسلامي؛ كونك فتاة روسية قادمة من خارج البلاد الإِسلامية؟

ج: إن هؤلاء النسوة يعانين من ضياع، وإنني لأشعر بالأسف يعتصر قلبي كيف لم يهتدين إلى نعمة الحجاب وما يمثِّله من قيم النقاء والطهر. ولكن المرأة المسلمة، وهي ترتدي الحجاب لا بدّ لها من أن تراعي مستلزمات هذا الحجاب، في حديثها وتصرفاتها ومعاملاتها.

وإني أنظر إلى ظاهرة السفور في مجتمعاتنا الحديثة، كظاهرة غير طبيعية، طرأت على المجتمع الإِسلامي والمسيحيي في الشرق والغرب، وكان من أهم الدواعي إليها، نزول المرأة إلى ميدان العمل وما أحدثته الثورة الصناعية من تبدل في القيم الاجتماعية والخلقية.

إذ العودة إلى الحجاب، هي بنظري رجوع إلى الفطرة والأصل.

س: ما هي رؤيتك لواقع المرأة المسلمة اليوم؟

ج: على المرأة المسلمة المحجبة أن تثبت للآخرين أنها ليست متقوقعة في حياتها ومنعزلة عن المجتمع، بل إنها تختزن طاقة يمكن أن تستثمرها في هداية الفتيات الأخريات، مع المحافظة على واجباتها البيتية التي هي أهم من أي نشاط اجتماعي خارج المنزل، وطبعاً مع المحافظة على طبيعتها الأنثوية.

١٥٦

س: ماذا تقترحين لهداية الجيل المعاصر:

ج: في نظري إن الجيل من الأحداث والشباب منجذب بشكلٍ ملفتٍ للنظر، إلى مشاهدة وسائل الإعلام المضرة وخاصة التلفاز، وهذا ما يشكل ظاهرة ذات آثار سلبية كبيرة بالنسبة إلى الأطفال بشكل خاص، فعلى الآباء أن ينتبهوا لتربية أولادهم، فلا يتركوهم فريسة للمسلسلات العبثية الفارغة.

س: هل من كلمة أخيرة توجهينها إلى القرّاء؟

ج: إني أنصح أختي المسلمة أن لا تسير بخطى عشواء على خطى المدنية القادمة من الشرق والغرب، بل تعود إلى أصالتها وأن لا تستورد إلا ما هو الأحسن والأفضل،، ولتستفد من تجربة الغرب الذي نظر في حضارتنا فأخذ بأحسنها، بينما نرى العكس في بلاد المسلمين، حيث ينبهرون بالأمور الخدّاعة والبرَّاقة التي تعبر عن أسوأ ما عند مجتمعات الغرب من خلاعة وسفور وابتعاد عن الدين والفضيلة.

١٥٧

الأخت المهتدية كارمن سركسيان «هدى»

هكذا تعرفت إلى الإِسلام وهكذا اهتديت

تلك الفتاة الأرمنية التي اهتدت إلى نور الإِسلام واعتنقت الدين الضيف بعد رحلة مثيرة، وتجربة غنية في البحث والاستكشاف، هذه الهداية التي كان مفتاحها التعرف على شريك لها في الحياة، ولكن الرحلة الإيمانية لم تقف عند حد، بل إن الفتاة المهتدية سارت يحفِّزها حب المعرفة، إلى أن تنهل من معين الثقافة الإِسلامية لتغترف من المكتبات ما جعلها جديرة بأن تكتب تجربتها في كتاب يمتع القارئ ويفيد في آنٍ معاً، بعنوان «قصة إسلامي» وإليك أيها القارئ مقتطفات مما أوردته في هذا الكتاب.

عن ولادتها ونشأتها تقول:

وُلدت في الكويت عام 1965، نشأتُ وترعرعتُ وقضيتُ أجمل أيام عمري في رحابها، ولا أزال أحلم بالعودة لأعيش على أرضها الطيبة مرة أخرى، حيث ولادتي ونشأتي ودراستي وعملي وزواجي وإنجابي طفلي علي، والأهم من ذلك كله، أن الله هداني للإِسلام على أرضها، فكيف أنساها، إنها نبضة في القلب، وبدون نبضات القلب لا يحيا الإنسان.

كيف تعرفت إلى الإِسلام؟

في صيف «سبتمبر/أيلول» 1985، كنت أعمل كموظفة في شركة كويتية للمشاريع الهندسية، وكنت أنظم الملفات وأقوم بأعمال أمانة السر لذلك الإنسان الذي أصبح زوجي فيما بعد. ومع أنني وافقت على الزواج منه، إلّا أن تلك الموافقة كانت مصحوبة بشيء من الخوف لأنني مسيحية وأرمنية وهو مسلم.

ولا بدّ أن أوضح معنى كلمة أرمنية، إن الكثير من الناس حين يسمع كلمة أرمني أو أرمنية، تتبادر إلى أذهانهم كلمة مرادفة هي مسيحي، وفي الحقيقة هذا خطأ، فكلمة أرمني تعني أن جذور الشخص تعود إلى أرمينيا، إحدى جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقاً، وهي الآن جمهورية مستقلة، ثم إن أرمينيا فيها عدد كبير من المسلمين الأرمن، لذا إن كلمة أرمني هي مثل سوري ولبناني ومصري.

١٥٨

أما سبب مخاوفي فهو أني أعرف بعض المسيحيات اللواتي اقترنَّ بمسلمين، وكان الفشل حليف هذا الزواج فطُلِّقن فيما بعد، أما أنا فكنت واثقة من نجاح زواجنا، فقد تيقنت من صدق زوجي، كما أنه استطاع أن يجذبني إلى اعتناق الإِسلام، إذ كان يمثل لي القدوة الصالحة والأسوة الحسنة في سلوكه وتصرفه معي. وبعد أن أصبحت مسلمة، اخترت لنفسي اسم هدى بدلاً من اسمي السابق «كارمن».

كيف كان تأثير إسلامها وزواجها من مسلم على أقربائها؟

كان زواجنا في البداية غير مُعْلَن، تحاشياً لردود الفعل من قِبَل الأهل والأصحاب، ولكن فوجئت بأن أختي تتصل بي عبر الهاتف وتخبرني بمعرفتها بهذا الزواج وكان ذلك مفاجأة لي، وتذكرت الآية الكريمة﴿یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا یَحِلُّ لَکُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ کَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَیْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ یَأْتِینَ بِفَاحِشَةٍ مُبَیِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ کَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَکْرَهُوا شَیْئًا وَیَجْعَلَ اللَّهُ فِیهِ خَیْرًا کَثِیرًا ﴿19﴾ ﴾ [النساء: 19]، فأخبرتها الحقيقة، وكان أهلي يسكنون في المدينة نفسها، فطلبوا من زوجي الحضور لمناقشة الموضوع.

وتمَّ الاتفاق أن أغادر منزل أهلي لأعيش مع زوجي بعد أن يئس الأهل من التأثير عليّ، وكانت دموع والدتي تنطق بأبلغ الكلام. قاطعني أهلي مدة أسبوعين فقط، بعدها قاموا بزيارتي دون أن يسمحوا لي بأن أزورهم.

ولم تعلم والدة زوجي بأمر زواجنا إلّا حين أُدخل زوجي إلى المستشفى لإجراء عملية جراحية، وكان قد أخبر أهله حفاظاً عليّ وعلى حصتي في الميراث، إذا حصل القضاء. وقد اصطحبتني والدة زوجي إلى منزلهم للمرة الأولى، فإذا بي أرى مكتبة كبيرة تضم كتباً في مختلف العلوم والآداب والتاريخ الإِسلامي، ومع أننا تأخرنا في السهر ليلاً فقد استيقظ الجميع في ساعة مبكرة من الصباح لأداء صلاة الصبح.

