حقائق الاصول الجزء ١

حقائق الاصول13%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 571

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 571 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 211981 / تحميل: 5768
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

المعاملات ان كانت موضوعة للمسببات فلا مجال للنزاع في كونها موضوعة للصحيحة أو للاعم لعدم اتصافها بهما كما لا يخفى بل بالوجود تارة وبالعدم اخرى واما ان كانت موضوعة للاسباب فللنزاع فيه مجال لكنه لا يبعد دعوى كونها موضوعة للصحيحة ايضا وان الموضوع له هو العقد المؤثر لاثر كذا شرعا وعرفا والاختلاف بين الشرع والعرف

______________________________

و (صالحت) و (آجرت) و (ملكت) و (بادلت) وكذا الحال في غيرها من معاني ألفاظ العقود والايقاعات انما تكون موضوعة لنفس المعاني التي يقصد المتكلم ايجادها ادعاء أو حقيقة حسبما عرفت فمعانيها هي التي تكون معلولة للانشاء وموجودة به فان كان الانشاء جامعا لما يعتبر في ترتبها عليه ترتب عليه وكان صحيحا والا لم يترتب عليه وكان فاسدا فليست تلك الالفاظ إلا موضوعة لنفس المسببات التي لا تتصف بالصحة والفساد (الثالث) في أنها - بناء على انها موضوعة للاسباب - موضوعة للصحيح أو للاعم فنقول: لا ريب في إمكان تصوير الجامع في المقام ولو منعنا تصويره في العبادات للفرق بين المقامين من جهة اختلاف مراتب الصحيح والفاسد وافرادهما بنحو لا تدخل تحت ضابط هناك، بخلاف المقام إذ يمكن تصور مفهوم انشاء البدلية بين المالين في البيع ومفهوم إنشاء علقة الزوجية بين الزوجين في النكاح فيوضع له لفظ البيع والنكاح مطلقا كان جامعا لما يعتبر في ترتب الاثر عليه أولا، ومن هنا لم يجزم المصنف (ره) هنا بالوضع للصحيح حيث قال: لا يبعد دعوى... الخ ولكن عرفت الاشارة إلى أن تبادل وصفي الصحة والفساد على أمر واحد يعبر عنه بلفظ خاص دليل قطعي على كونه موضوعا للاعم وتبادر الصحيح ناشئ من الاطلاق لا من حاق اللفظ - مع أن الشك في أنه مستند إلى نفس اللفظ أو القرينة مانع من التمسك به على دعوى الحقيقة كما تقدم (قوله: المعاملات) الظاهر أن المراد بها ما يقابل العبادات فيشمل مفاهيم جميع العقود والايقاعات (قوله: المؤثر لاثر كذا شرعا وعرفا) الاحتمالات في بدو النظر ثلاثة (الاول) أن تكون موضوعة

٨١

للسبب المؤثر شرعا (الثاني) أن تكون موضوعة للسبب المؤثر عرفا (الثالث) أن تكون موضوعة للسبب المؤثر شرعا وعرفا (فعلى) الاول يكون بين البيع الشرعي والعرفي مثلا عموم من وجه إذ قد لا يكون المؤثر عرفا مؤثرا شرعا كما في بيع الصبي المميز وقد يكون المؤثر شرعا ليس بيعا عرفا كما في بيع الولي فتأمل (وعلى الثاني) يكونان متساويين ويكون اعتبار بعض الخصوصيات في ترتب الاثر شرعا لا في المسمى (وعلى الثالث) يكون البيع الشرعي أخص مطلقا من البيع العرفي إذ كل ما هو مؤثر شرعا وعرفا مؤثر عرفا ولا عكس، وظاهر المصنف (ره) أن المؤثر شرعا هو المؤثر عرفا لان المراد من المؤثر المؤثر واقعا والاختلاف بين الشرع والعرف ليس في نفس المؤثر بل في اعتقاد المؤثرية فقد يعتقد العرف أن البيع الفلاني مؤثر كبيع المجهول ولا يكون كذلك في نظر الشارع فلا يكون الاختلاف حينئذ في معنى اللفظ بل الاختلاف في تطبيق المعنى لا غير فلا مجال حينئذ للاحتمالات الثلاثة لانها مبنية على مغايرة المؤثر واقعا عند العرف للمؤثر واقعا عند الشرع وهو كلام متين لكنه يتوقف على أن يكون التأثير والتأثر واقعيا والاختلاف نظريا اعتقاديا لكن الظاهر انه ليس كذلك لان مؤثرية الانشاء في الامر الاعتباري ليس من قبيل مؤثرية العلة في المعلول بحيث يكون وجوده تابعا لوجودها واقعا جامعا لما يعتبر في فعلية التأثير بلا توقف على الاعتبار بل مؤثرية المنشأ في الامر الاعتباري بمعنى أن يكون منشأ للاعتبار في نظر المعتبر وهذا المعنى مما لا يقبل التصويب والتخطئة، وعدم صلاحية المنشأ للاعتبار في نظر الشارع لا ينافي كونه منشأ عندهم واقعا بحيث يكون وجوده منشأ الاعتبار عندهم لان الاعتبار تابع لكون الشئ منشأ في نظر المعتبر لا كونه منشأ واقعا فإذا للاحتمالات المتقدمة مجال والمتعين من بينها هو الثاني لاصالة عدم النقل لو كان المدعى الوضع لغيره وأصالة الحقيقة لو كان المدعى الاستعمال في غيره وليست ألفاظ المعاملات إلا كسائر الالفاظ الحاكية عن سائر الموضوعات اللغوية والعرفية مثل لفظ التمر والخمر والماء في وجوب حملها على معانيها

٨٢

فيما يعتبر في تأثير العقد لا يوجب الاختلاف بينهما في المعنى بل الاختلاف في المحققات والمصاديق وتخطئة الشرع العرف في تخيل كون العقد بدون ما اعتبره في تأثيره محققا لما هو المؤثر كما لا يخفى فافهم. (الثاني) أن كون الفاظ المعاملات أسامي للصحيحة لا يوجب إجمالها كالفاظ العبادات

______________________________

إلا أن تقوم قرينة على خلافها وحينئذ يكون اعتبار بعض الخصوصيات فيها لاجل ترتب الاثر لا في المسمى كما عرفت " فتلخص " أنه لو كانت الالفاظ موضوعة للاسباب لا للمسببات وكانت موضوعة لخصوص الصحيح لا للاعم فالمراد من الصحيح الصحيح العرفي فافهم (قوله: فيما يعتبر) متعلق بالاختلاف (قوله: في تخيل) متعلق بتخطئة (قوله: ما اعتبره) يعنى الشارع (قوله: محققا) خبر (كون) يعني مصداقا (قوله: فافهم) لعله اشارة إلى ما عرفت. ثم إنه لو كانت الالفاظ موضوعة للمسببات فلا ريب في أن معانيها عند الشارع هي معانيها عند العرف ويكون الاختلاف بين الشرع والعرف في تحققها ببعض الاسباب وعدم تحققها فمع تحققها في نظر الشارع واعتباره تترتب آثارها ومع عدمه لا تترتب ولا اعتبار بتحققها عند العرف أصلا (قوله: لا يوجب إجمالها) لا ينبغي الاشكال في جواز التمسك بالاطلاقات عند الشك في صحة معاملة أو إيقاع إذا أحرز انطباق عنوان المطلق على مشكوك الصحة بناء على أنها موضوعة للصحيح عرفا فانه بعد إحراز صحته عرفا يحرز موضوع المطلق فيرجع إلى الاطلاق في اثبات حكمه وأثره. نعم يتسجل الاشكال بناء على الوضع للصحيح الشرعي نظير الاشكال في إطلاق أدلة العبادات فانه إذا شك في صحة البيع شرعا فقد شك في كون العقد الخارجي بيعا فلا مجال للتمسك في مثل قوله تعالى: أحل الله البيع، مع أن بناء الاصحاب على التمسك بها لاثبات الصحة كما يظهر بأدنى مراجعة، وقد دفعه المصنف " ره " بأن مقتضى ذلك عدم جواز التمسك

٨٣

كي لا يصح التمسك باطلاقها عند الشك في اعتبار شئ في تأثيرها شرعا وذلك لان اطلاقها لو كان مسوقا في مقام البيان ينزل على أن المؤثر عند الشارع هو المؤثر عند أهل العرف ولم يعتبر في تأثيره عنده غير ما اعتبر فيه عندهم كما ينزل عليه اطلاق كلام غيره حيث انه منهم ولو اعتبر في تأثيره ما شك في اعتباره كان عليه البيان ونصب القرينة عليه وحيث لم ينصب بان عدم اعتباره عنده ايضا ولذا يتمسكون بالاطلاق في أبواب المعاملات مع ذهابهم إلى كون الفاظها موضوعة للصحيح نعم لو شك في اعتبار شئ فيها عرفا

______________________________

باطلاق لفظ المعاملة أما الاطلاق المقامي للكلام فلا مانع منه، وتوضيح ذلك أنا إذا احرزنا بيعا عرفيا صح قولنا: هذا بيع عرفا، وان لم يصح قولنا: هذا بيع شرعا، للشك في كونه كذلك مع الشك في صحته كما تقدم في تقرير الاشكال إلا أن ورود الكلام المذكور في مقام البيان يدل على أن كل بيع عرفي بيع شرعي فانه لولا ذلك لزم الاجمال فيلزم نقض الغرض ولاجل ذلك ثبتت الصحة بعد تأليف قياسين أحدهما مركب من الصغرى الوجدانية أعني قولنا: هذا بيع عرفا، وكبرى شرعية دل عليها الاطلاق وهي: كل بيع عرفي بيع شرعى فينتج: هذا بيع شرعي، فتكون صغرى للكبرى المستفادة من الآية الشريفة أعني قولنا: كل بيع حلال، فينتج: هذا بيع حلال (أقول) يمكن دفع الاشكال في مثل المثال بانه لو كان البيع موضوعا لما هو صحيح شرعا كما هو المفروض امتنع حمله عليه لان الحل يكون داخلا في المراد من لفظ البيع لا حكما له فلو جاز عقلا جعله حكما له كان لغوا فيمتنع فلابد أن يحمل على البيع العرفي فلا مجال للاشكال المذكور إذ لا مانع حينئذ من التمسك به بمجرد إحراز كون العقد الخارجي بيعا نعم يختص الاشكال بالاحكام الزائدة على وصف الصحة، كما أنه أيضا يندفع بناء على ما عرفت من كونها أسامي للمسببات بالاطلاق المقامي الذي ذكره المصنف " ره " فلاحظ (قوله: كي لا يصح) مترتب على اجمالها (قوله: وذلك لان) تعليل لنفى التمسك (قوله: ولو اعتبر)

٨٤

فلا مجال للتمسك باطلاقها في عدم اعتباره بل لابد من اعتباره لاصالة عدم الاثر بدونه فتأمل جيدا (الثالث) ان دخل شئ وجودي أو عدمي في المأمور به تارة بأن يكون داخلا فيما يأتلف منه ومن غيره وجعل جملته متعلقا للامر فيكون جزءا له وداخلا في قوامه واخرى بأن يكون خارجا عنه لكنه كان مما لا يحصل الخصوصية المأخوذة فيه بدونه كما إذا أخذ شئ مسبوقا أو ملحوقا به أو مقارنا له متعلقا للامر فيكون من مقدماته لا مقوماته

______________________________

*

يعني الشارع (قوله: فلا مجال للتمسك) لعدم إحراز عنوان المطلق بناء على الوضع عند العرف للصحيح (قوله: في عدم) يعني لاثبات عدم... الخ (قوله: إن دخل شئ وجودي) الحكم إما يتعلق بامر واحد لا تكثر فيه أو بامور متكثرة على نحو ينبسط عليها فينحل إلى حصص ضمنية يختص كل منها بحصة وكيف كان فموضوع الحكم إما أن يكون مطلقا أو مقيدا بحال وجودي آخر أو عدمي سابق أو لاحق أو مقارن، فان كان الموضوع من الاول فهو البسيط الذي لا جزء له، وان كان من الثاني فهو المركب، وكل واحد من الامور المتكثرة جزء له وإن أخذ مطلقا فهو الذي لا شرط له وان اخذ مقيدا فذلك القيد شرطه وبهذا يظهر الفرق بين الجزء والشرط فان الاول موضوع لحصة من الحكم والثاني خارج عن الموضوع ثم إن الجزء والشرط تارة يلحظان بالاضافة إلى نفس الماهية وأخرى بالاضافة إلى الفرد أعني الحصة المتشخصة من الماهية، فان لوحظا على النحو الاول كان انتفاء كل منهما موجبا لانتفاء الماهية نفسها وان لوحظا على النحو الثاني كان انتفاء كل منهما موجبا لانتفاء الفرد مع امكان وجود الماهية بفرد آخر سواه (قوله: وجعل) معطوف على يأتلف (قوله: فيه بدونه) يعني في المأمور به بدون ذلك الشئ (قوله: شئ مسبوقا) المراد من الشئ موضوع الامر ومن ضمير (به) و (له) الشئ الدخيل يعني الشرط، مثال المسبوق

