حقائق الاصول الجزء ١

حقائق الاصول13%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 571

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 571 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 212032 / تحميل: 5773
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

(أحدها) ان يكون عبارة عن جملة من أجزاء العبادة كالاركان في الصلاة مثلا وكان الزائد عليها معتبرا في المأمور به لا في المسمى (وفيه) ما لا يخفى فان التسمية بها حقيقة لا تدور مدارها ضرورة صدق الصلاة مع الاخلال ببعض الاركان، بل وعدم الصدق عليها مع الاخلال بساير الاجزاء والشرائط عند الاعمي - مع انه يلزم أن يكون الاستعمال فيما هو المأمور به باجزائه وشرائطه مجازا عنده وكان من باب استعمال اللفظ الموضوع للجزء في الكل لا من باب اطلاق الكلي على الفرد والجزئي - كما هو واضح - ولا يلتزم به القائل بالاعم فافهم " ثانيها " ان تكون موضوعة لمعظم الاجزاء التي تدور مدارها التسمية عرفا فصدق الاسم كذلك يكشف عن وجود المسمى وعدم صدقه عن عدمه " وفيه " - مضافا إلى ما أورد على الاول

______________________________

هناك ذات واحدة معروضة للصحة تارة وللفساد أخرى يتبادل عليها الوصفان تبادل العمى والبصر على ذات الحيوان فتكون تلك الذات هي الجامع بين الصحيح والفاسد ومضافا إلى أنه إذا أمكن تصور الجامع الصحيح بالاشارة إليه بمثل: عنوان الناهي عن الفحشاء، أمكن تصور الجامع الاعم بالاشارة إليه بمثل عنوان: ماله اقتضاء التأثير، الاعم من الفعلية الملازمة للصحيح والشأنية الملازمة للاعم، وعليه فلا حاجة إلى هذه التقريرات الآتية (قوله: أحدها ان يكون عبارة عن جملة) هذا التصوير حكاه في التقريرات عن المحقق القمي (ره) بتفاوت يسير فالمراد من الجملة جملة معينة كالاركان مثلا (قوله: لا في المسمى) يعنى لا في الموضوع له (قوله: حقيقة) هذا جار على مذاق صاحب التصوير لا على مذاق المصنف (ره) (قوله: بل وعدم الصدق) كذا استشكل في التقريرات ولكنه غير ظاهر، بل ربما تصح الصلاة حينئذ فضلا عن أن تكون صلاة (قوله: للجزء في الكل) لان اللفظ موضوع - حسب الفرض - لخصوص الاجزاء الركنية فاستعماله في تمام الاجزاء التي هي عين الكل يكون من استعمال لفظ الجزء في الكل (قوله: لا من باب إطلاق) لان الاركان لا تنطبق في الخارج إلا

٦١

أخيرا، أنه عليه يتبادل ما هو المعتبر في المسمى فكان شئ واحد داخلا فيه تارة وخارجا عنه أخرى بل مرددا بين أن يكون هو الخارج أو غيره عند اجتماع تمام الاجزاء وهو كما ترى، لاسيما إذا لوحظ هذا مع ما عليه العبادات من الاختلاف الفاحش بحسب الحالات (ثالثها) ان يكون وضعها كوضع الاعلام الشخصية كزيد

______________________________

على نفس الاجزاء الركنية والاجزاء الباقية مباينة لها في الخارج فيمتنع ان تكون من أجزاء الفرد حتى يكون من إطلاق الكلي على الفرد (فان قلت): هذا يتم لو كان الموضوع له اللفظ نفس الاركان لا غير أعني (بشرط لا) أما إذا اخذت (لا بشرط) بمعنى أن لو انضم إليها شئ كان داخلا في الموضوع له فلا بد من أن يكون المسمى منطبقا على تمام ما يوجد منضما إلى الاركان " قلت ": الاجزاء الزائدة إما أن تكون داخلة أولا، أو داخلة في حال خارجة في أخرى، والاول خلاف المدعى، والثاني موجب لتوجه الاشكال، والثالث موجب لعدم تشخص معنى اللفظ إلا بملاحظة الانضمام وعدمه بل يكون معناه مختلفا باختلاف حالي الانضمام وعدمه فيكون موضوعا لكل من المعنيين في ظرف غير ظرف الوضع للآخر وهو مستغرب وان كان معقولا (قوله: اخيرا) يعني من كون الاستعمال في التمام من استعمال لفظ الجزء في الكل إذا لا ريب ان المعظم بعض التمام (قوله: انه عليه يتبادل) المراد بالمعظم إما مفهومه، أو مصداقه المعين، أو المردد، أو الموجود في الخارج، فعلى الاول يكون لفظ الصلاة مرادفا للفظ المعظم، وعلى الثاني يرجع الاشكال، وعلى الثالث لا ينطبق على الخارج لان كل ما في الخارج معين لا مردد، وعلى الرابع يرد عليه - مضافا إلى ما اورده المصنف (ره) في المتن من لزوم التبادل في الاجزاء بحيث يكون تارة جملة معينة وأخرى جملة غيرها، بل يكون مرددا بين الجمل المتعينة مع اجتماع جميع الاجزاء، انه لا يصح ان يضاف إليه الوجود إذ لا وجود للموجود بما هو موجود فتأمل (قوله: وهو كما ترى) لوضوح فساد ذلك كله (قوله: لا سيما إذا) فانه

٦٢

فكما لا يضر في التسمية فيها تبادل الحالات المختلفة من الصغر والكبر، ونقص بعض الاجزاء وزيادته كذلك فيها (وفيه) ان الاعلام إنما تكون موضوعة للاشخاص والتشخص إنما يكون بالوجود الخاص، ويكون الشخص حقيقة باقيا ما دام وجوده باقيا وان تغيرت عوارضه من الزيادة والنقصان وغيرهما من الحالات والكيفيات، فكما لا يضر اختلافها في التشخص لا يضر اختلافها في التسمية، وهذا بخلاف مثل الفاظ العبادات مما كانت موضوعة للمركبات والمقيدات ولا يكاد يكون موضوعا له الا ما كان جامعا لشتاتها وحاويا لمتفرقاتها كما عرفت في الصحيح منها (رابعها) أن ما وضعت له الالفاظ ابتداء هو الصحيح التام الواجد لتمام الاجزاء والشرائط إلا أن العرف يتسامحون - كما هو ديدنهم - ويطلقون تلك الالفاظ على الفاقد للبعض تنزيلا له منزلة الواجد

______________________________

لا مجال حينئذ لدعوى كون ارتكاز فساد ذلك ناشئا من غلبة الانضباط لا لمخالفته لوضع اللفظ فتأمل (قوله: وفيه أن الاعلام إنما) توضيح الفرق بين الاعلام وما نحن فيه أن الاعلام موضوعة للحصص الخاصة من الطبيعة المتعينة بوجودها الخاص، ولما كانت العوارض الطارئة عليها غير موجبة لتعدد وجودها فانها على اختلافها طارئة على وجود واحد لم يكن اختلافها موجبا لاختلاف معنى اللفظ فهناك معنى واحد قد وضع له اللفظ بلحاظ جميع الحالات من الزيادة والنقصان وغيرها، وأما ألفاظ العبادات فلا يمكن ان يدعى ذلك في معانيها المركبة المقيدة حيث لا تجد مركبا ومقيدا موجودا في ضمن جميع أفرادها الصحيحة وغيرها، لما عرفت من اخلافها بالاجزاء والشرائط على نحو لا يكون بينها اشتراك في جملة من الاجزاء. هذا ولا يبعد أن يكون المراد من هذا التصوير ما ذكرناه في تصوير الجامع، ويكون غرضه التنظير بالاعلام الشخصية فكما أن الزيادة والنقصان الطارئين على معانيها لا توجب اختلافا في معناها بل يكون أمر واحد معروضا للتمام والزيادة والنقصان كذلك الصحة والفساد الطارئان على الماهيات حسبما عرفت

٦٣

فلا يكون مجازا في الكلمة على ما ذهب إليه السكاكي في الاستعارة، بل يمكن دعوى صيرورته حقيقة فيه بعد الاستعمال فيه كذلك دفعة أو دفعات من دون حاجة إلى الكثرة والشهرة، للانس الحاصل من جهة المشابهة في الصورة أو المشاركة في التأثير كما في أسامي المعاجين الموضوعة ابتداء لخصوص مركبات واجدة لاجزاء خاصة حيث يصح اطلاقها على الفاقد لبعض الاجزاء المشابه له صورة والمشارك في المهم أثرا تنزيلا أو حقيقة (وفيه) أنه انما يتم في مثل أسامي المعاجين وسائر المركبات الخارجية مما يكون الموضوع فيها ابتداء مركبا خاصا، ولا يكاد يتم في مثل العبادات التي عرفت أن الصحيح منها يختلف حسب اختلاف الحالات وكون الصحيح بحسب حالة فاسدا بحسب حالة اخرى كما لا يخفى فتأمل جيدا

______________________________

فلاحظ (قوله: فلا يكون مجازا) هذا ذكره في التقريرات، لكنه ليس تصويرا للجامع الاعم بل هو تصوير للجامع الصحيح أجنبي عن قول الاعمي (قوله: بعد الاستعمال فيه كذلك) هذا بظاهره يقتضي الاشتراك اللفظي لا المعنوي الذي بصدده الاعمي إلا أن يكون المقصود الاستعمال في الاعم، لكنه يتوقف على فرض جامع أعم ولو فرض فلا حاجة إلى هذا التصوير ثم قد يستشكل في دعوى الوضع التعيني بالاستعمال على مذهب السكاكي من حيث أن اللفظ لم يستعمل الا في معناه ولم يجعل حاكيا الا عنه فكيف تحدث مناسبة بينه وبين معنى آخر ؟ حتى يكون حقيقة فيه (ويندفع) بالنقض بحصوله من استعمال اللفظ الموضوع للكلي في الفرد لا بقيد الخصوصية، وبالحل بأن عدم التصرف في اللفظ لا يمنع من تحقق المناسبة بينه وبين الفرد المجازي المؤدية إلى انسباقه منه انسباق المعنى الحقيقي فتأمل جيدا (قوله: تنزيلا أو حقيقة) يعني إما مجازا على مذهب السكاكي في أول الامر أو حقيقة بعد تحقق الوضع التعيني هذا وقد عرفت أن هذا أجنبي عن مراد الاعمي (قوله: إنما يتم في مثل أسماء المعاجين) يعني لا يصح قياس المقام بالمعاجين لان المعاجين لصحيحة لها أجزاء معينة وليست كذلك في المقام

٦٤

(خامسها) ان يكون حالها حال أسامي المقادير والاوزان مثل المثقال والحقة والوزنة إلى غير ذلك مما لا شبهة في كونها حقيقة في الزائد والناقص في الجملة، فان الواضع وان لاحظ مقدارا خاصا الا انه لم يضع له بخصوصه بل للاعم منه ومن الزائد والناقص، أو أنه وإن خص به أولا الا أنه بالاستعمال كثيرا فيهما بعناية انهما منه قد صار حقيقة في الاعم ثانيا (وفيه) أن الصحيح كما عرفت في الوجه السابق يختلف زيادة ونقيصة فلا يكون هناك ما يلحظ الزائد والناقص بالقياس إليه كي يوضع

______________________________

لما عرفت من اختلاف أجزاء الصحيح على نحو تكون كل جملة من الاجزاء صلاة صحيحة بحسب حالة فاسدة بحسب حالة أخرى فكيف يصح دعوى الوضع للصحيح أولا ثم استعماله ثانيا في ما يشابهه صورة حتى يبلغ حد الحقيقة، لكن هذا يتم لو أريد التمثيل باسماء المعاجين بلحاظ جميع الخصوصيات (أما) لو أريد التمثيل بلحاظ الوضع للصحيح - ولو بمعنى الجامع - كما تقدم تصويره في كلام المصنف (ره) ثم الاستعمال فيما يماثل الصحيح بحسب الصورة حيث أن الفاسد مماثل للصحيح في الاجزاء والاختلاف في الصحة والفساد إنما كان بلحاظ الاحوال ولا يعتبر في المشابهة المصححة للادعاء والتنزيل أن تكون فيما هو من خواص الماهية بل يكفي كونه من خواص الفرد (فيصح) إطلاق الانسان على صورة زيد لمشابهتها لزيد في الهيئة التي لا تخص الماهية بل تخص الفرد (قوله: مما لا شبهة في) لم يظهر وجهه ان لم يظهر نفي الشبهة في خلافه، فان ظاهر الفقهاء فيما كان المقدار موضوعا للحكم الشرعي كيلا أو وزنا أو مساحة اعتبار التام اعتمادا على كون اللفظ حقيقة فيه مجازا في الناقص فلاحظ كلماتهم في الطهارة والصلاة والزكاة والكفارات وغيرها (قوله: بل للاعم منه ومن) بهذا يظهر الفرق بين هذا التصوير وما قبله فان الوضع في هذا واحد وفيما قبله متعدد كما عرفت (قوله: أو انه وإن خص به) بهذا يرجع إلى ما قبله، ولا يظهر الفرق بينهما فيرد عليه ما أورد عليه (قوله: يختلف زيادة ونقيصة) كان الاولى التعبير بأنه يختلف أجزاء وليس مما يشترك في اجزاء

