حقائق الاصول الجزء ١

حقائق الاصول10%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 571

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 571 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 212078 / تحميل: 5775
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

وعنده حقة، أخذت منه، وأعطي معها شاتين أو عشرين درهما. فإن وجبت عليه حقة، وعنده جذعة، أخذت منه، وردّ عليه شاتان أو عشرون درهما.

فأمّا زكاة البقر، فليس في شي‌ء منها زكاة، الى أن تبلغ ثلاثين. فإذا بلغت ذلك، كان فيها تبيع حولي. ثمَّ ليس فيما زاد عليها شي‌ء، الى أن تبلغ أربعين. فإذا بلغت ذلك، كان فيها مسنّة. وكلّ ما زاد على ذلك، كان هذا حكمه: في كلّ ثلاثين تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين مسنّة.

وأمّا الغنم، فليس فيها زكاة، الى أن تبلغ أربعين. فإذا بلغت ذلك، كان فيها شاة. ثمَّ ليس فيها شي‌ء، الى أن تبلغ مائة وعشرين. فإذا بلغت ذلك، وزادت واحدة، كان فيها شاتان الى أن تبلغ مائتين. فإذا بلغت وزادت واحدة، كان فيها ثلاث شياه الى أن تبلغ ثلاثمائة. فإذا بلغت ذلك، وزادت واحدة، كان فيها أربع شياه. ثمَّ تترك هذه العبرة فيما زاد عليه، وأخذ من كلّ مائة شاة.

وأمّا الخيل إذا كانت عتاقا كان على كلّ واحدة منها في في كلّ سنة ديناران. وإن كانت براذين كان على كلّ واحدة منها دينار واحد. ومن حصل عنده من كلّ جنس تجب فيه الزّكاة أقلّ من النّصاب الذي فيه الزّكاة، وإن كان لو جمع لكان أكثر من النّصاب والنّصابين، لم يكن عليه شي‌ء، حتى

١٨١

يبلغ كلّ جنس منه، الحدّ الذي تجب فيه الزّكاة. ولو أنّ إنسانا ملك من المواشي ما تجب فيه الزّكاة، وإن كانت في مواضع متفرّقة، وجب عليه فيها الزّكاة. وإن وجد في موضع واحد من المواشي ما تجب فيه الزكاة لملّاك جماعة لم يكن عليهم فيها شي‌ء على حال. ولا بأس أن يخرج الإنسان ما يجب عليه من الزّكاة من غير الجنس الذي يجب عليه فيه بقيمته. وإن أخرج من الجنس، كان أفضل.

باب الوقت الذي تجب فيه الزكاة

لا زكاة في الذّهب والفضّة حتّى يحول عليهما الحول بعد حصولهما في الملك. فان كان مع إنسان مال أقلّ ممّا تجب فيه الزّكاة، ثمَّ أصاب تمام النّصاب في وسط السّنة، فليس عليه فيه الزّكاة حتّى يحول الحول على القدر الذي تجب فيه الزّكاة. وإذا استهلّ هلال الشّهر الثّاني عشر، فقد حال على المال الحول، ووجبت فيه الزّكاة. فإن أخرج الإنسان المال عن ملكه قبل استهلال الثّاني عشر، سقط عنه فرض الزّكاة. وإن أخرجه من ملكه بعد دخول الشّهر الثّاني عشر، وجبت عليه الزّكاة، وكانت في ذمّته الى أن يخرج منه.

وأمّا الحنطة والشّعير والتّمر والزّبيب، فوقت الزّكاة فيها حين حصولها بعد الحصاد والجذاذ والصّرام، ثمَّ ليس فيها

١٨٢

بعد ذلك شي‌ء، وإن حال عليها حول، إلّا أن تباع بذهب أو فضّة، وحال عليهما الحول، فتجب حينئذ فيه الزّكاة.

وأمّا الإبل والبقر والغنم، فليس في شي‌ء منها زكاة، حتّى يحول عليها الحول من يوم يملكها. وكلّ ما لم يحل عليه الحول من صغار الإبل والبقر والغنم، لا تجب فيه الزّكاة. ولا يجوز تقديم الزّكاة قبل حلول وقتها. فإن حضر مستحقّ لها قبل وجوب الزّكاة، جاز أن يعطى شيئا ويجعل قرضا عليه. فإذا جاء الوقت، وهو على تلك الصّفة من استحقاقه لها، احتسب له من الزّكاة. وإن كان قد استغنى، أو تغيّرت صفته التي يستحقّ بها الزّكاة، لم يجزئ ذلك عن الزّكاة، وكان على صاحب المال أن يخرجها من الرأس.

وإذا حال الحول فعلى الإنسان أن يخرج ما يجب عليه على الفور ولا يؤخّره. فإن عدم المستحقّ له، عزله عن ماله، وانتظر به المستحق. فإن حضرته الوفاة، وصى به أن يخرج عنه. وإذا عزل ما يجب عليه من الزّكاة، فلا بأس أن يفرّقه ما بينه وبين شهر وشهرين، ولا يجعل ذلك أكثر منه. وما روي عنهمعليهم‌السلام ، من الأخبار في جواز تقديم الزّكاة وتأخيرها، فالوجه فيه ما قدّمناه في أنّ ما يقدّم منه يجعل قرضا، ويعتبر فيه ما ذكرناه، وما يؤخّر منه إنّما يؤخّر انتظار المستحق، فأمّا مع وجوده، فالأفضل إخراجه إليه على البدار حسب ما قدّمناه.

١٨٣

باب مستحق الزكاة وأقل ما يعطى وأكثر

الذي يستحق الزّكاة هم الثّمانية أصناف الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن: وهم الفقراء، والمساكين، والعاملون عليها، و( الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ ) ، والغارمون،( وَفِي سَبِيلِ اللهِ ) ، وابن السّبيل.

فأمّا الفقير فهو الذي له بلغة من العيش. والمسكين الذي لا شي‌ء معه. وأمّا العاملون عليها فهم الذين يسعون في جباية الصّدقات.

وأمّا المؤلّفة فهم الذين يتألّفون ويستمالون إلى الجهاد.

(وَفِي الرِّقابِ ) وهم المكاتبون والمماليك الذين يكونون تحت الشّدة العظيمة. وقد روي أنّ من وجبت عليه كفّارة عتق رقبة في ظهار أو قتل خطإ وغير ذلك، ولا يكون عنده، يشترى عنه ويعتق.

والغارمون هم الذين ركبتهم الدّيون في غير معصية ولا فساد.

( وَفِي سَبِيلِ اللهِ ) وهو الجهاد.

وابن السّبيل وهو المنقطع به. وقيل أيضا: إنّه الضّيف الذي ينزل بالإنسان ويكون محتاجا في الحال، وإن كان له يسار في بلده وموطنه.

١٨٤

فإذا كان الإمام ظاهرا، أو من نصبه الإمام حاصلا، فتحمل الزّكاة إليه، ليفرّقها على هذه الثّمانية الأصناف. ويقسم بينهم على حسب ما يراه. ولا يلزمه أن يجعل لكل صنف جزءا من ثمانية، بل يجوز أن يفضّل بعضهم على بعض، إذا كثرت طائفة منهم وقلّت آخرون.

وإذا لم يكن الإمام ظاهرا، ولا من نصبه الإمام حاصلا، فرّقت الزّكاة في خمسة أصناف من الذين ذكرناهم، وهم الفقراء والمساكين( وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ ) وابن السّبيل. ويسقط سهم( الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) وسهم السّعاة وسهم الجهاد، لأنّ هؤلاء لا يوجدون إلّا مع ظهور الإمام. لأن الْمُؤَلَّفَةَ( قُلُوبُهُمْ ) إنّما يتألّفهم الإمام ليجاهدوا معه، والسّعاة أيضا إنّما يكونون من قبله في جميع الزّكوات، والجهاد أيضا إنّما يكون به أو بمن نصبه. فإذا لم يكن هو ظاهرا ولا من نصبه، فرّق فيمن عداهم.

والذين يفرّق فيهم الزّكاة ينبغي أن يحصل لهم مع الصّفات التي ذكرناها أن يكونوا عارفين بالحقّ معتقدين له. فإن لم يكونوا كذلك، فلا يجوز أن يعطوا الزّكاة. فمن أعطى زكاته لمن لا يعرف الحق، لم يجزئه، وكان عليه الإعادة. ولو أنّ مخالفا أخرج زكاته الى أهل نحلته، ثمَّ استبصر، كان عليه إعادة الزّكاة. ولا يجوز أن يعطى الزّكاة من أهل المعرفة إلّا أهل السّتر والصّلاح. فأمّا الفسّاق وشرّاب

١٨٥

الخمور فلا يجوز أن يعطوا منها شيئا. ولا بأس أن تعطي الزّكاة أطفال المؤمنين. ولا تعطى أطفال المشركين.

ولا يجوز أن يعطي الإنسان زكاته لمن تلزمه النّفقة عليه مثل الوالدين والولد والجدّ والجدة والزّوجة والمملوك. ولا بأس أن يعطي من عدا هؤلاء من الأهل والقرابات من الأخ والأخت وأولادهما والعمّ والخال والعمّة والخالة وأولادهم.

والأفضل أن لا يعدل بالزّكاة عن القريب مع حاجتهم الى ذلك الى البعيد. فإن جعل للقريب قسط، وللبعيد قسط، كان أفضل.

ومتى لم يجد من تجب عليه الزّكاة مستحقّا لها، عزلها من ماله، وانتظر بها مستحقّها، فإن لم يكن في بلده من يستحقّها فلا بأس أن يبعث بها إلى بلد آخر. فإن أصيبت الزّكاة في الطّريق أو هلكت، فقد أجزأ عنه. وإن كان قد وجد في بلده لها مستحقا، فلم يعطه، وآثر من يكون في بلد آخر، كان ضامنا لها، إن هلكت، ووجب عليه إعادتها.

ومن وصّي بإخراج زكاة، أو أعطي شيئا منها ليفرّقه على مستحقيه، فوجده، ولم يعطه. بل أخّره، ثمَّ هلك، كان ضامنا للمال.

ولا تحلّ الصّدقة الواجبة في الأموال لبني هاشم قاطبة. وهم الذين ينتسبون إلى أمير المؤمنين،عليه‌السلام ، وجعفر

١٨٦

ابن أبي طالب، وعقيل بن أبي طالب، وعبّاس بن عبد المطّلب. فامّا ما عدا صدقة الأموال، فلا بأس أن يعطوا إيّاها. ولا بأس أن تعطي صدقة الأموال مواليهم. ولا بأس أن يعطي بعضهم بعضا صدقة الأموال. وإنّما يحرم عليهم صدقة من ليس من نسبهم.