٨٥

(وثالثة) بأن يكون مما يتشخص به المأمور به بحيث يصدق على المتشخص به عنوانه وربما يحصل له بسببه مزية أو نقيصة، ودخل هذا فيه أيضا طورا بنحو الشطرية وآخر بنحو الشرطية فيكون الاخلال بما له دخل باحد النحوين في حقيقة المأمور به وماهيته موجبا لفساده لا محالة بخلاف ماله الدخل في تشخصه وتحققه مطلقا شطرا حيث لا يكون الاخلال به الا اخلالا بتلك الخصوصية مع تحقق الماهية بخصوصية أخرى غير موجبة لتلك المزية بل كانت موجبة لنقصانها كما اشرنا إليه كالصلاة في الحمام ثم إنه ربما يكون الشئ مما يندب إليه فيه بلا دخل له أصلا لا شطرا ولا شرطا في حقيقته ولا في خصوصيته وتشخصه بل له دخل ضرفا في مطلوبيته بحيث لا يكون مطلوبا الا إذا وقع في أثنائه فيكون مطلوبا نفسيا في واجب أو مستحب كما إذا كان مطلوبا كذلك قبل احدهما أو بعده فلا يكون الاخلال به موجبا للاخلال به ماهية ولا تشخصا وخصوصية اصلا إذا عرفت هذا كله فلا شبهة في عدم دخل ما ندب إليه في العبادات نفسيا في التسمية باساميها وكذا فيما له دخل في تشخصها مطلقا، وأما

______________________________

الطهارات الثلاث بناء على أنها نفس العمل الخارجي لا الاثر الحاصل منها والا كانت كالستر والاستقبال من المقارن ومثال الملحوق سجود السهو (قوله: وثالثة) إشارة إلى ماله دخل في الفرد (قوله: عنوانه) (أي) عنوان المأمور به (قوله: باحد النحوين) يعنى الشطرية والشرطية (قوله: بتلك الخصوصية) يعني بالفرد سواء أكان جزءا كما في جميع موارد التخيير بين الاقل والاكثر أم شرطا ككون الصلاة في المسجد أو في البيت أو في الحمام (قوله: كما أشرنا إليه) يعني في قوله سابقا مزية أو نقيصة (قوله: ثم إنه ربما يكون... الخ) يعني أن ما تقدم كله في صورة دخل شئ في المأمور به على أحد الانحاء وقد يكون الشئ غير دخيل في المأمور به اصلا بل يكون المأمور به دخيلا فيه بان يكون ظرفا له ويكون الشارع قد أمر بفعل ذلك الشئ في المأمور به فيكون المأمور به شرطا له بذاته عكس الصورة السابقة أو شرطا للامر به (قوله: به موجبا) الضمير الاول راجع إلى الشئ

٨٦

ماله الدخل شرطا في أصل ماهيتها فيمكن الذهاب أيضا إلى عدم دخله في التسمية بها مع الذهاب إلى دخل ماله الدخل جزءا فيها فيكون الاخلال بالجزء مخلا بها دون الاخلال بالشرط لكنك عرفت ان الصحيح اعتبارهما فيها (الحادي عشر) الحق وقوع الاشتراك للنقل والتبادر وعدم صحة السلب بالنسبة إلى معنيين أو اكثر للفظ واحد وان احاله بعض لاخلاله بالتفهم المقصود من الوضع لخفاء القرآئن لمنع الاخلال (اولا) لامكان الاتكال على القرآئن الواضحة ومنع كونه مخلا بالحكمة (ثانيا) لتعلق الغرض بالاجمال احيانا، كما ان الاستعمال المشترك في القرآن ليس بمحال

______________________________

والثاني إلى المأمور به (قوله: فيمكن الذهاب) قد تقدمت حكايته عن البهبهاني (ره) (قوله: أن الصحيح اعتبارهما) لتوقف الصحة على وجود الشرط كتوقفها على وجود الجزء، ولعل الباعث على هذا المذهب ان الشرط ليس مؤثرا في المصلحة وإنما المؤثر تمام الاجزاء وإنما يكون دخله فيها بملاحظة توقف تأثيرها فيها عليه فيمكن الوضع له والاشارة إليه بمفهوم: المقتضي للتأثير، كما يمكن الاشارة إلى الصحيح با (لمؤثر فعلا) وحيث أمكن الوضع له كما أمكن الوضع للصحيح أمكن إثبات ذلك ببعض الادلة المتقدمة للقول بالاعم، لكن التحقيق ما عرفت ومنه سبحانه نستمد التوفيق.

الاشتراك

(قوله: للنقل) يعني من أهل اللغة حيث نقلوا أن (قرء) للطهر والحيض، و (البيع) و (الشراء) لكل من فعل الموجب والقابل " وعين " للنابعة وغيرها و " وعسعس " لا " أقبل " و " أدبر " إلى غير ذلك (قوله: والتبادر) يعني تبادر كل من المعنيين بخصوصه على نحو يكشف عن خصوصية للفظ مع كل منهما (قوله: لاخلاله) تعليل للمنع (قوله: لخفاء)

٨٧

كما توهم لاجل لزوم التطويل بلا طائل مع الاتكال على القرائن والاجمال في المقال لولا الاتكال عليها وكلاهما غير لائق بكلامه تعالى جل شأنه كما لا يخفى، وذلك لعدم لزوم التطويل فيما كان الاتكال على حال أو مقال أتى به لغرض آخر ومنع كون الاجمال غير لائق بكلامه تعالى مع كونه مما يتعلق به الغرض والا لما وقع المشتبه في كلامه وقد اخبر في كتابه الكريم بوقوعه فيه قال الله تعالى: (فيه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات) وربما توهم وجوب وقوع الاشتراك في اللغات لاجل عدم تناهي المعاني وتناهي الالفاظ المركبات فلا بد من الاشتراك فيها (وهو فاسد) بوضوح امتناع الاشتراك في هذه المعاني لاستدعائه الاوضاع غير المتناهية، ولو سلم لم يكد يجدي الا في مقدار متناه مضافا إلى تناهي المعاني الكلية، وجزئياتها وان كانت غير متناهية الا أن وضع الالفاظ بازاء كلياتها يغني عن وضع لفظ بازائها كما لا يخفى - مع أن المجاز باب واسع فافهم

______________________________

تعليل للاخلال (قوله: كما توهم) لكن الوجدان يمنعه كما عرفت من الامثلة (قوله: بلا طائل) هذا غير ظاهر إذ قد يقتضي المقام التطويل (قوله: والاجمال) معطوف على التطويل (قوله: وذلك لعدم) تعليل لقوله: ليس بمحال، (قوله: وتناهي) تناهي الالفاظ ممنوع وتناهي الحروف لا يقتضي تناهي ما يتركب منها كما في الاعداد فكأن المراد تناهي ما يمكن أن يسهل معه الاستعمال (قوله: في هذه المعاني) يعني غير المتناهية (قوله: ولو سلم) يعني لو سلم عدم اقتضائه الاوضاع غير المتناهية أو عدم استدعائه لذلك (قوله: مقدار متناه) لانه محل الحاجة إلى الاستعمال فيلغو الوضع لغيره حتى يلزم الاشتراك (قوله: واسع فافهم) لعله اشارة إلى دعوى عدم تيسر المناسبة المصححة للاستعمال في جميع المعاني، والله سبحانه أعلم

٨٨

(الثاني عشر) انه قد اختلفوا في جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى على سبيل الانفراد والاستقلال بأن يراد منه كل واحد كما إذا لم يستعمل إلا فيه على أقوال أظهرها عدم جواز الاستعمال في الاكثر عقلا (وبيانه) أن حقيقة الاستعمال ليس مجرد جعل اللفظ علامة لارادة المعنى بل جعله وجها وعنوانا له بل بوجه نفسه كأنه الملقى ولذا يسري

______________________________

استعمال المشترك في اكثر من معنى

(قوله: بأن يراد منه كل واحد كما... الخ) الاستعمال في اكثر من معنى يتصور على وجوه أشار إليها في الفصول فانه (تارة) يستعمل في معنى يتناول جميع المعاني (وأخرى) يستعمل في كل واحد على سبيل الترديد والبدل كالنكرة " وثالثة " يستعمل في المجموع " ورابعة " يستعمل في كل واحد منها كما لو لم يستعمل الا فيه، وفى الفصول جعل الاخير محل النزاع في المقام دون ما قبله، وكذا ظاهر المصنف " ره "، وهو بالنسبة إلى الاولين في محله، بل في كونهما من الاستعمال في المعنى المتعدد نظر ظاهر، لكنه بالنسبة إلى الثالث محل تأمل إذ الظاهر من بعض أدلة المجوزين والمانعين والمفصلين دخوله في محل النزاع، بل هو الذي يقتضيه ظاهر العنوان (قوله: كما إذا لم يستعمل) يعني بحيث يكون كل واحد منهما مدلولا مطابقيا للفظ لا تضمنيا كما في الصورة الثالثة (قوله: وبيانه أن حقيقة الاستعمال) لا ينبغي التأمل في أن استعمال اللفظ في المعنى عبارة عن ملاحظة اللفظ والمعنى معا على نحو يكون اللفظ مرآة للمعنى وحاكيا عنه فيكون اللفظ ملحوظا باللحاظ الآلي والمعنى ملحوظا باللحاظ الاستقلالي ثم إن المفهوم المحكي باللفظ قد يكون واحدا كمفهوم النقطة المحكي بلفظها، وقد يكون متعددا كمفهوم العشرة المحكي بلفظها فان لفظ العشرة تحكي آحادا متعددة متكثرة هي تمام العشرة الذي يدل عليه بالمطابقة لفظ العشرة، فلفظ العشرة عند استعماله في تمام العشرة

٨٩

إليه قبحه وحسنه كما لا يخفى ولا يكاد يمكن جعل اللفظ كذلك الا لمعنى واحد ضرورة ان لحاظه هكذا في ارادة معنى ينافي لحاظه كذلك في ارادة الآخر حيث ان لحاظه كذلك لا يكاد يكون الا بتبع لحاظ المعنى فانيا فيه فناء الوجه في ذى الوجه والعنوان في المعنون ومعه كيف يمكن ارادة معنى آخر كذلك في استعمال واحد مع استلزامه للحاظ آخر غير لحاظه كذلك في هذا الحال (وبالجملة) لا يكاد يمكن في حال استعمال واحد لحاظه وجها لمعنيين وفانيا في الاثنين إلا أن يكون اللاحظ

______________________________

مستعمل في المعنى المتكثر المتعدد في نفسه وبواسطة طروء الاستعمال والحكاية عليه يكون المعنى واحدا فهو قبل الاستعمال معنى متكثر وبعده معنى واحد، ومنه يظهر أن كل لفظ مستعمل له معنى واحد بعد الاستعمال أما قبله فقد يكون واحدا وقد يكون متكثرا متعددا، وحينئذ نقول: استعمال اللفظ في معنيين إن كان المراد منه استعماله في معنيين قبل الاستعمال وان كان بالاستعمال يكون معنى واحدا يدل عليه اللفظ بالمطابقة وعلى كل منهما بالتضمن فذلك مما لا مانع منه عقلا، وإن كان المراد منه استعماله في معنيين بلحاظ ما بعد الاستعمال بحيث يكون دالا على كل منهما بالمطابقة فذلك مما لا يعقل لان اثنينيتهما بالاستعمال تتوقف على تعدد الاستعمال لشخص اللفظ وهو ممتنع لانه يتوقف على تعدد اللحاظ له في زمان واحد فوحدة الاستعمال - كما هو المفروض في العنوان - تقتضي وحدة المعنى المستعمل فيه (فتحصل) أن المراد من المعنيين في محل النزاع ان كان المعنيين بالنظر إلى ما قبل الاستعمال فلا مانع عقلا من الاستعمال فيهما، وإن كان المعنيين بالنظر إلى ما بعد الاستعمال فهو ممتنع " ولعل " من هنا يظهر إمكان كون النزاع في جوازه عقلا وعدمه لفظيا ناشئا من الخلط بين الوحدة والتعدد بلحاظ ما قبل الاستعمال وما بعده (قوله: إليه قبحه) الضمير الاول راجع إلى اللفظ والثاني إلى المعنى (قوله: كذلك) يعني وجها وعنوانا لتمام المعنى (قوله: مع استلزامه) بيان لعدم