٦٥

اللفظ لما هو الاعم فتدبر جيدا (ومنها) ان الظاهر ان يكون الوضع والموضوع له في الفاظ العبادات عامين، واحتمال كون الموضوع له خاصا بعيد جدا لاستلزامه كون استعمالها في الجامع في مثل: الصلاة تنهى عن الفحشاء، و: الصلاة معراج المؤمن، وعمود الدين، و: الصوم جنة من النار، مجازا أو منع استعمالها فيه في مثلها وكل منهما بعيد إلى الغاية كما لا يخفى على اولي النهاية (ومنها) ان ثمرة النزاع اجمال الخطاب على القول الصحيحي وعدم جواز الرجوع إلى اطلاقه

______________________________

معينة حتى يلحظ الزائد والناقص بالقياس اليهما، أما الاختلاف بالزيادة والنقيصة فلا يمنع عن ذلك (ثم) إنه ينبغي الا يراد على هذا التصوير بأنه لو فرض اشتراك افراد الصحيح باجزاء معينة فالمراد من الاعم من الزائد والناقص ان كان الجامع الحقيقي فلا بد حينئذ من تصويره أولا ليترتب عليه هذا البيان ولا يكون هذا تصويرا له، وإن كان المفهوم الاعتباري كان لفظ الصلاة حاكيا عن ذلك المفهوم الاعتباري مرادفا للفظه فتأمل جيدا، ومنه يظهر أنه لا مجال في تصوير الجامع لان يقال: الواضع للفظ الصلاة لاحظ أولا الجامع بين أفراد الصحيح ثم وضع اللفظ للاعم منه ومن الفاسد، فانه مخدوش بما تقدم بعينه (قوله: فيه في مثلها) يعني في الجامع في مثل تلك الامثلة المذكورة

*

(قوله: ثمرة النزاع إجمال) يعني أن الثمرة المترتبة على الخلاف في هذه المسألة أنه على القول بالصحيح تكون الخطابات التى يكون موضوعها العبادة كالصلاة مجملة، وعلى القول بالاعم تكون مبينة (ووجه) ذلك ما تقدم من عدم انضباط أجزاء الصحيح لاختلافها بحسب الحالات والخصوصيات، والجامع بينها وان كان متعينا في نفسه إلا أنه غير متعين عندنا، ومع إجمال الموضوع يسقط الخطاب عن الحجية، لان التمسك به فرع العلم بانطباق موضوعه وهو غير حاصل مع إجماله ولا كذلك على القول بالاعم، ويترتب على ذلك أنه لو شك في جزئية شئ أو شرطيته للصلاة الواجبة مثلا تعذر الرجوع إلى اطلاق قوله تعالى: اقيموا الصلاة، لنفي الشك المذكور على القول بالصحيح

٦٦

في رفع ما إذا شك في جزئية شئ للمأمور به أو شرطيته أصلا لاحتمال دخوله في المسمى كما لا يخفى، وجواز الرجوع إليه في ذلك على القول الاعمي في غير ما احتمل دخوله فيه مما شك في جزئيته أو شرطيته. نعم لابد في الرجوع إليه فيما ذكر من كونه واردا مورد البيان كما لا بد منه في الرجوع إلى ساير المطلقات وبدونه لا مرجع ايضا الا البراءة أو الاشتغال على الخلاف في مسألة دوران الامر بين الاقل والاكثر

______________________________

لما عرفت من عدم العلم بانطباق الصلاة على فاقد الجزء مثلا لاحتمال كونه فاسدا فيمتنع تطبيقه بخلاف القول بالاعم فان فاقد مشكوك الجزئية عليه يكون صلاة قطعا، وحينئذ فاطلاق قوله تعالى: اقيموا الصلاة، يقتضي كون الموضوع نفس الصلاة مطلقا لا مقيدا بمشكوك الجزئية فيلغى به احتمال الجزئية (نعم) يتوقف التمسك به على تمامية مقدمات الحكمة التي هي شرط التمسك بالاطلاق في جميع المقامات ومع فقد المقدمات أو بعضها يسقط الدليل عن المرجعية كما يسقط على القول بالصحيح، ويكون المرجع الاصول العملية من البراءة أو الاشتغال (قوله: رفع ما إذا شك) يعني رفع الشك ولعل أصل العبارة ذلك (قوله: للمأمور به) يعني الذي هو نفس العبادة وأما المأمور به المركب من العبادة وغيرها فلا بأس بالرجوع إلى إطلاق الدليل في نفي جزئيته (مثلا) إذا وجب عمل مركب من صوم وصلاة واحتمل اعتبار شي آخر فيه زائد عليهما فاطلاق دليل وجوبه - لو كان - رافع لجزئيته (قوله: لاحتمال) تعليل للاجمال (قوله: إليه في ذلك) يعني إلى الاطلاق في رفع الشك في الجزئية أو الشرطية (قوله: في غير ما احتمل) يعني قد يكون محتمل الجزئية للمأمور به مما يحتمل كونه مقوما للماهية التي هي الاعم، وحينئذ لا يكون الاطلاق رافعا لاحتمال جزئيته لان احتمال كونه مقوما مانع من العلم بانطباق الماهية على فاقده فيمتنع التمسك بالاطلاق كما يمتنع على القول بالصحيح (قوله: فيه) أي في المسمى (قوله: مما شك) بيان لقوله: غير (قوله: وارادا مورد) يعني يكون الكلام صادرا من المتكلم في مقام بيان

٦٧

الارتباطيين، وقد انقدح بذلك أن الرجوع إلى البراءة والاشتغال في موارد إجمال الخطاب أو إهماله على القولين، فلا وجه لجعل الثمرة هو الرجوع إلى البراءة على الاعم والاشتغال على الصحيح، ولذا ذهب المشهور إلى البراءة مع ذهابهم إلى الصحيح، وربما قيل بظهور الثمرة في النذر أيضا (قلت): وإن كان يظهر فيما لو نذر لمن صلى اعطاء درهم

______________________________

تمام الاجزاء والشرائط وهذه إحدى المقدمات التي يتوقف عليها الاطلاق فلا بد من انضمام الباقي إليها ايضا وتخصيصها بالذكر لمزيد الاهتمام (قوله: الارتباطيين) المركب الارتباطي ما لا يمكن التفكيك بين أجزائه في الامتثال (قوله: على القولين) خبر (أن) (قوله: ولذا ذهب) تعليل لقوله: فلا وجه، ثم انه قد يستشكل في الحكم بالاجمال على القول بالصحيح من جهة وجود الاخبار الكثيرة الوافية ببيان تلك الماهيات فيرتفع عنها الاجمال، كما قد يستشكل في الرجوع إلى الاطلاق على القول بالاعم لما دل على امتناع تعلق الوجوب بالفاسد واختصاصه بالصحيح ولا فرق في سقوط الدليل عن المرجعية بين كون المقيد داخلا في نفس المسمى أو داخلا في موضوع الامر فإذا ورد: أكرم العالم، وعلم من الخارج إرادة العادل وشك في اعتبار اجتناب الصغيرة في العدالة لم يجز التمسك بالدليل المذكور (ويندفع) الاول بأن موارد الشك في الجزئية مما لا تدخل تحت عد والتتبع شاهد بذلك - مع أن ذلك لا يمنع من تحقق اجمال الخطاب في نفسه وان كان يندفع بالنظر إلى الاخبار، لكن عليه تكون الثمرة فرضية لا عملية فتأمل (ويندفع) الثاني بأن حكم العقل بأن المأمور به لا بد أن يكون هو الصحيح لا يمنع من التمسك بالاطلاق، بل يكون الاطلاق دالا على أن المطلق هو الصحيح ومنشأ الاشتباه الخلط بين الجهات التقييدية والتعليلية مع وضوح الفرق بينهما فان الاولى تكون قيد الموضوع الاثر الشرعي كالعدالة في المثال المتقدم، والثانية لا تكون كذلك بل تكون داعية إلى تعلق الاثر بالموضوع كمصلحة الفعل التي

٦٨

في البرء فيما لو اعطاه لمن صلى ولو علم بفساد صلاته لاخلاله بما لا يعتبر في الاسم على الاعم وعدم البرء على الصحيح، إلا أنه ليس بثمرة لمثل هذه المسألة، لما عرفت من أن ثمرة المسألة الاصولية هي أن تكون نتيجتها واقعة في طريق استنباط الاحكام الفرعية فافهم (وكيف) كان

______________________________

تكون داعية إلى وجوبه، ولاجل ذلك اختلفت في الاحكام، فالاولى يجب تحصيلها لو كان الاثر الزاميا، والثانية لا يجب تحصيلها، ويكون الشك في الاولى مانعا من التمسك بالاطلاق لانها بحكم نفس الموضوع فكما يكون الشك فيه مانعا عن التمسك به يكون الشك فيها كذلك، ولا يكون الشك في الثانية كذلك بل الاطلاق رافع له، والصحة في المقام من قبيل الثانية لا الاولى إذ منشأ انتزاعها نفس المأمور به واقعا لا أمر زائد عليه حتى تؤخذ قيدا فيه (قوله: في البرء) متعلق بقوله: يظهر (قوله: لاخلاله) متعلق بقوله: فساد (قوله: على الاعم) متعلق بالبرء (قوله، من أن ثمرة) الاولى إسقاط لفظ (ثمرة) فان ثمرة المسألة الاصولية نفس الحكم المستنبط لا وقوع المسألة في طريق استنباطه (قوله: واقعة في طريق) الشك في الحكم الشرعي تارة يكون ناشئا عن عدم الدليل أو اجماله أو تعارض الدليلين، ولابد أن يكون الحكم كليا مثل الشك في حرمة التتن ووجوب الاستعاذة (واخرى) يكون ناشئا من اشتباه الموضوع الخارجي ولا بد أن يكون جزئيا لجزئية موضوعه مثل الشك في حرمة المائع المردد بين الخل والخمر والمسائل الاصولية هي التي تقع في طريق استنباط القسم الاول - كما تقدمت الاشارة إليه في تعريف علم الاصول - أما ما يتوقف على استنباط القسم الثاني فليس من مسائل الاصول، والحكم المشكوك في المثال من قبيل الثاني لان الشك فيه ناشئ عن الشك في كون إعطاء الدرهم للمصلي المذكور، وفاء بالنذر وعدمه، إذ على الاول لا يجب اعطاء شئ على الناذر، وعلى الثاني يجب عليه اعطاء درهم، فما يتوقف عليه استنباط الحكم المذكور ليس من مسائل الاصول وإلا كان البحث عن أكثر

٦٩

فقد استدل للصحيحح بوجوه (أحدها) التبادر ودعوى أن المنسبق إلى الاذهان منها هو الصحيحي، ولا منافاة بين دعوى ذلك وبين كون الالفاظ على هذا القول مجملات فان المنافاة انما تكون فيما إذا لم تكن معانيها على هذا مبينة وقد عرفت كونها مبينة بغير وجه (ثانيها) صحة السلب عن الفاسد بسبب الاخلال ببعض أجزائه أو شرائطه بالمداقة وان صح الاطلاق عليه بالعناية (ثالثها) الاخبار الظاهرة في إثبات بعض الخواص والآثار للمسميات مثل: الصلاة عمود الدين، أو: معراج المؤمن، والصوم جنة من النار، إلى غير ذلك، أو نفي ماهيتها وطبايعها مثل:

______________________________

*

الموضوعات الخارجية من وظائف للاصول فتأمل. نعم وجوب الوفاء بالنذر من الاحكام الكلية فما يتوقف عليه استنباطه يكون من مسائل الاصول (قوله: فقد استدل) القائل بالصحيح في رفاهية عن الاستدلال فانه بعد امتناع الجامع الاعم وتصوير الجامع الصحيح يتعين القول بالصحيح (قوله: أحدها التبادر) دعوى التبادر دعوى وجدانية لا برهانية والانصاف أنه لا يساعدها الوجدان ولا سيما مع إمكان كونه على تقديره ناشئا عن انصراف الذهن إلى الصحيح لكونه موضوع الآثار ومحط الاغراض غالبا بل ما ذكرناه في تصوير الجامع الاعم موجب لحمله على ذلك (قوله: ولا مناقاة) إذ يكفي في التبادر كون المعنى محصلا في الذهن ولو إجمالا (قوله: بغير وجه) يعني أكثر من وجه، والمراد بالوجوه الآثار المتقدم ذكرها المشار بها إليه (قوله: بالمداقة) متعلق بصحة السلب (قوله: الصلاة عمود) تقريب الاستدلال أن الذي هو عمود الدين خصوص الصحيح دون الفاسد فلو كانت موضوعة للاعم لزم التصرف في هذه الالفاظ في هذه المقامات بارادة الخاص من لفظ العام ولو ادعاء وهو خلاف الاصل فيتعين القول بانها موضوعة للصحيح " وفيه " إمكان دعوى كون القضية فيها مهملة لا طبيعية

٧٠

لا صلاة الا بفاتحة الكتاب، ونحوه مما كان ظاهرا في نفي الحقيقة بمجرد فقد ما يعتبر في الصحة شطرا أو شرطا

______________________________

- مضافا إلى ما يأتي منه (ره) في الحاشية على قوله: فافهم (قوله: لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) قد يشكل الاستدلال بهذه الجملة على القول بالصحيح لعدم تمامية ظاهرها سواء أكان المراد بها نفي الحقيقة أم نفي الصحة لصحة الصلاة بدون الفاتحة في كثير من المقامات كما في الجاهل والناسي بل والمأموم على احتمال، وصلاة الاموات لو كانت صلاة حقيقية، بل من ذلك يظهر الاشكال فيها سواء أكان المراد من الصحيح الشخصي أم النوعي إلا أن تكون القضية مهملة أو مطلقة ولكن قيدت في جملة من المقامات وحينئذ يكون اللازم حملها على نفي الحقيقة ولو بالنظر إلى بعض الحالات فيتم الاستدلال بها (قوله: مما كان ظاهرا في نفي الحقيقة) لا ريب في هذا الظهور، لكنه قد يشكل الاستدلال به لتوقفه على إحراز كون نفي الحقيقة حقيقيا لا ادعائيا وإلا لم ينفع في نفي فردية الفاقد، " فان قلت ": اصالة الحقيقة شأنها إحراز كون النفي حقيقيا لا ادعائيا، " قلت ": نعم لكنه مختص بما إذا كان الشك في المراد وأنه المعنى الحقيقي أو الادعائي لا ما إذا علم المعنى وشك في كونه حقيقيا أو ادعائيا فانه مجرى ما اشتهر من أن الاستعمال أعم من الحقيقة، والمقام من الثاني لكون المعلوم أن المراد من الكلام المذكور نفي الحقيقة عن الفاقد وإنما الشك في أنه نفي حقيقي أو ادعائي، وان شئت قلت: الظاهر من أمثال هذا الكلام - بقرينة صدوره من الشارع - كونه في مقام جعل الآثار والاحكام وبيان خروج الفاقد عن كونه موضوعا واختصاص الحكم بالواجد فلا يصلح لاثبات الفردية أو نفيها. نعم لو كانت قرينة على صدوره في مقام شرح الماهية وتمييز أفرادها عن غيرها كان حجة على ذلك - كما هو كذلك - لو كان صادرا من بعض اللغويين - وكذا الحال في الاثبات

٧١

(وإرادة) خصوص الصحيح من الطائفة الاولى ونفي الصحة من الثانية لشيوع استعمال هذا التركيب في نفي مثل الصحة أو الكمال (خلاف الظاهر) لا يصار إليه مع عدم نصب قرينة عليه، واستعمال هذا التركيب في نفي الصفة ممكن المنع حتى في مثل: لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد، مما يعلم أن المراد نفي الكمال بدعوى استعماله في نفي الحقيقة في مثله ايضا بنحو من العناية لا على الحقيقة، وإلا لما دل على المبالغة(١) فافهم (رابعها) دعوى القطع بان طريقة الواضعين وديدنهم وضع الالفاظ للمركبات التامة - كما هو قضية

______________________________

كما في قوله عليه السلام: الفقاع خمر استصغره الناس (قوله: وارادة خصوص) هذا نقض لتقريب الاستدلال المبتني على ظهور الالفاظ في الحقيقة من حيث هي فيكون هذا منعا لذلك الظهور لشهرة الاستعمال في خلافه (قوله: المبالغة فافهم) ذكر في الحاشية أنه اشارة إلى بطلان الاستدلال بالاخبار المثبتة من جهة ما عرفت من أن اصالة الحقيقة إنما تكون حجة في اثبات المراد لا في اثبات كون الاستعمال فيه حقيقة أو مجازا بعد العلم به (قوله: دعوى القطع) عهدة هذه الدعوى على مدعيها كيف وقد عرفت أن التمام والنقصان كالصحة والعيب تطرآن على الماهيات المسماة بكذا فيقال: سرير ناقص وسرير تام، وبيت ناقص وبيت تام، وثوب ناقص وثوب تام، كما يقال: انه صحيح وانه معيب، بلا تصرف ولا عناية فلابد من الالتزام بكون المسميات بهذه الاسماء الاعم من التام والناقص الذي يطرأ عليه النقصان كما يطرأ عليه التمام، وكذا الحال فيما نحن فيه. نعم أسماء المقادير وأسماء الاوزان موضوعة للتمام لانها موضوعة لنفس المحدود

______________

(١) اشارة إلى أن الاخبار المثبتة للآثار وان كانت ظاهرة في ذلك لمكان اصالة الحقيقة ولازم ذلك كون الموضوع للاسماء هو الصحيح ضرورة اختصاص تلك الآثار به إلا انه لا يثبت باصالتها كما لا يخفي لاجرائها العقلاء في اثبات المراد لا في انه على نحو الحقيقة أو المجاز فتأمل جيدا. من الماتن قدس سره (*)

٧٢

الحكمة الداعية إليه - والحاجة وإن دعت أحيانا إلى استعمالها في الناقص أيضا إلا انه لا يقتضي أن يكون بنحو الحقيقة، بل ولو كان مسامحة تنزيلا للفاقد منزلة الواجد، والظاهر ان الشارع غير متخط عن هذه الطريقة، ولا يخفى أن هذه الدعوى وان كانت غير بعيدة الا انها قابلة للمنع فتأمل، وقد استدل للاعمي أيضا بوجوه (منها) تبادر الاعم (وفيه) أنه قد عرفت الاشكال في تصوير الجامع الذي لا بد منه فكيف يصح معه دعوى التبادر (ومنها) عدم صحة السلب عن الفاسد (وفيه) منع لما عرفت (ومنها) صحة التقسيم إلى الصحيح والسقيم (وفيه) أنه إنما يشهد على انها للاعم لو لم تكن هناك دلالة على كونها موضوعة للصحيح، وقد عرفتها، فلا بد أن يكون التقسيم بملاحظة ما يستعمل فيه اللفظ ولو بالعناية (ومنها) استعمال الصلاة وغيرها في غير واحد من الاخبار

______________________________

بالحد الخاص في قبال ما عداه (قوله: الحكمة الداعية) يعني التفهيم لكن في اقتضائه الوضع لخصوص الصحيح منع كيف والجامع يكون محط الغرض ايضا فالوضع له ربما يكون أفود وأعود وتيسر الاستعمال في الفاسد بنحو العناية - مع أنه لا يمنع من الوضع له لكفاية أدنى غاية ولا يتوقف على الاضطرار إليه - أن غاية ما يقتضيه المنع من الوضع له زائدا على الوضع للصحيح لا من الوضع للجامع كما هو المدعى (قوله: غير بعيدة) بل هي ممنوعة لما عرفت - مضافا إلى انه لا مجال لقياس المقام بالمركبات لما عرفت عند الكلام في تصوير الجامع من امتناع كونه من قبيل المركب موضوعا لنفس الاجزاء على كل من القول الصحيحي والاعمي من جهة عدم الضابط، بل لابد من الالتزام بكونه موضوعا لمفهوم واحد عرضي له مراتب مختلفة، ولعله اشار إليه بقوله: فتأمل

*

(قوله: وقد استدل للاعمي) الصحيحي في رفاهية عن الجواب عن هذه الوجوه بعد تعذر الجامع الاعمي كما سيشير إليه المصنف (ره) (قوله: قد عرفت الاشكال) لكن عرفت التأمل فيه (قوله: لما عرفت) يعني من امتناع تصوير الجامع (قوله: وقد عرفتها)

٧٣

في القاسدة كقوله عليه الصلاة والسلام: بني الاسلام على الخمس، الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، والولاية، ولم يناد أحد بشئ كما نودى بالولاية فاخذ الناس باربع وتركوا هذه فلو أن أحدا صام نهاره وقام ليله ومات بغير ولاية لم يقبل له صوم ولا صلاة، فان الاخذ بالاربع لا يكون بناء على بطلان عبادات تاركي الولاية الا إذا كانت اسامي للاعم، وقوله (ع): دعي الصلاة أيام أقرائك، ضرورة أنه لو لم يكن المراد منها الفاسدة لزم عدم صحة النهي عنها لعدم قدرة الحائض على الصحيحة منها (وفيه) أن الاستعمال أعم من الحقيقة - مع ان المراد في الرواية الاولى هو خصوص الصحيح بقرينة أنها مما بني عليها الاسلام ولا ينافي ذلك بطلان عبادة منكري

______________________________

يعني امتناع تصوير الجامع، لكن عرفت التأمل فيه فالاخذ بمقتضى التقسيم لا مفر عنه، ولا وجه لصرفه إلى ما يستعمل فيه اللفظ - مع ان الظاهر كونه بلا عناية ولا تصرف في اللفظ (قوله: في الفاسدة) يعني في الاعم وإرادة الفاسدة لا في الفاسدة بنحو الخصوصية وإلا فهو خلاف المدعى من الوضع للاعم ولا يقتضيه الدليل أيضا وسيشير إليه في آخر التقريب (قوله: فاخذ الناس بأربع) يعني لابد أن يكون المراد من الصلاة وما عطف عليها خصوص الفاسدة إذ لو كان المراد منها الصحيحة لم يصح قوله (عليه السلام): فاخذ الناس بأربع، بل كان اللازم ان يقول: لم يأخذ الناس بشئ منها، لان الاربع التي أخذ الناس بها فاسدة بناء على بطلان عبادة تارك الولاية فلا تكون من الخمس المذكورة في صدر الحديث، وحيث أن الظاهر من الحديث كون ما أخذ به الناس أربعا من الخمس فلا بد أن يكون المراد منها الاعم (قوله: ضرورة أنه لو لم) لعل الاولى في تقريب الاستدلال أن يقال: لو كان المراد الصلاة الصحيحة فاما أن تكون قادرة عليها أولا، فعلى الاول يمتنع النهي لان القدرة عليها تتوقف على مشروعيتها والنهي يضاد المشروعية وكذا على الثاني أيضا لامتناع التكليف بغير المقدور (قوله: مع ان المراد في الرواية) هذا معارضة للدليل يعني يجب حمل الصلاة وما عطف عليها على الصحيح

٧٤

الولاية إذ لعل أخذهم بها انما كان بحسب اعتقادهم لا حقيقة، وذلك لا يقتضي استعمالها في الفاسد أو الاعم، والاستعمال في (قوله: فلو أن احدا صام نهاره... الخ) كان كذلك أي بحسب اعتقادهم، أو للمشابهة والمشاكلة، وفى الرواية الثانية النهي للارشاد إلى عدم القدرة على الصلاة وإلا كان الاتيان بالاركان وساير ما يعتبر في الصلاة بل بما يسمى في العرف بها، ولو أخل بما لا يضر الاخلال به بالتسمية عرفا محرما على الحائض ذاتا وان لم تقصد به القربة، ولا اظن أن يلتزم به المستدل بالرواية فتأمل جيدا

