الأمالي الشيخ الطوسي

الأمالي الشيخ الطوسي0%

الأمالي الشيخ الطوسي مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 799

الأمالي الشيخ الطوسي

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي (شيخ الطائفة)
تصنيف: الصفحات: 799
المشاهدات: 898814
تحميل: 9565


توضيحات:

الأمالي الشيخ الطوسي المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 799 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 898814 / تحميل: 9565
الحجم الحجم الحجم
الأمالي الشيخ الطوسي

الأمالي الشيخ الطوسي

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الانعام السائمة، كذلك يموت العلم بموت حامليه.

اللهم بلى لا تخلو الارض من قائم بحجة، ظاهرا مشهورا، أو مستترا مغمورا، لئلا تبطل حجج الله وبيناته، وأين أولئك؟ والله الاقلون عددا الاعظمون خطرا، بهم يحفظ الله حججه حتي يودعوها نظراءهم ويزرعوها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقائق الامور، فباشروا أرواح اليقين، واستلانوا ما استوعره المترفون، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها متعلقة بالمحل الاعلى، أولئك خلفاء الله في أرضه والدعاة إلى دينه. آه آه شوقا إلى رؤيتهم، واستغفر الله لي ولكم. ثم نزع يده من يدي وقال: انصرف إذا شئت.

٢٤/٢٤ - حدّثنا محمّد بن محمّد، قال: حدّثنا أبوبكر محمّد بن عمر الجعابي، قال: حدثني علي، بن إسحاق النحوي، قال: حدّثنا عثمان بن عبدالله الشامي، قال: حدّثنا ابن لهيعة، عن أبي زرعة الحضرمي، عن عمر بن عليّ بن أبي طالب، عن أبيهعليه‌السلام ، قال: قال لي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عليّ بنا يختم الله الدين كما بنا فتحه، وبنا يؤلف الله بين قلوبكم بعد العداوة والبغضاء.

٢٥/٢٥ - أخبرنا محمّد بن محمّد، قال: أخبرنا أبوالحسن أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد، قال: حدثني أبي، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن مروان، عن محمّد بن عجلان، عن أبي عبدالله جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، قال: طوبى لمن لم يبدل نعمة الله كفرا، طوبى للمتحابين في الله.

٢٦/٢٦ - أخبرنا محمّد بن محمّد، قال: أخبرنا أبوبكر محمّد بن عمر الجعابى، قال: حدّثنا عبد الكريم بن محمّد، قال: حدّثنا سهل بن زنجلة الرازي، قال: حدّثنا ابن أبي أويس، قال: حدثني أبي، عن حميد بن قيس، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا بني عبدالمطلب، إني سألت الله لكم أن يعلم جاهلكم، وأن يثبت قائمكم، وأن يهدي ضالكم، وأن يجعلكم نجداء جوداء رحماء، أما والله لو أن رجلا صف قدميه بين الركن والمقام مصليا فلقي الله ببغضكم

٢١

أهل البيت دخل النار(١) .

٢٧/٢٧ - أخبرنا أبوعبدالله محمّد بن محمّد بن النعمان، قال: أخبرني الشريف الصالح أبومحمّد الحسن بن حمزة العلوي الحسيني الطبريرحمه‌الله ، قال: حدّثنا محمّد بن عبدالله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن مروك بن عبيد الكوفي، عن محمّد بن يزيد الطبري، قال: كنت قائما على رأس الرضا عليّ بن موسىعليهما‌السلام بخراسان وعنده جماعة من بني هاشم منهم إسحاق بن العباس بن موسى، فقال له: يا إسحاق، بلغني أنكم تقولون: إن الناس عبيد لنا، لا وقرابتي من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قلته قط، ولا سمعته من أحد من آبائي، ولا بلغني عن أحد منهم قاله، لكنا نقول: الناس عبيد لنا في الطاعة، موال لنا في الدين، فليبلغ الشاهد الغائب.

٢٨/٢٨ - وبهذا الاسناد، قال: سمعت الرضاعليه‌السلام يتكلم في توحيد الله فقال: أولى عبادة الله معرفته، وأصل معرفة الله (جلّ اسمه) توحيده، ونظام توحيده نفي التحديد عنه، لشهادة العقول أن كل محدود مخلوق، وشهادة كل مخلوق أن له خالقا ليس بمخلوق، والممتنع من الحدث هو القديم في الازل.

فليس الله عبد من نعت ذاته، ولا إياه وحد من اكتنهه، ولا حقيقته أصاب من مثله، ولا به صدق من نهاه، ولا صمد صمده من أشار إليه بشئ من الحواس، ولا إياه عنى من شبهه، ولا له عرف من بعضه، ولا إياه أراد من توهمه، كل معروف بنفسه مصنوع، وكل قائم في سواه معلول، بصنع الله يستدل عليه، وبالعقول تعتقد معرفته، وبالفطر تثبت حجته.

خلق الله (تعالى) الخلق حجاب بينه وبينهم، ومباينته إياهم مفارقته إنيتهم، وابتداؤه لهم دليلهم على أن لا ابتداء له، لعجزكل مبتدئ منهم عن ابتداء مثله، فأسماؤه (تعالى) تعبير، وأفعاله (سبحانه) تفهيم.

____________________

(١) يأتي في الحديثين. ١٨٤ و ٤٣٥.