٩٠

أحول العينين فانقدح بذلك امتناع استعمال اللفظ مطلقا مفردا كان أو غيره في أكثر من معنى بنحو الحقيقة أو المجاز ولولا امتناعه فلا وجه لعدم جوازه فان اعتبار الوحدة في الموضوع له واضح المنع

______________________________

الامكان (قوله: احول العينين) يعني فيرى اللفظ الواحد اثنين فيجعل كل واحد منهما فانيا في معنى واحد (قوله: أو غيره) يعنى التثنية والجمع فان علامتهما تقتضي التكرار في المفهوم المراد من مدخولها فالتكرار من ماهيتين ان كان بنحو يجعل فيه مدخول العلامة حاكيا عن ماهيتين بما هما معنى واحد فلا مانع منه عقلا وإن كان حاكيا عن كل واحدة منهما امتنع عقلا لما تقدم (قوله: بنحو الحقيقة أو المجاز) لاطراد المانع المتقدم من لزوم اجتماع اللحاظين (قوله: امتناعه) يعني عقلا (قوله: جوازه) يعني لغة حقيقة (قوله: فان اعتبار الوحدة) تنبيه على وجه عدم الجواز على الحقيقة وحاصل الوجه ان اللفظ موضوع للمعنى بقيد الوحدة فإذا استعمل في المعنيين فقد الغي فيه القيد واستعمل في غير معناه (قوله: واضح المنع) إذ الوحدة المحتمل بدوا أخذها قيدا للمعنى ليست إلا الوحدة اللحاظية في مقام استعمال اللفظ فيه إذ هي التي ينافيها الاستعمال في المعنيين ومن الواضح عدم أخذ هذه الوحدة في الموضوع له لان ذلك يستدعي أخذ اللحاظ الاستعمالي في المعنى المستعمل فيه فيرد عليه ما تقدم في مبحث تبعية الدلالة للارادة، أما الوحدة الخارجية فلا تقتضي كون الاستعمال في المعنيين مجازا لان المعنى إن كان وحده في الخارج فقيده حاصل ولا تجوز وإلا كان الاستعمال مجازا ولو لم يستعمل اللفظ الا فيه هذا ويمكن أن يقال: ان اعتبار الوحدة اللحاظية كذلك قيدا في المعنى لا توجب التجوز إذا كان الاستعمال في كل من المعنيين بالنحو الذي هو مورد النزاع حسبما ذكر المصنف إذ اللفظ لم يستعمل الا في كل من المعنيين وحده وامتناع الاستعمال كذلك حسبما تقدم لا يقدح، إذ المفروض التنزل عنه فالاستعمال في المعنيين إنما يوجب المجاز

٩١

وكون الوضع في حال وحدة المعنى وتوقيفيته لا يقتضى عدم الجواز بعد ما لم تكن الوحدة قيدا للوضع ولا للموضوع له كما لا يخفى. ثم لو تنزلنا عن ذلك فلا وجه للتفصيل بالجواز على نحو الحقيقة في التثنية والجمع وعلى نحو المجاز في المفرد مستدلا على كونه بنحو الحقيقة فيهما لكونهما بمنزلة تكرار اللفظ وبنحو المجاز فيه لكونه موضوعا للمعنى بقيد الوحدة فإذا استعمل في الاكثر لزم إلغاء قيد الوحدة فيكون مستعملا في جزء المعنى بعلاقة الكل والجزء فيكون مجازا

______________________________

لو كان في مجموع المعنيين الذي هو خارج عن محل النزاع عند المصنف " ره " فتأمل (قوله: وكون الوضع) هذا اشارة إلى ما ذكره بعض المحققين من ان اللفظ وإن لم يوضع للمعنى بقيد الوحدة إلا أنه موضوع له في حال الوحدة فإذا استعمل في المعنى في حال الانضمام إلى غيره كان استعمالا في غير ما وضع له، ودفعة المصنف (ره) بان الوحدة لما لم تكن قيدا للوضع ولا للموضوع له لم يخرج الاستعمال عن كونه استعمالا في المعنى الموضوع له " أقول ": إن كان مقصود المصنف (ره) انكار الواسطة بين الاطلاق والتقييد فإذا لم يكن المعنى الموضوع له مقيدا بالوحدة كان مطلقا (ففيه) أولا أن الاهمال نوع في قبال الاطلاق والتقييد قد تكون عليه الماهية كما تكون مطلقة أو مقيدة، وثانيا أنه كما يمتنع التقييد في المقام يمتنع الاطلاق ايضا لامتناع تعلق الاستعمال بالمعنى المطلق بلحاظ ذلك الاستعمال، وإن كان مقصوده أن الوضع للمعنى في حال لا يقتضي أن يكون الاستعمال فيه في غير ذلك الحال مجازا (ففيه) المنع إذ الاستعمال الحقيقي ما يكون مطابقا للوضع حتى بلحاظ الحال، اللهم إلا أن يكون مقصوده لا يقتضي عدم الجواز مطلقا ولو مجازا فتأمل (قوله: وتوقيفيته) يعني توقيفية الوضع (قوله: تنزلنا عن ذلك) يعني عن منع أخذ الوحدة قيدا في الموضوع له فقلنا انها قيد له فاللازم القول بالمنع مطلقا ولا وجه للتفصيل... الخ (قوله: للتفصيل) هذا التفصيل للمعالم،

٩٢

وذلك لوضوح أن الالفاظ لا تكون موضوعة إلا لنفس المعاني بلا ملاحظة قيد الوحدة وإلا لما جاز الاستعمال في الاكثر لان الاكثر ليس جزء المقيد بالوحدة بل يباينه مباينة الشئ بشرط شئ والشئ بشرط لا كما لا يخفى، والتثنية والجمع وان كانا بمنزلة التكرار في اللفظ إلا أن الظاهر ان اللفظ فيهما كأنه كرر واريد من كل لفظ فرد من أفراد معناه لا أنه أريد منه معنى من معانيه فإذا قيل مثلا: جئني بعينين، أريد فردان من العين الجارية لا العين الجارية والعين الباكية،

______________________________

(قوله: وذلك لوضوح) الانسب بما نزلنا عليه عبارة المتن أن يقال: لوضوح امتناع الاستعمال في الاكثر لان الاكثر... الخ إذ ما ذكره قد فرض التنزل عنه، (قوله: بل يبانه مباينة) قد عرفت الاشارة إلى أن هذا لا يتم بناء على امكان كون اللفظ مستعملا في كل واحد من المعنيين كما لو استعمل فيه وحده فهذا مجارات من المصنف (ره) للمفصل الذي لا يتصور دليله إلا في الاستعمال في مجموع المعنيين (قوله: بشرط شئ والشئ) فان قلت: كيف يكون كذلك إذا كان الاستعمال في مجموع المعنيين بملاحظة الوضع لكل منهما مقيدا بالوحدة فان كل واحد يكون جزءا للمعنى الموضوع له. نعم يتم لو كان الاستعمال في المجموع بملاحظة الوضع لاحدهما بعينه بقيد الوحدة " قلنا ": إذا كان الاستعمال في المجموع فالعلاقة إنما تلحظ بين المجموع وأحد المعنيين، ولا وجه لملاحظة العلاقة بين أحدهما في حال الانضمام وبينه مقيدا بالوحدة لان أحدهما حينئذ جزء المعنى المستعمل فيه والجزء ليس موردا لملاحظة علاقة المجاز بل موردها تمام المعنى وهو في المقام مجموع المعنيين - مع أن النسبة بين أحدهما في هذه الحال وبين المعنى المقيد بالوحدة هي النسبة المذكورة بعينها فتأمل جيدا، (قوله: كما لا يخفى) هذا مسلم لكنه انما يقتضي بطلان كون العلاقة علاقة الكل والجزء لا بطلان المجاز من أصله لامكان العلاقة بين المعنيين بنحو آخر (قوله: والتثنية والجمع) شروع في الرد على دعوى الحقيقة فيهما (قوله: الا أن الظاهر) هذا لا ينبغي التأمل فيه لان العلامة إنما تدل على تعدد أفراد

٩٣

والتثنية والجمع في الاعلام إنما هو بتأويل المفرد إلى المسمى بها - مع أنه لو قيل بعدم التأويل وكفاية الاتحاد في اللفظ في استعمالها حقيقة بحيث جاز ارادة عين جارية وعين باكية من تثنية العين حقيقة لما كان هذا من باب استعمال اللفظ في الاكثر لان هيئتها انما تدل على ارادة المتعدد مما يراد من مفردهما فيكون استعمالهما وارادة المتعدد من معانيه استعمالا لهما في معنى واحد كما إذا استعملا واريد المتعدد عن معنى واحد منهما كما لا يخفى. نعم لو أريد مثلا من عينين فردان من الجارية وفردان من الباكية كان من استعمال العينين في المعنيين إلا أن حديث التكرار لا يكاد يجدي في ذلك أصلا فان فيه إلغاء قيد الوحدة المعتبرة أيضا ضرورة ان التثنية عنده انما تكون لمعنيين أو لفردين بقيد الوحدة، والفرق بينها وبين المفرد انما يكون في انه موضوع للطبيعة وهى موضوعة لفردين منها أو معنيين كما هو أوضح من أن يخفى، (وهم ودفع) لعلك تتوهم أن الاخبار الدالة على أن للقرآن بطونا سبعة أو سبعين تدل على وقوع استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد فضلا عن جوازه ولكنك غفلت عن انه

______________________________

المدخول بما له من المفهوم (قوله: والتثنية والجمع في الاعلام) اشارة إلى اشكال على ما ذكر وهو أنه لو كان مفاد العلامة تعدد المدخول لاختصت بالمفاهيم ذوات الافراد ولم تدخل على الاعلام التي لا تكون كذلك " وتوضيح " الجواب أن الاعلام المدخولة للعلامة ليست مستعملة في معانيها الحقيقية التي لا تقبل التعدد وانما تستعمل في معنى مجازي وهو مفهوم المسمى بزيد مثلا فإذا قلت: زيدان، فالمراد مسميان بزيد (قوله: في معنى واحد) يعني فتكون خارجة عما نحن فيه من الاستعمال في المعنيين، وربما يمكن أن يقال: ان استعمالها في فردين أو أفراد من حقيقتين أو حقائق ليس من الاستعمال في معنيين بل في معنى آخر غير معناها فتأمل (قوله: حديث التكرار) اشارة إلى ما ذكره المستدل من أنهما بمنزلة تكرار اللفظ (قوله: إلغاء قيد) ومنه يظهر امتناع الجمع بين أخذ قيد الوحدة في الموضوع له مطلقا حتى في التثنية والجمع وكون الاستعمال في المعنيين فيهما حقيقة

٩٤

لا دلالة لها أصلا على ان ارادتها كان من باب ارادة المعنى من اللفظ فلعله كان بارادتها في انفسها حال الاستعمال في المعنى لا من اللفظ كما إذا استعمل فيها أو كان المراد من البطون لوازم معناه المستعمل فيه اللفظ وان كان افهامنا قاصرة عن إدراكها (الثالث عشر): انه اختلفوا في أن المشتق حقيقة في خصوص ما تلبس بالمبدأ في الحال أو فيما يعمه وما انقضى عنه على أقوال بعد الاتفاق على كونه مجازا فيما يتلبس به في الاستقبال وقبل الخوض في المسألة وتفصيل الاقوال فيها وبيان الاستدلال عليها ينبغى تقديم أمور (أحدها) أن المراد بالمشتق هاهنا ليس مطلق المشتقات بل