١٥٩

ولكن كيف اعتنقت الإِسلام؟

كانت لقاءاتي بأهله تثير عندي تساؤلات عن الصلاة، وعن الحجاب، وعن الفصل بين مجلس الرجال ومجلس النساء، وهنا بدأت رحلة المعرفة، والاستكشاف حين بدأت بالانصراف إلى مطالعة الكتب، وكانت والدته تدفعني إلى ذلك. قبل ذلك كنت أعيش في صراع، والآن بدأت رحلتي السعيدة مع الدين الحنيف. لم يكن زوجي يحدِّثني كثيراً عن الإِسلام، لأنه لا يريد أن يرغمني على اعتناقه، كما هو الشرط بيننا سابقاً، فكان يجيب باختصار على كل سؤال أطرحه عليه، ويصمت إذا لم أوجه إليه سؤالاً، كان يتألم لكوني غير مسلمة، لا أصلي، ولا أرتدي الحجاب.

كنت غير راغبة في ذلك، كنت أعلم مدى الحرج الذي أسببه لزوجي، بالرغم من ذلك كان له الدور غير المباشر في تقريبي إلى الإِسلام، ومن أجل ذلك كان يكثر من الاستماع إلى برامج القرآن الكريم، والإذاعات التي تبث برامج ثقافية حول الدين الحنيف.

انطباعاتها وشهادتها على أسلوب الحوار

إنني أعترف وأشهد بأن الطريقة التي كان يتم فيها النقاش لم تكن تؤذي مشاعري حول المسيحية - ديني السابق - فلم أتذكر أن المسلمين الذين تحاورت معهم أساءوا إلى المسيح (ع) وأمه أبدأ، بل إنهم يكنون من المحبة والتقديس لهما ما يثير الإعجاب ويؤمنون برسالته، وعندهم أن مَن لا يؤمن برسالة عيسى (ع) فليس بمسلم، وإن آمن برسالة محمد (ص) ، والغريب أنهم يستشهدون لعظمة النبي محمد (ص) بآراء كتّاب ومفكرين مسيحيين أمثال برنارد شو وغوته وكارلايل ولامارتين وجرداق وجبران ونعيمة، وحتى من غير أهل الكتاب أمثال نهرو، كنت ألتزم الصمت خلال مناقشاتهم، لأنهم يعرفون عن المسيحية أكثر مما أعرف.

كيف تم التزامها بالدين الحنيف فكرةً وسلوكاً؟

ولما كنت أتابع القراءة والمطالعة كان زوجي يقوم بشرح ما يصعب عليّ فهمه، واستمر الحال هكذا حتى أواخر عام 1987، وكنت أستمع إلى إحدى الإذاعات التي تنشر رسائل دكتوراه وماجستير يتقدم بها طلاب يرغبون بالتخصص في العلوم الإِسلامية، وقد كانت مناقشات تلك الرسائل ذات فائدة عظيمة بالنسبة إليّ.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

والمصلحة طلب شئ قانونا من الموجود والمعدوم حين الخطاب ليصير فعليا بعد ما وجد الشرائط وفقد الموانع بلا حاجة إلى إنشاء آخر فتدبر. ونظيره من غير الطلب إنشاء التمليك في الوقف على البطون فان المعدوم منهم يصير مالكا للعين الموقوفة بعد وجوده بانشائه ويتلقى لها من الواقف بعقده فيؤثر في حق الموجود منهم الملكية الفعلية ولا يؤثر في حق المعدوم فعلا الا استعدادها لان تصير ملكا له بعد وجوده. هذا إذا أنشئ الطلب مطلقا وأما إذا أنشئ مقيدا بوجود المكلف ووجد انه الشرائط فامكانه بمكان من الامكان وكذلك لا ريب في عدم صحة خطاب المعدوم بل الغائب حقيقة وعدم امكانه ضرورة عدم تحقق توجيه الكلام نحو الغير حقيقة الا إذا كان موجودا وكان بحيث يتوجه إلى الكلام ويلتفت إليه. ومنه قد انقدح أن ما وضع للخطاب مثل أدوات النداء لو كان موضوعا للخطاب الحقيقي لاوجب استعماله فيه تخصيص ما يقع في تلوه

______________________________

في صحته وجود غرض يقتضيه فلا يكون لغوا (قوله: والمصلحة) يعني الموجودة في المطلوب (قوله: ونظيره من غير) الظاهر أن المقصود التنظير في الوقوع لا في الامتناع إذ الظاهر أنه لا امتناع في كون المالك معدوما كما لا امتناع في كون المملوك معدوما والاول مثل ملك الحمل للميراث والثاني مثل ملك الثمرة فان الملكية من الاضافات الاعتبارية التي يصح أن تقوم بالمعدوم كما تقوم بالموجود (قوله: بانشائه) يعني بانشاء التمليك (قوله: من الواقف) يعني لا من الطبقة السابقة (قوله: فامكانه) يعني امكان انشاء الطلب (قوله: حقيقة) قيد لخطاب المعدوم (قوله: وكان بحيث يتوجه) هذا يتم لو كان قصد إفهام المخاطب مأخوذا في مفهوم الخطاب كما في المجمع وعن غيره أما لو لم يعتبر قصد الافهام في مفهوم الخطاب فاعتبار كون المخاطب بحيث يتوجه إلى الكلام ويلتفت إليه غير ظاهر. نعم قد يلغو الخطاب مع من لا يتوجه وإن كان جائزا عقلا كما أنه قد يدعو غرض إليه فلا يكون لغوا (قوله: لاوجب) يعني لو

٥٢١

بالحاضرين كما أن قضية إرادة العموم منه لغيرهم استعماله في غيره لكن الظاهر ان مثل أدوات النداء لم يكن موضوعا لذلك بل للخطاب الايقاعي الانشائي فالمتكلم ربما يوقع الخطاب بها تحسرا وتأسفا وحزنا مثل: " أيا كوكبا ما كان أقصر عمره " أو شوقا ونحو ذلك كما يوقعه مخاطبا لمن يناديه حقيقة فلا يوجب استعماله في معناه الحقيقي حينئذ التخصيص بمن يصح مخاطبته. نعم لا يبعد دعوى الظهور انصرافا في الخطاب الحقيقي كما هو الحال في حروف الاستفهام والترجي والتمني وغيرها - على ما حققناه في بعض المباحث السابقة - من كونها موضوعة للايقاعي منها بدواع مختلفة مع ظهورها في الواقعي منها انصرافا إذا لم يكن هناك ما يمنع عنه كما يمكن دعوى وجوده غالبا في كلام الشارع ضرورة وضوح عدم اختصاص الحكم في مثل: (يا أيها الناس اتقوا) و (يا أيها المؤمنون) بمن حضر مجلس الخطاب بلا شبهة ولا ارتياب ويشهد