٢٢

قد جهل الله من حده، وقد تعداه من اشتمله، وتد أخطاه من اكتنهه، ومن قال: « كيف هو » فقد شبهه، ومن قال فيه: « لم » فقد علله، ومن قال: « متى » فقد وقته، ومن قال: « فيم » فقد ضمنه، ومن قال: « إلى م » فقد نهاه، ومن قال: « حتّى م » ، فقد غياه، ومن غياه فقد جزأه، ومن جزأه فقد ألحد فيه.

لا يتغير الله بتغير المخلوقات، ولا يتحدد بتحدد المحدود، واحد لا بتأويل عدد، ظاهر لا بتأويل المباشرة، متجل لا باستهلال رؤية، باطن لا بمزايلة، مبائن لا بمسافة، قريب لا بمداناة، لطيف لا بتجسم، موجود لا عن عدم، فاعل لا باضطرار، مقدر لا بفكرة، مدنجر لا بحركة، مريد لا بعزيمة، شاء لا بهمة، مدرك لا بحاسة، سميع لا بآلة، بصير لا بأداة، لا تصحبه الاوقات، ولا تضمه الاماكن، ولا تأخذه السنات، ولا تأحده الصفات، ولا تقيده الادوات.

سبق الاوقات كونه، والعدم وجوده، والابتداء أزله، بخلقه الاشباه علم أنه لا شبه له، وبمضادته بين الاشياء علم أن لا ضد له، وبمقارنته بين الامور عرف أن لا قرين له.

ضادّ النور بالظلمة، والصر(١) بالحر، مؤلف بين متعاقباتها، مفرق بين متدانياتها، بتفريقها دل على مفرقها، وبتاليفها دل على مؤلفها، قال الله (تعالى):( وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (٢) .

له معنى الربوبية إذ لا مربوب، وحقيقة الالهية إذ لا مألوه، ومعنى العالم ولا معلوم، ليس منذ خلق استحق معنى الخالق، ولا من حيث أحدث استفاد معنى المحدث، لا يغيبه منذ، ولا يدنيه قد، ولا يحجبه لعل، ولا يوقته متى، ولا يشتمله حين، ولا يقارنه مع، كل ما في الخلق من أثر غير موجود في خالقه، وكل ما أمكن فيه ممتنع من صانعه، لا تجرى عليه الحركة والسكون، كيف يجرى عليه ما هو أجراه، أو

____________________

(١) الصرد: البرد.

(٢) سورة الذاريات ٥١: ٤٩.

٢٣

يعود فيه ما هو ابتداه؟ إذن لتفاوتت دلالته، ولامتنع من الازل معناه، ولما كان للبارئ معنى غير المبرأ.

لو حد له وراء لحد له أمام، ولو التمس له التمام للزمه النقصان، كيف يستحق الازل من لا يمتنع من الحدث، وكيف ينشئ الاشياء من لا يمتنع من الانشاء؟

لو تعلقت به المعاني لقامت فيه آية المصنوع، ولتحول عن كونه دالا إلى كونه مدلولا عليه، ليس في مجال القول حجة، ولا في المسألة عنه جواب، لا اله الا الله العلي العظيم.

٢٩/٢٩ - أخبرنا محمّد بن محمّد، قال: أخبرني أبوغالب أحمد بن محمّد الزراريرحمه‌الله ، قال: حدثني خالي أبوالعباس محمّد بن جعفر الرزاز القرشي، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح، عن بريد بن معاوية العجلي، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقرعليه‌السلام ، عن آبائه، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يقول الله (تعالى): المعروف هدية مني إلى عبدي المؤمن، فإن قبلها مني فبرحمتي ومني، وان ردها فبذنبه حرمها ومنه لا مني، وأيما عبد خلقته فهديته إلى الايمان وحسنت خلقه، ولم ابتله بالبخل، فإني أريد به خيراً.

٣٠/٣٠ - عنه، أخبرني أبوالحسن عليّ بن خالد المراغي، قال: حدّثنا أبوالقاسم الحسن(١) بن عليّ بن الحسن الكوفي، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مروان الغزال، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا عبدالله بن الحسن الاحمسي، قال: حدّثنا خالد ابن عبدالله، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبدالله بن الحارث بن نوفل، قال: سمعث سعد ابن مالك - يعني ابن أبي وقاص - يقول: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: فاطمة بضعة مني، من سرها فقد سرني، ومن ساءها فقد ساءني، فاطمة أعزّالبريّة عليّ.

٣١/٣١ - حدّثنا أبوعبدالله محمّد بن محمّد بن النعمانرحمه‌الله ، قال: أخبرني

____________________

(١) في نسخة: الحسين.

٢٤

أبوالحسن عليّ بن محمّد بن حبيش الكاتب، قال: أخبرني الحسن بن عليّ الزعفراني، قال: أخبرني أبوإسحاق إبراهيم بن محمّد الثقفي، قال: حدثني عبدالله بن محمّد بن عثمان، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن أبي سعيد، عن فضيل بن الجعد، عن أبي إسحاق الهمداني، قال: لما ولى أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب (صلوات الله عليه) محمّد بن أبي بكر مصر وأعمالها كتب له كتابا، وأمره أن يقرأه على أهل مصر، وليعمل بما وصاه به فيه، وكان الكتاب:

 بسم الله الرحمن الرحيم

من عبدالله أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب إلى أهل مصر ومحمّد بن أبي بكر. سلام عليكم، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو.

أما بعد: فإني أوصيكم. بتقوى الله فيما أنتم عنه مسؤولون وإليه تصيرون، فإن الله تعالى يقول:( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) (١) ويقول:( وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّـهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّـهِ الْمَصِيرُ ) (٢) ويقول:( فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ، عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (٣) .

