الأمالي الشيخ الطوسي

الأمالي الشيخ الطوسي0%

الأمالي الشيخ الطوسي مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 799

الأمالي الشيخ الطوسي

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي (شيخ الطائفة)
تصنيف: الصفحات: 799
المشاهدات: 898097
تحميل: 9557


توضيحات:

الأمالي الشيخ الطوسي المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 799 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 898097 / تحميل: 9557
الحجم الحجم الحجم
الأمالي الشيخ الطوسي

الأمالي الشيخ الطوسي

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

البيهقي، قال: حدّثنا هارون بن عمرو المجاشعي، قال: حدّثنا محمّد بن جعفر بن محمّد، قال: حدّثنا أبي أبوعبدالله، قال المجاشعي: وحدّثناه الرضا عليّ بن موسى، قال: حدثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه أبي عبدالله جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده عليّ بن الحسينعليهم‌السلام ، قال: حدثني عمر وسلمة ابنا أم سلمة ربيبا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنهما سمعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول في حجته حجه الوداع. علي يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظالمين، علي أخي ومولى المؤمنين من بعدي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى، ألا إن الله (تعالى) ختم النبوة بي فلا نبي بعدي، وهو الخليفة في الاهل والمؤمنين بعدي.

١١٤٨/٥٥ - أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا الفضل بن محمّد ابن المسيب أبومحمّد البيهقي الشعراني بجرجان، قال: حدّثنا هارون بن عمرو بن عبد العزيز بن محمّد أبوموسى المجاشعي، قال: حدّثنا محمّد بن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، قال: حدّثنا أبي أبوعبداللهعليه‌السلام . قال المجاشعي: وحدّثناه الرضا عليّ بن موسىعليه‌السلام ، عن أبيه موسى، عن أبيه أبي عبدالله جعفر بن محمّد، عن آبائه، عن أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : العالم بين الجهال كالحي بين الاموات، وإن طالب العلم يستغفر له كل شئ حتّى حيتان البحر وهوامه وسباع البر وأنعامه، فاطلبوا العلم فإنه السبب بينكم وبين الله (عزّوجلّ)، وان طلب العلم فريضة على كل مسلم.

١١٤٩/٥٦ - وباسناده، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا كان يوم القيامة وزن مداد العلماء بدماء الشهداء، فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء.

١١٥٠/٥٧ - وباسناده: أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إنا امرنا معاشر الانبياء بمداراة الناس كما أمرنا باقامة الفرائض.

١١٥١/٥٨ - وباسناده: أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: قال (تبارك وتعالى):( كُلَّ يَوْمٍ هُوَ

٥٢١

فِي شَأْنٍ ) (١) فإن من شأنه أن يغفر ذنبا، ويفرج كربا، ويرفع قوما ويضع آخرين.

١١٥٢// ٥٩ - وباسناده، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما عمل امرؤ عملا بعد إقامة الفرائض خيرا من إصلاح بين الناس، يقول خيرا ويتمنى خيرا.

١١٥٣/٦٠ - وباسناده، عن عليّعليه‌السلام قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: عليكم بسنتي، فعمل قليل في سنة خير من عمل كثير في بدعة.

١١٥٤/٦١ - قال: وسمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصوم(٢) .

١١٥٥/٦٢ - قال: وسمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: من عال يتيما حتّى يبلغ أشده، أوجب الله (عزّوجلّ) له بذلك الجنة، كما أوجب لآكل مال اليتيم النار.

١١٥٦/٦٣ - وباسناده، عن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، قال: كان ضحك النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التبسم، فاجتاز ذات يوم بفئة من الانصار وإذا هم يتحدثون ويضحكون بملء أفواههم، فقال: يا هؤلاء، من غره منكم أمله وقصر به في الخير عمله، فليطلع في القبور وليعتبر بالنشور، واذكروا الموت فإنه هادم اللذات.

١١٥٧/٦٤ - وباسناده، قال: سمعت علياعليه‌السلام يقول: لا تتركوا حج بيت ربكم، لا يخل منكم ما بقيتم، فإنكم إن تركتموه لم تنظروا، وإن أدنى ما يرجع به من أتاه أن يغفر له ما سلف، وأوصيكم بالصلاة وحفظها فإنها خير العمل وهي عمود دينكم، وبالزكاة فإني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: الزكاة قنطرة الاسلام فمن أداها جاز القنطرة ومن منعها احتبس دونها، وهي تطفئ غضب الرب، وعليكم بصيام شهر رمضان فإن صيامه جنة حصينة من النار، وفقراء المسلمين أشركرهم في معيشتكم، والجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم فإنما يجاهد في سبيل الله

____________________

(١) سورة الرحمن ٥٥: ٢٩.

(٢) في هامش النسخة المخطوطة: أقول: إن المعنى في ذلك أن يكون المراد صلاة التطوع والصوم.

٥٢٢

رجلان إمام هدى أو مطيع له مقتد بهداه، وذرية نبيكمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يظلمون بين أظهركم وأنتم تقدرون على الدفع عنهم.

وأوصيكم بأصحاب نبيكم، لا تسبوهم، وهم الذين لم يحدثوا بعده حدثا، ولم يأتوا محدثا، فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوصى بهم، وأوصيكم بنسائكم وما ملكت أيمانكم، ولا يأخذنكم في الله لومة لائم، يكفكم الله من أرادكم وبغى عليكم، وقولوا للناس حسنا كما أمركم الله (عزّوجلّ)، ولا تتركوا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيولي الله أموركم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم، وعليكم بالتواضع والتباذل، وإياكم والتقاطع والتدابر والتفرق، وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الاثم والعدوان، واتقوا الله إن الله شديد العقاب.