______________________________

بطون القرآن

(قوله: لا دلالة لها أصلا) لو فرض الدلالة لها لوجب التصرف فيها لامتناع المدلول عقلا (قوله: فلعله كان) ويحتمل أن يكون الاستعمال في مجموع المعاني الذي لا مانع عنه عقلا. " فائدة ": حدث بعض الاعاظم دام تأييده - أنه حضر يوما منزل الآخوند (ملا فتح علي قدس سره) مع جماعة من الاعيان منهم السيد اسمعيل الصدر (ره) والحاج النوري صاحب المستدرك (ره) والسيد حسن الصدر دام ظله فتلا الآخوند (ره) قوله تعالى: (واعملوا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الامر لعنتم ولكن الله حبب اليكم الايمان... الآية) ثم شرع في تفسير قوله: تعالى فيها: حبب اليكم... الآية وبعد بيان طويل فسرها بمعنى لما سمعوه منه استوضحوه واستغربوا من عدم انتقالهم إليه قبل بيانه لهم، فحضروا عنده في اليوم الثاني ففسرها بمعنى آخر غير الاول فاستوضحوه ايضا وتعجبوا من عدم انتقالهم إليه قبل بيانه، ثم حضروا عنده في اليوم الثالث فكان مثل ما كان في اليومين الاولين ولم يزالوا على هذه الحال كلما حضروا عنده يوما ذكر لها معنى إلى ما يقرب من ثلاثين يوما فذكر لها ما يقرب من ثلاثين معنى وكلما سمعوا منه

٩٥

خصوص ما يجرى منها على الذوات مما يكون مفهومه منتزعا عن الذات بملاحظة اتصافها بالمبدأ واتحادها معه بنحو من الاتحاد كان بنحو الحلول أو الانتزاع أو الصدور أو الايجاد كأسماء الفاعلين والمفعولين والصفات المشبهات بل وصيغ المبالغة وأسماء الازمنة والامكنة والآلات كما هو ظاهر العنوانات وصريح بعض المحققين مع عدم صلاحية ما يوجب اختصاص النزاع بالبعض الا التمثيل به وهو غير صالح كما هو واضح فلا وجه لما زعمه بعض الاجلة من الاختصاص باسم الفاعل وما بمعناه من الصفات المشبهة وما يلحق بها وخروج سائر الصفات (ولعل) منشأه توهم كون

______________________________

معنى استوضحوه، وقد نقل الثقات لهذا المفسر كرامات قدس الله روحه،

المشتق

(قوله: خصوص ما يجري) فيخرج مثل الفعل والمصادر كما سيأتي (قوله: بنحو الحلول) كالصفات مثل الموت والحياة والحسن والقبح (قوله: أو الانتزاع) كما في صفات الباري جل وعلا حسبما يأتي في التنبيه الخامس (قوله: أو الصدور) المراد به ظاهرا ما كان المبدأ فيه قائما بغير الفاعل وان كان صادرا منه مثل الكسر والقتل، والمراد بالايجاد ما كان المبدأ فيه قائما بالفاعل مثل الجلوس والاكل، (قوله: ظاهر العنوانات) لاطلاق لفظ المشتق فيها (قوله: بعض الاجلة) هو صاحب الفصول حيث قال: فهل المراد به ما يعم بقية المشتقات من اسمي الفاعل والمفعول والصفة المشبهة وما بمعناها وأسماء الزمان والمكان والآلة وصيغ المبالغة كما يدل عليه إطلاق عناوين كثير منهم كالحاجبي وغيره أو يختص باسم الفاعل وما بمعناه كما يدل عليه تمثيلهم به واحتجاج بعضهم باطلاق اسم الفاعل عليه دون اطلاق بقية الاسماء على البواقي مع امكان التمسك به ايضا ؟ وجهان أظهرهما الثاني لعدم ملائمة جميع ما أورده في المقام على الاول... الخ (قوله: ولعل منشأه توهم) قد صرح في الفصول بمنشأ التخصيص - مع أنه عين دعوى

٩٦

ما ذكره لكل منها من المعنى مما اتفق عليه الكل وهو كما ترى، واختلاف انحاء التلبسات حسب تفاوت مبادئ المشتقات بحسب الفعلية والشأنية والصناعة والملكة حسبما يشير إليه لا يوجب تفاوتا في المهم من محل النزاع هاهنا كما لا يخفى (ثم) إنه لا يبعد أن يراد بالمشتق في محل النزاع مطلق ما كان مفهومه ومعناه جاريا على الذات ومنتزعا عنها بملاحظة اتصافها بعرض أو عرضى ولو كان جامدا كالزوج والزوجة والرق والحر، فان أبيت الا عن اختصاص النزاع المعروف بالمشتق - كما هو قضية الجمود على ظاهر لفظه - فهذا القسم من الجوامد ايضا محل النزاع كما يشهد به ما عن الايضاح في باب الرضاع في مسألة من كانت له زوجتان كبيرتان ارضعتا زوجته الصغيرة ما هذا لفظه:

______________________________

التخصيص فلا يكون منشأ له لمغايرة المنشأ لذي المنشأ فتأمل (قوله: ما ذكره لكل منها) فانه في الفصول ذكر لكل واحد من بقية المشتقات معنى، (قوله: واختلاف انحاء التلبسات) الظاهر أنه تعريض آخر بالفصول فانه ذكر أنه قد يطلق المشتق ويراد به المتصف بشأنية المبدأ كما يقال: هذا الدواء نافع، وقد يطلق ويراد به المتصف بملكة المبدأ وباتخاذه حرفة وصناعة. ثم قال: ويعتبر في المقامين حصول الشأنية والملكية والاتخاذ حرفة في الزمان الذي أطلق المشتق على الذات باعتباره... الخ إذ قد يقتضي قوله: ويعتبر... الخ الاتفاق على اعتبار زمان الحال فتأمل، ويحتمل إرادة التعريض بما ذكره في معنى اسم المفعول والتعريض بالتفتازاني (قوله: لا يبعد أن يراد) لان عموم النزاع وخصوصه تابع لعموم الغرض وخصوصه وحيث أن الغرض يعم الجوامد فالنزاع ينبغي أن يعمه ايضا (قوله: بعرض أو عرضي) الظاهر من العرض الحال مقابل الجوهر كالبياض، ومن العرضي المشتق منه كالابيض والاسود إذ الفرق بينهما كالفرق بين المشتق ومبدئه، لكن عليه لا يناسب جعله في قبال العرض بل يكون المشتق هو العرضي وكأن المصنف (ره) يريد من الاول العرض الحقيقي

٩٧

تحرم المرضعة الاولى والصغيرة مع الدخول بالكبيرتين واما المرضعة الآخرة ففي تحريمها خلاف فاختار والدي المصنف (ره) وابن ادريس تحريمها لان هذه يصدق عليها أم زوجته لانه لا يشترط في المشتق بقاء المشتق منه هكذا هاهنا

______________________________

ومن الثاني الاعتباري بقرينة ما بعده (قوله: تحرم المرضعة الاولى والصغيرة) وعلل تحريم الاولى بأنها بالرضاع تكون أم زوجة وتحريم الصغيرة بانها به تكون بنت زوجة مدخول بها، لكن التقييد بالدخول انما يحتاج إليه لو لم يكن الرضاع بلبنه وإلا حرمت الصغيرة وان لم يكن قد دخل بالمرضعة لانها بالرضاع تكون بنتا له، واستشكله المصنف (ره) - بناء على اعتبار الحال في صدق المشتق - بأن إرضاع الكبيرة للصغيرة يوجب ثبوت الامومة للكبيرة وارتفاع زوجية الصغيرة في رتبة واحدة فلا يصدق على الكبيرة أنها أم زوجة، إلا أن يقال: انها يصدق عليها أنها أم زوجة عرفا وإن لم يصدق عليها ذلك دقة " فتأمل " ولعله اشار بالامر بالتأمل إلى انه لا عبرة بالمسامحة العرفية لان العرف مرجع في المفهوم لا في تطبيق المفهوم على الخارج، إلا أن يقال: المفهوم من دليل تحريم أم الزوجة كون موضوعه ما هو أعم من اقتران الامومة والزوجية واتصالهما نظير اتصال وجود الشئ بعدمه، لكنه خلاف الظاهر أو يقال: إن الخروج عن الزوجية إنما كان بالتحريم المتأخر رتبة عن صدق البنتية فهي في رتبة صدق بنت الزوجة عليها يصدق عليها انها زوجة وإنما تخرج عنها بالتحريم الناشئ من صدق بنت الزوجة، لكنه يتوقف على عدم التضاد بين عنوان الزوجية وعنوان بنت الزوجة، وهو خلاف المرتكز شرعا، بل الظاهر أن التحريم إنما جاء من جهة ارتفاع الزوجية بطروء عنوان بنت الزوجة لا العكس، وللكلام مقام آخر، وكيف كان فالاشكال على تقديره مختص بتحريم المرضعة أما المرتضعة فلا إشكال في حرمتها لانها بنت زوجة ولو في الماضي لقيام الدليل الخاص على حرمتها كذلك لعدم اختصاص حرمة الربيبة بحال زوجية أمها (قوله: الدخول بالكبيرتين) بل يكفي الدخول في

٩٨

وما عن المسالك في هذه المسألة من ابتناء الحكم فيها على الخلاف في مسألة المشتق فعليه كلما كان مفهومه منتزعا من الذات بملاحظة اتصافها بالصفات الخارجة عن الذاتيات كانت عرضا أو عرضيا كالزوجية والرقية والحرية وغيرها من الاعتبارات والاضافات كان محل النزاع وان كان جامدا وهذا بخلاف ما كان مفهومه منتزعا عن مقام الذات والذاتيات فانه لا نزاع في كونه حقيقة في خصوص ما إذا كانت الذات باقية بذاتياتها (ثانيها) قد عرفت انه لا وجه لتخصيص النزاع ببعض المشتقات الجارية على الذوات الا انه ربما يشكل بعدم إمكان جريانه في اسم الزمان لان الذات فيه وهي الزمان بنفسه ينقضي وينصرم فكيف يمكن ان يقع النزاع في ان الوصف الجاري عليه حقيقة

______________________________

إحداهما في حرمة الصغيرة ولعل في النسخة غلطا (قوله: وما عن المسالك) قال في المسالك: بقي الكلام في تحريم الثانية من الكبيرتين فقد قيل: إنها لا تحرم واليه مال المصنف (ره) حيث جعل التحريم أولى وهو مذهب الشيخ (ره) وابن الجنيد لخروج الصغيرة عن الزوجية إلى البنتية، وأم البنت غير محرمة على أبيها خصوصا على القول باشتراط بقاء المعنى المشتق منه في صدق الاشتقاق كما هو رأي جمع من الاصوليين ولرواية علي ابن مهزيار... إلى أن قال: وذهب ابن ادريس والمصنف في النافع واكثر المتأخرين إلى تحريمها ايضا... إلى أن قال: لان هذه يصدق عليها أنها أم زوجة وإن كان عقدها قد انفسخ لان الاصح انه لا يشترط في صدق المشتق بقاء المعنى فيدخل تحت قوله: وأمهات نسائكم، ولمساوات الرضاع النسب وهو محرم سابقا ولاحقا فكذا مساويه وهذا هو الاقوى (قوله: عن مقام الذات والذاتيات) الاول المنتزع عن تمام الذات والثاني المنتزع عن بعضها (قوله: فانه لا نزاع في كونه) ولا يمكن تصوير النزاع فيه كتصويره في اسم الزمان لان فرض الذات فيه عين فرض التلبس بالمبدأ بخلاف اسم الزمان. نعم لو اريد من الذات مطلق موضوع الحمل امكن النزاع بل يمكن فرض الثمرة فيه كما في الممسوخات والاموات فتأمل (قوله: ربما يشكل بعدم) يمكن دفع الاشكال بأن الزمان

٩٩

في خصوص المتلبس بالمبدأ في الحال أو فيما يعم المتلبس به في المضي (ويمكن) حل الاشكال بأن انحصار مفهوم عام بفرد - كما في المقام - لا يوجب أن يكون وضع اللفظ بازاء الفرد دون العام وإلا لما وقع الخلاف فيما وضع له لفظ الجلالة مع أن الواجب موضوع للمفهوم العام مع انحصاره فيه تبارك وتعالى (ثالثها) انه من الواضح خروج الافعالا والمصادر المزيد فيها عن حريم النزاع لكونها غير جارية على الذوات ضرورة أن المصادر المزيد فيها كالمجردة في الدلالة على ما يتصف به الذات ويقوم بها كما