وهذا كلّه إنّما يكون في حال توسّعهم ووصولهم إلى مستحقّهم من الأخماس. فإذا كانوا ممنوعين من ذلك ومحتاجين إلى ما يستعينون به على أحوالهم، فلا بأس أن يعطوا زكاة الأموال رخصة لهم في ذلك عند الاضطرار.

ولا يجوز أن تعطى الزّكاة لمحترف يقدر على اكتساب ما يقوم بأوده وأود عياله. فإن كانت حرفته لا تقوم به، جاز له أن يأخذ ما يتّسع به على أهله. ومن ملك خمسين درهما يقدر أن يتعيّش بها بقدر ما يحتاج إليه في نفقته، لم يجز له أن يأخذ الزكاة. وإن كان معه سبعمائة درهم، وهو لا يحسن أن يتعيّش بها، جاز له أن يقبل الزّكاة، ويخرج هو ما يجب عليه فيما يملكه من الزّكاة، فيتّسع به على عياله. ومن ملك دارا يسكنها وخادما يخدمه، جاز له أن يقبل الزّكاة. فإن كانت داره دار غلّة تكفيه ولعياله، لم يجز له أن يقبل الزّكاة فإن لم يكن له في غلّتها كفاية، جاز له أن يقبل الزّكاة.

وينبغي أن تعطي زكاة الذّهب والفضّة للفقراء والمساكين

١٨٧

المعروفين بذلك، وتعطي زكاة الإبل والبقر والغنم أهل التّجمّل.

فإن عرفت من يستحقّ الزّكاة، وهو يستحيي من التعرّض لذلك، ولا يؤثر إن تعرفه، جاز لك أن تعطيه الزّكاة وإن لم تعرفه أنّه منها، وقد أجزأت عنك.

وإذا كان على إنسان دين، ولا يقدر على قضائه، وهو مستحقّ لها، جاز لك أن تقاصّه من الزّكاة. وكذلك إن كان الدّين على ميّت، جاز لك أن تقاصّه منها. وإن كان على أخيك المؤمن دين، وقد مات، جاز لك أن تقضي عنه من الزّكاة. وكذلك إن كان الدين على والدك أو والدتك أو ولدك، جاز لك أن تقضيه عنهم من الزّكاة.

فإذا لم تجد مستحقا للزّكاة، ووجدت مملوكا يباع، جاز لك أن تشتريه من الزّكاة وتعتقه. فإن أصاب بعد ذلك مالا، ولا وارث له، كان ميراثه لأرباب الزّكاة. وكذلك لا بأس مع وجود المستحقّ أن يشتري مملوكا ويعتقه، إذا كان مؤمنا، وكان في ضرّ وشدّة. فإن كان بخلاف ذلك، لم يجز ذلك على حال.

ومن أعطى غيره زكاة الأموال ليفرقها على مستحقها، وكان مستحقّا للزّكاة، جاز له أن يأخذ منها بقدر ما يعطي غيره. اللهمّ إلّا أن يعيّن له على أقوام بأعيانهم. فإنّه لا يجوز

١٨٨

له حينئذ أن يأخذ منها شيئا، ولا أن يعدل عنهم الى غيرهم.

وأقلّ ما يعطي الفقير من الزّكاة خمسة دراهم أو نصف دينار. وهو أوّل ما يجب في النّصاب الأوّل. فأمّا ما زاد على ذلك، فلا بأس أن يعطى كلّ واحد ما يجب في نصاب نصاب، وهو درهم إن كان من الدراهم، أو عشر دينار إن كان من الدّنانير، وليس لأكثره حد. ولا بأس أن يعطي الرّجل زكاته لواحد يغنيه بذلك.

باب وجوب زكاة الفطرة ومن تجب عليه

الفطرة واجبة على كلّ حر بالغ مالك لما تجب عليه فيه زكاة المال. ويلزمه أن يخرج عنه وعن جميع من يعوله من ولد ووالد وزوجة ومملوك ومملوكة، مسلما كان أو ذمّيّا، صغيرا كان أو كبيرا. فإن كان لزوجته مملوك في عياله، أو يكون عنده ضيف يفطر معه في شهر رمضان، وجب عليه أيضا أن يخرج عنهما الفطرة. وإن رزق ولدا في شهر رمضان، وجب عليه أيضا أن يخرج عنه. فإن ولد المولود ليلة الفطر أو يوم العيد قبل صلاة العيد، لم يجب عليه إخراج الفطرة عنه فرضا واجبا. ويستحبّ له أن يخرج ندبا واستحبابا.

وكذلك من أسلم ليلة الفطر قبل الصّلاة، يستحبّ له أن يخرج زكاة الفطرة، وليس ذلك بفرض. فإن كان إسلامه

١٨٩

قبل ذلك، وجب عليه إخراج الفطرة. ومن لا يملك ما يجب عليه فيه الزّكاة، يستحبّ له أن يخرج زكاة الفطرة أيضا عن نفسه وعن جميع من يعوله. فإن كان ممّن يحلّ له أخذ الفطرة أخذها ثمَّ أخرجها عن نفسه وعن عياله. فإن كان به إليها حاجة، فليدر ذلك على من يعوله. حتّى ينتهي إلى آخرهم، ثمَّ يخرج رأسا واحدا إلى غيرهم، وقد أجزأ عنهم كلّهم.

باب ما يجوز إخراجه في الفطرة ومقدار ما يجب منه

أفضل ما يخرجه الإنسان في زكاة الفطرة التّمر ثمَّ الزّبيب. ويجوز إخراج الحنطة والشّعير والأرزّ والأقط واللّبن. والأصل في ذلك أن يخرج كلّ أحد ممّا يغلب على قوته في أكثر الأحوال.

فأمّا أهل مكّة والمدينة وأطراف الشّام واليمامة والبحرين والعراقين وفارس والأهواز وكرمان، فينبغي لهم أن يخرجوا التّمر. وعلى أوساط الشّام ومرو من خراسان والريّ، أن يخرجوا الزّبيب. وعلى أهل الجزيرة والموصل والجبال كلّها وخراسان، أن يخرجوا الحنطة والشّعير، وعلى أهل طبرستان الأرز، وعلى أهل مصر البرّ. ومن سكن البوادي من الأعراب فعليهم الأقط، فإذا عدموه، كان عليهم اللّبن.

١٩٠

ومن عدم أحد هذه الأصناف التي ذكرناها، أو أراد أن يخرج ثمنها بقيمة الوقت ذهبا أو فضة، لم يكن به بأس. وقد روي رواية أنّه يجوز أن يخرج عن كلّ رأس درهما. وقد روي أيضا أربعة دوانيق. والأحوط ما قدّمناه من أنّه يخرج قيمته بسعر الوقت.

فأمّا القدر الذي يجب إخراجه عن كلّ رأس، فصاع من أحد الأشياء التي قدّمنا ذكرها. وقدره تسعة أرطال بالعراقيّ وستّة أرطال بالمدني. وهو أربعة أمداد. والمدّ مائتان واثنان وتسعون درهما ونصف. والدرهم ستّة دوانيق. والدّانق ثماني حبّات من أوسط حبّات الشّعير. فأمّا اللّبن فمن يريد إخراجه، أجزأه أربعة أرطال بالمدنيّ أو ستّة بالعراقي.

باب الوقت الذي يجب فيه إخراج الفطرة ومن يستحقها

الوقت الذي يجب فيه إخراج الفطرة يوم الفطر قبل صلاة العيد. ولو أن إنسانا أخرجها قبل يوم العيد بيوم أو يومين أو من أوّل الشّهر الى آخره، لم يكن به بأس، غير أن الأفضل ما قدّمناه.

فإذا كان يوم الفطر، فليخرجها، ويسلّمها الى مستحقّيها فإن لم يجد لها مستحقّا، عزلها من ماله، ثمَّ يسلّمها بعد الصّلاة أو من غد يومه الى مستحقّيها. فإن وجد لها أهلا، وأخّرها،

١٩١

كان ضامنا لها، الى أن يسلّمها إلى أربابها. وإن لم يجد لها أهلا، وأخرجها من ماله، لم يكن عليه ضمان.

وينبغي أن تحمل الفطرة الى الإمام ليضعها حيث يراه. فإن لم يكن هناك إمام، حملت الى فقهاء شيعته ليفرقوها في في مواضعها. وإذا أراد الإنسان أن يتولّى ذلك بنفسه، جاز له له ذلك، غير أنّه لا يعطيها إلا لمستحقّيها.

والمستحقّ لها، هو كلّ من كان بالصّفة التي تحلّ له معها الزّكاة. وتحرم على كلّ من تحرم عليه زكاة الأموال.

ولا يجوز حمل الفطرة من بلد الى بلد. وان لم يوجد لها مستحقّ من أهل المعرفة، جاز أن تعطى المستضعفين من غيرهم.

ولا يجوز إعطاؤها لمن لا معرفة له، إلّا عند التقية أو عدم مستحقّيها من أهل المعرفة. والأفضل أن يعطي الإنسان من يخافه من غير الفطرة، ويضع الفطرة في مواضعها.

ولا يجوز أن يعطي أقلّ من زكاة رأس واحد لواحد مع الاختيار. فإن حضر جماعة محتاجون وليس هناك من الأصواع بقدر ما يصيب كلّ واحد منهم صاع، جاز أن يفرّق عليهم. ولا بأس أن يعطي الواحد صاعين أو أصواعا.

والأفضل أن لا يعدل الإنسان بالفطرة إلى الأباعد مع وجود القرابات ولا الى الأقاصي مع وجود الجيران. فإن فعل خلاف ذلك، كان تاركا فضلا، ولم يكن عليه بأس.

١٩٢

باب الجزية وأحكامها

الجزية واجبة على أهل الكتاب ممّن أبى منهم الإسلام وأذعن بها، وهم اليهود والنّصارى. والمجوس حكمهم حكم اليهود والنّصارى. وهي واجبة على جميع الأصناف المذكورة إذا كانوا بشرائط المكلّفين وتسقط عن الصّبيان والمجانين والبله والنّساء منهم. فأمّا ما عدا الأصناف المذكورة من الكفّار، فليس يجوز أن يقبل منهم إلّا الإسلام أو القتل. ومن وجبت عليه الجزية وحلّ الوقت، فأسلم قبل أن يعطيها، سقطت عنه، ولم يلزمه أداؤها.

وكلّ من وجبت عليه الجزية، فالإمام مخيّر بين أن يضعها على رءوسهم أو على أرضيهم. فإن وضعها على رءوسهم، فليس له أن يأخذ من أرضيهم شيئا. وإن وضعها على أرضيهم، فليس له أن يأخذ من رءوسهم شيئا.