١١٥٨/٦٥ - وباسناده، عن عليّعليه‌السلام ، قال: سلوني عن كتاب الله (عزّوجلّ)، فوالله ما نزلت آية منه في ليل أو نهار ولا مسير ولا مقام إلا وقد أقرأنيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلمني تأويلها.

فقال ابن الكواء: يا أميرالمؤمنين، فما كان ينزل عليه وأنت غائب عنه؟ قال: كان يحفظ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان ينزل عليه من القرآن وأنا عنه غائب حتّى أقدم عليه فيقرئنيه، ويقول لي. يا علي، أنزل الله علي بعدك كذا وكذا، وتأويله كذا وكذا، فيعلمني تنزيله وتأويله.

١١٥٩/٦٦ - وباسناده، قال: سمعت عليا (صلوات الله عليه) يقول لرأس اليهود: على كم افترقتم؟ فقال: على كذا وكذا فرقة. فقال عليّعليه‌السلام : كذبت يا أخا اليهود: ثم أقبل على الناس فقال: والله لو ثنيت لي الوسادة لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الانجيل بانجيلهم، وبين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل القرآن بقرآنهم.

أيها الناس، افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، سبعون منها في النار، وواحدة ناجية في الجنة، وهي التي اتبعت يوشع بن نون وصي موسىعليه‌السلام ! وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، إحدى وسبعين في النار، وواحدة في الجنة، وهي التي اتبعت شمعون وصي عيسىعليه‌السلام ، وستفترق هذه الامة على

٥٢٣

ثلاث وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون فرقة في النار، وفرقة في الجنة، وهي التي اتبعت وصي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وضرب بيده على صدره، ثم قال: ثلاث عشرة فرقة من الثلاث والسبعين كلها تنتحل مودتي وحبي، واحدة منها في الجنة وهم النمط الاوسط، واثنتا عشرة في النار.

١١٦٠/٦٧ - وباسناده، عن عليّعليه‌السلام ، قال: الاسلام هو التسليم، والتسليم هو اليقين، واليقين هو التصديق، والتصديق هو الاقرار، والاقرار هو الاداء، والاداء هو العلم.

١١٦١/٦٨ - وباسناده، عن عليّعليه‌السلام ، قال: من أراد عزا بلا عشيرة، وهيبة من غير سلطان، وغنى من غير مال، وطاعة من غير بذل، فليتحول من ذل معصية الله إلى عز طاعته، فإنه يجد ذلك كله.

تمّ كتاب الامالي وهو ثمانية عشر مجلساً.

٥٢٤

[ ١٩ ]

مجلس يوم الجمعة

الرابع من المحرم سنة سبع وخمسين وأربع مائة

فيه بقية أحاديث أبي المفضل محمّد بن عبدالله الشيباني.

بسم الله الرحمن الرحيم

١١٦٢/١ - حدّثنا الشيخ أبوجعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسيرحمه‌الله ، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا رجاء بن يحيى بن الحسين العبرتائي الكاتب سنة أربع عشرة وثلاث مائة وفيها مات، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن بن شمون، قال: حدثني عبدالله بن عبدالرحمن الاصم، عن الفضيل بن يسار، عن وهب بن عبدالله بن أبي دبي الهنائي، قال: حدثني أبوحرب بن أبي الاسود الدؤلي، عن أبيه أبي الاسود، قال: قدمت الربذة فدخلت على أبي ذر جندب بن جنادة فحدثني أبوذر، قال: دخلت ذات يوم في صدر نهاره على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مسجده، فلم أر في المسجد أحدا من الناس إلا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّعليه‌السلام إلى جانبه جالس، فاغتنمت خلوة المسجد، فقلت. يا رسول الله، بأبي أنت وأمي أوصني بوصية ينفعني الله بها. فقال: نعم وأكرم بكيا أباذرّ، إنك منا أهل البيت، وإني موصيك بوصية إذا حفظتها فإنها جامعة لطرق الخير وسبله، فإنك إن حفظتها كان لك بها كفلان.

٥٢٥

يا أباذرّ، اعبدالله كأنك تراه، فإن كنت لا تراه فإنه (عزّوجلّ) يراك، واعلم أن أول عبادته المعرفة به فأنه الاول قبل كل شئ فلا شئ قبله، والفرد فلا ثاني معه، والباقي لا إلى غاية، فاطر السماوات والارض وما فيهما وما بينهما من شئ، وهو الله اللطيف الخبير، وهو على كل شئ قدير، ثم الايمان بي والاقرار بأن الله (عزّوجلّ) أرسلني إلى كافة الناس بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بأذنه وسراجا منيرا، ثم حب أهل بيتي الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

واعلم يا أباذرّ، أن الله (تعالى) جعل أهل بيتي كسفينة النجاة في قوم نوح، من ركبها نجا، ومن رغب عنها غرق، ومثل باب حطة في بني إسرائيل من دخلها كان آمنا.

يا أباذرّ، احفظ ما أوصيتك به تكن سعيدا في الدنيا والآخرة.

يا أباذرّ، نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ.

يا أباذرّ، اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك.

يا أباذرّ، إياك والتسويف بأملك، فإنك بيومك ولست بما بعده، فإن يكن غد لك تكن في الغد كما كنت في اليوم، له ان لم يكن غد لك لم تندم على ما فرطت في اليوم.