______________________________

يمكن فرض البقاء فيه كيوم وشهر ونحوهما وذلك إذا اخذ بمعنى ما بين المبدأ والمنتهى، ولاجل ذلك جرى فيه الاستصحاب. نعم إذا لوحظ في نفسه فهو مما لا بقاء له، اللهم إلا ان يقال: اسم الزمان كمقتل إنما يحكي عن الزمان الثاني بلا لحاظ ما بين الحدين فيه، وحمله على ما اعتبر فيه الحدان لا يخلو من عناية فمعنى: هذا اليوم مقتل، أنه فيه زمان القتل، لا أنه زمان القتل فتأمل جيدا (قوله: ويمكن حل الاشكال) لكن يمكن ابرامه أيضا بأن ما ذكر إنما يتم لو كان مقصود المستشكل منع امكان النزاع عقلا أما لو كان مقصوده عدم النزاع فيه لما تقدم من أن عموم النزاع وخصوصه تابع لعموم الغرض وخصوصه فلا يتم، لعدم الثمرة للنزاع فيه إلا أن يكون المقصود مجرد العلم لا العمل فتأمل (قوله: الخلاف فيما) يعني اختلفوا في معنى لفظ الجلالة أنه الذات المقدسة فيكون اللفظ علما أو مفهوم الواجب المقابل للممكن فيكون اسم جنس (أقول) يمكن كون النزاع المذكور مما يترتب عليه العمل (قوله: مع أن الواجب) يعني لفظ الواجب موضوع لمفهوم واجب الوجود المنحصر مصداقه بذات الباري جل شأنه (قوله: والمصادر المزيد) لا فرق بين المزيد فيها وغيرها في كونها مشتقة كما سيأتي في الاوامر وتخصيص الاول بالذكر لان التوهم فيها أقرب لكون صدق المشتق عليها أظهر (قوله: ضرورة أن) تعليل لامتناع جريانها على الذات وسيأتي انشاء الله توضيحه في التنبيهات (قوله: ما يتصف) وهو المبدأ

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

وبعد أشهر من القراءة والبحث عن الحقيقة والحوارات الطويلة حدث أمر أعتبره العامل المفصلي في اعتناقي للإسلام. كنت واقفة في غرفة ابني أحاول أن أصلي. وكان أمامي كتاب عن الإسلام مفتوح على فصل «كيفية الصلاة». وقفت هناك أصارع نفسي. لم أكن قد اعتدت الصلاة مباشرة؟. طيلة حياتي علموني أن أصلي ليسوع وهو سيوصل صلاتي إلى الله... لذا خشيت أنني أقوم بأمر خطأ، ولم أشأ أن يغضب يسوع عليّ! وفي تلك اللحظة، خطرت لي فكرة كموجة عاتية. هل يعقل أن الله سيغضب إذا أردت أن أكون أكثر قرباً منه؟ وهل يعقل أن يسوع سيستاء مني إذا حاولت أن أكون أكثر قرباً من الله..؟ أليس ذلك ما يريدني أن أفعله؟ إن الله.. أعلم بنيتي. حتى هذا اليوم، لا زلت أعتقد أن الله.... كان يتحدث إليّ - بهذه القوة كان الشعور والصوت الذي شعرت به في داخلي. ممَّ كنت أخشى؟ كيف يمكنني أن لا أعتنق الإسلام؟ في تلك اللحظة بكيت طويلاً.

كان ذلك ما احتجت سماعه. وعلمت حينها أنه يجب أن أدخل في الإسلام. شعرت بأن ذلك هو الأمر الصائب وما خلا ذلك أمور غير مهمة.

وبعد أن نطقت بالشهادتين أمام المدرسة كلها أصبحت إنسانة أخرى. لم يعد لديَّ ذلك الشعور بعدم الانتماء وبماذا أؤمن، فقد تحرّرت من القلق الذي كان لديَّ من قبل وولىَّ إلى غير رجعة. وعلمت أنني قد اتخذت القرار الصائب.

لم أكن قط على هذا القدر من القرب من الله.. كما أصبحت بعد أن اعتنقت الإسلام. الحمد لله.. أنا إنسانة محظوظة. وأشكركم على السماح لي بمشاطرتكم تجربتي.

٢٢١

بعد رحلة طويلة من البحث والإبحار في عالم الأفكار والأديان:

سفينة المسلم الهندي نيرڤان تحطّ بأمان على شاطئ الإِسلام

· قصة أخرى مشوّقة من قصص المهتدين للإِسلام، ذات دلالات وإيحاءات غنية بالتجارب الإنسانية والمشاعر الإيمانية الفياضة، يسردها بإيجاز للقرّاء المعتنق الجديد للإِسلام، الأخ الهندي نيرفان، بعدما غمرته أنوار الهداية الإلهية وأنقذته من مهاوي التيه والشك والضلال.

متى وكيف بدأت القصة كلها؟ وهل بدأت فعلاً أم كانت مجرد يقظة روحية؟ إنه إدراك للحقيقة التي طالما كانت كامنة في داخلي؟

إسمي نيرڤان، من التابعية الهندية. لقد وُلدت لعائلة مختلطة، فأبي هندوسي وأمي مسلمة. منذ طفولتي أذكر بوضوح أنني لم أتلقَّ أي تربية دينية من أي نوع كانت. فأبي لم يكن هندوسياً متديناً، فيما تخلت أمي عن الإِسلام، لذا فقد تربيتُ في ما يمكن وصفه بالـ «خواء» الديني والروحي، بيد أنني سأظل ممتناً لأبويَّ لزرعهما فيّ القيم الأخلاقية التي ستظل ترشدني طيلة حياتي. فمع أن عائلتي لم تكن متدينة، إلا أنها ربتني على مبادئ أخلاقية جيّدة تتمثّل في طاعة الأبوين، والصدق، والامتناع عن السرقة، وخدمة الناس كان حجر الزاوية لحياتنا اليومية.

أدركت مؤخراً خلال فترة المراهقة أنه كانت تجول في خلدي ألغاز الوجود: ما هي الغاية من الحياة على الأرض؟ هل الموت هو نهاية كل شيء؟ هل هناك إله؟ وقد تحرك شيء ما في أعماقي موجِّهاً عقلي نحو سعي دؤوب طلباً للحقيقة. كنت بحاجة إلى أجوبة منطقية واضحة وشاملة عن كل تلك الأسئلة التي أرّقت حياتي وحيّرت لُبّي. وعزمتُ على خوض المغامرة، مع أنها متاهة معقدة حول اللاهوت، وطقوس الغابرين، والفلسفة.

٢٢٢

إنطلاقاً من الإلحاد، شققت طريقي إلى البوذية، والمسيحية، والهندوسية، إلا أنني لم أجد أي طمأنينة في أي منها. تملّكني شعور بأن الحقيقة موجودة في مكان ما، ربما أمام عينيّ، إلا أنها لا تزال تراوغني. وفي مرحلة معينة، تخليت عن البحث وتملّكني اليأس. فَلُذت بنيتشه، وسارتر، وكانط، وهاديجر، وماركس، وفرويد، وأندريه جيد، وكريشنامورتي... ولَكَم بدا الإلحاد أكثر إغراءً لي! أقوال مثل «الله قد مات»، «الدين أفيون الجماهير»، «الأديان تنبع من الخوف الفطري من الأب في المجتمعات البدائية». كنت أحيا وأموت بكتب نيتشه وموسيقى مارلين مانسون. حتى أنني أخذتُ أقرأ «الكتاب الشيطاني المقدس» وأصبحتُ مهتماً بالويكا أو الوثنية. وقد قادني هذا الأمر إلى اكتشاف الميثولوجيا الإسكندناڤية، وآلهة الرومان والإغريق... بَيْدَ أن ظمأي للروحانية والحقيقة النهائية لم يتوقف.

عندئذٍ حصلت المعجزة! فذات يوم جمعة، قرّرت أن أذهب مع صديق مسلم إلى صلاة الجمعة لمجرد التسلية. لم يكن في نيتي أن أصلّي هناك، فقد كنت مجرد فضولي فيما يتعلق بالممارسات الدينية في الإِسلام. الدين الوحيد الذي لم أبحث فيه - لقد استمعنا إلى خطبة الإمام وأديتُ حركات الصلاة من خلال تقليدي لصديقي (القيام، والركوع والسجود). عند هذه النقطة، عشتُ تجربة سماوية روحية غريبة. لم أسمع أي صوت، ولم أرَ أي نور... شعرتُ فقط بعاطفة سماوية وكأنها تجذبني. وكلما لامست جبهتي الأرض، كنت أشعر وكأنها لا تريد أن تفارقها. لقد أرسل الله هدايته إليّ. ولن أعود لحالي السابق بعد الآن أبداً.

وبعد الصلاة، سألني صديقي عن شعوري، فلم أجبه، لأن لغة البشر لا يمكن أن تعبّر عن تلك العاطفة بشكلٍ كافٍ. ذلك الإحساس بالحبور تملّك عقلي لأيام، وكان يشير إلى اتجاه واضح جداً: «الإِسلام»، فتساءلت «هل أنخرط في البحث من جديد؟» كانت قوة خفية ما تدفعني إلى الأمام وترشدني للقيام بذلك. وبعد فترة قصيرة، ألفيت نفسي غارقاً في مطالعة الكتب الإِسلامية ومعجباً بأركان الإيمان الخمسة، والعقائد، والمعجزات العلمية في القرآن، والكمال الرياضي. وشرعتُ في الصلاة بحماسة والدراسة الجادة للقرآن، ولكن القصة لم تنته هنا.

٢٢٣

لقد سقطتُ مرات عديدة في بحور الشك، والشيطان يطاردني بإغراءاته. أمضيت ليالٍ طويلة أرقاً متسائلاً إذا ما كنت على الصراط المستقيم، وهل كنت أتصرف بتهور أم لا؟ حتى أنني بلغتُ حافة الارتداد وتملّكتني رغبة بالتخلي عن كل شيء. وتزامن ذلك مع مشاكل واجهتها في المنزل لكون عائلتي غير مسلمة، مما جعل ترك الإِسلام يروق لي، فتركتُ الصلاة، المعراج الشريف، وأصبحتُ أناظر المسلمين حول معتقداتهم وأساعد المواقع المعادية للإِسلام على شبكة الإنترنت. إلا أن شيئاً ما في قلبي ما كان ليتركني أتخلى عن الله. وأدركت أن تلك الأوقات العصيبة كانت فترة ابتلاء لي، فهل أنجح أم أفشل؟ أخذت أصلّي ليل نهار، وأتوسل إلى الله طالباً العون. شعرت بالخجل لأنني شككت في كلمة الله وتركتُ نفسي تتأثر بالحملات المعادية للإِسلام. شعرتُ بالغثيان لأنني كنت ضحية الشك في كل مرة، وتوسلت إلى الله طالباً الغفران. ولكن في النهاية غمرني النور.

شيئاً فشيئاً، قوّى الله تعالى إيماني وجعلني أصمد. واجهتُ النقد والقسوة من الآخرين بالصبر والسكينة، فلم أجادل أو أغتاظ قط. وإذا ما غمرتني الكآبة، توجهت إلى الله للهداية والعون. لقد عدت إلى دين الفطرة، فماذا هناك لأخافه، وأدركت أن المغامرة لم تنته... بل هي قد بدأت. رحلة فاتنة في أرجاء معجزات وأطايب الإِسلام.

لم أبلغ نهاية الطريق بعد، ولكنني الآن في حالة سلام مع نفسي ومع الله تعالى.

٢٢٤

الهداية إلى الصراط المستقيم

بقلم الأخت زهراء (جويس سلوتر) سابقاً

· الأخت الأميركية جويس سلوتر (زهراء) لاح لها شعاع الإِسلام في مراحل عديدة مرّت بها خلال حياتها وتجاربها الدينية السابقة، وظل يلاحقها حتى عمّها أخيراً سنا بريقه الساطع. فاهتدت إلى الصراط المستقيم، كما تقول في قصَّتها التالية التي بعثت بها إلى المجلة، وهي تعمل حالياً على إرساء دعائم الإِسلام ونشره في منطقتها في ولاية ميشغان إلى جانب أخواتها في منظمة المسلمات الأميركيات.

لقد وُلدت في تشرين الثاني/نوڤمبر 1947م من أبوين أميركيين، وقد رباني أهلي تربية كاثوليكية وكانت أمي قد اعتنقت الكاثوليكية قبل زواجها بأبي. وهي تنحدر من سلالة من البروتستانت المحافظين جداً وقد درس العديد من أفراد عائلتها في معهد مودي للكتاب المقدس، كما كان بعض أفراد عائلتها من اليهود، وقد شرحت لي أمي بعض الشرائع اليهودية.

ولطالما كنت مهتمة منذ الصغر بثقافات الآخرين. حيث كنت شغوفة بدراسة المعتقدات والممارسات الدينية المختلفة.

