المباهلة
0%
مؤلف: السيّد صدر الدين شرف الدين
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 155
مؤلف: السيّد صدر الدين شرف الدين
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 155
حارثة - فأنتما والله فيما تزعمان من نبي ثانٍ من بعده في أمرٍ ملتبس، والجامعة تحكم في ذلك بيننا!.
السيّد والعاقب - أجل، إنّ ذلك لمن أكبر أماراته عندنا.
فتنادى الناس من (في) كلّ ناحية، الجامعة يا أبا حارثة، الجامعة، وذلك لما مسّهم في طول محاورة الثلاثة من السآمة والملل، وظنّ القوم مع ذلك أنّ الفلج (الفلح) لصاحبيهما، بما كانا يدّعيان في تلك المجالس من ذلك. فأقبل أبو حارثة إلى علج(1) واقف منه امماً، فقال: امضِ يا غلام فاتِ بها، فجاء بالجامعة يحملها على رأسه، وهو لا يكاد يتماسك بها لثقلها - قال - يعني الراوي - فحدّثني رجل صدق من النجرانية، ممن كان يلزم السيّد والعاقب، ويخف لهما في بعض أمورهما، ويطّلع على كثير من شأنهما - لمّا حضرت الجامعة بلغ ذلك من السيّد والعاقب كلّ مبلغ؛ لعلمهما بما يهجمان عليه في تصفحها من دلائل رسول الله وصفته، وذكر أهل بيته وأزواجه وذريته، وما يحدث في أمته وأصحابه، من بوائق الأمور من بعده إلى فناء الدنيا وانقطاعها، فأقبل أحدهما على صاحبه فقال: هذا يوم ما بورك لنا في طلوع شمسه، لقد شهدته أجسامنا، وغابت عنه آراؤنا بحضور طغاتنا وسفلتنا، ولقلّ ما شهد سفهاء قوم مجمعة إلاّ كان لهم الغلبة.
قال الآخر: فهم شرّ غالب لمن غلب، إنّ أحدهم ليفيق بأدنى كلمة، ويفسد في بعض ساعته ما لا يستطيع الآسي الحليم(2) له رتقاً ولا الخولي النفيس إصلاحا(3) في حول
____________________
(1) العلج الرجل الضخم من كفار العجم وقيل الكافر مطلقاً.
(2)الآسي الطبيب.
(3) الخولي الراعي الصالح.
محرم، ذلك لأنّ السفيه هادم، والحليم بانٍ، وشتّان بين الهدم والبنيان، فانتهز حارثة الفرصة، فأرسل في خفيةٍ وسرٍّ إلى النفر من أصحاب رسول الله فاستحضرهم استظهاراً بمشهدهم فحضروا، فلم يستطع الرجلان فضّ ذلك المجلس، ولا إرجاءه، وذلك لما بيّناه من تطلّع عامتهما من نصارى نجران إلى معرفة ما تضمنته الجامعة من صفة رسول الله (وانبعاث له مع حضور رسل رسول الله) لذلك، وتأليب حارثة عليهما فيه، وصفو (كذا)(1) أبو حارثة شيخهم إليه.
قال ذلك النجراني: فكان الرأي عندهما أن ينقادا لما بذههما من هذا الخطب، ولا يظهران شماساً منه (منهم) ولا نفوراً، حذار أن يطرقا الظنّة فيه إليهما، وأن يكونا أيضاً أول معتبر للجامعة ومستحث (ومستحب) لها؛ لئلا يفتات في شيء من ذلك المقام والمنزلة عليهما، ثمّ يستبين أنّ الصواب في الحال، ويستنجدانه بموجبه، فتقدّما لما تقدم أنفسهما من ذلك إلى الجامعة، وهي بين يدي أبي حارثة، وحاذاهما حارثة بن أثاك، وتطاولت إليهما فيه الأعناق، وحفّت رسل رسول الله بهم، فأمر أبو حارثة بالجامعة ففتح ظرفها، واستخرج منها صحيفة آدم الكبرى المستودعة علم ملكوت الله عزّ وجلّ جلاله، وما ذرأ وما برأ في أرضه وسمائه، وما وصلهما جلّ جلاله من ذكر عالميه، وهي الصحيفة التي ورثها شيث من أبيه آدم عمّا دعا من الذكر المحفوظ، فقرأ القوم - السيّد والعاقب وحارثة - في الصحيفة تطلباً لما تنازعوا فيه من نعت رسول الله وصفته، ومن حضرهم من الناس مصبحون (يصبحون) مرتقبون لما يستدرك من ذكر ذلك، فألفوا في المصباح (المسباح) الثاني من فواصلها
« بسم الله الرحمن الرحيم، أنا
____________________
(1) يريد الميل.