يا أباذرّ، كم من مستقبل يوما لا يستكمله ومنتظر غدا لا يبلغه.

يا أباذرّ، لو نظرت إلى الاجل ومسيره لابغضت الامل وغروره.

يا أباذرّ، كن في الدنيا كأنك غريبا وكعابر سبيل، وعد نفسك في أهل القبور.

يا أباذرّ، إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح، وخذ من صحتك قبل سقمك، ومن حياتك قبل موتك، - فإنك لا تدري ما اسمك غدا.

يا أباذرّ، إتاك أن تدركك الصرعة عند الغرة فلا تمكن من الرجعة، ولا يحمدك من خلفت بما تركت، ولا يعذرك من تقدم عليه بما به اشتغلت.

يا أباذرّ، ما رأيت كالنار نام هاربها، ولا مثل الجنة نام طالبها.

٥٢٦

يا أباذرّ، كن على عمرك أشح منك على درهمك ودينارك.

يا أباذرّ، هل ينتظر أحدكم إلا غنى مطغيا، أو فقيرا منسيا، أو مرضا مضنيا، أو هرما مفندا(١) ، أو موتا محيرا أو الدجال فإنه شر غائب ينتظر، أو الساعة والساعة أدهى وأمر.

يا أباذرّ، إن شر الناس عند الله (تعالى) يوم القيامة عالم لا ينتفع بعلمه، ومن طلب علما ليصرف به وجوه الناس إليه لم يجد ريح الجنة.

يا أباذرّ، إذا سئلت عن علم لا تعلمه فقل: لا أعلمه. تنج من تبعته، ولا تفت الناس بما لا علم لك به تنج من عذاب يوم القيامة.

يا أباذرّ، يطلع قوم من أهل الجنة إلى قوم من أهل النار فيقولون: ما أدخلكم النار، وإنما دخلنا الجنة بفضل تأديبكم وتعليمكم! فيقولون: إنا كنا نأمركم بالخير ولا نفعله.

يا أباذرّ، إن حقوق الله أعظم من أن يقوم بها العباد، وإن نعم الله (عزّوجلّ) أكثر من أن يحصيها العباد، ولكن امسوا تائبين واصبحوا تائبين.

يا أباذرّ، إنكم في ممر الليل والنهار في آجال منقوصة وأعمال محفوظة، والموت يأتي بغتة، فمن يزرع خيرا يوشك أن يحصد رغبة، ومن يزرع شرا يوشك أن يحصد ندامة، ولكل زارع ما زرع.

يا أباذرّ، لا يسبق بطئ بحظه، ولا يدرك حريص ما لم يقدر له، ومن أعطى خيرا فالله (عزّوجلّ) أعطاه، ومن وقى شرا فإن الله وقاه.

يا أباذرّ، المتقون سادة، والفقهاء قادة، ومجالستهم زيادة.

يا أباذرّ، إن المؤمن ليرى ذنبه كأنه تحت صخرة يخاف أن تقع عليه، والكافر يرى ذنبه كأنه ذباب مر على أنفه.

يا أباذرّ، إن الله إذا أراد بعبد خيرا جعل الذنوب بين عينيه ممثلة.

____________________

(١) فند: خرف وضعف عقله.

٥٢٧

يا أباذرّ، لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلى من عصيت.

يا أباذرّ، إن نفس المؤمن أشد تقلبا وخيفة من العصفور حين يقذف به في شرك.

يا أباذرّ، من وافق قوله فعله فذاك الذي أصاب حظه، ومن خالف قوله فعله فذلك المرء إنما يوبخ نفسه.

يا أباذرّ، إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه.

يا أباذرّ، إنك إذا طلبت شيئا من الآخرة واتبعته تيسر لك، وإذا رأيت شيئا من أمر الدنيا واتبعته عسر عليك، فإنك على حال خشيته.

يا أباذرّ، لا تنطق فيما لا يعنيك فإنك لست منه في شئ واحرز لسانك كما تحرز رزقك.

يا أباذرّ، إن الله (جل ثناؤه) ليدخل قوما الجنة فيعطيهم حتّى تنتهي أمانيهم، وفوقهم قرم في الدرجات العلى، فإذا نظروا إليهم عرفرهم فيقولون. ربنا إخواننا كنا معهم في الدنيا، فبم فضلتهم علينا؟ فيقال: هيهات، إنهم كانوا يجوعون حين تشبعون، ويظمأون حين تروون، ويقومون حين تنامون، ويشخصون حين تخفضون.

يا أباذرّ، إن الله (تعالى) جعل قرة عيني في الصلاة وحببها إلي كما حبب إلى الجائع الطعام، وإلى الظمآن الماء، فإن الجائع إذا أكل الطعام شبع، وإذا شرب الماء روي، وأنا لا أشبع من الصلاة.

يا أباذرّ، إن الله (تعالى) بعث عيسى بن مريم بالرهبانية، وبعثت بالحنيفية السمحة، وحببت إلي النساء والطيب، وجعلت في الصلاة قرة عيني.

يا أباذرّ، أيما رجل تطوع في يوم اثنتي عشرة ركعة سوى المكتوبة، كان له حقا واجبا بيت في الجنة.

يا أباذرّ، صلاة في مسجدي هذا تعدل مائة ألف صلاة في غيره من المساجد إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة في غيره، وأفضل من هذا كله صلاة يصليها الرجل في بيته حيث لا يراه إلا الله (عزّوجلّ) يطلب بها

٥٢٨

وجه الله (تعالى).