فاعلموا عباد الله أن الله عزّوجلّ سائلكم عن الصغير من عملكم والكبير فإن يعذب فنحن أظلم، وإن يعف فهو أرحم الراحمين.

يا عباد الله، إن أقرب ما يكون العبد إلى المغفرة والرحمة حين يعمل الله بطاعته وينصحه بالتوبة، عليكم بتقوى الله، فإنها تجمع الخير ولا خير غيرها، ويدرك بها من الخير ما لا يدرك بغيرها من خير الدنيا وخير الاخرة، قال الله (عزّوجلّ):( وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَـٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ ) (٤) .

اعلموا يا عباد الله أن المؤمن يعمل لثلاث من الثواب: إما لخير (الدنيا) فإن الله

____________________

(١) سورة المدثر ٧٤: ٣٨.

(٢) سورة آل عمران ٣: ٢٨.

(٣) سورة الحجر ١٥: ٩٢ و ٩٣.

(٤) سورة النحل ١٦: ٣٠.

٢٥

يثيبه بعمله في دنياه، قال الله (سبحانه) لابراهيم:( وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ) (١) فمن عمل لله تعالى أعطاه أجره في الدنيا والاخرة وكفاه المهم فيهما، وقد قال الله (تعالى):( يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَـٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّـهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ) (٢) فما أعطاهم الله في الدنيا لم يحاسبهم به في الاخرة، قال الله تعالى:( لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ) (٣) والحسنى هي الجنة والزيادة هي الدنيا، (واما لخير الاخرة) فإن الله تعالى يكفر بكل حسنتة سيئة، قال الله عزّوجلّ:( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ ) (٤) حتّى إذا كان يوم القيامة حسبت لهم حسناتهم، ثم أعطاهم بكل واحدة عشر أمثالها إلي سبعمائة ضعف، قال الله عزّوجلّ:( جَزَاءً مِّن رَّبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا ) (٥) وقال:( فَأُولَـٰئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ) (٦) فارغبوا في هذا رحمكم الله واعملوا له وتحاضوا عليه.

واعلموا يا عباد الله أن المتقين حازوا عاجل الخير وآجله، شاركوا أهل الدنيا في دنياهم، ولم يثاركهم أهل الدنيا في آخرتهم، أباحهم الله من الدنيا ما كفاهم به وأغناهم، قال الله عزّوجلّ:( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّـهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) (٧) سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت، وأكلوها بأفضل ما أكلت، شاركوا أهل الدنيا في دنياهم فإكلوا معهم من طيبات ما يأكلون، وشربوا من طيبات ما

____________________

(١) سورة العنكبوت ٢٩: ٢٧.

(٢) سررة الزمر ٣٩: ١٠.

(٣) سورة يونس ١٠: ٢٦.

(،) سورة هود ١١: ١١٤.

(٥) سورة النبأ ٧٨: ٣٦.

(٦) سورة سبأ ٣٤: ٣٧.

(٧) سررة الاعراف ٧: ٣٢.

٢٦

يشربون، ولبسوا من أفضل ما يلبسون، وسكنوا من أفضل ما يسكنون، وتزوجوا من أفضل ما يتزوجون، وركبوا من أفضل ما يركبون، أصابوا لذة الدنيا مع أهل الدنيا، وهم غدا جيران الله تعالى، يتمنون عليه فيعطيهم ما يتمنون، لا ترذ لهم دعوة، ولا ينقص لهم نصيب من اللذة، فإلى هذا يا عباد الله يشتاق إليه من كان له عقل ويعمل له بتقوى الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

يا عباد الله، إن اتقيتم وحفظتم نبيكم في أهل بيته، فقد عبدتموه بأفضل ما عبد، وذكرتموه بأفضل ما ذكر، وشكرتموه بأفضل ما شكر، وأخذتم بأفضل الصبر والشكر، واجتهدتم أفضل الاجتهاد، وإن كان غيركم أطول منكم صلاة وأكثر منكم صياما فأنتم أتقى لله منه، وأنصح لاولي الامر.

احذروا يا عباد الله الموت وسكرته، فاعدوا له عدته، فإنه يفجأكم بأمر عظيم، بخير لا يكون معه شر أبدأ، أو بشر لا يكون معه خير أبدا، فمن أقرب إلى الجنة من عاملها، ومن أقرب إلى النار من عاملها؟ إنه ليس أحد من الناس تفارق روحه جسده حتّى يعلم إلى أي المنزلين يصير: إلى الجنة أم النار، أعدو هو لله أم ولي؟ فإن كان وليا لله فتحت له أبواب الجنة، وشرعت له طرقها، ورأى ما أعد الله له فيها، ففزع من كل شغل، ووضع عنه كل ثقل، وإن كان عدوالله فتحت له أبواب النار، وشرع له طرقها، ونظر إلى ما أعد الله له فيها، فاستقبل كل مكروه وترك كل سرور، كل هذا يكون عند الموت، وعنده يكون اليقين، قال الله تعالى:( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) (١) ويقول:( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَىٰ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ، فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ) (٢) .

يا عباد الله، إن الموت ليس منه فوت، فاحذروه قبل وقوعه، واعدوا له عدته،

____________________

(١) سورة النحل ١٦: ٣٢.

(٢) سورة النحل ١٦: ٢٨ و ٢٩.