______________________________

كان قصد الافهام مأخوذا في الخطاب الحقيقي (قوله: بالحاضرين) لانهم الذين يصح كونهم مخاطبين بالخطاب الحقيقي (قوله: في غيره) يعني غير الخطاب الحقيقي (قوله: لم يكن موضوعا) بل لا يبعد كونه موضوعا للخطاب بلا أخذ قصد الافهام فيه فان الظاهر من حال المتكلم في المثال المذكور في المتن وفى قول القائل: أيا شجر الخابور مالك مورقا ؟ وغيرهما مما هو كثير في النظم والنثر كونه متوجها إلى مخاطب لا مجرد لقلقة لسان بقصد انشاء الخطاب. هذا إن ثبت عدم العناية والتنزيل وإلا كانت مستعملة في توجيه الكلام نحو الغير بقصد الافهام تنزيلا لما لا يفهم منزلة من يفهم كما ذكره بعض المحققين لكنه خلاف الظاهر (قوله: كما يوقعه) متعلق بقوله: يوقع الخطاب (قوله: فلا يوجب) لصحة إبقاع الخطاب بالنسبة إلى المعدوم كما يصح بالنسبة إلى الموجود (قوله: يمنع عنه) يعني عن الانصراف (قوله: وجوده) يعني وجود ما يمنع عن الانصراف والوجه فيه كون أحكام الشارع الاقدس قانونية ليست مبنية على ملاحظة خصوصية

٥٢٢

لما ذكرنا صحة النداء بالادوات مع ارادة العموم من العام الواقع تلوها بلا عناية ولا للتنزيل والعلاقة رعاية " وتوهم " كونه ارتكازيا " يدفعه " عدم العلم به مع الالتفات إليه التفتيش عن حاله مع حصوله بذلك لو كان ارتكازيا والا فمن أين يعلم بثبوته كذلك كما هو واضح ؟ وإن أبيت إلا عن وضع الادوات للخطاب الحقيقي فلا مناص عن التزام اختصاص الخطابات الالهية بأداة الخطاب أو بنفس توجيه الكلام بدون الاداة كغيرها بالمشافهين فيما لم يكن هناك قرينة على التعميم " وتوهم " صحة التزام التعميم في خطاباته تعالى لغير الموجودين فضلا عن الغائبين لاحاطته بالموجود في الحال

______________________________

حضور مجلس الخطاب في موضوعاتها حتى أن بناء الفقهاء - رضي الله تعالى عنهم - على إلغاء الخصوصية إذا كان قد صرح بها في لسان الدليل فتراهم يتمسكون على الحكم العام بالدليل الدال على ثبوته في حق رجل بعينه فتأمل (قوله: لما ذكرنا) يعني أنها موضوعة للخطاب الايقاعي (قوله: العموم) يعني العموم لمن لم يحضر مجلس الخطاب (قوله: كونه) يعني كون التنزيل (قوله: يدفعه عدم) يعني لو كان التنزيل منزلة الصالح للافهام ارتكازيا لزم اتضاحه بعد التأمل والتفتيش مع أنه ليس كذلك فيدل ذلك على عدم التنزيل أصلا (قوله: كذلك) يعني ارتكازيا (قوله: اختصاص الخطابات) هذا يتم لو كانت دلالة مدخول الاداة على العموم بالاطلاق ودلالة الاداة بالوضع فان الاداة تكون حينئذ قرينة على التخصيص أما لو كانت دلالتهما معا بالوضع وجب الحكم بالاجمال لصلاحية كل منهما لصرف الآخر كما أنه لو كانت دلالتها بالاطلاق ودلالته بالوضع وجب الحكم بالعموم. هذا بالنظر إلى نفس الكلام أما بالنظر إلى القرائن الخارجة عنه فيختلف الحكم باختلاف مقتضاها (قوله: بأداة الخطاب) متعلق بالخطابات وقوله: أو بنفس، معطوف عليه (قوله: كغيرها) الضمير راجع إلى الخطابات الالهية (قوله: بالمشافهين) متعلق باختصاص

٥٢٣

والموجود في الاستقبال " فاسد " ضرورة أن احاطته لا توجب صلاحية المعدوم بل الغائب للخطاب وعدم صحة المخاطبة معهما لقصورهما لا يوجب نقصا في ناحيته تعالى كما لا يخفى كما أن خطابه اللفظى لكونه تدريجيا ومتصرم الوجود كان قاصرا عن أن يكون موجها نحو غير من كان بمسمع منه ضرورة. هذا لو قلنا بان الخطاب بمثل: (يا أيها الناس اتقوا) في الكتاب حقيقة إلى غير النبي - صلى الله عليه وآله - بلسانه وأما إذا قيل بانه المخاطب والموجه إليه الكلام حقيقة وحيا أو إلهاما فلا محيص إلا عن كون الاداة في مثله للخطاب الايقاعي ولو مجازا وعليه لا مجال لتوهم اختصاص الحكم المتكفل له الخطاب بالحاضرين بل يعم المعدومين فضلا عن الغائبين.

فصل

ربما قيل: إنه يظهر لعموم الخطابات الشفاهية للمعدومين ثمرتان " الاولى " حجية ظهور الخطابات في الكتاب لهم كالمشافهين (وفيه) أنه مبني على اختصاص حجية الظواهر بالمقصودين بالافهام وقد حقق

______________________________

*

(قوله: والموجود) لتساوي نسبة الممكنات إليه (قوله: في ناحيته) يعني في ناحية قدرته (قوله: ومتصرم الوجود) يعني ولو كان أبديا لامكن توجهه إلى المعدوم ولو بعد وجوده (قوله: وأما إذا قيل بأنه المخاطب) يعني إذا قلنا بأن النبي صلى الله عليه وآله هو المخاطب فالعنوان المذكور في الخطاب لما لم يرد منه المخاطب الحقيقي لعدم انطباقه عليه صلى الله عليه وآله فلابد أن يجعل الخطاب المدلول عليه باداته هو الخطاب الايقاعي ويعم الحاضرين والغائبين والمعدومين إذ الجميع غير موجه إليه الخطاب فيكون شمول بعض دون بعض بلا مخصص (قوله: الاولى حجية ظهور) يعني جواز الرجوع إلى ظهور الخطاب في تشخيص مراد المتكلم بناء على عموم الخطابات لهم وعدم الجواز بناء على عدم العموم،

٥٢٤

عدم الاختصاص بهم ولو سلم فاختصاص المشافهين بكونهم مقصودين بذلك ممنوع بل الظاهر أن الناس كلهم إلى يوم القيامة يكون كذلك وان لم يعمهم الخطاب كما يومئ إليه غير واحد من الاخبار (الثانية) صحة التمسك باطلاقات الخطابات القرآنية بناء على التعميم لثبوت الاحكام لمن وجد وبلغ من المعدومين وان لم يكن متحدا مع المشافهين في الصنف وعدم صحته على عدمه لعدم كونها حينئذ متكفلة لاحكام غير

______________________________

(قوله: عدم الاختصاص) فالكلام المقصود به إفهام شخص يكون ظهوره حجة في حق كل احد (قوله: بذلك) يعني بالافهام (قوله: وإن لم يعمهم الخطاب) إذ لا ملازمة بين تخصيص الخطاب بشخص وتخصيصه بقصد إفهامه (قوله: كما يومئ إليه غير) مثل خبر الثقلين المروي في كتب الفريقين، وخبر عبد الاعلى مولى آل سام لقول الصادق عليه السلام فيه: هذا وأشباهه يؤخذ من كتاب الله، وما دل على عرض مطلق الخبر على الكتاب وما دل على الاخذ بالخبر الموافق للكتاب من الخبرين المتعارضين وغير ذلك مما هو كثير لكن الجميع ظاهر في الحجية بالنسبة إلى المعدومين أما انهم مقصودون بالافهام فلم أجد ما يدل عليه ولعل المتتبع يعثر عليه (قوله: الثانية صحة التمسك) يعني أنه بناء على عموم الخطاب للمعدومين يكون اثبات الحكم الذي تضمنه الخطاب لهم بنفس ذلك الخطاب لان الخطاب إذا تضمن ثبوت الحكم للعنوان المنطبق عليهم مثل: الذين آمنوا، في قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا، والناس في: يا أيها الناس، فقد دل بنفسه على ثبوت الحكم لهم أما بناء على عدم شموله لهم فالخطاب إنما يتضمن إثبات الحكم لغيرهم فاثباته لهم يتوقف على ثبوت قاعدة الاشتراك والاجماع - وان قام على ثبوتها - الا أن المتيقن من معقد الاجماع هو اشتراك المعدومين مع الموجودين في جميع الخصوصيات التي كانوا عليها حال الحكم ومع فقدهم لبعض خصوصيات الموجودين لا طريق إلى ثبوت الحكم ولا يكفي الاشتراك في العنوان المأخوذ موضوعا في الخطاب (قوله: لثبوت) متعلق بالتمسك (قوله: على عدمه)