الله لا إله إلاّ أنا الحي القيوم، معقّب الدهور، وفاصل الأمور، سبقت بمشيتي الأسباب، وذللّت بقدرتي الصعاب، فأنا العزيز الحكيم الرحيم، ارحم تُرحَم، سبقت رحمتي غضبي، وعفوي عقوبتي، خلقت عبادي لعبادتي، وألزمتهم حجّتي، ألا إنّي باعث فيهم رسلي، ومنزّل عليهم كتبي، أبرم ذلك من لدن أول مذكور من بشر إلى أحمد نبيي، وخاتم رسلي، ذلك الذي أجعل عليه صلواتي، وأسلك في قلبه بركاتي، وبه أكمل أنبيائي ونذري.»
قال آدم: « إلهي من هؤلاء الرسل، ومن أحمد هذا الذي رفعت وشرّفت؟. »
قال:« كلٌّ من ذريتك، وأحمد عاقبهم. »
قال: « رب بما أنت باعثهم ومرسلهم؟. »
قال:« بتوحيدي ثمّ أقّفي ذلك بثلاثمئة وثلاثين شريعة، أنظمها وأكملها لأحمد جميعاً فآذنت (فاذن) لمن جاءني بشريعة منها، مع الإيمان بي وبرسلي أن أدخله الجنّة. »
ثمّ ذكر ما جملته: إن الله عرض على آدم معرفة الأنبياء وذريتهم، ونظرهم آدم ثمّ قال ما هذا لفظه:
ثمّ نظر آدم إلى نور قد لمع؛ فسدّ الجوّ المنخرق فأخذ بالمطالع من المشارق، ثمّ سرى كذلك حتّى طبق المغارب، ثمّ سما حتّى بلغ ملكوت السماء، فنظر فإذا هو محمّد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإذا الأكناف قد تضوعت طيباً، وإذا أنوار أربعة قد اكتنفته عن يمينه وشماله، ومن خلفه وأمامه، أشبه شيء به أرجاً، ونوراً يتلوها أنوار من بعدها تستمدّ منها، وإذا هي شبيهة بها في ضيائها ونشرها، ثمّ دنت منها فتكلّلت عليها، وحفّت بها، ونظر فإذا أنوار من بعد ذلك في مثل عدد الكواكب، ودون منازل الأوائل جداً جداً، وبعض هذه أضوء
من بعضٍ وهم في ذلك متقاربون جدّاً، ثمّ طلع عليه سواد كالليل وكالسيل ينسلون من كلّ وجه وأوب، فأقبلوا كذلك حتّى ملأوا القاع والأكم، فإذا هم أقبح شيءٍ صوراً وهيئة، وأنتنه ريحا، فبهر آدم ما رأى من ذلك وقال:
« يا عالم الغيوب، وغافر الذنوب، يا ذا القدرة الباهرة (القاهرة) والمشيئة الغالبة من هذا الخلق السعيد الذي كرّمت، ورفعت على العالمين، ومن هذه الأنوار المنبعثة المكتنفة له؟. »
فأوحى الله عزّ وجلّ إليه: « يا آدم هذا وهؤلاء وسيلتك ووسيلة من أسعدّتُ من خلقي. هؤلاء السابقون المقرّبون، والشافعون المشفّعون، وهذا أحمد سيدهم، وسيد بريتي. اخترته بعلمي وأشققت (واشتققت) اسمه من اسمي، فأنا المحمود وهو محمّد، وهذا صنوه ووصيه آزرته به، وجعلت بركاتي وتطهيري في عقبه، وهذه سيدة إمائي والبقيّة في علمي من أحمد نبيي، وهذان السبطان والخلفان لهم، وهذه الأعيان المضارع نورها أنوارهم، بقية منهم ألا إنّ كلاً اصطفيت وطهّرت، وعلى كلٍّ باركت وترحمت، فكلاًّ بعلمي جعلت قدوة عبادي، ونور بلادي.»