وليس للجزية حدّ محدود ولا قدر موقّت. بل يأخذ الإمام منهم على قدر ما يراه من أحوالهم من الغنى والفقر بقدر ما يكونون به صاغرين.

وكان المستحقّ للجزية في عهد رسول الله،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، المهاجرين دون غيرهم. وهي اليوم لمن قام مقامهم في نصرة الإسلام والذبّ من سائر المسلمين.

١٩٣

ولا بأس أن تؤخذ الجزية من أهل الكتاب ممّا أخذوه من ثمن الخمور والخنازير والأشياء التي لا يحلّ للمسلمين بيعها والتّصرف فيها.

باب أحكام الأرضين وما يصح التصرف فيه منها بالبيع والشرى والتملك وما لا يصح

الأرضون على أربعة أقسام:

ضرب منها يسلم أهلها عليها طوعا من قبل نفوسهم من غير قتال، فتترك في أيديهم، ويؤخذ منهم العشر أو نصف العشر، وكانت ملكا لهم، يصحّ لهم التّصرّف فيها بالبيع والشّرى والوقف وسائر أنواع التّصرف.

وهذا حكم أرضيهم إذا عمروها وقاموا بعمارتها. فإن تركوا عمارتها، وتركوها خرابا، كانت للمسلمين قاطبة. وعلى الإمام أن يقبّلها ممّن يعمّرها بما يراه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع. وكان على المتقبّل بعد إخراج حقّ القبالة ومئونة الأرض، العشر أو نصف العشر فيما يبقى في حصّته، إذا بلغ الى الحدّ الذي يجب فيه ذلك. وهو خمسة أوسق فصاعدا حسب ما قدّمناه.

والضّرب الآخر من الأرضين، ما أخذ عنوة بالسّيف، فإنّها تكون للمسلمين بأجمعهم. وكان على الإمام أن يقبّلها

١٩٤

لمن يقوم بعمارتها بما يراه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع. وكان على المتقبّل إخراج ما قد قبل به من حقّ الرّقبة، وفيما يبقى في يده وخاصّه العشر أو نصف العشر.

وهذا الضّرب من الأرضين لا يصحّ التّصرف فيه بالبيع والشرى والتملّك والوقف والصّدقات. وللإمام أن ينقله من متقبّل إلى غيره عند انقضاء مدّة ضمانه، وله التّصرّف فيه بحسب ما يراه من مصلحة المسلمين. وهذه الأرضون للمسلمين قاطبة، وارتفاعها يقسم فيهم كلّهم: المقاتلة، وغيرهم. فإن المقاتلة ليس لهم على جهة الخصوص إلّا ما تحويه العسكر من الغنائم.

والضّرب الثّالث كلّ أرض صالح أهلها عليها، وهي أرض الجزية، يلزمهم ما يصالحهم الإمام عليه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع، وليس عليهم غير ذلك.

فإذا أسلم أربابها، كان حكم أرضيهم حكم أرض من أسلم طوعا ابتداء، ويسقط عنهم الصّلح، لأنه جزية بدل من جزية رءوسهم وأموالهم، وقد سقطت عنهم بالإسلام. وهذا الضّرب من الأرضين يصحّ التّصرّف فيه بالبيع والشّرى والهبة وغير ذلك من أنواع التّصرف، وكان للإمام أن يزيد وينقض ما صالحهم عليه بعد انقضاء مدّة الصّلح حسب ما يراه من زيادة الجزية ونقصانها

١٩٥

والضّرب الرّابع، كلّ أرض انجلى أهلها عنها، أو كانت مواتا فأحييت، أو كانت آجاما وغيرها ممّا لا يزرع فيها، فاستحدثت مزارع.

فإن هذه الأرضين كلّها للإمام خاصة، ليس لأحد معه فيها نصيب، وكان له التّصرّف فيها بالقبض والهبة والبيع والشّرى حسب ما يراه، وكان له أن يقبّلها بما يراه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع، وجاز له أيضا بعد انقضاء مدّة القبالة نزعها من يد من قبّله إيّاها وتقبيلها لغيره، إلّا الأرضين التي أحييت بعد مواتها، فإن الذي أحياها أولى بالتّصرف فيها ما دام يقبلها بما يقبلها غيره. فإن أبى ذلك، كان للإمام أيضا نزعها من يده وتقبيلها لمن يراه. وعلى المتقبّل بعد إخراجه مال القبالة والمؤن فيما يحصل في حصتّه، العشر أو نصف العشر.

باب الخمس والغنائم

الخمس واجب في جميع ما يغنمه الإنسان.

والغنائم كلّ ما أخذ بالسّيف من أهل الحرب الذين أمر الله تعالى بقتالهم من الأموال والسّلاح والكراع والثّياب والمماليك وغيرها ممّا يحويه العسكر وممّا لم يحوه.

ويجب الخمس أيضا في جميع ما يغنمه الإنسان من أرباح

١٩٦

التّجارات والزّراعات وغير ذلك بعد إخراج مئونته ومئونة عياله.

ويجب الخمس أيضا في جميع المعادن من الذّهب والفضّة والحديد والصّفر والملح والرّصاص والنّفط والكبريت وسائر ما يتناوله اسم المعدن على اختلافها.

ويجب أيضا الخمس من الكنوز المذخورة على من وجدها، وفي العنبر وفي الغوص.

وإذا حصل مع الإنسان مال قد اختلط الحلال بالحرام، ولا يتميّز له، وأراد تطهيره، أخرج منه الخمس، وحلّ له التّصرف في الباقي. وإن تميّز له الحرام، وجب عليه إخراجه وردّه الى أربابه. ومن ورث مالا ممّن يعلم أنّه كان يجمعه من وجوه محظورة مثل الرّبا والغضب وما يجري مجراهما، ولم يتميّز له المغصوب منه ولا الرّبا، أخرج منه الخمس، واستعمل الباقي، وحلّ له التّصرف فيه.

والذمّي إذا اشترى من مسلم أرضا، وجب عليه فيها الخمس.

وجميع ما قدّمناه ذكره من الأنواع، يجب فيه الخمس قليلا كان أو كثيرا، إلّا الكنوز ومعادن الذّهب والفضّة، فإنّه لا يجب فيها الخمس إلّا إذا بلغت إلى القدر الذي يجب فيه الزّكاة.

١٩٧

والغوص لا يجب فيه الخمس إلّا إذا بلغ قيمته دينارا.

وأمّا الغلّات والأرباح فإنّه يجب فيها الخمس بعد إخراج حق السّلطان ومئونة الرّجل ومئونة عياله بقدر ما يحتاج اليه على الاقتصاد.

والكنوز إذا كانت دراهم أو دنانير، يجب فيها الخمس فيما وجد منها، إذا بلغ إلى الحدّ الّذي قدّمناه ذكره. وإن كان ممّا يحتاج الى المؤنة والنّفقة عليه، يجب فيه الخمس بعد إخراج المؤنة منه.

باب قسمة الغنائم والأخماس

كلّ ما يغنمه المسلمون من دار الحرب من جميع الأصناف التي قدّمناه ذكرها، ممّا حواه العسكر يخرج منه الخمس. وأربعة أخماس ما يبقى يقسم بين المقاتلة. وما لم يحوه العسكر من الأرضين والعقارات وغيرها من أنواع الغنائم يخرج منه الخمس، والباقي تكون للمسلمين قاطبة: مقاتليهم وغير مقاتليهم، يقسمه الامام بينهم على قدر ما يراه من مئونتهم.

والخمس يأخذه الإمام فيقسمه ستّة أقسام:

قسما لله، وقسما لرسوله، وقسما لذي القربى. فقسم الله وقسم الرّسول وقسم ذي القربى للإمام خاصّة، يصرفه في أمور نفسه وما يلزمه من مئونة غيره.

١٩٨

وسهم ليتامى آل محمّد، وسهم لمساكينهم، وسهم لأبناء سبيلهم. وليس لغيرهم شي‌ء من الأخماس. وعلى الإمام أن يقسم سهامهم فيهم على قدر كفايتهم ومئونتهم في السّنة على الاقتصاد. فإن فضل من ذلك شي‌ء، كان له خاصّة. وإن نقص كان عليه أن يتمّ من خاصّته.

وهؤلاء الذين يستحقّون الخمس، هم الذين قدّمنا ذكرهم ممّن تحرم عليهم الزّكاة، ذكرا كان أو أنثى. فإن كان هناك من أمّه من غير أولاد المذكورين، وكان أبوه منهم، حلّ له الخمس، ولم تحلّ له الزّكاة. وإن كان ممّن أبوه من غير أولادهم، وأمّه منهم، لم يحلّ له الخمس، وحلّت له الزّكاة.

باب الأنفال

الأنفال كانت لرسول الله خاصّة في حياته، وهي لمن قام مقامه بعده في أمور المسلمين. وهي كلّ أرض خربة قد باد أهلها عنها. وكلّ أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب أو يسلّمونها هم بغير قتال، ورءوس الجبال وبطون الأودية والآجام والأرضون الموات التي لا أرباب لها، وصوافي الملوك وقطائعهم ممّا كان في أيديهم من غير وجه الغصب، وميراث من لا وارث له.

وله أيضا من الغنائم قبل أن تقسم: الجارية الحسناء،

١٩٩

والفرس الفاره، والثّوب المرتفع، وما أشبه ذلك ممّا لا نظير له من رقيق أو متاع.

وإذا قاتل قوم أهل حرب من غير أمر الإمام، فغنموا، كانت غنيمتهم للإمام خاصّة دون غيره.

وليس لأحد أن يتصرف فيما يستحقّه الإمام من الأنفال والأخماس إلّا بإذنه. فمن تصرّف في شي‌ء من ذلك بغير إذنه، كان عاصيا، وارتفاع ما يتصرّف فيه مردود على الإمام. وإذا تصرّف فيه بأمر الإمام، كان عليه أن يؤدي ما يصالحه الإمام عليه من نصف أو ثلث أو ربع.

هذا في حال ظهور الإمام. فأمّا في حال الغيبة، فقد رخّصوا لشيعتهم التصرّف في حقوقهم ممّا يتعلّق بالأخماس وغيرها فيما لا بدّ لهم منه من المناكح والمتاجر والمساكن. فأمّا ما عدا ذلك، فلا يجوز له التصرّف فيه على حال.

وما يستحقّونه من الأخماس في الكنوز وغيرها في حال الغيبة فقد اختلف قول أصحابنا فيه، وليس فيه نصّ معيّن إلا أنّ كلّ واحد منهم قال قولا يقتضيه الاحتياط.