٥٢٥

المشافهين فلا بد من اثبات اتحاده معهم في الصنف حتى يحكم بالاشتراك مع المشافهين في الاحكام حيث لا دليل عليه حينئذ إلا الاجماع ولا اجماع عليه الا فيما اتحد الصنف كما لا يخفى ولا يذهب عليك أنه يمكن إثبات الاتحاد وعدم دخل ما كان البالغ الآن فاقدا له مما كان المشافهون واجدين له باطلاق الخطاب إليهم من دون التقييد به وكونهم كذلك لا يوجب صحة الاطلاق مع ارادة المقيد معه فيما يمكن ان يتطرق الفقدان وان صح فيما لا يتطرق إليه ذلك

______________________________

يعني بناء على عدم التعميم (قوله: اتحاده) الضمير راجع إلى غير (قوله: لا دليل عليه) يعني عدم الاشتراك (قوله: يمكن اثبات الاتحاد) يعني أن فقد المعدوم لبعض الخصوصيات التي كانت للموجود وان كان مانعا عن الاخذ بقاعدة الاشتراك لاحتمال دخل الخصوصية في ثبوت الحكم الا أنه يتم إذا لم يكن دليل على عدم دخل الخصوصية التي يفقدها المعدوم ويكفي في الدلالة على ذلك اطلاق عنوان الموضوع فان اطلاق الذين آمنوا، في قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا، دليل على كون تمام موضوع الحكم هو المؤمن إذ لو كان الموضوع هو المؤمن الواجد لخصوصية كذا كان اللازم تقييده بذلك فعدم التقييد دليل على عدم دخل الخصوصية (قوله: وكونهم كذلك لا يوجب) يعني قد يتوهم عدم جواز التمسك بالاطلاق لعدم تمامية مقدماته إذ من مقدماته أن لا يوجد قرينة على التقييد، وكون الموجودين على صفة خاصة مما يصح أن يكون قرينة عليه فيصح الاطلاق مع إرادة التقييد ويكون وجدان الصفة قرينة عليه. ولكنه يندفع بانه لا يتم في الصفات التي يمكن أن يتطرق إليها الفقدان فان وجدان الصفات المذكورة لا يصلح قرينة على التقييد بها فلو كان المتكلم في مقام بيان اعتبارها لوجب عليه التقييد بها فترك التقييد بها يدل على عدم اعتبارها (أقول): ترك التقييد بها انما يدل على عدم اعتبارها حدوثا وبقاء في ثبوت الحكم ولا يدل على عدم اعتبار حدوثها في ثبوته لان الحدوث مما لا يتطرق إليه الفقدان ويكفي هذا المقدار في ثبوت الثمرة

٥٢٦

وليس المراد بالاتحاد في الصنف الا الاتحاد فيما اعتبر قيدا في الاحكام لا الاتحاد فيما كثر الاختلاف بحسبه والتفاوت بسببه بين الانام بل في شخص واحد بمرور الدهور والايام وإلا لما ثبت بقاعدة الاشتراك للغائبين فضلا عن المعدومين حكم من الاحكام ودليل الاشتراك إنما يجدي في عدم اختصاص التكاليف باشخاص المشافهين فيما لم يكونوا مختصين بخصوص عنوان أو لم يكونوا معنونين به للشك في شمولها لهم ايضا فلولا الاطلاق واثبات عدم دخل ذلك العنوان في الحكم لما افاد دليل الاشتراك ومعه كان الحكم يعم غير المشافهين ولو قيل باختصاص الخطابات بهم فتأمل جيدا فتلخص أنه لا يكاد تظهر الثمرة الا على القول باختصاص حجية الظواهر لمن قصد إفهامه مع كون غير المشافهين غير مقصودين بالافهام وقد حقق عدم الاختصاص به في غير المقام واشير إلى منع كونهم غير مقصودين به في خطاباته تبارك وتعالى في المقام

______________________________

العملية (قوله: وليس المراد) يعني مرادهم من الاتحاد في الصنف الذي هو شرط في جريان قاعدة الاشتراك هو الاتحاد في الخصوصيات التي لها الدخل في الحكم لا في كل خصوصية وإن لم تكن دخيلة فيه ففقد المعدوم لبعض خصوصيات الموجود لا يقدح في الاشتراك في الحكم (قوله: بل في شخص واحد) فيرى واجدا تارة وفاقدا اخرى (قوله: وإلا لما ثبت) لكثرة الاختلاف في الخصوصيات الاجنبية عن الحكم (قوله: أو لم يكونوا) الظاهر أنه بالواو بدل (أو) (قوله: في شمولها لهم) أي شمول التكاليف للغائبين والمعدومين وقد تقدم أن الشك المذكور لا رافع له لان الاجماع على الاشتراك مختص بصورة الاتحاد في الصنف (قوله: وإثبات عدم) لتحقق الاتحاد في الصنف

٥٢٧

فصل

(هل تعقب العام بضمير يرجع إلى بعض افراده يوجب تخصيصه به اولا ؟) فيه خلاف بين الاعلام وليكن محل الخلاف ما إذا وقعا في كلامين أو في كلام واحد مع استقلال العام بما حكم عليه في الكلام كما في قوله تبارك وتعالى: (والمطلقات يتربصن) إلى قوله: (وبعولتهن أحق بردهن) وأما ما إذا كان مثل: والمطلقات ازواجهن أحق بردهن، فلا شبهة في تخصيصه به (والتحقيق) أن يقال: إنه حيث دار الامر بين التصرف في العام بارادة خصوص ما أريد من الضمير الراجع إليه والتصرف في ناحية الضمير إما بارجاعه إلى بعض ما هو المراد من مرجعه أو إلى تمامه مع التوسع في الاسناد باسناد الحكم المسند إلى البعض حقيقة إلى الكل توسعا وتجوزا كانت أصالة الظهور في طرف العام سالمة عنها في جانب

______________________________

تعقب العام بضمير

(قوله: ما إذا وقعا في) يعني محل الكلام ما لو استقل العام عن الضمير في الحكم سواء أكانا في كلامين أم في كلام واحد (فالاول) كالضمير في الآية الشريفة فان جملة: (المطلقات يتربصن) غير جملة (بعولتهن أحق بردهن) والثاني كما في قوله: أكرم العلماء وواحدا من جيرانهم، مع قيام القرينة على كون المراد من الضمير خصوص العدول (قوله: مثل والمطلقات) يعني مما كان حكم العام هو حكم الضمير (قوله: فلا شبهة) لان المفروض أن الحكم واحد وأن موضوعه الخاص لا العام (قوله: بارجاعه إلى بعض) وإنما كان هذا تصرفا في الضمير لان وضع الضمير أن يكون المراد به ما يراد من الظاهر (قوله: مع التوسع) فلا يكون تصرف في الضمير ولا في مرجعه إذ يراد من الضمير المعنى العام الموضوع له الظاهر (قوله: سالمة عنها في جانب) يعني لا تصلح لمعارضتها أصالة الظهور