وقد أقنعتني عناصر التشابه في العديد من الممارسات والمعتقدات الدينية بأن هناك معتقداً أصلياً تم نسيانه وتغييره عبر الزمن.

لقد تعلمتُ في مدرسة كاثوليكية حتى المرحلة الثانوية. وقد فكرتُ بدايةً في أن أصبح ملتزمة دينياً، غير أنني لم أوفق لذلك مع أنني كنت أواظب على حضور الصلاة في الكنيسة بقلب مؤمن وأتلقى التعاليم الكنسية في الوقت المحدد.

في ذلك الوقت، تعرّفت لأول مرة على الإِسلام، حيث كنت قد بدأتُ بدراسة اللغة الإسبانية في المدرسة الثانوية. وكما هو معلوم فإن شبه الجزيرة الإيبيرية تأثرت إلى حد بعيد بالثقافة الإِسلامية منذ التواجد الإِسلامي في الأندلس.

وللأسف فإنني لدى شروعي في دراستي الجامعية تركتُ ممارساتي الدينية. حتى خلال العديد من المشاكل أثناء زواجي الأول، لم أذهب للصلاة في الكنيسة. كنت أتلو صلاتي بمفردي وأقرأ في الوقت عينه عن الأديان المختلفة.

٢٢٥

وبعدما مررتُ بمرحلة مليئة بالقلق. بدأتُ بالذهاب مجدداً إلى الكنيسة ومررتُ بتجربة «الولادة الجديدة». وهذه هي مرحلة قرب خاص من الله تعالى.

بَيْدَ أن الله تعالى كان قد رسم لي خطة أخرى ليقرّبني منه أكثر، أو هكذا يبدو الأمر لي عندما أعود بالذاكرة. لقد تصادقت ابنتي مع فتاة إيرانية في المدرسة. وقد التقيتُ بأهل تلك الفتاة وتعرفتُ على ثقافتهم. عندها اشتريتُ لأول مرة ترجمة للقرآن الكريم. وبعد حوالى عام انتقلنا إلى سكن آخر، حيث التقيت بإحدى صديقاتي التي كانت متزوجة من إيراني. ومجدداً تعرّفت أكثر على الثقافة الإيرانية وكيفية طهو بعض الأطباق الإيرانية. ومع أن صديقتي لم تكن مسلمة، إلا أنها حدثتني عن الإِسلام، ومجدداً شدّ ذلك اهتمامي. في العام 1997م بدأ يساورني شعور بأن الله تعالى يريدني أن أقوم بأمر ما، شيء أكثر من مجرد إطاعة تعاليم الكنيسة وقوانين البلاد. شعرتُ بأن عليّ أن أبدأ بتعلم قيادة سيارتي بمفردي إلى أماكن بعيدة، لذا كنت أذهب إلى أوماها في نبراسكا للعمل هناك طيلة أسبوع. وذهبتُ للاعتراف في فترة عيد الميلاد وأخبرتُ الكاهن بشعوري بأن لديَّ مهمة خاصة. أعتقد أنه ظن أنني إنسانة «غريبة الأطوار». ثم في كانون الثاني/يناير 1998م، توفي زوجي الثاني إثر ذبحة قلبية. كان عمره 46 عاماً فقط. وعندئذٍ أصبحت قريبة جداً من الله تعالى وقد منحني ذلك قدراً كبيراً من الراحة.

أمضيتُ قسماً كبيراً من وقتي باحثة عما عليّ القيام به لنفسي في ذلك الحين. أصبحتُ نشطة جداً في الكنيسة كالمساعدة في جمع التبرعات لبناء مدرسة، وقد تم انتخابي عضواً في مجلس الرعية. وعبر كنيستي التقيتُ أشخاصاً من سائر أنحاء العالم. وقد تمكنتُ من السفر إلى الهند وإسبانيا.

وفي الهند رأيتُ الناس من جميع الأديان يعيشون معاً منسجمين.

٢٢٦

وفي أيار/مايو 2001م قررت أخيراً الإصغاء لنداء الله وركزت على الصلاة من أجل السلام في العالم. وقد شعرتُ على امتداد السنوات أن لديَّ حافزاً قوياً للعمل من أجل السلام في العالم. وقد بدت تلك مهمة مستحيلة.

في الأعوام القليلة التالية واصلت حياتي كما في السابق، كنت أقرأ عن الأديان الأخرى واستمريت في الأنشطة التطوعية. في العام 2003م بدأتُ بحضور سلسلة من المحاضرات عن الإِسلام في مسجد في بلومنغتون. وبعد أن انتهت السلسلة بدأتُ بحضور جلسات في منزل إحدى الأخوات إلا أنني انتقلت بعد ذلك، لذا توقفتُ عن حضورها. عرفت بأنني سأصبح مسلمة إلا أنني لم أرد أن أستسلم وأتغير. لقد اشتريتُ نسخة من القرآن الكريم ترجمها يوسف علي وقرأتها كلها. وقد قرأتُ سيرة النبي محمد (ص) وكتباً عن الإِسلام. وعندما نفق كلبي، لم أحضر كلباً آخر بل قطة لأنني عرفتُ أن معظم المسلمين يعتقدون أن الكلاب نجسة.

حلّ العام 2006م وتلقيتُ المزيد من الإشارات من الله تعالى ذات مرة كنت وصديقة لي نتحدّث عن المشاكل في العالم الإِسلامي، فقالت لي إننا من غير المسلمين ولا يمكن لنا أن نكون ممن يحمل السلام للعالم الإِسلامي. واتفقنا أن ذلك يحدث فقط من خلال المسلمين أنفسهم. وأدركتُ أنني إذا ما أردت العمل من أجل السلام في العالم فإنه عليّ أن أصبح مسلمة، إلا أن نفسي الضعيفة لم ترغب بالتغيير. وقد تجاهلتُ المزيد من الإلهامات الإلهية التي وصلت إليّ عبر أشخاص في مجموعة دراسة الكتاب المقدس التي كنت أنتمي إليها. إحدى السيدات كانت تقول للجميع باستمرار إن علينا أن نستسلم لمشيئة الله أليس ذلك ما يتضمنه الإِسلام؟ سيدة أخرى قالت اختاروا طريقاً والتزموا به. أليس الإِسلام هو الصراط المستقيم؟ لقد حاولت خلال أعوام أن أحصل على شيء يربطني أكثر بالكنيسة الكاثوليكية، وتقدمت بطلبات لعدة وظائف في أبرشيتنا، إلا أنهم لم يجدوني ملائمة للوظيفة. أعرف أن الله تعالى بمشيئته قد حال دون توظيفي كي أكون حرة أكثر من أجل الإِسلام. ومع ذلك، لم أكن أخال نفسي عنيدة إلا أنني كنت كذلك فعلاً، لم أشأ التخلّي في هذا الوقت عن شرب الكحول وأكل لحم الخنزير ومن ثَمَّ المواظبة على الصلاة اليومية، والالتزام باللباس الشرعي الإِسلامي.

٢٢٧

أخيراً، وخلال حضوري دروساً جامعية، قررت التوقف عن شرب الكحول. وعندما تمكّنتُ من القيام بذلك، عرفتُ أنني قادرة على القيام بأي شيءٍ آخر. ورغم ذلك استمر خوفي من تلك الخطوة. إلى أن دعوت الله تعالى أن يهيء لي معلماً إذا أرادني أن أعتنق الإِسلام. وبما أنني كنت أدرس في جامعة كاثوليكية كنت متأكدة أن معلماً كهذا لن يظهر أبداً.

ولكن الله تعالى يقول في (سورة يس آية 82):﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَیْئًا أَنْ یَقُولَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ ﴿82﴾ ﴾ . فقد جاءني المعلم المسلم إلى صف اللاهوت المسيحي الذي كنت أتابع فيه، عندها، أدركتُ أنه لا مكان للتردد بعد الآن، فأدّيت الشهادة لله ولرسوله بعد فترة قصيرة. أعرف الآن أن عليّ الاستمرار في كفاحي كي أكون مسلمة صالحة عاملة ولكني أعرف أني بعون الله وبمساعدة إخواني وأخواتي المسلمين سأظل على الصراط المستقيم.

٢٢٨

(سيريل سفراك)

الشاب الفرنسي المهتدي للإِسلام

هكذا استنار قلبي بنور الإِسلام المتجلّي بالنبي الأكرم (ص) والمتجسّد بنهج أهل البيت (عليهم السلام)

«سيريل سفراك» شاب أخلص قلبه لله منذ طفولته، فأكرمه تعالى بنعمة الإِسلام في شبابه، وبرحمته أصبح شاباً مسلماً فخوراً بانتمائه الجديد رغم انتقادات الكثيرين من حوله لكونه فرنسياً اعتنق الإِسلام.

لكن قلب «سيريل» مطمئن بالإيمان مستنير بكلمة الحق التي تجلت في دين محمد (ص) وتجسدت في نهج آل البيت (عليهم السلام) ، وهو هنا يروي عبر مجلة (نور الإِسلام) قصة هذا التحول نحو الإِسلام الذي يراه: الحب الخالص لله.

يقول «سيريل»: وُلدت عام 1975م في أُسرة لا يؤمن أفرادها حقاً بوجوده تعالى. لم يلق تناولي للقربانة الأولى التي تمثل دخولي إلى الديانة المسيحية أي اعتراض بينهم ولا أي تشجيع. التحقتُ صغيراً بصفوف التعليم الديني. كنت متحمساً جداً فرحاً بما أتلقاه من تعاليم؛ خاصة عندما يتعلق الموضوع بالمسيح (ع) ، كانت معلومات سطحية بعض الشيء، لكنها كانت كافية لتغذي حلم كاهن صغير لا زال في سن الثانية عشر... صرتُ أقرأ التوراة والإنجيل بارتياح كبير حتى تعمّقتُ في قراءتهما، فبدا لي وقتذاك شرخاً كبيراً بين تعاليم الكتب المقدسة والدروس الكنسية، وبدأتُ أطرح على نفسي أسئلة جمة كتحريم زواج رجل الدين، مع أن الزواج خطوة مباركة يحثُّ عليها الدين، أو انتشار الأيقونات والمنحوتات كرموز دينية. حتى في الكنائس. مع أن ذلك لا يتناسب مع ما نص عليه الكتاب المقدس... كثرة الأسئلة، وكثرة التناقضات، دفعت بي إلى التمسك بإيماني (بديني) في حين أسقطت من اهتماماتي تعاليم الكنيسة، فكانت علاقتي بالله مباشرة لا تمر عبر كنيسة ولا تحدها سلطة دينية، هذا الخط الذي رسمته في سن الخامسة عشر، أخلصت له سنين طويلة.

٢٢٩

أذكر أني حين تعرفتُ إلى أصدقاء من «شهود يهوه» كنت أحاججهم بإيماني بالإنجيل، كانت أسئلتهم تحثني على البحث لاستخلاص الأجوبة، ولكن ما تعلمته من خصمي أن العقل هو السبيل لمعرفة الله «وهذا لا زال منهجاً في حياتي الدينية».

خلال أعوام دراستي الجامعية (كنت قد اخترت دراسة علم النفس) تعرفت على صديق سرعان ما صار بمثابة أخ لي، كان يجمعنا، عدا السكن الجامعي، سهرات قضيناها معاً تبادلنا فيها الآراء وأخرى ناقشنا فيها أفكاراً فلسفية لا حدود لها.