فقال بعضهم: إنّه جار في حال الاستتار مجرى ما أبيح لنا من المناكح والمتاجر.

وقال قوم: إنّه يجب حفظه ما دام الإنسان حيا. فإذا حضرته الوفاة، وصّى به الى من يثق به من إخوانه المؤمنين

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

في الخارج لم يكن واجبا لوجوب النسخ قبل حضور وقت العمل والاجماع على جواز النسخ بعد حضور وقت العمل لا يراد به العمل بالحكم المنسوخ حقيقة بل العمل بمثله لان الحكم المنسوخ المستمر لما كان منحلا إلى احكام متعددة بتعدد آنات العمل فالناسخ الوارد في اثناء تلك الآنات وارد بعد حضور وقت العمل بالاضافة إلى الاحكام التي سقطت بالامتثال أو بغيره وقبل حضور وقت العمل بالاضافة إلى الاحكام التي لم يحضر زمان امتثالها وهو إنما يقتضي رفع الثانية لا الاولى ويشترك الاولان مع الاخير في عدم الترتب بينهما بخلاف الثالث فانه متأخر عنهما رتبة لاخذ الشك فيها قيدا في موضوعه. ومن هنا يتضح الفرق بين التخصيص والنسخ فان الاول مناف للحكم الظاهري المستفاد من دليل حجية أصالة الظهور القائم بالعام وبه ينقطع أمده لو كان الخاص واردا بعد العام والثاني مناف للحكم الواقعي الذي يحكيه ظهور العام وبه ينقطع أمده المستفاد من حجية ظهوره والاول مستلزم للتصرف في نفص الطريق المجعول إلى الحكم وحاك عن خطئه وعدم ايصاله والثاني مستلزم للتصرف في نفس الحكم المجعول وأنه ليس مجعولا على مقتضى الجهات الموجودة في موضوعه المقتضية له وعلى هذا فالفرق بين التخصيص والنسخ في الانشاء نظير الفرق بين التورية والكذب في الاخبار والله سبحانه الهادي ومن هذا يظهر لك الحكم في الفروض السابقة التي يتردد الامر فيها بين النسخ والتخصيص (فنقول): إذا ورد العام بعد الخاص وبعد حضور وقت العمل به (فان) كان الخاص نصا في الدوام دار الامر بين تخصيص العام الموجب للتصرف في اصالة ظهوره وكون العام ناسخا للخاص الموجب للتصرف في نفس الحكم الخاص وأنه ليس ناشئا عن الجهات المقتضية له بالاضافة إلى ما بعد زمان العام ولا ريب في أن التصرف في الظهور أولى من التصرف في أصالة الجهة نظير ما لو دار الامر بين تخصيص العام بالخاص وبين حمل الخاص على التقية (وإن) لم يكن الخاص نصا في الدوام دار الامر بين ما ذكر من التصرف في اصالة الظهور في العام واصالة الجهة في الخاص وبين التصرف في أصالة ظهور الخاص في الدوام، وحيث ان التصرف في اصالة الجهة مرجوح بالاضافة إلى التصرف في اصالة الظهور دار الامر بين التصرف في أصالة العموم في العام وأصالة الدوام

٥٤١

رفع الحكم الثابت اثباتا إلا أنه في الحقيقة دفع الحكم ثبوتا وانما اقتضت الحكمة اظهار دوام الحكم واستمراره أو أصل انشائه وإقراره مع انه بحسب الواقع ليس له قرار أو ليس له دوام واستمرار وذلك لان النبي - صلى الله عليه وآله - الصادع للشرع ربما يلهم أو يوحى إليه أن يظهر الحكم أو استمراره مع اطلاعه على حقيقة الحال وأنه ينسخ في الاستقبال أو مع عدم اطلاعه على ذلك لعدم احاطته بتمام ما جرى في علمه تبارك وتعالى ومن هذا القبيل

______________________________

في الخاص وحيث لا مرجح فالمرجع الاصول (وإن) ورد العام قبل حضور وقت العمل بالخاص فحيث أن الاخذ بعموم العام رافع لاصل الخاص لا لدوامه كان الدوران دائما بين التصرف في أصالة الجهة في الخاص وأصالة العموم في العام وحيث أن الثاني أولى تعين القول بالتخصيص (وإذا) رود الخاص بعد العام قبل حضور وقت العمل به فلا ريب في ثبوت حكم الخاص لافراده من حين وروده فما بعده سواء أكان ناسخا أم مخصصا أما ثبوته لهما فيما بين زماني ورود العام والخاص فيتوقف على كونه مخصصا إذ لو كان ناسخا كان الثابت حكم العام في ذلك الزمان فيدور الامر بين رفع اليد عن ظهور العام في العموم ليثبت التخصيص وبين رفع اليد عن اصالة الجهة فيه وقد عرفت ان الاول الاولى (ولو) ورد الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام دار الامر بين رفع اليد عن اصالة العموم ليثبت التخصيص من أول الامر، وبين رفع اليد عن ظهور العام في الدوام ليثبت التخصيص من حين ورود الخاص، وبين رفع اليد عن اصالة الجهة في العام ليثبت النسخ والثاني أولى أولوية التقييد من التخصيص عند الدوران بينهما فيثبت التخصيص من حين ورود الخاص الذي هو بمنزلة النسخ عملا فتأمل جيدا والله سبحانه أعلم (قوله: رفع الحكم الثابت اثباتا) يعني رفعا للحكم الواقعي الاولي أو الثانوي في مقام الاثبات وبالنظر إلى أصالة الجهة إلا أنه في الحقيقة دفع للحكم حيث لا مقتضي في موضوعه لثبوته وإن كان بالنظر إلى تبدل مقتضيات جعل الحكم يكون محوا ورفعا (قوله: دوام الحكم) يعني لو كان النسخ بعد حضور وقت العمل (قوله: أو أصل انشائه)

٥٤٢

لعله يكون أمر إبراهيم بذبح اسماعيل وحيث عرفت أن النسخ بحسب الحقيقة يكون دفعا وان كان بحسب الظاهر رفعا بلا بأس به مطلقا ولو كان قبل حضور وقت العمل لعدم لزوم البداء المحال في حقه تبارك وتعالى بالمعنى المستلزم لتغير ارادته تعالى مع اتحاد الفعل ذاتا وجهة وإلا لزم امتناع النسخ أو الحكم المنسوخ فان الفعل ان كان مشتملا على مصلحة موجبة للامر به امتنع النهى عنه والا امتنع الامر به وذلك لان الفعل أو دوامه لم يكن متعلقا لارادته فلا يستلزم نسخ أمره بالنهي تغيير ارادته ولم يكن الامر بالفعل من جهة كونه مشتملا على مصلحة وإنما كان إنشاء الامر به أو اظهار دوامه عن حكمة ومصلحة (وأما) البداء في التكوينيات بغير ذاك المعنى فهو مما دل عليه الروايات المتواترات كما لا يخفى ومجمله ان الله تبارك وتعالى إذا تعلقت مشيته تعالى باظهار ثبوت ما يمحوه لحكمة داعية إلى اظهاره ألهم أو أوحي إلى نبيه أو وليه أن يخبر به مع علمه بأنه يمحوه أو مع عدم علمه به لما اشير إليه من عدم الاحاطة بتمام ما جرى في علمه وإنما يخبر به لانه حال الوحى أو الالهام لارتقاء نفسه الزكية واتصاله بعالم لوح المحو الاثبات اطلع على ثبوته ولم يطلع على كونه معلقا على أمر غير واقع أو عدم الموانع قال الله تبارك وتعالى: (يمحو الله ما يشاء ويثبت) الآية. نعم - من شملته العناية الآلهية واتصلت نفسه الزكية بعالم اللوح المحفوظ الذي هو من

______________________________

يعني لو كان قبل حضور وقت العمل (قوله: لعله يكون) اشار باداة الترجي إلى المناقشات في كونه من النسخ مثل ما قيل: إن المراد من الذبح مقدماته بقرينة قوله تعالى: قد صدقت الرؤيا (قوله: مع اتحاد الفعل) قيد للتغير المستحيل إذ مع تغير الفعل ذاتا أو جهة لا يكون تغير الارادة مستحيلا (قوله: وإلا لزم) الموجود في بعض النسخ (ولا لزوم) بدل (وإلا لزم) والظاهر انه الصحيح ويكون معطوفا على قوله: لعدم لزوم البداء (قوله: وذلك لان) تعليل لعدم لزوم البداء (قوله: بغير ذاك المعنى) يعني المحال في حقه تعالى

٥٤٣

أعظم العوالم الربوبية وهو أم الكتاب يكشف عنده الواقعيات على ما هي عليها كما ربما يتفق لخاتم الانبياء ولبعض الاوصياء كان عارفا بالكائنات كما كانت وتكون. نعم مع ذلك ربما يوحى إليه حكم من الاحكام (تارة) بما يكون ظاهرا في الاستمرار والدوام مع أنه في الواقع له غاية وأمد يعينها بخطاب آخر (وأخرى) بما يكون ظاهرا في الجد مع أنه لا يكون واقعا بجد بل لمجرد الابتلاء والاختبار كما انه يؤمر وحيا أو إلهاما بالاخبار بوقوع عذاب أو غيره مما لا يقع لاجل حكمة في هذا الاخبار أو ذاك الاظهار فبدا له تعالى انه يظهر ما أمر نبيه أو وليه بعدم اظهاره أولا ويبدي ما خفي ثانيا وإنما نسب إليه تعالى البداء مع انه في الحقيقة الابداء لكمال شباهة إبدائه تعالى كذلك بالبداء في غيره وفيما ذكرنا كفاية فيما هو المهم في باب النسخ ولا داعي بذكر تمام ما ذكروه في ذاك الباب كما لا يخفى على اولى الالباب (ثم) لا يخفى ثبوت الثمرة بين التخصيص والنسخ ضرورة انه على التخصيص يبنى على خروج الخاص عن حكم العام رأسا وعلى النسخ على ارتفاع حكمه عنه من حينه فيما دار الامر بينهما في المخصص واما إذا دار بينهما في الخاص والعام فالخاص على التخصيص غير محكوم بحكم العام اصلا وعلى النسخ كان محكوما به من حين صدور دليله كما لا يخفى