ونظر فإذا شيخ في آخرهم يزهر في ذلك الصفيح، كما يزهر كوكب الصبح لأهل الدنيا، فقال الله تعالى: «وبعبدي هذا أفكّ عن عبادي الأغلال، وأضع عنهم الآصار، وأملأ أرضي به حناناً، ورأفةً، وعدلاً، كما ملئت من قبله قسوة وقشعرية وجوراً.»
قال آدم: « ربِ إنّ الكريم من أكرمت، والشريف من شرّفت، وحقٌ يا إلهي لمن رفعت وأعليت أن يكون كذلك، فيا ذا النعم التي لا تنقطع
____________________
(1) الأصار: الذنوب.
والإحسان الذي لا يجارى، ولا ينفد، بِمَ بلغ عبادك هؤلاء العالون هذه المنزلة من شرف عطائك، وعظيم فضلك، وحبائك، وكذلك من كرّمت من عبادك المرسلين؟. »
قال الله تبارك وتعالى: « أنا الله لا (إله إلاّ أنا) الرحمن الرحيم العزيز الحكيم، عالم الغيوب ومضمرات القلوب. أعلم ما لم يكن مما يكون (و) كيف يكون، وما لا يكون، كيف لو كان يكون. وإني اطلعت يا عبدي في علمي على قلوب عبادي، فلم أرَ فيهم أطوع لي، ولا أنصح لخلقي من أنبيائي ورسلي، فجعلت لذلك فيهم روحي وكلمتي، وألزمتهم عبء (هناء) حجّتي، واصطفيتهم على البرايا برسالتي ووحيي، ثمّ ألقيت بمكاناتهم تلك في منازلهم حوامهم(1) وأوصيائهم من بعدهم، فألحقتهم بأنبيائي ورسلي، وجعلتهم من بعدهم ودائع حجّتي، والسادة في بريتي؛ لأجبر بهم كسر عبادي، وأقيم بهم أودهم، ذلك أني بهم وبقلوبهم لطيف خبير. ثمّ اطلعت على قلوب المصطفين من رسلي، فلم أجد فيهم أطوع، ولا أنصح لخلقي من محمّد خيرتي وخالصتي؛ فاخترته على علمٍ، ورفعت ذكره إلى ذكري، ثمّ وجدت قلوب حامّته اللائي من بعده على صبغة قلبه؛ فألحقتهم به، وجعلتهم ورثة كتابي ووحي، وأوكار حكمتي، ونوري، وآليت بي ألاّّ أعذب بناري من لقيني معتصماً بتوحيدي، وحبل مودتهم أبداً. »
ثمّ أمرهم أبو حارثة أن يصيروا إلى صحيفة شيث الكبرى، التي انتهى ميراثها إلى إدريس النبي.
قال: وكان كتابتها بالقلم السرياني القديم، وهو الذي كتب من بعد نوح من ملوك الهياطلة(2) وهم النماردة.
قال: فافتض القوم الصحيفة
____________________
(1) حوامّهم - قرابتهم.
(2) جنس من الترك، وقيل من الهند لهم شوكة.
وأفضوا منها إلى هذا الرسم:
اجتمع إلى إدريس قومه وصحابته، وهو يومئذ في بيت عبادته من أرض كوفان فخبّرهم فيما اقتص عليهم قال: « إنّ بني أبيكم آدم (الصلبية) لصلبه، وبني بنيه وذريته، اختصموا فيما بينهم وقالوا: أيُّ الخلق عندكم أكرم على الله عزّ وجلّ، وأرفع لديه مكانة، وأقرب منه منزلة؟
فقال بعضهم: أبوكم آدم، خلقه الله عزّ وجلّ بيده، وأسجد له ملائكته، وجعله الخليفة في أرضه، وسخّر له جميع خلقه.
وقال آخرون: بل الملائكة الذين لم يعصوا الله عزّ وجلّ.
وقال بعضهم: لا بل رؤساء الملائكة الثلاثة جبرائيل وميكائيل وإسرافيل.