٢٧

فإنكم طرد الموت، إن اقمتم له أخذكم، وإن فررتم منه أدرككم، وهو ألزم لكم من ظلكم، الموت معقود بنواصيكم، والدنيا تطوط خلفكم، فأكثروا ذكر الموت عندما تنازعكم إليه أنفسكم من الشهوات، وكفى بالموت واعظا؟ وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كثيرا ما يوصي أصحابه بذكر الموت، فيقول: أكثروا ذكر الموت، فإنه هادم اللذات، حائل بينكم وبين الشهوات.

يا عباد الله، ما بعد الموت لمن لم يغفر له أشد من الموت: القبر، فاحذروا ضيقه وضنكه وظلمته وغربته، إن القبر يقول كل يوم: أنا بيت الغربة، أنا بيت التراب، أنا بيت الوحشة، أنا بيت الدود والهوام، والقبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النيران، إن العبد المؤمن إذا دفن قالت له الارض: مرحبا وأهلا، لقد كنت ممن أحب أن يمشي على ظهري، فإذا وليتك فستعلم كيف صنعي بك؟ فتتسع له مد البصر. وإن الكافرإذا دفن قالت له الارض: لا مرحبا ولا أهلا، لقد كنت من أبغض من يمشي على ظهري، فإذا وليتك فستعلم كيف صنعي بك، فتضمه حتّى تلتقي أضلاعه.

وان المعيشة الضنك التي حذر الله منها عدوه عذاب القبر، إنه يسلط على الكافر في قبره تسعة وتسعين تنينا(١) ، فينهشن لحمه، ويكسرن عظمه، ويترددن عليه كذلك إلى يوم يبعث، لو أن تنينا منها نفخ في الارض لم تنبت زرعا أبدا.

اعلموا يا عباد الله أن أنفسكم الضعيفة، وأجسادكم الناعمة الرقيقة التي يكفيها اليسير تضعف عن هذا، فإن استطعتم أن تجزعوا لاجسادكم وأنفسكم مما لا طاقة لكم به ولا صبر لكم عليه، فاعملوا بما أحب الله واتركوا ماكره الله.

يا عباد الله، إن بعد البعث ما هو أشد من القبر، يوم يشيب فيه الصغير، ويسكر منه الكبير، ويسقط فيه الجنين، وتذهل كل مرضعة عما أرضعت، يوم عبوس قمطرير، ويوم كان شره مستطيرا. إن فزع ذلك اليوم ليرهب الملائكة الذين لا ذنب لهم، وترعد منه السبع الشداد، والجبال الاوتاد، والارض المهاد، وتنشق السماء فهي

____________________

(١) التنين: الحية العظيمة.

٢٨

يومئذ واهية، وتتغير فكأنها ننها وردة كالدهان، وتكون الجبال كثيبا(١) مهيلا بعدما كانت صما صلابا، وينفخ في الصور فيفزع من في السماوات ومن في الارض إلا من شاء الله، فكيف من عصى بالسمع والبصر واللسان واليد والرجل والفرج والبطن، إن لم يغفر الله له ويرحمه من ذلك اليوم؟ لانه يقض ويصيرإلى غيره، إلى نار قعرها بعيد، وحرها شديد، وشرابها صديد، وعذابها جديد، ومقامعها حديد، لا يفتر عذابها ولا يموت ساكنها، دار ليس فيها رحمة، ولا يسمع لاهلها دعوة.

واعلموا يا عباد الله أن مع هذا رحمة الله التي لا تعجز العباد، جنة عرضها كعرض السماوات والارض أعدت للمتقين، لا يكون معها شر أبدا، لذاتها لا تمل، ومجتمعها لا يتفرق، وسكانها قد جاوروا الرحمن، وقام بين أيد يهم الغلمان، بصحاف من الذهب فيها الفاكهة والريحان.

ثم اعلم يا محمّد بن أبي بكر أني قد وليتك أعظم أجنادي في نفسي، أهل مصر، فإذا وليتك ما وليتك من أمر الناس فأنت حقيق أن تخاف منه على نفسك وأن تحذر فيه على دينك، فإن استطعت أن لا تسخط ربك برضا أحد من خلقه فافعل، فإن في الله عزّوجلّ خلفا من غيره، وليس في شئ سواه خلف منه، اشتد على الظالم وخذ عليه، ولن لاهل الخير وقربهم، واجعلهم بطانتك وأقرانك، وانظر إلى صلاتك كيف هي، فإنك إمام لقومك (ينبغي لك) أن تتمها ولا تخففها، فليس من إمام يصلي بقوم يكون في صلاتهم نقصان إلا كان عليه، لا ينقص من صلاتهم شئ، وتممها وتحفظ فيها، يكن لك مثل أجورهم، ولا ينقص ذلك من أجرهم شيئا.

وانظر إلى الوضوء، فإنه من تمام الصلاة، تمضمض ثلاث مرات، واستنشق ثلاثا، واغسل وجهك ثم يدك اليمنى ثم اليسرى ثم امسح رأسك ورجليك، فإني رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصنع ذلك، واعلم أن الوضوء نصف الايمان.

ثم ارتقب وقت الصلاة، فصلها لوقتها، ولا تعجل بها قبله لفراغ، ولا تؤخرها

____________________

(١) في نسخة: سرابا.