كان صديقي مسلماً، يصوم شهر رمضان لا أكثر، لكن إيمانه الداخلي كان يحاكي قناعاتي التي كونتها عن الله، ولما كنت أفتقر إلى كثير من المعلومات حول ديانته (الإِسلام) قدم لي مرة كتاب «القرآن» وعلمني كيفية الوضوء شارحاً لي ضرورة القيام به عند قراءة القرآن. ظل الكتاب على طاولتي شهوراً لم أفتحه، كنت أشعر أني لست جديراً بفتحه، وغاب صديقي عني فجأة.. واختفى! صدفة أخرى جمعتني بسيدة مغربية دعتني لحضور حلقات دينية كانت تعقد في شهر رمضان، بدا لي الحديث عن الإِسلام جلياً، فبادرتُ أطرح أسئلتي وأتعرف أكثر فأكثر على الإِسلام، ولا أنسى أني سمعتُ لأول مرة في حياتي عن الصهيونية العالمية وكان عمري قد تجاوز السابعة والعشرين.... وبدأتُ رحلة البحث عن الحقيقة: صرتُ أنهل من هذا العلم الواسع لأجد الأجوبة الشافية لأسئلتي، وأستغرقُ في البحث والتفكير فتمضي ليالٍ تلو أخرى والتساؤلات تكبر في داخلي، فأرويها بالمعرفة والتزود، ويقيني بوجود دين يجيب على أسئلتي (تطلعاتي وأفكاري) يتأكد يوماً بعد يوم، فعرفت أن الدين الإِسلامي هو آخر الديانات السماوية، وأن الله هو الرب الأوحد لكل هذه الديانات، فاعتقدتُ بذلك، وصرتُ أرى الإِسلام مُكمّلاً لها. ذات يوم تجرأت وفتحت القرآن، ومن قراءتي لأول آياته، تعلقت بكتابي، وصرت أقرأ وأزداد تعلقاً وأتمنى أن أصل إلى آخر صفحاته. فهمتُ أن المسلم يؤمن بوجود المسيح كرسول كريم وهذه الحقيقة لعيسى (ع) لاقت صورة رسمتها سابقاً في داخلي للمسيح الذي آمنت بوجوده على طريقتي (على فطرتي)، وتوضحت أكثر. اعتقدت ببعثة محمد (ص) خاتماً للرسل، صرتُ أراني مسلماً بشكلٍ عفوي وتلقائي؛ فكيف أتعبد؟ تودّدتُ لجار لي، سوري علوي، كنا نتحاور وحين يصعب سؤالي عليه، كان يتصل بأستاذه في سوريا ويجيبني، حدثني كثيراً عن الإمام علي (ع) ، شخصية جذبتني بعفوية، لكن مبالغات جاري وصديقي لم تخفَ عليّ.

٢٣٠

نهج أهل البيت(عليهم السلام) :

واصلت البحث وتعمقت أكثر، وكان طريق أهل البيت بالنسبة لي هو المنهج السليم والنيّر، فخيانة يهوذا في الدين المسيحي حادثة تعيد نفسها بعد وفاة النبي (ص) وانقلاب بعض الأصحاب عليه، وهذه الخيانات يحذرنا منها القرآن الكريم في مواضع عدة، والنبي محمد (ص) الذي تأذى أكثر من كل الأنبياء في حياته، لم يرحمه أتباعه من بعده، فالتيار جرف كثيراً من المسلمين وقلة منهم تمسك بوصاياه. هنا، يرشدنا العقل إلى السبيل القويم، إلى نهج آل محمد (ص) ، ولمَ كان أتباعه الخلّص قلة تفانوا لأجله وما زالوا.

أصداء:

كان لاعتناقي الإِسلام صدى كبيراً لدى مَن حولي: أصدقائي وزملائي في الجامعة على وجه الخصوص. أحدهم (والذي جمعتني به صلة قرابة لاحقاً: صار أخ زوجتي) كان يأتي إليّ يحدثني عن الإِسلام، ونصلي معاً، ويصحح لي ما تعلمته، ويوضح لي الأحكام الشرعية، فصرت أتبع المدرسة الجعفرية. (مدرسة الإمام الصادق (ع) ):

وصارت تعقد في غرفتي حلقات الحوار والنقاشات الفلسفية والتي غالباً ما جمعت الكثير من الشبان والشابات، فكانت فرصتي للتعرف على زوجتي التي كانت وما زالت بالنسبة لي لطفاً إلهياً مباركاً أنار دربي؛ إذ كان لها الفضل أولاً في تعليمي حفظ بعض السور، وكذلك أداء الصلاة باللغة العربية. وفجأة ظهر صديقي وأخي الذي افتقدته طويلاً، أطل هذه المرة بحلة جديدة، فقد التزم دينياً واصطحبني إلى المسجد لأول مرة وشرح لي أحكام صلاة الجماعة، وتزوج هو أيضاً، وكلانا رزق بطفلة، فكبرت عائلتانا في نور الإِسلام.

إلهي وسيدي الذي أدعوه كلما شئت لحاجتي، وأخلو به حيث شئت لسري... الحمد لك والشكر لك على ما خلقتني وسوّيتني، وربّيتني وأعطيتني حمداً دائماً لا ينقطع أبداً.. اللّهمّ املأ قلبي حباً لك وخشية منك وتصديقاً لك وإيماناً بك.

٢٣١

قصة إسلام الشاب الأرجنتيني

«محمد عيسى غارسيا»

من آثار السمعة الحسنة التي حققها مسلمو الأرجنتين هي ظاهرة إسلام العديد من المواطنين من أصل أرجنتيني نظراً للقِيَم النبيلة التي لمسوها في الدين الإِسلامي والطابع الأخلاقي السليم لسلوك المهاجرين المسلمين.

في هذا الإطار تلقينا من الأخ الكاتب مجاهد شرارة المقيم في الأرجنتين قصة شيقة عن (محمد عيسى غارسيا) وهو شاب أرجنتيني وجد سعادته كما يقول في الإِسلام بعد بحث طويل عن الحقيقة مقتفياً آثار الصحابي الجليل سلمان الفارسي (رض)

حكاية محمد عيسى أنه ولد لأبوين نصرانيين وقد أمضى طفولته في التردد على الكنيسة، ولمّا بلغ العاشرة من عمره أنهضته نفسه البريئة إلى بداية رحلة جديدة للتأمل في الكون الذي حوله، ورغم صغر سنّه وقصور ذهنه على الاستدلال إلّا أن فطرته لم تكن لتتقبّل عقيدة التثليث فقد كان يميل ببراءته إلى أن عيسى بن مريم (ع) شخصية عظيمة وليس إلهاً، وهذه المسألة هي التي فتحت باب المناقشات والتساؤلات بينه وبين أهله في البيت ومع قساوسة الكنيسة التي يتردد إليها.

لم يجد محمد عيسى غارسيا وهو الطفل البريء جواباً شافياً على تساؤلاته المبكّرة وما يجيش في نفسه، وازدادت حيرته وقلقه عندما لم يعر أهله والكنيسة اهتماماً بسؤاله نظراً لصغر سنّه.

مرّت الأعوام بمحمد عيسى حتى بلغ الخامسة عشر وهو يحمل في نفسه تلك الأسئلة، ودخل الثانوية العامة، وتلقى في أثناء دراسته كلاماً سطحياً عن الإِسلام ومغلوطاً في الكثير من الأحيان، فالكتاب المدرسي يذكر أن المسلمين يعبدون الحجر الأسود ويسجدون للكعبة مصحوباً بصور للمسلمين وهم يصلون ويسجدون ويطوفون حول الكعبة.

٢٣٢

كبر محمد عيسى وكبرت معه حيرته فهو الآن شاب بإمكانه أن يحلّل ويستدل فقد قوِيَ تمسّكه وولعه بالبحث عن الحقيقة. وفي ليلة من ليالي شهر أكتوبر عام 1989 ضاقت به نفسه فالسؤال ما زال يتردد داخله، من هو خالق الكون؟! ووقف في جنح الليل ينظر إلى السماء هاتفاً: «يا أنت الذي خلقتني اهدني للحق وإلّا خذ روحي فإني أعيش حياة ضالة» وانهمرت من عينيه دموع الحيرة ثم استسلم للنوم. وفي الصباح استيقظ على طرق الباب فوجد محمد رجلاً مشرق الوجه يطلب منه أن يحدِّثه لبعض الوقت، وبدأ حديثه بقوله: أنا «ماشوركا»، مسلم جئت لأحدثك عن الإِسلام. وأخذ ماشوركا يحدّثه عن الله ووحدانيته وعظمته وكيف أنه يستحق العبادة ومنزّه عن كل نقص.

انشرح قلب محمد عيسى غارسيا لهذه الكلمات، ونظر إلى السماء متذكراً ما دعا به في الليلة الماضية، وشعر برحمة الله تحفه ونفحات الإيمان تتدافع في قلبه. دام حديث ماشوركا معه ثلاث ساعات بعدها استأذن لصلاة الجمعة. وقبل أن ينصرف طلب غارسيا أن يرافقه إلى المسجد، فقد وجد ضالته ولن يتركها تضيع من بين يديه، واستمع للخطبة التي تحدثت عن الإِسلام. وما إن فرغ المصلّون من الصلاة حتى توجه محمد غارسيا إلى ماشوركا مخاطباً: أريد أن أسلم، ماذا أفعل؟ فقال له: عليك بنطق الشهادتين ثم الاغتسال. ففعل محمد غارسيا ما طلب منه فكبّر المصلّون فرحاً بإسلامه.

طريق الأهل الشائك والهجرة إلى الحقيقة:

تعلّم محمد عيسى غارسيا في المدرسة والبيت الحرية في أن يعتقد ما يريد دون أن يؤثر ذلك في حياة الأسرة، لكن ما حدث بعد إسلامه كان خلاف ذلك، فقد واجهته المصاعب من جميع الجهات؛ فوالدته غضبت منه غضباً شديداً وتوعدته رغم حبها الجمّ له، وقام والده بطرده من المنزل وهو ما زال طالباً لم يتعدَّ 18 عاماً، فخرج حزيناً من بيته مصدوماً من أهله الذين طالما تغنوا بالحرية في المعتقد والسلوك.

٢٣٣

ليس لمحمد عيسى غارسيا أحد يلجأ إليه سوى «ماشوركا» الذي احتضنه ووفر له عملاً بسيطاً في شركة لتصنيع البلاستيك، ومأوى في بيته كي يعيش فيه. ظل محمد عيسى يعمل ويتردد إلى المسجد كي يتعلم العربية وتعاليم الإِسلام، كان جلّ همّه أن يستزيد من المعرفة وينهل من نهج نبي الإِسلام (ص)

رغب محمد عيسى أن يتعلم سيرة النبي (ص) فأقبل على كتاب السيرة النبوية «لمارتن لينكس»، وكلما قرأ عن الاضطهاد الذي تعرض له النبي وكيف صبر عليه، ازداد صلابة في مواجهة الحياة الصعبة التي يعيشها، وبعد فترة اجتهد محمد عيسى في حفظ القرآن والأحاديث النبوية حتى حفظ جزء «عم» و«الأربعون النووية».

ظلّت نفس محمد عيسى تهفو لزيارة البيت الحرام والوقوف أمام مقام الرسول (ص) حتى أتت فرصة الحج عام 1993 ووقف أمام الكعبة يصلّي معلناً أنه لا يسجد لها ولا يعبد الحجر الأسود بل يسجد ويعبد الله وحده.

بعد الحج عزم محمد عيسى على التخصص في علم الحديث بعدما تعلّم اللغة العربية، وكانت ترافقه أمنية في أن يهدي الله أُمه للإِسلام فأخذ يراسلها ويكتب إليها ويتصل بها بين الحين والحين، وفي إحدى المرات فاجأته أُمه بقولها: «لقد أسلمتُ يا محمد» حينها طار قلب محمد فرحاً لإِسلام أُمه.

عاد محمد عيسى عام 2004 إلى الأرجنتين بعد رحلة استغرقت إحدى عشر عاماً، حفظ خلالها عشرة أجزاء من القرآن الكريم وأتقن اللغة العربية، آنذاك حمل محمد عيسى لواء الدعو إلى الله وتبصير الناس بالله وبالإِسلام لكنه واجه ظروفاً صعبة، ولكن من براثن الظلام يتولد الضوء، فكثير من الأرجنتينيين بدأوا يسألونه عن الإِسلام وهو يشرح لهم حقيقة الافتراءات التي ألصقت بهذا الدين الحنيف، حتى أسلم على يديه 70 رجلاً وامرأة خصصوا لهم مكاناً للصلاة في حيّهم، ويقوم محمد عيسى بتدريس العربية للمسلمين الجدد وتعليمهم قراءة القرآن وتعاليم الإِسلام.

٢٣٤

أصبحت الدعوة إلى الإِسلام هي الشغل الشاغل لمحمد عيسى وتطورت أساليبه في التبليغ، فنظراً إلى أنه يجيد اللغة العربية والإسبانية اتجه إلى الترجمة عندما وجد ندرة في الكتب الإِسلامية باللغة الإسبانية، فعمل مديراً لقسم اللغة الإسبانية في الدار العالمية للكتاب الإِسلامي، وقد ترجم حتى الآن أكثر من سبعين كتاباً إسلامياً من العربية إلى الإسبانية، ويناشد محمد عيسى الجميع الحكومات والمؤسسات الإسلامية أن يدعموا الدعوة والتبليغ في الأرجنتين وأمريكا اللاتينية، وأن تزيد حركة الترجمة وتتسع حتى تشمل جميع الكتب التي تحتضن العلوم الشرعية.