وقال بعضهم: لا بل أمين الله جبرائيل. فانطلقوا إلى آدم فذكروا الذين قالوا واختلفوا فيه فقال:
يا بَنيّ أنا أخبركم بأكرم الخلائق جميعاً على الله عزّ وجلّ، إنّه والله لمّا نفخ فيّ الروح حتّى استويت جالساً، فبرق لي العرش العظيم، فنظرت فيه فإذا فيه لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله - فلان أمين الله، فلان خيرة الله عزّ وجلّ، فذكر عدة أسماء مقرونة بمحمد - ثمّ لم أرّ في السماء موضع أديم، أو صفيح منها إلاّ فيه مكتوب لا إله إلاّ الله، وما من موضع فيه مكتوب لا إله إلاّ الله إلاّ ومكتوب خلقاً لا محمّد رسول الله، وما من موضع مكتوب فيه محمّد رسول الله، إلاّ ومكتوب عليّ (فلان) ولي الله، الحسن (فلان) خيرة الله، الحسين (فلان) صفوة الله،» فذكر عدّة أسماء ينتظم حساب المعدود.
قال آدم: « فمحمد يا بنيّ، ومن خط من تلك الأسماء معه، أكرم الخلائق على الله جميعاً. »
ثمّ ذكر أنّ أبا حارثة سأل السيّد والعاقب أن يقفا على صلاة إبراهيم
الذي جاء (بها) الأملاك من عند الله عزّ وجلّ، فقنعوا بما وقفوا عليه في الجامعة.
قال أبو حارثة: لا بل شارفوها بأجمعها، وأسبروها فإنّه أصرم للعذور، وأرفع لحكمة (لحسكة) الصدور، وأجدر ألاّّ ترتابوا في الأمر من بعد علم، فلم يجد من المصير إلى قوله من بدّ، فعمد القوم إلى تابوت إبراهيم. وكان الله عزّ وجلّ يفضّله على من يشاء من خلقه، قد اصطفى إبراهيم عليه بخلّته، وشرّفه بصلواته وبركاته، وجعله قبلةً وإماماً لمن يأتي من بعده، وجعل النبوّة والكتاب والإمامة في ذريته، يتلقاها آخرٌ من أول، وورّثه تابوت آدم المتضمن للحكمة والعلم، الذي فضّله الله عزّ وجلّ به على الملائكة طرّاً، فنظر إبراهيم في ذلك التابوت، فأبصر بيوتاً بعدد ذوي العزم من الأنبياء المرسلين وأوصيائهم من بعدهم، ونظر فإذا بيت محمّد آخر الأنبياء، وعن يمينه علي بن أبي طالب آخذاً بحجرته، فإذا شكل عظيم يتلألأ نوراً فيه، هذا صنوه ووصيه المؤيد بالنصر.
فقال إبراهيم: « إلهي وسيدي من هذا الخلق الشريف؟. »
فأوحى الله عزّ وجلّ: « هذا عبدي وصفوتي الفاتح الخاتم، وهذا وصيه الوارث. »
قال: « ربي ما الفاتح الخاتم؟. »
قال: « هذا محمّد خيرتي وبكر فطرتي، وحجّتي الكبرى في بريتي، نبأته واجتبيته. إذ آدم بين الطين والجسد. إني باعثه عند (بعد) انقطاع الزمان لتكملة ديني، وخاتمٌ به رسالتي (رسالاتي) ونذري، وهذا عليٌّ أخوه وصدّيقه الأكبر، آخيت بينهما واخترتهما وصليت وباركت عليهما وطهّرتهما وأخلصتهما، والأبرار منهما وذريتهما، قبل أن أخلق سمائي وأرضي، وما فيهما من خلقي، وذلك لعلمي بهم وبقلوبهم، إني بعبادي عليم خبير. »
ونظر إبراهيم فإذا إثنا عشر عظيماً، يكاد تلالؤ أشكالهم لحسنها نوراً، فسأل ربّه جلّ وتعالى، فقال:« ربي نبئني بأسماء هذه الصور المقرونة بصورة محمّد ووصيه.»
وذلك لما رأى من رفيع درجاتهم، والتحاقهم بشكلي محمّد ووصيه، فأوحى الله عزّ وجلّ:« أمتي والبقيّة من بني فاطمة الصديقة الزهراء، وجعلتها مع خليلها عصبةً لذرية نبي هؤلاء، وهذان الحسنان، وهذا فلان، وهذا فلان، وهذه كلمتي التي أنشر بها رحمتي في بلادي، وبه أنتاش ديني وعبادي، ذلك بعد يأس منهم، وقنوط منهم من غياثي، فإذا ذكرت محمداً نبيي لصلواتك فصلِ عليهم معه يا إبراهيم.»