٢٩

عنه لشغل، فإن رجلا سأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أوقات الصلاة، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أتاني جبرئيلعليه‌السلام فأراني وقت الصلاة حين زالت الشمس، فكانت على حاجبه الايمن، ثم أراني وقت العصرفكان ظل كل شئ مثله، ثم صلى المغرب حين غربت الشمس، ثم صلى العشاء الاخرة حين غاب الشفق، ثم صلى الصبح فأغلس بها والنجوم مشتبكة، فصل لهذه الاوقات، والزم السنة المعروفة والطريق الواضحة، ثم انظر ركوعك وسجودك، فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أتم الناس صلاة، وأحقهم عملاً بها.

واعلم أن كل شئ من عملك تبع لصلاتك، فمن ضيع الصلاة فإنه لغيرها أضيع. أسأل الله الذي يرى ولا يرى، وهو بالمنظر الاعلى أن يجعلنا وإياك ممن يحب ويرضى حتّى يعيننا وإياك على شكره وذكره، وحسن عبادته، وأداء حقه، وعلى كل شئ اختار لنا في دنيانا وديننا وآخرتنا.

وأنتم يا أهل مصر، فليصدق قولكم فعلكم، وسركم علانيتكم، ولا تخالف ألسنتكم قلوبكم.

واعلموا أنه لا يستوي إمام الفدى وامام الردى، ووصي النبيّ وعدوه، إني لا أخاف عليكم مؤمنا ولا مشركا، أما المؤمن فيمنعه الله بإيمانه، وأما المشرك فيحجزه الله عنكم بشركه، ولكني أخاف عليكم المنافق، يقول ما تعرفون ويعمل بما تنكرون. يا محمّد بن أبي بكر، اعلم أن أفضل الفقه الورع في دين الله، والعمل بطاعته، وإني أوصيك بتقوى الله في سر أمرك وعلانيتك وعلى أي حال كنت عليها، الدنيا دار بلاء ودار فنا، والاخرة دار الجزاء ودار البقاء، فاعمل لما يبقى واعدل عما يفنى، ولا تنس نصيبك من الدنيا.

أوصيك بسبع هن من جوامع الاسلام. تخشى الله عزّوجلّ ولا تخش الناس في الله، وخير القول ما صدقه العمل، ولا تقض في أمر واحد بقضاءين مختلفين فيختلف أمرك وتزيغ عن الحق، وأحب لعامة رعيتك ما تحب لنفسك وأهل بيتك، واكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك، فإن ذلك أوجب للحجة وأصلح للرعية،

٣٠

وخض الغمرات إلى الحق، ولا تخف في الله لومة لائم، وانصح المرء إذا استشارك، واجعل نفسك أسوة لقريب المؤمنين وبعيدهم.

جعل المودتنا في الدين، وخلتنا له إياكم خلة المتقين، وأبقى لكم طاعتكم، حتّى يجعلنا وإياكم بها إخوانا على سرر متقابلين.

أحسنوا أهل مصر مؤازرة محمّد أميركم، واثبتوا على طاعتكم، تردوا حوض نبيكمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أعاننا الله و إياكم على ما يرضيه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تم المجلس الاول، ويتلوه المجلس الثاني من أمالي الشيخ السعيد أبي جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسي رحمه الله

٣١

٣٢

[ ٢ ]

المجلس الثاني

فيه بقية أحاديث الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان.

بسم الله الرحمن الرحيم

٣٢/١ - أخبرنا الشيخ أبوعبدالله محمّد بن محمّد بن النعمانرحمه‌الله ، قال: أخبرني أبوبكر محمّد بن عمر الجعابي، قال: حدئنا أبونصر محمّد بن عمر النيشابوري، قال: حدّثنا محمّد بن السري، قال ل: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا حفص بن غياث، عن برد بن سنان، عن مكحول، عن واثلة بن الاصقع، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تظهر الشماتة لاخيك، فيعافه الله ويبتليك.

٣٣/٢ - أخبرنا محمّد بن محمّد، قال: أخبرنا أبوالقاسم جعفر بن محمّد بن قولويهرحمه‌الله ، قال: حدثني أبي، قال: أخبرني سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمّد ابن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن كليب بن معاوية الاسدي، قال: سمعت أبا عبدالله جعفر بن محمّدعليهما‌السلام يقول: أما والله إنكم لعلى دين الله وملائكته، فاعينونا على ذلك بورع واجتهاد، عليكم بالصلاة والعبادة، عليكم بالورع.

٣٤/٣ - أخبرنا محمّد بن محمّدرحمه‌الله ، قال: أخبرني أبوالحسن عليّ بن خالد المراغي، قال: حدّثنا أبوالقاسم الحسن بن عليّ بن الحسن الكوفي، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مروان، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا مسبح(١) بن محمّد، قال:

____________________

(١) في نسخة: شيح.

٣٣

حدثني أبوعليّ بن أبي عمرة(١) الخراساني، عن إسحاق بن إبراهيم، عن أبي إسحاق السبيعي، قال: دخلنا على مسروق الاجدع، فإذا عنده ضيف له لا نعرفه وهما يطعمان من طعام لهما، فقال الضيف: كنت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحنين(٢) ، فلما قالها عرفنا أنه كانت له صحبة مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال: فجاءت صفية بنت حيي ابن أخطب إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت: يا رسول الله، إني لست كاحد من نسائك، قتلت الاب والاخ والعم، فإن حدث بك شئ فإلى من؟ فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إلى هذا - وأشار إلى عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام -.