٥٢٨

الضمير وذلك لان المتيقن من بناء العقلاء هو اتباع الظهور في تعيين المراد لا في تعيين كيفية الاستعمال وانه على نحو الحقيقة أو المجاز في الكلمة أو الاسناد مع القطع بما يراد كما هو الحال في ناحية الضمير (وبالجملة) أصالة الظهور إنما تكون حجة فيما إذا شك فيما أريد لا فيما إذا شك في انه كيف اريد ؟ فافهم لكنه إذا عقد للكلام ظهور في العموم بان لا يعد ما اشتمل على الضمير مما يكتنف به عرفا والا فيحكم عليه بالاجمال ويرجع إلى ما يقتضيه الاصول الا أن يقال باعتبار اصالة الحقيقة تعبدا حتى فيما إذا احتف بالكلام ما لا يكون ظاهرا معه في معناه الحقيقي كما عن بعض الفحول

______________________________

في جانب الضمير لان أصالة الظهور حجة في تنقيح المراد وتعيينه عند الشك فيه لا في تعيين أنه حقيقة أو مجاز مع العلم به وحيث أن الشك بالاضافة إلى العام شك في المراد به وأنه العموم أو الخصوص كانت أصالة الظهور فيه حجة وأن الشك بالاضافة إلى الضمير شك في أنه حقيقة أو مجاز مع العلم بالمراد به وأن موضوع حكمه هو الخاص لا غير كانت أصالة الظهور فيه ليست بحجة ولا مجال للتعارض (قوله: اريد فافهم) يمكن أن يكون إشارة إلى أنه لو بني على حجية أصالة الظهور حتى مع العلم بالمراد فاللازم تقديم أصالة الظهور في العام على أصالة الظهور في الضمير لان التصرف في العام تصرف في الضمير أيضا والتصرف في الضمير لا يستلزم التصرف في العام فالتصرف في الضمير معلوم ولا مجال للرجوع فيه إلى أصالة الظهور والتصرف في العام مشكوك فالمرجع فيه اصالة الظهور فتأمل (قوله: فيحكم عليه) لاقتران الكلام بما يصلح للقرينية فيمنع من انعقاد الظهور له (قوله: ما يقتضيه الاصول) يعني في حكم الافراد المغايرة للمراد من الضمير ان لم يكن دليل على الحكم المذكور (قوله: باعتبار اصالة) بان يكون حمل اللفظ على معناه الحقيقي ليس من باب الاخذ بالظاهر حتى يمنع عنه من انعقاد الظهور بل هو أصل براسه يجب العمل عليه عند الشك في ارادة المعنى الحقيقي وان لم ينعقد له

٥٢٩

فصل

قد اختلفوا في جواز التخصيص بالمفهوم المخالف مع الاتفاق على الجواز بالمفهوم الموافق على قولين وقد استدل لكل منهما بما لا يخلو عن قصور وتحقيق المقام انه إذا ورد العام وماله المفهوم في كلام أو كلامين ولكن على نحو يصلح أن يكون كل منهما قرينة متصلة للتصرف في الآخر ودار الامر بين تخصيص العموم أو الغاء المفهوم فالدلالة على كل منهما ان كانت بالاطلاق بمعونة مقدمات الحكمة أو بالوضع فلا يكون هناك عموم ولا مفهوم لعدم تمامية مقدمات الحكمة في واحد منهما لاجل المزاحمة كما في مزاحمة ظهور أحدهما وضعا لظهور الآخر كذلك فلا بد من العمل بالاصول العملية فيما دار فيه بين العموم والمفهوم إذا لم يكن مع ذلك أحدهما أظهر وإلا كان مانعا عن انعقاد الظهور أو استقراره في الآخر ومنه قد انقدح الحال فيما إذا لم يكن بين ما دل على العموم وماله المفهوم ذاك الارتباط والاتصال وانه لابد ان يعامل مع كل منهما

______________________________

*

ظهور فيه لاقترانه بما يصلح للقرينية على المجاز (قوله: مع الاتفاق) والوجه في هذا الاتفاق رجوع التعارض في الحقيقة إلى التعارض بين المنطوق والعموم حيث لا يمكن رفع اليد عن مفهوم الموافقة مع البناء على المنطوق للقطع بثبوت المفهوم على تقدير ثبوت المنطوق وإلا لم يكن مفهوم الموافقة فيكون التعارض بينهما من قبيل التعارض بين الخاص المنطوق والعام ولا ريب في وجوب تقديم الخاص على العام أما مفهوم المخالفة فيمكن رفع اليد عنه فقط مع الحكم بثبوت المنطوق فيدور الامر بين رفع اليد عنه ورفع اليد عن العموم (قوله: لعدم تمامية) راجع إلى دلالتهما بالاطلاق وقوله: كما في مزاحمة - راجع إلى دلالتهما بالوضع (قوله: أحدهما أظهر) يعني بالنظر إلى الامور الخارجة عن الكلام (قوله: انعقاد) راجع إلى صورة كونهما في كلام واحد والاستقرار راجع إلى صورة كونهما في كلامين (قوله: ذاك الارتباط) بان كان أحدهما منفصلا عن الآخر على نحو لا يصلح

٥٣٠

معاملة المجمل لو لم يكن في البين أظهر والا فهو المعول والقرينة على التصرف في الآخر بما لا يخالفه بحسب العمل.

فصل

الاستثناء المتعقب لجمل متعددة هل الظاهر هو رجوعه إلى الكل أو خصوص الاخيرة أولا ظهور له في واحد منهما بل لا بد في التعيين من قرينة ؟ اقوال والظاهر أنه لا خلاف ولا اشكال في رجوعه إلى الاخيرة على أي حال ضرورة أن رجوعه إلى غيرها بلا قرينة خارج عن طريقة أهل المحاورة وكذا في صحة رجوعه إلى الكل وان كان المتراءى من كلام صاحب المعالم - رحمه الله - حيث مهد مقدمة لصحة رجوعه إليه أنه محل الاشكال والتأمل وذلك ضرورة ان تعدد المستثنى منه

______________________________

أن يكون قرينة على التصرف فيه (قوله: معاملة المجمل) فانه وان انعقد لكل منهما ظهور مستقر إلا أنه بعد تعارض الظهورين يرجع إلى الاصول أيضا نظير تعارض العامين من وجه لا إلى المرجحات كما يأتي بيانه في محله (قوله: في البين أظهر) فان كان أحدهما أظهر من الآخر قدم الاظهر وكان الجمع عرفيا

الاستثناء المتعقب للجمل

(قوله: الاستثناء المتعقب) أما المخصص المنفصل فانه موجب لسقوط الجميع عن الحجية للعلم الاجمالي بتخصيص بعضها (قوله: هل الظاهر هو رجوعه) هذا مع صلاحية رجوعه إلى الجميع أما لو لم يكن كذلك وإن تردد بين رجوعه إلى الاخير وما قبله كما لو كان مشتركا لفظيا مثل: أكرم العلماء وبني تميم إلا زيدا، مع اشتراك زيد بين شخصين يدخل كل منهما تحت أحد العنوانين فالظاهر تعين رجوعه إلى الاخير لا غير لقربه إليه كما انه لو لم يصلح إلا لتخصيص واحد بعينه