فعندها صلّى عليهم إبراهيم فقال: « ربِ صلِ على محمّد وآل محمّد، كما اجتبيتهم وأخلصتهم إخلاصا.»
فأوحى الله عزّ وجلّ: « لتهنك كرامتي وفضلي عليك، فإنّي صائر بسلالة محمّد، ومن اصطفيت معه منهم إلى قناة صلبك، ومخرجهم منك، ثمّ من بكرك إسماعيل، فابشر يا إبراهيم، فإني واصل صلاتك بصلاتهم، ومتّبع ذلك بركاني ورحمتي عليك وعليهم، وجاعل حسناتي وحجّتي إلى الأمد المعدودة، واليوم الموعود الذي أرث فيه سمائي وأرضي، وأبعث له خلقي لفصل قضائي وإفاضة رحمتي وعدلي.»
فلمّا سمع أصحاب رسول الله ( ص ) ما أفضى إليه القوم من تلاوة ما تضمنت الجامعة، والصحف الدارسة من نعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وصفة أهل بيته المذكورين معه بما هم به، وبما شاهدوا من مكانتهم عنده، ازداد القوم بذلك يقيناً وإيمانا واستطيروا له فرحاً.
ثمّ صار القوم إلى ما نزل على موسى، فألفوا في السِفر الثاني من التوراة:
« إنّي باعث في الأميين من ولد إسماعيل رسولاً، أنزّل عليه كتابي، وأبعثه بالشريعة القيّمة إلى جميع خلقي، آتيته حكمتي، وأيدّته بملائكتي، وجنودي تكون ذريته من ابنة له مباركة باركتها، ثمّ من شبلين لهما كإسماعيل وإسحاق، أصلين لشعبتين عظيمتين أكثرهم جدا جدا، يكون منهم إثنا عشر قيّماً أكمل بمحمد وما أرسله به من بلاغ وحكمة ديني، وأختم به أنبيائي ورسلي، فعلى محمّد وأمّته تقوم الساعة.»
فقال حارثة: الآن أسفر الصبح لذي عينين، ووضح الحقّ لمن رضى به ديناً، فهل في أنفسكما من مرض تستشفيان به؟. فلم يرجعا إليه قولاً.
أبو حارثة: اعتبروا الأمارة الخاتمة من قول سيدكم المسيح، فصاروا إلى الكتب والأناجيل التي جاء بها عيسى، فألفوا في المفتاح الرابع من الوحي إلى المسيح:
« يا عيسى، يابن الطاهرة البتول، اسمع قولي، وجد في أمري، إنّي خلقتك من غير فحل، وجعلتك آيةً للعالمين، فإيّاي فاعبد، وعليّ فتوكل، وخذ الكتاب بقوّةٍ ثمّ فسّره لأهل سوريا، وأخبرهم أنّي أنا الله، لا إله إلاّ أنا الحي القيوم، الذي لا أحول ولا أزول، فآمنوا بي، وبرسولي النبي الأمّي، الذي يكون في آخر الزمان، نبيّ الرحمة والملحمة، الأول والآخر - أول النبيين خَلْقَاً، وآخرهم مبعثاً - ذلك العاقب الحاشر، فبشّر به بني إسرائيل.»
قال عيسى: « يا مالك الدهور، وعلّام الغيوب، من هذا العبد الصالح الذي قد أحبّه قلبي ولم تره عيني؟. »
-« ذلك خالصتي ورسولي، المجاهد بيده في سبيلي، الموافق (يوافق)
قوله فعله، وسريرته وعلانيته، أنزل عليه توراة جديدة (حديثة)، أفتح بها أعيناً عمياً، وآذاناً صمّاً، وقلوباً غلفاً، فيها ينابيع العلم، وفهم الحكمة، وربيع القلوب، وطوباه طوبى أمته.»