يا أباذرّ، إنك ما دمت في الصلاة فإنك تقرع باب الملك، ومن يكثر قرع باب الملك يفتح.

يا أباذرّ، ما من مؤمن يقوم إلى الصلاة إلا تناثر عليه البر ما بينه وبين العرش، ووكل به ملك ينادي: يابن آدم، لو تعلم ما لك في صلاتك ومن تناجي ما سئمت ولا التفت.

يا أباذرّ، طوبى لاصحاب الالوية يوم القيامة، يحملونها فيسبقون الناس إلى الجنة، ألا وهم السابقون إلى المساجد بالاسحار وغيرها.

يا أباذرّ، لا تجعل بيتك قبرا، واجعل فيه من صلاتك يضئ بها قبرك.يا أباذرّ، الصلاة عمود الدين واللسان أكبر، والصدقة تمحو الخطيئة واللسان أكبر.

يا أباذرّ، الدرجة في الجنة فوق الدرجة كما بين السماء والارض، وإن العبد ليرفع بصره فيلمع له نور يكاد يخطف بصره، فيفرح فيقول: ما هذا؟ فيقال. هذا نور أخيك المؤمن. فيقول: هذا أخي فلان، كنا نعمل جميعا في الدنيا، وقد فضل علي هكذا! فيقال: إنه كان أفضل منك عملا، ثم يجعل في قلبه الرضا حتّى يرضى.

يا أباذرّ، الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، وما أصبح فيها مؤمن إلا وهو حزين، وكيف لا يحزن المؤمن وقد أوعده الله أنه وارد جهنم ولم يعده أنه صادر عنها!

يا أباذرّ، ومن اوتي من العلم ما لا يعمل به لحقيق أن يكون اوتي علما لا ينفعه الله (عزّوجلّ) به، لان الله (جل ثناؤه) نعت العلماء فقال:( إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا ) إلى قوله:( يَبْكُونَ ) (١) .

يا أباذرّ، من استطاع أن يبكي قلبه فليبك، ومن لم يستطع فليشعر قلبه الحزن

____________________

(١) سورة الاسراء ١٧: ١٠٧ - ١٠٩.

٥٢٩

وليتباك.

يا أباذرّ، إن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تشعرون.

يا أباذرّ، ما من خطيب إلا عرضت عليه خطبته يوم القيامة وما أراد بها.

يا أباذرّ، إن صلاة النافلة في السر تفضل على العلانية كفضل الفريضة على النافلة.

يا أباذرّ، ما يتقرب العبد إلى الله بشئ أفضل من السجود.

يا أباذرّ، اذكر الله ذكرا خاملا. قلت: يا رسول الله، وما الذكر الخامل؟ قال: الذكر الخفي.

يا أباذرّ، يقول الله (عزّوجلّ): لا أجمع على عبدي خوفين، ولا أجمع له أمنين، فإذا أمنني أخفته يوم القيامة، وإذا خافني أمنته يوم القيامة.

يا أباذرّ، لو أن رجلا كان له مثل عمل سبعين نبيا لاحتقره وخشي أن لا ينجو من شر يوم القيامة.

يا أباذرّ، إن العبد لتعرض عليه ذنوبه يوم القيامة فيقول: أما إنى قد كنت منك مشفقا، فيغفر له.

يا أباذرّ، إن الرجل ليعمل الحسنة فيتكل عليها، ويعمل المحقرات فيأتي الله (عزّوجلّ) وهو من الاشقياء، وإن الرجل ليعمل السيئة فيفرق منها فيأتي الله (عزّوجلّ) آمنا يوم القيامة.

يا أباذرّ، إن العبد ليذنب فيدخل إلى الله بذنبه ذلك الجنة. فقلت. وكيف ذلك، يا رسول الله؟ قال: يكون ذلك الذنب نصب عينه تائبا منه فارا إلى الله حتّى يدخل الجنة.

يا أباذرّ، إن الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه وهواها، وتمنى على الله (عزّوجلّ) الاماني.

يا أباذرّ، إن أول شئ يرفع من هذه الامة الامانة والخشوع حتّى لا تكاد ترى خاشعا.

٥٣٠

يا أباذرّ، والذي نفس محمّد بيده لو أن الدنيا كانت تعدل عند الله (عزّوجلّ) جناح بعوضة ما سقى الكافر والفاجر منها شربة من ماء.

يا أباذرّ، إن الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها إلا ما ابتغى به وجه الله (عزّوجلّ).

يا أباذرّ، ما من شئ أبغض إلى الله من الدنيا، خلقها ثم أعرض عنها فلم ينظر إليها، ولا ينظر إليها حتّى تقوم الساعة، وما من شئ أحب إلى الله (تعالى) من الايمان به وترك ما أمر أن يترك.

يا أباذرّ، إن الله (تعالى) أوحى إلى أخي عيسىعليه‌السلام : يا عيسى، لا تحب الدنيا فإني لست أحبها، وأحب الآخرة فإنها دار المعاد.

يا أباذرّ، إن جبرئيلعليه‌السلام أتاني بخزائن الدنيا على بغلة شهباء، فقال: يا محمّد، إن هذه خزائن الارض ولا تنقصك من حظك عند ربك (تعالى)، فقلت: حبيبي جبرئيل، لا حاجة لي فيها، إذا شبعت شكرت ربي، وإذا جعت سألته.