٥٣١

كتعدد المستثنى لا يوجب تفاوتا اصلا في ناحية الاداة بحسب المعنى كان الموضوع له في الحروف عاما أو خاصا وكان المستعمل فيه الاداة فيما كان المستثنى منه متعددا هو المستعمل فيه فيما كان واحدا كما هو الحال في المستثنى بلا ريب ولا اشكال وتعدد المخرج أو المخرج عنه خارجا لا يوجب تعدد ما استعمل فيه أداة الاخراج مفهوما وبذلك يظهر أنه لا ظهور لها في الرجوع إلى الجميع أو خصوص الاخيرة وان كان الرجوع إليها متيقنا على كل تقدير (نعم) غير الاخيرة أيضا من الجمل لا يكون ظاهرا في العموم لاكتنافه بما لا يكون معه ظاهرا فيه فلا بد في مورد الاستثناء فيه من الرجوع إلى الاصول اللهم الا أن يقال بحجية اصالة الحقيقة تعبدا لا من باب الظهور فيكون المرجع عليه أصالة العموم إذا كان وضعيا لا ما إذا كان بالاطلاق ومقدمات الحكمة فانه لا يكاد تتم تلك المقدمات مع صلوح الاستثناء للرجوع إلى الجميع فتأمل(١)

______________________________

تعين تخصيصه به (قوله: كتعدد المستثنى) من المعلوم ان أداة الاستثناء مستعملة في نسبة الاخراج سواء أكانت النسبة المذكورة قائمة بين المتحدين أم المتعددين والقيام بالمتعدد لا يخرجها عن كونها نسبة شخصية وان كانت منحلة إلى نسب ضمنية متعددة بتعدد طرف النسبة لكن هذا الانحلال لا يمنع من صحة الاستعمال ولو كان الحرف موضوعا للجزئيات ومستعملا فيه لان جزئية النسبة لا تنافي انحلالها إلى متعدد بشهادة صحة تعدد المستثنى (قوله: إلا أن يقال بحجية) كما تقدم (قوله: مع صلوح) فان صلاحية الاستثناء للقرينية

______________

(١) اشارة إلى انه يكفى في منع جريان المقدمات صلوح الاستثناء لذلك الاحتمال اعتماد المطلق حينئذ في التقييد عليه لاعتقاد انه كاف فيه اللهم ان يقال: ان مجرد صلوحه لذلك بدون قرينة عليه غير صالح للاعتماد ما لم يكن بحسب متفاهم العرف ظاهرا في الرجوع إلى الجميع فاصالة الاطلاق مع عدم القرينة محكمة لتمامية مقدمات الحكمة فافهم منه قدس سره (*)

٥٣٢

(فصل) الحق جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد المعتبر بالخصوص كما جاز بالكتاب أو بالخبر المتواتر أو المحفوف بالقرينة القطعية من خبر الواحد بلا ارتياب لما هو الواضح من سيرة الاصحاب على العمل باخبار الآحاد في قبال عمومات الكتاب إلى زمن الائمة عليهم السلام واحتمال أن يكون ذلك بواسطة القرينة واضح البطلان مع أنه لولاه لزم إلغاء الخبر بالمرة أو ما بحكمه ضرورة ندرة خبر لم يكن على خلافه عموم الكتاب لو سلم وجود ما لم يكن كذلك وكون العام الكتابى قطعيا صدورا وخبر الواحد ظنيا سندا لا يمنع عن التصرف في دلالته غير القطعية قطعا والا لما جاز تخصيص المتواتر به ايضا مع انه جائز جزما والسر أن الدوران في الحقيقة بين أصالة العموم ودليل سند الخبر مع أن الخبر بدلالته وسنده صالح للقرينية على التصرف فيها بخلافها فانها غير صالحة لرفع اليد عن دليل اعتباره

______________________________

موجب لانتفاء إحدى مقدمات الاطلاق (اعني أن لا يكون قدر متيقن في مقام التخاطب) فان الاستثناء يوجب كون الخاص متيقنا في مقام التخاطب نعم لو لم يعتبر في الاطلاق هذه المقدمة ثبت الاطلاق لما عدا الاخيرة ووجب العمل له والى هذا أشار بقوله: فتأمل.

تخصيص العام الكتابي بخبر الواحد

(قوله: المعتبر بالخصوص) يعني الذي قام دليل على اعتباره بخصوصه لا ما ثبت اعتباره بدليل الانسداد فتأمل (قوله: القرينة) يعني القطعية (قوله: أو ما بحكمه) يعني بحكم الالغاء بالمرة فان النادر بحكم المعدوم والالغاء بالمرة مبني على عدم وجود خبر لا يعارضه عموم الكتاب (قوله: وكون العام الكتابي) هذا شروع في بيان أدلة المانعين من التخصيص (قوله: به ايضا) يعني بخبر الواحد (قوله: بين اصالة العموم الخ) يعني وهما معا ظنيان (قوله: غير صالحة لرفع) لان حجية اصالة الظهور مشروطة بعدم قيام حجة أقوى على خلافها

٥٣٣

ولا ينحصر الدليل على الخبر بالاجماع كى يقال بانه فيما لا يوجد على خلافه دلالة ومع وجود الدلالة القرآنية يسقط وجوب العمل به كيف وقد عرفت أن سيرتهم مستمرة على العمل به في قبال العمومات الكتابية ؟ والاخبار الدالة على أن الاخبار المخالفة للقرآن يجب طرحها أو ضربها على الجدار أو انها زخرف أو انها مما لم يقل بها الامام عليه السلام وان كانت كثيرة جدا وصريحة الدلالة على طرح المخالف الا انه لا محيص عن ان يكون المراد من المخالفة في هذه الاخبار غير مخالفة العموم إن لم نقل بانها ليست من المخالفة عرفا كيف وصدور الاخبار المخالفة للكتاب بهذه المخالفة منهم عليهم السلام كثيرة جدا ؟ مع قوة احتمال أن يكون المراد أنهم لا يقولون بغير ما هو قول الله تبارك وتعالى واقعا وان كان هو على خلافه ظاهرا شرحا لمرامه تعالى وبيانا لمراده من كلامه فافهم

______________________________

والمفروض كون الخبر حجة بدليل اعتباره فوجوده رافع لحجية أصالة الظهور (قوله: ولا ينحصر الدليل) هذا دليل ثان للمنع وحاصله ان الدليل على حجية الخبر هو الاجماع ولا اجماع مع وجود العام الكتابي على الحجية وإلا لم يقع الخلاف هنا (قوله: ما يقال بانه) ضمير (ان) راجع إلى الاجماع وضمير (خلافه) راجع إلى الخبر (قوله: والاخبار الدالة) هذا دليل ثالث للمنع وحاصله أن دليل حجية الخبر وان اقتضى جواز التخصيص به الا انه يجب رفع اليد عنه بالاخبار الدالة على عدم جواز العمل بالخبر المخالف للكتاب وهي كثيرة صريحة الدلالة والجواب عنه من وجوه (الاول) أن المراد بالمخالفة المانعة من حجية الخبر هي المخالفة العرفية والمخالفة بالعموم والخصوص ليست مخالفة عرفية (الثاني) أنه وان كانت مخالفة عرفية الا انه لابد من حمل المخالفة المانعة على غير هذا النحو من المخالفة للقطع بصدور الاخبار المخالفة بالعموم والخصوص فلو بقيت المخالفة على عمومها لزم تخصيص تلك الاخبار وهي آبية عنه الا ان يقال: إن أخبار المنع عن العمل بالخبر المخالف واردة في غير ما علم صدوره فلا يلزم من العلم بصدور الاخبار