ثم قال: ألا أحدثكم بما حدثني به الحارث الاعور؟ قال: قلنا: بلى. قال: دخلت على عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فقال: ما جاء بك يا أعور؟ قال: قلت: حبك، يا أميرالمؤمنين. قال: الله، قلت: الله، فناشدني ثلاثا، ثم قال: أما إنه ليس عبد من عباد الله ممن امتحن الله قلبه للايمان إلا وهو يجد مودتنا على قلبه فهو يحبنا، وليس عبد من عباد الله ممن سخط الله عليه إلا وهو يجد بغضنا على قلبه فهو يبغضنا، فأصبح محبنا ينتظر الرحمة، وكان أبواب الرحمة قد فتحت له، وأصبح مبغضنا على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم، فهنيئا لاهل الرحمة رحمتهم، وتعسا لاهل النار مثواهم.

٣٥/٤ - حدّثنا محمّد بن محمّد، قال: أخبرني أبوعلي الحسن بن عليّ بن الفضل الداودي، قال: حدّثنا أبوالحسن عليّ بن أحمد بن بشر العسكري، قال: حدّثنا أبوإسحاق محمّد بن هارون بن عيسى الهاشمي، قال: حدّثنا أبوإسحاق إبراهيم بن مهدي الابلي، قال: حدّثنا إسحاق بن سليمان الهاشمي، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا هارون الرشيد، قال: حدثني أبي المهدي، قال: حدّثنا أميرالمؤمنين المنصور أبوجعفر عبدالله بن محمّد بن علي، قال: حدثني أبي محمّد بن علي، قال: حدثني أبي عليّ بن عبدالله بن عباس، عن عبدالله بن العباس بن عبد المطلب، قال: سمعت

____________________

(١) في نسخة: عمر.

(٢) في نسخة: بخيبر.

٣٤

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: يا أيها الناس، نحن في القيامة ركبان أربعة ليس غيرنا. فقال له قائل: بأبي أنت وأمي - يا رسول الله - من الركبان؟ قال: أنا على البراق، وأخي صالح على ناقة الله التي عقرها قومه، وابنتي فاطمة على ناقتي العضباء، وعليّ بن أبي طالب على ناقة من نوق الجنة، خطمها من اللؤلؤ الرطب، وعيناها من ياقوتتين حمراوين، وبطنها من زبرجد أخضر، عليها قبة من لؤلؤ بيضاء، يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، ظاهرها من رحمة الله، وباطنها من عفو الله، إذا أقبلت زفت، وإذا أدبرت زفت، وهو أمامي على رأسه تاج من نور يضئ لاهل الجمع، ذلك التاج له سبعون ركنا، كل ركن يضئ كالكوكب الدري في أفق السماء، وبيده لواء الحمد، وهو ينادي في القيامة: « لا اله الا الله محمّد رسول الله » فلا يمر بملاء من الملائكة إلا قالوا: نبي مرسل، ولا بنبي إلا يقول: ملك مقرب، فينادي مناد من بطنان العرش: يا أيها الناس، ليس هذا ملكا مقربا، ولا نبيا مرسلا، ولا حامل عرش، هذا علي ابن أبي طالب. ويجئ شيعته من بعده فينادي مناد لشيعته: من أنتم؟ فيقولون: نحن العلويون. فيأتيهم النداء: أيها العلويون، أنتم آمنون، ادخلوا الجنة مع من كنتم توالون(١) .

٣٦/٥ - أخبرنا محمّد بن محمّد، قال: أخبرني أبوالحسن أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه، عن محمّد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الريحان بن الصلت، قال: سمعت الرضا عليّ بن موسىعليه‌السلام يدعو بكلمات، فحفظتها عنه، فما دعوت بها في شدة إلا فرج الله عني، وهي: « اللهم أنت ثقتي في كل كرب، وأنت رجائي في كل شدة، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة. كم من كرب يضعف فيه الفواد، وتقل فيه الحيلة، وتعي فيه الامور، ويخذل فيه البعيد والقريب والصديق، ويشمت فيه العدو، أنزلته بك وشكوته إليك، راغبا إليك فيه عمن سواك، ففرجته وكشفته وكفيتنيه. فأنت ولن كل نعمة، وصاحب كل حاجة،

____________________

(١) يأتي نحوه في الحديث: ٧١١.

٣٥

ومنتهى كل رغبة، فلك الحمد كثيرا، ولك المن فاضلا. بنعمتك تتم الصالحات، يا معروفا بالمعروف معروف، يا من هو با لمعررف موصوف، أنلني من معروفك معروفا تغنيني به عن معروف من سواك، برحمتك يا أرحم الراحمين »

٣٧/٦ - أخبرنا محمّد بن محمّد، قال: أخبرنا أبوالحسن عليّ بن خالد المراغي، قال: حدّثنا أبوالقاسم عليّ بن الحسن، عن جعفر بن محمّد بن مروان، عن أبيه، قال: حدّثنا أحمد بن عيسى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن آبائه :، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خلتان لا تجتمعان في منافق: فقه في الاسلام، وحسن سمت في الوجه.

٣٧/٧ - أخبرنا محمّد بن محمّد بن النعمان، قال: أخبرنا أبوالحسن أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد، قال: حدثني أبي، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفار، عن عليّ بن محمّد القاشاني، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث، قال: قال أبوعبدالله جعفر بن محمّدعليهما‌السلام : إذا أراد أحدكم ألا يسأل الله شيئا إلا أعطاه فلييأس من الناس كلهم، ولا يكون له رجاء إلا من عند الله (عزّوجلّ)، فإذا علم الله ذلك من قلبه لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه، ألا فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، فإن للقيامة خمسين موقفا، كل موقف مثل ألف سنة مما تعدون، ثم تلا هذه الاية:( فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) (١) .