يا أباذرّ، إذا أراد الله بعبد خيرا فقهه في الدين، وزهده في الدنيا، وبصره بعيوب نفسه.

يا أباذرّ، ما زهد عبد في الدنيا إلا أثبت الله الحكمة في قلبه، وأنطق بها لسانه، وبصره عيوب الدنيا وداءها ودواءها، وأخرجه منها سالما إلى دار السلام.

يا أباذرّ، إذا رأيت أخاك قد زهد في الدنيا فاستمع منه، فإنه يلقي إليك الحكمة. ففلت: يا رسول الله، من أزهد الناس؟ قال: من لم ينس المقابر والبلى، وترك ما يفنى لما يبقى، ومن لم يعد غدا من أيامه، وعد نفسه في الموتى.

يا أباذرّ، إن الله (تعالى) لم يوح إلي أن أجمع المال، لكن أوحى إلي أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين، واعبد ربك حتّى يأتيك اليقين(١) .

يا أباذرّ، إني ألبس الغليظ، وأجلس على الارض، وأركب الحمار بغير سرج، وأردف خلفي، فمن رغب عن سنتي فليس مني.

____________________

(١) تضمين من سورة الحجر ١٥: ٩٨ و ٩٩.

٥٣١

يا أباذرّ، حب المال والشرف مذهب لدين الرجل.

قال: قلت: يا رسول الله، الخائفون الخاضعون المتواضعون الذاكرون الله كثيرا يستبقون الناس إلى الجنة؟ قال: لا، ولكن فقراء المؤمنين، فإنهم يأتون يوم القيامة فيتخطون رقاب الناس، فيقول لهم خزنة الجنة: كما أنتم(١) حتّى تحاسبوا. فيقولون: بم نحاسب! فوالله ما ملكنا حتّى نجور ونعدل، ولا أفيض علينا فنقبض ونبسط، ولكنا عبدنا ربنا حتّى أتانا اليقين.

يا أباذرّ، إن الدنيا مشغلة للقلب والبدن، فإن الله (عزّوجلّ) يسأل أهل الدنيا عما نعموا في حلالها، فكيف بما نعموا في حرامها!

يا أباذرّ، إني قد سألت الله (عزّوجلّ) أن يجعل رزق من أحبني الكفاف، ويعطي من أبغضني المال والبنين.

يا أباذرّ، طوبى للزاهدين في الدنيا، الراغبين في الآخرة، الذين اتخذوا أرض الله بساطا، وترابها فراشا، وماءها طيبا، واتخذوا الكتاب شعارا، والدعاء لله دثارا، وقرضوا الدنيا قرضا.

يا أباذرّ، إن حرث الآخرة العمل الصالح، وحرث الدنيا المال والبنون.

يا أباذرّ، إن ربي (تبارك اسمه) أخبرني، فقال: وعزتي وجلالي، ما أدرك العابدون درك البكاء عندي شيئا، واني لابني لهم في الرفيق الاعلى قصرا لا يشاركهم فيه أحد.

قال: قلت: يا رسول الله، أي المؤمنين أكيس؟ قال: أكثرهم للموت ذكرا، وأحسنهم له استعدادا.

يا أباذرّ، إذا دخل النور القلب انفتح القلب واستوسع. قلت: فما علامة ذلك، بأبي أنت وأمي يا رسول الله؟ قال: الانابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله.

يا أباذرّ، اتق الله ولا تري الناس أنك تخشى الله فيكرموك وقلبك فاجر.

____________________

(١) أي لا تبرحوا.

٥٣٢

يا أباذرّ، إن لله ملائكة قياما من خيفته ما رفعوا رؤوسهم حتّى ينفخ في الصور النفخة الآخرة، فيقولون جميعا: سبحانك وبحمدك ما عبدناك كما ينبغي لك أن نعبد، ولو كان لرجل عمل سبعين نبيا لاستقل عمله من شده ما يرى يومئذ، ولو أن دلوا صب من غسلين في مطلع الشمس لغلت منه جماجم من في مغربها، ولو أن زفرات جهنم زفرت لم يبق ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا خر جاثيا على ركبتيه، يقول: رب نفسي نفسي حتّى ينسى إبراهيم إسحاقعليهما‌السلام يقول: يا رب أنا خليلك إبراهيم لا تنسني.

يا أباذرّ، لو أن امرأة من نساء أهل الجنة أطلعت من سماء الدنيا في ليلة ظلماء لاضاءت لها الارض أفضل مما يضئ القمر ليلة البدر، ولوجد ريح نشرها جميع أهل الارض، ولو أن ثوبا من ثياب أهل الجنة نشر اليوم في الدنيا لصق من ينظر إليه وما حملته أبصارهم.

يا أباذرّ، اخفض صوتك عند الجنائز، وعند القتال، وعند القرآن.

يا أباذرّ، إذا تبعت جنازة فليكن عقلك فيها مشغولا بالتفكر والخشوع، واعلم أنك لاحق به.

يا أباذرّ، اعلم أن كل شئ إذا فسد فالملح دواؤه، فإذا فسد الملح فليس له دواء - قال الشيخ: هذا المثل لعلماء السوء - واعلم أن فيكم خلتين: الضحك من غير عجب، والكسل من غير سهر.يا أباذرّ، ركعتان مقتصرتان في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساه.

يا أباذرّ، الحق ثقيل مر، والباطل خفيف حلو، ورب شهوة ساعة تورث حزنا طويلا.