______________________________

*

(قوله: يبنى على خروج) فتكون أفراد الخاص محكومة بحكم الخاص من حين ورود العام قبل ورود الخاص (قوله: من حينه) يعني من حين ورود الخاص (قوله: في المخصص) وذلك إذا تأخر الخاص عن العام فانه إما مخصص أو ناسخ (قوله: في الخاص والعام) وذلك إذا تقدم الخاص على العام فان الدوران بين كون الخاص مخصصا وكون العام ناسخا (قوله: غير محكوم) فانه لازم التخصيص (قوله: محكوما به) يعني بحكم العام فانه مقتضى كون العام ناسخا للخاص (قوله: دليله) يعني دليل العام

٥٤٤

المقصد الخامس في المطلق والمقيد والمجمل والمبين

فصل عرف المطلق بانه ما دل على شايع في جنسه وقد أشكل عليه بعض الاعلام بعدم الاطراد أو الانعكاس واطال الكلام في النقض والابرام وقد نبهنا في غير مقام على ان مثله شرح الاسم وهو مما يجوز ان لا يكون بمطرد ولا بمنعكس فالاولى الاعراض عن ذلك ببيان ما وضع له بعض الالفاظ التى يطلق عليها المطلق أو من غيرها مما يناسب المقام (فمنها) اسم الجنس كانسان ورجل وفرس وحيوان وسواد وبياض... إلى غير ذلك من اسماء الكليات من الجواهر والاعراض بل العرضيات ولا ريب انها موضوعة لمفاهيمها بما هي هي مبهمة مهملة بلا شرط اصلا ملحوظا معها

______________________________

فصل في المطلق والمقيد

(قوله: وقد نبهنا في) لكن عرفت الاشكال فيه (قوله: بل العرضيات) مثل الاسود والابيض (قوله: ولا ريب انها موضوعة) قد أشرنا سابقا إلى بعض اعتبارات الماهية ولا بأس بالاشارة هنا إلى ذلك شرحا لكلام المصنف (ره) (فنقول): الماهية (تارة) تلحظ بذاتها لا مع شئ زائد عليها (وأخرى) تلحظ مع شئ زائد عليها (والثاني) على نحوين لان ذلك الشئ قد يكون أجنبيا عن سنخ الماهية بالمرة وقد يكون من سنخها والاول إما أن يكون وجودا وإما أن يكون عدما فان لوحظت الماهية على النحو الاول منهما سميت الماهية " بشرط شئ " وان لوحظت على النحو الثاني سميت الماهية (بشرط لا شئ) وكلاهما نوعان من المقيدة وان كان من سنخ الماهية فان كان هو الشياع بنحو الاستيعاب فالماهية السارية وإن كان بنحو البدلية فالماهية على البدل والعام البدلي وإن لم يلحظ معها شئ فان لوحظت تفصيلا بحدودها الخاصة بها التي لا تحوي الا ذاتها فالماهية

٥٤٥

حتى لحاظ انها كذلك (وبالجملة) الموضوع له اسم الجنس هو نفس المعنى وصرف المفهوم غير الملحوظ معه شئ اصلا الذي هو المعنى بشرط شئ ولو كان ذاك الشئ هو الارسال والعموم البدلي ولا الملحوظ معه عدم لحاظ شئ معه الذي هو الماهية اللا بشرط القسمي وذلك لوضوح صدقها بما لها من المعنى بلا عناية التجريد

______________________________

اللا بشرط القسمي والماهية بنحو صرف الوجود وهذا القسم مع ما قبله من القسمين نوعان للماهية المطلقة وان لوحظت مجملة من حيث الاطلاق والتقييد بما ذكر فهي الماهية المهملة والمبهمة واللا بشرط المقسمي وهذه هي الجامع بين بقية الانواع المذكورة والمنسوب للمشهور أن اسم الجنس موضوع للماهية المطلقة الجامعة بين الماهية السارية والماهية البدلية وبين صرف الوجود كما يظهر من ملاحظة بنائهم على كونه حقيقة في كل منها ومجازا في المقيدة والمنسوب للسلطان وغيره ولا سيما من تأخر عنه أنه موضوع للماهية اللا بشرط المقسمي واليه ذهب المصنف (ره) (قوله: حتى لحاظ أنها) كما هو مأخوذ في اللا بشرط القسمي (قوله: الذي هو المعنى) بيان للملحوظ لا لغير (قوله: هو الارسال) المأخوذ في الماهية المرسلة (قوله: والعموم البدلي) المأخوذ في الماهية على البدل، (قوله: الذي هو الماهية) بيان للملحوظ وسبقه إلى هذا في التقريرات حيث جعل الفارق بين اللا بشرط القسمي والمقسمي أن الاولى هي الماهية التي لم يلحظ معها شئ مقيدة بلحاظ أنها لم يلحظ معها شئ والثانية خالية من هذا القيد لكن الظاهر أنه خلاف مصطلحهم فانه ما أشرنا إليه من أن الاولى ما لوحظت تفصيلا خالية عن قيدي الوجود والعدم فتصلح للانطباق على كل منهما، والثانية ما لوحظت مهملة من حيث قيدي الوجود والعدم فلا تصلح للانطباق على ما هو واجد للقيد ولا على ما هو واجد لعدمه فراجع (قوله: لوضوح صدقها) يعني على فرد من الافراد ولعل ترك ذلك لوضوحه واكتفاء بقوله - فيما يأتي -: على فرد من الافراد، المتعلق بقوله: عدم صدق... الخ. ثم إنك عرفت امتناع صدق المهملة المبهمة على شئ لان الصدق يتوقف على اتحاد المحمول بما له من الصورة مع

٥٤٦

عما هو قضية الاشتراط والتقييد فيها كما لا يخفى مع بداهة عدم صدق المفهوم بشرط العموم على فرد من الافراد وان كان يعم كل واحد منها بدلا أو استيعابا وكذا المفهوم اللا بشرط القسمي فانه كلي عقلي لا موطن له الا الذهن لا يكاد يمكن صدقه وانطباقه عليها بداهة ان مناطه الاتحاد بحسب الوجود خارجا فكيف يمكن ان يتحد معها ما لا وجود له الا ذهنا " ومنها " علم الجنس كاسامة والمشهور بين أهل العربية انه موضوع للطبيعة لا بما هي هي بل بما هي متعينة بالتعيين الذهني ولذا يعامل معه معاملة المعرفة بدون أداة التعريف لكن التحقيق انه موضوع لصرف المعنى بلا لحاظ شئ معه اصلا كاسم الجنس والتعريف فيه لفظي كما هو الحال في التأنيث اللفظي وإلا لما صح حمله على الافراد بلا تصرف وتأويل

______________________________

*

ما في الخارج ومع إهمال المحمول وإبهامه لا يمكن فرض الاتحاد فالمقصود من صدقها على الفرد أنه يمكن أن يلحظ المعنى بنحو يصح صدقه بأن تطابق صورته ما في الخارج فحاصل الاستدلال أنه لو كان اللفظ موضوعا للمعنى المأخوذ فيه قيد السريان أو العموم البدلى امتنع حمله على الفرد الا بتجريد معناه عن القيد المذكور الموجب للتجوز فيه مع انه يصح حمله بلا عناية التجريد (قوله: عما هو) متعلق بالتجريد (قوله: وكذا المفهوم) معطوف على قوله: عدم صدق... الخ (قوله: فانه كلي عقلي) يعني معقول ثانوي وموجود ذهني لاخذ لحاظ التجرد فيه قيدا حسبما ذكر. ومن هنا يمتنع انطباقه على الموجود الخارجي لاختلاف صقعي الوجود المانع من الاتحاد الذي هو شرط الحمل - كما تقدم - فقوله: كلي عقلي، لا يخلو من مسامحة إذ الكلي العقلي في اصطلاحهم ما يقابل الكلي المنطقي والكلي الطبيعي لا مطلق الامر الذهني وقد تقدم منه نظير ذلك في مبحث المشتق وأما بناء على ما ذكرنا من عدم أخذ القيد المذكور في اللا بشرط القسمي فالمانع من القول بالوضع له لزوم التجوز في استعماله في غيره من الاعتبارات وهو خلاف المرتكز في أذهان أهل العرف. ثم إن هذا المانع بعينه مانع من

٥٤٧

لانه - على المشهور - كلي عقلي وقد عرفت أنه لا يكاد يصح صدقه عليها مع صحة حمله عليها بدون ذلك كما لا يخفى ضرورة ان التصرف في المحمول بارادة نفس المعنى بدون قيده تعسف لا يكاد يكون بناء القضايا المتعارفة عليه مع ان وضعه لخصوص معنى يحتاج إلى تجريده عن خصوصيته عند الاستعمال

______________________________

الوضع للماهية المهملة بالمعنى المتقدم لاقتضائه التجوز ايضا لو استعمل في غيره من الاعتبارات فلا بد من المصير إلى أن الماهية ملحوظة في مقام وضع اللفظ لها بنحو اجمالي ولو بعنوان الجامع بين جميع الاعتبارات فيجعل لها اللفظ بما أنها سارية في جميع تلك الاعتبارات من دون اختصاص باعتبار دون اعتبار ولحاظ دون لحاظ فتأمل جيدا (قوله: لانه على المشهور كلي عقلي) فيه مسامحة كما تقدم. ثم إن حمل كلام المشهور من أهل العربية على ما ذكر من أخذ اللحاظ الذهني قيدا فيما وضع له علم الجنس الموجب لكونه من المعقولات الثانوية والموجودات الذهنية غير مناسب لحسن الظن بهم ولا سيما وفيهم من أساطين هذا الفن وغيره من الفنون العقلية فالظاهر أن مرادهم من التعين الذهني في كلامهم كون المعنى له مطابق في الذهن فالموضوع له اللفظ نفس المعنى المقيد بكونه ذا مطابق ذهني موجب له نحوا من التعين نظير التعين الحاصل للمعهود الذكري والخارجي غاية الامر أن منشأ حضور المطابق الذهني (تارة) يكون تقدم ذكره (وأخرى) حضوره الخارجي (وثالثة) غير ذلك فاسامة - مثلا - موضوع لنفس الاسد بشرط أن يكون له نحو من التعين الحاصل من حضوره في ذهن السامع قبل الكلام وكذا الحال في المعرف بلام الجنس فانه من قبيل علم الجنس وانما الفرق بينهما في أن التعين المذكور مدلول عليه بنفس اللفظ في علم الجنس وباللام في المعرف بلام الجنس وكذا الحال في المعرف بلام العهد الذهني فانه مثل المعرف بلام الجنس والفرق بينهما في أن مدلول الاول الفرد المنتشر ومدلول الثاني نفس الجنس فليس معنى أخذ الحضور الذهني قيدا في معناه أنه موضوع للمعنى الموجود في الذهن بل