______________________________

لانه الذي بني عليه الاسلام ويتعين التصرف في قوله (عليه السلام): فاخذ الناس بأربع، بارادة غير الاربع من الخمس وجعلها أربعا من الخمس جريا على اعتقاد الناس لا على الواقع فيكون دليلا على القول بالصحيح " ويمكن " أن يناقش بان بناء الاسلام على الاربع الصحيحة لا يقتضي استعمال الفاظها في خصوص الصحيح بل يجوز ان يكون المستعمل فيه الاعم وارادة خصوص الصحيح تكون من ارادة الفرد من الكلي نظير قوله تعالى: وجاء رجل من أقصى المدينة، فلا تجوز فيه ولا في الاربع فيتم الاستدلال من أنه لو كان الوضع للصحيح لزم التصرف في لفظ الاربع (قوله: في قوله (عليه السلام): فلو أن احدا) هذا الذيل ينبغي أن يتمسك به المستدل على دعوى الوضع للاعم في قبال الاستدلال بالصدر، ولهذا تعرض المصنف (ره) في الجواب عنه بما ذكر (قوله: وفى الرواية الثانية) معطوف على قوله: في الرواية الاولى، يعنى المراد من النهي في الرواية الثانية الارشاد إلى مانعية حدث الحيض الموجب لسلب قدرة الحائض على الصلاة حينئذ فالمراد من الصلاة الصحيحة لانها التي يمنع عنها الحدث (قوله: وإلا كان) يعني وإن لم يكن النهي للارشاد بل كان مولويا موضوعه الاعم من الصحيح والفاسد كان مقتضاه حرمة فعل ما يسمى صلاة صحيحا كان أو فاسدا (قوله: أن يلتزم به المستدل) فان المصنف (ره) وان التزم أن حرمة العبادة على الحائض ذاتية لا

٧٥

(ومنها) انه لا شبهة في صحة تعلق النذر وشبهه بترك الصلاة في مكان تكره فيه وحصول الحنث بفعلها ولو كانت الصلاة المنذور تركها خصوص الصحيحة لا يكاد يحصل به الحنث اصلا لفساد الصلاة المأتي بها لحرمتها كما لا يخفى بل يلزم المحال فان النذر حسب الفرض قد تعلق بالصحيح منها

______________________________

تشريعية، وربما نسب إلى ظاهر المشهور الا أن موضوع التحريم العبادة التامة الاجزاء والشرائط حتى حيثية التقرب لا مطلق المسمى ولو كانت ناقصة (أقول): يمكن توجيه هذا الاشكال بعينه على المصنف حيث التزم بالحرمة الذاتية استنادا إلى نصوص المنع عن العبادة الظاهرة في المولوية فيقال: المراد من العبادة المنهي عنها اما الصحيحة أو الاعم والاول ممتنع لما ذكره المستدل من عدم القدرة، والثاني يوجب الالتزام بحرمة ما يسمى عبادة عرفا، فان اجاب بان ظاهر تلك النصوص حرمة العبادة على النحو الذي يؤتى بها في حال الطهر كان بعينه جوابا عن الاشكال المذكور هنا إلا أن يكون غرضه إلزام المستدل فتأمل جيدا وسيأتى في الدليل الآتي بعض الكلام (قوله: لا شبهة في صحة) يعني مع إمكان الصلاة في غيره من الامكنة وإلا فلا ينبغي التأمل في البطلان (ثم) إنه قد يشكل تصحيح النذر من جهة ان كراهة العبادة لا تقتضي مرجوحيتها بالاضافة ولا يكفي في صحة نذر ترك شئ أن يكون مرجوحا بالاضافة وان كان راجحا في نفسه الا أن يكون مقصود الناذر تضييق دائرة الامتثال فيرجع إلى نذر الامتثال في غيره من الافراد " وفيه " أنه ليس معنى كراهة العبادة المرجوحية بالاضافة وإلا كانت الصلاة في المسجد مكروهة بالاضافة إلى الصلاة في الحرم، بل معنى الكراهة وجود منقصة حقيقية فيها غاية الامر انها لا توجب رجحان الفعل على الترك مطلقا وإنما تقتضي رجحانه عليه في ظرف امتثال التكليف بغيره من الافراد وحيث أن فيها مرجوحية حقيقة كان نذر تركها في محله وللكلام مقام آخر (قوله: وشبهه) يعني العهد واليمين (قوله: وحصول) معطوف على قوله: صحة (قوله: لا يكاد) يعنى فلا يكون المنذور تركها خصوص الصحيحة (قوله: يلزم المحال) يعني من

٧٦

ولا تكاد تكون معه صحيحة وما يلزم من فرض وجوده عدمه محال (قلت): لا يخفى انه لو صح ذلك لا يقتضي الا عدم صحة تعلق النذر بالصحيح لا عدم وضع اللفظ له شرعا - مع أن الفساد من قبل النذر لا ينافي صحة متعلقه فلا يلزم من فرض وجودها عدمها، ومن هنا انقدح ان حصول الحنث انما يكون

______________________________

كون المنذور تركها خصوص الصحيحة (قوله: ولا تكاد تكون معه صحيحة) يعني لا يمكن ان تكون الصلاة الصحيحة المنذور تركها صحيحة بعد تعلق النذر بها لان مقتضى نفوذ النذر وصحته حرمة المنذور تركه، وإذا حرمت الصلاة كانت فاسدة لان حرمة العبادة تقتضي فسادها ولازم عدم صحة الصلاة بتعلق النذر عدم تعلق النذر بترك الصحيح فيلزم من فرض تعلق النذر بترك الصحيح عدم تعلقه بترك الصحيح، وإن شئت قلت: يلزم من فرض صحة العبادة الماتي بها عدمها لان صحتها توجب تعلق النذر بتركها وهو يقتضي عدم صحتها، وإن شئت قلت: يلزم من تحقق الحنث بها عدمه لان تعلق الحنث بها يوجب فسادها وهو يوجب عدم تحقق الحنث بها لان الحنث إنما يكون بفعل الصحيح المنذور تركه ثم إن ظاهر العبارة أن مراد المصنف (ره) التقريب الاول لكن ظاهر قوله: في الجواب: وما يلزم... الخ إرادة التقريب الثاني (قوله: محال) لانه يكون موجودا ومعدوما في زمان واحد (قوله لا عدم وضع) إلا أن يكون المقصود التمسك باصالة كون الاستعمال حقيقة التي يذهب إليها السيد المرتضى لكن عرفت أن التحقيق كون الاستعمال أعم (قوله: مع ان الفساد من قبل) يعني لا ريب في أن الصلاة في الحمام لولا نذر تركها صحيحة كسائر الصلوات فإذا نذر ترك الصلاة في الحمام فهذه الصلاة التي وقعت موضوعا للنذر هي تلك الصلاة الصحيحة التي هي كالصلاة في المسجد غاية الامر أنها بتوسط طروء عنوان النذر تكون فاسدة لكن الفساد الآتي من قبل النذر ليس ماخوذا في موضوع النذر لامتناع أخذ ما يأتي من قبل الحكم

٧٧

لاجل الصحة لولا تعلقه

______________________________

في موضوعه، فليس موضوع النذر إلا الصلاة الصحيحة في نفسها (وبالجملة) ذات الصلاة في رتبة سابقة على النذر مصداق للصلاة الصحيحة لا غير، كما أنها في الرتبة اللاحقة للنذر مصداق للصلاة الفاسدة لا غير، وهكذا حال سائر الموضوعات التي تتوارد عليها العناوين الثانوية، مثلا شرب النجس حرام فإذا اضطر إليه صار حلالا فتراه في رتبة سابقة على الاضطرار حراما، وفي رتبة لاحقة له حلالا ولاجل ذلك يصح ان يقال: الاضطرار كان إلى شرب الحرام، فلفظ الصلاة الواقع في حيز النذر لا يحكي الا عن صلاة هي مصداق الصحيح فليس الاستعمال إلا فيه، ومن ذلك يظهر اندفاع جميع تقريرات الاستحالة المتقدمة المبنية على خلط إحدى الرتبتين بالاخرى فان عدم الصحة بملاحظة النذر إذا كانت لا تنافي الصحة بملاحظة ما قبله لم يتم ما ذكر في التقرير الاول من ان لازم عدم صحة... الخ ولا ما في التقرير الثاني من قوله: وهو يقتضي عدم صحتها، ان كان المراد به عدم كونها مصداقا للصحيح قبل النذر، وان كان المراد عدم كونها مصداقا للصحيح بعده فليس ذلك من لزوم الشئ لعدمه، ولا ما في التقرير الثالث من قوله: وهو يوجب عدم تحقق الحنث، لان الفساد الآتي من قبل الحنث يمتنع أن يكون موجبا لعدم الحنث وكون الحنث بفعل الصحيح مسلم إلا أن المراد به الصحيح بالنظر إلى ذاته (قوله: لاجل الصحة) يعنى لاجل كونها مصداقا للصحيح في رتبة سابقة على النذر إذ النذر لم يتعلق الا بما هو كذلك ثم ان من هنا يظهر لك الجواب عن الاستدلال بقوله صلى الله عليه وآله: دعي الصلاة أيام أقرائك، فان النهي لو حمل على المولوي لم يتعلق إلا بالصحيح المقدور، وكون الصحيح غير مقدور إنما هو بملاحظة كونه منهيا عنه وإلا فنفس الفعل الذي هو معروض للنهي ومصداق للصحيح مقدور لم يخرج بالنهي عن كونه مقدورا وإن خرج عن كونه مصداقا للصحيح، وكأن المصنف (ره) إنما لم يجب بذلك بناء على كون النهي مولويا من جهة ان صلاة الحائض ليست صحيحة من جهة مانعية حدث الحيض ولو في رتبة قبل النهي، وإلا

٧٨

نعم لو فرض تعلقه بترك الصلاة المطلوبة بالفعل(١) لكان منع حصول الحنث بفعلها بمكان من الامكان

______________________________

فلو بني على عدم مانعيته وضعا وإنما يقتضي التحريم فلا مانع من كون النهي واردا على ما هو مصداق الصحيح فلاحظ (قوله: نعم لو فرض تعلقه) يعني لو كان مقصود الناذر نذر ترك الصلاة المطلوبة بعد النذر منعنا قول المستدل: انه لا شبهة في حصول الحنث، بل اللازم القول بعدم حصول الحنث بفعل الصلاة لعدم كونها مطلوبة (أقول): إذا لم يحصل الحنث بها لا بد من القول بكونها مطلوبة إذ لا مانع من تعلق الطلب بها إلا كونها محرمة لانها مما نذر تركها وإذا كانت مطلوبة كان الحنث حاصلا بفعلها فيلزم من فرض عدم الشئ وجوده وهو محال كالعكس (فالاولى) في الجواب أن يقال (أولا) لا يعقل ان يتعلق النذر بترك الصلاة المطلوبة بالفعل حتى بلحاظ النذر لان الطلب بلحاظ النذر متاخر رتبة عنه فلا يؤخذ في موضوعه (وثانيا) أن الصلاة المطلوبة حتى بلحاظ النذر خارجة عن اختيار المكلف لامتناعها بعد ما كان دليل نفوذ النذر موجبا لعدم كونها مطلوبة فلا معنى لنذر تركها كنا اشار المصنف (ره) في حاشيته على المتن فلا يتم حينئذ قول المستدل: لا شبهة في صحة تعلق... الخ (فان قلت): قد تقدم أن الصلاة المنذور تركها صحيحة بالفعل ولازمه أنها مطلوبة كذلك (قلت): لا شك في أنها فرد من الصحيح في رتبة سابقة على النذر - كما تقدم - كما لا نشك في أنها مطلوبة أيضا لكن النذر كما يرفع صحتها وتكون به فاسدة يرفع مطلوبيتها وتكون به محرمة نظير الكسر الوارد على الاناء الصحيح الذي له قيمة فانه يصير مكسورا بعد ما كان صحيحا كما يخرجه عن كونه ذا قيمة بعد ما كانت له قيمة. ثم يمكن أن يورد على المستدل - مضافا إلى ما ذكر - بالنقض بما لو صرح

______________

(١) اي ولو مع النذر ولكن صحته كذلك مشكل لعدم كون الصلاة معه صحيحة مطلوبة فتأمل جيدا من الماتن قدس سره (*)

٧٩

(بقي أمور الاول) ان أسامي

______________________________

بالصحة فنذر أن لا يصلي صلاة صحيحة فان صححه المستدل لم يتم له الدليل، وان أبطله فلا مانع من القول بالبطلان في المقام، وبانه يلزم القول بالحنث ولو صلى صلاة فاسدة إذا كانت صلاة عرفا كما تقدم من المصنف (ره) في الجواب على الدليل السابق فتأمل