وليس غريباً أن يلوم المسلم الأرجنتيني محمد عيسى المسلمين على تقصيرهم في تبليغ رسالة الإِسلام في أمريكا اللاتينية، بعدما اطلع على عظمة الإِسلام ونجاعته في سعادة الإنسان في هذا العصر، فالمسلمون بنظره لا يقدّرون إسلامهم حق قدره. ويضيف محمد عيسى غارسياً قائلاً: «كثير من الدعاة يسافرون إلى أماكن أخرى من العالم مقابل عدد قليل جداً يأتي إلينا للدعوة إلى الله، وهذا يحزنني كثيراً، فالناس هنا في الأرجنتين، متقبلون للإِسلام ولكنهم يحتاجون إلى من يرشدهم إليه».

نداء إلى المسلمين:

وفي نهاية حديثه معنا قال: «60% من الأرجنتينيين الذين أسلموا تعرفوا على الإِسلام من خلال مواقع الإنترنت، وهناك مواقع إسبانية عن الإِسلام وكذلك منتديات للحوار باللغة الإسبانية، لذلك أناشد الشباب المسلم العربي أن يتعلم اللغة الإسبانية يدخل إلى هذه المواقع ليدعوا إلى الله، أرجو أن تهتموا بأمور المسلمين الجدد في أمريكا اللاتينية ونحن نرحب بكم جميعاً ونود أن نستقبلكم في بيوتنا».

٢٣٥

قصّة قسيس روسي

اعتنق الإسلام بعد صراع ضد الإلحاد :

من هو القسيس المسيحي الروسي الذي اعتنق الإسلام وما هي قصة الشيخ الذي دخل عليه إلى قلب الكنيسة وكان كلامه بمثابة دعوة للهدى، وماذا يفعل بولوسين ورفاقه لنصرة الإسلام في روسيا؟

قال الدكتور في الفلسفة والعلوم السياسية علي فيتشسلاف بولوسين: «لقد تربيت في عائلة غير مؤمنة ولكنني كنت أدرك بإحساسي وجود الله الذي أتوجه إليه في كل ضائقة وسرعان ما تنفرج».

وأضاف بولوسين الذي وضع عدداً من المؤلفات حول علوم الدنيا والآخرة أبرزها كتابه «الخرافات والدين والدولة» الذي صدر في موسكو في عام 9991م إنه التحق بكلية الفلسفة في جامعة موسكو من أجل الوصول إلى معرفة حقيقة الله (سبحانه وتعالى) حيث تخرَّج بعد أن أمعن في دراسة المسيحية الأرثوذكسية وقال «اكتشفت الكثير من التناقضات فيها».

وإبان العهد السوفياتي حيث كانت الشيوعية تمثل الإيديولوجية الرسمية للدولة وكانت الكنيسة الأرثوذكسية تمثل البديل الوحيد الموجود التحق بولوسين بمدرسة الرهبان وأصبح قسيساً في عام 3891م. وأقر بولوسين بأن وضعه كراهب كان يشكِّل رمزاً للصراع ضد الإلحاد وفي الوقت نفسه فإن مقامه كراهب كان يفرض عليه ممارسة طقوس تلبية لاحتياجات الناس المؤمنين التي يقول إنه «لم يقتنع بها مما خلق لديه ازدواجية بين الإيمان الشخصي والواجب الديني الاجتماعي ويعتقد بولوسين أن شكوكه ومواقفه التي لم يكن قادراً على إخفائها كانت السبب وراء إبعاده إلى آسيا الوسطى للخدمة في إحدى الكنائس في طاجكستان «حيث تعرفت لأول مرة وبصورة مباشرة على المسلمين والإسلام الذي بدأت أشعر بانشداد إليه».

وروى بولوسين أن شيخاً وقوراً دخل عليه إلى قلب الكنيسة التي كان يرعى أمورها وبدون أن يقدِّم نفسه «سألني عدة أسئلة أجبته عليها وبعدها قال لي إنك تنظر إلى الأمور بعيون مسلم وستكون إن شاء الله من المسلمين».

٢٣٦

وقال بولوسين: «بدا هذا الأمر عجيباً وغريباً إذ دخل الشيخ إلى قلب الكنيسة بكل احترام ولكنه غير آبه بأي مكروه قد يتعرض إليه ليدعو راعي الكنيسة إلى الإسلام، والعجيب في الأمر أن هذه الدعوة دخلت إلى روحي ولم تلقَ مني أي مقاومة».

وأضاف: إن الأمر الأكثر عجباً أنني لم أرَ هذا الشيخ قبل هذه الحادثة ولا بعدها وبعد وقت أدركت أن مجيئه إليّ كان مثابة «دعوة للهدى».

وبعد آسيا الوسطى تولى بولوسين رعاية كنيسة مهجورة أعيد ترميمها في مدينة كالوغا حيث يعترف بأنه بدأ فيها ممارسة قناعته بالإيمان بعيداً عن الطقوس التي لم يكن يؤمن بها.

وبفضل العلاقة الطيبة التي ارتسمت بينه وبين رواد الكنيسة سارع الناس في سنوات الانفتاح والانعتاق الديني التي دشنتها البيرسترويكا إلى ترشيحه لعضوية البرلمان الروسي في عام 0991م حيث أصبح نائباً في البرلمان وترأس لجنة برلمانية لحرية العقيدة وتفرغ للعمل النيابي بعد أن تقدم بطلب رسمي إلى الكنيسة حرره من التزاماته الشكلية الدينية.

وأضاف أن فترة عمله في البرلمان تُوِّجت بإقرار قانون حول الأديان منح الكثير من التسهيلات للمسلمين وظل العمل به مستمراً حتى عام 7991م.

ويعترف بولوسين أنه انكب في بداية التسعينيات على دراسة المصادر التاريخية القديمة للمسيحية في محاولة للوقوف على تفسيرات للشكوك التي انطوت عليها نفسه ولكن هذه الدراسة المتعمقة زادت شكوكه وعمقتها «حسب قوله».

واستطرد بأن عام 5991م كان عام التحول في قناعاته الدينية حيث توقف تماماً عن ممارسة عمله في الكنيسة وانتقل لدراسة الإسلام وقال: «لكن قراءة القرآن بالترجمة الروسية التي أعدها أغناتي كراتشكوفسكي شوهت المعاني السامية للقرآن التي لم تتضح بأبعادها العظيمة إلّا بعد مراجعة ترجمة عصرية للمعاني القرآنية والمؤلفات الإسلامية حول المسيح واستماعي إلى سلسلة محاضرات حول الدين الإسلامي حيث لم يبقَ لديّ أي شك في اعتناق الإسلام.

٢٣٧

وقال بولوسين «أعلنت إسلامي سراً ولم يكن يعلم به أحد سوى شخصين، وانطوى هذا القرار على خطر يتهدد حياتي وحياة زوجتي التي سبقتني إلى الإسلام وظللت على هذا الحال حتى العام الماضي حيث نطقت علناً بالشهادتين في حديث أدليت به لصحيفة «المسلمون» واتخذت لنفسي اسم علي وزوجتي علية».

ورداً على النظريات الغربية التي ترى أن الصراع بين الأديان والحضارات يبدو حتمياً أعرب بولوسين عن قناعته بأن روسيا تشكل نموذجاً يحتذى للتعايش السلمي بين الإسلام والمسيحية بالرغم من بعض الفترات التاريخية التي ألحقت فيها الدولة أذى بالمسلمين كما حدث في العهد القيصري إبان حكم إيفان الرهيب وغيرها.

وحذر بولوسين من وجود أطراف خارجية تسعى لإثارة النعرات الدينية في روسيا من أجل تقويض الوحدة الوطنية وإضعاف الدولة الروسية.

ويتهم بولوسين الصهيونية بأنها صاحبة المصلحة الأولى في الإيقاع بين المسلمين والمسيحيين في روسيا.

ودحض بولوسين بقوة محاولة إضفاء صفة الإرهاب على الإسلام قائلاً إن الأصولية اليهودية تشكل قمة التطرف لأنها تندرج في الإطار الإيديولوجي للصهيونية وتقوم على الخرافات التي كانت قائمة قبل ثلاثة آلاف عام.

وتساءل «كيف يتحدثون عن الأصولية الإسلامية وكلنا نعرف إن الأصولية اليهودية هي التي أقامت دولة على حساب شعب آخر استناداً إلى روايات خرافية وما زالت تسعى لإقامة دولة إسرائيل الكبرى على حساب الأمة العربية جمعاء».

وعن المهام الملحَّة التي يقوم بها بولوسين لنصرة الإسلام في روسيا قال إن المهمة الملحة تتمثل في «تقديم صورة صحيحة عن الإسلام للمواطنين الروس على جميع الأصعدة بما في ذلك أجهزة الدولة الأمنية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية».

وأضاف أننا نقوم بنشر صورة الإسلام المشرقة بصفته ديناً قائماً على المحبة والتعايش السلمي وسط المثقفين الروس وبدأنا بإصدار نشرة الصراط المستقيم التي تتضمن مقالات تطرح نظرة عصرية وحديثة للإسلام في روسيا وموقف المسلمين إزاء معضلات ومشكلات المجتمع الروسي.

٢٣٨

وذكر بولوسين الذي يعمل في الوقت الحاضر مستشاراً لدى رئيس الإدارة الدينية لمسلمي الجزء الأوروبي من روسيا أنه يعمل مع فريق من المسلمين الروس على وضع أسس لبرنامج اجتماعي للمسلمين الروس من أجل طرحه في الأوساط الروسية الرسمية والاجتماعية.

٢٣٩

الأخ الإسباني يوسف فرنانديز

يقول:

· أدركت أن الإسلام هو ما كنت أنتظره منذ فترة طويلة، فهو نهج حياة واضح لا يكتنفه غموض أو أسرار.

· قبل الإسلام كنت شخصاً عصبياً متشائماً لا يرى معنى لوجوده.. وقد أصبحت بعده إنساناً هادئاً وحيوياً وإيجابياً.

· في إسبانيا آفاق الدعوة إلى الإسلام جيّدة على الرغم من أن العمل في هذا المجال ليس كافياً.

يوسف فرنانديز.. أخ مسلم غربي آخر يروي قصّة تحوّله المشوّقة إلى جمال أنوار الإسلام، بعد رحلة طالت مع العقائد والأفكار السائدة في عالم الغرب، التي لم تشفِ غليله، ولم توفّر له قناعة بسلامتها وطمأنينة بصلاحيتها.. وقد تفضّل مشكوراً بالكتابة عن قصّة اعتناقه للإسلام، ليطّلع عليها قرّاء المجلة وكل من هو متيقِّن بعظمة هذا الدين الحنيف.

لقد وُلدت في العام 5691 في أستورياس، وهي منطقة في شمال إسبانيا زُعم أنها مهد الكاثوليكية الوطنية، أي العقيدة السياسية والدينية التي سادت في إسبانيا طيلة خمسة قرون. تقول أساطير الفكر الرسمي القديم إن المسلمين الذين جاؤوا في العام 711 ميلادي إلى إسبانيا عن طريق مضيق جبل طارق واستولوا على معظم أنحاء شبه الجزيرة الأيبيرية في سبع سنوات فقط، قد هُزموا من قبل الملك بيلايو وبعض أتباع المسيحية في كوفادونغا، وهي معقل جبلي في أستورياس. وقد قيل إن ذلك آذن ببدء الـatsiuqnoceR (الاسترداد) أي الحرب المسيحية المقدسة التي استمرت ثمانية قرون لفتح شبه الجزيرة بأكملها والقضاء على الدول الإسلامية فيها. وفي الثاني من كانون الثاني/يناير 2941، سقطت غرناطة؛ وقد مثل هذا التاريخ نهاية العصر الإسلامي المشرق في الأندلس.

بعد ذلك، أصبحت إسبانيا دولة كاثوليكية رسمية وذلك حتى وفاة الدكتاتور فرانشيسكو فرانكو في العام 5791. وفي عام 8791، تمت المصادقة على أول دستور ديمقراطي، وبعد ذلك بعامين صدر أول قانون للحرية الدينية.

نظراً لهذه الحقائق التاريخية، كان من المفترض أن تكون أستورياس مكاناً من الصعب أن يكتشف المرء الإسلام فيه، لا سيما وأن الهويتين الأستورية والإسبانية قد تم ربطهما بالكاثوليكية الوطنية لفترة طويلة.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571