٥٤٨

موضوع لنفس المعنى الذي له مطابق في الذهن وان كان كلامهم ربما يوهم الاول. قال ابن الحاجب: أعلام الجنس وضعت أعلاما للحقائق المتعينة كما أشير باللام في نحو: (اشتر اللحم) إلى الحقيقة الذهنية وكل واحد من هذه الاعلام موضوع لحقيقة في الذهن متحدة فهو ايضا غير متناول غيرها وضعا وإذا اطلق على فرد من الافراد الخارجية نحو: هذا أسامة مقبلا، فليس ذلك بالوضع بل لمطابقة الحقيقة الذهنية لكل فرد خارجي مطابقة كل كلي عقلي لجزئياته الخارجية نحو قولهم: الانسان حيوان ناطق، وقال ايضا: إن الحقيقة الذهنية والفرد الخارجي كالمتواطئين انتهى. فان قوله: حقيقة ذهنية وكلي عقلي، وان كان يوهم ذلك إلا أن ملاحظة خصوصيات عبارته تشهد بارادة الطبيعة من الكلي العقلي في قبال الافراد وبالحقيقة الذهنية ما ذكرنا لا ما ذكر المصنف (ره) ولاجل أن الشيخ نجم الائمة (ره) فهم ما ذكرنا اختار كون تعريف علم الجنس ولام التعريف في جميع أقسامها عدا المعهود الخارجي لفظيا كما ذكر المصنف (ره) من جهة أن الحضور الذهني مما يمتنع أن يستفاد من اللام فان كل لفظ يدل على معنى حاضر في ذهن السامع " قال " - بعد أن رسم المعرفة بما أشير به إلى خارج -: وإنما قلنا: إلى خارج، لان كل اسم فهو موضوع للدلالة على ما سبق علم المخاطب بكون ذلك الاسم دالا عليه ومن ثم لا يحسن أن يخاطب بلسان من الالسنة إلا من سبق معرفته بذلك اللسان فعلى هذا كل كلمة اشارة إلى ما ثبت في ذهن المخاطب أن ذلك اللفظ موضوع له فلو لم يقل: إلى خارج، لدخل في الحد جميع الاسماء معارفها ونكراتها فتبين مما ذكرنا أن قول المصنف: في قولك: اشرب الماء واشتر اللحم وقوله تعالى: أن يأكله الذئب، اشارة إلى ما في ذهن المخاطب من ماهية الماء واللحم والذئب ليس بشئ لان هذه الفائدة يقوم بها نفس الاسم المجرد عن اللام فالحق أن تعريف اللام في مثله لفظي كما أن العلمية في مثل أسامة لفظي كما سيجيئ في الاعلام انتهى، وقال في مبحث العلم: إذا كان لنا تأنيث لفظي كغرفة وبشرى وصحراء ونسبة لفظية نحو كرسي فلا بأس أن يكون لنا تعريف لفظي

٥٤٩

إما باللام - كما ذكرنا قبل - وإما بالعلمية كما في اسامة.. الخ والمصنف (ره) وافقه في كون التعريف لفظيا ولم يوافقه في وجهه والظاهر ان كلا الوجهين غير تام أما وجه المصنف (ره) فلما عرفت من ابتنائه على كون التعريف الحقيقي في هذه المقامات عبارة عن الوجود الذهني وليس كذلك وأما وجه الرضي (ره) فلابتنائه على كون التعريف الحقيقي في هذه الموارد يراد به الاشارة إلى معنى حاضر في ذهن السامع وان من المعلوم عدم كفاية ذلك في التعريف إذ جميع الالفاظ حتى النكرات حاكية عن معنى حاضر في ذهن السامع وهو كما ترى إذ النكرات حاكية عن المفاهيم التي لها مطابق في الذهن لا بما انها كذلك والمعارف المذكورة حاكية عنها بما انها لها مطابق في الذهن والفرق بين المعنيين ظاهر وقد عثرت - بعد ما ذكرت ذلك - على كلام للسيد الشريف في حاشيته على المطول يشهد بما ذكرنا وقد استشهد هو بما نقله عن الزمخشري وابن الحاجب والسكاكي وغيرهم قال في اثنائه: إذا استقرأت كلامهم وتحققت محصوله استوثقت بما ذكرنا انتهى. ثم إن الاعلام الجنسية وان لم تكن مستعملة في عرفنا الحالي لنرجع إليه في تمييز معناها وانه أخذ فيها قيد الحضور أم لا إلا أن تتبع موارد استعمالها في كلام العرب كاف في معرفة ذلك فانهم يستعملونها في مقام المعرف فيقولون: أسامه أشجع من الثعلب، كما يقولون: الاسد أشجع من الثعلب، وبذلك افترقت عن اسم الجنس في بعض الاحكام من منعها عن الصرف وعدم دخول اللام عليها وغير ذلك ثم إن صاحب الفصول لما فهم من المشهور ما فهمه المصنف (ره) من كلامهم استشكله بان ذلك يوجب تصرفا في الالفاظ وأنه تعسف فبنى على أن المعرف بلام الجنس وعلم الجنس موضوعان لما وضع له اسم الجنس بما انه متعين بالتعين الجنسي فان كل جنس في نفسه متعين ممتاز عن غيره فوضع علم الجنس له بقيد هذا التعين ووضع اسم الجنس لا مع هذا القيد فإذا أدخلت عليه اللام كانت للدلالة على هذا التعين فلا فرق بين علم الجنس والمعرف بلام الجنس من حيث المعنى وإنما الفرق ان الدلالة على التعين الجنسي بجوهر اللفظ في الاول

٥٥٠

لا يكاد يصدر عن جاهل فضلا عن الواضع الحكيم " ومنها " المفرد المعرف باللام والمشهور أنه على أقسام المعرف بلام الجنس أو الاستغراق أو العهد باقسامه على نحو الاشتراك بينها لفظا أو معنى والظاهر ان الخصوصية في كل واحد من الاقسام من قبل خصوص اللام أو من قبل قرائن المقام من باب تعدد الدال والمدلول لا باستعمال المدخول ليلزم فيه المجاز أو الاستراك فكان المدخول على كل حال مستعملا فيما يستعمل فيه غير المدخول والمعروف ان اللام تكون موضوعة للتعريف ومقيدة للتعيين في غير العهد الذهني وأنت خبير بانه لا تعيين في تعريف الجنس الا الاشارة إلى المعنى المتميز بنفسه من بين المعاني ذهنا ولازمه ان لا يصح حمل المعرف باللام بما هو معرف على الافراد لما عرفت من امتناع الاتحاد مع ما لا موطن له الا الذهن الا بالتجريد ومعه لا فائدة في التقييد مع ان التأويل والتصرف في القضايا المتداولة في العرف غير خال عن التعسف. هذا

______________________________

*

وباللام في الثاني وهو - كما ترى - بعيد عن الاذهان العرفية جدا (قوله: لا يكاد يصدر) وكأنه للزوم اللغوية لكنه لا يتم مع إمكان استعماله فيه فضلا عن وقوعه ولو نادرا (قوله: باقسامه) وهي العهد الذهني المشار به إلى فرد ما بقيد الحضور الذهني كما عرفت مثل ادخل السوق، والذكري المشار به إلى فرد متقدم في الذكر نحو قوله تعالى: وارسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول والخارجي المشار به إلى فرد متعين حاضر عند المخاطب خارجا وذهنا نحو اغلق الباب (قوله: الاشتراك بينها لفظا) بدعوى تعدد الوضع بتعدد الخصوصيات (قوله: أو معنى) بأن يكون الوضع للعهد الحاصل من أحد الاسباب المذكورة ويكون فهم الخصوصيات مستندا إلى القرينة (قوله: من قبل خصوص) ذلك على تقدير الاشتراك اللفظي (قوله: أو من قبل) بناء على الاشتراك المعنوي فتأمل (قوله: من باب تعدد) بأن يكون المدخول دالا على نفس المعنى واللام أو القرينة دالة على الخصوصية (قوله: في غير العهد الذهني) بل وفيه أيضا كما عرفت (قوله: ولازمه أن) قد عرفت ما فيه (قوله: عن التعسف) لبعده

٥٥١

مضافا إلى ان الوضع لما لا حاجة إليه بل لا بد من التجريد عنه وإلغائه في الاستعمالات المتعارفة المشتملة على حمل المعرف باللام أو الحمل عليه كان لغوا كما اشرنا إليه فالظاهر أن اللام مطلقا تكون للتزيين كما في الحسن والحسين واستفادة الخصوصيات انما تكون بالقرائن التي لابد منها لتعيينها على كل حال ولو قيل بافادة اللام للاشارة إلى المعنى ومع الدلالة عليه بتلك الخصوصيات لا حاجة الى تلك الاشارة لو لم تكن مخلة وقد عرفت إخلالها فتأمل جيدا وأما دلالة الجمع المعرف باللام على العموم مع عدم دلالة المدخول عليه فلا دلالة فيها على انها تكون لاجل دلالة اللام على التعيين حيث لا تعين الا للمرتبة المستغرقة لجميع الافراد وذلك لتعين المرتبة الاخرى وهي اقل مراتب الجمع كما لا يخفى فلا بد ان يكون دلالته عليه مستندة إلى وضعه كذلك لذلك لا إلى دلالة اللام على الاشارة إلى المعين ليكون به التعريف وإن أبيت إلا عن استناد الدلالة عليه إليه فلا محيص عن دلالته على الاستغراق بلا توسيط الدلالة على التعيين فلا يكون بسببه تعريف الا لفظا فتأمل جيدا (ومنها) النكرة مثل (رجل) في وجاء رجل من أقصى المدينة، أو في جئني برجل، ولا اشكال أن المفهوم منها في الاول - ولو بنحو تعدد الدال والمدلول - هو الفرد المعين في الواقع المجهول عند المخاطب المحتمل الانطباق على غير واحد من افراد الرجل كما انه في الثاني هي الطبيعة المأخوذة مع قيد الوحدة فيكون حصة من الرجل ويكون كليا ينطبق على كثيرين

______________________________

*

عن مذاق العرف (قوله: مضافا إلى) لم يظهر المراد به زائدا على ما أفاده بقوله: ومعه لا فائدة... الخ (قوله: للتزيين) هو خلاف المرتكز منه عرفا (قوله: ولو قيل) لو وصلية للاحتياج إلى القرائن على جميع الاقوال (قوله: عرفت إخلالها) لامتناع الحمل معها إلا بالتجريد (قوله: حيث لا تعين الا للمرتبة) المراد من تعين تلك المرتبة التعين المصحح للحمل على موضوعه إذ أفراد الجنس لما كان لها بتمامها نحو من التعين الذهني ولم يكن لبعضها تعين آخر زائد على ذلك التعين من تقدم ذكر أو حضور أو نحو ذلك موجب