*

(قوله: الاول أن أسامي المعاملات) الكلام في المقام يقع في أمور (الاول) ابتناء النزاع في كون الفاظ المعاملات موضوعة للصحيح أو للاعم على كونها اسماء للاسباب لا للمسببات، وحاصل الكلام فيه أنك قد عرفت أن صفتي الصحة والفساد تطرآن على ذات واحدة ذات مراتب مختلفة كما أو كيفا فيكون التمام منها صحيحا والناقص فاسدا وهذا المعنى ينطبق على الاسباب أعني الانشاءات الخاصة فان انشاء مثل البيع أو الصلح أو الاجارة أو غيرها يمكن أن يكون صحيحا جامعا لجميع ما يعتبر فيه في ترتب الاثر عليه ونفوذه كما يمكن أن يكون فاسدا فاقدا لما له الدخل في ترتب الاثر عليه فالاول مثل البيع الصادر من البالغ السلطان على التصرف مع العلم بالعوضين وكونه باللفظ العربي، والثاني مثل بيع الصبي أو المجنون أو العبد أو الواقع على مجهول أو باللفظ الفارسي فحينئذ يصح أن يقع النزاع في أن لفظ البيع أو غيره من الالفاظ موضوعة للصحيح أو للاعم منه ومن الفاسد ولا ينطبق هذا المعنى على المسببات أعني الآثار المترتبة عليها مثل علقة البدلية في البيع والزوجية في النكاح وغيرهما في غيرهما فان هذه الآثار ليست مختلفة كما أو كيفا بحيث يكون التام مؤثرا في أثر كذا والناقص ليس مؤثرا فيه لتتصف بالصحة والفساد، بل هي في ظرف وجود السبب تكون موجودة وفى ظرف عدمه تكون معدومة فهي إما موجودة أو معدومة فلا معنى للنزاع في وضع الفاظها للصحيح أو الاعم (الثاني) في تنقيح المبنى المذكور وحاصل الكلام فيه أنك قد عرفت فيما سبق أن الانشاء والخبر موضوعان لمعنى واحد وان الفرق بينهما بمجرد قصد الحكاية والانشاء فلفظ البيع والصلح والاجارة والملكية والمبادلة موضوعة للمعاني المنشأة بلفظ (بعت)

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

هل كان صعباً تطبيق قواعد الإسلام في الحياة اليومية؟

كنت أتقصّد التفريق بين الممارسات الإسلامية والثقافة الإسلامية وذلك ما كان يختلط على الناس. «كوني أوروبية، اعتناقي الإسلام لا يعني بالضرورة ارتدائي العباءة في لندن» فالعباءة هي زي ثقافي ولكن اللباس الفضفاض هو المطلوب في الإسلام وليس الأمر محصوراً بارتداء العباءة. فأنا أصلّي، أدفع الصدقات والخمس، أمتنع كلياً عن شرب الكحول والمحرّمات ولكن ليس المطلوب مني أن ألبس العباءة مع أنني أمتلك واحدة أستمتع بارتدائها في المنزل. ولكن بطبيعة الحال، أثناء تواجدي في أوروبا - أرتدي الزي الأوروبي مع مراعاة الحجاب.

فأنا أرى الكثير من الممارسات والقيم الإسلامية في أوروبا كاحترام حقوق الإنسان والحفاظ على النظافة والبيئة وهذه القيم الإسلامية وللأسف مفقودة اليوم عند أغلبية المجتمعات الإسلامية. وهذا بالذات ما عناه المستشرق محمد أسد عندما قال: «تستطيع أن ترى الكثير من الإسلام في أوروبا والقليل من المسلمين، والكثير من المسلمين في الشرق ولكن القليل من الإسلام الحقيقي».

ما هي التحديات التي يفرضها تخلي المرء عن ديانته الأولى واعتناقه لديانة أخرى؟

إنّ التحول إلى الإسلام له تحدياته، خصوصاً على صعيد وجود بيئة مماثلة للتعايش معها. فمثلاً من الصعوبات التي تطرح: وجود زوج لائق لامرأة اعتنقت الإسلام، حيث تصبح الواحدة منا عالقة بين عالمين. فأنا شخصياً امرأة مطلَّقة وأعاني أحياناً من لسعة الوحدة.كذلك المسلمون يتحمسون كثيراً لاعتناق الآخرين لديانتهم ولكنني دائماً أقول، ماذا عن البيئة الحاضنة فيما بعد؟ حيث يبدأ العمل الحقيقي عندها. فهم يشجعون الناس على اعتناق الإسلام ومن ثم يتركونهم وحدهم لمصيرهم. أنا محظوظة ربما بإنشاء شبكة من الصداقات. ولكن كم مرّ علي من الأعياد لم أستطع الإحتفال بها كوني كنت وحيدة. فالعيد كان بالنسبة إليّ أداء الصلاة ومن ثم متابعة اليوم بشكل عادي للأسف.

ولكنني أجد إيجابية في ذلك أحياناً، عندما ينتهي بي الأمر في الأعياد بالعشاء مع أحد الذين اعتنقوا الإسلام كذلك ولا يجد من يعيّد معه.

٣٠١

فالعزلة هي ما يترتب علينا عند اعتناقنا مذهباً ما وتخلينا عن مذهب آخر، ففي عيد الميلاد، لا أكون فرداً مرحّباً به في عائلتي كوني اخترت سلوك طريق آخر. وفي شهر رمضان أجد نفسي وحيدة حيث لا يوجد من يتسحّر معي أو يتناول معي الإفطار إلا إن دعاني أحدهم. ولكنّ العزاء دائماً أنّ الله بصحبتي وهو خير صاحب.

وإن كان الإيمان بالله هو الذي يجعلني أقاوم تلك التحديات ولكنني سمعت عن كثيرين اعتنقوا الإسلام حديثاً قد عادوا وانكفؤوا عن ذلك بسبب عدم وجود الدعم المعنوي الكافي من المجتمع الإسلامي المحيط. ومنذ فترة التقيت بامرأة كانت قد اعتنقت الإسلام لفترة عشر سنوات ولكنها عادت لتصبح اليوم وزيرة مسيحية مجدداً.

أخيراً ما الرسالة التي وجهتها إلى الناس من خلال كتابك؟

لقد وجهت رسالة من خلال كتابي إلى الناس الذين يتعلقون اليوم بالمظاهر المادية للحياة. الكثير من الشبان يحلمون بما كنت أمتلكه في الـ «أم تي ڤي» من تسلية ومعارف وشهرة وثقافة.. كنت أمتلك كل ذلك ويمكنني القول بأنّني لم أكن أشعر بالسعادة ولا أفكّر أبداً باسترجاع حياتي السابقة. ذلك الفراغ الذي كنت أحسّ به قبل اعتناقي للإسلام امتلأ اليوم من خلال وجود هدف لحياتي وعلاقة مميزة مع الله وحلم بالجنة.

وتختم بايكر بالقول: أكثر ما يقلقني اليوم هو أنّ غالبية سكان بريطانيا يبنون معارفهم عن الإسلام من خلال ما تمليه عليهم وسائل الإعلام. فالناس هنا لا يذهبون إلى المكتبات ويشترون الكتب ليتعرفوا على الإسلام، بل يكتفون بقراءة الدايلي مايل أو مشاهدة التلفاز لتكوين رأيهم عن الإسلام. كل ما ينقصنا هو التعليم والتثقيف. ولذلك أنا دائماً جاهزة لإجراء المقابلات، لكي أتكلم وأشرح أكثر عن الإسلام. فمثلاً عندما تتصل صحيفة الصن بأحدهم لإجراء حوار، يمتنع عن القبول، ولكنني أفعل لأنّ إلقاء قطرة واحدة من الحقيقة في ذلك المحيط الشاسع يمكن أن يكون له أثر».

٣٠٢

بايكر اليوم تبقي نفسها منشغلة بتحسين صورة الإسلام في بريطانيا. وكانت واحدة من الذين نظموا حملة «ألهمني الرسول محمد (ص)» في لندن التي هدفت إلى تقديم صورة مشرقة عن الإسلام من خلال ملصقات يتم وضعها في مواقف الحافلات وعلى سيارات الأجرة وكانت صورتها ظهرت على إحدى الملصقات وقد كتب تحتها «أؤمن بحماية البيئة وكذلك الرسول محمد (ص)». وقد تلقّت وسائل الإعلام تلك الحملة بالقبول. وفي الآونة الأخيرة أجرت معها شبكة البي بي سي لقاءً حول الفيلم المسيء للإسلام «براءة المسلمين».

الأخ يحيى

انطباعات من مسلم جديد

القرآن: الوحي الأخير

استدركت ضرورة وحتمية بعث نبي جديد بعد النبي عيسى (ع) نتيجة الابتكارات المنسوبة إلى الوحي الإلهي فكانت الحاجة لنبي آخر بعد عيسى (ع) مع وحي آخر بعد الإنجيل. لهذا بعث الله محمداً (ص) مع آخر رسالة، (أي القرآن)، لإعادة كل البشرية إلى الإيمان وعبادة إله واحد هو الله، دون شركاء أو وسطاء. وفقاً للمسلمين، القرآن الكريم، مصدر دائم لهداية الناس، وقد قدم توضيحاً عقلانياً للدور التاريخي الرائع للنبي عيسى (ع)، فقد ورد اسم (عيسى) خمساً وعشرين مرة في القرآن الكريم الذي يتضمن سورة اسمها مريم تيمناً باسم والدة نبي الله عيسى: السيدة مريم بنت عمران (عليها السلام).

فالحتمية الإلهية لنزول وحي جديد، وجدتها في الآيات القرآنية التالية التي أقنعتني جدا:) وَمَا کَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ یُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَکِنْ تَصْدِیقَ الَّذِی بَیْنَ یَدَیْهِ وَتَفْصِیلَ الْکِتَابِ لا رَیْبَ فِیهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِینَ ﴿37﴾﴾ [يونس: 37]، و﴿ وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْیَقِینِ ﴿51﴾ ﴾ [الحاقة: 51]. تزامناً، كنت أشعر بالقلق خوفاً من حصول تحريف في القرآن الكريم لأنها كانت مشكلة كبيرة مع الكتب السماوية السابقة. فقرأت بأن القرآن لن يتغير أو لن يتم إلغاؤه:﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴿9﴾ ﴾ [الحجر: 9].

٣٠٣

وعرفت لاحقاً أن بعض الظواهر العلمية مذكورة في القرآن، وهذا ما يؤكد مصداقية الاعتقاد بأن القرآن هو كلام الله. فهناك آيات تصف تكوين الجنين داخل رحم أمه، وتكوين الجبال، وأصل الكون، والمخ، والبحار، والأمواج والسحب. إنه فوق استيعاب أي شخص أن يتصور أنّ هذه الحقائق كانت مكتشفة منذ أكثر من أربعة عشر قرناً، ذلك أنه تم الكشف عن هذه الحقائق وتم تأكيدها في الآونة الأخيرة بواسطة علميات أُجريت بآليات متطورة.

الإسلام: جوهر وذروة الأديان السماوية

يعتقد المسلمون أن الغرض الأساسي لخلق الجنس البشري هو عبادة الله. كما قال في القرآن الكريم،﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِیَعْبُدُونِ ﴿56﴾ ﴾ [الذاريات: 56] وبحسب عالم إسلامي معروف في الغرب فإن «النظام الأكثر اكتمالا من العبادة المتاحة للإنسان اليوم هو النظام الموجود في دين الإسلام، وكلمة «الإسلام» تعني «التسليم والخضوع لإرادة الله (عزّ وجل)»، على الرغم من أنه يشارالى الإسلام عادة باسم ثالث الديانات التوحيدية الثلاث، فإنه ليس ديناً جديداً على الإطلاق. إنه دين جاء به جميع أنبياء الله للبشرية. فالإسلام هو دين آدم وإبراهيم وموسى وعيسى (عليهم السلام).

ويضيف العالم «بما أن الله واحد، والبشر هو نوع واحد، فبالنتيجة الدين الذي سيبعثه الله للناس هو دين موحد، فالحاجات الروحية والاجتماعية البشرية هي ذاتها والطبيعة البشرية لم تتغير منذ تم إنشاء أول رجل وامرأة

وبما أن رسالة الله كانت دائما هي نفسها، أدركت أنه من واجب جميع البشر البحث عن الحقيقة في التدين وليس مجرد القبول والاتباع الأعمى للدين الذي يتولاه مجتمعهم أو الوالدين، وفقاً للقرآن،﴿ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّیْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُکُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُکْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِیَّاهُ ذَلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ ﴿40﴾ ﴾ [يوسف: 40].

٣٠٤

وفيما يتعلق بالفطرة، قال النبي محمد (ص)، ما معناه كل مولود يولد على الفطرة لكن والديه يحولانه إلى اليهودية أو المسيحية أو المجوسية. وعلاوة على ذلك، قال الله تعالى:﴿ فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ ﴿30﴾ ﴾ [الروم: 30].

كذلك، تعلمت أنه لا يوجد دين آخر مقبول عند الله الى جانب الإسلام، كما قال بوضوح في القرآن الكريم:﴿ وَمَنْ یَبْتَغِ غَیْرَ الإسْلامِ دِینًا فَلَنْ یُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِی الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِینَ ﴿85﴾ ﴾ [آل عمران: 85].