يا أباذرّ، لا يفقه الرجل كل الفقه حتّى يرى الناس كلهم في جنب الله أمثال الاباعر، ثم يرجع إلى نفسه فيكون هو أحقر حاقر لها.

يا أباذرّ، لا يصيب الرجل حقيقة الايمان حتّى يرى الناس كلهم حمقى في دينهم عقلاء في دنياهم.

٥٣٣

يا أباذرّ، حاسب نفسك قبل أن تحاسب، فإنه أهون لحسابك غدا، وزن نفسك قبل أن توزن، وتجهز للعرض الاكبر يوم تعرض لا يخفى على الله خافية، استح من الله، فإني والذي نفسي بيده لا ظل حين أذهب إلى الغائط متقنعا بثوبي استحي من الملكين اللذين معي.

يا أباذرّ، أتحب أن تدخل الجنة؟ قلت: نعم فداك أبي. قال: فاقصر من الامل، واجعل الموت نصب عينك، واستح من الله حق الحياء.

قال: قلت يا رسول الله، كلنا نستحي من الله. قال: ليس كذلك الحياء، ولكن الحياء من الله أن لا تنسى المقابر والبلى، والجوف وما وعى، والرأس وما حوى، فمن أراد كرامة الاجر فليدع زينة الدنيا، فإذا كنت كذلك أصبت ولاية الله.

يا أباذرّ، يكفي من الدعاء مع البر ما يكفي الطعام من الملح.

يا أباذرّ، مثل الذي يدعو بغير عمل، كمثل الذي يرمي بغير وتر.

يا أباذرّ، إن الله يصلح بصلاح العبد ولده وولد ولده، ويحفظه في دويرته والدور حوله ما دام فيهم.

يا أباذرّ، إن ربك (عزّوجلّ) يباهي الملائكة بثلاثة نفر. رجل يصبح في الارض فردا، فيؤذن ثم يصلي، فيقول ربك للملائكة: انظروا إلى عبدي يصلي ولا يراه أحد غيري، فينزل سبعون ألف ملك يصلون وراءه ويستغفرون له إلى الغد من ذلك اليوم، ورجل قام من الليل فصلى وحده فسجد ونام وهو ساجد، فيقول (تعالى): انظروا إلى عبدي روحه عندي، وجسده في طاعتي ساجد، ورجل في زحف فر أصحابه وثبت وهو يقاتل حتّى يقتل.

يا أباذرّ، ما من رجل يجعل جبهته في بقعة من بقاع الارض إلا شهدت له بها يوم القيامة، وما من منزل نزله قوم إلا وأصبح ذلك المنزل يصلي عليهم أو يلعنهم.

يا أباذرّ، ما من صباح ولا رواح إلا وبقاع الارض ينادي بعضها بعضا: يا جارة، هل مر بك اليوم ذاكر لله (تعالى)، أو عبد وضع جبهته عليك ساجدا لله (تعالى)؟ فمن قائلة: لا. ومن قائلة: نعم، فإذا قالت: نعم، اهتزت وانشرحت وترى أن لها فضلا على جارتها.

٥٣٤

يا أباذرّ، إن الله (جل ثناؤه) لما خلق الارض وخلق ما فيها من الشجر، لم يكن في الارض شجرة يأتيها بنو آدم إلا أصابوا منها منفعة، فلم تزل الارض والشجر كذلك حتّى تكلم فجرة بني آدم، والكلمة العظيمة قولهم: اتخذوا لله ولدا، فلما قالوها اقشعرت الارض وذهبت منفعة الاشجار.

يا أباذرّ، إن الارض لتبكي على المؤمن إذا مات أربعين صباحا.

يا أباذرّ، إذا كان العبد في أرض قفر فتوضأ أو تيمم ثم أذن وأقام وصلى، أمر الله (عزّوجلّ) الملائكة فصفوا خلفه صفا لا يرى طرفاه، يركعون بركوعه، ويسجدون بسجوده، ويؤمنون على دعائه.

يا أباذرّ، من أقام ولم يؤذن، لم يصل معه إلا الملكان اللذان معه.

يا أباذرّ، ما من شاب يدع لله الدنيا ولهوها، وأهرم شبابه في طاعة الله، إلا أعطاه الله أجر اثنين وسبعين صديقا.

يا أباذرّ، الذاكر في الغافلين كالمقاتل في الفارين.

يا أباذرّ، الجليس الصالح خير من الوحدة، والوحدة خير من جليس السوء، وإملاء الخير خير من السكوت، والسكوت خير من إملاء الشر.

يا أباذرّ، لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي، ولا تأكل طعام الفاسقين.

يا أباذرّ، أطعم طعامك من تحبه في الله، وكل طعام من يحبك في الله (عزّوجلّ).

يا أباذرّ، إن الله (عزّوجلّ) عند لسان كل قائل، فليتق الله امرؤ، وليعلم ما يقول.

يا أباذرّ، اترك فضول الكلام، وحسبك من الكلام ما تبلغ به حاجتك.

يا أباذرّ، كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمعه.

يا أباذرّ، ما من شئ أحق بطول السجن من اللسان.

يا أباذرّ، إن من إجلال الله إكرام العلم والعلماء، وذي الشيبة المسلم، واكرام حملة القرآن وأهله، واكرام السلطان المقسط.

يا أباذرّ، من فر من رزقه كما يفر من الموت لادركه رزقه كما يدركه الموت.