-« ربي ما اسمه وعلامته، وما كلّ أمته (وما ملك أمته) وهل له من بقيّة - يعني ذريته - ؟؟»
-« سأنبئك بما سألت: اسمه أحمد، منتجب (منتخب) من ذرية إبراهيم، ومصطفى من سلالة إسماعيل، ذو الوجه الأقمر، والجبين الأزهر، راكب الجمل، تنام عيناه ولا ينام قلبه، يبعثه الله (كذا) في أمّةٍ أميّةٍ ما بقي الليل والنهار، مولده في بلد أبيه إسماعيل مكّة. كثير الأزواج، قليل الأولاد، نسله من مباركة صديقة يكون له منها ابنة، لها فرخان سيدان يستشهدان، جعل نسل أحمد منهما، فطوبى لهما ولمن أحبّهما، وشهد أيامهما فنصرهما.»
-« إلهي وما طوبى؟!»
-« شجرة في الجنّة، ساقها وأغصانها من ذهب، وورقها حلل، وحملها كثدي الأبكار، أحلى من العسل، وألين من الزبد، وماؤها من تسنيم، لو أنّ غراباً طار وهو فرخ لأدركه الهرم قبل أن يقطعها، وليس منزل من منازل أهل الجنّة إلاّ وظلاله فننٌ من تلك الشجرة.»
فلمّا أتى القوم على دراسة ما أوحى الله عزّ وجلّ إلى المسيح ( ع ) من بعث محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وصفته، وملك أمّته، وذكر ذريته وأهل بيته، أمسك الرجلان مخصومين، وانقطع التحاور بينهم في ذلك.
فلمّا فلج حارثة على السيّد والعاقب بالجامعة، وما تبيّنوه في الصحف القديمة، ولم يتم لهما ما قدروا
من تحريفها، ولم يمكنهما أن يلبسا على الناس في تأويلهما، أمسكا عن المنازعة من هذا الوجه، وعلما أنّهما قد أخطآ سبيل الصواب، فسارا إلى بيعتهما آسفين.
والحمد لله رب العالمين أولاً وآخراً
ونرجوا أن يعصمنا من الزلل والخطأ *
* * *
لقد اطّلع فضيلة خطيب الكاظمية المفوّه الأستاذ الشيخ كاظم آل نوح على بعض فصول الكتاب في أثناء الطبع، فقال: مؤرّخاً عام طبعه
قد تم طبع كتاب فذٍّ كامل |
بحّاثة في عصرنا هذا اشتهر |
|
ذاك السبيتي الذي في مزبر |
قد خط ما في اللوح فيه واستطر |
|
علاّمة بحّاثة في بحثه |
لم يعره أبداً من البحث الضجر |
|
متعمق في البحث يفلج خصمه |
وهو الذي في العصر منه يفتخر |
|
قد تم طبع كتاب آل محمّد |
آرخ لآل محمّد حقّ ظهر |
* لقد اعتمدنا في نقل حديث أهل نجران على عدّة نسخ، تحرّياً للصحّة والضبط، وقد رأينا بعض الاختلاف بين بعض الكتب، لذلك أثبتنا الكلمات التي اختلفت فيها بعض الكتب بين أقواس على أنّها نسخ بدل.
المصادر
الإقبال ابن طاووس
البحار المجلسي
تاريخ الطبري
صحيح مسلم
صحيح الترمذي
مسند أحمد
دلائل النبوّة أبو نعيم الحافظي
الصواعق المحرقة ابن حجر
أسباب النزول الواحدي
حقائق التأويل الشريف الرضي
عبقرية الإمام العقّاد
تاريخ الأدب العربي الزيّات
معجم البلدان الحموي
الكلمة الغرّاء السيّد عبدالحسين شرف الدين
ينابيع المودة سليمان البلخي
المستدرك الحاكم
فجر الإسلام أحمد أمين
تفسر الكشّاف الزمخشري
غرائب القرآن النيسابوري
أنوار التنزيل البيضاوي
نفحات الرحمان النهاوندي
التفسير الكبير الرازي
تاريخ اليعقوبي
عمّار بن ياسر للمؤلف
الدر المنثور للسيوطي
أنجيل يوحنّا
النصرانية والإسلام لويس اده
الفهرس
تصدير 1
نجران. 18
وفد نجران. 26
السمر 39
يوم المباهلة 54
أفضل الخلق. 64
المفسرون. 78
تعقيب.. 93
مؤتمر نجران. 114
المصادر 153