فاستنتجت أن الانسان قد يهمل هدى الله ويقيم لنفسه معايير خاصة للمعيشة. ولكن في نهاية المطاف، سوف يكتشف أنه لم يكن يتبع إلا سراباً.

عابر

واصلت قراءة القرآن والتعرف على أقوال وأفعال النبي محمد (ص)، فلاحظت أن الإسلام يرى الإنسان (العبد) كرجل عابر لهذه الحياة، والآخرة هي الدار المقر.

فنحن هنا لفترة قصيرة، ولا يمكن أن نأخذ أي شيء معنا من هذه الحياة إلا إيماننا بالله وأفعالنا الحسنة. وبالتالي، ينبغي أن نكون مثل المسافر الذي يمر عبر الأراضي فقط ولا يأخذ أي شيء منها.يجب علينا أن نفهم أن معنى أن نكون على قيد الحياة هو أن نكون تحت اختبارات متواصلة. فهناك المعاناة والفرح والألم والغبطة. هذه الاختبارات من الخير والشر هدفها بلورة الصفات الروحية العليا فينا. نحن غير قادرين على الاستفادة من هذه التجارب إلا إذا بذلنا قصارى جهدنا، بحيث يكون لدينا ثقة كاملة بالله وتقبل ما يقدر الله لنا بصبر.

٣٠٥

الطريق إلى الجنة

كان لا بد من معرفة المزيد عن الجنة إذ إنها بالتأكيد الهدف النهائي الذي يسعى إليه كل فرد، يقول الله،﴿إِنَّمَا یُؤْمِنُ بِآیَاتِنَا الَّذِینَ إِذَا ذُکِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا یَسْتَکْبِرُونَ ﴿15﴾ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ یُنْفِقُونَ ﴿16﴾ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِیَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْیُنٍ جَزَاءً بِمَا کَانُوا یَعْمَلُونَ ﴿17﴾ ﴾ [السجدة: 17] فصرت على بينة أن سروري غداً هو أبعد من كل خيال، إذ سأعيش هذا الفرح العارم في ظل الخالق.

كنت أتساءل أي النفوس تستحق هذه المكافأة؟ هذا الثواب أعظم من أن يكون له ثمن. قيل لي أن الثمن هو الايمان الحقيقي بالله والطاعة له ولنبيه محمد (ص) وآل بيته (عليهم السلام).

أدركت أن البشرية يجب أن تعبد الله لتحقيق البر والوضع الروحي اللازم لدخول الجنة.هذا يعني أنه على البشر الفهم أن العبادة لا غنى عنها كما الأكل والتنفس وليست مجرد معروف يقومون به تجاه الله.لذلك نحن بحاجة لقراءة القرآن لمعرفة أي نوع من الناس يريدنا الله أن نكون ونحاول أن نصبح على هذا النحو. إذاً هذا هو الطريق إلى الجنة.

التغلب على عقبة:

في هذه المرحلة، شعرت بأنني 80٪ أريد أن أصبح مسلماً، ولكن ما كان يدفعني إلى الخلف أنني كنت قلقاً من ردّة فعل عائلتي وأصدقائي لو علموا بأنني أصبحت مسلماً.

فأعربت عن قلقي لأخ مسلم فقال لي أنه في يوم القيامة، لا أحد سيكون قادراً على مساعدتك، لا والدك، ولا والدتك أو أي من أصدقائك. لذلك، إذا كنت تعتقد أن الإسلام هو الدين الحق، يجب أن تتقبله وتعيش حياتك لإرضاء واحد أحد هو الذي خلقك، وهو الله.

وهكذا، أصبح جلياً بالنسبة لي أننا جميعا في قارب واحد؛ وأن كل نفس ذائقة الموت ثم سنكون جميعاً مسؤولين عن معتقداتنا وعن أفعالنا أمام الله.

٣٠٦

شريط فيديو ذو مغزى:

في هذه المرحلة من بحثي عن الحقيقة، كنت على وشك اعتناق الاسلام. شاهدت محاضرة إسلامية على شريط فيديو حول الغرض من الحياة. وكان الموضوع الرئيسي لهذه المحاضرة أن الغرض من الحياة يمكن تلخيصه في كلمة واحدة، هي الإسلام (التسليم لإرادة الله).

على عكس الأديان أو المعتقدات الأخرى، فإن مصطلح «الإسلام» لا يرتبط بأي شخص أو مكان معين. قد أسمى الله الدين في الآية القرآنية التالية:﴿ إِنَّ الدِّینَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ ﴾ [آل عمران: 19] فأي شخص يعتنق الإسلام يسمى مسلماً بغض النظر عن عرق ذلك الشخص أو جنسه أو جنسيته. هذا هو واحد من الأسباب التي تجعل الإسلام دينآً عالمياً.

قبل بحثي عن الحقيقة، لم أنظر بجدية إلى الإسلام كخيار بسبب الصورة السلبية المستمرة عن المسلمين في وسائل الإعلام. وقد أظهر مقطع من شريط الفيديو كيف أن المسلمين وعلى الرغم من تميز الإسلام بالمعاييرالأخلاقية العالية، ليسوا جميعاً متمسكين بهذه المعايير.و يمكن قول الشيء نفسه عن أتباع الديانات الأخرى.

فهمت أخيراً أننا لا نستطيع أن نحكم على الديانات من خلال تصرفات أتباعها وحدها، كما فعلت، لأن عامة البشر غير معصومين. على هذا الحساب، لا ينبغي لنا أن نحكم على الإسلام من تصرفات أنصاره، ولكن عن طريق الوحي (القرآن الكريم) وسنة النبي محمد (ص) وأهل بيته (عليهم السلام).

النقطة الأخيرة التي التقطتها هي أهمية الامتنان لله. فالله يذكر في القرآن أنه ينبغي لنا أن نكون ممتنين لحقيقة أنه خلقنا:﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَکُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِکُمْ لا تَعْلَمُونَ شَیْئًا وَجَعَلَ لَکُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ ﴿78﴾ ﴾ [النحل: 78].

٣٠٧

الحقيقة تكشف عن نفسها:

بمجرد انتهاء العرض،اختبرت كشف النقاب عن روحي، شعرت أنّ عبئاً كبيراً من الخطايا زال عن كتفي. وعلاوة على ذلك، شعرت بنفسي كأنني أرتفع عن الأرض وأحلّق، رافضاً المسرات المؤقتة في هذا العالم من أجل الأفراح الأبدية في الآخرة.

هذه التجربة، إلى جانب عملية طويلة من التفكير، حلت أحجية «الغرض من الحياة». وكشفت أن الإسلام هو الحقيقة، وبالتالي كان علي تحديد هدفي من الحياة، ومعتقدي، اتجاهي وأفعالي.

فدخلت بوابة الإسلام بالإعلان عن نية الإيمان بالقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.

أُبلغت بأن هذه الشهادة تؤكد الاعتقاد بجميع الأنبياء والمرسلين من الله، جنباً إلى جنب وبالتالي فإن كل رسول ونبي هو تحديث واستكمال لدين واحد حتى وصلنا إلى آخر الأنبياء محمد (ص) وإلى الوحي النهائي من الله [القرآن].

انطباعات من مسلم جديد:

أثناء بحثي عن الحقيقة، الدرس الذي تخطى جميع الدروس، هو أن كل المعبودات الأخرى ما عدا الله هي مجرد أوهام.

فالإذعان لإرادة الله أشعرني بالسلام مع الخالق، مع الآخرين، وأخيراً، مع نفسي. ونتيجة لذلك، بت أشعر بالامتنان جداً، وهذا من رحمة الله، الذي أنقذني من أعماق الجهل وصعد بي إلى نور الحقيقة.

الإسلام، الدين الحق في جميع الأوقات والأماكن ولكل الشعوب، هو رمز كامل للحياة إذ يوجّه الإنسان لتحقيق الغرض من وجوده على الأرض، ويعد له اليوم الذي سيعود فيه الى خالقه.

اتباع هذا المسار بطريقة ورعة تمكن الواحد منا من اكتساب رضوان الله فنكون أقرب إليه وسط المسرات التي لا نهاية لها من الجنة والخلاص من عذاب جهنم. مكافأة إضافية بأن تكون حياتنا الحالية أسعد بكثير عندما نتخذ مثل هذا الخيار.

٣٠٨

التمتع بالضلالة:

وقد أعطى اعتناق الاسلام لي أكثر من نظرة ثاقبة في الطبيعة الوهمية لهذه الحياة. على سبيل المثال، إحدى الركائز الأساسية للإسلام هي تحرير الإنسان. فعندما يطلق مسلم على نفسه اسم «عبد الله»، ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على التحرر من العبودية لجميع الأشكال الأخرى، وعلى الرغم من أن الإنسان المعاصر قد يظن أنه متحرر، وهو في الحقيقة عبد لرغباته. مخدوع ومضلل من هذه الحياة الدنيوية. يقول الله تعالى:﴿ أَرَ‌أَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ﴿43﴾ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَ‌هُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 43، 44].

لذلك يجب علينا ألا ندع حماسنا للاستمتاع بمتع هذه الحياة الزائلة يعرِّض فرصة الاستمتاع بملذات الجنة للخطر. كما يقول الله في القرآن:﴿ زُیِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِینَ وَالْقَنَاطِیرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَیْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِکَ مَتَاعُ الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴿14﴾ قُلْ أَؤُنَبِّئُکُمْ بِخَیْرٍ مِنْ ذَلِکُمْ لِلَّذِینَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِینَ فِیهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِیرٌ بِالْعِبَادِ ﴿15﴾ ﴾ [آل عمران: 14، 15].

ولذلك، فإن المنافسة الحقيقية في هذه الحياة ليست على تراكم الثروة أو الرغبة في الشهرة، بل بالقيام بالاعمال الصالحة لإرضاء الله، مع الاحتفاظ بالجزء القانوني من التمتع في هذه الحياة.

الطريق الصحيح إلى الله:

هناك العديد من البدائل الدينية المتاحة للإنسان، والأمر متروك له لاختيار أي ديانة يرغب في اتباعها. إنَّه أشبه بالتاجر مع العديد من السلع أمامه، وهو الذي يختار أي سلعة ليتاجر بها. من الواضح أنّه سوف يختار ما يعتقد أنّه الأكثر ربحاً. ومع ذلك، فإن التاجر يبقى غير متأكد وغير ضامن للربح؛ حيث يمكن أن يكسب اليوم ويمكن أن يخسر غداً كل شيء.

في المقابل، فإن المؤمن في وحدانية تسليمه لله، يكون متأكداً تماماً أنّه إذا كان يتبع طريق الهداية [القرآن وسنة النبي محمد (ص)، وآل بيته (عليهم السلام)] سيكون بلا شك مصيره النجاح والثواب في نهاية هذا الطريق، ولحسن الحظ، يبدأ هذا النجاح أيضاً في بداية اختيار هذا المسار.

٣٠٩

أنا مسلمة جديدة...

رقية وارث مقصود

ليس من أمر أسهل من اعتناق الإِسلام - لحظة يدرك الإنسان أن الله حق وأن الله موجود حقاً ويقر بأن النبي العربي محمد (ص) هو حقاً خاتم رسل الله ضمن سلسلة الأنبياء الآخرين المذكورين في الإنجيل يكون قد خطى فعلياً الخطوة الأولى.

تسمى لحظة الإشراق هذه التقوى والإحسان. فجأة تدرك أن الله يراك ويعرفك وإن كنت لا تعرفه ولا تراه.

الخطوة الثانية في مسيرة اعتناق الإِسلام هي التعبير وبوضوح عن لحظة الإيمان هذه - أي نطق الشهادة: «أشهد» لتتوالى الخطوات طوال حياتك.

كيف أعيش كمسلمة:

أن تصبح جزءاً من الجالية المسلمة المحلية وتلج في نمط الحياة هذا أمر يختلف تماماً عن مجرد أن تصبح مسلماً على مستوى العقل.

فهذا يتطلب من الكثيرات من معتنقات الإِسلام درجة عالية من العزم والثقة. فأنتِ لن تواجهي عائلتك وأصدقائك الذين يعتقدون أنك قد أصبت بالجنون فقط، ولكن كامرأة عليك أيضاً أن تستجمعي قواك للدخول إلى عالم المسجد حيث الرجال العابسو الوجوه ذوو اللحى الطويلة لن يكلموك.

فإن كنت واحدة من معتنقات الإِسلام في بعض نواحي إنكلترا الشمالية حيث يغلب على المساجد الطابع الآسيوي، يجدر بك أن تعلمي الكثير عن الثقافات الآسيوية بالإضافة إلى تعلّم الإِسلام.