٥٣٥

يا أباذرّ، ألا أعلمك كلمات ينفعك الله (عزّوجلّ) بهن؟ قلت: بلى، يا رسول الله. قال: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله (عزّوجلّ) في الرخاء يعرفك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله (عزّوجلّ)، وإذا استعنت فاستعن بالله، فقد جرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة، فلو أن الخلق كلهم جهدوا أن ينفعوك بشئ لم يكتب لك ما قدروا عليه، ولو جهدوا أن يضروك بشئ لم يكتبه الله عليك ما قدروا عليه، فإن استطعت أن تعمل لله (عزّوجلّ) بالرضا في اليقين فافعل، وإن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، وان النصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسرا.يا أباذرّ، استغن بغناء الله يغنك الله. فقلت: وما هو، يا رسول الله؟ فقال: غداء يوم وعشاء ليلة، فمن قنع بما رزقه الله فهو أغنى الناس.

يا أباذرّ، إن الله (تبارك وتعالى) يقول: إني لست كل كلام الحكيم أتقبل ولكن همه وهواه، فإن كان همه وهواه فيما أحب وأرضى جعلت صمته حمدا لي ووقارا وإن لم يتكلم.

يا أباذرّ، إن الله (تبارك وتعالى) لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم.

يا أباذرّ، التقوى التقوى هاهنا، وأشار إلى صدره.

يا أباذرّ، أربع لا يصيبهن إلا مؤمن: الصمت وهو أول العبادة، والتواضع لله (سبحانه وتعالى)، وذكر الله (سبحانه وتعالى) في كل حالة، وقلة الشئ، يعني قلة المال.

يا أباذرّ، هم بالحسنة، وإن لم تعملها، لكيلا تكتب من الغافلين.

يا أباذرّ، من ملك ما بين فخذيه وبين لحييه دخل الجنة. قلت: يا رسول الله، إنا لنؤخذ بما تنطق به ألسنتنا؟ قال: يا أباذرّ، وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم، إنك لا تزال سالما ما سكت، فإذا تكلمت كتب لك أو عليك.

يا أباذرّ، إن الرجل يتكلم بالكلمة من رضوان الله (جل ثناؤه) فيكتب له بها رضوانه إلى يوم القيامة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة في المجلس ليضحكهم بها فيهوي في

٥٣٦

جهنم ما بين السماء والارض.

يا أباذرّ، ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك القوم، ويل له، ويل له، ويل له.

يا أباذرّ، من صمت نجا، فعليك بالصدق، ولا تخرجن من فيك كذبة أبدا. قلت: يا رسول الله، فما توبة الرجل الذي يكذب متعمدا؟ قال: الاستغفار، والصلوات الخمس تغسل ذلك.

يا أباذرّ، إياك والغيبة، فإن الغيبة أشد من الزنا. قلت: يا رسول الله، وما ذاك بأبي أنت وأمي؟ قال: لان الرجل يزني فيتوب إلى الله فيتوب الله عليه، والغيبة لا تغفر حتّى يغفرها صاحبها.

يا أباذرّ، سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر، وأكل لحمه من معاصي الله، وحرمة ماله كحرمة دمه.

قلت: يا رسول الله، ما الغيبة؟ قال: ذكرك أخاك بما يكرهه. قلت: يا رسول الله، فإن كان فيه ذاك الذي يذكر به. قال: اعلم إذا ذكرته بما هو فيه فقد اغتبته، وإذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهته.

يا أباذرّ، من ذب عن أخيه المؤمن الغيبة كان حقه على الله (عزّوجلّ) أن يعتقه من النار.

يا أباذرّ، من اغتيب عنده أخوه المسلم وهو يستطيع نصره فنصره، نصره الله (عزّوجلّ) في الدنيا والآخرة، فإن خذله وهو يستطيع نصره خذله الله في الدنيا والآخرة.

يا أباذرّ، لا يدخل الجنة قتات. قلت: ما القتات؟ قال: النمام.

يا أباذرّ، صاحب النميمة لا يستريح من عذاب الله (عزّوجلّ) في الآخرة.

يا أباذرّ، من كان ذو وجهين ولسانين في الدنيا، فهو ذو لسانين في النار.

يا أباذرّ، المجالس بالامانة، وإفشاؤك سر أخيك خيانة فاجتنب ذلك، واجتنب مجلس العشيرة.

يا أباذرّ، تعرض أعمال أهل الدنيا على الله من الجمعة إلى الجمعة في يوم

٥٣٧

الاثنين والخميس. يغفر لكل عبد مؤمن إلا عبدا كان بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: اتركوا عمل هذين حتّى يصطلحا.

يا أباذرّ، إياك والهجران لاخيك المؤمن، فإن العمل لا يتقبل مع الهجران.

يا أباذرّ، من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار.

يا أباذرّ، من مات وفي قلبه مثقال ذرة من كبر، لم يجد رائحة الجنة إلا أن يتوب قبل ذلك. فقال رجل: يا رسول الله، إني ليعجبني الجمال حتّى وددت أن علاقة سوطي وقبال نعلي(١) حسن، فهل ترهب علي ذلك؟ فقال: كيف تجد قلبك؟ قال: أجده عارفا للحق مطمئنا إليه. قال: ليس ذلك بالكبر، ولكن الكبر أن تترك الحق وتتجاوزه إلى غيره، وتنظر إلى الناس فلا ترى أحدا عرضه كعرضك ولا دمه كدمك.

يا أباذرّ، أكثر من يدخل النار المستكبرون. فقال رجل: وهل ينجو من الكبر أحد، يا رسول الله؟ قال: نعم، من لبس الصوف، وركب الحمار، وحلب العنز، وجالس المساكين.