٣٩/٨ - أخبرنا محمّد بن محمّد، قال: أخبرنا أبوبكر محمّد بن عمر الجعابي، قال: حدّثنا أبوعبدالله الحسين بن عليّ المالكي، قال: حدّثنا أبوالصلت الهروي، قال: حدّثنا الرضا عليّ بن موسى، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه عليّ بن الحسين زين العابدين، عن أبيه الحسين بن عليّ الشهيد، عن أبيه أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الايمان قول مقول، وعمل معمول، وعرفان العقول.

____________________

(١) سورة المعارج ٧٠: ٤.

٣٦

قال أبوالصلت: فحدثت بهذا الحديث في مجلس أحمد بن حنبل، فقال لي أحمد: يا أبا الصلت، لو قرئ بهذا الاسناد على المجانين لافاقوا.

٤٠/٩ - أخبرنا محمّد بن محمّد بن النعمان، قال: أخبرنا أبوعبيدالله محمّد بن عمران المرزباني، قال: حدثني أحمد بن سليمان الطوسي، عن الزبير بن بكار، قال: حدثني عبدالله بن وهب، عن السدي، عن عبد خير، عن قبيصة بن جابر الاسدي، قال: قام رجل إلى أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فسأله عن الايمان، فقامعليه‌السلام خطيبا فقال: الحمد لله الذي شرع الاسلام فسهل شرائعه لمن ورده، وأعز أركانه على من حاربه، وجعله عزا لمن والاه، وسلما لمن دخله، وهدى لمن ائتم به، وزينة لمن تحلى به، وعصمة لمن اعتصم به، وحبلا لمن تمسك به، وبرهانا لمن تكلم به، ونورا لمن استضاء به، وشاهدا لمن خاصم به، وفلجا لمن حاج به، وعلما لمن وعاه، وحديثا لمن رواه، وحكما لمن قضى به، وحلما لمن جرب، ولبا لمن تدبر، وفهما لمن فطن، ويقينا لمن عقل، وتبصرة لمن عزم، وآية لمن توسم، وعبرة لمن اتعظ، ونجاة لمن صدق، ومودة من الله لمن أصلح، وزلفى لمن ارتقب، وثقة لمن توكل، وراحة لمن فوض، وجنة لمن صبر.

الحق سبيله، والهدى صفته، والحسنى مأثرته، فهو أبلج المنهاج، مشرق المنار، مضئ المصابيح، رفيع الغاية، يسير المضمار، جامع الحلبة، متنافس السبقة، كريم الفرسان، التصديق منهاجه، والصالحات مناره، والفقه مصابيحه، والموت غايته، والدنيا مضماره، والقيامة حلبته، والجنة سبقته والنار نقمته، والتقوى عدته، والمحسنون فرسانه.

فبالايمان يستدل على الصالحات، وبالصالحات يعمر الفقه، وبالفقه يرهب الموت، وبالموت تختم الدنيا، وبالقيامة تزلف الجنة للمتقين، وتبرز الجحيم للغاوين. والايمان على أربع دعائم: الصبر واليقين والعدل، والجهاد. فالصبر على أربع شعب: الثرق، والشفق، والزهادة، والترقب، ألا من اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه

٣٧

المصيبات، ومن ارتقب الموت سارع إلى الخيرات.

واليقين على أربع شعب: على تبصرة الفطنة، وتأول الحكمة، وموعظة العبرة، وسنة الاولين، فمن تبصر في الفطنة تبين الحكمة، ومن تبين الحكمة عرف العبرة، ومن عرف العبرة عرف السنة، ومن عرف السنة فكأنماكان في الاولين.

والعدل على أربع شعب: على غامض الفهم، وعمارة العلم، وزهرة الحكم، وروضة الحلم، فمن فهم نشر جميل العلم، ومن علم عرف شرائع الحكم، ومن عرف شرائع الحكم لم يضل، ومن حلم لم يفرط (في) أمره، وعاش في الناس حميدا.

والجهاد على أربع شعب: على الامر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصدق في المواطن، وشنآن الفاسقين، فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن، ومن نهى عن المنكر أرغم أنف الكافر، ومن صدق في المواطن قضى ما عليه، ومن شنأ الفاسقين غضب لله، ومن غضب لله تعالى فهو مؤمن حقا، فهذه صفة الايمان ودعائمه.

فقال له السائل: لقد هديت يا أميرالمؤمنين وأرشدت، فجزاك الله عن الدين خيرا.

٤١/١٠ - حدّثنا محمّد بن محمّدرحمه‌الله ، قال: أخبرني أبوالحسن أحمد بن محمّد بن الحسن، قال: حدثني أبي، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطار، عن الحسن ابن موسى الخشاب، عن عليّ بن النعمان، عن بشير الدهان، قال: قلت لابي جعفرعليه‌السلام : جعلت فداك، أي الفصوص أفضل أركبه على خاتمي؟

فقال: يا بشير، أين أنت عن العقيق الاحمر والعقيق الاصفر والعقيق الابيض، فإنها ثلاثة جبال في الجنة: فأما الاحمر فمطل على دار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأما الاصفر فمطل على دار فاطمة ٣، وأما الابيض فمطل على دار أميرالمؤمنينعليه‌السلام ، والدور كلها واحدة يخرج منها ثلاثة أنهار، من تحت كل جبل نهر أشد بردا من الثلج، وأحلى من العسل، وأشد بياضا من اللبن، لا يشرب منها إلا محمّد وآلهعليهم‌السلام وشيعتهم، ومصبها كلها واحد ومخرجها من الكوثر، وإن هذه الجبال تسبح الله وتقدسه وتمجده، وتستغفر لمحبي آل محمّدعليهم‌السلام ، فمن تختم

٣٨

بشئ منها من شيعة آل محمّدعليهم‌السلام لم يرإلا الخير والحسنى والسعة في رزقه، والسلامة من جميع أنواع البلاء، وهو أمان من السلطان الجائر، ومن كل ما يخافه الانسان ويحذره.