تنجلي تلك العبسات عن حياء ورقة وتقوى وصداقة صادقة وضيافة وكرم؛ ولكن يعتبر من الفظاظة أن يبدو الرجل وكأنه متحمس للتحدث مع النساء أو للنظر إليهن أكثر من نظرة واحدة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الكثير من المساجد لا تحوي بعد على مصلّى للنساء.

٣١٠

اكتساب الثقة:

لكننا نحن الذين نعتنق الإِسلام نكتسب الثقة شيئاً فشيئاً، فلم نعد نشعر بأنه علينا أن نتظاهر بأننا عرب أو باكستانيون لنشعر بالانتماء.

فنحن نعلم الآن أن المسلمين متواجدون في كل مكان حول العالم من الأسكيمو إلى أستراليا.

يمكننا أن نختار أسماء عربية، كما يمكننا أن نبقى على أسمائنا القديمة فهذا الأمر ليس ذا قيمة حقاً.

على النساء اختيار ملابس معينة كالبنطال الفضفاض والسترة الطويلة أو التنورة الطويلة. وإن كنا لا نشعر بالانسجام في المساجد المحلية لأننا لا نتقن اللغة العربية، فنحن بدأنا بتنظيم مساجد داخل البيوت ونشكل جماعات فيما بيننا وندعو الآسيويين أيضاً ليكونوا ضيوفنا.

أطياف متعددة من المسلمين.... عائلة واحدة:

بدأنا نحن - معتنقو الإِسلام الجدد - بالقراءة بما فيه الكفاية وبتحصيل العلم بما يمكِّننا من التعبير عن آرائنا حول الأمور من حولنا. فنحن عندنا النضج الكافي لندرك أن ليس كل المسلمين قديسين. فالبشر بشر وجلّنا بعيد عن الكمال.

هكذا نتغلب على الشعور بالخيبة عندما نكتشف أن ليس كل مسلم يحيا كما ينبغي على المسلم أن يحيا للوصول إلى الكمال وبالتالي لا نستسلم أو نتهمهم بالنفاق؛ بل على العكس نبذل أقصى جهدنا لنحيا حياتنا بأفضل طريقة ممكنة.

شيئاً فشيئاً يدرك كافة معتنقي الإِسلام وجود الكثير من أنواع المسلمين.

بعض المسلمين روحانيون في حين أن آخرين يهتمون بظاهر العبادات.

لكن شعورنا يزداد بأنه بإمكاننا أن نجد مكاناً لأنفسنا إلى جانب الآخرين في هذه الأمة الواسعة والعائلة الممتدة، وطالما أننا نقوم بأقصى جهدنا فإن الله سيثيبنا على نوايانا الحسنة.

٣١١

جيمي بور

من عارضة أزياء إلى امرأة مسلمة

السلام عليكم، إسمي جيمي

وُلدت وترعرعت على المسيحية الحديثة غير الطائفية ولم أجد فيها أجوبة لما كنت أبحث عنه، ولمدة 31 عاماً كمسيحية، لم أشعر يوماً بالله. حاولت وبكل ما بوسعي ولكني لم أشعر به على الإطلاق. كنت عارضة لبلادي ولمدة خمس سنوات، تعاطيتُ الكثير من المخدرات خلال تلك الفترة كنت أستخدمها كمساعد لفقدان الوزن وكنت أستخدمها لمرة واحدة لأُبعد نفسي عن الإكثار من تناول الطعام. كنت أعتقد بأنني قوية لأتجنب الإدمان على المخدرات التي تحوّل كل من يستخدمها إلى مدمن. بدأتُ أفكر بأني سآخذها لأسبوعين إلّا أنني أصبحتُ مدمنة ليل نهار. أخذتني المخدرات إلى الحضيض والدمار الكامل، فقد كان زوجي يتعاطى المخدرات كذلك. ما دفعه ليكون عنيفاً معي، حتى أني كنت خائفة على حياتي.

قررت أن أتوقف عن تعاطيها، فليس هذا ما أريده لحياتي. فقلت له أنني سأتوقف عنها، ضحك وقال: «لن تستطيعي التوقف». فقلت: «سأتوقف عنها». وتوقفت عن تناولها ذلك اليوم ولم أنظر إلى الخلف مرة أخرى، ولم يكن لديَّ أي برنامج لإعادة التأهيل أو أي مساعدة خارجية أو نظام دعم. كان زوجي يضحك، محاولاً أن يثنيني عن عزمي حتى أعود لتناولها من جديد، وبعد ذلك رُزقت بولدي الصغير. تغيّرت نظرتي إلى الحياة بأكملها. فقد أحببتُ ذلك الطفل الصغير الرائع والذي يحتاج إلى أم صالحة، أحببته كثيراً. فأردت تغيير كل شيء كنت قد ركزت عليه سابقاً، لأجله.

كنت في السابق قادرة على فعل أي شيء أريد أن أقوم به، فقد كنت جزءاً من مشاهد هوليوود التي يرغب الجميع بأن يكون جزءاً منها. لم أكن شخصاً جيداً، كنت في السابق، أشرب الكحول وأتعاطى المخدرات. ولكنني لم أعد أريد القيام بهذه الأمور بعد الآن.

٣١٢

قمتُ بالبحث عن الإِسلام لفترة قبل أن أصبح مسلمة، أردتُ أن أعرف وبشكلٍ أساسي سبب كراهية العالم للمسلمين بهذا القدر، لأنني رأيت ما رأيتُ في نشرات الأخبار، ورأيتُ الظلم والعنف وهذا ما دفعني للبحث عن الحقيقة ولمعرفة ما إذا كان الإِسلام كذلك. بدأتُ البحث عن الموضوع، وكلما بحثت أكثر كلما غصت أعمق في الموضوع. فوجدتُ الحقيقة.

تفاجأ الكثير من الناس عندما تخليتُ عن كل الملذات السابقة لأجل أن أكون مسلمة. والغريب هو أنني عندما نطقت الشهادتين أسست بتلاشي الرغبات للقيام بتلك الأمور وبشكل كامل. إنه لشيء رائع أن أستمتع وأشعر بالسلام في قلبي كوني مسلمة.

أعتقد أن الشيء الأساسي الذي أثار إعجابي بالإِسلام هو احترام المرأة. فهناك الكثير من الاحترام للمرأة والأمور التي تقوم بها النساء، حياتنا نحن النساء ليست سهلة، فلدينا الكثير لنفكر فيه ونقلق بشأنه، كعائلاتنا وأزواجنا وأطفالنا. فتربية الأطفال هو أمر صعب جداً، بالإضافة إلى الأعمال المنزلية والطبخ والاعتناء بأزواجنا.. إنها وظيفة صعبة.

وفي الواقع فإن الإِسلام يحترم المرأة لتلك الأسباب. كان سبباً لفصلنا عن الرجال في المساجد حتى لا يتشتت الرجال. يفهم الإِسلام القوة الكامنة في جاذبيتنا ومظهرنا وهو ما يتأثر به الرجال، والإِسلام يحترم هذا الأمر. ما إن أدركتُ هذا حتى تمكنت الفكرة مني وأردتُ أن أصبح مسلمة. اعتناقي للإِسلام أشعرني بالاختلاف فقد جعلني أشعر بالسلام المطلق. كنت في السابق أشعر بعدم الاستقرار، فالكثير من الأشياء كانت في حالة عدم استقرار، والسبب في هذا هو عدم اتخاذ قرار بشأنها. لم يكن لديَّ أيَّ هدف في ذهني ولم يكن هناك سبب لوجودي، لكن اعتناقي للإِسلام أعطاني السلام والأمان والتوازن وهو ما احتجت إليه في حياتي، إسلامي جعل من الأشياء حقيقة، وتستحق أن أكون هنا من أجلها، فأخيراً صار هناك هدف لحياتي وأنا أفهم الآن ما هو الغرض منها. لا نملك الفرصة دوماً للالتقاء بالناس الذين نحتاجهم بصورة جوهرية لنفهمهم. هذا ما جعلني أتردد على المسجد لأتقرب إلى الناس وأفهمهم. وكلما زاد ترددي إلى المسجد، كلما ازداد عدد النساء اللواتي أحطن بي واعتنين بي ومنحنني العطف الموجود في الإِسلام.

٣١٣

لم أفكر أبداً ولو لمرة واحدة في حياتي بأني سأصبح مسلمة على الإطلاق. فقناعاتي تجاه المسلمين كانت مغلوطة للغاية فأنا لم أحبهم، فقد كنت أعتقد بأنهم سيئون ولم أكن لأفكر ولو لمرة بأني سأكون واحدة منهم. ولكن اليوم أنا فخورة وسعيدة جداً، وأريد أن أرتدي الحجاب ليعرف الناس أني مسلمة، حتى لو كرهوني فأنا لا أهتم. أنا أريد أن أبيِّن لهم أن الله موجود في أي شخص وليس فقط في الشرق أوسطيين.

٣١٤

راكيل: مسلمة أميركية...

ضابطة شرطة سابقة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إسمي راكيل، وقد اعتنقت الإسلام.

لقد كنت ضابطة شرطة في مدينة ديترويت وعملت هناك منذ عام 1996 وحتى عام 2004 وقد أُطلق علَيّ النار عام 2002، وكان ذلك أثناء تأدية وظيفتي وكدت أفارق الحياة.

لم أكن أذهب إلى الكنيسة في واقع الأمر، لقد نشأت في منزل مسيحي، فأبواي قسين مسيحيين، وقرأت الكثير عن الكاثوليكية.

لقد لاحظت أن الإسلام منطقي من الناحية الفكرية، أنا لم أحلل الأديان الأخرى وأدرسها، إلّا أنها تبدو وكأنها تحمل الكثير من صنع الإنسان، وأفكاره بدلاً من شريعة الله الأصلية، وهذا كان يزعجني كثيراً. ثم وجدت الإسلام، أكثر دقة تاريخياً ومن حيث أصالة النصوص، ولم يتم تشويهه من خلال الكثير من الترجمات المختلفة.

أعتقد أنه في عام 2002، تم إنقاذ حياتي لسبب، وأعتقد أن هذا السبب هو أن أتمكن من اعتناق الإسلام وأن أصبح مسلمة. لم أكن أعرف كيف أعبد الله، لم أعرف ما هو الدين الذي ينبغي أن أؤمن به، حتى التقيت ببعض الأصدقاء المسلمين، وقد حدثوني باستفاضة، وفسَّروا لي الكثير. لقد كنت أشعر بالقلق حيال إعلان الشهادة لأنني لا أعرف الكثير من الكلمات الإسلامية حتى الآن، فساندتني إحدى الأخوات التي كانت ترعاني في المسجد، وساعدتني حتى أعلن شهادتي وكان الأمر رائعاً فعلاً. لقد استمتعت بمجرد الإعلان أني أشهد أن لا لا إله إلّا الله أمام كل من في المسجد وكان ذلك أبرز الأحداث بالنسبة لي. لم أعد أخاف الموت فيجب أن لا نخشى إلّا الله، ونتحلى بالإيمان، لأنَّ الله واحد وأنا أعرف ذلك لأنني كنت على شفير الموت ولو كنت قد توفيت ذلك اليوم، لا أعرف إن كنت في هذه الحالة سيكون مصيري إلى نار جهنم أم لا، أما الآن فتملأني الثقة والطمأنينة والسعادة لأنني أعرف مصيري إن حدث لي شيء اليوم.

٣١٥

كان سيصيبني الجنون إن تابعت عملي كضابطة شرطة، لأن الناس يهاجمون المسلمين في ديترويت دون سبب على الإطلاق، لاسيما بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، كان الأمر فظيعاً وقد أزعجني، وكنت أردّ بأن كونهم مسلمين لا يعني أنهم متطرفون حيث أزعجني ما رأيت - كضابطة شرطة - في الشوارع والأسلوب الذي كانت تتم به معاملتهم فقد كان في ذلك انعدام للضمير.

أعرف أن تعلُّم لغة جديدة قد يكون محبطاً للبعض، فهي في الأساس ثقافة جديدة، وليست ديناً فحسب، بل أسلوب حياة. وبالنسبة لي لم يكن ذلك محبطاً، كل ما في الأمر هو رغبتي في تعلمها بسرعة أكبر، وأريد أن أتقنها بمفردي، لكن هذا ليس سهلاً وعلَيَّ أن أتعلم كل شيء تقريباً عبر الإنترنت حتى كيفية ارتداء الحجاب، إنها تجربة مذهلة. بدأت أمتنع عن الكثير من المحرمات كشرب الكحول ولم أعد أتناول لحم الخنزير، وبالطبع أشتري الآن لحماً حلالاً. أصبحت في الأربعين وكنت أعرف أنني أرغب في إدخال هذه التغييرات إلى حياتي، وآن الأوان لأنعم بالسلام والهدوء في حياتي وأتقرب إلى الله، وكنت مستعدة تماماً لهذا التغيير وكنت أعرف أن هذا ما تفتقده حياتي. عندما أصلي، أشعر أنَّ الصلاة مؤثرة جداً وأشعر بقدر هائل من الحماية.