يا أباذرّ، من حمل بضاعته، فقد برئ من الكبر، يعني ما يشتري من السوق.

يا أباذرّ، من جر ثوبه خيلاء، لم ينظر الله (تعالى) إليه يوم القيامة.

يا أباذرّ، إزرة(٢) المؤمن إلى أنصاف ساقيه، ولا جناح عليه فيما بينه وبين كعبه.

يا أباذرّ، من رقع ذيله، وخصف نعله، وعفر وجهه، فقد برئ من الكبر.

يا أباذرّ، من كان له قميصان فليلبس أحدهما وليكن الآخر لاخيه.

يا أباذرّ، سيكون ناس من امتي يولدون في النعيم ويغذون به، همتهم ألوان الطعام والشراب، ويمدحون بالقول، أولئك شرار أمتي.

يا أباذرّ، من ترك لبس الجمال، وهو يقدر عليه تواضعا لله، كساه الله حلة

____________________

(١) قبال النعل: الزمام الذي يكون بين الاصبع الوسطى والتي تليها.

(٢) الازرة. هيئة الائتزار.

٥٣٨

الكرامة.

يا أباذرّ، طوبى لمن تواضع لله (عزّوجلّ) في غير منقصة، وأذل نفسه في غير مسكنة، وأنفق مالا جمعه في غير معصية، ورحم أهل الذل والمسكنة، وخالط أهل الفقر والحكمة، طوبى لمن صلحت سريرته، وحسنت علانيته، وعزل عن الناس شره، طوبى لمن عمل بعلمه، وانفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله.

يا أباذرّ، البس الخشن من اللباس، والصفيق(١) من الثياب، لئلا يجد الفخر فيك مسلكا.

يا أباذرّ، يكون في آخر الزمان قوم يلبسون الصوف في صيفهم وشتائهم، يرون أن لهم الفضل بذلك على غيرهم، أولئك يلعنهم ملائكة السماوات والارض.

يا أباذرّ، ألا أخبرك بأهل الجنة؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: كل أشعث أغبر ذي طمرين لا يوبه(٢) به لو أقسم على الله لابره.

١١٦٣/٢ - قال أبوذررحمه‌الله : ودخلت يوما على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو في المسجد جالس وحده، فاغتنمت وحدته فقال: يا أباذرّ، إن للمسجد تحية. قلت: وما تحيته، يا رسول الله؟ قال: ركعتان تركعهما.

ثم التفت إليه فقلت. يا رسول الله، أمرتني بالصلاة، فما الصلاة؟ قال: خير موضوع، فمن شاء أقل، ومن شاء أكثر.

قلت. يا رسول الله، أي الاعمال أحب إلى الله (عزّوجلّ) قال: الايمان بالله، ثم الجهاد في سبيله.

قلت: يا رسول الله، أي المؤمنين أكملهم إيمانا؟ قال: أحسنهم خلقا.

قلت: فأي المؤمنين أفضل؟ قال: من سلم المسلمون من يده ولسانه.

قلت: أي الهجرة أفضل؟ قال: من هجر السوء.

____________________

(١) الثوب الصفيق: الكثيف النسج.

(٢) الطمر: الثوب الخلق، ولا يؤبه به: لا يلتفت إليه ولا يعتد به.

٥٣٩

قلت: فأي الليل أفضل؟ قال: جوف الليل الغابر.

قلت: فأي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت.

قلت: فأي الصدقة أفضل؟ قال: جهد من مقل إلى فقير في سر.

قلت: فما الصوم؟ قال: فرض مجز وعند الله أضعاف ذلك.

قلت: فأي الزكاة أفضل؟ قال: أعلاها ثمنا، وأنفسها عند أهلها.

قلت: فأي الجهاد أفضل؟ قال: من عقر جواده، وأهرق دمه.

قلت: وأي آية أنزلها الله عليك أعظم. قال: آية الكرسي.

قال: قلت يا رسول الله، فما كانت صحف إبراهيمعليه‌السلام ؟ قال: كانت أمثالا كلها وكان فيها: أيها الملك المسلط المبتلى، إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض، ولكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم، فإني لا أردها وإن كانت من كافر أو فاجر فجوره على نفسه.

وكان فيها أمثال: وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن يكون له ساعات. ساعة يناجي فيها ربة، وساعة يتفكر في صنع الله (تعالى)، وساعة يحاسب فيها نفسه فيما قدم وأخر، وساعة يخلو فيها بحاجته من الحلال في المطعم والمشرب، وعلى العاقل أن لا يكون ظاعنا إلا في ثلاث: تزود لمعاد، أو مرمة لمعاش، أو لذة في غير محرم، وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه، مقبلا على شأنه، حافظا للسانه، فإن من حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه.

قلت: يا رسول الله، فما كانت صحف موسىعليه‌السلام ؟ قال: كانت عبرا كلها، وفيها: عجب لمن أيقن بالنار ثم ضحك، عجب لمن أيقن بالموت كيف يفرح، عجب لمن أبصر الدنيا وتقلبها بأهلها حالا بعد حال ثم هو يطمئن إليها، عجب لمن أيقن بالحساب ثم لم يعمل!

قلت: يا رسول الله، فهل في الدنيا شئ مما كان في صحف إبراهيم وموسىعليهما‌السلام مما أنزل الله عليك؟ قال: اقرأ يا أباذرّ( قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ ، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ ، بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ، وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ، إِنَّ هَـٰذَا لَفِي

٥٤٠