٥٥٢

لا فردا مرددا بين الافراد وبالجملة النكرة (أي ما بالحمل الشايع يكون نكرة عندهم) إما هو فرد معين في الواقع غير معين للمخاطب أو حصة كلية لا الفرد المردد بين الافراد وذلك لبداهة كون لفظ (رجل) في (جئني برجل) نكرة مع أنه يصدق على كل من يجيئ به من الافراد ولا يكاد يكون واحد منها هذا أو غيره كما هو قضية الفرد المردد لو كان هو المراد منها ضرورة ان كل واحد هو هو لا هو أو غيره فلابد ان تكون النكرة الواقعة في متعلق الامر هو الطبيعي المقيد بمثل مفهوم الوحدة فيكون كليا قابلا للانطباق فتأمل جيدا إذا عرفت ذلك فالظاهر صحة اطلاق المطلق عندهم حقيقة

______________________________

لتعيينه من بين الافراد فحمل الكلام على البعض واخراج البعض ترجيح بلا مرجح فلا بد من الحمل على الجميع لتساوي الافراد في ذلك النحو من التعين وليس المراد من التعين أن لا مرتبة فوق الجميع ليصح النقض باقل مراتب الجمع حيث لا مرتبة دونها فتعين تمام الافراد من قبيل تعين الجنس لا من قبيل آخر ومن هنا يظهر انه لا بأس بدعوى كون الدلالة على الاستغراق من قبل التعين المستفاد من اللام ولا وجه لقوله: فلا بد أن تكون دلالته... الخ كما يظهر ايضا المنع من قوله: فلا محيص عن دلالته... الخ حيث لا ملزم بما ذكر مع احتمال ما ذكرنا فضلا عن كونه الظاهر (قوله: لا فردا مرددا) وان اشتهر أن مفاد النكرة الفرد المردد (قوله: أي ما بالحمل) كرجل في المثالين لا لفظ نكرة (قوله: المقيد بمثل مفهوم الوحدة) لا يخفى أنه إذا أخذ مفهوم الوحدة قيدا للماهية صارت - كسائر المقيدات مثل الرجل العالم العادل - كليا طبيعيا صادقا على القليل والكثير بنحو واحد نظير الحيوان الناطق الصالح للانطباق على جميع الافراد انطباقا عرضيا وليس هذا من معنى النكرة في شئ فالمراد بلفظ الوحدة المأخوذة قيدا في معنى النكرة الاشارة إلى كم التشخص فيكون مفهوم النكرة الماهية التي لا تصلح للانطباق إلا على واحد من الافراد على البدل بحيث يرى مفهوما كأنه

٥٥٣

على اسم الجنس والنكرة بالمعنى الثاني كما يصح لغة وغير بعيد ان يكون جريهم في هذا الاطلاق على وفق اللغة من دون ان يكون لهم فيه اصطلاح على خلافها كما لا يخفى. نعم لو صح ما نسب إلى المشهور من كون المطلق عندهم موضوعا لما قيد بالارسال والشمول البدلي لما كان ما اريد منه الجنس أو الحصة عندهم بمطلق الا ان الكلام في صدق النسبة. ولا يخفى ان المطلق

______________________________

ثوب لا يلبسه فرد الا ويعرو عنه بقية الافراد والظاهر أن هذا هو المراد من قولهم: النكرة موضوعة للفرد المردد فتأمل جيدا (قوله: على اسم الجنس) إذا كان اسم الجنس موضوعا للماهية المبهمة المهملة كيف يصح اطلاق المطلق عليه ؟ والمفهوم من المطلق ما يقابل المقيد والمبهم الا ان يلاحظ فيه الاطلاق بنحو الاستيعاب أو العموم البدلي أو غيرهما من انواع الاطلاق التي تأتي الاشارة إليها وكذا الحال في النكرة فانها وان كانت لبا لا تخلو عن تقييد ما للمهية إلا أن المتفاهم من المقيد ما يقيد بأمر أجنبي عنه مثل الرقبة المؤمنة والرجل العالم ولذا لا تكون الطبيعة السارية من المقيد فالنكرة ان لوحظ فيها الاطلاق سميت مطلقة وان قيدت بما هو أجنبي عن الماهية سميت مقيدة مثل جئني برجل عالم، والا فمبهمة مهملة فكل واحد من اسم الجنس والنكرة معروض للاطلاق تارة وللتقييد اخرى وليس في نفسه مطلقا ولا مقيدا ومنه يظهر الاشكال في قوله: وغير بعيد، (قوله: نعم لو صح ما نسب إلى) لم أجد هذا الخلاف مصرحا به في كلام وإنما المذكور الخلاف في معنى اسم الجنس والمنسوب إلى المشهور أنه موضوع للماهية المطلقة والى السلطان (ره) وجماعة انه موضوع للطبيعة المهملة. نعم اختلف في تعريف المطلق فالمشهور تعريفه بأنه مادل على شائع في جنسه وعرفه الشهيد (ره) بأنه اللفظ الدال على الماهية من حيث هي هي وعرفه غيره بغير ذلك وليس ذلك اختلافا في مفهوم المطلق ومعناه بل هو اختلاف في الطريق إلى المعنى مع كون المعنى محفوظا بلا اختلاف فيه والظاهر من ملاحظة كلامهم ان المطلق عندهم يقابل المقيد والمبهم كما ذكرنا (قوله: أو الحصة) اشارة إلى النكرة (قوله: إلا أن الكلام)

٥٥٤

بهذا المعنى لطروء القيد غير قابل فان ماله من الخصوصية ينافيه ويعانده بل وهذا بخلافه بالمعنيين فان كلا منهما له قابل لعدم انثلامهما بسببه اصلا كما لا يخفى وعليه لا يستلزم التقييد تجوزا في المطلق لامكان ارادة معنى لفظه منه وارادة قيده من قرينة حال أو مقال وانما استلزمه لو كان بذاك المعنى. نعم لو أريد من لفظه المعنى المقيد كان مجازا مطلقا كان التقييد بمتصل أو منفصل

فصل

(قد ظهر لك انه لا دلالة لمثل رجل الا على الماهية المبهمة وضعا)

وان الشياع والسريان كسائر الطوارئ يكون خارجا عما وضع له فلا بد في الدلالة عليه من قرينة حال أو مقال أو حكمة وهي تتوقف على مقدمات (إحداها) كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد لا الاهمال أو الاجمال (ثانيهما) انتفاء ما يوجب التعيين (ثالثها) انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب ولو كان المتيقن بملاحظة

______________________________

*

قد عرفت تحقيق الحال (قوله: بهذا المعنى) يعني المنسوب إلى المشهور (قوله: غير قابل) يعني مع بقائه على اطلاقه بل لا بد من التصرف فيه وكأنه يريد من المطلق ما هو بالحمل الشايع مطلق (قوله: بخلافه بالمعنيين) يعني معنيي اسم الجنس والنكرة (قوله: قابل) لما عرفت من صلاحية ملاحظتهما مهملين ومطلقين (قوله: في المطلق) يعني ما هو بالحمل الشايع مطلق كاسم الجنس والنكرة وكأن العبارة لا تخلو من اضطراب والله سبحانه اعلم (قوله: وهي تتوقف) يعني قرينة الحكمة (قوله: لا الاهمال) يعني لا في مقام بيان المراد في الجملة مثل ان يكون في بيان سنخ موضوع الحكم كما إذا قال الطبيب للمريض: انك محتاج إلى شرب الدواء في أيام الربيع، فانه ليس في مقام بيان تمام مراده بل في مقابل بيان سنخ مراده في قبال ما سواه (قوله: ما يوجب التعيين) وهو القرينة (قوله: انتفاء القدر المتيقن في مقام) يعني أن

٥٥٥

الخارج عن ذاك المقام في البين فانه غير مؤثر في رفع الاخلال بالغرض لو كان بصدد البيان كما هو الفرض فانه فيما تحققت لو لم يرد الشياع لاخل بغرضه حيث انه لم ينبه مع أنه بصدده وبدونها لا يكاد يكون هناك اخلال به حيث لم يكن مع انتفاء الاولى إلا في مقام الاهمال أو الاجمال. ومع انتفاء الثانية كان البيان بالقرينة ومع انتفاء

______________________________

لا يكون فرد أو أفراد يتيقن ثبوت الحكم لها بالنظر إلى مقام التخاطب بحيث يكون نفس الكلام ولو بلحاظ ما يكتنفه من الخصوصيات اللفظية والحالية موجبا لليقين بثبوت الحكم لتلك الافراد واما لو كان اليقين بثبوت الحكم لبعض الافراد مستندا إلى ما هو خارج عن الخطاب لم يقدح في الاطلاق إذ لو كان المراد الواقعي هو المقيد المنحصر بتلك الافراد لم يكن مبينا بالخطاب كما هو المفروض فإذا أحرز انه في مقام بيان مراده بالخطاب لابد أن يكون مراده المطلق (قوله: بصدد البيان) يعني بالخطاب (قوله: فانه فيما تحققت) ضمير ان راجع إلى المتكلم وضمير الفعل راجع إلى المقدمات يعني انه يجب الحكم بالاطلاق عند اجتماع المقدمات المذكورة إذ لو كان مراد المتكلم هو المقيد لم يكن مبينا بالخطاب فيكون اخلالا بالغرض وهو مستحيل فلا بد ان يكون المراد هو المطلق إذ لا ثالث لهما (فان قلت): الاطلاق إذا كان جهة زائدة على نفس المعنى وصرف المفهوم الموضوع له اللفظ امتنع ان يدل عليه فعلى أي شئ يعول المتكلم في بيانه (قلت): يعول على عدم ذكر القيد فانه طريق عقلائي إلى ارادة الاطلاق وبذلك افترق عن القيد فانه لما كان اجنبيا عن ذات المقيد لم يكن عدم ذكره طريقا إلى ارادته بل ينحصر الطريق إليه في ذكره (فان قلت): إذا كان ترك القيد طريقا إلى الاطلاق فما وجه الحاجة إلى المقدمة الاولى بل كان اللازم الحمل على الاطلاق وان لم يكن المتكلم في مقام البيان (قلت): إنما يعول العقلاء عليه بيانا على الاطلاق حيث يكون المتكلم في مقام البيان لا مطلقا (قوله: حيث لم يكن) بيان لوجه الحاجة إلى المقدمة الاولى وقد عرفت تحقيقه (قوله: كان البيان) كان الاولى ان