أقرأ القرآن الكريم كل يوم، وأجد فيه آداب الإسلام وأتعلم شيئاً جديداً، والناس يقدمون الكثير من المساعدة، فبالرغم من اختلاف العرق، لا يصدر الناس عليك أحكاماً إذا دخلت وأنت أمريكي. بل يقدمون الكثير من الدعم، فالكل يعاملك بكل لطف ويساعد في تعليمك وتوجيهك.

أكثر ما يعجبني في الإسلام هو الحجاب، فأنا أستمتع به، لأكون صادقة تماماً، لا سيما هنا في لاس فيغاس حيث ينظر الرجال إلى النساء بشكل غريب وهذا يثير الخوف. وهكذا أشعر بمزيد من الراحة والأمان. أما في ما يتعلق بإخبار أصدقائي عن اعتناقي الإسلام، لست متأكدة من ردود أفعالهم فمثلاً أفضل صديقاتي من الطفولة تعمل في الواقع في الكنيسة الكاثوليكية، وأعرف أن رد فعلها لهذا سيكون سيئاً، وقد لا نكون أصدقاء بعد الآن. والبعض أظهروا لي الكثير من الدعم أو طرحوا أسئلة مثيرة للاهتمام كذلك، فكان من اللطيف أن أتمكن من أن أنقل أفكاري لهم. من أبرز الأسئلة التي طرحها أصدقائي بصفة خاصة، سواء من الرجال أو النساء، لماذا تغطين رأسك؟ ولماذا تغطين ذراعيك؟

٣١٦

لا سيما عندنا في لاس فيغاس، لأن المجتمع هنا مختلف للغاية مقارنة حتى بالمجتمعات الأمريكية العادية، الناس هنا يرتدون ألبسة مكشوفة خاصة النساء، فقلت بكل بساطة، الأمر يتعلق بالاحتشام، وقد لاحظت أن الناس ينظرون إليّ بشكل مختلف، حتى أن بعض أصدقائي ذكروا أن بعض الناس ينظرون إليّ بمزيد من الإحترام لأنّ الرجال لا ينظرون إليّ كشيء، بل ينظرون إلى وجهي. في ما يتعلق بأفراد أسرتي فهو سيف ذو حدين، إنني أفتقدهم كأشخاص، لكنني لا أفتقد دينهم على الإطلاق. وقد كانوا في غاية القسوة معي، فقد كانت لديّ تجارب رهيبة ومخيفة للغاية، كان والداي يصطحبانني منذ صغري لحضور ممارسات طرد الأرواح الشريرة. فكان لذلك أثر عاطفي هائل على نفسي طوال الوقت. والداي لا يعرفان أنني اعتنقت الإسلام، لم يكن أمامي سوى خيار واحد في رأيهما، وكان إما اختيار أن أكون مسيحية ذات شخصية جذابة مثلهما أو لا يحترمانني مطلقاً وقد أقصياني من العائلة وكان ذلك قبل أن أعتنق الإسلام.

أفضِّل أن تكون لي أسرة مسلمة وأن يكون الله في حياتي، الله الحق، وليس مجموعة من القواعد والقوانين التي أرساها البشر، لقد تسبب دينهما بالكثير من الألم لي، لكن هذا الدين ليس كذلك.

أنا أريد أن أنشر هذا الدين، وأنشر الحب وأنشر السعادة وأنشر السلام، وأوضح للناس أنه يلزم القضاء على كل هذه النماذج النمطية، وأن الإسلام ليس إرهاباً، وأنه رائع للغاية وهذا ما أرغب أنا شخصياً في أن أوضحه للناس.

٣١٧

أسلم بعد جنازة صديقه

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وُلِدتُ وترعرعت في مدينة هاليفاكس في نوفا سكوتيا، أبي رجل أبيض من منطقة برنس إدوارد في كندا وأمي امرأة سوداء من مجتمع يُدعى لوكاس فيل في نوفا سكوتيا.

أمي كانت مسيحية ولقد اعتدت الذهاب معها إلى الكنيسة، وحتى عندما توقفت هي كنت أنا الوحيد من أفراد عائلتي الذي يذهب إلى هناك، عندما كبرت وأصبحت في مرحلة آخر المراهقة، توقفت عن الذهاب إلى الكنيسة، فلم أكن مهتمّاً بمفهوم الدين.

لا زلت أؤمن بالله والعديد من المعتقدات الدينية المسيحية لكنني لم أؤمن بهذا التنظيم الديني.

لقد كنت أعيش في منطقة دارتموت، هي تقع على ميناء مدينة هاليفاكس، ترعرعت هناك حيث كان يوجد عائلة باكستانية كبيرة مسلمة، كنت صديقاً لهم وتعلّمت منهم عن الإسلام بعض الأشياء، فقد كان أحد أفرادها متديّناً، فقد كنت أراه دائماً يذهب إلى المسجد ويصلّي، كان عمري 16 سنة تقريباً عندما أصبحتُ مهتمّاً بالدين الإسلامي وبدأت بالاستفسار عنه، من أصدقائي. وحين بلغت السابعة عشرة - وفي الصيف الذي ما بين الأول الثانوي والثاني الثانوي - انتقلت مع أبي وزوجته من دارتموت للعيش في هاليفاكس، حيث كان هناك العديد من العرب المسلمين، وكانت هذه النقلة بمثابة الصدمة الثقافية بالنسبة لي، لأنني كنت أعيش في كول هاربور، حيث المسلمون قلّة لا تراهم في كل مكان، وبالتالي لا ترى الحجاب أو أيّ شيء من هذا القبيل، بينما في بدفورد يوجد العديد من المسلمين العرب الذين يمكنك معرفتهم بسيماهم. بعد فترة من وصولي إلى هناك، عرف أحد الإخوة العراقيين أنني مهتم بالإسلام فجاء وقال لي بأنهم يقيمون صلاة الجمعة كل أسبوع في المدرسة الثانوية التي كنت أرتادها في وقت استراحة الغداء، فدعاني.

ذهبنا إلى هناك يوم الجمعة والحمد لله كانت تجربة جيدة جداً. كان الخطيب شاباً يافعاً مرحِّباً ومضيافاً وصلّيت معهم على الرغم من أنني لم أعِ ما أفعل، فلقد كنت أقلّدهم. بعد الصلاة تحدّثت إلى الخطيب ورجل آخر كان يأتي للصلاة كل جمعة.

٣١٨

وفي أحد الأيام وبعد انتهائنا من الصلاة سألني ذلك الرجل: «ما رأيك بالإسلام؟» فقلت له: «أنا أؤمن بالدين الإسلامي وأعتقد أنه الدين الصحيح والطريقة المُثلى للحياة» فأجابني: «إذاً يجب أن تصبح مسلماً!» تفاجأت حينها لأنني كنت صغيراً ولا زال أمامي الكثير لأتعلّمه. قال لي: «يجب أن تُسلم لأنك لا تعلم متى ستموت» عندها ضحكت لأنني كنت أبلغ من العمر السابعة عشرة فقط وما زلت صغيراً على الموت، سأموت عندما أصبح جَدَّاً في الثمانينات ويمتلئ شعري شيباً وأحفادي من حولي، فلم أكترث لما كان يقوله.

ذهبت إلى هناك 4 أو 5 مرات بعدها، إلى أن جاءت إجازة الصيف فلم أعد أذهب إلى المدرسة. لكن في يوم من أيام الإجازة الصيفية، كنت أعمل في مطعم، حيث تلقّينا اتصالاً مفاجئاً في وقت الإغلاق من المديرة، التي أخبرتنا فيما بعد أنَّ خالد توفي في حادث اصطدام سيارة. من هو خالد؟ خالد هو أحد الإخوة الفلسطينيين كان يعمل معنا في المطعم لمدة قصيرة وكان صديقي أيضاً فلقد كنا نرتاد نفس المدرسة وتخرجّنا منها معاً. عندما سمعت الخبر لم أصدّقه لأوّل وهلة. هاتفتُ المديرة التي نقلت إلينا الخبر وعندما سمعت صوتها تبكي عرفت حينها بأنه قد مات فعلاً.

لم أستوعب ما الذي يحدث في ذلك الوقت، لكنني في طريقي إلى البيت ماشياً، انهرت باكياً. كانت المرة الأولى التي عرفت فيها أنَّ أحداً توفي في نفس عمري، فكلانا كنا نبلغ الثامنة عشرة من العمر، فقد صدمتني هذه الفاجعة في الصميم..

يوم دفن الجثّة، تعلّمت كيفية الوضوء حيث هاتفت صديقي وعلّمني كيف أتوضأ. وذهبنا أنا وصديقي إلى المسجد في دارتموت لصلاة الجنازة ثم بعد ذلك توجهنا إلى مقبرة المسلمين.

كان الجو مفعماً بالحزن فإخوته وأبوه كانوا هناك والجميع منخرط في البكاء.

عندما وضعوا التراب فوق جثمانه بدأت أنا بالبكاء الشديد، أثناء ذلك شاهدت الشيخ الذي قال لي يجب أن تسلم لأنك لا تعلم متى ستموت. كان هذا بمثابة إشارة لي من عند الله أني قد أموت قريباً وأنَّ كلام الشيخ كان صحيحاً وأنني يجب أن أسلم.

٣١٩

ذهبت إليه مباشرة وأخبرته أنني أريد أن أسلم فقال لي: «أهلاً أليكس، كيف حالك؟ من الرائع رؤيتك مرة أخرى، أتمنى أنك ما زلت مهتمّاً بالإسلام». وسبحان الله في تلك اللحظة، وفي ذلك المكان عند المسجد بجانب المقبرة قلت: «أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله».

بعد ذلك مباشرةً حان وقت صلاة المغرب، وسألني أحد الإخوة إذا كنت أعرف كيفية الوضوء، فقلت نعم. ثم ذهبت إلى دورة المياه لأتوضأ لكنني نسيت مراحل الوضوء فمكثت هناك وقتاً طويلاً محاولاً التذكر. وعندما فرغت من الوضوء كانوا قد انتهوا من صلاة المغرب لكن الشيخ لم يصلِّ بعد وكان بانتظاري ثم صلّينا معاً والحمد لله نشأت بيننا صداقة طيبة من بعد ذلك، فقد استمريت في مقابلته يومياً بعد ذلك لمدة أسبوع حيث علمني سورة الفاتحة وأركان الإسلام.

قبل الإسلام لم أكن أعرف ما الذي يجب أن أفعله وما الذي أريده وما الطريقة المُثلى للعيش.

كنت أعيش وفقاً لفلسفتي الخاصة منجرفاً إلى العديد من العادات السيئة ولكن الحمد لله هداني ربي إلى الطريق الصحيح قبل الوقوع في الطريق السيء.

الكثير قد يجادل بأنَّ السبب وراء اعتناقي الدين الإسلامي هو عاطفتي. ولكن لم تكن الأسباب كذلك، لأنني كنت مقتنعاً أصلاً بأنَّ الدين الإسلامي هو الدين الحق لكنني كنت بحاجة إلى دفعة في الاتجاه الصحيح. فهذه الحادثة جعلتني أعي أنني قد أموت في أي دقيقة وكانت الحادثة إشارة لي بما أنني كنت مقتنعاً بالإسلام فلماذا أنتظر حتى أبلغ العشرين أو الثلاثين أو الأربعين من عمري؟ ولهذا أسلمت وبذلت جهداً في تعلّم الإسلام وأركانه ومبادئه.

أتوق إلى شهر رمضان هذا العام، وأستمتع باختباره مجدداً. نؤدي الشعائر الدينية بشكل أفضل كقراءة الأدعية والذهاب إلى المسجد دوماً وتلاوة القرآن الكريم.

أنا الآن أكثر اقتناعاً من قبل بأنَّ الدين الإسلامي هو الدين الصحيح لأنني رأيت براهين القرآن الكريم ومعجزاته.

حياتي بعد الإسلام تحسّنت كثيراً، فالإسلام هداني إلى الاتجاه الصحيح للحياة وهو أن أعيش حياة مستقيمة ومتديّنة بعد أن كنت متخبطاً قبل ذلك.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571