٥٣٤

والملازمة بين جواز التخصيص وجواز النسخ به ممنوعة وان كان مقتضى القاعدة جوازهما لاختصاص النسخ بالاجماع على المنع مع وضوح الفرق بتوافر الدواعي إلى ضبطه ولذا قل الخلاف في تعيين موارده بخلاف التخصيص

فصل

لا يخفى أن الخاص والعام المتخالفين يختلف حالهما ناسخا ومخصصا ومنسوخا فيكون الخاص مخصصا تارة وناسخا مرة ومنسوخا أخرى وذلك لان الخاص ان

______________________________

المخالفة تخصيصها (الثالث) أنه يحتمل أن يكون المراد بها عدم صدور ما هو مخالف للكتاب واقعا نظير ما ورد في المايز بين الشرط الصحيح والباطل إذ المراد بالكتاب هناك مطلق ما كتبه الله سبحانه على عباده وهو الحكم الواقعي الالهي لا ما يتضمنه ظاهر الكتاب فلا يمكن الحكم على الخبر المخالف لظاهر الكتاب أنه مخالف للكتاب مع احتمال تخصيص الكتاب به واقعا بل يمكن أن يدعى أنه بدليل اعتبار الخبر يحرز أنه موافق للكتاب واقعا لا مخالف الا أن يقال: إن ذلك خلاف الظاهر بل لا مساغ لاحتماله بالنسبة إلى جميعها لورود جملة منها في مقام إبداء الضابط الفارق بين الخبر الصادق والكاذب وما يجوز العمل به وما لا يجوز ولعله إلى هذا اشار بقوله: فافهم (قوله: والملازمة بين جواز) هذا دليل رابع للمنع وحاصله دعوى الملازمة بين جواز النسخ وجواز التخصيص فكما لا يجوز النسخ لا يجوز التخصيص والجواب عدم ظهور وجه الملازمة بينهما وان كان مقتضى القاعدة جوازهما معا لكن قام الاجماع على عدم جواز النسخ ولم يقم اجماع على عدم جواز التخصيص فيبقى على مقتضى القاعدة من الجواز (قوله: بتوافر الدواعي) الموجب لعدم الوثوق بصدق حاكيه بالخبر الواحد (قوله: قل الخلاف) لتواتر ثبوته غالبا

٥٣٥

كان مقارنا مع العام أو واردا بعده قبل حضور وقت العمل به فلا محيص عن كونه مخصصا وبيانا له وان كان بعد حضوره كان ناسخا لا مخصصا لئلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة فيما إذا كان العام واردا لبيان الحكم الواقعي والا لكان الخاص ايضا مخصصا له كما هو الحال في غالب العمومات والخصوصات في الآيات والروايات وان

______________________________

تعارض العام والخاص

(قوله: مقارنا مع العام) بان صدرا من المعصوم في زمان واحد أحدهما بالقول والآخر بغيره أو صدرا من معصومين في وقت واحد كما قيل، (قوله: فلا محيص عن) أما في صورة الاقتران فلعدم الترتب الذي هو شرط في النسخ وأما في صورة التعاقب فمبني على ما يأتي من امتناع النسخ قبل حضور وقت العمل (قوله: إذا كان العام واردا) إذ لو كان الخاص مخصصا كان خلفا لان المخصص كاشف عن عدم كون العام مطابقا للارادة الجدية والمفروض أن العام بعمومه مطابق لها ووارد لبيان عموم الحكم الواقعي ولو بلحاظ ما قبل زمان ورود الخاص (قوله: والا لكان) يعني وإن لم يكن العام واردا لبيان الحكم الواقعي فان أحرز كونه واردا لبيان غيره فقد علم كون الخاص مخصصا إذ لو كان ناسخا كان خلفا ايضا لان النسخ يتوقف على كون الحكم المنسوخ حكما واقعيا في الجملة ولو بالنظر إلى ما قبل زمان الناسخ والمفروض العلم بانه ليس كذلك وان لم يحرز أحد الامرين دار الامر بين التخصيص والنسخ ولا يبعد البناء على كونه ناسخا عملا باصالة كون العام واردا لبيان الحكم الواقعي لافراد الخاص ولو بالنسبة إلى ما قبل زمان وروده المعول عليها عند العقلاء ولذا يحكم بكون حكم العام بالنسبة إلى غير أفراد الخاص حكما واقعيا ولا تعارضها اصالة ظهوره في الاستمرار للقطع بانتفاء حكم العام في زمان ورود الخاص وما بعده بالنسبة إلى أفراد الخاص فلا أثر لها في اثبات الحكم الشرعي فتأمل وانتظر (قوله: كما هو الحال) تمثيل لما لم يكن العام واردا لبيان الحكم الواقعي ولا يخلو من تأمل

٥٣٦

كان العام واردا بعد حضور وقت العمل بالخاص فكما يحتمل أن يكون الخاص مخصصا للعام يحتمل أن يكون العام ناسخا له وان كان الاظهر أن يكون الخاص مخصصا لكثرة التخصيص حتى اشتهر " ما من عام إلا وقد خص " مع قلة النسخ في الاحكام جدا وبذلك يصير ظهور الخاص في الدوام ولو كان بالاطلاق أقوى من ظهور العام ولو كان بالوضع كما لا يخفى. هذا فيما علم تأريخهما وأما لو جهل وتردد بين أن يكون الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام وقبل حضوره فالوجه هو الرجوع إلى الاصول العملية وكثرة التخصيص وندرة النسخ هاهنا وإن كانا يوجبان الظن بالتخصيص ايضا وانه واجد لشرطه إلحاقا له بالغالب إلا أنه لا دليل

______________________________

وان كان بناء الاصحاب على الجمع بالتخصيص كاشفا عن بنائهم اما على ذلك أو على كون العام مقرونا بالقرينة المطابقة للخاص على سبيل منع الخلو (قوله: واردا بعد حضور) ولو كان واردا قبل حضور وقت العمل بالخاص تعين كونه مخصصا بناء على امتناع النسخ قبل حضور وقت العمل ولو بني على جوازه حينئذ دار الامر بين النسخ والتخصيص كما يأتي انشاء الله (قوله: فكما يحتمل... الخ) لعدم المانع من كل منهما (قوله: وبذلك يصير ظهور) يعني أن كثرة التخصيص وقلة النسخ منشأ لاقوائية دلالة الخاص على الدوام على دلالة العام على العموم فيقدم الاقوى ظهورا على الاضعف كما هو الوجه في تقديم الخاص على العام عند التعارض بينهما (أقول): هذا مبني على أن النسخ تخصيص في الازمان وسيأتي خلافه. هذا كله لو لم يعلم ورود العام لبيان الحكم الواقعي أو لبيان الحكم الظاهري وإلا بني على النسخ في الاول والتخصيص في الثاني جزما كما تقدم (قوله: الرجوع إلى الاصول) يعني بالنسبة إلى ما بين زمان العام وزمان الخاص لو كان موردا لابتلاء المكلف لا بالنسبة إلى الازمنة المتأخرة عن زمان ورود الخاص إذ لا شك في ثبوت حكم الخاص لافراده في تلك الازمنة سواء أكان ناسخا أم مخصصا (قوله: وأنه واجد لشرطه) يعني وأن التخصيص

٥٣٧

على اعتباره وإنما يوجبان الحمل عليه فيما إذا ورد العام بعد حضور وقت العمل بالخاص لصيرورة الخاص بذلك في الدوام أظهر من العام كما اشير إليه فتدبر جيدا (ثم) ان تعين الخاص(١) للتخصيص إذا ورد قبل حضور وقت العمل بالعام أو ورد العام قبل حضور وقت العمل به انما يكون مبنيا على عدم جواز النسخ قبل حضور وقت العمل والا فلا يتعين له بل يدور بين كونه مخصصا وناسخا في الاول ومخصصا ومنسوخا في الثاني الا ان الاظهر كونه مخصصا ولو فيما كان ظهور العام في عموم الافراد اقوى من ظهور الخاص في الخصوص لما اشير إليه