٥٥٦

الثالثة لا إخلال بالغرض لو كان المتيقن تمام مراده فان الفرض انه بصدد بيان تمامه وقد بينه لا بصدد بيان انه تمامه كي اخل ببيانه فافهم(١)

______________________________

يقول بدله: كان المقيد هو المبين فيحكم بانه المراد (قوله: لا إخلال بالغرض لو كان) يعني تارة يحرز أن المتكلم في مقام بيان تمام مراده واخرى يحرز أنه في مقام بيان تمام مراده وبيان انه تمام مراده فان أحرز أن المتكلم في المقام الاول كان وجود القدر المتيقن مانعا من الاطلاق لان المقدار المتيقن إذا كان تمام مراده فهو مبين فلا مقتضي للحمل على الاطلاق وإذا أحرز أنه في المقام الثاني فوجود القدر المتيقن غير مانع عن الحكم بالاطلاق لان اليقين بوجوده ليس بيانا لكونه تمام المراد فلا بد ان يكون تمام المراد هو الطبيعة المطلقة. هذا ويمكن أن يقال: إذا كان اليقين بوجوده بيانا لتمام المراد فلا بد أن يدل بالالتزام على أنه تمام المراد فيكون بيانه بيانا لتمام المراد واليه اشار بقوله: فافهم، كما ذكر في الحاشية ثم إن المصنف (ره) ثلث المقدمات مع إمكان دعوى غناء احدى المقدمتين الاخيرتين عن الاخرى أما غناء أولاهما عن الثانية فلان ما يوجب القدر المتيقن لا بد أن يكون مما يصلح للقرينية فوجوده مانع من احراز عدم القرينة فاعتبار عدم القرينة مغن عن اعتبار عدمه (فان قلت): وجوده وإن كان موجبا للشك في القرينة الا ان أصالة عدم القرينة محكمة ويحرز بها عدمها (قلت): لا مجال لجريان اصالة عدم القرينة عند الشك في قرينية الموجود وإنما تجري عند الشك في وجود أصل القرينة ومن هنا كان المشهور الاكتفاء بالمقدمتين الاولتين لا غير وأما غناء الثانية عن الاولى فلان ما يصلح للقرينية يصدق على ما هو قرينة لان الصلاحية أعم من الفعلية فكما يكون

______________

(١) اشارة إلى انه لو كان بصدد بيان انه تمامه ما اخل ببيانه بعد عدم نصب قرينة على ارادة تمام الافراد فانه بملاحظته يفهم ان المتيقن تمام المراد والا كان عليه نصب القرينة على ارادة تمامها والا قد اخل بغرضه. نعم لا يفهم ذلك إذا لم يكن الا بصدد بيان ان المتيقن مراد ولم يكن بصدد بيان ان غيره مراد أو ليس بمراد قبالا للاجمال أو الاهمال المطلقين. فافهم فانه لا يخلو عن دقة. منه قدس سره (*)

٥٥٧

(ثم) لا يخفى عليك ان المراد بكونه في مقام بيان تمام مراده مجرد بيان ذلك واظهاره وافهامه ولو لم يكن عن جد بل قاعدة وقانونا لتكون حجة فيما لم تكن حجة اقوى على خلافه

______________________________

وجود ما يصلح للقرينية موجبا للقدر المتيقن كذلك وجود القرينة ثم انه استشكل بعض المعاصرين على المصنف (ره) في اعتبار المقدمة الثالثة بأن لازمه سقوط أكثر المطلقات عن الاطلاق لانه إذا شك في التقييد فقد علم بثبوت الحكم للواجد للقيد وشك في ثبوته للفاقد فالواجد دائما يكون قدرا متيقنا نعم لو دار امر القيد بين اعتبار وجوده وعدمه وعدم اعتباره لم يكن قدر متيقن الا أن فرضه نادر جدا (وفيه) أنه ناشئ عن عدم التمييز بين القدر المتيقن من نفس الخطاب وبين المتيقن من غيره إذ الدوران بين اعتبار القيد وعدم اعتباره موجب لليقين لا من الخطاب بل من أمر خارج عنه وهو مما لا يقدح في الاطلاق والله سبحانه أعلم (قوله: ثم لا يخفى عليك أن المراد) اشارة إلى ما في التقريرات لبحث شيخنا الاعظم (ره) من أن نسبة المطلق إلى الدليل المقيد نسبة الاصل إلى الدليل لانه إذا كان الاطلاق مستندا إلى مقدمات الحكمة التي هي كون المتكلم في مقام البيان وعدم القرينة على التقييد فإذا ورد الدليل المقيد فقد دل على انتفاء أحدهما فيرتفع مقتضي الاطلاق من اصله لا أن الدليل المقيد من قبيل المعارض ويترتب على ذلك أنه لو دار الامر بين التقييد والتخصيص كان الاول متعينا لان وجود العام مانع عن ثبوت الاطلاق من أصله وحاصل اشكال المصنف (ره) عليه أن هذا يتم لو كانت المقدمة الاولى كون المتكلم في مقام بيان المراد الجدي أما لو كانت كونه في مقام بيان المراد الاستعمالي ولو لم يكن عن جد فوجود المقيد لا يكشف عن كون المتكلم في غير مقام البيان لعدم التنافي لامكان مخالفة المراد الاستعمالي للمراد الجدي ودليل المقيد إنما يكشف عن كون المراد الجدي هو التقييد لا المراد الاستعمالي وحينئذ لا يكون العلم بالمقيد موجبا لانتفاء مقتضي الاطلاق وانما يكون معارضا له مانعا عن الاخذ بمقتضاه هذا ولكن يمكن أن يقال: إن المرادات غير الجدية ليست موضوعا

٥٥٨

لا البيان في قاعدة قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة فلا يكون الظفر بالمقيد ولو كان مخالفا كاشفا عن عدم كون المتكلم في مقام البيان ولذا

______________________________

للآثار العقلائية وإنما الموضوع لها خصوص المرادات الجدية وحينئذ فإذا كان ورود المقيد دليلا على كون المتكلم في غير مقام بيان المراد الجدي لا مجال للحكم بالاطلاق ولا بغيره لخروج الكلام عن مورد الابتلاء فالمقدمة التي يتوقف عليها الاطلاق وبها يثبت هي كون المتكلم في مقام بيان المراد الجدي فيتم ما ذكره شيخنا الاعظم (ره) ويكون المقيد دائما واردا على المطلق رافعا لمقتضيه من أصله نعم ترتب الثمرة المذكورة غير ظاهر وتوضيح ذلك انه (تارة) يحرز المقدمتان بالعلم الوجداني الحقيقي وحينئذ يعلم بكون الاطلاق هو المراد الجدي فلو ورد الدليل المقيد وجب التصرف فيه (وأخرى) لا تكونان كذلك بل يكون الطريق اليهما أو إلى احداهما الظهور مثل أصالة كون المتكلم في مقام البيان وأصالة عدم القرينة اللذين هما نوعان من الظهور وحينئذ إذا ورد الدليل المقيد فان كان قطعيا كشف عن انتفاء إحدى المقدمتين ومخالفة أحد الدليلين عليهما للواقع ومنع عن ثبوت مقتضي الاطلاق من أصله وإن كان ظنيا وقع التعارض بينه وبين الطريق إلى المقدمات مثلا إذا ورد: أعتق رقبة، وورد بعده: لا بد أن تكون الرقبة مؤمنة، دار الامر بين رفع اليد عن أصالة الظهور في المقيد مع البناء على إطلاق المطلق وبين رفع اليد عن أصالة كون المتكلم في مقام البيان أو أصالة عدم القرينة وليس أحد الظهورين واردا على الآخر ومقدما عليه طبعا بل هما في مرتبة واحدة فيؤخذ بالاقوى منهما ويترك الاضعف فتكون نسبة المطلق إلى المقيد نسبة العام إلى الخاص ويكون ترجيح الثاني منهما على الاول بمناط ترجيح الاقوى على الاضعف نعم لو كانت حجية اصالة كون المتكلم في مقام البيان أو حجية أصالة عدم القرينة مشروطة بعدم ورود حجة على خلافها ولو كانت خارجة عن مقام التخاطب كان ورود المقيد على المطلق في محله لكنه غير ظاهر الوجه والله سبحانه اعلم (قوله: لا البيان في) حيث أن

٥٥٩

لا ينثلم به اطلاقه وصحة التمسك به اصلا فتأمل جيدا وقد انقدح بما ذكرنا أن النكرة في دلالتها على الشياع والسريان أيضا تحتاج فيما لا يكون هناك دلالة حال أو مقال من مقدمات الحكمة فلا تغفل (بقي شئ) وهو انه لا يبعد ان يكون الاصل فيما إذا شك في كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد هو كونه بصدد بيانه وذلك لما جرت عليه سيرة أهل المحاورات من التمسك بالاطلاقات فيما إذا لم يكن هناك ما يوجب صرف وجهها إلى جهة خاصة ولذا ترى ان المشهور لا يزالون يتمسكون بها مع عدم احراز كون مطلقها بصدد البيان وبعد كونه لاجل ذهابهم إلى انها موضوعة للشياع والسريان وان كان ربما نسب ذلك إليهم ولعل وجه النسبة ملاحظة انه لا وجه للتمسك بها بدون الاحراز والغفلة عن وجهه فتأمل جيدا (ثم) انه قد انقدح بما عرفت من توقف حمل المطلق على الاطلاق فيما لم يكن هناك قرينة حالية أو مقالية على قرينة الحكمة المتوقفة على المقدمات المذكورة انه لا اطلاق له فيما كان له الانصراف

______________________________

*

المراد به بيان المراد الجدي (قوله: لا ينثلم به اطلاقه) هذا لا يدل على خلاف ما اختاره شيخنا الاعظم (ره) لجواز أن لا يكون المتكلم في مقام البيان من جهة وفى مقامه من جهة أخرى فإذا ورد الدليل المقيد كشف عن عدم كون المتكلم في مقام البيان من حيث القيد المذكور وان كان في مقامه من حيث غيره من القيود فيكون مطلقا من ذلك الحيث ويجوز التمسك باطلاقه (قوله: تحتاج فيما) لما عرفت أنها تصلح لكل من الاطلاق والتقييد وليست في نفسها مطلقة ولا مقيدة والظاهر أن قوله: من مقدمات، متعلق بقوله: تحتاج (قوله: لا يبعد أن يكون الاصل) لا ينبغي التأمل فيه وكذا أصالة عدم القرينة. نعم لو شك في قرينية الموجود لم تجر لنفي كونها قرينة كما أشرنا إليه سابقا وتقدم منه في حجية ظهور اللفظ (قوله: كون مطلقها) يعني المتكلم (قوله: وبعد كونه) كيف وهو

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571