٤٢/١١ - حدّثنا محمّد بن محمّد، قال: حدّثنا أبوبكر محمّد بن عمر الجعابي، قال: حدثني أبوالعباس أحمد بن محمّد بن سعيد الهمداني، قال: حدّثنا أحمد بن يحيى بن زكريا بن شيبان إملاء، قال: حدّثنا أسيد بن زيد القرشي، قال: حدّثنا محمّد بن مروان، عن الصادق جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، قال: إياك وصحبة الاحمق، فإنه أقرب ما يكون منه أقرب ما يكون إلى مساءتك.

٤٣/١٢ - حدّثنا محمّد بن محمّد، قال: أخبرني أبوبكر محمّد بن عمر الجعابي، قال: حدّثنا الفضل بن حباب الجمحي، قال: حدّثنا عبد الواحد بن سليمان، عن أبيه، عن الاجلح الكندي، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله يحب الحيي المتعفف، ويبغض البذي السائل الملحف.

٤٤/١٣ - أخبرنا أبوعبدالله محمّد بن محمّد بن النعمانرحمه‌الله ، قال: حدّثنا أبونصر محمّد بن الحسين البصير السهروردي، قال: حدّثنا الحسين بن محمّد الاسدي، قال: حدّثنا أبوعبدالله جعفر بن عبدالله بن جعفر العلوي المحمّدي، قال: حدّثنا يحيى بن هاشم الغساني، قال: حدّثنا محمّد بن مروان، قال: حدثني جويبربن سعيد، عن الضحاك بن مزاحم، قال: سمعت عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام يقول: أتاني أبوبكر وعمر فقالا: لو أتيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فذكرت له فاطمة، قال: فأتيته، فلما رآني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضحك، ثم قال: ما جاء بك يا أبا الحسن وما حاجتك؟ قال: فذكرت له قرابتي وقدمي في الاسلام ونصرتي له وجهادي، فقال: يا علي، صدقت، فأنت أفضل مما تذكر.

فقلت: يا رسول الله، فاطمة تزوجنيها؟ فقال: يا علي، إنه قد ذكرها قبلك رجال، فذكرت ذلك لها، فرأيت الكراهة في وجهها، ولكن على رسلك حتّى أخرج إليك، فدخل عليها فقامت إليه، فأخذت رداءه ونزعت نعليه، وأتته بالوضوء، فوضأته بيدها

٣٩

وغسلت رجليه، ثم قعدت، فقال لها: يا فاطمة. فقالت: لبيك، حاجتك، يا رسول الله؟ قال: إن عليّ بن أبي طالب من قد عرفت قرابته وفضله وإسلامه، وإني قد سألت ربي أن يزوجك خير خلقه وأحبهم إليه، وقد ذكر من أمرك شيئا فما ترين؟ فسكتت ولم تول وجهها ولم ير فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كراهة، فقام وهو يقول: الله أكبر، سكوتها إقرارها، فأتاه جبرئيلعليه‌السلام فقال: يا محمّد، زوجها عليّ بن أبي طالب، فإن الله قد رضيها له ورضيه لها.

قال علي: فزوجني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم أتاني فأخذ بيدي فقال: قم بسم الله وقل: « على بركة الله، وما شاء الله، لاقوة إلا بالله، توكلت على الله » ثم جاءني حين أقعدني عندهاعليها‌السلام ، ثم قال: « اللهم إنهما أحبي خلقك إلي فأحبهما، وبارك في ذريتهما، واجعل عليهما منك حافظا، وإني أعيذهما وذريتهما بك من الشيطان الرجيم »

٤٥/١٤ - حدثني جماعة، عن أبي غالب أحمد بن محمّد الزراري، عن خاله، عن الاشعري، عن أحمد بن أبي عبدالله، عن عليّ بن أسباط، عن داود، عن يعقوب ابن شعيب، عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: لما زوج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة عليّاًعليها‌السلام دخل عليها وهى تبكي، فقال لها: ما يبكيك؟ فوالله لو كان في أهل بيتي خير منه زوجتك، وما أنا زوجتك ولكن الله زوجك، وأصدق عنك الخمس ما دامت السماوات والارض.

قال عليّعليه‌السلام : ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قم فبع الدرع، فقمت فبعته وأخذت الثمن ودخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسكبت الدراهم في حجره، فلم يسألني كم هي ولا أنا أخبرته، ثم قبض قبضة ودعا بلالا فاعطاه وقال: ابتع لفاطمة طيبا. ثم قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الدراهم بكلتا يديه فأعطاها أبا بكر وقال: ابتع لفاطمة ما يصلحها من ثياب وأثاث البيت، وأردفه بعمار بن ياسر وبعدة من أصحابه، فحضروا السوق فكانوا يعرضون الشئ مما يصلح فلا يشترونه حتّى يعرضوه على أبي بكر فان استصلحه اشتروه، فكان مما اشتروه قميص بسبعة دراهم،

٤٠