______________________________

واجد لشرطه وهو الورود قبل حضور وقت العمل (قوله: على اعتباره) يعني اعتبار الظن في ترجيح التخصيص على النسخ (قوله: أظهر من العام) فالترجيح مستند إلى قوة الدلالة الناشئة من الظن لا إلى الظن محضا حتى يعمل عليه في المقام " فان قلت ": فهلا كان الظن في المقام ايضا موجبا لقوة الدلالة كي يؤخذ بما دلالته أقوى ؟ " قلت ": ليس الدوران هنا بين ظهورين كي يقوى أحدهما بالظن المذكور بل الدوران بين ورود الخاص قبل حضور وقت العمل وبعده وليس أحدهما مؤدى ظهور كي يقوى بالظن " أقول ": قد عرفت أنه لا يبعد البناء على النسخ في المقام عملا باصالة كون العام واردا لبيان الحكم الواقعي لافراد الخاص ولو بلحاظ ما قبل زمان وروده (قوله: ثم ان تعين الخاص) قد اشتهر في كلامهم امتناع النسخ قبل حضور وقت العمل بالدليل المنسوخ كما اشتهر امتناع التخصيص بعد حضور وقت العمل والوجه في الاول أن النسخ رفع الحكم الثابت وقبل حضور وقت العمل لا ثبوت للحكم كما أن الوجه في الثاني قبح تأخير البيان

______________

(١) لا يخفى ان كونه مخصصا بمعنى كونه مبينا بمقدار المرام عن العام وناسخا بمعنى كون حكم العام غير ثابت في نفس الامر في مورد الخاص مع كونه مرادا ومقصودا بالافهام في مورده بالعام كسائر الافراد والا فلا تفاوت بينهما عملا اصلا كما هو واضح لا يكاد يخفى. " منه قدس سره " (*)

٥٣٨

من تعارف التخصيص وشيوعه وندرة النسخ جدا في الاحكام ولا بأس بصرف الكلام إلى ما هو نخبة القول في النسخ

______________________________

عن وقت الحاجة وقد يستشكل في وجه الاول بأن الحكم قبل وقت العمل وان لم يكن فعليا من جميع الجهات لكن له نحو من الثبوت في مقابل عدمه وهو كاف في صدق الرفع والمحو اللذين هما قوام النسخ فكما يصدق على جعله أنه ايجاد للحكم يصدق على رفعه انه نسخ له كما قد يستشكل في وجه الثاني بان المراد من الحاجة إن كان حاجة المولى فالتأخير مستحيل بملاك استحالة نقض الغرض لا أنه قبيح مع أن مورد الحاجة ان كان هو البيان فهو أول الكلام بل التأخير للبيان دليل على عدم الحاجة إليه وان كان فعل المكلف فهو مما لا يصح أن يتوهم لضرورة بطلانه وان كان حاجة العبد فثبوت الحاجة أول الكلام ايضا سواء أكان مورد الحاجة هو البيان أم الفعل كما يظهر من ملاحظة باب نصب الطرق غير العلمية " وبالجملة " قيام المصلحة في عدم البيان في الجملة مما لا مساغ لانكاره وهو كاف في امكان التخصيص بعد حضور وقت العمل وقد أشار المصنف " ره " إلى منع الثاني بقوله سابقا: إذا كان العام واردا... الخ والى منع الاول بما سيأتي في تحقيق معنى النسخ، (قوله: من تعارف التخصيص) قد تقدم أن مجرد ذلك لا يجدي في ترجيح التخصيص وانما يجدي فيه حيث يوجب اقوائية أحد الدليلين على الآخر وثبوت ذلك فيما لو ورد العام قبل حضور وقت العمل بالخاص غير ظاهر إذ ليس التعارض فيه بين عموم العام ودوام الخاص كي يوجب التعارف قوة دلالة الخاص على الثاني لان عموم العام مناف لاصل الخاص لا لدوامه فنسخ الخاص بالعام لا تنافيه دلالة الخاص كي يؤخذ بها وكذا فيما لو ورد الخاص قبل حضور وقت العمل بالعام فان الحكم في زمان ورود الخاص وما بعده هو حكم الخاص على كل من تقديري النسخ والتخصيص والشك انما هو بالاضافة إلى ثبوت حكم العام لافراد الخاص قبل وروده فعلى تقدير التخصيص يكون الحكم الثابت لها حينئذ هو حكم الخاص وعلى تقدير النسخ يكون الحكم الثابت لها هو حكم العام ومن المعلوم أن ليس للخاص دلالة على

٥٣٩

فاعلم أن النسخ وان كان

______________________________

*

ثبوت حكمه لها في الزمان المذكور كي تقوى بالتعارف فيشكل الترجيح بالشيوع في كلتا الصورتين فتأمل جيدا (قوله: فاعلم أن النسخ وان) قد اشتهر في كلام جماعة أن النسخ تخصيص في الازمان ويشكل على ظاهره إذ قد لا يكون للدليل المنسوخ عموم زماني مثل أمر ابراهيم عليه السلام بذبح ولده وقد يكون له عموم يأبى التخصيص لكونه نصا في العموم، ولانه يلزم كونه من تخصيص الاكثر المستهجن إذ نسبة الزمان الباقي إلى الزمان الخارج نسبة النادر إلى الكثير، ولزم جواز اتصال الناسخ بالمنسوخ كسائر أفراد المخصص المتصل فيقال مثلا: أكرم العالم دائما إلا بعد غد إلى الابد، ولزم كون جميع العمومات الزمانية المخصصة في الزمان اللاحق منسوخة مثل عمومات اللزوم المخصصة بأدلة بعض الخيارات غير الفورية لو بني على بقاء الخيار فيها والجميع كما ترى " فالتحقيق " أن النسخ أجنبي عن التخصيص وليس هو من التصرف في الطريق واصالة الظهور بل تصرف في ذي الطريق وأصالة الجهة وتوضيح ذلك ملخصا أن الحكم المجعول " تارة " يكون جاريا على مقتضى العناوين الاولية للموضوع وهو الحكم الواقعي الاولي مثل: الخمر حرام " وأخرى " يكون جاريا على مقتضى العناوين الثانوية الطارية على العناوين الاولية وهو الحكم الواقعي الثانوي مثل: الغنم الموطوءة حرام " وثالثة " يكون جاريا على خلاف مقتضى العناوين الاولية والثانوية معا لمصلحة في نفسه والفرض الاخير على نحوين (الاول) أن يؤخذ في موضوعه الشك في الحكم الواقعي على أحد النحوين فيكون في طول الحكم الواقعي وهذا هو الحكم الظاهري مثل: كل مشكوك الحل الحلال " الثاني " أن لا يؤخذ في موضوعه الشك في الحكم الواقعي ولا يكون في طوله بوجه أصلا بل يجعل في قبال الحكم الواقعي وهذا هو الحكم المنسوخ مثل أن يقول المولى لعبده: يجب عليك السفر غدا، مع كون السفر خاليا عن المصلحة المقتضية لوجوبه لا بالذات ولا بالعرض ثم قبل مجيئ وقت السفر يرفع وجوبه المجعول أولا وتشترك الثلاثة الاول في اتصاف موضوعها بها حال وجوده ولا كذلك الاخير فان السفر لو وجد

٥٤٠

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571